المجلات غثاء وبلاء


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ونصلي ونسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فالمجلات غثاء وبلاء

وبادئ ذي بدء أشير إلى أن العموم الذي في العنوان قطعاً ليس مقصوداً، فالمراد بالمجلات ليس كلها وإنما كثير منها، وكذلك هذا الكثير الذي وصف بأنه غثاء وبلاء ليس كل ما فيه كذلك، بل الغالب عليه والمعظم فيه إذ قد يوجد بين هذا الركام والغثاء بعض الآيات أو بعض الأحاديث أو بعض الموضوعات، لكن الغالب هو المقصود في هذا العنوان.

وهذا الموضوع أيضاً من وجهة أخرى تكمن أهميته في أن هذه الظاهرة - أي ظاهرة المجلات- أصبح لها بروز كبير وأثر خطير إذ إنها من حيث الإعداد، ومن حيث ما تزخر به من الفتنة والمخالفات الشرعية أصبحت ذات أثر غير محمود يحتاج إلى التنبيه والكشف والبيان، ومن بعد ذلك إلى التحذير والمناوءة والمخالفة لهذه الصورة التي نحب ألا تكون في بيئتنا ولا في مجتمعنا.

إن المتأمل ليجد من خلال هذه الوقفات أننا بالفعل أمام مشكلة تستحق أن تعرض، وأن يفصل القول فيها، وأن تكون الحقائق واضحة من حيث الأحكام الشرعية والمفاسد الاجتماعية، ومن حيث الوقائع والتفاعلات المترتبة على مثل هذه الظاهرة.

فعلى سبيل المثال: أول وقفة لنا هي مع بعض الإحصاءات الرقمية التي تبين لنا أن المسألة جديرة بالاهتمام وفيها من الخطورة ما فيها، فإننا نجد أولاً من خلال هذه الإحصاءات أن كماً كبيراً من هذه المجلات يغزو المكتبات والمحطات والبقالات، وانتشارها كبير وبأعداد كبيرة.

وأذكر على سبيل المثال: أن إحدى شركات التوزيع فقط مكلفة بتوزيع تسعة وخمسين ومائة جريدة ومجلة، وهذه شركة واحدة من بين ما لا يقل عن عشر شركات تقريباً، والإحصاء يصل إلى نحو أربعمائة، ومن هذه الأعداد والمجلات ما هو يومي ومنها ما هو نصف أسبوعي، ومنها ما هو أسبوعي، ونصف شهري، وشهري.

وهذه الكثرة كلها سيتضح أيضاً أنها بحد ذاتها تلفت النظر، وهذا طبعاً جزء محدود وإلا فإن هناك أعداداً إضافية لمثل هذه المجلات مما لا يصدر أو لا يدخل إلى بلادنا وهو متوفر وموجود في ديار أخرى من ديار العالم الإسلامي.

وعلى سبيل الإحصاء -حتى تتضح الصورة من خلال هذا الرقم البسيط- نجد أن كثيراً من هذه المجلات متخصصة في موضوعات أقل ما يقال فيها: الأصل أنه ينبغي أن تكون في الدرجة الدنيا من الأهمية من حيث إنها ليست قضايا ينبغي أن تشغل الأمة، ولا تتعلق بانتصارها على أعدائها ونهوضها في علمها وتقدمها التكنولوجي والحضاري، أو قضايا تتعلق بدفاعها عن نفسها وحمايتها وثقافتها وتاريخها، وأغلب هذه المجلات لا تمس الجوانب الحيوية التي تتعلق بحياة الأمة.

ومن هذه الأرقام التسعة والخمسين ومائة نجد أن هناك ست عشرة مطبوعة خاصة بالرياضة، ومهما كان للرياضة -على أية تصور- من أهمية أو فائدة؛ إلا أن هذا العدد من المائة وتسعة وخمسين كثير جداً، وأعتقد أن المسألة فيها مبالغة حتى من ناحية التكرار، فاللاعبون متحدون والمباريات واحدة والمناسبات واحدة، وكل الصحف تكتب عن هذا.

والمتأمل يجد أن القضية تأخذ جهداً وتأخذ مساحات وأوقاتاً وأموالاً، فتجد أن المباراة الواحدة تكتب عنها عشرات الصحف والمجلات، وكل هذا في مباراة واحدة، والنتيجة واحدة، والأشخاص نفسهم، والحوادث هي هي.

وهذا يدل على أن هذا التكرار والزخم الذي تحظى به هذه القضية فيه نوع من التركيز على القضايا الهامشية وإعطائها الأولوية الأولى.

طبعاً: لو استعرضا الأسماء لهذه المجلات، نجد أن بعضها يدل على مزيد من الغثائية والسخافة، إذ إن هناك مجلات متخصصة في المصارعة الحرة. وما يمكن أن يتخيل الإنسان في هذه المجلات؟

تصور المصارعين، وبدلاً أن يراهم جمهوراً متحركاً يراهم في صورة ثابتة، ويرى النتائج والمشادات التي حصلت، وكل المجلة من أولها إلى آخرها، ولا يستطيع الإنسان أن يخرج منها بفائدة مطلقاً، لا فائدة عقلية ولا فائدة علمية، ولا فائدة إيمانية ولا تطبيقية، ولا أية صورة من صور الفائدة.

فضلاً عن أن هناك مجلات متخصصة بكمال الأجسام، وهذه قطعاً فيها من المفاسد الشيء الكثير ككشف العورات، إلا أن فيها معنى لتجسيد القوة البشرية والعظمة، وكلها من أولها إلى آخرها نوع من الصور والتعليقات السخيفة عن تشكيل العضلات وإبراز القوى، والمنافسات والانتصارات التي تتم من خلال هذه الألعاب والمشاركات الرياضية.

وفي المقابل أيضاً: من خلال هذا العدد (تسعة وخمسين ومائة) نجد أن هناك ثلاث عشرة مجلة متخصصة في الفن، ومن أولها إلى آخرها وهي تتحدث عن الفن والفنانين والفنانات والمسرح وغير ذلك من أمور.

أما بقية ذلك مما سيأتي ذكره فالفن والرياضة لها في كل مجلة سياسية أو اجتماعية أو حتى علمية نصيب في كل الأعداد.

أيضاً: هناك مجلات متخصصة في المرأة، ونجد أن من هذا العدد ثماني مجلات متخصصة في المرأة فقط، ولا نقصد أنها متخصصة في المرأة أي أنها تعالج مشكلاتها، بل كلها تتحدث عن قضية المكياج والأزياء والمظاهر الاجتماعية التي أساسها مخالف للشرع، وكذا ما يتعلق به من العطور وما يتعلق به من التقاليد وما يسمونه الإتكيت والمظاهر الحضارية التي ينبغي أن تكون، وتسريحات الشعر .. وما إلى ذلك.

