خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/239"> الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/239?sub=62913"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
على صعيد عرفات
الحلقة مفرغة
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، نحمده سبحانه وتعالى، سبقت رحمته غضبه، وتعددت نعمه، وعم نواله، وزاد فضله، وعظم بره، ووجب شكره، نحمده سبحانه وتعالى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى، نحمده جل وعلا على كل حال وفي كل آن، هو أهل الحمد والثناء، فله الحمد في الأولى والآخرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، ويوم القيامة إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين!
أما بعد:
في عرفات تسكب العبرات
إنه يوم من أيام الله عز وجل يجمع فيه عباده على صعيد واحد، متجردين من دنياهم، متوحدين في شعارهم، متوحدين في مقاصدهم ومطالبهم، ولذلك نشهد في هذا المشهد العظيم ما نحتاج إلى تذكره، والاتعاظ به، ودوام الإفادة منه لعل الله عز وجل ألا يحرمنا الأجر والثواب، وألا يحرمنا من فيض عطائه لأهل الموقف الذين اجتمعوا بقلوب خاشعة، وأعين دامعة، وأنفس ضارعة لله سبحانه وتعالى.
يوم عرفة مشهد التوبة والإنابة
باب عظيم من أبواب الرحمة الإلهية، ومن أبواب العفو الرباني: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل وذلك الدهر كله)، و(إن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، (يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها)، هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كل ليلة وفي الثلث الأخير من الليل يتفضل رب الأرباب، وملك الملوك، الغني عن العباد بالنزول إلى السماء الدنيا، وينادي: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)، هذا نداء الله عز وجل، وهذه أبوابه مشرعة مفتوحة فأين المقبلون؟ وأين التائبون؟ وأين المستغفرون؟ وأين النادمون؟ وأين المتضرعون؟ وأين الباكون؟ إنهم اليوم على صعيد عرفات يبكون ويستغفرون، يلبون ويدعون، فالله نسأل ألا يحرمنا من أجره وثوابه، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن عظمة هذا اليوم، وعن سعة التوبة العبادية، والمغفرة الإلهية في حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح الإمام مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟) والجواب: أنهم ما جاءوا، ولا أنفقوا، ولا بذلوا، ولا تعبوا إلا ابتغاء غاية واحدة هي مغفرة الله عز وجل، ورضوان المولى سبحانه وتعالى.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في سنن الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، فهذا موسم التوبة، وهذا موسم الإنابة والأوبة إلى الله عز وجل، تفكر عبد الله كم أسرفت على نفسك في المعاصي؟! وكم قصرت في حق الله عز وجل من الواجبات؟! وكم تركت من المندوبات والمستحبات؟! وكم غرقت في الشهوات؟! تفكر فإن هذا الموقف موقف تذكر واتعاظ واعتبار، تفكر عبد الله وارجع إلى الله قبل أن يبلغ الأمر إلى مداه، وقبل ألا ينفع الندم.
يوم عرفة هو يوم الدعاء
وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه عند ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، ويقول رب العزة والجلال سبحانه وتعالى: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاجين) أي: علت أصواتهم بالتلبية والدعاء، وضج بالدعاء: إذا رفع صوته، وفي بعض الروايات ضبطها: (ضاحين) أي: بارزين للشمس يلتمسون رحمة الله، ويرفعون أكف الضراعة والدعاء لله، (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاجين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً عبد يرهق -أي: يرتكب المعاصي ويقترف السيئات- وفيهم فلاناً وفلانة! فيقول رب العزة جل وعلا: أشهدكم أني قد غفرت لهم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (فما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة)، إنه يوم الله عز وجل، إنه يوم العباد ليغتنموا من فضل الكريم سبحانه وتعالى.
يوم عرفة يوم إعلان الطاعة لله والحرب على المعاصي
أفلا ترون أنهم في شعار واحد، وفي مكان واحد، وعلى صعيد واحد، وبأعمال واحدة، ليس لهم إلا غاية واحدة تنطق بها جميع الألسنة، وتهفو بها جميع القلوب؟ إنها غاية رضوان الله عز وجل، إنه تحقيق الهدف الأسمى من وجود هذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، إنها العبودية لله، إنه الاستسلام لأمر الله، إنه الاستمساك بمنهج الله، إنه الرضا بقضاء الله، إنه أن يكون العبد لله وبالله ومن الله وعلى الله، إنه أن تكون لله عز وجل في كل حال وفي كل آن، وأن تبقى مشدود القلب بالله، وأن تبقى مرتبطاً بأحكام الله عز وجل، إن المعنى في هذا الصعيد عظيم، وإن الدلالات في هذا الموقف عديدة، إنه أمر تحتاج الأمة أن تتنبه إليه وقد كثرت بينها الشقاقات، وتعاظمت الخلافات، وكثرت النزاعات، ذلك أن القلوب لم تكن مخلصة لله عز وجل، وأن الغايات لم ترتبط برضوان الله عز وجل، وهنا يكثر البلاء، ويعظم العناء، ولا حل ولا نجاة إلا بالعودة لله عز وجل.
يوم عرفة تتجلى فيه قيمة الدنيا الحقيقية
إلى عرفات الله يا خير زائر! عليك سلام الله في عرفات
ويوم تولي وجهة البيت ناظراً وسيما مجال البشر والقسمات
على كل أفق بالحجاز ملائك تزف تحايا الله والبركات
فالله نسأل أن يوفقنا للصالحات، وأن يصرف عنا الشرور والسيئات، وأن يوفقنا للتوبة، وأن يتقبل منا خالص الدعوات، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
مقاصد اجتماع الحجيج في عرفات
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن هذا الموقف العظيم على صعيد عرفات ينبغي أن يهز القلوب هزاً، وأن يستجيش المشاعر الإيمانية التي تتضرع إلى الله عز وجل، وتتذكر التفريط في جنبه، وتعلن التوبة لله عز وجل.
ففي هذا الموقف دروس عظيمة فإنه في موقف عرفات إعلان للوحدة، وبيان لحقيقة الدنيا، وإعلان للتوبة، ورفع للدعاء إلى الله عز وجل، وبيان لوحدة المقاصد والغايات، وهذه كلها معان عظيمة ينبغي أن تتذكرها الأمة سيما الأوبة والإنابة لله عز وجل، والإعلان الصادق بالارتباط بالله، والسعي نحو رضاه، وأن الآخرة هي المبتغى والمقصد: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77] فادعوا الله عز وجل، وأكثروا في هذا اليوم العظيم من الدعاء وأنتم صائمون متقون من فضل الله عز وجل، وقد جعل الله لكم ما يعوض تخلف من يتخلف عن الحج من أمر الصيام المكفر للذنوب والخطايا، ومن أمر الأضاحي التي تقدم لله عز وجل وما فيها من الأجر والثواب، فمدوا أيدي الضراعة وتكلموا بلسانها لله عز وجل:
مددت يدي نحوك يا إلهي! وإني في حماك لمستجير
غني أنت عن مثلي وإني إلى رحماك يا ربي فقير
إلهي ما أقول إذا دعاني؟ لحين حسابي اليوم العسير
فهل أوتى كتابي في يميني أو العقبى عذاب مستطير
فحاسبني بجودك لا بفعلي فأنت بما أتى مثلي بصير
أيها الإخوة المؤمنون! ننتقل معاً إلى حيث يجتمع الحجيج على صعيد عرفات، حيث ترفع الدعوات، وتسكب العبرات، حيث تلغى الطبقات، وتزول العصبيات والنعرات، على صعيد عرفات حيث تتوحد الأهداف والغايات رغم تباين الألوان واختلاف اللغات، على صعيد عرفات حين تهفو القلوب إلى خالقها وبارئها، وحين ترتفع الأكف إلى معطيها والمنعم عليها، حينما يتجرد المسلمون من كل حول وطول إلى حول الله وقوته، حينما يرى المسلمون حقيقة ضعفهم وفقرهم، فيلجئون إلى قوة الله، ويلتمسون عطاءه من غناه، حينما يعرف المسلمون أنهم ضعفاء لا حول لهم ولا طول إلا أن يمدوا أيديهم، ويصلوا حبالهم برب الأرباب وملك الملوك سبحانه وتعالى، على صعيد عرفات حينما يتجرد المسلمون من الدنيا ويتعلقون بالآخرة، حينما يعرفون حقيقة الدنيا وأنها دار مقر لا دار ممر، حينما يستشعرون المشهد العظيم، والحشر العظيم، والهول العظيم في يوم القيامة: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6]، إنه يوم من أيام الله العظيمة، إنه مشهد من المشاهد التي تحيي القلوب الميتة، وتوقظ العقول الغافلة، وتحيي الأنفس التي كثر عليها الران، وانشغلت بالدنيا، وضربت عليها الغفلة.
إنه يوم من أيام الله عز وجل يجمع فيه عباده على صعيد واحد، متجردين من دنياهم، متوحدين في شعارهم، متوحدين في مقاصدهم ومطالبهم، ولذلك نشهد في هذا المشهد العظيم ما نحتاج إلى تذكره، والاتعاظ به، ودوام الإفادة منه لعل الله عز وجل ألا يحرمنا الأجر والثواب، وألا يحرمنا من فيض عطائه لأهل الموقف الذين اجتمعوا بقلوب خاشعة، وأعين دامعة، وأنفس ضارعة لله سبحانه وتعالى.