وقفات مع الحج والحجاج


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

وبعد:

فهذا الدرس بعنوان (وقفات مع الحج والحجاج) وهذه الوقفات مختلفة، وليس بالضرورة أن تكون ضمن موضوع واحد، غير أنها كلها لها صلة وسبب بالحج، وهي عشر وقفات:

أولها: فضائل ووصايا.

الثانية: موجز أعمال الحج.

الثالثة: منهجية التربية العملية.

الرابعة: المطوفون والخدمات.

الخامسة: التوعية والدعوة.

السادسة: الأولويات والمهمات.

السابعة: دراسات ومشروعات.

الثامنة: قصص وأخبار.

التاسعة: فتاوى مهمة.

العاشرة: قصائد وأشعار.

فضائل الحج العامة والخاصة

وأول هذه الوقفات: فضائل ووصايا.

ومعلوم أن الحق سبحانه وتعالى رغب عباده في الفرائض والشعائر والواجبات والتكليفات بالأجر والفضل والمثوبة؛ لأن النفس بطبيعتها تحتاج إلى الترغيب لترتبط بالخير، وإلى الترهيب لتنفر من الشر.

والفضائل في هذا الركن من أركان الإسلام كثيرة جداً، ونعرج فيها على سائر ما في الحج من المناسك والشعائر، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة) وهذا تهييج وتشجيع على زيارة البيت وقصده للعمرة وللحج، وأيضاً حث النبي عليه الصلاة والسلام على فريضة الحج لما فيها من الأجر والفضل بقوله صلى الله عليه وسلم: (عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة).

وأيضاً في حديث قدسي آخر يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام عن رب العزة والجلال: (إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد علي لمحروم) أي أنه يحرم نفسه الأجر والمثوبة، كما يحرم نفسه الفائدة والمنفعة الإيمانية الروحية التي تعود عليه من هذه الفريضة العظيمة، وقد ثبت أن الحج من أفضل الأعمال؛ وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة مبرورة، وتفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام الحج بأنه جهاد، ومعلوم أن الجهاد عظيم في دين الله سبحانه وتعالى، وأنه من أعظم الأعمال مثوبة؛ إذ فيه بذل النفس والروح مع المال لله سبحانه وتعالى.

ولما شابه الحج الجهاد في بعض معانيه -إذ هو بذل للجهد وراحة البدن، كما أنه بذل للمال والنفقة، كما أنه سعي في الطاعة والاستجابة رغم المشقة والكراهة التي ربما تكون في نفس الإنسان- قال النبي عليه الصلاة والسلام مخاطباً بعض أصحابه: (ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: حج البيت). أي: الحج هو الجهاد الذي لا شوكة فيه. وقال في حديث آخر: (الجهاد حج كل ضعيف).

ووصف الحج بأنه أحسن الجهاد حينما قال عليه الصلاة والسلام: (لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور) وقال أيضاً: (نعم الجهاد الحج).

ثم أعظم فضيلة في هذا الحج غفران الذنوب، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد).

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).

ومن فضائل الحج أن الحاج ضيف على الله سبحانه وتعالى، وحق على الضيف أن يكرمه مضيفه، والله سبحانه تعالى أعظم وأكرم وأجود من يمنح ضيوفه ووفده، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم).

وذلك أن الحاج والغازي في سبيل الله سبحانه وتعالى حق على الله سبحانه وتعالى أن يعطيه سؤاله وينجز له وعده.

وأيضاً من الفضائل في الحج المسير إلى الحج، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فضيلته وأجره ومثوبته بقوله: (ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة).

وبعض مناسك الحج ورد التفضيل لها على وجه الخصوص، فالوقوف في يوم عرفة ورد فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الموقف الملائكة، ويقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟! فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك) كما ورد بهذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث عائشة : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة).

والرمي وردت له فضيلة، كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك) أي: مدخور لك أجره وثوابه عند الله سبحانه وتعالى.

كذلك الحلق، فحينما يحلق الحاج شعره متبذلاً ومتجرداً من الزينة لله سبحانه وتعالى فله فضيلة وأجر أخبر بها المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: (وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة).

