خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
سلسلة حول دخول البرلمان طريق البرلمان الرأي والرأي الآخر
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)، والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأولهن نقضاً الحكم) وفي هذا دليل على أن الإسلام دين ودولة، وأن الاشتغال بالسياسة بالمفهوم الإسلامي هو من صميم هذا الدين، بل -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- من عرى هذا الدين، فأول عرى الإسلام نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية) يعني: بيعة للحاكم المسلم.
هذا، ونحن نتعرض لموضوع الساعة وهو ما يتعلق بالعمل السياسي في المفهوم الإسلامي فلا ينبغي أن ننحصر في مفهوم الحكم، فإذا قلنا: العمل السياسي في الإسلام فلا نعني فقط ما يتعلق بالحكم، وإنما مصطلح العمل السياسي أوسع بكثير من مجرد الحكم، فالسياسة تشمل قيادة الناس، والاهتمام بالأمور العامة، وشئون الحكم منها، وعلاقة الدول بعضها ببعض، وغير ذلك.
فمن المسلمات التي لا يقول بعكسها إلا من ليس له حظ في الإسلام أن الإسلام دين ودولة، وربما لم يجتمع وصف الرسالة مع وصف الحكم والملك إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد اجتمع وصف نبي وملك في حق داود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام, أما رسول بجانب الحكم والقيادة فالوحيد الذي جمع بينهما في أكمل صورة هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جمع بين مهمة الدعوة والبشارة والنذارة، وبين ممارسة واجبات الحاكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت كان حاكماً وقائداً وليس مجرد مرشد أو مبلغ كما يدعي البعض, بل كان حاكماً كما قال له الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال له عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49] إلى آخر الآية، وكان قائداً كما قال الله له: فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:84]، بل عاتبه الله سبحانه وتعالى في إذنه للذين استأذنوه في التخلف عن الجهاد فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ [التوبة:43]، ومارس القيادة العسكرية حينما عين أسامة بن زيد رضي الله عنهما قبل وفاته مباشرة لغزو الروم, وقال عليه الصلاة والسلام: (مروا
لقد مارس المسلمون السياسة في عهود الخلافة لمدة تقارب الثلاثة عشر قرناً، ابتداء من أروع أنموذج للخلافة الراشدة بعد النبي عليه الصلاة والسلام في عهد الخلفاء الراشدين، ثم في عهد بني أمية، ثم في عهد بني العباس، ثم في عهد بني أيوب، ثم في عهد بني عثمان, على تفاوت في درجة الالتزام بالشريعة كمرجعية إسلامية بصورة كاملة، ولا شك أن الأنموذج الأمثل للسياسة كان في عهد الخلفاء الراشدين، ثم بعد ذلك كانت المسألة نسبية، لكن بقي الإسلام هو الإطار المرجعي العام الذي يتحاكم إليه المسلمون بلا نقاش ولا خلاف أو انحراف بينهم في ذلك، حتى سقطت الخلافة العثمانية في سنة (1923م), والخلافة كانت قد آلت إلى مراحل من الضعف نتيجة الانحراف عن الشريعة الإسلامية في فتراتها الأخيرة, التي ظهر فيها الانحلال والتدهور، فكانت مهيأة للسقوط, فما فعله أتاتورك هو أن الجدار كان آيلاً للسقوط فهو دفعه بيده فسقط ولو كان جداراً متيناً لما سقط بتلك السهولة، لكن كانت هناك أسباب أخرى للضعف انتهت بانهيار الخلافة العثمانية وغيابها، لكن كان المسلمون حتى في حالات الضعف يعزون أنفسهم بأن لهم خليفة ولهم بيعة في عنقه، ولهم كذا وكذا..، لكن حتى هذا الوضع الشكلي الذي آلت إليه الخلافة العثمانية انتهى بإقصائها تماماً على يد أتاتورك وأعوانه.
