أوضاع المسلمين والموازين الدولية


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين!

أما بعد:

فهذا هو الدرس الرابع والعشرون من هذه السلسلة من الدروس، وهو اليوم بعنوان: أوضاع المسلمين والموازين الدولية.

ويأتي هذا الدرس ربما في وقت يتزامن ويتناسب مع كثير من المستجدات والأحداث، التي تحيط بأمة الإسلام في كثير من ديارها وعلى كثير من أبنائها، والذي يلحظ الواقع المعاصر يرى أنه في خلال الأعوام القريبة القليلة الماضية علا صوت الشرعية الدولية، ولزوم احترام القوانين الدولية، ومراعاة مشاعر الأسرة الدولية، ونحو ذلك من المقالات التي تعود في جوهرها إلى لزوم مراعاة هذه الموازين والقوانين التي ترتبط بالأمم المتحدة وفروعها ولجانها ومجالسها.

والذي يتأمل بصورة سريعة يجد أن أوضاع المسلمين على وجه الخصوص، أعني الأوضاع المأساوية التي يصب فيها على المسلمين كل أنواع الأذى والعسف والظلم، نجد أن هذه الموازين إما أنها لا تفي بالغرض الذي يحقق العدالة أو يدفع الأذى، وهذا في كثير من صورها وأحوالها، وأما أنها تحيف وتميل وتكيل بمكيالين، سيما إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين.

وإما على أحسن الأحوال والظروف أنها تكون قرارات وأموراً لا تعدو أن تتجاوز الخطب أو القرارات المطبوعة والمكتوبة التي لا تغير في الواقع شيئاً، وفي حقيقة الأمر ربما لا تساوي المداد الذي كتبت به؛ لأنه ليس لها قيمة تأثيرية تغييرية في الواقع.

وأحوال المسلمين المضطهدين أكثر من أن يحيط بها درس أو محاضرة، بل إن كل قضية من قضايا المسلمين لا تكفيها دروس ولا محاضرات، وحال المسلمين مقارنة بغيرهم في الجملة ربما يعبر عنه قول الشاعر:

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر

وهذا الذي نراه في واقع الأمر إذا قتل فرد من أمة نصرانية أو يهودية، أو من دولة شرقية أو غربية تقوم له الدنيا ولا تقعد، وإبادة شعوب الإسلام هنا وهناك مسألة فيها نظر، تحتاج إلى التداول وإلى القرارات وإلى غير ذلك من الأمور، وحال المسلمين بالنسبة لكثير من دولهم أيضاً يصح فيها قول شاعر العرب:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود

إذ لا يلحظ لهم قوة أو قدرة فاعلة، ولو ضمن هذه الموازين والمقررات الدولية التي يراد لها أن تكون مهيمنة وحاكمة على العالم، والمتأمل أيضاً يجد أن أوضاع الديانات والعرقيات والمبادئ الأخرى غير الإسلامية تشهد نشاطاً عند الملمات والمهمات، وهذا النشاط له دور فاعل تأثيري لا ينتظر المداولات، ولا يستجيب في الغالب للقرارات، بل يجعل لغة العمل والتغيير الواقعي هي اللغة المسموعة، ولذلك في غالب الأحوال يحظى هؤلاء بحوزة حقوقهم، وتكون لهم صورة من الهيبة والاحترام، بعكس من ينتظر الاستجابة للقرارات أو الوصول إلى الحلول وغير ذلك من الأمور، وكما قال الشاعر:

كل الشعوب على الطريق توحدت وشعوبنا لما تزل أشياعا

كم نستكين إلى الهوان وليتنا نشكو المهانة أو نحس صداعا

كل الشعوب تنام ملء جفونها والسقف فوق شعوبنا يتداعى

كل الشعوب إلى الشواطئ أبحرت هل يملك الشعب القتيل ذراعا

حال الأمة في الحقيقة لا نذكرها تأييساً للأمة وفتاً في العضد وقتلاً لبوادر وبوارق الأمل، وإنما فائدتها على العكس من ذلك أنها توضح الصورة، وتكرس الولاء للإسلام، وتبدي الحاجة الشديدة الملحة لوحدة أمة المسلمين، وتناصر شعوب الإسلام فيما بينها، وأن يكون المسلمون -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- يداً على من سواهم، وأنه يسعى بذمتهم أدناهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، أما التبلد والسلبية والبقاء والانحصار في دائرة الأنانية، وعدم التفاعل والارتباط بأمة الإسلام والمسلمين في شرق الأرض وغربها، فهو دلالة على ضعف الإيمان، وعدم وضوح الرؤية والعلم بهذا الدين، بل هو في كثير من الصور وللأسف ربما يمثل صورة من قول الله سبحانه وتعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، وينبغي أن يتخلى المسلمون عن هذه الصورة، ولا يكون حالهم كقول القائل:

يموت المسلمون ولا نبالي ونهرف بالمكارم والخصال

ونحيا العمر أوتاراً وهزلاً ونحيي العمر في قيل وقال

لماذا كل طائفة أغاثت بنيها غيركم أهل الهلال

ترى الصلبان قد نفرت وهبت يهود بالدواء وبالغلال

هبوهم بعض سائمة البراري هبوبهم بعض سابلة النمال

هبوهم أي: هبوا إخوانكم المسلمين.

حتى نلج إلى صلب الموضوع والقضية، فإننا نستعرض بعض هذه الموازين في نصوصها وقوانينها التي صيغت بها، ثم نرى تطبيقها في الواقع، لنرى حظ المسلمين منها، وهذه الموازين كثيرة جداً، والإحاطة بها يطول أمرها، ولذلك سأقتصر في كل قضية من القضايا على أمثلة محدودة، ربما تزيد في بعض الموازين لأهميتها وكثرة ما ينقضها ويعارضها، وتقل في البعض الآخر؛ لأن الأمثلة فيه قد لا تحتاج إلى ذلك التفصيل.

من أهم هذه الموازين والقوانين التي يكثر الحديث عنها: حقوق الإنسان التي تصم آذاننا في هذه الأيام صباحاً ومساءً، وفي غالب الأحوال لا تكون بالنسبة للمسلمين كما ينبغي أن تكون، أو كما ينص عليها قوانينها.

وأذكر لكم بعض المواد الرسمية في القانون الدولي المتعلق بحقوق الإنسان، ثم نرى بعد ذلك تطبيقاته على أوضاع المسلمين.

ينص هذا القانون في مادته الأولى بالنص القائل: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق.

وفي مادته الثانية يقول: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، دون أي تمييز من عنصر أو لون أو جنس أو لغة أو دين، وكذا فيما بين الرجال والنساء.

وفي المادة الثالثة يقول: إن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

وفي الخامسة يقول: إنه لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات الوحشية أو الحاطة بالكرامة.

وأنا أختار بعض المواد، ولا أذكرها كلها.

المادة التاسعة: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.

المادة الحادية عشرة: كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً.

المادة الثانية عشرة: لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، سواء في أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، أو أن يتعرض لحملات على شرفه أو سمعته، وكل شخص يحميه القانون من مثل هذه الاعتداءات.

المادة الثالثة عشر: لكل فرد حرية الانتقال، واختيار محل إقامته داخل حدود أية دولة، وله الحق في الخروج من بلده، كما له الحق في العودة إليه متى شاء دون أية قيود، إلا ما يتعلق بقيود القوانين التي فيها منع بموجب قانون الجريمة أو نحو ذلك.

المادة السابعة عشرة: لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.