وأيضاً تجد هناك من السخافة والغثائية: أن هناك مجلات متخصصة في الرسوم المتحركة، وهذه سواء قد يظن البعض أنها خاصة بالأطفال والأمر خلاف ذلك، بل روادها وقراؤها من الصغار والكبار، والذي يشهد بذلك صفحات البريد، فتجد فيها أن من المراسلين من أعمارهم في السادسة عشرة والسابعة عشرة، ويسمونهم صغاراً، وقد كانوا في عصر مضى قواداً وفاتحين، وكانوا خلفاء، وكان منهم علماء، وكان منهم مفتون، والآن هم صغار في هذه الهوة السحيقة من السخافة وتلف الفكر وتسطيح العقل.

وأيضاً نجد من هذه الصور المتحركة مجلات للكبار، فبدلاً من القصة المكتوبة التي يتعب فيها يجد قصة فيها الرسوم المتحركة، لكنها بصور حقيقية، وهذه المجلات أيضاً موجودة.

ومن هذا الغثاء في سخافة الفكر هناك بعض المجلات متخصصة في الألعاب، يعني: تكون مجلة من أولها إلى آخرها كلها في الكلمات المتقاطعة وأسماء الفنانين والفنانات وبعض الأسئلة السخيفة وبعض القضايا التي يعجب منها الإنسان، وكلها تصب في بوتقة واحدة، وهي تهميش العقل والفكر عند الإنسان المسلم؛ بحيث يبقى دائراً في هذه السخافات وهذه التفاهات ولا تشغله عظائم الأمور، ولا يدرك أن له في الحياة مهمة ورسالة.

وحتى لا يُقال: إن الدعاة أو أن الملتزمين فقط يريدون كل القضايا تدور حول الدين؟

نقول: دعوا حتى هذه القضية، فما هو حجم المجلات العلمية مقارنة بهذه؟ ولا نقول: الإسلامية أو الدينية، بل المجلات العلمية؟ وما هو حجم الكتب الدراسية التي تخدم المناهج التعليمية؟ وما هو حجم المطبوعات التي فيها ما يقوي كثيراً من الجوانب النافعة، حتى لو قلنا: بعيداً عن الصورة الإسلامية البحتة؟

فهؤلاء الذين يدورون في فلك هذه المجلات لا يضعفون فقط في الجانب الإسلامي والإلتزام بل هم ضعفاء في جانب الشخصية، وفي جانب البنية البدنية نفسها، وفي الناحية التعليمية، وفي الناحية الانضباطية والسلوكية؛ حيث تجد أن كل هؤلاء الذين يتأثرون بمثل هذه يصبحون لا قيمة لهم، وأحدهم لا يحسن التفكير، ولا يحسن التدبير ولا اتخاذ الرأي ولا القيام بمهمة، بل هو شيء أشبه بالكم الزائد على هذه الحياة، كما عبر الرافعي بقوله: إن نلتزم شيئاً على هذه الحياة كنت أنت معنىً زائداً عليه. يعني لا قيمة لك.

وأذكر بعض هذه المسميات لهذه المجلات: هناك مجلة اسمها (كل الألعاب)، هذه من أولها إلى آخرها في هذا، وأخرى اسمها (عالم التسلية)، وكيف توصل النقاط ببعضها؟! وكيف كذا؟!

وقد يقول قائل: إن هذه لها دائرة معينة من الاهتمام، أو إن بعض الناس يهتمون بها.

والجواب: أن الدائرة المهتمة بمثل هذه للأسف كبيرة على مستوى المجتمع، وهذا يظهر في كثير من الوقائع والأشياء المنشورة فيها، والتي أيضاً يرد ذكر بعضها، حتى إنك تجد كثيراً من الكبار بل ممن يُسمون أصحاب وظائف وأصحاب عقول تجد أنه في وقت الفراغ يتفرغ لساعة أو لساعتين ليقضي فراغه في الكلمات المتقاطعة أو في الشبكة المتخالفة أو اكتشاف الصورة أو اكتشاف الأشياء التي ترد في مثل هذه المجلات!

فهذه الصورة عن هذه المجلات إنما هي إحصائية أولية من حيث الكثرة، ومن حيث تكرار المضمون، ومن حيث فساد أو هامشية هذا المضمون، ومن خلال استقراء إحصائي لبعض هذه المجلات.

وكل هذا العدد، وهذا التكرار في التخصصات ليس له أهمية في حياة المجتمع وفي تقدم الأمة.

وسنعرض بعض هذه الإحصاءات السريعة عن بعض هذه المجلات، ونذكر بعض ما هو صارخ في حقائق الأرقام: مثلاً: مجلة ما يسمونها (سيدتهم) في بعض أعدادها تبلغ مائة وستين صفحة، والذي يقرؤها أو الذي يطالعها كأنه قرأ كتاباً، لكن بماذا يخرج من هذا العدد الذي فيه مائة وستين صفحة؟!

وهناك معدل الصور المتوسط للصفحة الواحدة خمس إلى ست صور في كل صفحة، وأيضاً هناك ستون صفحة إعلانات، وهذه الإعلانات أغلبها صور للنساء محرمة، لأن فيها فتنة وكشف للعورات وغير ذلك.

وأيضاً تجد فيها اثنتى عشرة صفحة خاصة بالأزياء، وفيها معدل خمس إلى ست صور في كل صفحة.

وأيضاً فيها الألعاب والتسالي المتقاطعة بمقدار صفحتين، وبالجملة تجد أن عدد الصفحات الموجودة التي فيها كتابة تقل عن عدد صفحات المجلة التي ليس فيها كتابة!

ثم انظر إلى هذه الكتابة؛ ستجد أيضاً أن هذه الكتابة فيها من السخافة الشيء العجيب! وكأننا نتدرج من عدد هذه المجلات، ثم من تخصصها في مجالات ليست مهمة، ثم في مضمونها الفارغ، ثم في فراغ المضمون الذي يعتبر مضموناً مكتوباً.

وهذا يتضح في المجلات الأخرى، نذكر أيضاً منها: مجلة (زهرة الخليج)، فيها مائة وعشر صفحات، منها أربعة وأربعون صفحة إعلانات، ومعدل الصور في الصفحة الواحدة من ثلاث إلى أربع صور، وفيها صفحتان أيضاً للرشاقة والأزياء، وصفحة للتسالي، وصفحتان هنا وهناك متعلقة فقط بالصور، وصفحتان صور لأخبار الذين تزوجوا، والذين احتفلوا، والذين عملوا دعوة عشاء، والذين كان عندهم عيد ميلاد، وكل من هب ودب!

وتجد هذه الإحصائية متقاربة في بعض المجلات الأخرى، فمجلة فيها ثمان وتسعون صفحة تجد أيضاً فيها نسبة عالية من صفحات الإعلان، وفيها معدل ثنتان إلى ثلاث صور في الصفحة، وأربع صفحات من صفحات الأزياء، وكذلك فيها عدة صفحات منوعات، وخمس صفحات في كل عدد تحت عنوان (أخبار ناعمة) وفيها صور لملكات الجمال وصور نساء .. إلى آخره!