أما التلبية فقال فيها عليه الصلاة والسلام: (ما أهل مهل قط، ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة).

والطواف قال فيه صلى الله عليه وسلم: (من طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين كان كعتق رقبة).

والأحاديث -أيضاً- أكثر من ذلك وأوسع، وهذه الأحاديث كلها من صحيح الجامع الصغير، أي أن الشيخ الألباني قد صححها، وهي بروايات مختلفة، فبعضها مختلف في ألفاظه عن البعض الآخر، والذي يتأمل يرى أن الحج ربما يكون من أعظم أو أكثر الفرائض ذكراً للمثوبة والأجر، وذلك لكون الحج فريضة في العمر مرة واحدة، وقد لا يدركه كثير من الناس إلا هذه المرة، بينما الصلاة كل يوم، والزكاة في كل عام، لكن الحج واجب في العمر مرة واحدة، وغالباً ما يقع للناس إلا مرة واحدة فقط، فلذا كان الأجر المذكور فيه عظيماً بصورة يظهر فيها أهميته، وفي نفس الوقت أثره وفائدته، ففيه غفران الذنوب، وفيه عود المرء كيوم ولدته أمه، وفيه مشابهته بالجهاد، وفيه من المعاني التي ذكرنا شيء كثير؛ إذ فيه كثير مما يتفرق في عبادات أخرى من الشعائر، سواء كانت فرائضاً أو سنناً.

وأول هذه الوقفات: فضائل ووصايا.

ومعلوم أن الحق سبحانه وتعالى رغب عباده في الفرائض والشعائر والواجبات والتكليفات بالأجر والفضل والمثوبة؛ لأن النفس بطبيعتها تحتاج إلى الترغيب لترتبط بالخير، وإلى الترهيب لتنفر من الشر.

والفضائل في هذا الركن من أركان الإسلام كثيرة جداً، ونعرج فيها على سائر ما في الحج من المناسك والشعائر، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة) وهذا تهييج وتشجيع على زيارة البيت وقصده للعمرة وللحج، وأيضاً حث النبي عليه الصلاة والسلام على فريضة الحج لما فيها من الأجر والفضل بقوله صلى الله عليه وسلم: (عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة).

وأيضاً في حديث قدسي آخر يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام عن رب العزة والجلال: (إن عبداً صححت له جسمه، ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد علي لمحروم) أي أنه يحرم نفسه الأجر والمثوبة، كما يحرم نفسه الفائدة والمنفعة الإيمانية الروحية التي تعود عليه من هذه الفريضة العظيمة، وقد ثبت أن الحج من أفضل الأعمال؛ وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة مبرورة، وتفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام الحج بأنه جهاد، ومعلوم أن الجهاد عظيم في دين الله سبحانه وتعالى، وأنه من أعظم الأعمال مثوبة؛ إذ فيه بذل النفس والروح مع المال لله سبحانه وتعالى.

ولما شابه الحج الجهاد في بعض معانيه -إذ هو بذل للجهد وراحة البدن، كما أنه بذل للمال والنفقة، كما أنه سعي في الطاعة والاستجابة رغم المشقة والكراهة التي ربما تكون في نفس الإنسان- قال النبي عليه الصلاة والسلام مخاطباً بعض أصحابه: (ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: حج البيت). أي: الحج هو الجهاد الذي لا شوكة فيه. وقال في حديث آخر: (الجهاد حج كل ضعيف).

ووصف الحج بأنه أحسن الجهاد حينما قال عليه الصلاة والسلام: (لكن أحسن الجهاد وأجمله حج مبرور) وقال أيضاً: (نعم الجهاد الحج).

ثم أعظم فضيلة في هذا الحج غفران الذنوب، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإن متابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد).

وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).

ومن فضائل الحج أن الحاج ضيف على الله سبحانه وتعالى، وحق على الضيف أن يكرمه مضيفه، والله سبحانه تعالى أعظم وأكرم وأجود من يمنح ضيوفه ووفده، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم).

وذلك أن الحاج والغازي في سبيل الله سبحانه وتعالى حق على الله سبحانه وتعالى أن يعطيه سؤاله وينجز له وعده.