المادة الثامنة عشرة: لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، وهذا الحق شامل لحرية تغيير الديانة أو العقيدة وحرية الإعراض عنها.

وسنعرض في آخر الحديث إلى هذه الموازين من حيث النظرة الشرعية، لكننا الآن نجاري هذه الموجة لنعلم أنه حتى هذه القوانين الوضعية التي في بعضها أو كثير منها مخالفة لشرع الإسلام لا تطبق التطبيق الصحيح كما يزعم واضعوها، أو ينادي واضعوها الناس إلى أن يحتكموا إليها.

المادة التاسعة عشرة: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأخبار والأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بدون تقيد بحدود جغرافية وبأية وسيلة.

المادة الثالثة والعشرون: لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، ولكل فرد دون أي تمييز الحصول على أجر متساو في العمل مع غيره، وله أيضاً الحق في أجر عادل مرضٍ يكفل له ولأسرته عيشه الكريم.

المادة الخامسة والعشرون: لكل فرد الحق في مستوى معيشي كاف يحافظ فيه على الصحة والرفاهية، ويضمن الغذاء والملبس والمسكن والصحة وتأمين المعيشة.

وللأمومة والطفولة حقوق خاصة في هذا أكثر من غيرها، وأن الدول ينبغي أن تكفل هذه الحقوق من الرفاهية، وأن يحصل الإنسان على الحد الأدنى من مستوى المعيشة المقبولة.

المادة السادسة والعشرون: لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم الأساسي مجاناً وإلزامياً، وأن يتيسر أيضاً التعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع دون أي فروق أو تمييز.

هذه بعض المواد فيما يتصل بالمواد الأساسية في قانون حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وهناك أيضاً اختيارات أخرى من قانون حقوق الإنسان في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

نقتطف منها مادة واحدة وهي: تقر هذه الدول بحق الفرد في المشاركة الثقافية، والانتفاع بالتقدم العلمي، والانتفاع بحماية المصالح المعنوية والمادية الناتجة من الإنتاج العلمي والأدبي الذي يقوم هو بتأليفه.

هذا ما ذكرناه في مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي أول مواد الحقوق المدنية والسياسية يأتي الحق الذي يكثر ترداده كثيراً وهو موضوع حق تقرير المصير:

تنص المادة الأولى: على أن لكل الشعوب الحق في تقرير المصير، وحرية كيانها السياسي، ومواصلة حرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ثانياً: لجميع الشعوب تحقيق غايتها الخاصة في التصرف في حريتها وثروتها ومواردها الطبيعية، وجميع الدول الأطراف عليها العمل من أجل تحقيق حق المصير، واحترام ذلك الحق تمشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.

وأيضاً نجد أن هذه المواد تكرس ذاك القول الذي ذكر في مسائل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ثم أيضاً بعد ذلك أضيفت قوانين أخرى تتعلق بهذا الباب، ومن أهمها قانونان مهمان:

الأول منهما: جريمة إبادة العنصر، حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر عام (1948م) اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية، ثم أصبحت هذه الاتفاقية سارية المفعول في عام (1961م) وفي عام (1986م) صدقت عليها ستة وتسعون دولة، وأصبحت هذه الاتفاقية معمولاً بها.

وكذلك معاهدة أخرى وهي معاهدة منع التمييز العنصري، وأصبحت هذه الاتفاقية سارية المفعول في عام (1969م)، وصدقت عليها مائة واثنان وعشرون دولة، وفي كلتا المعاهدتين كانت إسرائيل إحدى الدول المصدقة على مثل هذه المعاهدة.

حقوق الإنسان في الأعراف الدولية وأوضاع المسلمين في بورما

بمجرد أن نستعرض بعض أحوال المسلمين في بعض المناطق نجد بوضوح الصورة المعاكسة والمغايرة لهذه الإعلانات والمواد والقوانين، أوجز ما يتعلق بأحوال وأوضاع المسلمين في بورما في عشر نقاط؛ حتى تعلموا أن كل هذه المواد بتفصيلاتها وتفريعاتها لا أثر لها في واقع المسلمين في بورما.

بورما بلد إسلامي دخله الإسلام في القرون الأولى من عهد الإسلام، وحكم الإسلام مناطق بورما وبالذات منطقة أراكان نحو خمسين وثلاثمائة عام، وتعاقب عليها ثمانية من ملوك المسلمين، حتى جاءت بعد ذلك البوذية، واحتلت هذه المناطق، وقتلت وشردت، ثم بعد ذلك جاء الاستعمار البريطاني، ثم بعد ذلك ورث تركته وضم المسلمين إلى الحكومة البوذية في بورما، ومارست من جديد التقتيل والتشريد، وهذه الخلاصة نوع من مناقضة ما هو مذكور في هذه النصوص لحقوق الإنسان:

أولاً: بموجب قانون المواطنة والجنسية الذي صدر عام (1982م) ألغيت الجنسية عن جميع مسلمين أراكان، وأصبحوا -كما هو مذكور في الصحف والمجلات- شعباً بلا وطن، وإلى الآن إخواننا الموجودون هنا في المملكة في مكة وفي جدة وفي غيرها من البرماويين لا يملكون أية جنسية، وليس عندهم أية جوازات، وهذا أحد النصوص التي لم نذكرها وهي: أن لكل فرد الحق في التمتع بجنسيته، ولا يسلب هذا الحق منه مطلقاً.

ثانياً: الحرمان من السفر والانتقال حتى إلى العاصمة التي يحتاج الناس إلى التردد إليها لبعض حاجاتهم.

ثالثاً: وجود الاعتقالات والقتل والتعذيب دون مبرر، والأعداد في هذا مهولة جداً، يكفي أن نقول: إنه قتل في بدايات هذه الفتنة والمحنة التي مرت بإخواننا هناك أكثر من ثمانين ألف مسلم في فترة واحدة لا تتعدى العامين فقط، ولما تجددت النزاعات في عام (1947م) قتل كذلك عشرات الآلاف من المسلمين، وأما المهجرون فتبلغ أعدادهم أكثر من (اثنين مليون) مفرقين في كثير من أنحاء العالم في شرقه وغربه.

رابعاً: الإجبار على أعمال الخدمة، وبدون مقابل وبدون أجر، وهذا أيضاً يناقض هذه القوانين.

خامساً: تهجير المسلمين وتوطين البوذيين البورماويين في أماكن سكناهم.

سادساً: نهب الأموال، وحصد المحاصيل، ومنع استيراد المواد الغذائية؛ سياسة تجويع وقتل تعارض جريمة الإبادة الجماعية أو الجنسية كما ذكرناها.

سابعاً: منع المسلمين من ممارسة التجارة بأية صورة من الصور.

ثامناً: الحرمان من الوظائف الحكومية مطلقاً.

تاسعاً: مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية.

عاشراً: إيجاد العقبات أمام التعليم بشتى صوره، وفي شتى مراحله.

ويكفي أن نقول: إنه لا يوجد لهؤلاء المسلمين الذين يبلغ عددهم نحو ستة ملايين، ولا ممثل واحد في البرلمان، ولا في مؤسسة مطلقاً، إضافة إلى حرمانهم من كل هذه الأسباب والحقوق، ومع ذلك لا تجد لهذه القضية حظاً من القرارات الدولية.

حقوق الإنسان في الأعراف الدولية وأوضاع المسلمين في فلسطين

وهناك مثل آخر صارخ جداً يتعلق بأحوال المسلمين في دولة فلسطين السليبة، تجد أيضاً أن الوقائع أكثر من أن تحصى، وتجد أن هذه القوانين مجرد حبر على ورق.