وكذلك الإحصائية تشمل عدداً لا بأس به من المجلات الأخرى مثل: نورا، وألوان، والصياد، والشراع، وصباح الخير، وفرح، وأسماء ربما لم يسمع بها كثيرون من قبل، ولعلهم من الأفضل لهم أنهم لم يسمعوا بها؛ لأنها إن لم تكن ضارة فقطعاً لن تكون نافعة؛ لأن هذه أحياناً تُسمى عند بعض الناس من الثقافة، وحقيقتها أنها من السخافة.

وهذا هو المعنى الأول الذي نحب الوقوف عنده، وهو: أن الصورة الأساسية في هذه القضية هي تهميش العقل وتسطيح الفكر؛ ولذلك أيضاً مضمون يساعد على هذا سيأتي تفصيله.

وهذه المجلات الذين يدمنون عليها تهدف في مجملها إلى أن يكون القارئ لها المتعلق بها تشغله توافه الأمور، بل حتى فوق أنها تشغله بتوافه الأمور هي أيضاً تشكل لديه عقلية حالمة ليست عقلية عملية؛ لأنها كلها في مسائل الحب، وفي الاهتمام بشراء الكماليات، وكيف يختار الأشياء التي يشتريها، وكيف كذا! وبعض الأمور التي تؤيد هذا المعنى موجودة في مضمون هذه المجلات، وبهذا تصبح القضايا الهامشية هي الأساس.

ولذلك أيضاً في هذا المعنى أؤكد من خلال المضامين وأضرب أمثلة ربما أعتبرها أمثلة صارخة وقوية: في بعض الأعداد من مجلة (كل الناس) في العدد السنوي لها يأتي بدراسة خاصة بها يبلغ العدد مائتين وعشر صفحات، كلها من الأوراق الفاخرة الناعمة الصغيرة، وقيمتها خمسة عشر ريالاً، وقيمة المصحف هذا الذي يباع الآن خمسة عشر، وهذه المجلة قيمتها خمسة عشر ريال، ومع ذلك يشتريها بعض الناس كل شهر!

وأضرب أمثلة للقضايا التي تطرح في هذا العدد؛ حيث شملت أكثر من حوالي أربعين صفحة لمضمون واحد وهو: مسألة شراء الأزياء والعطور ونحو ذلك، ومسألة الشراء جعلت في عدة تحقيقات في نفس هذا العدد في سبع صفحات تحت عنوان (الشراء من أول نظرة) كما يقولون: (الحب من أول نظرة) كذلك: الشراء من أول نظرة، فهل تشتري من أول نظرة أم أن المطلوب أن تعرف آراء الناس، ويحصل تحقيق صحفي، ويكون هناك مندوب في لندن يجري مقابلة، ومندوب في جدة يُجري مقابلات أخرى، ويذهبون إلى محلات الأزياء وما إلى ذلك؟!!

ثم صفحتان (لماذا نشتري؟) يعني: ما هو دافع الشراء: هل هو حب الاقتناء؟ هل هو المنافسة للآخرين؟ هل هو الاحتياج؟ وبهذا تبلغ الصفحات تسعاً.

ثم أربع صفحات في: الإعلان هل يؤثر على الشراء وعلى المشتري أم لا؟ وصارت الصفحات ثلاث عشرة صفحة.

ثم تحت عنوان (كيف يفكر أكثر الناس في الشراء؟) أي: الذين هم في سن الشباب كيف يفكرون في الشراء؟ وهذا العنوان في ثلاث صفحات، فصارت ست عشرة صفحة.

وبعد ذلك تحت عنوان (أنا اشتريت) ثلاث صفحات، فأصبحت تسع عشرة صفحة.

ثم عنوان: (الإنسان والماركات)، وهل يشتري الماركة أو يشتري البضاعة؟ وهل يبحث عن الاسم؟ وما تأثير ذلك أيضاً؟ وهذا في ست صفحات، فصارت الصفحات خمساً وعشرين صفحة.

وبعد ذلك تحت عنوان: الفصال في المحلات، وكيف يفاصل الإنسان؟ وهل يفاصل النساء أكثر مفاصلة عن الرجال؟ وكيف رأي أصحاب المحلات في المفاصلة؟ وكيف يصنعون؟ وأيضاً هذه في ثلاث صفحات مع خمس وعشرين صارت ثماني وعشرين صفحة.

ثم: مستهلكون سوبر، يعني: الذين عندهم قوة شرائية من الأثرياء، وكيف يشترون؟ وكيف يدفعون هذه الأموال؟ وهذا في صفحتين، فصارت ثلاثين صفحة عن قضية الشراء!

وأنا أتصور أن الإنسان يمكن أن يولد وأن يموت وهو لا يحتاج إلى هذا الموضوع قطعاً؛ فيشتري ما يحتاج، والقضية تنتهي، لكن انظر كيف تكون هذه القضية محوراً تحتوي ثلاثين صفحة كاملة في هذا الموضوع.

وهكذا فيها من الصفحات الإعلانية ما يصل إلى هذا العدد، وبهذا يصل العدد إلى نحو ستين صفحة، بما فيه من الإعلانات، وما يلحق بذلك.

فما هي هذه القضية الخطيرة في حياة الناس والتي يتوقف عليها مصيرهم والتي قد تكون بالنسبة لهم قاصمة الظهر أو التي هي نقطة تحول في الحياة؟ الجواب: هي لا شيء، لكنه نوع من إغراق الناس بالتوافه وشغلهم بالسخافات؛ حتى لا يبقى عند الناس قضايا مهمة يفكرون فيها، ولو تأمل الإنسان -لا نريد أيضاً أن نقول: القضايا الإسلامية -بل حتى القضايا التي يعيشها الناس، ألا يعيش الناس في كثير من البلاد العربية والإسلامية وهم ممحونون في المسائل الاقتصادية وممحونون في مسائل الحرية ومسائل الوظائف ومسائل البطالة؟! كل هذه القضايا تنتهي وتتلاشى لتبقى قضية الشراء ومن يشتري! فهل عند هؤلاء الناس أموال حتى يشتروا أو لا؟! وهل عندهم وقت وقد طحنتهم الحياة وسحقوا في كثير من الأوضاع وكثير من البلاد حتى يفكروا بالماركات وأنواع الماركات وكذا؟! لكن هي القضية التي يُراد لها أن تصرف أنظار الناس عن المشكلات الحقيقية في حياتهم.

وأضرب أمثلة سريعة: في بعض هذه المجلات مقال في صفحتين: كيف تصعد المرأة الدرج؟! وكيف تضع طرف الأصابع أو آخر الأصابع؟! وكيف إذا كانت حافية؟! وكيف إذا كانت تلبس حذاءً؟! وإذا كان نوع الحذاء كذا فكيف يكون الصعود مع الخطوات بالترقيم: واحد .. اثنين .. ثلاثة .. إلى آخره؟!!

