خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/911"> الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/911?sub=63090"> شرح العقيدة الطحاوية
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح العقيدة الطحاوية [7]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى: [ وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر؛ حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]، علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر ].
تقدم الكلام على أول ما يتعلق بهذا المقطع من كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (وإن القران كلام الله)، وقلنا: إن في هذا إثباتاً لصفة الكلام لله جل وعلا، والكلام صفة لله سبحانه وتعالى ذاتية فعلية دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والعقل؛ فإن صفة الكلام من صفات الباري جل وعلا العظيمة، والتي يقتضي إنكارها القدح في الإيمان بالله عز وجل وبالرسول وبالكتب، فإن الإيمان بالرسالة من لوازمه: أن تؤمن بالمرسل، ومن لوازم الإيمان بالمرسل: أن تؤمن بالقول الذي أرسل به رسله، فالإخلال بهذا النوع من أنواع الصفات خلل في أنواع عديدة من العقائد وما يجب الإيمان به من أصول الإيمان.
وتقدم الكلام على أن الكلام ينقسم إلى قسمين:
- كلام كوني.
- وكلام شرعي.
فالمؤلف رحمه الله في هذا المقطع يقرر كلام الله جل وعلا الشرعي؛ لأن القرآن من كلام الله الشرعي.
يقول رحمه الله: (وإن القرآن كلام الله)، وعلى هذا أهل السنة والجماعة، ودل على ذلك الكتاب في قول الله جل وعلا: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، والمراد بكلام الله في الآية: كلامه الذي تكلم به وهو القرآن؛ فإن الله جل وعلا تكلم بالقرآن وقت نزوله، وبلغه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كلام رب العالمين أضافه الله إلى نفسه إضافة الصفة إلى الموصوف، فليس في هذا مرية ولا شك ولا ريب عند أهل السنة والجماعة.
وأما إضافة القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإضافته إلى جبريل في بعض الآيات؛ فإن هذا من باب إضافة الكلام إلى مبلغه، وليس إلى قائله، بل المتكلم به وقائله هو رب العالمين جل وعلا، ولذلك أضاف الله القرآن في كتابه إليه، وأضافه إلى جبريل، وأضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإضافته إليه من باب إضافة الصفات، وإضافته إلى جبريل من باب البلاغ، فهو الرسول الملكي الذي أرسله الله عز وجل بالقرآن، وإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الرسول البشري الذي جعله الله سبحانه وتعالى مبلغاً لرسالاته صلى الله عليه وسلم، فلا يلتبس عليك الأمر؛ فإن الكلام يضاف وينسب إلى من تكلم به أولاً لا إلى من قاله مبلغاً، ولذلك تجد القائل ممن يبلغ قول النبي صلى الله يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كذا وكذا) مع أنه لم يسمعه منه، وهذا الكلام ليس كلام المتكلم، أي: أنه ليس منسوباً إليه، وإنما هو مبلغ وناقل لما قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالكلام يضاف في لغة العرب إلى من تكلم به ابتداءً، وإن أضيف إلى من نقله فهو إضافة نقل وتبليغ لا إضافة ابتداء وكلام؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (منه بدا بلا كيفية قولاً)، فـ(من) هنا بيانية لبيان ابتداء الغاية، أي: أن الكلام منه ابتدأ سبحانه وتعالى، فـ(من) لابتداء الغاية، والهاء هنا الضمير فيها يعود إلى الرب جل وعلا فلم يتكلم به غيره ولم يخلقه في غيره.
وهذه الكلمة منقولة عن السلف، ومرادهم بها كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله وغيره: أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا الكلام في غيره، كما تقول المعتزلة والجهمية إن الكلام كلام والقرآن كلام الله، لكنه كلام الله مخلوق، فللرد عليهم قال رحمه الله: (منه بدا) أي: هو المتكلم به، فالجهمية يقولون: القرآن كلام الله لكنه خلقه في غيره؛ فهو مخلوق من جملة خلق الله سبحانه وتعالى.
