شرح العقيدة الطحاوية [20]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: [ وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات، والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ويملك كل شيء ولا يملكه شيء، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله تعالى طرفة عين فقد كفر، وصار من أهل الحين، والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى].

قوله رحمه الله: [ وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات ].

هذه المسألة صلتها بكتب الفروع ألصق منها بكتب الاعتقاد، لكن ذكرها المؤلف رحمه الله رداً على من قال بأنه لا ينتفع الأموات من عمل الأحياء بشيء، وهذا تكذيب لما أجمعت عليه الأمة من وصول نفع بعض الأعمال إلى الأموات؛ فإن الأمة أجمعت على أن الدعاء ينتفع به المدعو له حياً أو ميتاً وهو ليس من سعيه ولا من عمله إنما من عمل غيره، وقد وقع الخلاف في بعض الأعمال هل ينتفع بها الأموات أو لا، كالصدقات وأشباهها.

فذكر المؤلف لهذه المسألة في كتب الاعتقاد لبيان ما يعتقده أهل السنة والجماعة من انتفاع الأموات بدعاء الأحياء وصدقاتهم، رداً على من نفى ذلك مطلقاً من القدرية وغيرهم، حيث قالوا: لا ينتفع الإنسان بعمل غيره مطلقاً. وهذا تكذيب لما دلت عليه النصوص من ثبوت أصل الانتفاع، أما تفاصيل الانتفاع فإن في ذلك خلافاً بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن الميت لا ينتفع بغير الدعاء، وأما العمل فإنه لا ينتفع منه الميت بل هو لصاحبه؛ لقول الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39]، وما أشبه ذلك من الآيات التي فيها نفي ملك الإنسان لعمل غيره، ولكن الصحيح في هذه المسألة الفروعية أن الإنسان ينتفع بعمل غيره دعاءً وصلاة وزكاة وحجاً، وغير ذلك من أعمال البر، وليس في الآية ما يدل على امتناع النفع، وقد جاء ما يدل على انتفاع الإنسان بصدقة غيره وبحجه وبصومه، وكذلك بقية العبادات لعدم المانع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه المسائل كلها سئل فأجاب بالانتفاع والجواز، فدل على أن كل أعمال البر كذلك، فإنه ينتفع بها الميت وتصل إليه، وأما آية: وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] فإنها لا تدل على عدم انتفاع الإنسان بعمل غيره، إنما تدل على أن الإنسان لا يملك إلا سعي نفسه، ثم إذا ملك سعي نفسه فإن له أن يتصرف فيه بما شاء كهبته لغيره، فالآية ليس فيها قطع انتفاع الإنسان بعمل غيره، بل فيها أنه لا يملك إلا سعي نفسه ملكاً وانتفاعاً، فإذا وهب ملكه ونفعه لغيره فذلك له، ولا يمنع من ذلك، ودلت الأدلة على جواز هذا.

وقوله: [ وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات ] خص الأموات بالانتفاع مع أن الانتفاع في الدعاء يكون كذلك للأحياء؛ لأن الغالب في ذلك أن يكون للأموات، ولأن الصدقات تكون في الغالب للأموات، والسؤال الذي وجه للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورد عن الصدقة للميت، وكذلك الحج، وكذلك الصوم، فالنصوص وردت في الأموات، ولا يمنع أن ينتفع الأحياء من ذلك، لكن ذكر ذلك لأنه محل الخلاف، ثم إن الخلاف في الأحياء أشد بين أهل العلم، فمن العلماء من يرى أن الحي لا ينتفع بعمل غيره مطلقاً، وإن كان يجيز أن ينتفع الميت بذلك، والصحيح أن كل عمل صالح يفعله الإنسان ويهديه إلى حي أو ميت فإنه يصل إليه، وليس في النصوص ما يدل على المنع، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فهذا ليس فيه دليل على ما ذهب إليه بعض العلماء من أن العمل لا يصل إلى الميت، وهو مذهب بعض العلماء من المتقدمين وغيرهم، ومن أهل السنة وغيرهم؛ لأن الحديث فيه انقطاع عمل الإنسان نفسه، وليس فيه قطع انتفاعه بعمل غيره، بل في الحديث ما يشير إلى انتفاعه بعمل غيره في قوله: (أو ولد صالح يدعو له)، فدل ذلك على أنه ينتفع بعمل غيره، لكن هل يوجه الناس إلى إهداء الأعمال وإهداء ثوابها إلى الأموات؟ الجواب: لا، فالأصل في العمل أن يكون للإنسان ماعدا الدعاء؛ فإن الدعاء ينتفع منه الطرفان، فينتفع منه الداعي وينتفع منه المدعو له؛ ولذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء في قوله: (أو ولد صالح يدعو له)، أما العمل من الحج أو العمرة أو الصدقة فالأولى بها الإنسان نفسه، ولا يعني هذا أنه لا يجوز الوهب، بل يجوز لكن الجواز غير الأفضل الذي يوجه إليه الناس، فالذي يوجه إليه الناس أن يعملوا لأنفسهم، وأن يدعوا لغيرهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو ولد صالح يدعو له).