سأفيض هنا قليلاً في بعض الإحصاءات والأرقام المتعلقة بهذا الشأن، فسنجد في فترة زمنية محدودة تبلغ نحو عشر سنوات أنه صدرت في حق إسرائيل نحواً من عشرة قرارات من لجان حقوق الإنسان، وهذه القرارات نوجز ما ذكر عنها في فترات متباعدة، وهي كلها تدين وتشجب وتبدي الأسف وتنظر بعين القلق وما يلحق بذلك، ولا ينفذ من هذه القرارات شيء مطلقاً، بل إننا نجد أيضاً أن الدول الكبرى التي تدعي حقوق الإنسان ونحو ذلك أنها تعارض حتى هذه القرارات الهزيلة بصياغاتها الضعيفة جداً، فمن بين هذه القرارات نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية امتنعت في قرارين عن التصويت، وفي أربعة من هذه القرارات صوتت ضدها، وهذا أيضاً يدل على أن مسألة موازين القوى متعلقة بالعقائد والمصالح، وأنه ليست هناك قضية العدل وتحري إقامة القانون بموجب ما هو منصوص عليه.

وهذه القرارات كما ذكرت تدعو دائماً إلى القضايا المنتهكة بالنسبة لحقوق الإنسان.

الذي قتل من المسلمين الفلسطينيين عشرات الآلاف، أما المشردون فيبلغ عدد المهجرين من الفلسطينيين منذ بداية (1948م) إلى اثنين مليون ونصف ما يزالون خارج ديارهم وأرضهم، سواءً الذين لازالوا في المخيمات أو استوطنوا في بعض الديار، أو هاجروا إلى بلاد الشرق والغرب وغير ذلك.

أحب أن أذكر وأشير إلى نص واحد من نصوص هذه القرارات حتى نرى هذه الانتهاكات المذكورة في نصوص قرارات الأمم المتحدة نفسها.

هذا القرار رقم (10) في الدورة السادسة والعشرين في (23/ مارس/ 1970م) وعنوانه: إدانة خرق إسرائيل المستمر لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، يقول: إن لجنة حقوق الإنسان إذ تذكر المبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإذ تذكر قرار المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان رقم (كذا) في تاريخ (كذا)، وإذ تذكر قرار مجلس الأمن رقم (كذا) وقراره رقم (كذا) وقرار الجمعية رقم (كذا) وتلخص مضامين هذه القرارات، وإذ تذكر أيضاً قرار الدورة الخامسة والعشرين التي قررت تأليف لجنة لتقصي الحقائق، وإذ تضع نصب أعينها أن الاتفاقية السالفة الذكر ملزمة لإسرائيل، وإذ تعرب عن قلقها العميق بسبب الظروف المتدهورة الخاصة بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وإذ تشعر بالانزعاج الشديد من التقارير الحديثة عن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعملية طرد جماعي للاجئين، وقد تلقت ودرست تقرير فريق العمل، وتقرر الآتي:

أولاً: تلاحظ بخيبة أمل رفض إسرائيل التعاون مع فريق العمل السالف الذكر الذي ألفته لجنة حقوق الإنسان.

ثانياً: تؤيد النتائج التي انتهى إليها فريق العمل بشأن تطبيق (اتفاقية جنيف) الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب على كل المناطق المحتلة، وتفيد التقارير على أن هناك انتهاكات لتلك الاتفاقية في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي.

ثالثاً: تدين إسرائيل لرفضها تطبيق تلك الاتفاقية وخصوصاً الانتهاكات التالية:

- التدمير الكلي والجزئي لقرى ومدن في المناطق المحتلة.

- إقامة مستوطنات إسرائيلية في المناطق العربية الخاضعة للاحتلال العسكري.

- عمليات ترحيل وطرد السكان المدنيين غير القانونية.

- الأعمال القسرية لإرغام السكان المدنيين الخاضعين للاحتلال على التعاون مع السلطات ضد إرادتهم.

- إلغاء القوانين القائمة في المناطق المحتلة.

- كل سياسات وإجراءات العقاب الجماعي.

رابعاً: تأسف على السياسات والأعمال الرامية إلى ترحيل اللاجئين الفلسطينيين.

خامساً: تعرب عن قلقها العميق إزاء استخدام وسائل القسر لانتزاع المعلومات والاعترافات انتهاكاً لنصوص الاتفاقية المعنية.

- سوء معاملة وقتل المدنيين دون أي استفزاز.

- اعتقال الناس بأوامر إدارية لفترات تجدد تلقائياً إلى ما لا نهاية.

- حرمان هؤلاء المعتقلين من أي ضمان خاص في مدة الاعتقال.

- حرمان المتهمين من استشارة محام يختارونه.

- تدمير واغتصاب الممتلكات المنقولة وغير المنقولة.

سادساً: تدعو إسرائيل مرة أخرى إلى التقيد بدقة لتلك الاتفاقية.

سابعاً: تدعو إسرائيل إلى القيام حالاً بالآتي:

- إلغاء جميع الإجراءات والكف فوراً عن القيام بأي عمل مناف للقوانين.

- الإحجام عن إقامة المستوطنات.

- أن تكف فوراً عن إجبار سكان المناطق المحتلة التعاون مع السلطات.

- ضمان العودة الفورية للمهاجرين إلى ديارهم.

- الكف فوراً عن ترحيل المدنيين.

تاسعاً: تثني على فريق العمل الخاص على ما قام به، وتقرر أن يستمر في التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية لهذه الاتفاقيات، وتبحث بصورة خاصة عن الدلائل المتعلقة بحالات التعذيب، كالحالات الأخرى لانتهاك الاتفاقية مثل إقامة المستوطنات.

وأخيراً: تدعو إسرائيل لاستقبال فريق العمل الخاص والتعاون معه، وتقرر الاستمرار في إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في تلك المناطق في جدول أعمال اللجنة، وتطلب من الأمين العام نشر التقرير، وتطلب أيضاً أن يرفع تقرير فريق العمل الخاص إلى الجمعية العامة.

هذا نص القرار وكله إعراب وتنديد وشجب وأسف وحزن وغير ذلك، ثم نجد أن الذين صوتوا ضد هذا القرار كثير، ومن الدول التي امتنعت عن التصويت على هذا القرار: فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا وغيرها من الدول.

هذا الكلام الذي كما ذكرت لا يعدو أن يكون حبراً على ورق ومع ذلك نجد أن الدول العظمى التي تدعي رعاية حقوق الإنسان وبقوانين نفس الأمم المتحدة وبتقارير خبرائها وبإشرافها المباشر وتحقيقاتها المباشرة، نجد أن كل القرارات التي تقدمت بها لجان حقوق الإنسان لم تلق أبداً أية استجابة لا في قليل ولا في كثير، بل إن إسرائيل تندد بهذه القرارات وتعتبرها نوعاً من الظلم، أو استهلاكاً دعائياً كما ورد في تصريحات كثيرة لهم، حتى إن لجان حقوق الإنسان في تقاريرها السنوية أصبحت لا تستطيع أن تدرج تقرير إسرائيل ضمن التقرير العام، فتفرد لها كتيبات أو كتب خاصة بأحوال حقوق الإنسان في أرض فلسطين.