وهذه مجلة أخرى تكتب عن مشكلة مع صورة وتعليق أيضاً: مشكلة ربط الحذاء بالنسبة للأطفال! وكيف تواجه الأم مشكلة ربط الحذاء بالنسبة للطفل؟! وكيف أن بعض الأمهات تتخلى عن ذلك وتشتري حذاءً من غير رباط؟! ومتى يمكن أن يدرك الطفل أو يعرف كيف يربط الحذاء؟ المهم إيجاد شيء وهمي لشغل الناس بهذه السخافات.

وهكذا الكلمات المكتوبة في سؤال من الأسئلة، وكثير من المجلات تجعل صفحتين أو أكثر في السؤال والجواب السريع هذا، مجلات اسمها ويسأل فيها: (فرفوش) وآخر (خربوش) وثالث (العجوز الضاحك)، ومن الأسئلة أنه يقول له: كيف تقضي وقتك؟ فيقول: ربع الوقت أتسكع في الشوارع.

وهناك أيضاً نوع من صرف الناس، فهذه مجلة تنشر عن أبي الهول وعن مشكلة أبي الهول، وما حصل له من التصدع، وتاريخ أبي الهول، وأنه شاهد على الحضارات، وكذا، وبلد مثل مصر كثير من الناس لا يجدون قوت يومهم، ولكن القضية هي أنه يُراد أن يشغل الناس عما هو مهم، فدمروا أبا الهول، ويرتاح الناس، وما أحد خسر شيئاً.

وهكذا القضايا الهامشية التي تثار عن شخصيات كافرة وفارغة، مثلاً: طلاق الأميرة سارة أو كذا، وصفحات عن تاريخ: متى تمت الخطبة؟ ومتى تم العقد؟ ومتى تم الزواج؟ ومتى أول ولد؟ ومتى سافر؟ ومتى جاء؟ وتحقيق كامل عن هذه القضية وآثارها وأصدائها، وما الذي ينفع الناس من مثل هذا الأمر؟ ولكن تجد بعض الناس -للأسف- يدخلون في مثل هذه القضايا.

وهكذا قضايا أخرى مثل قضية ما يسمونه فستان الزواج، وهل تشتريه المرأة؟ وإذا كانت غير قادرة على الشراء فهل تستأجر؟! والآراء في ذلك؛ فالتي ترى أنها لا تستأجر، والتي ترى أن الاستئجار يضيع تخليد هذه الذكرى، وما إلى ذلك من هذه الأمور!

وهكذا القضايا والأرقام التي يقولونها: فلان ضرب الرقم القياسي في السباحة، وأطول سندويش، وأكثر لا أعرف ماذا؟!

وهذه القضايا كلها تدلنا على هذه النقطة الأولى، ولعلي قد أطلت فيها، لكنها هي جوهر الموضوع، وهي أن هذه المضامين بما فيها من المكتوبات ومن المصورات والموضوعات التي تخصصت فيها إنما غرضها أن تغتال العقل، وأن تميت القلب في حقيقة الأمر؛ وحتى لا يتأمل الإنسان سيرة السابقين وسيرة السلف الصالح، وحتى سير الناس الغربيين وهؤلاء الذين كانوا بالفعل خدموا وقدموا الاختراعات والذين قادوا المعارك والذين أسسوا دول رغم أنهم كانوا كافرين، لكن لماذا لا يذكر على أقل تقدير الجوانب الإيجابية في سيرهم؟ فلماذا فقط الجوانب السخيفة والتافهة هي التي يُراد أن تنقل بين الناس وتشاع بينهم؟!

أعتقد أنها قضية واضحة.

ومما نختم به هذه القضية: الأبواب المخصصة في كثير من المجلات للمراسلات والتعارف والهوايات.

تجد أنه من خلالها تتضح قضيتان:

الأولى: أن لهذه المجلات جمهوراً عريضاً؛ ولذلك في كل عدد تجد خمسين أو ستين أو سبعين من هؤلاء الذين يرسلون أسماءهم وعناوينهم وصورهم.

إذاً: هم يشترون هذه المجلة، ويطالعون ما فيها، إضافة إلى صفحات البريد، وترى منهم من يقول: أنا معجب بهذه المجلة، وأنا كذا.

ويدور على أثر هذا التسطيح أغلب هذه الأشياء؛ إذ أغلب ما في هذه الأبواب هوايات! وكل هذه الأبواب فيها نسبة (99.9%) من يعرضون أسماءهم وصورهم، وهم في سن الشباب؛ إذ تتراوح أعمارهم ما بين (18) أو (35) سنة، وهذا هو السن الذي فيه فورة الشباب والقدرة على العطاء، ويا ترى ما هي هذه الهوايات؟ هذه الهوايات هي: المراسلة بين الجنسين، وتبادل الطوابع، وتبادل الصور، وتبادل الآراء، و(99.9%) هي في المراسلة، فإذا كانت هذه هوايات الشباب التي يبدعون فيها ويتخصصون فيها، فكيف يرجى أن يكون هناك قوة يعتمد عليها في شباب الأمة؟! فالذين هم الآن في دراسة ضيعوا دراستهم، وإذا كانوا في أعمال كانوا على غير الصورة التي ينبغي أن تكون، وهذا كله يدلنا على الجانب الأول الذي ذكرناه في مثل هذه المجلات.

الجانب الثاني -وهو أيضاً جانب خطير-: جانب القدوات.

لاشك أن الإنسان بفطرته ومدنيته يميل إلى الآخرين، كما يقول ابن خلدون : الإنسان مدني الطبع. يعني: يعيش في مجتمعات مدنية، وغالباً ما يحتاج الناس إلى صور وإلى قدوات ينظرون إليهم، ويكونون موضع الاحترام أو موضع التقدير، وهم موضع التلقي، وهذا شيء فطري في المجتمعات:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

وهذا البيت جمع بين صورتين: (لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم)، و(ولا سراة إذا جهالهم سادوا)، وهذه هي الصورة الثانية التي تحققها كثير من هذه المجلات.

فمن هي القدوات في مثل هذه المجلات؟ إنهم بلا استثناء الفنانون والفنانات، والرياضيون والرياضيات، وأقصد بالفن: أي شيء يُسمى فناً، كالذي يشخص بالأقلام، ويلعب بالألوان، ويعتبر فناناً وعنده تشكيل، وتُجرى معه مقالات .. إلى آخره!

فالذي يضرب نحتاً في صخر ويعطينا شكلاً ليس له أول ولا آخر يُعد فناناً، ويحتاج إلى مقابلة وإلى إبراز المعاناة والجهد الذي بذله، والخدمة التي قدمها، والتاريخ الذي سطره، والجهود التي دخل بها التاريخ .. إلى آخر ذلك!

وتجد أن هذه المجلات تكرس هذا الجانب أحياناً تكريساً عجيباً، مع أنه ليس قضية اجتماعية، ولا قضية في حياة الناس، بل يعتبر قضية تدميرية.