وأيضاً من الفضائل في الحج المسير إلى الحج، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فضيلته وأجره ومثوبته بقوله: (ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه سيئة، أو رفعه بها درجة).

وبعض مناسك الحج ورد التفضيل لها على وجه الخصوص، فالوقوف في يوم عرفة ورد فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الموقف الملائكة، ويقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟! فلو كان عليك مثل رمل عالج أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك) كما ورد بهذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث عائشة : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة).

والرمي وردت له فضيلة، كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك) أي: مدخور لك أجره وثوابه عند الله سبحانه وتعالى.

كذلك الحلق، فحينما يحلق الحاج شعره متبذلاً ومتجرداً من الزينة لله سبحانه وتعالى فله فضيلة وأجر أخبر بها المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: (وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة).

أما التلبية فقال فيها عليه الصلاة والسلام: (ما أهل مهل قط، ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة).

والطواف قال فيه صلى الله عليه وسلم: (من طاف بالبيت سبعاً وصلى ركعتين كان كعتق رقبة).

والأحاديث -أيضاً- أكثر من ذلك وأوسع، وهذه الأحاديث كلها من صحيح الجامع الصغير، أي أن الشيخ الألباني قد صححها، وهي بروايات مختلفة، فبعضها مختلف في ألفاظه عن البعض الآخر، والذي يتأمل يرى أن الحج ربما يكون من أعظم أو أكثر الفرائض ذكراً للمثوبة والأجر، وذلك لكون الحج فريضة في العمر مرة واحدة، وقد لا يدركه كثير من الناس إلا هذه المرة، بينما الصلاة كل يوم، والزكاة في كل عام، لكن الحج واجب في العمر مرة واحدة، وغالباً ما يقع للناس إلا مرة واحدة فقط، فلذا كان الأجر المذكور فيه عظيماً بصورة يظهر فيها أهميته، وفي نفس الوقت أثره وفائدته، ففيه غفران الذنوب، وفيه عود المرء كيوم ولدته أمه، وفيه مشابهته بالجهاد، وفيه من المعاني التي ذكرنا شيء كثير؛ إذ فيه كثير مما يتفرق في عبادات أخرى من الشعائر، سواء كانت فرائضاً أو سنناً.

هنا جملة من الوصايا للذي يعزم على الحج نلخصها في الآتي:

أولاً: أن يتوب العازم على الحج إلى الله سبحانه وتعالى توبة نصوحاً يقدمها بين يدي إقباله على الله سبحانه وتعالى وشروعه في هذه الفريضة التي مبناها الأول على الاستجابة والطاعة المطلقة لأمر الله، والسعي الدائب لنيل رضوان الله سبحانه وتعالى.

ثم تحقيق الإخلاص وتحرير النية لله سبحانه وتعالى؛ لأن الحج في مغزاه الأول ومعناه الأعظم تحرير القصد لله سبحانه وتعالى.

ومن ذلك أيضاً أنه ينبغي له عند تحقيق هذا المعنى أن يتحرى النفقة الحلال ليكون حجه أدعى وأجدر بالقبول عند الله سبحانه وتعالى.

إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير

لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل حج لبيت الله مبرور

ومما ينبغي للحاج أن يتهيأ به أن يتعلم المناسك، وأن يأخذ من فقهها ما يصح به حجه، وهو في حقه فرض عين؛ لأن على الإنسان أن يتعلم ما تصح به عبادته، كما لو حاز نصاب الزكاة فحينئذ يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة وفرضها ومشروعيتها وما يجب في ماله لله سبحانه وتعالى، وإن عزم على الحج وجب عليه أن يتعلم أحكامه، ومشكلة الناس اليوم أنهم يتهيئون ويتزودون ويستعدون بكل شيء، إلا أن كثيراً منهم لا يتهيأ لمعرفة المناسك وتعلمها، فتجده يهيئ المال ويسأل عن الطريق وعن الراحة وعن المخيمات وغير ذلك، لكن لا يعتني بجانب أحكام المناسك.

ومن ذلك -أيضاً- اختيار الرفقة الصالحة التي تعين على أمرين مهمين في هذه الفريضة:

الأمر الأول: أمر العلم والفقه في المناسك.

الأمر الثاني: عدم الإتيان بما يجرح كمال العبادة في الحج.