حقوق الإنسان وأوضاع المسلمين في الهند

لو تأملنا لوجدنا أن الأمر ليس فقط في هذه الدائرة، فإننا نجد الهند على سبيل المثال وفيها أكثر من عشرين ومائة مليون مسلم، ويعتبرون أقلية في مقابل عدد سكان يقرب من ثمانمائة مليون، وهؤلاء أيضاً يسامون القتل والتشريد والاعتقال على الأيدي الرسمية الحكومية، وأيضاً لا تجد إلا بعض القرارات والمناشدات القليل أو كثير من الأسف، وتجد أيضاً أن هذه الممارسات تبلغ حداً يصل إلى اللا إنسانية كما يقولون.

إذ معلوم أحول المسلمين في الهند، وخاصة في أحداث محاولة هدم المسجد البابري وكذلك في الأحداث السابقة في أثام وغيرها حيث استباحت قوى الشرطة وقوى الجيش دماء المسلمين وأعراضهم وديارهم وأحرقتهم ودمرت كل شيء، ومع ذلك ليست هناك أي فاعلية بصورة قريبة أو بعيدة لهذا القانون أو هذه الموازين الدولية.

حقوق الإنسان وأوضاع الدعاة والعلماء والملتزمين في تونس والجزائر

إننا نجد أيضاً حتى في البلاد العربية أن الدائرة تدور على دعاة المسلمين، وعلى من يلتزمون بإسلامهم؛ لا لشيء إلا لأنهم فقط يعلنون الالتزام الكامل التام بهذا الدين، فنجد أن الدائرة تدور عليهم وتمتلئ السجون بهم، على سبيل المثال: في تونس يبلغ السجناء من المسلمين ومن الدعاة أكثر من ثلاثين ألفاً، بل بعض الإحصاءات تبلغ بها إلى نحو خمسين ألفاً من المعتقلين، وليست لهم أدنى حقوق إنسانية مما ذكر في هذه الإعلانات، ومع ذلك لا تجد مثل هذه النداءات والصيحات؛ لأن القضية تدور رحاها على المسلمين، بينما في الأخبار نسمع أن الدول الأوروبية توقف مساعداتها عن ملاوي إلا المساعدات الإنسانية، لماذا؟ قالوا: بسبب أوضاع حقوق الإنسان المنتهكة، وبالتالي لابد من معاقبتها؛ لئلا تنتهك حقوق الإنسان، بينما نجد كثيراً من الانتهاكات التي تصب على المسلمين لا يكون لها أي إجراء عملي لا من قريب ولا من بعيد.

وكذلك بالنسبة لتونس أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً خاصاً عن تردي الأحوال للسجناء من الدعاة والخطباء والأئمة وغيرهم، ومثل تونس بعض الدول الأخرى، مثل الجزائر فأحوال المسلمين فيها سيئة.

حقوق الإنسان وأوضاع المسلمين في سيرلانكا والبوسنة والهرسك

سيرلانكا قتلت قوات التاميل فيها المسلمين في مساجدهم، وانتهبت أموالهم ،وهتكت أعراضهم، وبقرت بطونهم، وما أحداث البوسنة والهرسك التي تجري رحاها في هذه اللحظات عنا ببعيد، والمتأمل يرى الصورة واضحة لا تحتاج إلى تفكير.

كل الصور عداء على المسلمين رغم اختلاف المعتدين، في سيرلانكا التاميل، وفي بورما البوذيون، وفي البوسنة والهرسك الصربيون النصارى، وفي الهند: الهندوك، وفي إسرائيل يهود، والمعتدى عليه في كل الأحوال مسلمون يذبحون ويقتلون، ولا يسمع بهم أحد، ولا يكترث لهم أحد، وأكثر ما يمكن أن تقوم به المنظمات الدولية هي إصدار قرارات مثل هذه القرارات التي ذكرت بعضاً منها.

وهذا الأمر كما أشرت أوضح من أن يوضح، والإحصاءات والأرقام كثيرة جداً، حتى إنني لم أستطع أن أختار منها شيئاً، فآثرت الإيجاز والإجمال في هذه القضايا، هذه قضية واحدة من هذه القضايا وهي قضية الموازين الدولية.

بمجرد أن نستعرض بعض أحوال المسلمين في بعض المناطق نجد بوضوح الصورة المعاكسة والمغايرة لهذه الإعلانات والمواد والقوانين، أوجز ما يتعلق بأحوال وأوضاع المسلمين في بورما في عشر نقاط؛ حتى تعلموا أن كل هذه المواد بتفصيلاتها وتفريعاتها لا أثر لها في واقع المسلمين في بورما.

بورما بلد إسلامي دخله الإسلام في القرون الأولى من عهد الإسلام، وحكم الإسلام مناطق بورما وبالذات منطقة أراكان نحو خمسين وثلاثمائة عام، وتعاقب عليها ثمانية من ملوك المسلمين، حتى جاءت بعد ذلك البوذية، واحتلت هذه المناطق، وقتلت وشردت، ثم بعد ذلك جاء الاستعمار البريطاني، ثم بعد ذلك ورث تركته وضم المسلمين إلى الحكومة البوذية في بورما، ومارست من جديد التقتيل والتشريد، وهذه الخلاصة نوع من مناقضة ما هو مذكور في هذه النصوص لحقوق الإنسان:

أولاً: بموجب قانون المواطنة والجنسية الذي صدر عام (1982م) ألغيت الجنسية عن جميع مسلمين أراكان، وأصبحوا -كما هو مذكور في الصحف والمجلات- شعباً بلا وطن، وإلى الآن إخواننا الموجودون هنا في المملكة في مكة وفي جدة وفي غيرها من البرماويين لا يملكون أية جنسية، وليس عندهم أية جوازات، وهذا أحد النصوص التي لم نذكرها وهي: أن لكل فرد الحق في التمتع بجنسيته، ولا يسلب هذا الحق منه مطلقاً.

ثانياً: الحرمان من السفر والانتقال حتى إلى العاصمة التي يحتاج الناس إلى التردد إليها لبعض حاجاتهم.

ثالثاً: وجود الاعتقالات والقتل والتعذيب دون مبرر، والأعداد في هذا مهولة جداً، يكفي أن نقول: إنه قتل في بدايات هذه الفتنة والمحنة التي مرت بإخواننا هناك أكثر من ثمانين ألف مسلم في فترة واحدة لا تتعدى العامين فقط، ولما تجددت النزاعات في عام (1947م) قتل كذلك عشرات الآلاف من المسلمين، وأما المهجرون فتبلغ أعدادهم أكثر من (اثنين مليون) مفرقين في كثير من أنحاء العالم في شرقه وغربه.

رابعاً: الإجبار على أعمال الخدمة، وبدون مقابل وبدون أجر، وهذا أيضاً يناقض هذه القوانين.

خامساً: تهجير المسلمين وتوطين البوذيين البورماويين في أماكن سكناهم.

سادساً: نهب الأموال، وحصد المحاصيل، ومنع استيراد المواد الغذائية؛ سياسة تجويع وقتل تعارض جريمة الإبادة الجماعية أو الجنسية كما ذكرناها.

سابعاً: منع المسلمين من ممارسة التجارة بأية صورة من الصور.

ثامناً: الحرمان من الوظائف الحكومية مطلقاً.

تاسعاً: مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية.

عاشراً: إيجاد العقبات أمام التعليم بشتى صوره، وفي شتى مراحله.

ويكفي أن نقول: إنه لا يوجد لهؤلاء المسلمين الذين يبلغ عددهم نحو ستة ملايين، ولا ممثل واحد في البرلمان، ولا في مؤسسة مطلقاً، إضافة إلى حرمانهم من كل هذه الأسباب والحقوق، ومع ذلك لا تجد لهذه القضية حظاً من القرارات الدولية.