وأول شؤم بعد سقوط الخلافة وضعف المسلمين في تلك المرحلة هو تقسيم الأمة الإسلامية إلى أقاليم جغرافية متعددة على أيدي أعداء الإسلام من الإنكليز والفرنسيين وغيرهم من أعداء الله سبحانه وتعالى؛ تطبيقاً لمبدئهم المعروف: فرق تسد, وكان الإنكليز وراء ما يسمى بالثورة العربية، وأشرفوا على عملية الانفصال بين الأتراك وبين العرب.
والأثر الثاني أن هذه الأقاليم خضع معظمها للاستعمار العسكري الكافر سواء انجلترا أو فرنسا أو إيطاليا أو هولندا أو روسيا، ثم حكمتها حكومات أقامها الاستعمار ممن يطيعه، مما نستطيع أن نسميه استعماراً وطنياً كما هو الحال الآن في العراق، حيث تنتقي الدولة المستعمرة أناساً يقومون هم بالتصدي لتنفيذ سياساتها وأغراضها، فهذا نوع من الاستعمار لكن بأيدي أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
ثم بعد ذلك شرع الكفار المستعمرون في استبدال القوانين الإسلامية والنظم الإسلامية بقوانين كافرة تنافي شريعة الإسلام، وهذه مرحلة الاستعمار التشريعي.
ثم بعد ذلك بدأ الزحف إلى مناهج التعليم فغيرت، ونشأت بسببها أجيال تعتنق المفاهيم الغربية وتعادي الإسلام ولا تعتز بالانتماء إلى الهوية الإسلامية، وهذا هو الاستعمار التعليمي والفكري.
لقد ألغيت الخلافة الإسلامية تماماً من الوجود, بل صدر في تركيا قانون يعتبر أن العمل لاسترداد الخلافة الإسلامية أو الدعوة إليها جريمة يعاقب عليها, حتى أن أربكان لما أراد أن يرشح نفسه للرئاسة أراد بعض الصحفيين أن يورطه في كلام يطبق عليه هذا القانون فبالتالي يقصى عن النشاط السياسي، فقال له: إذا وصلت إلى الحكم فكيف ستحكم تركيا؟
فاضطر أن يجيب إجابة تصور الخوف والوضع المتردي الذي وصل إليه المسلمون في تركيا, وأجاب إجابة ذكية ليهرب من هذا الفخ الذي نصبه له هذا الصحفي، وفي نفس الوقت يجيب بما يعتقده فقال: سوف أحكم تركيا بالنظام الذي كان يحكمها يوم أن كانت تسود العالم. وكل هذا هروباً من كلمة النظام الإسلامي حتى لا يتهم بأنه يريد إعادة الخلافة!
وبعد ذلك جاءت مرحلة نهب ثروات المسلمين واستغلالها وإذلال المسلمين, ثم أتت بعد ذلك مرحلة خروج الاستعمار من بلاد المسلمين، لكنه لم يغادر إلا بعد أن أرسى دعائم استمرار هذه الأنواع من الاستعمار، وترك خلفه واقعاً مغايراً للإسلام يصعب تغييره إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى.
من هذا الركام الذي وصل إلينا من خلال الاحتكاك بالعالم الغربي ومن خلال سفراء الغرب لدينا أو تجار الشنطة الثقافية كما يطلقون عليهم أن نبعت فكرة الديمقراطية كنظام يتبع، وأنه المخرج، وأنه النظام الأمثل.. إلى غير ذلك, فكانت هذه الفكرة من الأفكار التي وردت إلينا من الغرب، والغرب يحاول تسخيرها ليصل بها إلى مصالحه في البلاد الإسلامية.
والديمقراطية لو فرض جدلاً أنها تطبق فإنها نظام وفكرة نابعة من الثقافة الغربية, وهي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، يعني: أن يكون الشعب هو مصدر السلطات, والإسلام يرفض الديمقراطية تماماً باعتبارها لا تتوافق مع عقيدتنا ولا مع ثقافتنا الإسلامية لأسباب كثيرة سوف نفصلها إن شاء الله تعالى فيما بعد, لكن أهم الفروق التي بين النظامين: أن الدعاة إلى الإسلام يقولون: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, ويقولون: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19], وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ويقولون: إن الإسلام هو محور الحياة وهو منهج الحياة, امتثالاً لقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، أما دعاة الديمقراطية الغربية فهم يقولون: خير الهدي هدي الغرب!
