الحرب الظالمة


الحلقة مفرغة

الحمد لله المستفتح باسمه في كل أمر، المستعاذ به من كل شر، المستعان به في كل خطب، المستنصر به في كل حرب، الملتجأ إليه في كل بر، له الحمد سبحانه وتعالى هو المحمود على كل حال، لا نحصي ثناءً على نفسه هو كما أثنى على نفسه، هو أهل الحمد والثناء، وله الحمد ملء الأرض والسماء، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى على آلائه التي لا تعد ولا تحصى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه إلى الناس أجمعين، وأرسله رحمةً للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون!

في الحرب الظالمة مسائل ورسائل، نقف مع المسائل لمزيد من الكشف والبيان والإيضاح، ونوجه الرسائل لمزيد من الوعي والإدراك والعمل والإصلاح.

وما من شك أننا على يقين أن في قضاء الله وقدره حكمةً ورحمة، وأن فيه للمؤمنين خيراً ولو بعد حين، هذه أمور لا بد منها، وربما ظن بعض الناس أن هؤلاء الحلفاء من البريطانيين والأمريكان فاجئوا الناس ببغيهم وعدوانهم وكشفوا عن شيء مخبوء لم يكن معروفاً، أو أظهروا شيئاً كأنما جاء فلتةً من غير قصد، أو كأنما جاء بسبب عارض أو بظرف خاص، ونريد أن نؤكد غير ذلك.

المسألة الأولى: الظلم والعدوان شريعة الأمريكان، ولا بد أن نعرف الحقائق على وجهها حتى لا نظنها خاصةً بوضع أو بحال أو بزمان أو بمكان بعينه، بل هي أوسع من ذلك وأشمل، وهي أدق من ذلك وأعمق، وهي أخبث من ذلك وأكثر شراً وضراً.

يقول رئيسهم عند توليه الحكم قبل أن تحدث الأحداث التي يزعمون أنها سبب لما يجري، يقول في خطاب ترشيحه: إن لأمريكا زمن القوة العسكرية التي لا منافس لها، وطريق الأمل الاقتصادي والنفوذ الثقافي، إنه السلام الذي يأتي بعد الانتصار الساحق.

هذا هو المفهوم: سيادة ثقافية وهيمنة اقتصادية، وفوق ذلك مواجهة وعدوان وظلم وبغي بالوسائل العسكرية؛ ليعم من بعد ذلك الانتصار الساحق كما يزعم من يهوى ذلك، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:204-206].

ولئن تنزلت هذه الآيات وذكر أهل التفسير أنها في المنافقين فهي في وصف الكافرين من باب أولى وأظهر، وذلك يتجلى في هذه الكلمات التي سمعناها، وليس ذلك في فلتةٍ عابرة بل هو جوهر السياسة والتوجه، ففي وثيقة السياسة الخارجية التي اتخذها الرئيس سمةً ومنهجاً له وأقرها: أن هذه السياسة يمينيةٌ من حيث العقيدة لبعديها السياسي والديني، وتسعى لتحقيق مصلحةٍ قوميةٍ عُليا كونياً واقتصادياً وثقافياً، وتتجاوز كل تحركات أمريكا من أجل ذلك على مدى قرون سابقة، إنها الحركة التي تعكس كياناً إمبراطوريا يسعى للوجود في كل بقعة من بقاع الأرض يسعى للوجود سواء كان وجوداً مباشراً أو غير مباشر.

ومدير التخطيط للسياسة الخارجية يلخص في سطرين اثنين الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في القرن الواحد والعشرين فيقول: هو إدماج بلدان ومنظمات أخرى في الترتيبات التي سوف تدعم عالماً يتسق مع المصالح والقيم الأمريكية، فهم لا يرون أحداً غيرهم ولا يعرفون قيمةً ولا مقاماً لثقافة أو حضارةٍ أو أمم أو شعوب غيرهم، ولسان الحال لسان فرعون: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29] كذبوا وخابوا وخسروا! وإذا تأملنا فإننا نجد الأمر أوضح من ذلك في كثير من الجوانب التي ليس هذا مقامها.

مسألةٌ ثانية: الغطرسة والطغيان منهج الأمريكان.