ثم قال رحمه الله: [ والله يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات ].

الله جل وعلا هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وما من داع يدعو الله جل وعلا إلا وهو موعود بالخير، قال جل وعلا: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، فأمر الله جل وعلا بالدعاء، ووعد بالإجابة، وهذا وجه قول المؤلف رحمه الله: [والله يستجيب الدعوات]، لكن تنبه إلى أنه لا يلزم من الاستجابة حصول ما دعوت به، فالله جل وعلا عليم خبير، والله سبحانه وتعالى يعلم ما يصلح العبد، فقد يدعو العبد بما يرى صلاحه فيه، ويكون صلاحه في عدم حصول المطلوب، فيكون من الخير والبر والفضل والإحسان من رب العالمين إلى هذا العبد ألا يحقق له المطلوب، حتى وإن كان يظن أنه خير، ويعتقد أنه صلاح له، فالله عليم خبير لا يقدم لعبده إلا ما يصلحه. ولذلك فما من داع يدعو إلا ويجد الثواب والأجر من رب العالمين هذا أولاً، أما تحصيل مطلوبه وتحقيق دعائه وطلبه فإن هذا ليس بلازم؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد يجيبه إلى ما دعا ويعطيه ما سأل، وقد يمنعه ذلك، لكن إن منعه ذلك فإنه لا يخلو من أمرين: إما أن يدفع عنه من السوء نظير ما دعا، وإما أن يدخرها له في الآخرة، ولاشك إنه إن ادخرها له في الآخرة فهو أعظم إحساناً؛ لأن الإنسان في الآخرة أحوج ما يكون إلى الخير، وأحوج ما يكون إلى ما ينفعه؛ ولذلك ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بربه، وألا يظن بربه إلا الخير أجيب أم لم يجب، أعطي أم لم يعط؛ فإن الله سبحانه وتعالى إذا عامله العبد بهذا كان الله جل وعلا إليه سريعاً في الخيرات، قريباً في تحقيق المطالب، فمن تمام التسليم لرب العالمين أن يسلم العبد لله عز وجل، وأن يفوض إليه جل وعلا الاختيار في تحقيق الطلب أو عدم تحقيقه، ولا يمنع هذا من أن يلح العبد في دعائه وسؤاله وضراعته وتكرار المسألة؛ فإن الله سبحانه وتعالى أكثر من العبد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من داع يدعو الله عز وجل إلا كان له إحدى ثلاث خصال: فإما أن يعطيه ما سأله، وإما أن يدفع عنه من الشر نظير ما سأل، وإما أن يدخرها له في الآخرة، قال الصحابة: إذن نكثر يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكثر)، أي: أكثر من العبد، فشأن الله تعالى يختلف، وشأن الله أعظم، فهو يتعرض لعباده بالمسألة، فهو جل وعلا الغني الكريم، وهو المتفضل المحسن على عباده، ولا حاجة به إلى أحد، وهو القيوم الصمد الذي تنزل به الحوائج وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ [محمد:38]، ومع ذلك ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة يقول: (هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)، وانظر إلى هذا التدرج، حيث يبدأ بالدعاء الذي يشمل كل سائل، سواء أكان يدعوه بسؤال، أم بغير سؤال، ثم ما هو أخف (هل من سائل فأعطيه)، ثم ما هو أخف في المسألة: (هل من مستغفر فأغفر له)، وهذا كله لبيان سعة الفضل، وعظيم المن، وعظيم العناية من رب العالمين بعباده، فالله سبحانه وتعالى يجيب الدعوات ويقضي الحاجات، لكن ذلك وفق ما تقتضيه رحمته وحكمته، فقد يكون من الحكمة والرحمة أن يمنع الله جل وعلا العبد ما سأل، لا بخلاً منه؛ فالله جل وعلا يده سحاء بالخير، ينفق في الليل والنهار، لا تغيض النفقة ما في يده، فإذا منعك فإنه لا يمنعك بخلاً فهو الغني الحميد، إنما يمنعك إصلاحاً وتربيةً، فإذا عامل العبد ربه بهذا فإنه سينشرح صدره لما يقع من إجابة أو عدمها، ثم يعلم أن ربه سبحانه وتعالى المقدم المؤخر الذي لا يقدم له إلا الخير، ولا يمنع عنه إلا الشر.