إذ بعض الناس قد يأتي بالحج أركاناً وواجبات، لكنه لم يأت بالكمال من استغلال الأوقات في أنواع الطاعات، ولم يكن ممن يبتعد ويتقي كل ما قد يجرح أو ينقص أجر الحاج في حجه من أمور كثيرة يقع فيها الناس من غيبة أو نميمة أو جدال أو خصام أو سوء ظن أو نحو ذلك، أو أذى للناس والحجاج وغير ذلك من الأمور، فهذا مما ينبغي أن ينتبه له الحاج أيضاً.

ومن هذه الوصايا -أيضاً- أن يأخذ الإنسان بالرفق وحسن الخلق والتحلي بالصبر، فإن هذه الفريضة نوع من الجهاد، ومهما بالغ الناس في الترفيه وإيجاد الخدمات من التكييف والطعام والفرش وكذا إلا أنها يبقى فيها نوع من المشقة والخشونة، فإذا لم يتحل الإنسان بالصبر ويوطن نفسه على أنه يبذل ويتحمل لأجل مرضاة الله سبحانه وتعالى فإنه عند وجود أقل عارض يجزع، وتجد كثيراً من الحجاج يبطلون حجهم أو يجرحونه إذا قلت برودة الماء أو تأخر وقت الطعام، وذلك بالجزع، ولم يكن عنده رحابة الصدر ولا لين الجانب، ولا إظهار هذه الأخلاقيات التي هي من تمام وكمال هذا الفرض.

وكذلك -أيضاً- يحتاج الحاج إلى أن يستصحب الزاد الذي أخبر الله عز وجل عنه في فريضة الحج على وجه الخصوص، حينما قال جل وعلا: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] فاستحضار التقوى من التوقي لكل ما فيه معصية لله عز وجل أو كراهة أو حرمة، وكذلك الحرص على كل ما فيه طاعة وفضيلة وأجر.

والوصية التي بعدها حسن المعاملة وعدم الأذى، فإن حسن المعاملة مع الناس مطلوبة، لكن في كثير من الأحوال قد لا يستطيع الإنسان بحكم شغله أو بعده أن لا يتعامل إلا مع فئة محدودة أو قليلة، لكنه في الحج قطعاً يتعامل مع كثير من الناس شاء أم أبى، سواء أكانوا في طوافهم، أم في رميهم، أم في سيرهم وحلهم وترحالهم، ويتعامل مع أناس لا يعرف لغتهم، ولا يعرف تفكيرهم، ولم يسبق له معرفتهم، فلذلك لابد من أن يجمع العزم على أن يكون حسن التعامل لين الجانب.

وآخر وصية هي أن يستحضر التواضع والبعد عن كل أسباب الكبرياء؛ فإن الحج مبناه الأعظم على أن الإنسان قد تجرد من هذه الدنيا وزينتها، ومن الفوارق التي تفرق بينه وبين الآخرين، فأجدر به أن يراعي التواضع واللين مع حجاج بيت الله الحرام؛ لأنه إذا ذل لله سبحانه وتعالى ينبغي أن يلين لإخوانه المؤمنين.

حقيقة الأنساك الثلاثة للحج

أولها: التمتع، وهو أن يأتي بالعمرة كاملة ثم يتحلل من إحرامه ويتمتع من عمرته إلى حجه بمعنى أنه يأتي بكل شيء كان يفعله قبل إحرامه حتى معاشرة النساء، ثم إذا جاء الحج أحرم من مكة للحج، لكن إذا خرج من المواقيت فإنه لا يكون متمتعاً.

النسك الثاني هو الإفراد، وهو أن يأتي بالحج مفرداً ليس معه عمرة، فلا يطوف إلا طواف الحج، ولا يسعى إلا سعي الحج، طواف وسعي واحد فقط، وهذا إن لم يكن أتى بعمرة قبل ذلك فالألزم له أن يأتي بعمرة ولو بعد الحج، أو قبله، لكن إن جاء بالعمرة قبل الحج فالأولى والأتم له أن ينويها تمتعاً.