إنهم لم ينفردوا عن العالم كما يقولون في هذه الحالة الشاذة، بل إنهم يريدون أن يقرروا ذلك ويكرسوه حتى يسيروا فيسير العالم كله من وراءهم، ويقولوا فينصت العالم كله لهم، ويأمروا فتستجيب الدنيا بأقطارها ودولها وأممها وحضاراتها لهم، وذلك يقولونه بألسنتهم ويقررونه في وثائقهم ويعلنونه في محافلهم، وليست الهدف بلداً بعينه، ولا نظاماً بعينه ولا مسألةً عسكريةً مكذوبةً مغلوطةً بعينها، بل كما جاء في إستراتيجية الأمن القومي التي عُرضت على المجالس السياسية: أمريكا ستعمل على حسم معركة العالم الإسلامي، وأمريكا لا زالت مستمرة في جهودها للحصول على دعم المجتمع الدولي، إلا أننا لن نتردد في اتخاذ خطوات من جانب واحد إذا لزم الأمر، وسنشن حرب أفكارٍ لننتصر في المعركة.

وهذا كله قبل الأحداث وقبل ما جرى مما يدعون أنه السبب في كل ذلك، ونائب وزير الدفاع المتهود يقول: ينبغي منع أي قوة معادية من السيطرة على مناطق يمكن لثرواتها أن تجعل هذه القوة قوةً عظمى، كما ينبغي تثبيط عزيمة الدول المتقدمة إزاء أي محاولة لتحدي زعامتنا، كما علينا التنبه والتوقع لأي بروز يحمل منافسة لنا على مستوى العالم.

وهذا هو الطغيان والتكبر والتجبر والغطرسة التي ينال شرها وضرها أهل الإسلام وبلاد الإسلام بشكل خاص، ولا يسلم من حرها وقرها ولظاها شعوب الأرض قاطبةً كما نراها، وهي اليوم تُبغض هذه السياسة وحملتها وقيادتها وتسعى بجهدها قدر ما تستطيع وخاصةً الشعوب.

وفي إستراتيجية الأمن القومي: إن هناك نظاماً للقيم الأمريكية لا يمكن المساومة عليه وهذه هي القيم التي نتمسك بها، وإذا كانت هذه القيم خيرةً لشعوبنا فإنها خيرةٌ لغيرنا، لا نعني أننا نفرضها بل نعني أنها قِيم الهيبة!

وهذه مغالطات في الألفاظ، فهم يقولون: لا نفرضها لكنها قِيم الهيبة! يعني ستفرضها الهيبة والهيمنة والإرهاب الذي يمارسونه مباشرةً أو غير مباشرة معلناً أو غير معلن، وهذا واضح وجلي في المواقف التي نراها اليوم والتي تقع في هذه الأحداث المؤسفة المؤلمة على إخواننا المسلمين في أرض العراق، وهذه سمة واضحة ومنهج أصيل سيما في هذه الإدارة الأمريكية الحديثة.

وإذا تأملنا وجدنا كيف تطبق هذه المسائل وهذه الأفكار في الواقع عندما صدرت فتوى من مجمع البحوث الإسلامي التابع للأزهر، وإذا بالتنبيه والطلب من وزارة الخارجية بأن يُلفت نظر الحكومة وأن يدرج الأزهر في قائمة المنظمات الإرهابية.

وهكذا ترون التشدق والكذب في قضايا كثيرة ليس هذا مجال حديثنا فيها، ونحن نرى كيف تُفرض أو يُفرض منطق القوة لا منطق العدالة، ومنطق الظلم والبغي والعدوان التي تسنده القوة بأنواعها المختلفة، وماذا يقول مجتمع الأمم المتحدة ومجلس أمنها؛ هل يعارضون الحرب أو يسعون لوقف الهلاك والدمار؟ إنهم يبحثون كيف يتعامل مع آثار الدمار! إقراراً للمدمرين والمعتدين وإيقاناً بأنها -أي: الأمم المتحدة- أعجز من أن تقول شيئاً، أو أن تفعل شيئاً وإنما تسير مع الركب وتمضي مع الهيمنة وتخضع للقوة وتصبح في ذيل القائمة، وهذا هو منطق القوة الذي يفرض.