وأيضاً فيها كثير من التجاوزات الشرعية والمخالفات العقدية، وهذا أمر واضح، فمثلاً: تجد مجلة مثل (حريتي) تنشر صفحات عن عبد الوهاب الفنان الراحل في ذكرى الأربعين، يعني: بعد موته بأربعين سنة، وفي كل سنة تأتي ذكراه لابد أن تفرد الصفحات الطويلة عما كان يأكل؛ ومن الحلاق الذي كان يحلق له؟ ومقابلة معه، وكيف كان يحب أن يسافر؟ هل في الطائرة أم في البر؟ وكيف سافر مرة بالطائرة ثم زال الخوف منه؟ وما هي آراؤه في الحياة؟ .. إلى آخره.

ثم تجد أيضاً صوراً بشعة وللأسف أنها تُكتب كما هي، على اعتبار أن هذا فنان، فتجد عدة صفحات في (النهضة) عن رشدي أباظة زعيم أو سيد السينما أو كذا، ومذكور في ضمنها: قصة زواجه ست زوجات؛ تزوج أولاً بمغنية فرنسية تعرف عليها في إحدى الزيارات في ملهى من الملاهي أو كذا، وبعد شهور طلقها، ثم تزوج ممثلة مصرية، وما أتم معها سنة حتى طلقها، ثم تزوج مضيفة أمريكية تعرف عليها في الطيارة، وأيضاً بعد فترة قصيرة طلقها، ثم تزوج راقصة أيضاً، وبعد عدة سنوات طلقها طلقة أولى، ثم عادت، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم بعد ذلك تزوج الممثلة الشهيرة صباح ، وكان الزواج مدته ثلاثة أيام.

وبعد ذلك حينما كان مريضاً وعلى وشك الموت أراد السفر للعلاج فتزوج ابنة عمه؛ حتى تكون فقط مرافقة له، وبعد أن رجع إلى بلده طلقها، فهل يُعرض هذا ليكون نموذجاً للناس؟ أم لنقده؟ أم لأي شيء يُعرض؟ وهذه المعلومات معروضة ضمن ما قدم، وضمن جهوده المباركة، وجهاده ونضاله في الفن!

وهذه الصورة في الحقيقة نلحظ أنها تكرس أو تعود الناس على مثل هذه الأمور، وهذه صورة سيئة وقبيحة، لكن من خلال العرض المتكرر ومن شخصيات متكررة يُراد للناس أن يألفوا هذه الأمور، وأن يعتبروها قضايا عادية، بل هي نوع من التحرر والانطلاق من القيود والاستمتاع بالدنيا، ونحو ذلك!

وتجد في المقابلات مقابلة مع ممثلة: من هي قدوتكم في الحياة؟ أو من هي كذا؟ فتقول: فلانة الفلانية سيدة الشاشة العربية، هي التي تأثرت بها، وأتمنى لو استطعت .. إلى آخره!

ثم تجد أيضاً الثناء والتركيز على الشخصيات التي ليس لها دور في المجتمع إلا أن تسلب قوت الناس المغفلين إذا صح التعبير، ثم بعد ذلك تمارس أعمالاً ضد هؤلاء، فتأخذ فلوسهم، ثم أيضاً تحاربهم في إيمانهم وفي شخصياتهم وفي معتقداتهم .. إلى آخر ذلك.

وتجد مثلاً مجلة مثل (صباح الخير) تنشر عن عارضة أزياء مصرية أنها فازت بجائزة سباق في حفل لعرض الأزياء، وأخذت الجائزة الأولى على أربعة وأربعين دولة، وأنها تعتبر سفيرة مصر في صناعة الأزياء، وأنها استطاعت أن تثبت كذا، وأنه ذهب الزمن الذي كنا فيه دائماً في المتأخرين، وأصبحنا الآن ننافس على المراتب العالية! وما سمعنا أن هناك من نافس وأخذ الأول في الصناعة أو الأول في الزراعة أو الأول فيما ينبغي أن يكون في مثل هذه البلاد المترامية الأطراف التي فيها أعداد غفيرة من الناس.

وهكذا تجد أن من خلال هذه القدوات تُوضع بعض المعاني التي فيها مخالفات شرعية، ففي مقابلة مع إحدى الفنانات سُئلت: لو عُرض عليك أن تشاركي في تمثيل فلم عن المحجبات؟ فقالت في الإجابة: لا بأس؛ كل شيء قابل للجدل وللأخذ والرد، وليست هناك مشكلة في المشاركة؛ لأن هذه القضايا تختلف حولها الآراء! وكأنه ليس فيها حكم في الشرع، وأن هذه الأمور شخصية، وأنه لا بأس ما دام هذه ظاهرة من الظواهر يمكن أن تناقش.

وسُئلت: كيف تقضي أوقات الفراغ؟ فقالت هذه الفنانة: إنها تذهب إلى البحر تستمتع وتقرأ وتتابع الحركة الفنية من خلال الفيديو!

إذاً: نريد لأمهات المستقبل أن يكن على هذه الشاكلة أو على هذه الصورة! فهذه ناحية مهمة، وهي قضية التركيز على القدوات السيئة وإبرازها على أنها هي محطة الآمال ومهوى الأفئدة، وهي التي تحلم بها النساء والبنات في خدورهن، ويحلم بها الشباب الصاعد وجيل المستقبل، فكلهم يحلم في أن يكون -كما يقولون- يرى أن المجد ركلة قدم أو جرة قلم أو رنة نغم، فهذه الثلاث هي التي يُراد أن تكون فقط هي الآمال وهي الطموحات، ونحوها تتوجه الجهود، وهذا طبعاً لاشك أنه جريمة كبرى في حق المجتمع، وهذا في نفس الوقت بلاء، ويتحقق به كثير من المفاسد.

القضية الثالثة -وإن كانت بعض القضايا متداخلة لكن نريد تفصيلها لأهميتها: قضية المرأة.

وإن كنا نقول: إن معظم ما سبق من الحديث وما سيأتي وأنواع هذه المجلات إنما يستهدف المرأة أساساً أو يستخدم المرأة، يعني: هو يستهدف المرأة؛ لأن استهدافها وفتنتها وفسادها يترتب عليه شر كبير.

ونحن نعلم أن كثيراً من المجلات يعتمد ترويجها على الصور التي تشكل نسبة كبيرة من صفحات هذه المجلات من صورة الغلاف التي يذهب أصحاب هذه المجلات أو الموزعون لها، ويحرصون على أن تكون الصورة لأجمل الفتيات، بل يسافرون لأجلها إلى عواصم أوروبا وأمريكا وإلى بلاد عربية وشرقية؛ ليأتوا بالصورة المناسبة، وبالتركيز المناسب، وبالأوضاع السيئة التي هي لهم مناسبة، ويستخدمون في ذلك شتى الوسائل.

وهذه القضية بالنسبة للمرأة تعتمد على ثلاثة أشياء:

أولاً: حرق الحجاب وإبطاله في الواقع مباشرة، ولذا فإن الصور كلها بدون الحجاب، بل فيها عري، وفيها تهتك، وفيها إغراء.