النسك الثالث القران، وهو الذي يجمع فيه بين الحج والعمرة معاً، وذلك بأن يقرنهما معاً، وأن يسوق الهدي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها عمرة ثم ليتمتع إلى الحج) فإن كان قد ساق الهدي فهو الذي يقرن بين الحج والعمرة، والصحيح من أقوال أهل العلم -كما أفاض وتوسع بذلك ابن القيم في زاد المعاد- أنه ليس عليه في قرانه بين الحج والعمرة إلا سعي واحد فقط، وهذا خلاف لمن أوجب السعيين على القارن، والقول الأول -وهو قول كثير من أهل العلم- انتصر له ابن القيم -كما أشرت- في زاد المعاد انتصاراً عجيباً جداً، وأصاب فيه، حتى ذكر لذلك اثنين وعشرين دليلاً واستنباطاً، ثم كر على كل رواية تشبث بها القائلون بالرأي الآخر، وبين إما ضعفها أو عدم صحة الاستنباط إن كانت الرواية صحيحة، ولعل هذا المبحث -والله أعلم- من أوسع ما كتب أهل العلم في هذه المسألة على وجه الخصوص.

صفة الأنساك الثلاثة للحج

الصفة الموجزة للحج بالنسبة للمتمتع أنه يطوف ويسعى للعمرة، أن يطوف بالبيت سبعاً، وأن يجعل البيت عن يساره، يبدأ من الحجر الأسود وينتهي إليه، ثم يسعى بادئاً من الصفا وينتهي إلى المروة، من الصفا إلى المروة شوط، وليس كما يقع من بعض الناس أنهم يجعلون الذهاب والإياب شوطاً واحداً فيسعون أربعة عشر شوطاً، وهذا يقع من كثير من الناس، وعندما يفعلون ذلك يختلط عليهم العد، فربما يسعون عشرة أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر ... إلى آخر ذلك، خاصة مع زحام الحج لا يستطيع أن يضبط الطائف العدد، ويقع لهم بذلك مشقة كبيرة، وللأسف أنه يقع في هذا عدد غير قليل من الحجاج، بل ربما يقطع سعيه لعدم القدرة على الإكمال، وما عرف أن السعي المطلوب هو أشواط سبعة فقط.

ثم إذا جاء الحج ينوي بالحج.

أما المفرد فإنه إذا قدم إلى مكة فإما أن يقدم إليها في اليوم الثامن أو يتوجه إلى منى، فله الخيار، فإذا قدم مكة وأراد أن يقدم سعي الحج فإنه يطوف طواف القدوم إن كان من غير أهل جدة ومن حاذاها، أو يعتبره طواف الركن لتقدمه على السعي ثم يسعى، فيكون هذا السعي سعي الحج، وإن لم يفعل توجه إلى منى في اليوم الثامن وهو يوم التروية، والذهاب إلى منى يوم الثامن سنة، فيصلي بها خمسة فروض: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقصر منها ما حقه القصر، ثم ينطلق من منى إلى عرفة في اليوم التاسع، والوقوف في عرفة ركن، والأولى أن لا يدخل إلى عرفة إلا بعد زوال الشمس، أي: قبيل الظهر بقليل، أو وقت دخول صلاة الظهر. فإذا دخل عرفة فإنه يصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم، ويستمع لخطبة الإمام، وليس في عرفة من مشاعر محددة أو أعمال معينة إلا الإلحاح بالدعاء والاشتغال بالذكر والتضرع لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي ينبغي أن ينشغل به الإنسان من تلاوة للقرآن وذكر لله ودعاءٍ وتضرع متصل لله سبحانه وتعالى.

وعرفة كلها موقف لا يحتاج الإنسان فيها إلى أن يحدد مكاناً بعينه، وإن تيسر له أن يقف في الصخرات في أسفل الجبل كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام فعل، وإلا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة).

ثم يدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ولذلك قال أهل العلم: الأكمل أن يجمع في عرفة بين النهار والليل، لكن الصحيح أن الوقوف بعرفة وقته من بعد الزوال إلى فجر يوم العيد، فلو أنه لم يدرك النهار ثم جاء إلى عرفة بعد غروب الشمس ووقف بها صح حجه وتم ولا شيء عليه.