وقد رد عليهم سلف هذه الأمة، وحصل في هذه الصفة فتنة عظيمة لأهل السنة والجماعة أيام الإمام أحمد رحمه الله؛ حيث بلي الناس بمسألة القول بخلق القرآن، وامتحن فيها العلماء والقضاة وأهل العلم.. بل امتحن العامة بهذه المسألة، وثبت الله جل وعلا الإمام أحمد رحمه الله، وحفظ الله به كتابه وعقد السلف الصالح من الاندثار والضياع؛ حيث ثبت على قوله، وذَبَّ عما دل عليه الكتاب والسنة، ورد قول المبتدعة الجهمية الذين قالوا: إن القرآن كلام الله لكنه مخلوق كسائر المخلوقات، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، والقرآن شيء؛ فهو داخل في هذا العموم، لكنه كذب؛ لأن (كل) في كل موضع تفيد العموم بحسب الموضع الذي وردت فيه، فإفادة (كل) للعموم ليست مطلقة مجردة عن السياق الذي وردت فيه.
ولذلك الريح التي أرسلها الله عز وجل على عاد لم تدمر المساكن، مع أن الله عز وجل قال: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ [الأحقاف:25]، ولو كان المراد أنها تدمر كل شيء لما بقيت حتى الأرض؛ لأنها مرت على الأرض فبقيت الأرض، فدل ذلك على أن (كل) تفيد العموم بحسب السياق الذي ترد فيه وبحسب ما يقتضيه معنى الكلام، ولا تفيد في كل المواضع العموم المطلق الذي لا يخرج عنه شيء.
ثم إن القول بأن القرآن مخلوق استدلالاً بهذا: يقتضي أن نجعل جميع الصفات مخلوقة؛ لأن الرحمة شيء والعلم شيء والبصر شيء والسمع شيء والإرادة شيء، ومقتضى هذا: أن تكون جميع صفات الله عز وجل مخلوقة داخلة في قوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، مع أنه سبحانه وتعالى الخالق المدبر الذي لا يدخل شيء من صفاته في عموم قوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، فالرد على المعتزلة والجهمية في استدلالهم بهذه الآية على أن القرآن مخلوق واضح وبيّن، يدركه كل من فقه اللسان، وعرف موارد الكلام، وفهم وعلم أن إفادة العموم من هذا الفظ ليست واضحة في إدخال كلام الله عز وجل.
المراد: أن القرآن كلام الله حقيقة، والإضافة هنا إضافة أوصاف لا إضافة أعيان، والمعتزلة والجهمية عندهم أن الإضافة إضافة عين؛ لأن الكلام مخلوق فإضافته إلى الله كإضافة بيت الله وناقة الله، وما أشبه ذلك من الإضافات التشريفية التي أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه للتشريف وبيان المكانة والمنزلة، فناقة الله الإضافة فيها ليست إضافة صفات؛ لأن الناقة عين قائمة بذاتها، فإضافتها إلى الله عز وجل إضافة تشريف، كذلك بيت الله الإضافة فيها إضافة تشريف؛ لأنه عين قائمة، وكذلك عبد الله الإضافة إضافة تشريف؛ لأن العبد عين قائمة، لكن ما لا يقوم بذاته من الإضافات كالكلام والرحمة والسمع والبصر هذه ليست أعياناً قائمة بذاتها، إنما تقوم بغيرها، فإضافتها إلى الله جل وعلا من باب إضافة الصفات.
فالكلام ليس شيئاً يقوم بذاته حتى نقول: إن الإضافة إضافة خلق، بل هذا تلبيس وتشبيه يرده أصحاب العقول النيرة والأفهام البينة.
الاعتقاد بانتفاء علم كيفية ذات الله وبالتالي انتفاء علم كيفية صفاته
فالمنفي هنا هو العلم بالكيفية لا أصل الكيفية وذاتها، فليس نفياً لأن تكون الصفات على هيئة وصفة معينة.
ودليل نفي التكييف قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، تقول: هذا نفي للمثلية فكيف يكون نفياً للكيفية؟ الجواب: أنه لا يمكن أن تصل إلى المثلية إلا بالتكييف، فالآية تضمنت نفي الغاية والوسيلة، فالله جل وعلا نفى المثل، وإذا كان المثل منتفياً فما يوصل إليه وهو العلم بالكيفية يكون أيضاً منتفٍ.