ومسألة ثالثةٌ مهمة، وهي أخطر وأبعد فيما يتصل بالإسلام وأهله، وهي: مسألة التحالف بين اليهود والأمريكان:

ولا يخفى على أحد تأثير اليهود في هذه السياسات والتوجهات، ولا يخفى أمر قد يظنه البعض غريباً: وهو أن تُقدم الخبرات من اليهود في دولتهم الغاصبة لهذه القوة العظمى، وقد تجلت هذه الأخبار وخرجت في الأوقات الماضية، فخبرات اليهود عليهم لعائن الله في قتال إخواننا المسلمين في فلسطين يهدونها إلى صُنعائهم وحلفائهم وأربابهم من الأمريكان، ويقدمون لهم خططاً في تجربتهم في اقتحام المدن في فلسطين حتى يتبعوها هناك، ويقول أحدهم وهو من الخبراء العسكريين الذين يبينون ذلك ويؤكدونه: إن القيادات في الجيش الأمريكي لا تخجل من الاستفادة من التجارب الإسرائيلية، بل إنها تدرس هذه التجارب بشكل علني ولديها كراسات عن كل حرب إسرائيلية، وآخر الكراسات التي صدرت في واشنطن هي تلك التي تتعلق باحتلال جنين ونابلس!

فالأمر متصل والشبكة واحدة، وإلا فأين العيون والآذان والقرارات والأنظمة من الإجرام اليهودي وأسلحة الدمار الشاملة المعروفة المعلنة، ومنع التفتيش ومنع التوقيع على تلك المعاهدات.. إلى آخر ما يعلمه أصغر صغير وأقل الناس علماً في هذا الوجود، وهذا كله يؤكد لنا الحقائق الأساسية في حقيقة العداء بين أعداء الإسلام عموماً وحلف الصهاينة مع النصارى اليمينيين المسيحيين على وجه الخصوص وبين الإسلام وأهله، والأمر في هذا ظاهر بين ولا يخفى على أحدٍ ونحن ندرك كل هذه الوقائع التي تجري ولكن مزيداً من الإيضاح حتى لا يظن ظانٌ أن المسألة مخصوصة أو عارضة، وهاهي الأقوال تنطق فإنها ليست حرباً عسكرية؛ ولكنها غزوٌ ثقافيٌ وتغيير قيميٌ وتبديل أخلاقيٌ، ونقضٌ أساسي لواقع المجتمع في مناهج تعليمه وفي أسس بنائه، بل وفي نظام حكمه، بل وفي موارد اقتصاده، وذلك هو الذي تشهد به الوقائع. ودع عنك ما يقال من الأقوال التي يزعمونها تحريراً للشعوب أو نشراً للحرية أو حفاظاً على ثروات الأمم أو غير ذلك من الكذب الذي تكذبه الصواريخ المدمرة والقنابل المحرقة، والجرائم المتوالية التي أصبح العالم اليوم يتعامل معها كأنها أمر واقع، وخير القوم من يستطيع أن يقول على استحياء: إن هذا ظلم وعدوان ينبغي أن يقف.

ولسنا نريد أن نفيض في هذا القول ولكننا ننتقل إلى الرسائل التي نحتاج إليها نحن، رسائل نوجهها إلى عموم المسلمين ورسائل نوجهها إلى المخدوعين من الموالين، ورسائل نوجهها إلى الثابتين من المقاومين؛ علنا ندرك فيها كثيراً مما نحتاج إليه من أنوار القرآن وهداه وثوابته.

وجوب التحلي بالثقة والثبات

أولاً: الثقة والثبات:

فلا ينبغي أن يفت هذا العدوان في عضد المسلمين، ولا أن يتسرب اليأس إلى نفوسهم، ولا أن يهزمهم في سويداء قلوبهم وأعماق نفوسهم وخواطر أفكارهم.

وللأسف أننا ربما نجد بعضاً من ضعاف الإيمان قد أصبحت أمريكا إلههم الذي يُعبد، وأنها القوة التي لا تُقهر، وكأنها هي التي تصرف أمور الكون وشئونه، ويقولون لك ما يقولون بألسنة تدل على خور وجبن وضعف، ولعلنا لا نطيل فنسوق من آيات القرآن وحسبك بها مثبتاً وموضحاً ومجلياً للحقائق، وذلك فيما ساق الله سبحانه وتعالى لنا من قصص بني إسرائيل وموسى عليه السلام: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128] وذلك في أثناء المواجهة مع الطغيان ومع فرعون، فكان موسى يقول لهم: (استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبة للمتقين) جزماً قطعاً.. يقيناً لا شك فيه.