قال رحمه الله: [ويملك كل شيء ولا يملكه شيء]. وهذا كالجواب على من دعا فلم يعط، وقطع شبهة البخل التي اتهم بها اليهود رب العالمين، وهو جل وعلا الغني الحميد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، وقال تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ [محمد:38]، وقال الله جل وعلا: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]، ثم قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، فالمنع ليس لأنه لا يملك ما تسأل، إنما المنع لحكمة ورحمة، وليس فقط لحكمة إنما أيضاً لرحمة بالعبد؛ فإن الله يرحم العبد بمنعه، كما أنك ترحم الصغير -ولله المثل الأعلى- بمنعه من الرضاع، وهو يبكي ويصيح يريد الرضاع، لكن ترى أن مصلحته في منعه من الرضاع، فتمنعه لأنه إن شب على الرضاع لن تنفطم نفسه، بل سيبقى على هذا الذي لا يقيم بدنه، فإن الرضاع في السنتين الأوليين يقوم به البدن، لكن بعد ذلك إذا استقل بالرضاع واستمر عليه لا يمكن أن يقوم بدنه بالحليب، فكان من الرحمة أن تمنعه هذا، فذلك حال العبد مع ربه، بل الشأن أعظم، فالله جل وعلا أرحم بعبده من الوالد بولده.

يقول رحمه الله: [ويملك كل شيء] والأدلة على ملك الله عز وجل كثيرة، قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26]، وقال تعالى: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255]، والآيات في ذكر ملك الله جل وعلا لكل شيء كثيرة.

قال: [ولا يملكه شيء] ولا إشكال في أنه لا يملكه شيء سبحانه وتعالى، بل هو المالك لكل شيء.

قال: [ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين]. هذا أيضاً فيه الرد على من قال: دعوت فلم يستجب لي. فيترك الدعاء ويستحسر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم)، فقوله: (يستجاب) أي: يحصل له جواب سؤاله إما بتحقيق المطلوب أو بغير ذلك مما جاءت به النصوص من أوجه الإجابة، فإن من دفع عنه الشر نظير ما دعا فقد أجيب، ومن ادخر له أجر ما دعا فقد أجيب، فالداعي لا يرجع من رب العالمين إلا بخير، فهو الحيي الكريم الذي يستحيي أن يرد يدي عبده صفراً -أي: خالياً من الخير- بل لابد أن يرجع بخير.

فقوله: [ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين] أي: لا غنى للعبد مهما كان حتى لو لم يجب فإنه لا غنى له عن ربه، فيلجأ إليه، ويتوسل إليه، ويتضرع بين يديه، ويسأله سبحانه وتعالى، ولا أعظم ولا أيسر في الوصول إلى رب العالمين وإلى فضله من باب الافتقار إلى الله جل وعلا؛ فإن العبد إذا افتقر إلى الله جل وعلا وأظهر افتقاره إلى ربه وأيقن أنه ما من ذرة في بدنه إلا وهي مفتقرة إلى الله جل وعلى؛ كان ذلك من أسباب الخير له، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جيداً في هذا فقال عن نفسه: (أقبلت على الله جل وعلا من أبواب الخيرات والطاعات كلها، فوجدت على الأبواب الزحام- يعني: كثرة من يقبل على الله من هذه الأبواب - فلم أسلم من المزاحمة، فولجت باب الافتقار فوجدت قرب حصول المطلوب مع عدم حصول المزاحمة)، فإن كثيراً من الناس يغفلون عن هذا الوصف الذاتي لهم، وهو افتقارهم إلى الله عز وجل.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (من رغب في السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية)، فالسعادة الأبدية الدائمة التي لا تنقطع في الدنيا والآخرة في لزوم عتبة العبودية، كما نقل ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولزوم عتبة العبودية تحصل للعبد بكمال الذل لله جل وعلا، وغاية الحب له سبحانه وتعالى، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، لا في ليل ولا في نهار، ولا في يقظة ولا في منام، ولا في صحة ولا في مرض واعتلال، ولا في غنى ولا في افتقار، فالعبد مفتقر إلى الله جل وعلا فقراً ذاتياً لا يمكن أن ينفك عنه، لكن الناس يغفلون ويظنون أنهم أغنياء عن الله عز وجل بما مكنهم، والإنسان إذا بلي بداء الاغتناء وشعر أنه غني عن الله عز وجل حصل منه شر عظيم، كما قال تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، يعني: إذا رأى غنى نفسه عن الله، لكن مادام يرى فقر نفسه إلى ربه جل وعلا فإنه لا يمكن أن يصيبه الطغيان والخروج عن مقتضى العبودية.

يقول رحمه الله: [ ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين].