وأيضاً إبداء قضية الحجاب من خلال الحوارات أنها قضية ليست لها صلة بدين، وأنه ينبغي أن تكون قضية مفروغاً منها.

ثانياً: قضية الاختلاط، وأيضاً تكريس المقالات والآراء والصور وكل خدمة في هذه المجالات لتكريس هذه النقطة.

ثالثاً: قضية المساواة والمزاحمة في العمل، وإبراز عمل المرأة، وأن أول امرأة تقود الطيارة هي فلانة، أول امرأة في بلد كذا تدخل قسم الشرطة، وأول امرأة كسرت حاجز الخوف ودخلت الدفاع المدني.

ويُكرس هذا الجانب بشكل ملفت للنظر ليؤثر في نفوس النساء وخاصة المراهقات، ويبقى التعلق بمثل هذه الصور والحرص عليها مع الفتن الأخرى التي تبثها الشاشات الفضائية، وتلتقطها الأقمار الصناعية، فتتكامل الصورة وإذا بنا في موجة تتوجه فيها النساء وتتوجه فيها المرأة إلى كل ما فيه هتك للحياة، وكل ما فيه فتنة وتعطيل لها عن مهمتها.

ومن هنا تظهر الجريمة، وتتكاثر، ويشكو الناس، والحقيقة أنهم لا يبحثون عن الأسباب، وسنعرض لبعض هذه الوقائع أيضاً من الجرائم.

وأذكر أمثلة أيضا لقضية المرأة في الصحافة: تجد تعليقاً يقول: المرأة روح السوق؛ إنها تضفي البهجة بألوان ملابسها الزاهية وشطارتها في الفصال والبيع والشراء، يعني: هي لابد أن تكون جسداً بلا روح لا قيمة له، والسوق بلا مرأة لا قيمة له، وهذا هو المعنى الحقيقي المتجسد في الواقع من خلال هذه الإثارة؛ إذ يريدون أن تكون المرأة في السوق؛ لتكون متبرجة؛ ولتكون مختلطة؛ ولتكون بعد ذلك أقرب إلى الوقوع في الفواحش وفي الجرائم، بل وقوع الجريمة عليها حينئذٍ أيسر وأسهل؛ لأنها خرجت وتجاوزت حدود الشرع والحصون المنيعة التي أحاطها بها هذا الدين وحماها بها، وكل ذلك يحصن من هذه المعاني التي تُزف وتُوضع -كما يقولون- مثل السم في الجسد.

وأيضاً تجد تعليقات على بعض القضايا المهمة في حياة المرأة، مثل: الزواج المبكر؛ فتُشن حرب شعواء على الزواج المبكر، وأنه لابد أولاً أن تنتهي من الدراسة، وأن تأخذ الشهادة، بل أن تأخذ الشهادات العليا؛ لأن الزمان غدار؛ ولأنها لا تأمن الأزواج؛ لأن الرجال ليس لهم أمان؛ ولأن الشهادة أمان من الفقر، وسلاح في مواجهة الحياة، وتُكرس هذه المعاني، حتى يتأخر سن الزواج عند النساء الذي هو في الأصل ينبغي أن يكون متقدماً.

يقول الشافعي رحمه الله: رأيت جدة في اليمن لها إحدى وعشرون سنة. وهذا كما يقول الفقهاء: إن أقل سن تحيض فيه المرأة وتبلغ هو تسع سنوات؛ فهذه تزوجت وهي بنت تسع، ثم أنجبت وكان عمرها عشر سنوات، وابنتها بعد تسع سنوات تزوجت، فصارت بعد سنة قد أنجبت، فصار عمر الأولى إحدى وعشرين سنة، وهي جدة، وأما الآن فعمر الواحدة إحدى وعشرون سنة وهي عانس لم تصبح زوجة حتى تصبح أماً فضلاً عن أن تكون جدة!

وأيضاً ارتفع مستوى الأعمار؛ ففي كثير من البلاد العربية والإسلامية معدل الزواج بالنسبة للرجال من خمس وثلاثين إلى خمس وأربعين، وبالنسبة للنساء -على تفاوت في بعض البيئات- من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين وإلى أربعين!

ونحن نعلم أن الأربعين -كما يقولون- سن اليأس، وكثير من هؤلاء النساء لا يحببن أن يقعن في هذه القضايا بمثل هذه الصورة التي تُكرس في المجتمع.

ويتحدثن بأحاديث لا يقبلها العقل، وهن أنفسهن أول من يعلم أنها أحاديث كاذبة، ومن هذه الأحاديث: أنها تجد متعتها في العمل وفي الكفاح، وأن الزواج أمر عارض، وأن المرأة شخصيتها في ثقافتها وعلمها وكذا، لكن في حقيقة الأمر تظهر الاعترافات، كما ظهرت على صور شتىً، منها: ما نشر في اليمن قبل فترة لا بأس بها: قصة الطبيبة التي قالت: خذوا كل شهاداتي وكل مؤهلاتي وأعطوني طفلاً واحداً!

فهذه سنة الحياة، وغير ذلك مغالطة.

وبعض المقالات تقول: الزواج المبكر في كثير من الأحيان يعني: الطلاق المبكر.

إذاً: معنى ذلك التنفير من مثل هذا الأمر.

وفي هذه المجلات أيضاً كلام على بعض قصص الأفلام وما يُعرض فيها، حتى تكون قضية المرأة قضية انحلال، ومن ذلك ما نشرت مجلة (صباح الخير) عن فلم اسمه (الجسد) يركز على أن المرأة في كل أحوالها ليست عقلاً، وليست ثقافة، إنما هي جسد للمتعة فقط!

ويستطرد الكاتب في تفاصيل نفس الفلم، لكنه في نفس الوقت يروج لمثل هذه الأمور.

ومن أهم القضايا التي تُكرس في قضية المرأة: الحوارات والمقابلات وقضية المشكلات، وأغلب المجلات عندها عناوين: مشكلات، مشكلة وحل، الحل والمشكلة، وما إلى ذلك. وطبعاً المشكلة هي في الحب والغرام! والحل غالباً ما يكون متلبساً بالطيش والحرام!

ومن ذلك أنك تجد من تكتب وتقول: تعرفت وأنا عمري ثماني عشرة سنة على شاب أثناء رحلة إلى الخارج تقوم بها المدرسة للمتفوقين من الطلبة .. وتسرد القصة، والغرض هو أن الذي يقرأ القصة أو التي تقرأ القصة تعتبر أن هذه الأمور أصبحت قضية لا حرج فيها.

فكونها تعرفت على إنسان معناه: أنها سافرت من غير محرم، واختلطت بالرجال، وكأنه ليس هناك إشكال، ثم تذكر بعد ذلك كيف أصيبت، وأدخلت المستشفى، وكان هذا الشاب يزورها، ثم الخطابات التي كانت بينهم!