إذاً: يوجد افتراق عقائدي من المنبع ومن الأصل, نحن عقيدتنا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم, أما هم فيقولون: خير الهدي هدي الغرب, وهو النموذج الأمثل الذي ينبغي أن نتبعه، وهو المخرج، بخلاف شعارنا أن الإسلام هو منهج الحياة, والعبارة التي تشيع الآن وهي (الإسلام هو الحل) هي عبارة صحيحة، لكنها عبارة قاصرة, الإسلام فعلاً هو الحل وهو المخرج كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، لكن هي عبارة قاصرة؛ لأن الإسلام لا ينظر إليه على أنه مجرد حل, بل هو بالنسبة إلينا منهج متكامل للحياة، حتى لو كلفنا الغالي والنفيس, ولو كلفنا دماءنا وأموالنا وأرواحنا فإننا نبذل ذلك طواعية في سبيل إعداده, فعبارة (الإسلام هو الحل) قاصرة، لأن بعض الدول الكافرة قد تدرس النظام القضائي في الإسلام فترى أنه الحل الأمثل فعلاً لمشكلتها فتمتثله, لا طاعة لله ولرسوله، ولا تأخذ به من باب العبودية لله عز وجل، وإنما من باب إدراك المصالح التي تتحقق من تطبيق الشريعة الإسلامية, فهم قد يقولون: (الإسلام هو الحل) في جزئية معينة, أما نحن فلا ننكر عبارة (الإسلام هو الحل) إذا أطلقها مسلمون واعون, لكن نقول: هي عبارة قاصرة، وأشمل منها أن نقول: الإسلام هو منهج الحياة المتكامل، ونحن لا نلجأ إليه فقط ليحل مشاكلنا، ونحصد ما يترتب على امتثاله من بركات, وإنما نمتثله حتى ولو كان التزامنا به يكلفنا أرواحنا ودماءنا وأموالنا، فإننا نبذلها في سبيل الله تبارك وتعالى.
أما الديمقراطية فهي تعني حكم الشعب بالشعب وللشعب, فبدل ما يعبد وثن واحد: هبل أو اللات أو العزى, فإن الشعب كله يكون آلهة له حق التشريع والتحليل والتحريم, فالحكم في الديمقراطية للأغلبية أياً كانت نوعية هؤلاء الناس، أما في الإسلام فمفهوم الشورى بالمعنى الشرعي الواسع يخالف هذا، والذين يتخذون القرارات التي تحتاجها الأمة هم الصفوة من أهل الحل والعقد, وهم أولو الأمر كما سماهم الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59], فهم الذين يحددون القرارات المصيرية، ويقودون الأمة للخير، أما أن يكون الحق لكل الناس وآحاد الناس فهذا يتعارض تماماً مع شريعة الإسلام, نعم توجد أغلبية في الإسلام, ولكنها أغلبية الصفوة من العلماء والفقهاء والحكماء والقادة العسكريين والخبراء ونحوهم في كل مجالات الحياة, فالصفوة المنتقاة هم الذين تراعى أغلبيتهم، وليس رجل الشارع الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل الساعة في قوله: (ينطق الرويبضة, قيل: ومن الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمور العامة).