وهناك مثل آخر صارخ جداً يتعلق بأحوال المسلمين في دولة فلسطين السليبة، تجد أيضاً أن الوقائع أكثر من أن تحصى، وتجد أن هذه القوانين مجرد حبر على ورق.

سأفيض هنا قليلاً في بعض الإحصاءات والأرقام المتعلقة بهذا الشأن، فسنجد في فترة زمنية محدودة تبلغ نحو عشر سنوات أنه صدرت في حق إسرائيل نحواً من عشرة قرارات من لجان حقوق الإنسان، وهذه القرارات نوجز ما ذكر عنها في فترات متباعدة، وهي كلها تدين وتشجب وتبدي الأسف وتنظر بعين القلق وما يلحق بذلك، ولا ينفذ من هذه القرارات شيء مطلقاً، بل إننا نجد أيضاً أن الدول الكبرى التي تدعي حقوق الإنسان ونحو ذلك أنها تعارض حتى هذه القرارات الهزيلة بصياغاتها الضعيفة جداً، فمن بين هذه القرارات نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية امتنعت في قرارين عن التصويت، وفي أربعة من هذه القرارات صوتت ضدها، وهذا أيضاً يدل على أن مسألة موازين القوى متعلقة بالعقائد والمصالح، وأنه ليست هناك قضية العدل وتحري إقامة القانون بموجب ما هو منصوص عليه.

وهذه القرارات كما ذكرت تدعو دائماً إلى القضايا المنتهكة بالنسبة لحقوق الإنسان.

الذي قتل من المسلمين الفلسطينيين عشرات الآلاف، أما المشردون فيبلغ عدد المهجرين من الفلسطينيين منذ بداية (1948م) إلى اثنين مليون ونصف ما يزالون خارج ديارهم وأرضهم، سواءً الذين لازالوا في المخيمات أو استوطنوا في بعض الديار، أو هاجروا إلى بلاد الشرق والغرب وغير ذلك.

أحب أن أذكر وأشير إلى نص واحد من نصوص هذه القرارات حتى نرى هذه الانتهاكات المذكورة في نصوص قرارات الأمم المتحدة نفسها.

هذا القرار رقم (10) في الدورة السادسة والعشرين في (23/ مارس/ 1970م) وعنوانه: إدانة خرق إسرائيل المستمر لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، يقول: إن لجنة حقوق الإنسان إذ تذكر المبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإذ تذكر قرار المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان رقم (كذا) في تاريخ (كذا)، وإذ تذكر قرار مجلس الأمن رقم (كذا) وقراره رقم (كذا) وقرار الجمعية رقم (كذا) وتلخص مضامين هذه القرارات، وإذ تذكر أيضاً قرار الدورة الخامسة والعشرين التي قررت تأليف لجنة لتقصي الحقائق، وإذ تضع نصب أعينها أن الاتفاقية السالفة الذكر ملزمة لإسرائيل، وإذ تعرب عن قلقها العميق بسبب الظروف المتدهورة الخاصة بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وإذ تشعر بالانزعاج الشديد من التقارير الحديثة عن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلية بعملية طرد جماعي للاجئين، وقد تلقت ودرست تقرير فريق العمل، وتقرر الآتي:

أولاً: تلاحظ بخيبة أمل رفض إسرائيل التعاون مع فريق العمل السالف الذكر الذي ألفته لجنة حقوق الإنسان.

ثانياً: تؤيد النتائج التي انتهى إليها فريق العمل بشأن تطبيق (اتفاقية جنيف) الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب على كل المناطق المحتلة، وتفيد التقارير على أن هناك انتهاكات لتلك الاتفاقية في المناطق الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي.

ثالثاً: تدين إسرائيل لرفضها تطبيق تلك الاتفاقية وخصوصاً الانتهاكات التالية:

- التدمير الكلي والجزئي لقرى ومدن في المناطق المحتلة.

- إقامة مستوطنات إسرائيلية في المناطق العربية الخاضعة للاحتلال العسكري.

- عمليات ترحيل وطرد السكان المدنيين غير القانونية.

- الأعمال القسرية لإرغام السكان المدنيين الخاضعين للاحتلال على التعاون مع السلطات ضد إرادتهم.

- إلغاء القوانين القائمة في المناطق المحتلة.

- كل سياسات وإجراءات العقاب الجماعي.

رابعاً: تأسف على السياسات والأعمال الرامية إلى ترحيل اللاجئين الفلسطينيين.

خامساً: تعرب عن قلقها العميق إزاء استخدام وسائل القسر لانتزاع المعلومات والاعترافات انتهاكاً لنصوص الاتفاقية المعنية.

- سوء معاملة وقتل المدنيين دون أي استفزاز.

- اعتقال الناس بأوامر إدارية لفترات تجدد تلقائياً إلى ما لا نهاية.

- حرمان هؤلاء المعتقلين من أي ضمان خاص في مدة الاعتقال.

- حرمان المتهمين من استشارة محام يختارونه.

- تدمير واغتصاب الممتلكات المنقولة وغير المنقولة.

سادساً: تدعو إسرائيل مرة أخرى إلى التقيد بدقة لتلك الاتفاقية.

سابعاً: تدعو إسرائيل إلى القيام حالاً بالآتي:

- إلغاء جميع الإجراءات والكف فوراً عن القيام بأي عمل مناف للقوانين.

- الإحجام عن إقامة المستوطنات.

- أن تكف فوراً عن إجبار سكان المناطق المحتلة التعاون مع السلطات.

- ضمان العودة الفورية للمهاجرين إلى ديارهم.

- الكف فوراً عن ترحيل المدنيين.

تاسعاً: تثني على فريق العمل الخاص على ما قام به، وتقرر أن يستمر في التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية لهذه الاتفاقيات، وتبحث بصورة خاصة عن الدلائل المتعلقة بحالات التعذيب، كالحالات الأخرى لانتهاك الاتفاقية مثل إقامة المستوطنات.

وأخيراً: تدعو إسرائيل لاستقبال فريق العمل الخاص والتعاون معه، وتقرر الاستمرار في إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في تلك المناطق في جدول أعمال اللجنة، وتطلب من الأمين العام نشر التقرير، وتطلب أيضاً أن يرفع تقرير فريق العمل الخاص إلى الجمعية العامة.

هذا نص القرار وكله إعراب وتنديد وشجب وأسف وحزن وغير ذلك، ثم نجد أن الذين صوتوا ضد هذا القرار كثير، ومن الدول التي امتنعت عن التصويت على هذا القرار: فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا وغيرها من الدول.

هذا الكلام الذي كما ذكرت لا يعدو أن يكون حبراً على ورق ومع ذلك نجد أن الدول العظمى التي تدعي رعاية حقوق الإنسان وبقوانين نفس الأمم المتحدة وبتقارير خبرائها وبإشرافها المباشر وتحقيقاتها المباشرة، نجد أن كل القرارات التي تقدمت بها لجان حقوق الإنسان لم تلق أبداً أية استجابة لا في قليل ولا في كثير، بل إن إسرائيل تندد بهذه القرارات وتعتبرها نوعاً من الظلم، أو استهلاكاً دعائياً كما ورد في تصريحات كثيرة لهم، حتى إن لجان حقوق الإنسان في تقاريرها السنوية أصبحت لا تستطيع أن تدرج تقرير إسرائيل ضمن التقرير العام، فتفرد لها كتيبات أو كتب خاصة بأحوال حقوق الإنسان في أرض فلسطين.