الكفر هنا يشمل الكفر الأصغر والكفر الأكبر، لكن الكفر الأكبر يحصل بأن يظن الإنسان ويعتقد أنه لا حاجة به إلى ربه، ولاشك أن هذا كفر، وهو أعظم الكفر؛ لأنه جحد للربوبية؛ لأن من مقتضى الربوبية أن توقن أن كل خير يصل إليك إنما هو من الله جل وعلا، فمن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين. أي: من أهل الهلاك.

الصفات الفعلية ثابتة للرب جل جلاله

قال رحمه الله: [ والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى ].

هذا فيه إثبات صفات الفعل للرب جل وعلا، وصفات الفعل ثابتة لله سبحانه وتعالى بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، قال الله جل وعلا في وصف نفسه: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107]، وأما إثبات الفعل فالأدلة عليه كثيرة، فهو يغفر لمن يشاء، ويحب من يشاء، ويغضب جل وعلا، ويعفو، فالأفعال التي أضافها الله سبحانه وتعالى إليه كثيرة في كتابه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4]، وقال تعالى: يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، فالآيات التي فيها إثبات صفات الفعل أكثر من أن تحصى، وهذا الذي فيه التصريح بالفعل.

أما ما دل على الفعل فهو كثير جداً، وكذلك في السنة، فالله جل وعلا موصوف بصفات الفعل، وبعض صفات الفعل هي الصفات التي تتعلق بالمشيئة، فمتى شاء فعل ومتى شاء لم يفعل، ومن ذلك الغضب والرضا، فالغضب صفة كمال لله عز وجل لا نقص فيها، بل هي من كماله سبحانه وتعالى، فإن من الكمال أن يغضب القادر على من يستحق الغضب، وقد دل عليها قول الله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] في حق من قتل مؤمناً متعمداً، ومن أدلة إثبات الغضب قول الله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]، وأما الرضا فالآيات فيه كثيرة، منها قوله جل وعلا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:8] في حق السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان، وقال سبحانه وتعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72]، وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، والله يغضب ويرضى، والغضب والرضا أنكرهما المئولة المنحرفون عن طريق أهل السنة والجماعة بجميع أصنافهم من أهل الكلام، فأنكرها المعتزلة، وأنكرها الأشاعرة، فأولوا الغضب والرضا إما بإرادة الثواب والعقاب وإما بالثواب والعقاب نفسه، فمثبتة الصفات من أشاعرة ونحوهم قالوا: الغضب والرضا هو إرادة الإثابة وإرادة العقوبة. وأما المعتزلة فأولوا الغضب والرضا بالثواب والعقاب نفسه؛ لأنهم لا يثبتون صفة الإرادة للرب جل وعلا.

قال رحمه الله: [ والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى ].

هذا فيه إثبات صفات الفعل للرب جل وعلا، وصفات الفعل ثابتة لله سبحانه وتعالى بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، قال الله جل وعلا في وصف نفسه: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107]، وأما إثبات الفعل فالأدلة عليه كثيرة، فهو يغفر لمن يشاء، ويحب من يشاء، ويغضب جل وعلا، ويعفو، فالأفعال التي أضافها الله سبحانه وتعالى إليه كثيرة في كتابه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4]، وقال تعالى: يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، فالآيات التي فيها إثبات صفات الفعل أكثر من أن تحصى، وهذا الذي فيه التصريح بالفعل.

أما ما دل على الفعل فهو كثير جداً، وكذلك في السنة، فالله جل وعلا موصوف بصفات الفعل، وبعض صفات الفعل هي الصفات التي تتعلق بالمشيئة، فمتى شاء فعل ومتى شاء لم يفعل، ومن ذلك الغضب والرضا، فالغضب صفة كمال لله عز وجل لا نقص فيها، بل هي من كماله سبحانه وتعالى، فإن من الكمال أن يغضب القادر على من يستحق الغضب، وقد دل عليها قول الله تعالى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93] في حق من قتل مؤمناً متعمداً، ومن أدلة إثبات الغضب قول الله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف:55]، وأما الرضا فالآيات فيه كثيرة، منها قوله جل وعلا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [البينة:8] في حق السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان، وقال سبحانه وتعالى: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72]، وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، والله يغضب ويرضى، والغضب والرضا أنكرهما المئولة المنحرفون عن طريق أهل السنة والجماعة بجميع أصنافهم من أهل الكلام، فأنكرها المعتزلة، وأنكرها الأشاعرة، فأولوا الغضب والرضا إما بإرادة الثواب والعقاب وإما بالثواب والعقاب نفسه، فمثبتة الصفات من أشاعرة ونحوهم قالوا: الغضب والرضا هو إرادة الإثابة وإرادة العقوبة. وأما المعتزلة فأولوا الغضب والرضا بالثواب والعقاب نفسه؛ لأنهم لا يثبتون صفة الإرادة للرب جل وعلا.