هذه إشارة عابرة في حكم الديمقراطية، فبيننا معشر المسلمين وبين الغرب اختلاف في الثقافة، فإن الغرب له موقف من الدين بناء على تجربته السابقة في القرون الوسطى المظلمة، حيث عانى فيها الغرب عناء شديداً جداً من تسلط الكنيسة وظلمها وقهرها للناس ومحاربتها للعلم وفساد العقيدة التي كانت تدعوهم إليها مع تصادمها مع الفطرة, فكان رد الفعل أن ثار الغربيون على الكنيسة وأقصوها عن الحياة ورفعوا الشعار المعروف: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس, أما عندنا فالإسلام دين العلم, ودين الفطرة, ودين التوحيد, ولا يوجد أي مسوغ لأن ننادي بفصل الدين عن الحياة؛ لأننا لم نعرف مثل هذا النوع من الحكم القهري الظالم المتسلط الذي يحارب العلم ويحارب التطور ونحو ذلك؛ ولذا فإن الغرب لما تخلى عن عقيدته الفاسدة تقدم, فتم الربط بأن التقدم لا يكون إلا بالتخلي عن الدين, وحصل نوع من التعميم الظالم لهذه القاعدة, والحقيقة أن هذه القاعدة تنطبق على كل الأديان ما عدا الدين الإسلامي, فكل الأمم غير أمة الإسلام إذا تمسكت بدينها تقهقرت, وإذا تخلت عن دينها تقدمت في علوم الدنيا، فمثلاً اليابان لما حصل منهم تمرد على عبادة الإمبراطور، وتخلوا عن عقيدتهم, وفصلوا دينهم عن دولتهم؛ تقدموا وترقوا, وكذلك الغرب لما تخلى عن العقيدة النصرانية المحرفة تقدم وتطور، أما المسلمون فإنهم يعاملون من الله سبحانه وتعالى معاملة خاصة, يقول الله تعالى: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، فكلما تمسكت الأمة بدينها ترقت وقويت, وكلما تخلت عنه ذلت وضعفت كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، فهذا قانون؛ لأن تركنا لدين الله كفر بنعمة الله سبحانه وتعالى, فإن كفرنا بنعمة الله عز وجل ورفضنا ديننا ولم نحترم شريعتنا فإننا نعود إلى ما كنا عليه قبل الإسلام في مؤخرة الأمم وفي ذيل الأمم.
مشاركة الدعوة الإسلامية في البرلمانات أو الاندماج عموماً في العمل السياسي فيها أقوال كثيرة سنفصلها فيما بعد إن شاء الله تعالى, فمن قائل: إنها وسيلة دعوية فعالة يمكن تطويعها لخدمة الإسلام، ومن خلالها يمكن التصدي للمنافقين وأعداء الإسلام؛ لإزاحتهم عن الصدارة ليتولى الأمور من هم أحق بها وأهلها, ومن قائل في الطرف الآخر: إن هذا الاندماج في العمل السياسي أو في البرلمانات وتعليق الآمال على مثل هذه الأساليب هو نوع من السراب، ويؤيدون قولهم بأن التجربة طويلة حتى الآن, ومع ذلك ما أتت بفوائد كما يطمح إلى تحقيقها من خلال هذا النوع من النشاط.
ومعرفة الراجح من هذا الخلاف مهم جداً؛ لأن الخلاف في مسألة واحدة ويقول فيها فريق: إنها واجبة، والآخر يقول: إنها حرام، ولو كان الخلاف في شيء يقول فريق عنه: إنه مكروه، ويقول الفريق الآخر: إنه حرام, أو يقول بعضهم: إنه واجب، والآخر يقول: إنه مستحب؛ لكان الأمر أهون، أما خلاف في شيء واحد وفريق يقول: إنه واجب ومحتم، والآخر يقول: إنه حرام ويأثم من فعله؛ فهذا النوع من الخلاف مما تتنزه عنه الشريعة, لكن باختصار شديد نقول: إن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن دخول البرلمان الأصل فيه الحظر، والدخول فيه نوع من الرخصة بشروط, والأصل الحظر للمحاذير الشرعية الكثيرة في الدخول في مثل هذه المجالس، لكن أقصى ما يمكن أن يقال: إن دخولها رخصة مشروطة بشروط كما سنبين ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.