ولذلك لما سئل بعض السلف عن الاستواء: كيف استوى؟ قال: دلني كيف هو؟ فأخبرك كيف استوى. أي: دلني كيف الله جل وعلا حتى أخبرك بكيفية صفاته، ولا أحد يمكن أن يقول: الله على هذا الكيف، أو على هذه الهيئة، أو على هذه الصفة؛ فإنه جل وعلا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فإذا انتفى علم كيفية الذات فكذلك علم كيفية الصفات؛ لأن القاعدة عند أهل السنة والجماعة -وهي قاعدة دل عليها الكتاب والسنة-: أن القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا كنا نجهل كيفية ذات الرب جل وعلا فنحن نجهل أيضاً كيفية صفاته سبحانه وتعالى.
والمراد: أن كل صفات الله عز وجل على هذا الباب، وليس هذا مما اختص به الكلام بل هو في جميع الصفات؛ فإن نفي الكيفية من عقد أهل السنة والجماعة الذي دل عليها الكتاب والسنة، ولذلك لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن كيفية الاستواء أجاب بالجواب الفصل البين الواضح الذي عليه نور القرآن وهدي السنة، قال رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول أو غير معلوم)، فنفى العلم بالكيفية، وذلك أن العلم بالكيفيات فرع عن العلم بالذات.
قوله رحمه الله: [قولاً]، هذا في الرد على الأشاعرة والماتريدية، وهذه العبارة على اختصارها ردت على فرق الضلال في صفة الكلام، فقوله: [منه بدا] فيه الرد على الجهمية، والمعتزلة الذين قالوا: كلام الله مخلوق.
وفي قوله: [ قولاً ]، رد على الأشاعرة والماتريدية والكلابية الذين ضلوا في هذه الصفة، فقالت الأشاعرة: القرآن عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله؛ لأن الكلام معنىً يقوم بالنفس، وقالت الكلابية: القرآن حكاية عن كلام الله عز وجل وليس كلام الله، واختلفوا في المعنى المحكي عنه، فمنهم من قال: إنه معنىً واحد، ومنهم من قال: إنه خمس معانٍ، على اختلاف بينهم، ولا إشكال في أن القول باطل ترده النصوص من الكتاب والسنة، ويرده قول أهل السنة والجماعة في القرون المفضلة ومن بعدهم ممن سار على طريقهم.
يقول رحمه الله: [بلا كيفية]، الكيفية المنفية هنا هي كيفية العلم، يعني: نفي علم الكيفية لا الكيفية ذاتها.. بل الكيفية ثابتة والمنفي هو علمنا لهذه الكيفية، إذ لا شيء إلا وله كيفية، لكن نحن لا ندرك هذه الكيفية، فقول العلماء: نثبت ما أثبته الله لنفسه من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل. المراد من غير تكييف نعلمه، وأما كيفية الشيء وهو أن يكون له هيئة؛ فإن الصفات لابد أن يكون لها هيئة لكن هيئة هذه الصفات لا نعلمها ولا ندركها، بل الله أعلم بها.
فالمنفي هنا هو العلم بالكيفية لا أصل الكيفية وذاتها، فليس نفياً لأن تكون الصفات على هيئة وصفة معينة.
ودليل نفي التكييف قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، تقول: هذا نفي للمثلية فكيف يكون نفياً للكيفية؟ الجواب: أنه لا يمكن أن تصل إلى المثلية إلا بالتكييف، فالآية تضمنت نفي الغاية والوسيلة، فالله جل وعلا نفى المثل، وإذا كان المثل منتفياً فما يوصل إليه وهو العلم بالكيفية يكون أيضاً منتفٍ.