وهي قد تكون قصة حقيقية، وقد تكون غير حقيقية، لكن يُراد من خلالها أن يتسرب الفساد؛ مثلما يكون الإنسان في غرفة فيها بعض الغبار أو الغازات، ثم يمشي في الغاز شيئاً فشيئاً حتى يُخدر وهو لا يشعر، وهذا هو المقصود من مثل هذه القضية.

وأيضاً تجد التكريس على التحرر من العادات والتقاليد، وأن المرأة لا بد أن تتحرر من عادات وتقاليد، ولا يقولون: إنهم يدعون إلى مخالفة دين، فتجد فتاة تقول: حقيقة أنني لم أعد أرى تلك المراهقة التي تتعلق بذراع هذا الشاب كما كنت في السابق، وذلك حينما خرجت عن كل التقاليد التي ألفتها في الوطن! وهذه كلها تُكرس في مثل هذه القضايا.

وطبعاً تكاد تكون معظم هذه المجلات التي تتعلق بالفن وبالمرأة تدخل في هذا الجانب.

القضية الرابعة: الجريمة.

تعرض كثير من المجلات دائماً جريمة سواء جريمة واقعية من القضاء أو غيره، أو خيالية، وهذا العرض في حد ذاته هو نوع من التعليم والإغراء؛ لأنه يقص الجريمة، وكيف كانت خفية، وكيف عملت، والخطوات، وكذا، ثم أيضاً من خلالها يتعلق الناس بحب الفاحشة والجريمة؛ والله عز وجل يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]، فالمعنى في هذه الآية: أن مجرد إشاعة الفاحشة أو قول: إنه حصل كذا وكذا، هذا في حد ذاته يكسر الحاجز في نفوس الناس؛ فلا يهابون مثل هذه الأمور، ولا يعتبرونها خطراً ولا خجلاً، وبالتالي يتعودون عليها شيئاً فشيئاً.

وهذا هو الذي يحصل؛ فإذا كثر ذكر الجريمة في المجتمع تأتي تقول لإنسان: حصل كذا وكذا، فيقول لك: هذا أضعاف أضعافه يحصل، وهذه بسيطة! وكلما كثر تناول هذه القضايا يجعل إحساس الناس يتبلد نحوها، وبالتالي تعظم جرأتهم فيها.

وأذكر أمثلة لذلك: هذه مجلة (حريتي) تعرض مسألة خطيرة، وهي للأسف أيضاً ظاهرة بدأت منذ فترة في مجتمعاتنا، وأرى أنها الآن تستشري، وهي: مسألة انتشار أشرطة الفيديو الجنسية.

وكتبت تحقيقاً عن هذه القضية، وكيف يتم تداولها؟ وكيف كذا؟ لكن الأسلوب كان تحت عنوان: الثقافة السوداء، وهذا هو المصطلح الذي يدور بين هؤلاء الشباب، فالشريط الذي يتداولونه يسمونه شريطاً ثقافياً، ويقول أحدهم للآخر: أنت اليوم مدعو لمشاهدة شريط ثقافي، وهذا مصطلح متداول بينهم لهذا النوع من الأشرطة، فيبين هذا المحقق أو الكاتب كيف يتقابلون؟ وكيف صورة اللقاء؟ وما هي الأسعار؟ حتى تسعيرة الفيلم تختلف؛ فإذا كان نوعه أمريكياً كان سعره كذا، والسعر يكون غالياً إذا كان إنتاجه محلياً.. إلى آخره!!

وكل هذا نوع من التعذيب، وفي نفس الوقت نوع من الإغراء لهؤلاء الشباب الذين يطالعون مثل هذه التحقيقات، إضافة إلى الصور المرافقة لهذه التحقيقات، والحقيقة أن عرض هذه الجرائم إنما هو نوع من الإغراء بها، والتعليم عليها، وكذلك تجد هذه الصورة في كثير من العرض الصحفي أو عرض المجلات التي تعرض هذه القضايا.

النقطة الخامسة هي: قضية النظر إلى الدين الإسلامي وقضايا الإسلام من خلال هذه المجلات:

نجد أن هناك كثيراً من المخالفات والتجاوزات الصارخة التي يبلغ بعضها حد الكفر عند من يعتقده، فتجد قضايا في جعل الدين قضية قابلة للنقاش وللأخذ والرد، ولكل فيها قوله! يعني: كما أننا نختلف على الطعام والشراب أيهما أحب كذلك يجعلون قضية الدين قضية نسبية لك الخيار في أن تأخذها أو لا تأخذها، ويجعلون الدين عبارة عن رأي وفكرة قابلة للنقاش والجدل.

ومن ذلك بعض المقالات ترى أن هناك نسبية في كل قضية، وأن كل قضية لها وجهان مهما كانت هذه القضية، حتى لو كانت ديناً وإسلاماً وحكماً شرعياً!

وحتى ننظر كيف تهمش قضية الدين والإسلام نشر تحقيق عن قضية من أخطر القضايا التي يُكرس فيها كل البلاء الذي ذكرت فيما مضى من الجريمة والمرأة ونحو ذلك، وهي قضية: استفتاء ومقابلات وتحقيق حول موقف الأسرة عندما تأتي البنت بصديقها إلى البيت، وموقف الأسرة عند يأتي الابن بصديقته إلى البيت!

وطبعاً كأن قضية الصداقة الآن أصبحت حقيقة مسلمة، وكونه له صديقة أو ليست له صديقة ليس محل نظر حلال ولا حرام، لكن النظر هو هل يأتي بها إلى بيته أو لا يأتي بها!

فماذا تجد الإجابات؟! بعض الأمهات، تقول: نعم أستقبله في البيت، ولا أرى في ذلك مانعاً؛ وهذا من الأفضل، حتى أكون قريبة، ولكن إذا كانت المشاعر ستتجاوز حد الزمالة فأوجه ابنتي إلى ما فيه صالحها!

وكأنه ليس هناك قرآن ولا سنة ولا حديث للنبي عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) ، (وما تركت بعدي فتنة أضر على النساء من الرجال).

هذه كل الحقائق التي يشهد بها الواقع، والتي تشهد بها الجرائم والوقائع التي تتكرر، ويأتي أيضاً أب يتفلسف في الإجابة فيقول: أنا أسمح لابنتي أن تحضر زملاءها وليس أصدقاءها! يعني: أنه فرق بين الزملاء والأصدقاء.

وطبعاً لك أن تجتهد وتفكر ويمكن أن تجمع مجمعاً حتى يعطوك الفرق بين الزملاء والأصدقاء!

ثم أيضاً يقول: لا بأس أن يكون ذلك؛ حتى أكون على علم، ويعتمد على الصديق من هو، إذا كانت عائلته محترمة، وكما يقولون: عائلة متأدبة ومتدينة كما يحلو لهم أن يقولوا .. إلى آخره!