والكلام في هذا الموضوع فيه شيء من التحفز والانفعال لكثير من الناس، وعندما نختلف ينبغي أن يكون خلافنا راقياً ومنضبطاً بآداب الشرع الشريف، فنحن لا نتناول القضية في ظل الانفعالات العاطفية والتحفز الذي قد يئول إلى تهارج وإلى تناكر، لكن نقول: إن قضية الترشيح لدخول البرلمانات لأجل التمكين للدعوة الإسلامية اختلف فيها العلماء المعاصرون، والتيار السلفي في الأعم الأغلب من حيث المبدأ يرفض الخوض فيها بإيجابية، وهذا الموقف في حد ذاته ناشئ عن اعتبارات سوف نذكرها إن شاء الله تعالى بالتفصيل فيما بعد, فالذي يتحصل باستقراء مواقف علماء السلفيين عموماً في هذه القضية هو رفض الدخول كدعوة، لكن ممكن السكوت عن مشاركة أفراد وآحاد من الناس، فنحن مع ترجيح القول بتجنب المشاركة في هذه البرلمانات لكننا لا نضلل المخالف, وفي مثل هذه القضية لا يضلل المخالف؛ لأن سلوكه وموقفه ناشئ عن اجتهاد فقهي ونظر مصلحي, وينبغي أن تتسع صدورنا لاستيعاب أدلته وفهم وجهة نظره, فالمخالف لا يدخل وهو يقول: إنني أعطي حق التشريع للشعب ليحل أو يحرم, لكنه يقول: أنا أدخل؛ لأن نص الدستور أن الدين الرسمي للدولة هو دين الإسلام، وبالتالي ينبغي أن نلزم هؤلاء الناس بالالتزام بهذه المادة وتطبيقها، ونطالبهم بأن يغيروا كل شيء إلى ما يوافق هذا النص، حتى لا يصبح مجرد نص صوري شكلي لا أثر له في الناحية الواقعية.
وللأدلة التي يذكرها من يحرمون الدخول في البرلمان أجوبة عنها للفريق الآخر سوف نذكرها إن شاء الله تعالى بالتفصيل فيما بعد، لكن من أهم الاعتبارات الموجودة عند أغلب السلفيين لرفض الدخول في مثل هذه الأنشطة, هو الجانب الاعتقادي، فأخطر ما في الموضوع هو أن الشعب يكون مصدر السلطات, فعند المسلمين أن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم وهو مصدر السلطات، قال الله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف:40], فهذا المجلس التشريعي قائم على الديمقراطية, وقائم على إعطاء حق التشريع لهؤلاء البشر.
أمر ثان وهو: أن السياسة تعتبر لعبة، وليست لعبة بمعنى تهريج, لكن لعبة بالدين، لها قواعد وقوانين تحكمها, فالسياسة تقوم على المصالح ولا تعرف المبادئ, تعرف القاعدة المكيافلية: الغاية تسوغ الوسيلة, وما أكثر الأساليب الحزبية والسياسية المعروفة, والواقع في عامة البلاد الإسلامية أن دخول هذه الحلبة والمشاركة في هذه اللعبة يستلزم دفع ضريبة, والسلفية بالذات إذا دفعت هذه الضريبة فسوف تفقد أهم مقوماتها وأهم أسباب وزنها وثقلها واستقامتها على الشرع الشريف, وهذه الضريبة ثمنها فادح, وسوف نوضح هذا إن شاء الله تعالى فيما بعد, ونوضح أن السلفيين لا يستطيعون أن يدفعوا هذه الضريبة.
فشل التجارب الإسلامية الداخلة في البرلمانات
انظروا النموذج الديمقراطي الذي في العراق, والنموذج الذي في تركيا, والنموذج الذي في الجزائر ونحو ذلك, فحصاد التجارب السابقة واللاحقة لا تشجع على أننا نعقد الآمال بأن يتم التغيير من خلال هذه المجالس, إنما يتم التغيير من خلال النائحة الثكلى, ومن خلال أبناء الدعوة الإسلامية الذين يجتهدون في هذه الدعوة, ويبذلون في سبيلها.