وكان عندهم شيء من التردد قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129] أي: قد وقع لنا بلاء وحصلت لنا هزائم وحلت بنا نكبات، وتشردنا في الأرض وذقنا مرارة العبودية: قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129].

ثم ساقت الآيات صور الصراع والمواجهة، وكانت خاتمتها: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137].

إيجاز يلخص مواجهة الإيمان مع الطغيان عندما يكون الإيمان راسخاً في القلوب واليقين ثابتاً في النفوس، وينبغي أن يكون هذا تأكيداً لهذه المعاني وتوثيقاً لها في خضم هذه الأحداث، لا أن يكون سبباً في نقضها أو ضعفها، أفي شك نحن من آيات الله؟! أفي شك نحن من سنن الله؟!

أفي شك نحن مما رأينا بأم أعيننا فيما نطالعه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أفي شك نحن من صفحات تاريخنا الإسلامي الوضيئة المشرقة، حين روت لنا معارك واجهت فيها فئة مؤمنة قليلة، في أحوال كثيرة، وميادين عديدة في مواجهات مختلفة مع أمم متنوعة، فيوم استمسكت بدينها واستنصرت بربها، عزت وعلت وسمت وانتصرت رغم ضعفها وقلة عددها وعدتها، ونحن نرى صوراً من ذلك وكان الناس يقولون: إنهم في ليلة وضحاها سينهون كل شيء، ونحن نرى ما نرى من صور يسيرة ولمحات وضيئة لا نستطيع أن ننسبها كليةً إلى الإيمان واليقين والجهاد والفداء لكننا نقول: إن من ومضات من ذلك، وكل شعوب الأرض وأممها تقول: من يقف أمام هذه القوة العظمى مع التحالف الذي يسندها؟! ونحن نعلم أنهم اليوم يضاعفون ويرسلون المزيد من الرجال والعتاد؛ لأنهم لا يزالون يجدون أن هذه المقاومة الهزيلة الضعيفة الخاوية من كثير من العدة والعتاد، استطاعت أن تصنع شيئاً يعده الناس والعسكريون أمراً فريداً يستحق أن يدرس وأن يدون.

الخسارة والدمار لأهل الظلم والاستكبار

الرسالة الثانية: الخسارة والدمار لأهل الظلم والاستكبار:

لا بد أن ندرك أن سنة الله عز وجل ماضية في أن الظلم عاقبته إلى خسار ونهايته إلى دمار: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] وأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الظلم في الدنيا حسرةٌ وندامة، أيَّا كان هذا الظلم حتى وإن كان المسلم هو الظالم فإن له عقوبة دنيوية وأخروية، كيف والظالمون من الكافرين! كيف والظالمون يظلمون أهل إسلام وإيمان في الجملة وفي بلاد الإسلام قاطبة؟!

والله سبحانه وتعالى قد بين لنا ذلك في آيات كثيرة، وجلاه رسولنا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وفي المواقف العديدة من سيرته، وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا [الكهف:59] إن موعدهم آتٍ وإنه لقريب، وإِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81] ليل لا بد له من نهار، وظلمةٌ لا بد أن تنجلي عن إشراق وأنوار، لكن لا بد من اليقين بذلك ولا بد من العمل له، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوذي هو وأصحابه وهاجر وقاتل ودمي وجهه الشريف، وقُتل بين يديه خلص أصحابه وأقربائه، ثم علت رايته وانتشرت عقيدته وعظمت في بلاد الأرض كلها دولته؛ لأنها قامت على هذا اليقين، وكل تكبر وطغيان فإن مصيره إلى الهلاك.

والله قد قص علينا في كتابه قصص أمم كثيرة طغت، وبغت، وتجبرت، وتكبرت، فأذلها الله عز وجل وأرغم أنوفها ومرغها في التراب، وجعل عاليها سافلها، وذلك عندما وجد الخلص من عباده معلقين حبالهم به، ملقين ولاءهم له ولأوليائه، متعلقين به في عبادتهم وطاعتهم، محكمين لشرعه في أحوالهم وعلاقتهم ومعاملاتهم؛ عند ذاك تتحقق هذه السنن وتمضي كما بينه الله سبحانه وتعالى، يقول الحق جل وعلا: فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [الزمر:51].