لو تأملنا لوجدنا أن الأمر ليس فقط في هذه الدائرة، فإننا نجد الهند على سبيل المثال وفيها أكثر من عشرين ومائة مليون مسلم، ويعتبرون أقلية في مقابل عدد سكان يقرب من ثمانمائة مليون، وهؤلاء أيضاً يسامون القتل والتشريد والاعتقال على الأيدي الرسمية الحكومية، وأيضاً لا تجد إلا بعض القرارات والمناشدات القليل أو كثير من الأسف، وتجد أيضاً أن هذه الممارسات تبلغ حداً يصل إلى اللا إنسانية كما يقولون.

إذ معلوم أحول المسلمين في الهند، وخاصة في أحداث محاولة هدم المسجد البابري وكذلك في الأحداث السابقة في أثام وغيرها حيث استباحت قوى الشرطة وقوى الجيش دماء المسلمين وأعراضهم وديارهم وأحرقتهم ودمرت كل شيء، ومع ذلك ليست هناك أي فاعلية بصورة قريبة أو بعيدة لهذا القانون أو هذه الموازين الدولية.

إننا نجد أيضاً حتى في البلاد العربية أن الدائرة تدور على دعاة المسلمين، وعلى من يلتزمون بإسلامهم؛ لا لشيء إلا لأنهم فقط يعلنون الالتزام الكامل التام بهذا الدين، فنجد أن الدائرة تدور عليهم وتمتلئ السجون بهم، على سبيل المثال: في تونس يبلغ السجناء من المسلمين ومن الدعاة أكثر من ثلاثين ألفاً، بل بعض الإحصاءات تبلغ بها إلى نحو خمسين ألفاً من المعتقلين، وليست لهم أدنى حقوق إنسانية مما ذكر في هذه الإعلانات، ومع ذلك لا تجد مثل هذه النداءات والصيحات؛ لأن القضية تدور رحاها على المسلمين، بينما في الأخبار نسمع أن الدول الأوروبية توقف مساعداتها عن ملاوي إلا المساعدات الإنسانية، لماذا؟ قالوا: بسبب أوضاع حقوق الإنسان المنتهكة، وبالتالي لابد من معاقبتها؛ لئلا تنتهك حقوق الإنسان، بينما نجد كثيراً من الانتهاكات التي تصب على المسلمين لا يكون لها أي إجراء عملي لا من قريب ولا من بعيد.

وكذلك بالنسبة لتونس أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً خاصاً عن تردي الأحوال للسجناء من الدعاة والخطباء والأئمة وغيرهم، ومثل تونس بعض الدول الأخرى، مثل الجزائر فأحوال المسلمين فيها سيئة.

سيرلانكا قتلت قوات التاميل فيها المسلمين في مساجدهم، وانتهبت أموالهم ،وهتكت أعراضهم، وبقرت بطونهم، وما أحداث البوسنة والهرسك التي تجري رحاها في هذه اللحظات عنا ببعيد، والمتأمل يرى الصورة واضحة لا تحتاج إلى تفكير.

كل الصور عداء على المسلمين رغم اختلاف المعتدين، في سيرلانكا التاميل، وفي بورما البوذيون، وفي البوسنة والهرسك الصربيون النصارى، وفي الهند: الهندوك، وفي إسرائيل يهود، والمعتدى عليه في كل الأحوال مسلمون يذبحون ويقتلون، ولا يسمع بهم أحد، ولا يكترث لهم أحد، وأكثر ما يمكن أن تقوم به المنظمات الدولية هي إصدار قرارات مثل هذه القرارات التي ذكرت بعضاً منها.

وهذا الأمر كما أشرت أوضح من أن يوضح، والإحصاءات والأرقام كثيرة جداً، حتى إنني لم أستطع أن أختار منها شيئاً، فآثرت الإيجاز والإجمال في هذه القضايا، هذه قضية واحدة من هذه القضايا وهي قضية الموازين الدولية.

النقطة الثانية التي يكثر الحديث عنها الآن بشكل كبير جداً، هي: ضرورة الاستجابة والانصياع والرضوخ لقرارات مجلس الأمن، ومجلس الأمن في صورته النظامية أو القانونية هو عبارة عن المكتب التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة، يعني: هو الذي يمارس دورها وأعمالها بشكل دائم.

بمجرد النظر في بعض قوانين مجلس الأمن يظهر من خلاله بعض التناقض مع أساس ميثاق الأمم المتحدة، التي تجعل الدول والأمم كلها على مستوى واحد من حق السيادة والتصويت والمركز المعنوي الاعتباري لهذه الدول، بينما نجد أن مجلس الأمن كان في أصل إنشائه يتكون من أحد عشر عضواً، منهم الخمسة الأعضاء الدائمون وهم الدول الكبرى أو العظمى، والآن تهاوت هذه الأسماء والألقاب، ولم يبق في الساحة إلا القوة العظمى التي تنسب إلى الولايات المتحدة في الوقت المعاصر، أما بريطانيا التي كانت لا تغرب عنها الشمس فقد أصبحت الشمس غائبة عنها طول عهدها وعصرها، والاتحاد السوفيتي أصبح أثراً بعد عين، وأيضاً فرنسا تزاحم، والصين في منأىً عن الخارطة السياسية في كثير من الأحوال، وتعاني كثيراً من المشكلات، ويوشك بإذن الله سبحانه وتعالى ألا تبقى في الأرض قوة عظمى إلا قوة الإسلام بإذن الله سبحانه وتعالى.

مجلس الأمن يقرر أنه لا تعتبر القرارات سارية المفعول إلا إذا صوت عليها تسعة من الأعضاء، بعد ذلك زاد أعضاء مجلس الأمن إلى خمسة عشر عضواً، تسعة من الأعضاء يشترط أن يكون بينهم الخمسة الدائمو العضوية في المجلس، وإذا لم يصوتوا أو امتنعت إحدى الدول عن التصويت فقانونياً هناك إشكال، لكن إجرائياً إذا لم تعترض بصورة واضحة يمكن أن يقر القرار، لكن هناك النظام المشهور وهو حق النقض الذي يسمى (الفيتو)، وهو تدمير وتحطيم وإلغاء لكل قانون، ليبقى قانون القوة أو قانون الهوى هو الذي يحكم. وعندما يأتي قرار أو تأتي قضية إلى مجلس الأمن، ويتبنى مشروعاً أو قراراً مهما كان هذا القرار عادلاً أو منصفاً أو غير ذلك، ومهما أجمعت عليه دول أو أيدته دول، تأتي واحدة من هذه الدول الأعضاء الخمس الدائمة العضوية: أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو روسيا أو الصين، فتقول فقط كلمة واحدة: (فيتو)؛ ليسقط كل شيء، وينتهي الاجتماع، ويلغى القانون، ويتحطم كل شيء بكلمة واحدة، ورفعة يد واحدة، وينتهي الأمر!

وهذا النقض يكرس هذا الضعف في صميم هذه القوانين فضلاً عن أننا بتجاوزنا لهذا الأمر فإننا نجد فاعليتها ضعيفة جداً.