تميز الدعوة السلفية في الفكر والمنهج
إذاً: الدعوة ليست نشاطاً عقيماً، بل الرصيد الحقيقي للدعوة هم أبناؤها المنتمون إليها، فكل واحد منهم يشكل لبنة, ويحمل عقيدة محددة، عندما تقول: أنا سلفي, فسلفي تساوي أنه يعتقد في الأسماء والصفات كذا, وفي القدر كذا, وموقفه في القضية الفلانية كذا, وموقفه من الفرق الضالة كذا.. إلى آخره، فتوجد قضايا محددة لا يمكن أن يختلف فيها سلفيان أبداً، التوحيد .. المنهج .. السلوك .. الاتباع وليس الابتداع .. رفض المظاهر الشركية ونحو ذلك, فالسلفية كلمة نوعية وراءها ما يدل على أن هذه اللبنات هي التي سوف يحترق قلبها على دعوة الإسلام, أما الاتجاه الثاني فليجربوا أكثر وأكثر، فنحن موقفنا مبني على أن الدعوة ليست عقيمة, بل هي دعوة مثمرة، وبركاتها -ولله الحمد- محسوسة وملموسة، فبالتالي رضينا بهذا الطريق، ونحن -والحمد لله- ماضون فيه، ونسأل الله أن يوفق الجميع.
بعض مفاسد الدخول في البرلمانات
والحقيقة أن الإخوان المسلمين حيرونا وصدمونا صدمة شديدة في الفترات الأخيرة, حتى يقول الإنسان: هل عندهم تقية مثل تقية الشيعة؟ بعضهم يقول كلاماً خطيراً جداً يهدم الدعوة من الأساس، كما حصل من الدكتور عبد المنعم أبو فتوح والدكتور عصام العريان , ذكروا تصريحات مؤلمة جداً في الحقيقة, وهذا الخطاب السياسي فيه نوع من الازدواجية في الخطاب, فإن من ضمن الشروط الأساسية للدخول في حلبة اللعبة السياسية أنك تتخلى عن مبدئك, ولا ينفع عندنا قاعدة: الغاية تسوغ الوسيلة, لابد أن تكون الوسيلة مشروعة والغاية مشروعة، فالقاعدة المكيافيلية لا تليق بالمسلمين، وإن كانت هي الثمن للدخول في السياسة فلا نريدها؛ لأن الخسارة فادحة في هذه الحال, وذلك عندما نلبس على الناس العقيدة، ونخلط أمور الدين الأساسية التي ليست قابلة للمساومة، فبعض الدعاة مثلاً في ثقل الدكتور القرضاوي عفا الله عنه يقرر أن اليهود والنصارى مؤمنون، وأنهم قد يدخلون الجنة، أو يترحم على البابا, ويقول: البابا الله يرحمه! فمثل هذه الأخطاء الجسيمة هو متأول فيها تأويلاً فاسداً؛ ولذا لا نكفره بهذا، ولكن نقول: تأوله فيه ضلال مبين, ونسأل الله أن يهديه ويصلح حاله، وأن يوفقه للرجوع عن هذا الكلام, فالتجاوز عندهم وصل إلى تخطي الخطوط الحمراء التي لا يجوز أبداً تعديها ولا تجاوزها؛ لأن هذه قضية إسلام وكفر.
كنت أتمنى أن جماعة الإخوان المسلمين تصدر بياناً رسمياً في ثاني يوم مباشرة لتعقب على كلام أبو الفتوح ، وتتبرأ من هذا الضلال المبين وهذا الانحراف الخطير عن الرسالة, وماذا بقي بعدما نقول: إننا نؤمن بحرية الإلحاد وحرية الزندقة, ولو أن رئيس الدولة كان نصرانياً أو زنديقاً أو ملحداً فمرحباً ولا توجد مشكلة, ولو أن الشعب عرضت عليه الشريعة الإسلامية فقال: لا، فنحترم اختيار الشعب.. إلى آخر الكلام الذي في غاية الضلال، الديمقراطية كمصطلح قد تلتبس على بعض الناس بالشورى, ولا يعرفون الفرق بينهما، لكن بعض التصريحات هي في غاية الخطورة وفي غاية الإيلام.