هل تعجز قوة الله أمريكا أو غير أمريكا أو قوى الأرض كلها؟! ولكن بعض الناس لا يوقنون! فنحتاج أن ندرك هذا كما أخبرنا الحق جل وعلا: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] ألا ترون أن هذا حال الكفار اليوم، ألا ترون أن هذا وصفهم؟! فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15] وهو قادر جل وعلا على أن يفضحهم ويهزمهم ويذلهم، وذلك وفق سنته جل وعلا.

وجوب المرابطة والجهاد في مختلف الميادين

ثالثاً: المرابطة والجهاد:

فهذه معركة ليس ميدانها بقعةً معينة، وليست صورتها قتالاً بالأسلحة، بل هي أوسع من ذلك وأشمل، إنها تريد تقويض الاقتصاد والاستيلاء على الثمرات، إنها تريد تبديل المناهج وتغيير الأخلاق، إنها تريد نقض أساس الحكم بالإسلام وتغيير شريعة القرآن، إنها تريد فسخ عرى الأسرة المسلمة وتعرية المرأة المسلمة، إنها تريد أن تدخل إلى قلوب المسلمين فتغير ولاءهم وبراءهم، وإلى عقولهم فتغير أفكارهم وتصوراتهم.

أفليست هذه المعركة جديرة بأن يخندق المسلمون في ميادينها كلها ولا ينبغي أن تكون في ميدان واحد، بل لا بد أن تكون هذه الميادين فيها جهاد من أهل الإسلام، فمن ذلك جهادهم الثقافي، وفضحهم السياسي، وصدهم الاقتصادي، وحسبنا في ذلك أن نرى اليوم شعوباً بوذية وشعوباً غربية تنادي بمقاطعة أمريكا، وأهل الإسلام أولى بذلك وأحرى وأجدر، فلا نشتري بضائعهم، ولا نسوق ثقافتهم، ولا نشاهد أفلامهم، ولا نروج ما يقولونه ويزعمونه من هذه الأباطيل فلا نذهب إلى بلادهم ولا نستثمر في ديارهم.

ولا بد أن يكون هذا موقف مبدأ وإيمان لا موقف رد فعل آلي، ولا بد أن يكون ذا شمول في نوعه ومجالاته، وأن يكون ذا شمول في عموم أمة الإسلام؛ إن ثلاثمائة وألف مليون لو صرخوا صرخة واحدة لزلزلوا الأرض كلها، فما بالهم لا يجتمعون على أمرٍ قد ظهر وانكشف وصار أوضح من الشمس في رابعة النهار، وهذا أمر لا بد منه ولا بد من الأخذ به وهو ضرب من ضروب الجهاد.

ولا بد كذلك من الجهاد في ميادين الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتثبيت عقائد الإسلام، وتوضيح شرائعه، والرد على كل من يعتدي على كتاب الله وسنة رسول الله، ورد الشبهات التي تبث وتذاع وتشاع عن دين الله وأحكام شرائع الله، وكل ذلك لا بد له من عمل وبذل، إنه لا ينبغي لنا أن نحصر الأمور في ميدان واحد، وإن كان ميدان الجهاد متعيناً في أوقاته وزمانه وأهله، ومتعيناً على عموم الأمة أن تعد له عدته، وأن تأخذ أسباب قوته وأن تهيئ النفوس بالتربية وبالعمل الجاد وبالأسلوب الذي ليس فيه هذا الترف والتميع والتمايل مع الغناء والرقص والانسلاخ من الأخلاق، والانحلال مع الأفلام الداعرة الماجنة وغير ذلك مما يروجه أولئك القوم وغيرهم.

فلا بد من رباط، والرباط يعني أن تواصل العمل وألا تترك الموقع، وإذا تركته فخلف بعدك غيرك ليأتي ويكمل الدور، وينبغي التواصي بذلك وأن تكون الأعين مفتوحة والقلوب واعيةً والعدة متأهبة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71] انفر وتوجه لميادين القتال المباشرة وغير المباشرة فالجهاد ساحته واسعة، وعداء أولئك القوم لنا لا يقتصر على جانب دون جانب بل في سائر ما يتعلق بإسلامنا، وإسلامنا يتعلق بالحياة كلها، ويحكم دنيانا كلها ويحكم ما في قلوبنا ونفوسنا من المشاعر والعواطف، وما في عقولنا من الأفكار والخواطر، وما تنطق به ألسنتنا من الأقوال والكلمات، فلذلك ينبغي أن يكون دأبنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11] وقد قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم) وهذا أمره واضح، وقد سبق لنا حديث عنه.