وهناك أيضاً ثالث يقول: أسمح لابنتي أن تختلط بالشباب، وتذهب إلى الجامعة، وليس هناك عيب في ذلك، لكن لا أحب أن تستقبل الضيوف في بيتي!

ورابع يقول: هذا أمر طبيعي!

وأُجريت أيضاً الأسئلة على نفس الشباب والشابات.

فأحدهم يقول: زيارة صديقتي لي في المنزل وذهابي إليها أمر طبيعي للغاية، وليست هناك أية مشكلة، وليست هناك أية قضية!

وآخر يقول: أستقبل صديقاتي في البيت بطريقة عادية؛ لأنني متعود على ذلك؛ فقد درست في مدرسة أجنبية فيها اختلاط منذ صغري، فالمسألة ما فيها شيء!

ثم آخر المقال هو الذي يدلنا على أنه يُراد ألا يكون هناك شيء متعلق بالذكر في مثل هذه الأمور، يقول الكاتب أو المحقق: بعد أن أخذنا آراء الآباء والأمهات والأبناء والبنات فهل بقي في الموضوع كلمات تقال؟! وكأنه يقول: هل هناك شرع؟ وهل هناك دين؟ وهل هناك آيات أو أحاديث؟!

هذا كأنه شيء ليس له موقع من الإعراب، وهذه مقاصد مرادة؛ إذ لا يعتبر أنه مجرد كلمات هكذا، وإنما هناك مغزىً مقصود هو: أن هذه الأمور خاضعة للعادات ولقبول الناس، وليس هناك شيء اسمه حكم أو شرع أو دين!

وتأتي أيضاً مجلة (صباح الخير) وتنشر عن كتاب تدعي أن صاحبه يقول: إن الحجاب - بمعنى منع الاختلاط بين الرجال والنساء- إنما كان حكماً خاصاً لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم! يعني: لا يكتفون بتهميش أو بعدم ذكر حكم الشرع، بل يقومون بالتزوير وتدليس وتغيير الأحكام الشرعية وإبداء هذه الصورة.

وهناك أيضاً التلاعبات التي تريد أن تجعل الأمور المحرمة غير ذات حرج في الدين، ففي مقابلات عن الشخصيات يقابلون الشيخ سيد المكاوي المغني ، ويسمونه شيخاً؛ لأنه يغني -كما يقولون- موالات دينية، أو يقرأ القرآن ويغني! فهو بذلك شيخ، وطبعاً يذكرون في المقابلة أنه يصوم ويصلي، وأنه كذا وكذا .. إلى آخره.

وهناك أيضاً تكريس المعاني في الطعن في الدين؛ فأحدهم يكتب مقالاً بعنوان: أرجوك لا تفهمني.

يقول: أنا أكتب وأنا صائم، وبالتالي أنا متعب وعقلي مشوش، والإنسان حينما يكون صائماً دائماً يكون غير قابل للتفكير، وغير قابل لكذا .. ويكتب مقالاً بالفعل سخيفاً من أوله إلى آخره، ويقول في آخر الأمر: إذا لم تفهمني فأرجوك ألا تسألني؛ لأني أنا لم أفهم ما كتبت، وإذا أردت أن أشرح لك فسأزيدك غموضاً إلى غموض! والغرض هو: أن القضية متعلقة بالصوم، وإبداء الصوم في صورة مشوهة، حتى إن هناك (كاريكاتير) منشور في إحدى المجلات يقول: كل شيء في رمضان زين، المسلسلات والتمثيليات وغيرها إلا الصيام فقط وحده هو الذي كان فيه تعب!

وهذه الصور يُراد منها الطعن في الدين والاستهزاء والسخرية بالأحكام الشرعية، ومعتقد هذا يكفر؛ لأن اعتقاد هذه القضايا فيها كفر.

وأحدهم في (أكتوبر) وهو من أكثر الناس الذين يكتبون مقالات سيئة الدكتور عبد العظيم رمضان، كان يكتب مقالاً في شهر رمضان عن المسلسلات والتمثيليات التي أتحف التلفزيون بها الجمهور، والتي أنعشهم بها، وسلى بها صيامهم، ثم يقول: وبعض الناس من المتشددين يظنون أن مثل هذا يجرح الصوم، وهؤلاء ما فهموا حكمة الصوم؛ لأن من الصعب أن الإنسان يتخلى عن المتع؛ ولذلك جُعل الصوم فيما بين المغرب والعشاء، والحكمة من الصوم فقط التدرب على بعض هذه الأمور والمتع لوقت بسيط.

يقول: ولذلك لم يمنعنا الشرع أن نكثر من الطعام بعد الصيام؛ فإنه ليس هناك غاية بأن الإنسان مع الصيام يقلل الطعام، وإذا كان ليس هناك أمر بتقليل الطعام فليزد الإنسان من كل شيء بجانب الطعام.

وهكذا تجد أيضاً قضية التعدد تُثار في هذه المجلات بسخرية، وكأنه ليس فيها دين ولا حكم ولا شرع، فتجد مجلة مثل (كل الناس) تنشر في مقدمة افتتاحية مقال عام: التعدد، وتذكر أن جمعية نشأت في الكويت بعد أحداث الخليج من النساء وبعض الرجال، هذه الجمعية تدعو إلى التعدد، وتحاول أن تعرف أو تثقف النساء أو تبين للنساء أن التعدد فيه خير، وفيه أيضاً حلول للمشكلات، خاصة العوانس ومن توفي أزواجهن وكذا.

فهذه الكاتبة تسخر من هذه الجمعية وتقول ساخرة للمرأة: دللي زوجك، وتلطفي، وقولي له: لو سمحت اذهب وتزوج امرأة ثانية. وهذا نوع من السخرية، ثم تقول: ولقد قبلت هؤلاء النساء هذا باستقبال حار وبإيجابية كبيرة. والإيجابية الكبيرة اللائقة بهن هي من قبل النساء أنفسهن.

فكيف هذا الاستقبال؟ قالت: إذ ضُربن بالنعال وبالأحذية وشُتمن شتماً مقذعاً، يعني: أن هذا هو الاستقبال اللائق بهن في هذا الأمر.

ثم هناك بحث أو تحقيق طويل في نفس العدد عن هذه القضية، وفيه نصوص وكلام خطير، منه: أن واحدة توفي زوجها، وبينما هي مقيمة في العزاء جاءتها امرأة أخرى وقالت لها: إن زوجك هو زوجي، يعني: أنه تزوج عليها من غير أن تعرف الزوجة الأولى، وأن هذا عقد الزواج، وأن له مني ابنين، فتقول القصة أو الرواية أو التحقيق: إن الزوجة الأولى التي كانت حزينة ألغت الحزن، ولبست، وخرجت، وقالت: الحزن فيه خسارة!

وهذا أيضاً تلاعب في الدين والأحكام الشرعية، وكثير من الأقوال تقول: إن له إما البقاء مع الزوجة الواحدة وإما الانفصال، أما أن يكون هذا الأمر فلا يمكن بحال من الأحوال.