فهذه الأشياء تؤدي إلى ضعف الثقة في إمكانية أن يلتزم الذين يخوضون هذه المغامرة بالضوابط الشرعية التي هي شرط للدخول في البرلمان، وجماعة الإخوان لا أعتقد أنها تتبنى هذه التصريحات الخطيرة؛ لأن هذا يعتبر قضاء على عنصر التميز الأساسي, فتصير مثل أي حزب علماني, فينبغي لهم التبرؤ من هذه التصريحات على أعلى مستوى.
الراجح في حكم المشاركة في البرلمانات
على أي الأحوال نقول: هل سيحصل تغيير في الفترات الآتية؟ العملية ما زالت في المطبخ، والوجبة سنتناولها لمدة خمس سنوات, وهذه المدة -خمس سنوات- كافية لتقويم هذه التجربة والحكم عليها، ونرجو أن يكون تطور المسألة في صالح الإسلام وفي صالح المسلمين.
والذي نطلبه من إخواننا الإخوان المسلمين أن يطبقوا علينا القاعدة التي يحترمونها، وهي: ليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فنحن مختلفون معكم في هذه المسألة, فلماذا التشنج والتهارج الذي يحصل بين الشباب أحياناً بسبب الاختلاف في هذه المسألة؟ هذه القاعدة أنتم طبقتموها مع الشيعة، وطبقتموها مع النصارى, وطبقتموها مع العلمانيين, وطبقتموها مع حزب الوفد, وطبقتموها مع كل الناس, فنحن أولى الناس بها، فليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
على أي الأحوال ينبغي أن تكون العلاقة بين جماعات الدعوة هي علاقة التكامل، ووظائف الدعوة الإسلامية كانت تقوم بها إمبراطورية عظيمة، لها وظائف وولايات كثيرة جداً من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكفالة اليتامى، وجمع الزكاة وتوزيعها، والجهاد والدفاع عن البلاد الإسلامية، فهذه الوظائف العظمى كانت تقوم بها دولة الخلافة، ثم لم يبق لهذا الكيان السياسي وجود, والجماعات الإسلامية الآن تحاول كل منها أن تقف على ثغرة, وهذه الواجبات الشرعية لا توجد أي جماعة عندها إمكانات لتقوم بكل شيء.
مما يثبطنا عن النظر بأمل إلى هذه الممارسات أن حصاد التجارب الإسلامية السابقة غير مشجع, فالإخوان المسلمون لهم أكثر من سبعين سنة وهم يحاولون الدخول في البرلمانات وإحداث التغيير من خلالها ولم يفلحوا، حتى حسن البنا رحمه الله رشح نفسه في البرلمان مرتين، ولكن أجبر على التراجع, فدخول الدعاة في البرلمانات محاولة للتغيير، ولا داعي أن نسميها مغامرة، لكن التجارب الكثيرة السابقة في العالم الإسلامي توضح النتيجة، فهناك تجربة الجزائر، ففرنسا التي تدعي أنها حامية حمى الحرية، كان رئيسها يقول: لو نجح الإسلاميون في الجزائر فسوف نحتل الجزائر! هكذا يقول بمنتهى الصراحة، فهم الذين أسسوا الديمقراطية، ولكنهم يرفعون شعار: لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية، مثل الشعار الذي كان أيام عبد الناصر : لا حرية لأعداء الحرية، فهم يعرفون التصادم والتعارض بين عقيدة الإسلام وبين العقيدة الديمقراطية, فالغرب يشجع الديمقراطية في بلاد المسلمين لأي اتجاه غير الاتجاه الإسلامي؛ لأن الديمقراطية لعبة أمريكية، والإصلاحات مفروضة من أمريكا، فهل النموذج الديمقراطي الذي جاء من أمريكا سيعيد لنا الخلافة الراشدة؟!
