شرح العقيدة الطحاوية [5]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله.

وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد.

لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.

آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده.

وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء ]

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فصلة ما تقدم من كلام المؤلف رحمه الله في مسائل القدر قال رحمه الله: (وكلهم) أي: كل عباده وخلقه (يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله)، فالله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً، بل الخلق لا يخرجون عن فضل الله جل وعلا، فإن قصروا عن الفضل فلا يخرجون عن العدل، قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس:44] فالله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فمن هداه فبفضله، ومن وقع في الضلال فإنما يضل على نفسه، كما قال الله جل وعلا: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] والله جل وعلا أعلم بالمهتدين، وهو سبحانه وتعالى يعلم محال الفضل ومحال المن ومواضعه.

فلذلك لا يعترض على الله جل وعلا في هداية فلان وفي إضلال فلان، فهذا مما ينبغي أن يقر في قلب المؤمن، فإن الله جل وعلا حكم عدل، ليس في حكمه الكوني ولا في حكمه الشرعي نقص ولا ظلم، بل الظلم منتفٍ عن الرب، وهو مما حرمه الله جل وعلا على نفسه فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس:44]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً) فنفي الظلم عن الله يدل على أنه سبحانه وتعالى العدل الذي لا ظلم في شيء من أحكامه، وقد اعترض على ذلك بعض من بُلي في مسائل القدر، فلقي أحد العلماء فقال له: أرأيت إن منعني الهدى ثم أمرني به أيكون قد ظلمني؟ فقال له العالم الرباني العالم بربه جل وعلا: إن كان قد منعك شيئاً هو لك فقد ظلمك، والله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً، بل الله جل وعلا لا ينفك عباده مسلمهم وكافرهم من خيره وفضله. فلا أحد أصبر على أذىً من الله سبحانه وتعالى، فإنهم يشتمونه ويسبونه وينسبون إليه الولد وهو جل وعلا يعافيهم ويرزقهم ويمدهم سبحانه وتعالى بما تقوم به حياتهم ويصلح به معاشهم، فكل العباد المسلم والكافر يتقلبون في مشيئته، يعني: فيما يقدره ويقضيه بفضله وعدله، سبحانه وتعالى.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد).

الأضداد: جمع ضد، والضد: هو المناوئ المعارض المقابل، والله جل وعلا لا ضد له، فإنه لا يقوم شيء لإرادته ولا يقوم شيء أمامه سبحانه وتعالى، بل هو القوي العزيز الذي لا راد لقضائه جل وعلا.

وقول المؤلف رحمه الله: (متعالٍ عن الأضداد) يرد بذلك على المعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، وإن العبد يشاء ما لا يشاؤه الله، وإن العبد يخرج بأفعاله عن أقدار الرب جل وعلا، فهذا فيه الرد على هؤلاء.

وهذه الكلمة: (متعالٍ عن الأضداد) يستعملها أهل العلم رحمهم الله في كلامهم، فقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في افتتاح كتاب (إغاثة اللهفان) ومعناها كما ذكرنا: أنه لا أحد يقوم في مضادة الرب جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى لا يقوم له شيء.

وأما قوله: (والأنداد) فالأنداد: جمع ند، والند هو: المثيل والمكافئ والنظير، ويطلق أيضاً على المناوئ، لكن المراد به هنا: المثيل والنظير، فنزه المؤلف رحمه الله الرب جل وعلا عمن يعارضه ويضاده ويخالف أمره، ونزهه سبحانه وتعالى عن أن يكون له ند ونظير ومثيل، كما قال الله سبحانه وتعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، وكما قال سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فهذا أمر واضح وقد تقدم تقريره.

قضاء الله عز وجل الكوني نافذ لا يرد

ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) جل وعلا، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: لا أحد يقوم برد قضاء الله جل وعلا، بل كما قال عن نفسه: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، فأمر الله جل وعلا وقضاؤه ماضٍ لا راد له.

والمراد بالقضاء هنا: القضاء الكوني الخلقي القدري ، وأما القضاء الشرعي فإنه يُرد؛ لأنه ليس لازم الوقوع، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: أنه لا يُرد ما قضاه سبحانه وتعالى وقدره، فإذا قضى الله جل وعلا بالموت على أحد فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى لأحد بالنجاح فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى بالسعادة لأحد فلا يمكن أن يرده أحد، (لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع)، بل قضاؤه جل وعلا ماضٍ.

والقضاء هنا المراد به: القضاء الكوني، وأما القضاء الشرعي فيرد، ولذلك رد أهل الشرك قضاء الله عز وجل في عبادته، فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ، فردوا هذا القضاء وعبدوا غير الله، فقول المؤلف: (لا راد لقضائه) أي: لا راد لقضائه الكوني القدري الخلقي.

قال رحمه الله: (ولا معقب لحكمه) أي: لا مؤخر لحكمه، فإذا قضى الله جل وعلا أمراً فإنه لا يؤخر، كما قال سبحانه وتعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فإذا قضى الله أجلاً معيناً في وقت معين فإنه لا يتأخر ولا يتقدم.

وهذا من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) وقد وصف الله جل وعلا نفسه بذلك في قوله: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41] فإنه لا معقب لحكم الله جل وعلا.

وكذلك من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) أي: لا متتبع لحكمه، بل حكمه نافذ لا يتتبعه أحد ولا ينظر فيه ويتأمل، ولا يرد البعض ويقبل البعض، بل حكمه جل وعلا الكوني نافذ ولا معقب له ولا راد له ولا متتبع له، بل هو جل وعلا الحكيم الخبير الذي إذا حكم وقضى فإنه لا يُرد قضاؤه ولا يُعقب حكمه سبحانه وتعالى.