ولذلك لما سئل بعض السلف عن الاستواء: كيف استوى؟ قال: دلني كيف هو؟ فأخبرك كيف استوى. أي: دلني كيف الله جل وعلا حتى أخبرك بكيفية صفاته، ولا أحد يمكن أن يقول: الله على هذا الكيف، أو على هذه الهيئة، أو على هذه الصفة؛ فإنه جل وعلا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فإذا انتفى علم كيفية الذات فكذلك علم كيفية الصفات؛ لأن القاعدة عند أهل السنة والجماعة -وهي قاعدة دل عليها الكتاب والسنة-: أن القول في الصفات كالقول في الذات، فإذا كنا نجهل كيفية ذات الرب جل وعلا فنحن نجهل أيضاً كيفية صفاته سبحانه وتعالى.
والمراد: أن كل صفات الله عز وجل على هذا الباب، وليس هذا مما اختص به الكلام بل هو في جميع الصفات؛ فإن نفي الكيفية من عقد أهل السنة والجماعة الذي دل عليها الكتاب والسنة، ولذلك لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن كيفية الاستواء أجاب بالجواب الفصل البين الواضح الذي عليه نور القرآن وهدي السنة، قال رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول أو غير معلوم)، فنفى العلم بالكيفية، وذلك أن العلم بالكيفيات فرع عن العلم بالذات.
قوله رحمه الله: [قولاً]، هذا في الرد على الأشاعرة والماتريدية، وهذه العبارة على اختصارها ردت على فرق الضلال في صفة الكلام، فقوله: [منه بدا] فيه الرد على الجهمية، والمعتزلة الذين قالوا: كلام الله مخلوق.
وفي قوله: [ قولاً ]، رد على الأشاعرة والماتريدية والكلابية الذين ضلوا في هذه الصفة، فقالت الأشاعرة: القرآن عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله؛ لأن الكلام معنىً يقوم بالنفس، وقالت الكلابية: القرآن حكاية عن كلام الله عز وجل وليس كلام الله، واختلفوا في المعنى المحكي عنه، فمنهم من قال: إنه معنىً واحد، ومنهم من قال: إنه خمس معانٍ، على اختلاف بينهم، ولا إشكال في أن القول باطل ترده النصوص من الكتاب والسنة، ويرده قول أهل السنة والجماعة في القرون المفضلة ومن بعدهم ممن سار على طريقهم.
قوله رحمه الله: [وأنزله على رسوله وحياً].
هذا فيه بيان أن القرآن منزل من رب العالمين، وهذا تأكيد لمعنى ما تقدم من أن القرآن كلام الله جل وعلا، حيث إنه نزل منه سبحانه وتعالى، وقد قرر الله جل وعلا هذا الأمر -وهو إنزال الكتاب من عنده- في آيات كثير تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] تنزيل الحكيم الخبير، والآيات التي يخبر فيها جل وعلا أن القرآن منزل منه كثيرة، وهذا فيه: أنه كلامه سبحانه وتعالى المضاف إليه، فهذا تأكيد لما تقدم من أن القرآن كلام الله جل وعلا منه بدا بلا كيفية قولاً.
قال: (أنزله على رسوله) الرسول هنا المراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: (وحياً) أي: أنزله على صفة الوحي.
والوحي أيها الإخوة له ثلاث درجات:
- يطلق الوحي ويراد به الإعلام السريع الخفي. وهذا هو الأصل فيه، فمنه ما يكون ظاهراً، ومنه ما يكون خفياً، ومنه ما يكون يقظة، ومنه ما يكون مناماً، وقد بين الله جل وعلا أقسام الوحي في قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا [الشورى:51]، هذه المرتبة الأولى.
- أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]، هذه المرتبة الثانية.
- أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ [الشورى:51]، هذه المرتبة الثالثة.
فأقسام الوحي ثلاثة:
- القسم الأول: هو الإعلام السريع، وهذا لا يختص به الأنبياء، بل يكون للأنبياء وغيرهم، ومنه قوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي [المائدة:111]، ومنه قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى [القصص:7]، ومنه قوله تعالى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل:68]، فهذا كله يدخل في القسم الأول.
- القسم الثاني: وهو ما خص الله به موسى عليه السلام، وهو التكليم من وراء حجاب، وهو المشار إليه في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].