قرارات مجلس الأمن في كشمير أنموذجاً

أضرب أمثلة وجيزة لضعف قرارات مجلس الأمن: فكشمير كانت مع بقية مناطق شبه القارة الهندية واقعة تحت الاحتلال البريطاني، ثم لما انسحبت بريطانيا ورفعت انتدابها، كان من ضمن القرارات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة أن تبقى الهند مستقلة، وباكستان مستقلة، وأن الإمارات التي كانت تسمى بالإمارات الهندية يبقى لها حق الاختيار، إما أن تكون مستقلة أو أن تنضم إلى الدولة التي تريدها إما الهند أو باكستان.

بالنسبة لكشمير كان غالبية سكانها من المسلمين، وهي أرض إسلامية عريقة، دخلها الإسلام منذ عهد مبكر في أوائل قرون الإسلام الأولى، بينما كان الحاكم الموضوع في فترة الانتداب البريطاني وفي فترة التسلط الهندوكي بوذياً، فأراد هذا الحاكم البوذي أن يضم كشمير إلى الهند، والمسلمون -وهم الغالبية العظمى في كشمير- أرادوا أن ينضموا إلى باكستان، فعرضت القضية على مجلس الأمن، والعجيب أن الهند هي التي عرضت القضية وقالت: إن هناك تحرشات تهدد الأمن والسلام العالمي، وفي القانون أن أي دولة تقدم شكوى لابد أن تستند إلى نصوص القانون، وتبين مدى خطورة الأمر الذي ينقض أو يعارض هذه القوانين أو المواثيق المتعلقة بالأمم المتحدة.

لنلاحظ ونتدرج مع هذه القضية كيف سارت؟

في عام (1948م) أخبر مندوب الهند في الأمم المتحدة عن وجود هذه المشكلة، ثم شبت الثورة، وبدأ القتال، فمجلس الأمن نادى جميع الأطراف بالامتناع عن كل ما من شأنه الإخلال بالمواثيق الدولية، ثم أعلنت الدولتان استعدادهما لتجميد المسألة.

ثم شكل مجلس الأمن لجنة تحقيق للتحري في القضية، وبذل الوساطة، وإجراء استفتاء للشعب الكشميري؛ حتى يختار حق تقرير مصيره بنفسه كما يقولون، لكن ما بدأت اللجنة أعمالها إلا وقد احتلت الهند ثلثي مساحة كشمير بقوة السلاح وبقوة الواقع مباشرة، وبعد ذلك اختير رجل عسكري أمريكي ليكون مفوضاً دولياً لإجراء الاستفتاء مع لجنة لإقامة هذا الاستفتاء حتى يتم إقراره واعتماده، ولم تنجح اللجنة ولم يتحقق تقدم، ثم في عام (1951م) و(1952م) -يعني بعد ثلاث سنوات من هذه القضية- بدأ بعض التقارب، وكرر مجلس الأمن نداءه بتوقف إطلاق النار، ولكن الهند رفضت.

في عام (1953م) أسست الهند جمعية تأسيسية مؤيدة لها، وأعلنت الولاية جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الهندي، وضمتها إليها رسمياً كما ضمت إسرائيل في أوائل الثمانينات الجولان والمناطق الأخرى التي احتلتها في عام (1967م).

في عام (1957م) -يعني بعد أربع سنوات- اشتكت باكستان إلى مجلس الأمن، وطالبت بسحب جميع القوات الهندية الأجنبية من ولاية كشمير، وضرورة إرسال قوات دولية.

في (24) كانون الأول عام (1957م) قرر مجلس الأمن بأغلبية عشرة أصوات عدم الاعتراف بخطوات الهند وضمها لكشمير، وبقاء الحالة الراهنة في كشمير.

بعد ثلاثة أيام من هذا التاريخ أعلنت الهند في عيد استقلالها ضمها لكشمير ضماً رسمياً نهائياً، فيصبح مجلس الأمن وقراراته تحت حذاء الهند عملياً، ثم استخدم الاتحاد السوفيتي حق الفيتو عندما دعا مجلس الأمن لمعالجة الموقف.

ثم في عام (1965م) لم يكن هناك أي حل، بل ازدادت المسألة شراسة، وازدادت الحروب، وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات بوقف إطلاق النار.

وفي عام (1966م) تم التوصل إلى الاتفاق بتشجيع الاتحاد السوفيتي، وتم توقيعه في طشقند، واستخدم في هذا الاتفاق (دبلوماسية)، بحيث يبقى جو النزاع مستمراً، ولا يزال الوضع حتى الآن متأزماً كما هو، ومتفجراً بين فترة وأخرى، ولم يحصل هناك أي حل.

يقول أحد خبراء القانون الدولي تعليقاً على مسألة كشمير: إن فيها أكثر من درس، منها: أنه خلال أكثر من عشرين سنة من بداية جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقدم إلى أقل القليل لإيقاف الفرقاء من قتل بعضهم البعض، وحتى ذلك القليل ما تحقق إلا في وقت متأخر جداً.

وكذلك ظهر تحدي الهند كعضو في الأمم المتحدة لقرارات الأمم المتحدة ومعارضتها لها معارضة مباشرة، دون أن يكون هناك أي إجراء عملي لمعاقبة الهند، أو كما يقال الآن: إلزامها بضرورة الامتثال لقرارات مجلس الأمن، وإلا فإنه ستكون هناك عقوبات إلى آخره.

قرارات مجلس الأمن والقضية الفلسطينية

لو أخذنا مثالاً آخر وهو: القضية الفلسطينية التي تعد مثالاً صارخاً لتجاهل قرارات الأمم المتحدة، وأذكر فقط أنه في خلال عشر سنوات صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو ثمانية وستين ومائة قرار في شأن قضية فلسطين، وصدر من مجلس الأمن في هذه الفترة التي تنتهي بعام (1974م) سبعين قراراً، وصدرت تسعة قرارات من مجلس الوصايا، وصدرت أكثر من خمسة عشر قراراً من لجان حقوق الإنسان، وقرار من المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، وقرار من اللجنة الخاصة بحقوق المرأة، وكل هذه القرارات تبخرت وذهبت أدراج الرياح.

نلاحظ في قرارات مجلس الأمن أيضاً أن الضغوط التي تمارسها القوى الكبرى لها أثر كبير في إقرار الأمور، وقلب الموازين، وعدم إحقاق الحق بالنسبة للمسلمين.

فهذا قرار التقسيم برقم (181) إلى آخر القرارات التي ما تزال المطالبة بها مثل قرار (242) هذا القرار ينص على أن على إسرائيل أن تنسحب عن أراض احتلت في النزاع الأخير، وهذا السطر الأول من القرار هو الذي يشرق الناس به الآن ويغربون، وكما ذكرت مذكرة الضمانات الأمريكية قبل بدء المفاوضات أن لكل دولة أن تفسر القرار بالتفسير الذي تراه مناسباً لها، وإسرائيل تفسر القرار بأنها انسحبت من سيناء وانتهى الأمر وقد تحقق هذا الغرض.

وأما الأرض مقابل السلام فقد قالت إسرائيل: السلام مقابل السلام وهذا يكفي.

في حرب (1967م) في يوم (5) يونيو، ومع ذلك ما استطاع مجلس الأمن أن ينعقد في نفس اليوم ولا في اليوم الثاني ليصدر قراراً حتى صدر قرار في آخر يوم (6) يونيو، ثم في يوم (7) صدر قرار آخر بوقف إطلاق النار، ثم في يوم (9) صدر قرار ثالث بوقف إطلاق النار، وكلها تتحطم باستمرار إسرائيل وسياسة الأمر الواقع، تقدمت إسرائيل واحتلت سيناء واحتلت الضفة الغربية واحتلت الجولان، ثم بعد ذلك جاء التوقف وجاء حل النزاع، وجاءت المفاوضات والسنوات الطويلة سنة إثر سنة وقرار إثر قرار، وتبقى الأوضاع كما هي حتى الآن، وهذا يؤكد عدم وجود الفاعلية والواقعية.