ثم قال: (ولا غالب لأمره) بل الله جل وعلا غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقال تعالى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3] فالله جل وعلا يسوق المقادير إلى المقدورات أي: إلى مواضع القدر، فهو سبحانه وتعالى يسوق عباده إلى ما قضاه وقدره، وكل ميسر لما خلق له.

قال رحمه الله: (لا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) سبحانه وتعالى، والحكم والقضاء والأمر هنا هو كله في القضاء والحكم والأمر الكوني.

وكذلك يمكن أن يقال: لا معقب لحكمه الشرعي من حيث أنه لا يبدل ولا يغير، ولكن من حيث الفعل فإنه قد يُرد وقد يعقب عليه وينتقد، لكن هذا لا يضر حكم الله جل وعلا بشيء.

والظاهر أن الجميع؛ القضاء، والحكم، والأمر، في هذه العبارات كلها تدور على معنى القضاء والحكم والأمر الكوني.

ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: آمنا بما تقدم مما تقرر في هذه العقيدة.

وقوله: (آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: ما قضاه الله جل وعلا وقدره وشاءه فذلك كله بتقديره، فسعادة السعيد بتقديره، وشقاء الشقي بتقديره.

والمؤلف رحمه الله ختم هذا المقطع بهذه العبارة؛ لأنه سينتقل إلى تقرير عقد أو أصل جديد من أصول الاعتقاد وأصول الإيمان، فناسب أن يختم ما تقدم بهذه العبارة تأكيداً وتقريراً لما تضمنه قوله رحمه الله: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له .. . إلخ).

فيقول: (آمنا بذلك) يعني: بكل ما ذكرنا أننا نعتقده، (وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: أن اعتقادنا ذلك إنما هو امتثال لله عز وجل وامتثال لما جاء في كتابه وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) جل وعلا، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: لا أحد يقوم برد قضاء الله جل وعلا، بل كما قال عن نفسه: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، فأمر الله جل وعلا وقضاؤه ماضٍ لا راد له.

والمراد بالقضاء هنا: القضاء الكوني الخلقي القدري ، وأما القضاء الشرعي فإنه يُرد؛ لأنه ليس لازم الوقوع، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: أنه لا يُرد ما قضاه سبحانه وتعالى وقدره، فإذا قضى الله جل وعلا بالموت على أحد فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى لأحد بالنجاح فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى بالسعادة لأحد فلا يمكن أن يرده أحد، (لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع)، بل قضاؤه جل وعلا ماضٍ.

والقضاء هنا المراد به: القضاء الكوني، وأما القضاء الشرعي فيرد، ولذلك رد أهل الشرك قضاء الله عز وجل في عبادته، فإن الله سبحانه وتعالى قال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ، فردوا هذا القضاء وعبدوا غير الله، فقول المؤلف: (لا راد لقضائه) أي: لا راد لقضائه الكوني القدري الخلقي.

قال رحمه الله: (ولا معقب لحكمه) أي: لا مؤخر لحكمه، فإذا قضى الله جل وعلا أمراً فإنه لا يؤخر، كما قال سبحانه وتعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، فإذا قضى الله أجلاً معيناً في وقت معين فإنه لا يتأخر ولا يتقدم.

وهذا من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) وقد وصف الله جل وعلا نفسه بذلك في قوله: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41] فإنه لا معقب لحكم الله جل وعلا.

وكذلك من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) أي: لا متتبع لحكمه، بل حكمه نافذ لا يتتبعه أحد ولا ينظر فيه ويتأمل، ولا يرد البعض ويقبل البعض، بل حكمه جل وعلا الكوني نافذ ولا معقب له ولا راد له ولا متتبع له، بل هو جل وعلا الحكيم الخبير الذي إذا حكم وقضى فإنه لا يُرد قضاؤه ولا يُعقب حكمه سبحانه وتعالى.

ثم قال: (ولا غالب لأمره) بل الله جل وعلا غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقال تعالى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3] فالله جل وعلا يسوق المقادير إلى المقدورات أي: إلى مواضع القدر، فهو سبحانه وتعالى يسوق عباده إلى ما قضاه وقدره، وكل ميسر لما خلق له.

قال رحمه الله: (لا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) سبحانه وتعالى، والحكم والقضاء والأمر هنا هو كله في القضاء والحكم والأمر الكوني.

وكذلك يمكن أن يقال: لا معقب لحكمه الشرعي من حيث أنه لا يبدل ولا يغير، ولكن من حيث الفعل فإنه قد يُرد وقد يعقب عليه وينتقد، لكن هذا لا يضر حكم الله جل وعلا بشيء.

والظاهر أن الجميع؛ القضاء، والحكم، والأمر، في هذه العبارات كلها تدور على معنى القضاء والحكم والأمر الكوني.

ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: آمنا بما تقدم مما تقرر في هذه العقيدة.

وقوله: (آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: ما قضاه الله جل وعلا وقدره وشاءه فذلك كله بتقديره، فسعادة السعيد بتقديره، وشقاء الشقي بتقديره.

والمؤلف رحمه الله ختم هذا المقطع بهذه العبارة؛ لأنه سينتقل إلى تقرير عقد أو أصل جديد من أصول الاعتقاد وأصول الإيمان، فناسب أن يختم ما تقدم بهذه العبارة تأكيداً وتقريراً لما تضمنه قوله رحمه الله: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له .. . إلخ).

فيقول: (آمنا بذلك) يعني: بكل ما ذكرنا أننا نعتقده، (وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: أن اعتقادنا ذلك إنما هو امتثال لله عز وجل وامتثال لما جاء في كتابه وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.