وجوب الإصلاح والتغيير

ولا بد لنا أن ننتبه إلى أمور مهمة وإلى غايات عظيمة ومنها: الإصلاح والتغيير:

إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] إن مواجهتنا لأعدائنا وانتصارهم في بعض الميادين علينا ليس لقوتهم، فإنهم أضعف منا في جوانب كثيرة، وإنما انتصارهم بسبب ضعفنا، إنهم يصنعون ونستهلك، ينتجون ونشاهد، يروجون فنقبل، يكذبون ونصدق، ولو وجدوا غير ذلك لوجدنا غير ذلك.

لقد كان الغزو وإرادة التأثير موجوداً وفاعلاً منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه وجد إيماناً ويقيناً تكسرت عليه كل هذه الحملات، ولعلي أذكر مثلاً واحداً: يوم تبوك، يوم تخلف من تخلف وكان من المخلفين ثلاثة صادقون، ومنهم كعب بن مالك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاطعوا ولا يكلموا ولا يعاملوا، قال كعب : حتى ضاقت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت.

فسمعت الدولة العظمى أن فرداً في هذه الأمة ربما اعتراه ضعف وأصبح مهيئاً ليتم النفوذ من خلاله وأن يكون الغزو عبره ومن طريقه، فأرسلت القوة العظمى رسولاً يبحث ويسأل عن كعب بن مالك ، قال: فدلوه علي فجاءني بكتابٍ من القائد والملك الأعظم في دولته العظمى، يقول فيه: قد علمنا أن صاحبك قلاك، فالحق بنا نواسك، ولم يجعلك الله في أرض مضيعة.

فماذا قال هذا المقُاطَع الذي لا يكلمه أحد، والذي عاش فترة من المعاناة النفسية الشديدة، هل لان وضعف؟ هل استجاب لإغراءات اللجوء السياسي أو لإغراءات المنهج الفكري؟ قال: (فعلمت أنها الفتنه)! كل ما سبق لم يكن شيئاً ولم يكن فتنةً بالنسبة له.

قال: فعلمت أنها الفتنة فعمدت بها التنور فسجرتها، أي: أحرقها حتى لا يبقى لها أثر ولا يبقى له ذكر ولا يعاود النظر إليها مرة أخرى، ورد أولئك على أعقابهم خائبين، واليوم يأتينا كثير وكثير ويتلقفه منا كثير! أين صلابة إيماننا؟ أين ثبات أخلاقنا؟ أين قوة دعوتنا؟ أين قوة مواجهتنا؟ ذلك أمر لا بد له من التغيير والإصلاح.

نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يثبتنا على الحق، وأن يرد أعداءنا على أعقابهم خائبين، وأن يردهم بغيظهم لا ينالون خيرا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أولاً: الثقة والثبات:

فلا ينبغي أن يفت هذا العدوان في عضد المسلمين، ولا أن يتسرب اليأس إلى نفوسهم، ولا أن يهزمهم في سويداء قلوبهم وأعماق نفوسهم وخواطر أفكارهم.

وللأسف أننا ربما نجد بعضاً من ضعاف الإيمان قد أصبحت أمريكا إلههم الذي يُعبد، وأنها القوة التي لا تُقهر، وكأنها هي التي تصرف أمور الكون وشئونه، ويقولون لك ما يقولون بألسنة تدل على خور وجبن وضعف، ولعلنا لا نطيل فنسوق من آيات القرآن وحسبك بها مثبتاً وموضحاً ومجلياً للحقائق، وذلك فيما ساق الله سبحانه وتعالى لنا من قصص بني إسرائيل وموسى عليه السلام: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128] وذلك في أثناء المواجهة مع الطغيان ومع فرعون، فكان موسى يقول لهم: (استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبة للمتقين) جزماً قطعاً.. يقيناً لا شك فيه.

وكان عندهم شيء من التردد قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا [الأعراف:129] أي: قد وقع لنا بلاء وحصلت لنا هزائم وحلت بنا نكبات، وتشردنا في الأرض وذقنا مرارة العبودية: قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف:129].

ثم ساقت الآيات صور الصراع والمواجهة، وكانت خاتمتها: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137].