انظروا النموذج الديمقراطي الذي في العراق, والنموذج الذي في تركيا, والنموذج الذي في الجزائر ونحو ذلك, فحصاد التجارب السابقة واللاحقة لا تشجع على أننا نعقد الآمال بأن يتم التغيير من خلال هذه المجالس, إنما يتم التغيير من خلال النائحة الثكلى, ومن خلال أبناء الدعوة الإسلامية الذين يجتهدون في هذه الدعوة, ويبذلون في سبيلها.
الدعوة السلفية بدأت في مصر منذ سنة (1975) أو (1976م)، والإخوان المسلمون كانوا في نفس الوقت موجودين، وكنا دائماً ندعو الإخوان أن يهتموا بالعلم والعقيدة ونحو ذلك, ورغم أن الإخوان كانوا موجودين قبلنا بخمسين سنة، ومع ذلك فإن الإخوان في الناحية العلمية ما زالوا في مكانهم، وللسلفيين بفضل الله سبحانه وتعالى مردود إيجابي للنشاط الدعوي العلني السلمي الذي سلكته الدعوة السلفية, وهو أثر واقعي واضح جداً في هذا الحصاد المبارك الذي انعكس في آثاره الميدانية على أمور كثيرة جداً من مجالات الحياة, مثل الاهتمام بطلب العلم, والالتزام بشريعة الإسلام, فهذا التغيير وهذه الأفكار الميدانية هي أثر مبارك لآثار هذه الدعوة، فالدعوة ليست عقيمة، ولا ينبغي أن ينظر إليها بنوع من الازدراء، بل بالعكس، فإن الدعوة السلمية العلنية التي نتبناها أثمرت ثماراً مباركة يلمسها القريب والبعيد حتى الإخوان المسلمين، فكان ينبغي لهم أن يستفيدوا من هذه التجربة, في يوم من الأيام ما كان لنا مسجد هنا غير مسجد عباد الرحمن، وهو الذي ولدت فيه الدعوة, وكنا نحارب ولا نجد مسجداً آخر, حتى مسجد عباد الرحمن هددنا فيه، وذهب بعضهم إلى الرجل الذي بنى المسجد وساوموه ليتخلص من الدعاة الذين فيه، ووعدوه أن يأتوه بدعاة حقيقيين، فصمد ولم يستجب لهم, فقد كنا في حالة غربة شديدة جداً، وكان عدد الإخوة قليلاً جداً نحو العشرة فقط في أول الأمر، إلى أن أذن الله سبحانه وتعالى بنشاط الدعوة فنمى الخير وتكاثر, وصار للدعوة أثر واقعي لا يستطيع أحد أن يجحده.
إذاً: الدعوة ليست نشاطاً عقيماً، بل الرصيد الحقيقي للدعوة هم أبناؤها المنتمون إليها، فكل واحد منهم يشكل لبنة, ويحمل عقيدة محددة، عندما تقول: أنا سلفي, فسلفي تساوي أنه يعتقد في الأسماء والصفات كذا, وفي القدر كذا, وموقفه في القضية الفلانية كذا, وموقفه من الفرق الضالة كذا.. إلى آخره، فتوجد قضايا محددة لا يمكن أن يختلف فيها سلفيان أبداً، التوحيد .. المنهج .. السلوك .. الاتباع وليس الابتداع .. رفض المظاهر الشركية ونحو ذلك, فالسلفية كلمة نوعية وراءها ما يدل على أن هذه اللبنات هي التي سوف يحترق قلبها على دعوة الإسلام, أما الاتجاه الثاني فليجربوا أكثر وأكثر، فنحن موقفنا مبني على أن الدعوة ليست عقيمة, بل هي دعوة مثمرة، وبركاتها -ولله الحمد- محسوسة وملموسة، فبالتالي رضينا بهذا الطريق، ونحن -والحمد لله- ماضون فيه، ونسأل الله أن يوفق الجميع.