- القسم الثالث: وهو العام في الرسل، ولا يكون إلا لهم، وهو: أن يرسل إليهم رسولاً وهو جبريل عليه السلام، والأصل في الرسول الذي يبلغ القرآن ووحي رب العالمين في الكتب السابقة هو جبريل عليه السلام. وهذا عام لجميع الأنبياء.
فقول المؤلف رحمه الله: (وأنزله على رسوله وحياً)، من أي أنواع الوحي؟ هل هو من النوع الأول أو الثاني أو الثالث؟ الجواب: الثالث؛ لأن جبريل هو الذي نزل بالقرآن، قال الله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]، وقال سبحانه وتعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:102]، فالذي نزل بالقرآن جبريل عليه السلام.
وأرفع هذه الأنواع هو النوع الثاني الذي خص الله به موسى عليه الصلاة والسلام، وهو أن يكلم الله الرسول من وراء حجاب، ثم النوع الثاني الذي هو آخر المذكورات في الآية، وأقلها وأدناها درجة هو النوع الأول الذي ابتدأ به ذكر أقسام الوحي في قوله: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا [الشورى:51]، وهذا لا يختص بالأنبياء كما تقدم.
والإعلام الخفي لا يلزم منه أن يكون كلاماً، ومنه قوله تعالى للنحل في إطلاق الوحي على غير الكلام، نحن لا ندري هل للنحل لها لغة كلمها الله بها أو لا؟ وهناك شيء أوضح من هذا في قصة زكريا: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا [آل عمران:41].. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ [مريم:11]، هنا أوحى إليهم بغير الكلام؛ لأن الله أخذ عليه العهد بأن لا يكلم الناس، فهذا دليل على أن الوحي الخاص يكون بغير التكليم، ولذلك الوحي والتكليم بينهما عموم وخصوص، فقد يكون الوحي بالتكليم وقد يكون بغيره، والكلام قد يكون وحياً، وقد لا يكون وحياً.
والقسم الثاني من أنواع الوحي: ما خص الله به موسى عليه السلام وهو التكليم من وراء حجاب.
والثالث: الوحي بإرسال الرسول لتبليغ الوحي.
ثم قال: [ وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً ] الضمير يعود إلى القرآن، أي: صدق القرآن المؤمنون، (على ذلك حقاً) أي: على الصفة التي تقدمت بأنه كلام الله عز وجل: (منه بدا بلا كيفية قولاً وأنزله على رسوله وحياً).
وقوله: (حقاً) أي: من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل بل صدقوه على ما دلت عليه هذه الألفاظ من أنه كلام الله حقيقة.
قال رحمه الله تأكيداً لما سبق: [ وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ]، وهذا فيه الرد على طوائف الضلال ممن قال: إن القرآن مضاف إلى الله إضافة خلق، وممن قال: إنه عبارة عن كلام الله، وممن قال: إنه حكاية عن كلام الله.
عاد المؤلف رحمه لتقرير ما تقدم من أن القرآن كلام الله فقال: [ ليس بمخلوق ككلام البرية ] أي: أن كلام الله جل وعلا لا يوصف بالخلق بل هو كلامه الذي هو صفة من صفاته، ليس بمخلوق ككلام البرية، أي: ككلام الخلق؛ فإن كلام الخلق مخلوق وإن تكلموا بالقرآن فإن حركاتهم مخلوقة، لكن الكلام الذي يتكلمون به وهو القرآن كلام رب العالمين ليس بمخلوق.
وقولنا: (إن القرآن قول الله) يشمل اللفظ والمعنى، فإنه كلام الله لفظه ومعناه، وهذا فيه الرد على من قال: إن المعنى هو كلام الله واللفظ من جبريل أو من النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الرد أيضا على من قال: إن كلام الله هو الألفاظ فقط دون المعاني.
وكل هذا من أنواع الضلال في كلام الله عز وجل، بل كلام الله عز وجل اللفظ والمعنى، فليس اللفظ خارجاً عن كلام الله، وليس المعنى خارجاً عن كلام الله، فالقرآن بلفظه ومعناه كلام رب العالمين.