إيجاز يلخص مواجهة الإيمان مع الطغيان عندما يكون الإيمان راسخاً في القلوب واليقين ثابتاً في النفوس، وينبغي أن يكون هذا تأكيداً لهذه المعاني وتوثيقاً لها في خضم هذه الأحداث، لا أن يكون سبباً في نقضها أو ضعفها، أفي شك نحن من آيات الله؟! أفي شك نحن من سنن الله؟!

أفي شك نحن مما رأينا بأم أعيننا فيما نطالعه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أفي شك نحن من صفحات تاريخنا الإسلامي الوضيئة المشرقة، حين روت لنا معارك واجهت فيها فئة مؤمنة قليلة، في أحوال كثيرة، وميادين عديدة في مواجهات مختلفة مع أمم متنوعة، فيوم استمسكت بدينها واستنصرت بربها، عزت وعلت وسمت وانتصرت رغم ضعفها وقلة عددها وعدتها، ونحن نرى صوراً من ذلك وكان الناس يقولون: إنهم في ليلة وضحاها سينهون كل شيء، ونحن نرى ما نرى من صور يسيرة ولمحات وضيئة لا نستطيع أن ننسبها كليةً إلى الإيمان واليقين والجهاد والفداء لكننا نقول: إن من ومضات من ذلك، وكل شعوب الأرض وأممها تقول: من يقف أمام هذه القوة العظمى مع التحالف الذي يسندها؟! ونحن نعلم أنهم اليوم يضاعفون ويرسلون المزيد من الرجال والعتاد؛ لأنهم لا يزالون يجدون أن هذه المقاومة الهزيلة الضعيفة الخاوية من كثير من العدة والعتاد، استطاعت أن تصنع شيئاً يعده الناس والعسكريون أمراً فريداً يستحق أن يدرس وأن يدون.

الرسالة الثانية: الخسارة والدمار لأهل الظلم والاستكبار:

لا بد أن ندرك أن سنة الله عز وجل ماضية في أن الظلم عاقبته إلى خسار ونهايته إلى دمار: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] وأن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الظلم في الدنيا حسرةٌ وندامة، أيَّا كان هذا الظلم حتى وإن كان المسلم هو الظالم فإن له عقوبة دنيوية وأخروية، كيف والظالمون من الكافرين! كيف والظالمون يظلمون أهل إسلام وإيمان في الجملة وفي بلاد الإسلام قاطبة؟!

والله سبحانه وتعالى قد بين لنا ذلك في آيات كثيرة، وجلاه رسولنا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وفي المواقف العديدة من سيرته، وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا [الكهف:59] إن موعدهم آتٍ وإنه لقريب، وإِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود:81] ليل لا بد له من نهار، وظلمةٌ لا بد أن تنجلي عن إشراق وأنوار، لكن لا بد من اليقين بذلك ولا بد من العمل له، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوذي هو وأصحابه وهاجر وقاتل ودمي وجهه الشريف، وقُتل بين يديه خلص أصحابه وأقربائه، ثم علت رايته وانتشرت عقيدته وعظمت في بلاد الأرض كلها دولته؛ لأنها قامت على هذا اليقين، وكل تكبر وطغيان فإن مصيره إلى الهلاك.

والله قد قص علينا في كتابه قصص أمم كثيرة طغت، وبغت، وتجبرت، وتكبرت، فأذلها الله عز وجل وأرغم أنوفها ومرغها في التراب، وجعل عاليها سافلها، وذلك عندما وجد الخلص من عباده معلقين حبالهم به، ملقين ولاءهم له ولأوليائه، متعلقين به في عبادتهم وطاعتهم، محكمين لشرعه في أحوالهم وعلاقتهم ومعاملاتهم؛ عند ذاك تتحقق هذه السنن وتمضي كما بينه الله سبحانه وتعالى، يقول الحق جل وعلا: فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [الزمر:51].

هل تعجز قوة الله أمريكا أو غير أمريكا أو قوى الأرض كلها؟! ولكن بعض الناس لا يوقنون! فنحتاج أن ندرك هذا كما أخبرنا الحق جل وعلا: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] ألا ترون أن هذا حال الكفار اليوم، ألا ترون أن هذا وصفهم؟! فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15] وهو قادر جل وعلا على أن يفضحهم ويهزمهم ويذلهم، وذلك وفق سنته جل وعلا.