قرارات مجلس الأمن وقضايا المسلمين عامة

يتأكد لدينا أنه ليس هناك استخدام للمادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على ضرورة إجراء العقوبة وتعليق العضوية، واستخدام العقوبات الجماعية المقاطعة لكل من يرفض الانصياع لقرارات مجلس الأمن، بينما نرى الصورة الأخرى تجاه القضايا الإسلامية نجد أنها ما حظيت بشيء من الاهتمام ولا وصلت إلى أي صورة يمكن أن تكون محقة، أو تقدم وتكرس شيئاً من الحقوق للمسلمين، بينما على العكس من ذلك نجد مثلاً القضية المثارة الآن في ليبيا، أو حتى قضية العراق في أزمة الخليج بغض النظر عن أحقية وجدارة القضيتين نجد كيف كانت كثير من الدول العظمى تسعى وترغب في ذلك، كيف تصعدت المسألة ليس بسبعين قراراً بينما قرارات مجلس الأمن بالنسبة لإسرائيل أظنها تبلغ أكثر من مائة وخمسين قراراً أو نحو ذلك.

أما ما يتعلق بليبيا وأزمة الخليج فهي قرارات محدودة وفي فترة وجيزة ليس على مدى بعيد من عام (1948م) وقت قيام دولة إسرائيل وإلى الآن أكثر من أربعين سنة وكل القرارات لم يتخذ حيالها أي قرار إجرائي، بينما كانت هناك عدة قرارات من مجلس الأمن تنص آخر فقرة فيها على أنه في حالة عدم الاستجابة فسوف يتخذ المجلس إجراءات أخرى، وفي القرار الذي بعده يأتي بنفس الفقرة الأخيرة: في حالة عدم الاستجابة سوف يتخذ المجلس إجراءات أخرى، وهكذا يستمر الحال دون أي صورة لهذا الميزان أو لهذه القضية.

أضرب أمثلة وجيزة لضعف قرارات مجلس الأمن: فكشمير كانت مع بقية مناطق شبه القارة الهندية واقعة تحت الاحتلال البريطاني، ثم لما انسحبت بريطانيا ورفعت انتدابها، كان من ضمن القرارات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة أن تبقى الهند مستقلة، وباكستان مستقلة، وأن الإمارات التي كانت تسمى بالإمارات الهندية يبقى لها حق الاختيار، إما أن تكون مستقلة أو أن تنضم إلى الدولة التي تريدها إما الهند أو باكستان.

بالنسبة لكشمير كان غالبية سكانها من المسلمين، وهي أرض إسلامية عريقة، دخلها الإسلام منذ عهد مبكر في أوائل قرون الإسلام الأولى، بينما كان الحاكم الموضوع في فترة الانتداب البريطاني وفي فترة التسلط الهندوكي بوذياً، فأراد هذا الحاكم البوذي أن يضم كشمير إلى الهند، والمسلمون -وهم الغالبية العظمى في كشمير- أرادوا أن ينضموا إلى باكستان، فعرضت القضية على مجلس الأمن، والعجيب أن الهند هي التي عرضت القضية وقالت: إن هناك تحرشات تهدد الأمن والسلام العالمي، وفي القانون أن أي دولة تقدم شكوى لابد أن تستند إلى نصوص القانون، وتبين مدى خطورة الأمر الذي ينقض أو يعارض هذه القوانين أو المواثيق المتعلقة بالأمم المتحدة.

لنلاحظ ونتدرج مع هذه القضية كيف سارت؟

في عام (1948م) أخبر مندوب الهند في الأمم المتحدة عن وجود هذه المشكلة، ثم شبت الثورة، وبدأ القتال، فمجلس الأمن نادى جميع الأطراف بالامتناع عن كل ما من شأنه الإخلال بالمواثيق الدولية، ثم أعلنت الدولتان استعدادهما لتجميد المسألة.

ثم شكل مجلس الأمن لجنة تحقيق للتحري في القضية، وبذل الوساطة، وإجراء استفتاء للشعب الكشميري؛ حتى يختار حق تقرير مصيره بنفسه كما يقولون، لكن ما بدأت اللجنة أعمالها إلا وقد احتلت الهند ثلثي مساحة كشمير بقوة السلاح وبقوة الواقع مباشرة، وبعد ذلك اختير رجل عسكري أمريكي ليكون مفوضاً دولياً لإجراء الاستفتاء مع لجنة لإقامة هذا الاستفتاء حتى يتم إقراره واعتماده، ولم تنجح اللجنة ولم يتحقق تقدم، ثم في عام (1951م) و(1952م) -يعني بعد ثلاث سنوات من هذه القضية- بدأ بعض التقارب، وكرر مجلس الأمن نداءه بتوقف إطلاق النار، ولكن الهند رفضت.

في عام (1953م) أسست الهند جمعية تأسيسية مؤيدة لها، وأعلنت الولاية جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الهندي، وضمتها إليها رسمياً كما ضمت إسرائيل في أوائل الثمانينات الجولان والمناطق الأخرى التي احتلتها في عام (1967م).

في عام (1957م) -يعني بعد أربع سنوات- اشتكت باكستان إلى مجلس الأمن، وطالبت بسحب جميع القوات الهندية الأجنبية من ولاية كشمير، وضرورة إرسال قوات دولية.

في (24) كانون الأول عام (1957م) قرر مجلس الأمن بأغلبية عشرة أصوات عدم الاعتراف بخطوات الهند وضمها لكشمير، وبقاء الحالة الراهنة في كشمير.

بعد ثلاثة أيام من هذا التاريخ أعلنت الهند في عيد استقلالها ضمها لكشمير ضماً رسمياً نهائياً، فيصبح مجلس الأمن وقراراته تحت حذاء الهند عملياً، ثم استخدم الاتحاد السوفيتي حق الفيتو عندما دعا مجلس الأمن لمعالجة الموقف.

ثم في عام (1965م) لم يكن هناك أي حل، بل ازدادت المسألة شراسة، وازدادت الحروب، وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات بوقف إطلاق النار.

وفي عام (1966م) تم التوصل إلى الاتفاق بتشجيع الاتحاد السوفيتي، وتم توقيعه في طشقند، واستخدم في هذا الاتفاق (دبلوماسية)، بحيث يبقى جو النزاع مستمراً، ولا يزال الوضع حتى الآن متأزماً كما هو، ومتفجراً بين فترة وأخرى، ولم يحصل هناك أي حل.

يقول أحد خبراء القانون الدولي تعليقاً على مسألة كشمير: إن فيها أكثر من درس، منها: أنه خلال أكثر من عشرين سنة من بداية جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقدم إلى أقل القليل لإيقاف الفرقاء من قتل بعضهم البعض، وحتى ذلك القليل ما تحقق إلا في وقت متأخر جداً.

وكذلك ظهر تحدي الهند كعضو في الأمم المتحدة لقرارات الأمم المتحدة ومعارضتها لها معارضة مباشرة، دون أن يكون هناك أي إجراء عملي لمعاقبة الهند، أو كما يقال الآن: إلزامها بضرورة الامتثال لقرارات مجلس الأمن، وإلا فإنه ستكون هناك عقوبات إلى آخره.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2535 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع