الصياد الماهر


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، نحمدك اللهم حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على آلائك ونعمك التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما تحب يا ربنا وترضى، نحمدك اللهم على نعمك المتواليات، وعلى أفضالك الغامرات، نحمدك اللهم على كل حال وفي كل آن، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اقتفى أثرهم وسار على دربهم، ونهج نهجهم، إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك ومن التوكل إلا عليك، ومن الخوف إلا منك ومن الرجاء إلا فيك، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين! وبعد:

صفات الصياد الماهر

أيها الإخوة الأحبة! فمع الدرس الرابع من الدروس العامة نقضي هذا الوقت بعون الله جل وعلا، ودرس اليوم عنوانه (الصياد الماهر).

وأول ما نبدأ به من الحديث: ما يتعلق بالصياد ووصفه، وكيف يكون ماهراً؟ ثم ما شأننا وهذا الصياد؟ ثم بعد ذلك حينما نربط بين الأمرين، نمضي قدماً لننتفع بما نحتاج إليه في مهمة عظيمة من مهمات حياتنا، ينبغي لنا أن نعرفها وأن نتبصر بها، فنقول:

أولاً: ما عرف الناس صياداً يصيد وهو قابع في قعر داره، أو جالس على حلس في بيته، بل لابد له أن يخرج إلى مكان الصيد حتى يصطاد.

والثانية: أنه لا يمكن أن يخرج خلواً من عدته ليس معه إلا يدين خاويتين، بل لابد له من عدة يأخذها معه حتى يصطاد بها، ونحن نعرف أيضاً أنه يحتاج إلى تفقد عدته؛ ليطمئن إلى صلاحيتها للصيد، ولينتبه إلى فعاليتها التي يحتاج إليها، ومن بعد ذلك فإننا نعرف أنه يختار لكل نوع من الصيد عدته التي تخصه، فهو يعد الشباك لصيد البحر، ويعد السهام لصيد البر، ويعد البندقية لصيد الطير، وكل عدة لا تنفع إلا لصيد معين، فهو إذن لابد أن يحدد العدة على حسب الصيد الذي ينطلق إليه ويرغب في صيده.

وكذلك نعلم أنه كلما هيأ عدته وكثر أسبابها فإن ذلك يعود عليه بغنيمة أوفر في الصيد، فالذي عنده شبكة صغيرة لا يصيد مثل الذي عنده شبكة كبيرة، والذي عنده ذخيرة قليلة لا يصيد مثل الذي عنده ذخيرة كثيرة، فلاشك أن للعدة وتهيئتها أثراً بالغاً في عظم الصيد وكثرته.

ثم نمضي مع هذا الصياد بعد أن هيأ عدته وكثرها وجعلها مناسبة لصيده، وخرج من داره، فإنه قطعاً ولا شك سينطلق إلى مكان مناسب يتحرك فيه، ويرجع منه بصيد وافر، فلن يذهب مثلاً إلى مياه ضحلة ليس فيها سمك، أو يذهب إلى أرض فضاء ليس فيها صيد؛ لأنه حينئذ لن يكون صياداً فضلاً عن أن يكون صياداً ماهراً، فإذاً: لابد أن يختار المكان المناسب، وهذا المكان هو الذي تتوفر فيه أعداد كثيرة، وأسباب من النجاح وفيرة.

ثم إذا وصل إلى ذلك المكان لاشك أنه يحتاج أولاً إلى أن يفحص المنطقة، وأن يدرس الموقع دراسة جيدة، حتى يحدد لنفسه المكان المناسب الذي يتهيأ فيه لصيده، فإذا كان الأمر يحتاج إلى تخف تخفى عن الوحوش أو عن الغزلان التي بمجرد رؤيته تفر منه، وإذا كان الأمر يحتاج إلى رحب من المكان لينطلق ويعدو فلا شك أنه سيختار ذلك الموقع.

فإذاً مجرد وصوله إلى المكان المناسب لا يكفي، بل يحتاج إلى أن يدرسه وأن يفحصه، ومن بعد ذلك أن يتفاعل معه، فيقدر الموقع ويقرر المكمن الذي يستعد فيه لصيده، ثم نرى الصياد من بعد ذلك متربصاً كامناً متحلياً بالصبر، موصوفاً بطول النفس، لا يمكث فقط خمس دقائق فإن وجد صيداً وإلا رجع! هذا إن كان هاوياً، أما إذا كان ذلك الصيد مصدر رزقه فإنه لاشك سيمكث مهما طال الزمن، ومهما امتد الوقت.

ومن بعد ذلك نجده إذا بصر بصيده يجتهد اجتهاداً كبيراً في إصابة الصيد، فلا يتعجل ويرمي بذخيرته كيفما اتفق، بل يتأنى، وكما يقال: ينشن تنشيناً دقيقاً، لماذا؟ لأنه إذا أخطأ في تلك الإصابة فلا شك أن ذلك سيفوت عليه الصيد، ويحتاج من بعد ذلك إلى كرة أخرى، وإلى زمن آخر أطول؛ فلذلك لابد له من أن يستفرغ جهده في أن تكون الضربة الأولى هي الصائبة، فحينئذ يوفر على نفسه وقته ويوفر عدته، ويوفر جهده.

ونمضي معه أيضاً فإذا به يحرص كل الحرص على عدم تنفير الصيد، وهذه صفة مهمة في الصياد، فتراه يسير على أطراف قدميه، ويتوقى إحداث الصوت؛ لئلا ينفر الصيد، بل هو يبالغ في إحكام الطعم الذي يقدمه حتى لا ينفر منه الصيد، وهذه سمة أساسية في الصياد، أما إن كان غير ذلك فتراه بحركة طائشة ينفر صيده أو بطعم فاسد يقتل صيده، وهذا لا يمكن أن يكون بحال ماهراً ولا صياداً.

ثم إننا نجده من بعد ذلك لا يدب إلى نفسه اليأس، بل إذا فاته الصيد في المرة الأولى عاود الكرة مرة أخرى في زمن آخر، وإذا كانت الأرض أو الموقع غير مناسب انتقل إلى غيره، لماذا؟ لأنه لابد له من الصيد؛ فهو لا يستغني عنه لأنه مصدر رزقه، ثم أيضاً نجده لا ينصرف عن مهمته بعوارض أخرى، فلا يصرفه مثلاً جمال المنظر في البحر وزرقته، والشمس ولون غروبها، فيتأمل في ذلك المنظر الجميل، أو يضع بندقيته جانباً، وينظر في رواء الأشجار، وطيب الثمار، وخرير المياه! فإنه بذلك قد توجه وجهة أخرى، ونسي المهمة التي خرج لأجلها، وبالتالي سيضيع الثمرة التي خرج ليقطفها.

وآخر الأمر: فإننا نجد ذلك الصياد إذا وصل بصيده انتفع به من وكل وجه من الوجوه، فإذا بلحمه يؤكل، وإذا بجلده يدبغ، وإذا بقرنه يباع، فلا يترك منه شيئاً إلا وينتفع به انتفاعاً كاملاً.

المسلم الكامل وعلاقته بالخلق

هذه صورة لهذا الصياد، فما صلتنا به؟ وهل سنتحدث عن صيد اللؤلؤ أو عن صيد السمك، أو عن صيد الطيور، أو عن أي شيء من هذه الأمور؟

ليس ذلك هو مقصدنا وغايتنا، وإنما هي تقدمة وتوطئة لما نريد أن ننبه عليه، وأن نتأمل فيه، ونربط الربط الذي ينقلنا إلى جوهر الموضوع ولبه، فنمضي مع بعض أقوال عبد القادر الجيلاني وهو يبين لنا صفات المسلم الكامل، والزاهد البصير، فيقول لنا في وصفه: (الزاهد الكامل في زهده لا يبالي من الخلق، لا يهرب منهم بل يطلبهم)، ثم يقول: (المبتدي يهرب من الفساق والعصاة، والمنتهي يطلبهم)، يعني يخرج إليهم، قال: (وكيف لا يطلبهم وكل دوائهم عنده؟!).

ثم يأتي الموضع الذي سينقلنا إلى الربط بين القضيتين فيقول: (من كملت معرفته بالله عز وجل صار دالاً عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا) فإذاً: حديثنا عنك أيها المسلم! عنك أيها العالم! عنك أيها الداعية! عنك أيها الواعظ! وكما قال بعضهم: العلماء يصطادون الخلق بشباك الحق، فأنت صياد لكنك تصيد الناس، من الفسق إلى الطاعة، من الكفر إلى الإيمان، من الغفلة إلى التذكر، فمهمتك في هذه الحياة أن تكون صياداً ماهراً، وكما أشرنا سابقاً أن للصياد صفات، ورأينا كيف تتحقق له صفة المهارة، وكيف يحظى في آخر الأمر بالثمرة التي يرجوها، فكذلك نمضي معك وأنت صياد داعية، لنرى معاً كيف ينبغي أن تصيب، وكيف ينبغي أن تأخذ ذات المنهج، وأن تسير على ذات الخطى التي أخذ بها ذلك الصياد الذي أسلفنا ذكره.

فضل الدعوة إلى الله

غني عن القول أننا لا نحتاج إلى الإفاضة في فضل ذلك الصيد، أعني: فضل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر يطول الحديث فيه.

وحسبنا منه تذكرة أن الله جل وعلا أثنى على هؤلاء الدعاة الذين يتهيئون لصيد الخلق إلى حياض الحق، فيقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

فتلك مرتبة عليا يبينها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث علي بن أبي طالب عند الإمام البخاري : (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وكذلك يبينها لنا من حديث أبي مسعود عند الإمام مسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فيدفعك ذلك إلى أن تعرف هذا الأمر، وأن تعرف كذلك عظمة الثواب الذي يتصل فلا ينقطع، ويدوم دواماً في الحياة وبعد الممات، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، وذكر منها: علمٌ ينتفع به، وهذا العلم هو ذلك التوريث للدعوة والسيرة الحسنة والقدوة الكاملة.

أيها الإخوة الأحبة! فمع الدرس الرابع من الدروس العامة نقضي هذا الوقت بعون الله جل وعلا، ودرس اليوم عنوانه (الصياد الماهر).

وأول ما نبدأ به من الحديث: ما يتعلق بالصياد ووصفه، وكيف يكون ماهراً؟ ثم ما شأننا وهذا الصياد؟ ثم بعد ذلك حينما نربط بين الأمرين، نمضي قدماً لننتفع بما نحتاج إليه في مهمة عظيمة من مهمات حياتنا، ينبغي لنا أن نعرفها وأن نتبصر بها، فنقول:

أولاً: ما عرف الناس صياداً يصيد وهو قابع في قعر داره، أو جالس على حلس في بيته، بل لابد له أن يخرج إلى مكان الصيد حتى يصطاد.

والثانية: أنه لا يمكن أن يخرج خلواً من عدته ليس معه إلا يدين خاويتين، بل لابد له من عدة يأخذها معه حتى يصطاد بها، ونحن نعرف أيضاً أنه يحتاج إلى تفقد عدته؛ ليطمئن إلى صلاحيتها للصيد، ولينتبه إلى فعاليتها التي يحتاج إليها، ومن بعد ذلك فإننا نعرف أنه يختار لكل نوع من الصيد عدته التي تخصه، فهو يعد الشباك لصيد البحر، ويعد السهام لصيد البر، ويعد البندقية لصيد الطير، وكل عدة لا تنفع إلا لصيد معين، فهو إذن لابد أن يحدد العدة على حسب الصيد الذي ينطلق إليه ويرغب في صيده.

وكذلك نعلم أنه كلما هيأ عدته وكثر أسبابها فإن ذلك يعود عليه بغنيمة أوفر في الصيد، فالذي عنده شبكة صغيرة لا يصيد مثل الذي عنده شبكة كبيرة، والذي عنده ذخيرة قليلة لا يصيد مثل الذي عنده ذخيرة كثيرة، فلاشك أن للعدة وتهيئتها أثراً بالغاً في عظم الصيد وكثرته.

ثم نمضي مع هذا الصياد بعد أن هيأ عدته وكثرها وجعلها مناسبة لصيده، وخرج من داره، فإنه قطعاً ولا شك سينطلق إلى مكان مناسب يتحرك فيه، ويرجع منه بصيد وافر، فلن يذهب مثلاً إلى مياه ضحلة ليس فيها سمك، أو يذهب إلى أرض فضاء ليس فيها صيد؛ لأنه حينئذ لن يكون صياداً فضلاً عن أن يكون صياداً ماهراً، فإذاً: لابد أن يختار المكان المناسب، وهذا المكان هو الذي تتوفر فيه أعداد كثيرة، وأسباب من النجاح وفيرة.

ثم إذا وصل إلى ذلك المكان لاشك أنه يحتاج أولاً إلى أن يفحص المنطقة، وأن يدرس الموقع دراسة جيدة، حتى يحدد لنفسه المكان المناسب الذي يتهيأ فيه لصيده، فإذا كان الأمر يحتاج إلى تخف تخفى عن الوحوش أو عن الغزلان التي بمجرد رؤيته تفر منه، وإذا كان الأمر يحتاج إلى رحب من المكان لينطلق ويعدو فلا شك أنه سيختار ذلك الموقع.

فإذاً مجرد وصوله إلى المكان المناسب لا يكفي، بل يحتاج إلى أن يدرسه وأن يفحصه، ومن بعد ذلك أن يتفاعل معه، فيقدر الموقع ويقرر المكمن الذي يستعد فيه لصيده، ثم نرى الصياد من بعد ذلك متربصاً كامناً متحلياً بالصبر، موصوفاً بطول النفس، لا يمكث فقط خمس دقائق فإن وجد صيداً وإلا رجع! هذا إن كان هاوياً، أما إذا كان ذلك الصيد مصدر رزقه فإنه لاشك سيمكث مهما طال الزمن، ومهما امتد الوقت.

ومن بعد ذلك نجده إذا بصر بصيده يجتهد اجتهاداً كبيراً في إصابة الصيد، فلا يتعجل ويرمي بذخيرته كيفما اتفق، بل يتأنى، وكما يقال: ينشن تنشيناً دقيقاً، لماذا؟ لأنه إذا أخطأ في تلك الإصابة فلا شك أن ذلك سيفوت عليه الصيد، ويحتاج من بعد ذلك إلى كرة أخرى، وإلى زمن آخر أطول؛ فلذلك لابد له من أن يستفرغ جهده في أن تكون الضربة الأولى هي الصائبة، فحينئذ يوفر على نفسه وقته ويوفر عدته، ويوفر جهده.

ونمضي معه أيضاً فإذا به يحرص كل الحرص على عدم تنفير الصيد، وهذه صفة مهمة في الصياد، فتراه يسير على أطراف قدميه، ويتوقى إحداث الصوت؛ لئلا ينفر الصيد، بل هو يبالغ في إحكام الطعم الذي يقدمه حتى لا ينفر منه الصيد، وهذه سمة أساسية في الصياد، أما إن كان غير ذلك فتراه بحركة طائشة ينفر صيده أو بطعم فاسد يقتل صيده، وهذا لا يمكن أن يكون بحال ماهراً ولا صياداً.

ثم إننا نجده من بعد ذلك لا يدب إلى نفسه اليأس، بل إذا فاته الصيد في المرة الأولى عاود الكرة مرة أخرى في زمن آخر، وإذا كانت الأرض أو الموقع غير مناسب انتقل إلى غيره، لماذا؟ لأنه لابد له من الصيد؛ فهو لا يستغني عنه لأنه مصدر رزقه، ثم أيضاً نجده لا ينصرف عن مهمته بعوارض أخرى، فلا يصرفه مثلاً جمال المنظر في البحر وزرقته، والشمس ولون غروبها، فيتأمل في ذلك المنظر الجميل، أو يضع بندقيته جانباً، وينظر في رواء الأشجار، وطيب الثمار، وخرير المياه! فإنه بذلك قد توجه وجهة أخرى، ونسي المهمة التي خرج لأجلها، وبالتالي سيضيع الثمرة التي خرج ليقطفها.

وآخر الأمر: فإننا نجد ذلك الصياد إذا وصل بصيده انتفع به من وكل وجه من الوجوه، فإذا بلحمه يؤكل، وإذا بجلده يدبغ، وإذا بقرنه يباع، فلا يترك منه شيئاً إلا وينتفع به انتفاعاً كاملاً.

هذه صورة لهذا الصياد، فما صلتنا به؟ وهل سنتحدث عن صيد اللؤلؤ أو عن صيد السمك، أو عن صيد الطيور، أو عن أي شيء من هذه الأمور؟

ليس ذلك هو مقصدنا وغايتنا، وإنما هي تقدمة وتوطئة لما نريد أن ننبه عليه، وأن نتأمل فيه، ونربط الربط الذي ينقلنا إلى جوهر الموضوع ولبه، فنمضي مع بعض أقوال عبد القادر الجيلاني وهو يبين لنا صفات المسلم الكامل، والزاهد البصير، فيقول لنا في وصفه: (الزاهد الكامل في زهده لا يبالي من الخلق، لا يهرب منهم بل يطلبهم)، ثم يقول: (المبتدي يهرب من الفساق والعصاة، والمنتهي يطلبهم)، يعني يخرج إليهم، قال: (وكيف لا يطلبهم وكل دوائهم عنده؟!).

ثم يأتي الموضع الذي سينقلنا إلى الربط بين القضيتين فيقول: (من كملت معرفته بالله عز وجل صار دالاً عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا) فإذاً: حديثنا عنك أيها المسلم! عنك أيها العالم! عنك أيها الداعية! عنك أيها الواعظ! وكما قال بعضهم: العلماء يصطادون الخلق بشباك الحق، فأنت صياد لكنك تصيد الناس، من الفسق إلى الطاعة، من الكفر إلى الإيمان، من الغفلة إلى التذكر، فمهمتك في هذه الحياة أن تكون صياداً ماهراً، وكما أشرنا سابقاً أن للصياد صفات، ورأينا كيف تتحقق له صفة المهارة، وكيف يحظى في آخر الأمر بالثمرة التي يرجوها، فكذلك نمضي معك وأنت صياد داعية، لنرى معاً كيف ينبغي أن تصيب، وكيف ينبغي أن تأخذ ذات المنهج، وأن تسير على ذات الخطى التي أخذ بها ذلك الصياد الذي أسلفنا ذكره.

غني عن القول أننا لا نحتاج إلى الإفاضة في فضل ذلك الصيد، أعني: فضل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر يطول الحديث فيه.

وحسبنا منه تذكرة أن الله جل وعلا أثنى على هؤلاء الدعاة الذين يتهيئون لصيد الخلق إلى حياض الحق، فيقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

فتلك مرتبة عليا يبينها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث علي بن أبي طالب عند الإمام البخاري : (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وكذلك يبينها لنا من حديث أبي مسعود عند الإمام مسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)، فيدفعك ذلك إلى أن تعرف هذا الأمر، وأن تعرف كذلك عظمة الثواب الذي يتصل فلا ينقطع، ويدوم دواماً في الحياة وبعد الممات، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، وذكر منها: علمٌ ينتفع به، وهذا العلم هو ذلك التوريث للدعوة والسيرة الحسنة والقدوة الكاملة.

حرص الداعية على الدعوة

بعد بيان الفضل للدعوة يأتي الحرص عليها، فالذي تكون المسألة بالنسبة له هواية عارضة، أو قضية ثانوية، أو عملاً يشغل به فضول أوقاته، ليس هو الذي نركز عليه في حديثنا، وليس هو الذي يعبر عنه قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

وليس هو الذي مضى طول عمره وهو في هذا الشأن، وهذا الطريق، امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

فلابد أن نعرف -كما مر بنا في وصف الصياد- أننا قصدنا به الذي يعتبر الصيد مهمته وطلبته ومصدر رزقه، فكذلك نقصد هنا: المسلم الذي يرى الدعوة مهمته، ويرى الدعوة فريضته، ويرى الدعوة واجبه، كما جاء في نصوص كثيرة متضافرة ليس في الوقت مجال لذكرها.

وتأمل في سياق سريع ذلك الحرص الفريد العجيب الذي مثله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما جعل مهمته وغايته في الحياة هي هداية الناس، ودعوتهم إلى طريق الله سبحانه وتعالى، حتى خاطبه القرآن في شدة حرصه، فقال الله جل وعلا: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال الله سبحانه وتعالى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37]، وقال سبحانه وتعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127].

وذكر من حاله عليه الصلاة والسلام: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، أي: لعلك قاتل نفسك، ومتلف جسدك، ومضيع وقتك وأنت تتبع القوم، وتمضي في إثرهم، وهم يعرضون عنك، أنت تريد لهم الخير وهم يبتعدون عنك! ومع ذلك كان هذا الحرص من منطلق الفهم الصحيح لعظمة الرسالة، ولخيريتها، فالذي يعرف الخير ينبغي أن تكون نفسه -بتأثرها بذلك الخير- تحب الخير للآخرين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، والنفس التي ترى النور تأسى وتحزن على الذين يعيشون في الظلام، يتخبطون فيه، وينزلقون مرة بعد مرة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الهوام والفراش يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار).

لابد لك أن تكون حريصاً غاية الحرص على هداية الخلق، وأن تعرف أن هذه المهمة واجبة، وأن هذه الرسالة عظيمة، وأنها ينبغي أن يستفرغ لها كل الوقت، ومعظم الجهد، وكل الفكر؛ حتى تؤتي ثمارها، كما كان على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خروج الداعية لدعوة الناس

وقد ذكرنا أن الصياد لا يقبع في بيته بل يخرج، وتأمل هذه المقالات وهذه الأمثلة التي تنعي عليك جلوسك في بيتك، وقعودك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأخرك عن إرشاد الخلق، وعدم خروجك إليهم لتبصرهم بما هم فيه من الخطأ، وما يقعون فيه من الزلل: فهذا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه أحد المبشرين بالجنة، يقول: إن أقل العيب على المرء أن يجلس في داره! وما أقواها من كلمة! فكيف بما هو أكثر من ذلك؟

ثم استمع إلى عطاء بن أبي رباح ، من جلة التابعين، ومن أئمة علمائهم في مكة المكرمة، وهو يقول: لأن أرى في بيتي شيطاناً خير من أن أرى في بيتي الوسادة؛ لأنها تدعو إلى النوم!

فانظر إلى فقه القوم كيف دفعوا الجسد للنهوض، وكيف أرادوا ألا تركن أنفسهم إلى الدنيا، وألا يظلوا منكمشين عن الناس، يحبسون العلم بصدورهم، ويحبسون الحكمة بأفواههم، فهذا التابعي الجليل كان يرى أن مخدة النوم التي تدعو إلى الكسل وإلى التثاقل وعدم الخروج، كان يراها أشد عليه من الشيطان الذي يخطر بينه وبين نفسه.

ثم تأمل أيضاً تلك المقالة من الغزالي القدير -رحمة الله عليه- وهو يقول: (اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خالياً في هذا الزمان عن منكر)، عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس، وتعليمهم وحملهم على المعروف، فما دمت قاعداً في بيتك فلابد أن يلحقك نوع قصور وبعض إثم؛ لأنك ما خرجت لتعرف الناس وتصحح نهجهم.

ونمضي من بعد ذلك مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن بزغ نور الإسلام في أول صلة بين الأرض والسماء، من قول ( اقرأ ) الأولى، التي نزل بها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءته: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وجاء من قبلها يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2].

ولما نزل قول الله جل وعلا وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] خرج عليه الصلاة والسلام من بيته، ورقى الصفا وجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عدي! وجعل ينادي قريشاً بطناً بطناً، ثم يقول لهم عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن هذا الوادي تريد أن تغير عليكم، أفكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب أليم، فقال أبو لهب -عليه لعنة الله-: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟!).

واسمع لهذا الحديث عند البخاري من رواية ابن عباس وعند أحمد بسند رجاله رجال الصحيح عن رجل من بني مالك بن كنانة -وهو صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر- قال: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها، فيقول: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وأبو جهل في إثره يحثو عليه التراب، ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، وتتركوا اللات والعزى)، فتأمل هذا النص وهو يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها)، يعني: ينطلق إلى المواسم، إلى الأسواق، يخرج إلى الناس، يلقاهم في مجامعهم، يغشاهم في مجالسهم، وتلك أول خطوة في السير، وأول خطوة في طريق الدعوة، وروى البخاري أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه: (أن الصحابة من الأنصار جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: لو أتيت عبد الله بن أبي رأس المنافقين -يعني: لو أتيته لتدعوه، ولعلهم كانوا يقصدون أنه قد يصد عن الدعوة إن لم يؤت إليه؛ لشرفه ومقدراه، فما استعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك- فقال: انطلقوا بنا إليه، وانطلق عليه الصلاة والسلام يركب حماره، وانطلق المسلمون معه يمشون، فقال ذلك المنافق عليه لعنة الله للنبي: إليك عني! والله لقد آذاني نتن حمارك، فرد عليه بعض الصحابة رداً غليظاً يكافئ قوله). وشاهد الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى أهل النفاق لدعوتهم.

ثم انظر إلى النص الآخر، وهو عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً في المسجد، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقوا إلى يهود، انطلقوا إلى يهود). يستنهض الناس معه انطلاقاً وخروجاً إلى الناس في مجامعهم، فلما جاءهم ودخل عليهم، وهم في بيت المدراس أي: الذي يتعلمون فيه قال: (يا معشر اليهود! أسلموا تسلموا أسلموا تسلموا قالوا: بلغت يا أبا القاسم ! قال: ذاك أريد. ثم أعاد عليهم مرة أخرى فقال: أسلموا تسلموا قالوا: قد بلغت يا أبا القاسم !). ثم قال: (اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله).

فهكذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحرك، ولاقى القوم من كفار قريش في أسواقهم، ولاقى القوم من اليهود في مدارسهم، ولاقى القوم من المنافقين في تجمعاتهم، وخرج في كل حدب وصوب، وخرج إلى الطائف لما وجد البيئة المكانية غير ملائمة، فأراد أن يشق للدعوة طريقاً في موضع آخر، ثم لقي ما لقي من السخط والإعراض، وجاءه ملك الجبال -كما في البخاري في الصحيح- وقال: (لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت، فقال: لا، لعل الله يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله ورسوله).

فانظر عظيم الحرص على هداية الخلق، وانظر عظيم التعلق بالدعوة وعدم اليأس، وانظر إلى سعة الصدر، وطول النفس، وعظيم الصبر عنده صلى الله عليه وسلم.

ثم نرى ذلك نهج الصحابة رضوان الله عليهم، نهج أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، والأمثلة في ذلك تطول، فـعمر رضي الله عنه ما فتحت بلد من بلاد الإسلام إلا وأخرج إليها علماً من أعلام الصحابة رضوان الله عليهم، فبعث إلى الشام معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء ، بعثهم لأهل الشام، وبعث لأهل الكوفة ابن مسعود رضي الله عنه معلماً ووزيراً.

ولم يكن ذلك شأن الصحابة فحسب، بل هو شأن من جاء بعدهم وسار على نهجهم، فإذا نحن مع سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث رحمة الله عليه وهو يقول: والله لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم، يعني: أصحاب الحديث.

(لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم) فلا ينتظر الناس حتى يأتون إليه يطلبون العلم منه، وذلك شاهد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر أن مثله كمثل الغيث الذي أصاب أرضاً، فتنوعت هذه الأراضي التي جاءها ذلك الماء، فمنها ما هي قيعان سبخة لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، ومنها ما تمسك الماء ولكنها لا تظهره، ومنها ما تمسك الماء وتنبت الكلأ، فتلك التي تعلي راية الحق وتصدع بقول الحق، وتوصل كلمة الحق إلى كل أحد، فذلك كان دأب القوم.

وتأمل في قصة مالك بن دينار التي يذكرها ابن الجوزي ، وهو يبين لنا عظيم الفطنة والحركة في مسألة اصطياد الناس: يذكر أنه جاء لص إلى بيت مالك ليسرق منه، فدخل -و مالك من الزهاد ليس عنده من الدنيا قليل ولا كثير- فجعل يقلب، فإذا بالبيت ليس فيه ما يستدعي السرقة، وبصر به مالك فقال: يا هذا! أفاتك حظك من الدنيا؟ قال: نعم. قال: فهل لك في شيء من الآخرة؟ قال: فماذا؟ قال: توضأ وصل ركعتين، ثم ما لبث أن أخذه لصلاة الفجر، فقال له بعض الناس: من هذا؟ قال: جاء ليسرقنا فسرقناه!

فهذه هي الروح التي بها ينطلق الداعية، وينطلق بها الصياد الذي يصيد الخلق إلى طريق الحق، وكما قال الشاعر:

إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب

الذي يبقى في مكانه لا يحصل له شيء، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

إذاً: لابد من الحركة، ولا يمكن للإنسان أن يكسب رزقه في الدنيا وهو جالس في بيته، فكذلك لا يمكن أن يكسب أجره في الآخرة بإرشاده للناس وتبصيرهم وهو جالس في بيته لا يتحرك ولا يتقدم، ولذلك كان فقه القوم من أهل البصيرة يعتمد على أن الإنسان لابد له أن يغشى مجامع الناس، وأن يخالطهم، أما العزلة والانحسار وعدم الاحتكاك فهذا ذم ليس بعده ذم، ولذلك حتى المتأخرون ينبهون على ذلك، فهذا الرافعي الأديب -وهو قريب العهد بنا- يقول عن الذي انعزل عن الناس: يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله، ثم يتابع فيقول: وماذا تكون قيمة العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل؟! أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟! مع من يصدق؟! وكيف نعرف صدقه وهو لم يدخل مع الناس ليخبرهم أو يعاشرهم فيعرفون حاله؟! ثم قال: وايم الله؛ إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعاً لهو الخالي من الفضائل جميعاً!

فلذلك لابد من فهم المبدأ الأول والأساس الأول: وهو أنه لابد أن تخرج، ولابد أن تخالط، ولابد أن تعاشر، ويكون غرضك في ذلك أن تصلح وأن توجه، وأن ترشد، ولذلك يذكر ابن القيم عن بعض السلف أنه كان يقول: يا له من دين لو أن له رجالاً! الدين موجود في القرآن وفي السنة، لكن من ينقله؟ ومن يطبقه؟ ومن يمثله في واقع الحياة؟ ومن يبشر به الناس؟ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37] أي: ذوي الرجولة الكاملة.

وعن بعض السلف أنه جاء إليه بعض الناس، فقالوا له: أتيناك في حويجة فقال -وهو لا يرضى أن يكون صاحب الأمر البسيط والهين-: إذا كانت حويجة فالتمسوا لها رجيلاً على قدرها! ولذلك إن كنت تريد أن تكون على ذلك السبيل الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، فينبغي أن تكون رجلاً لا رجيلاً، وهذا المبدأ الأول.

بعد بيان الفضل للدعوة يأتي الحرص عليها، فالذي تكون المسألة بالنسبة له هواية عارضة، أو قضية ثانوية، أو عملاً يشغل به فضول أوقاته، ليس هو الذي نركز عليه في حديثنا، وليس هو الذي يعبر عنه قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].

وليس هو الذي مضى طول عمره وهو في هذا الشأن، وهذا الطريق، امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

فلابد أن نعرف -كما مر بنا في وصف الصياد- أننا قصدنا به الذي يعتبر الصيد مهمته وطلبته ومصدر رزقه، فكذلك نقصد هنا: المسلم الذي يرى الدعوة مهمته، ويرى الدعوة فريضته، ويرى الدعوة واجبه، كما جاء في نصوص كثيرة متضافرة ليس في الوقت مجال لذكرها.

وتأمل في سياق سريع ذلك الحرص الفريد العجيب الذي مثله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما جعل مهمته وغايته في الحياة هي هداية الناس، ودعوتهم إلى طريق الله سبحانه وتعالى، حتى خاطبه القرآن في شدة حرصه، فقال الله جل وعلا: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال الله سبحانه وتعالى: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37]، وقال سبحانه وتعالى: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل:127].

وذكر من حاله عليه الصلاة والسلام: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:6]، أي: لعلك قاتل نفسك، ومتلف جسدك، ومضيع وقتك وأنت تتبع القوم، وتمضي في إثرهم، وهم يعرضون عنك، أنت تريد لهم الخير وهم يبتعدون عنك! ومع ذلك كان هذا الحرص من منطلق الفهم الصحيح لعظمة الرسالة، ولخيريتها، فالذي يعرف الخير ينبغي أن تكون نفسه -بتأثرها بذلك الخير- تحب الخير للآخرين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، والنفس التي ترى النور تأسى وتحزن على الذين يعيشون في الظلام، يتخبطون فيه، وينزلقون مرة بعد مرة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الهوام والفراش يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار).

لابد لك أن تكون حريصاً غاية الحرص على هداية الخلق، وأن تعرف أن هذه المهمة واجبة، وأن هذه الرسالة عظيمة، وأنها ينبغي أن يستفرغ لها كل الوقت، ومعظم الجهد، وكل الفكر؛ حتى تؤتي ثمارها، كما كان على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ذكرنا أن الصياد لا يقبع في بيته بل يخرج، وتأمل هذه المقالات وهذه الأمثلة التي تنعي عليك جلوسك في بيتك، وقعودك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأخرك عن إرشاد الخلق، وعدم خروجك إليهم لتبصرهم بما هم فيه من الخطأ، وما يقعون فيه من الزلل: فهذا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه أحد المبشرين بالجنة، يقول: إن أقل العيب على المرء أن يجلس في داره! وما أقواها من كلمة! فكيف بما هو أكثر من ذلك؟

ثم استمع إلى عطاء بن أبي رباح ، من جلة التابعين، ومن أئمة علمائهم في مكة المكرمة، وهو يقول: لأن أرى في بيتي شيطاناً خير من أن أرى في بيتي الوسادة؛ لأنها تدعو إلى النوم!

فانظر إلى فقه القوم كيف دفعوا الجسد للنهوض، وكيف أرادوا ألا تركن أنفسهم إلى الدنيا، وألا يظلوا منكمشين عن الناس، يحبسون العلم بصدورهم، ويحبسون الحكمة بأفواههم، فهذا التابعي الجليل كان يرى أن مخدة النوم التي تدعو إلى الكسل وإلى التثاقل وعدم الخروج، كان يراها أشد عليه من الشيطان الذي يخطر بينه وبين نفسه.

ثم تأمل أيضاً تلك المقالة من الغزالي القدير -رحمة الله عليه- وهو يقول: (اعلم أن كل قاعد في بيته أينما كان فليس خالياً في هذا الزمان عن منكر)، عن منكر من حيث التقاعد عن إرشاد الناس، وتعليمهم وحملهم على المعروف، فما دمت قاعداً في بيتك فلابد أن يلحقك نوع قصور وبعض إثم؛ لأنك ما خرجت لتعرف الناس وتصحح نهجهم.

ونمضي من بعد ذلك مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن بزغ نور الإسلام في أول صلة بين الأرض والسماء، من قول ( اقرأ ) الأولى، التي نزل بها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءته: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، وجاء من قبلها يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ [المدثر:1-2].

ولما نزل قول الله جل وعلا وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] خرج عليه الصلاة والسلام من بيته، ورقى الصفا وجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عدي! وجعل ينادي قريشاً بطناً بطناً، ثم يقول لهم عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً ببطن هذا الوادي تريد أن تغير عليكم، أفكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب أليم، فقال أبو لهب -عليه لعنة الله-: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟!).

واسمع لهذا الحديث عند البخاري من رواية ابن عباس وعند أحمد بسند رجاله رجال الصحيح عن رجل من بني مالك بن كنانة -وهو صحابي، وجهالة الصحابي لا تضر- قال: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها، فيقول: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وأبو جهل في إثره يحثو عليه التراب، ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم، وتتركوا اللات والعزى)، فتأمل هذا النص وهو يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها)، يعني: ينطلق إلى المواسم، إلى الأسواق، يخرج إلى الناس، يلقاهم في مجامعهم، يغشاهم في مجالسهم، وتلك أول خطوة في السير، وأول خطوة في طريق الدعوة، وروى البخاري أيضاً من حديث أنس رضي الله عنه: (أن الصحابة من الأنصار جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: لو أتيت عبد الله بن أبي رأس المنافقين -يعني: لو أتيته لتدعوه، ولعلهم كانوا يقصدون أنه قد يصد عن الدعوة إن لم يؤت إليه؛ لشرفه ومقدراه، فما استعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك- فقال: انطلقوا بنا إليه، وانطلق عليه الصلاة والسلام يركب حماره، وانطلق المسلمون معه يمشون، فقال ذلك المنافق عليه لعنة الله للنبي: إليك عني! والله لقد آذاني نتن حمارك، فرد عليه بعض الصحابة رداً غليظاً يكافئ قوله). وشاهد الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى أهل النفاق لدعوتهم.

ثم انظر إلى النص الآخر، وهو عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً في المسجد، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقوا إلى يهود، انطلقوا إلى يهود). يستنهض الناس معه انطلاقاً وخروجاً إلى الناس في مجامعهم، فلما جاءهم ودخل عليهم، وهم في بيت المدراس أي: الذي يتعلمون فيه قال: (يا معشر اليهود! أسلموا تسلموا أسلموا تسلموا قالوا: بلغت يا أبا القاسم ! قال: ذاك أريد. ثم أعاد عليهم مرة أخرى فقال: أسلموا تسلموا قالوا: قد بلغت يا أبا القاسم !). ثم قال: (اعلموا أن الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله).

فهكذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحرك، ولاقى القوم من كفار قريش في أسواقهم، ولاقى القوم من اليهود في مدارسهم، ولاقى القوم من المنافقين في تجمعاتهم، وخرج في كل حدب وصوب، وخرج إلى الطائف لما وجد البيئة المكانية غير ملائمة، فأراد أن يشق للدعوة طريقاً في موضع آخر، ثم لقي ما لقي من السخط والإعراض، وجاءه ملك الجبال -كما في البخاري في الصحيح- وقال: (لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت، فقال: لا، لعل الله يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله ورسوله).

فانظر عظيم الحرص على هداية الخلق، وانظر عظيم التعلق بالدعوة وعدم اليأس، وانظر إلى سعة الصدر، وطول النفس، وعظيم الصبر عنده صلى الله عليه وسلم.

ثم نرى ذلك نهج الصحابة رضوان الله عليهم، نهج أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، والأمثلة في ذلك تطول، فـعمر رضي الله عنه ما فتحت بلد من بلاد الإسلام إلا وأخرج إليها علماً من أعلام الصحابة رضوان الله عليهم، فبعث إلى الشام معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء ، بعثهم لأهل الشام، وبعث لأهل الكوفة ابن مسعود رضي الله عنه معلماً ووزيراً.

ولم يكن ذلك شأن الصحابة فحسب، بل هو شأن من جاء بعدهم وسار على نهجهم، فإذا نحن مع سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث رحمة الله عليه وهو يقول: والله لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم، يعني: أصحاب الحديث.

(لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم) فلا ينتظر الناس حتى يأتون إليه يطلبون العلم منه، وذلك شاهد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أخبر أن مثله كمثل الغيث الذي أصاب أرضاً، فتنوعت هذه الأراضي التي جاءها ذلك الماء، فمنها ما هي قيعان سبخة لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، ومنها ما تمسك الماء ولكنها لا تظهره، ومنها ما تمسك الماء وتنبت الكلأ، فتلك التي تعلي راية الحق وتصدع بقول الحق، وتوصل كلمة الحق إلى كل أحد، فذلك كان دأب القوم.

وتأمل في قصة مالك بن دينار التي يذكرها ابن الجوزي ، وهو يبين لنا عظيم الفطنة والحركة في مسألة اصطياد الناس: يذكر أنه جاء لص إلى بيت مالك ليسرق منه، فدخل -و مالك من الزهاد ليس عنده من الدنيا قليل ولا كثير- فجعل يقلب، فإذا بالبيت ليس فيه ما يستدعي السرقة، وبصر به مالك فقال: يا هذا! أفاتك حظك من الدنيا؟ قال: نعم. قال: فهل لك في شيء من الآخرة؟ قال: فماذا؟ قال: توضأ وصل ركعتين، ثم ما لبث أن أخذه لصلاة الفجر، فقال له بعض الناس: من هذا؟ قال: جاء ليسرقنا فسرقناه!

فهذه هي الروح التي بها ينطلق الداعية، وينطلق بها الصياد الذي يصيد الخلق إلى طريق الحق، وكما قال الشاعر:

إني رأيت وقوف الماء يفسده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب

الذي يبقى في مكانه لا يحصل له شيء، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

إذاً: لابد من الحركة، ولا يمكن للإنسان أن يكسب رزقه في الدنيا وهو جالس في بيته، فكذلك لا يمكن أن يكسب أجره في الآخرة بإرشاده للناس وتبصيرهم وهو جالس في بيته لا يتحرك ولا يتقدم، ولذلك كان فقه القوم من أهل البصيرة يعتمد على أن الإنسان لابد له أن يغشى مجامع الناس، وأن يخالطهم، أما العزلة والانحسار وعدم الاحتكاك فهذا ذم ليس بعده ذم، ولذلك حتى المتأخرون ينبهون على ذلك، فهذا الرافعي الأديب -وهو قريب العهد بنا- يقول عن الذي انعزل عن الناس: يحسب أنه قد فر من الرذائل إلى فضائله، ولكن فراره من مجاهدة الرذيلة هو في نفسه رذيلة لكل فضائله، ثم يتابع فيقول: وماذا تكون قيمة العفة والأمانة والصدق والوفاء والبر والإحسان، إذا كانت فيمن انقطع في صحراء أو على رأس جبل؟! أيزعم أحد أن الصدق فضيلة في إنسان ليس حوله إلا عشرة أحجار؟! مع من يصدق؟! وكيف نعرف صدقه وهو لم يدخل مع الناس ليخبرهم أو يعاشرهم فيعرفون حاله؟! ثم قال: وايم الله؛ إن الخالي من مجاهدة الرذائل جميعاً لهو الخالي من الفضائل جميعاً!

فلذلك لابد من فهم المبدأ الأول والأساس الأول: وهو أنه لابد أن تخرج، ولابد أن تخالط، ولابد أن تعاشر، ويكون غرضك في ذلك أن تصلح وأن توجه، وأن ترشد، ولذلك يذكر ابن القيم عن بعض السلف أنه كان يقول: يا له من دين لو أن له رجالاً! الدين موجود في القرآن وفي السنة، لكن من ينقله؟ ومن يطبقه؟ ومن يمثله في واقع الحياة؟ ومن يبشر به الناس؟ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37] أي: ذوي الرجولة الكاملة.

وعن بعض السلف أنه جاء إليه بعض الناس، فقالوا له: أتيناك في حويجة فقال -وهو لا يرضى أن يكون صاحب الأمر البسيط والهين-: إذا كانت حويجة فالتمسوا لها رجيلاً على قدرها! ولذلك إن كنت تريد أن تكون على ذلك السبيل الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108]، فينبغي أن تكون رجلاً لا رجيلاً، وهذا المبدأ الأول.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2904 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2726 استماع
فاطمة الزهراء 2690 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2623 استماع
المرأة والدعوة [1] 2534 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2530 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2514 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2480 استماع
خطبة عيد الفطر 2460 استماع
التوبة آثار وآفاق 2445 استماع