يقول: [ فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر؛ فقد كفر ]، وهذا فيه بيان: أن التكذيب بأن القرآن كلام الله كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن الكريم، وفيه أيضاً بيان حكم من قال: إن القرآن من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول بعض الأشاعرة، وأن المعنى من الله واللفظ من النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (فقد كفر).
وهل التكفير في مثل هذا تكفير عيني أو وصفي؟ تكفير وصفي، أي: من قال بهذا القول فقد كفر، لكن يبقى حكم من يقول بهذا القول، هل نقول: إنه كافر؟ الجواب: لا. لكن نقول القول كافر، وأما القائل فنحتاج إلى النظر في حاله من حيث توافر الشروط وانتفاء الموانع؛ فإن تكفير المعين يحتاج إلى هذا، وأما تكفير الأقوال فإنه لا يحتاج إلا إلى إثبات الدليل على أن القول كفر، أما تنزيل الحكم العام على الشخص المعين فنحتاج فيه إلى النظر في الشروط: هل توافرت؟ والموانع: هل ارتفعت؟ فإن توافرت الشروط وانتفت الموانع؛ فإننا نحكم بكفره.
قال رحمه الله تعالى: [ وقد ذمه الله وعابه، وأوعده بسقر ]، سقر: اسم من أسماء النار نعوذ بالله منها، وقيل: إنه اسم من أسماء أبوابها.
قال: [ حيث قال تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26]، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ]، وهذا القول قول الوليد بن المغيرة الذي لما سمع القرآن قال في مدحه والثناء عليه ما نفى عنه قول البشر، ثم حاجه قومه فقالوا: كيف تقول هذا وأنت سيد قريش؟! فرجع وقال: إن هو إلا قول البشر، فقال الله عز وجل في توعده وتهديده: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:26]؛ لأنه كذب بكلام رب العالمين، وأضافه إلى النبي صلى لله عليه وسلم حيث قال: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]، و(إن) هنا نافية، والمعنى: ما هذا إلا قول البشر.
قال رحمه الله: [ ولا يشبه قول البشر ]، وهذا ليس خاصاً بالقرآن، بل هو في سائر الصفات كما تقدم، فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، سبحانه وبحمده.
ثم قال المؤلف رحمه الله: [ ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر ]، هذا فيه النهي عن الأصل الثاني من أصول الشرك والكفر بالله عز وجل؛ لأن الشرك يدور على أصلين:
- الأصل الأول: تشبيه الله بخلقه.
- والأصل الثاني: تشبيه الخلق بالخالق.
فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن شبه الخلق بالله عز وجل فقد كفر، وعلى هذين الأصلين تدور جميع أنواع الشرك والكفر.
يقول: (ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر)، أي: شبه الله بخلقه، فقال: يده كأيدينا، أو سمعه كأسماعنا، أو حياته كحياتنا، أو كلامه ككلامنا، أو ما أشبه ذلك فقد كفر، وهذا قول الممثلة الذين غلو في إثبات الصفات فمثلوا الله بخلقه.
وأبرز الفرق القائلة بهذا: الكرامية أتباع عبد الله بن كرام الذي مثل الله بخلقه، إلا أن هذه الفرقة انقرضت؛ ذلك أن الفطر مجبولة على تنزيه الخالق، وأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، ولذلك لم يقم لهذه الفرقة سوق، وإنما السوق القائمة لقول أهل التعطيل الذين دخلوا في صفات الله عزل وجل بعقولهم وآرائهم الفاسدة؛ فأفسدوا ما دلت عليه النصوص.
يقول رحمه الله: [فمن أبصر هذا]، أي: من تأمل وأدرك وفهم وعقل، فالإبصار هنا إبصار القلب لا إبصار النظر فقط، (فمن أبصر هذا اعتبر)، أي: حصلت له العبرة والعظة.
قال: [ وعن مثل قول الكفار انزجر ] أي: إن كف وامتنع سواء فيما يتعلق بصفة الكلام أو بغيرها من الصفات، وعلم أنه جل وعلا بصفاته ليس كالبشر، كما قال الله جل وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
تنبيه: الضمائر في قوله: (فأنزله، وصدقه) كلها تعود إلى القرآن، ويمكن أن يكون المعنى: صدق الرسول في قوله.