قال أهل العلم: إنه لو وقف قبل الزوال ثم خرج في ذلك الوقت فإنه لا يعد واقفاً بعرفة، وإذا فاته الوقوف بعرفة فاته الركن، وإذا فاته الركن بطل حجه ووجب عليه قضاؤه.

وهذا في عرفة، ثم يدفع إلى مزدلفة، والمبيت بها واجب، ويصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير، وللرعاة والسقاة وأصحاب الحاجات والنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، والسنة والتمام والكمال أن يبقى الحاج إلى صلاة الفجر، ثم يصلي الفجر ويبقى حتى يسفر النهار -أي: حتى يبدو الضوء وينبلج الفجر- ثم بعد ذلك يذهب إلى منى ويكون قد دخل في اليوم العاشر يوم العيد.

وهذا اليوم تقضى فيه معظم أعمال الحج، يكون فيه رمي جمرة العقبة وهو واجب، وفيه طواف الإفاضة وهو ركن، وبذلك تكتمل الأربعة الأركان: الإحرام، وسعي الحج، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة.

ففي يوم النحر رمي جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى، ووقته ممتد من بعد منتصف الليل كما وصفه بعض أهل العلم، أو من بعد الفجر إلى آخر ذلك اليوم.

وفيه طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة.

وكذلك الحلق أو التقصير، وكذلك ذبح الهدي أو الفدية، فهذه أربعة أعمال له أن يقدم منها ما شاء وأن يؤخر منها ما يشاء، وإن لم يكن سعى سعي الحج فيحسن به أن يسعى سعي الحج بعد طواف الإفاضة، فهذه الأعمال السنة أداؤها في يوم النحر، هذا إن استطاع ذلك، وإن لم يستطع فإن مدتها ممتدة إلى آخر أيام التشريق، بل إلى آخر أيام الحج إن كان هناك عذر كحيض المرأة أو نفاسها، أو وجود علة من مرض أو نحو ذلك، فإن له أن يؤخر بعض هذه الأعمال إلى اليوم الثاني أو الثالث، بل إلى ما وراء ذلك، وهذه الأعمال -كما أشرت- ليس هناك من ضرورة في التقديم أو التأخير فيها، بل كيف ما اتفق له، وإن تيسر له متابعة فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أكمل وأتم في هذا الأمر.

والحلق أفضل من التقصير، والذبح الأكمل فيه والسنة فيه أن يباشره بنفسه إن استطاع، وإن شق عليه لعدم معرفته -كما هو الحال الآن- أو للزحام فإنه يوكل غيره، وهذا التوكيل صحيح ولا شيء فيه، ثم يبقى بعد ذلك في منى أيام التشريق الثلاثة، أو يبقى الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر هو مخير فيه بشرط أن يخرج قبل مغيب الشمس إن تعجل في يومين، وليس هناك من أعمال في هذه الأيام سوى المبيت بمنى وهو واجب، ورمي الجمار الثلاث وهو -أيضاً- واجب.

ويرمي الجمار على الترتيب الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ويقولون: رمي الأولى والثانية يأخذ ناحية اليسار ويجعل القبلة أمامه، ويتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، فقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو في هذه المواضع بقدر سورة البقرة، هذا موجز هذه الشعائر.

فإن استطاع أن ينفر في اليوم الثاني عشر فلينفر قبل الغروب، فإن أدركه الغروب قبل النية والشروع في الخروج من منى فإنه يلزمه أن يبيت بمنى وأن يبقى اليوم الثالث عشر فيها إلى ما بعد الزوال حتى يرمي.

وإن كان قد شرع في الخروج لكن أدركه الزحام ونحو ذلك فلا شيء عليه أن يخرج ولو غربت الشمس وهو ما يزال في حدود منى.

أولها: التمتع، وهو أن يأتي بالعمرة كاملة ثم يتحلل من إحرامه ويتمتع من عمرته إلى حجه بمعنى أنه يأتي بكل شيء كان يفعله قبل إحرامه حتى معاشرة النساء، ثم إذا جاء الحج أحرم من مكة للحج، لكن إذا خرج من المواقيت فإنه لا يكون متمتعاً.

النسك الثاني هو الإفراد، وهو أن يأتي بالحج مفرداً ليس معه عمرة، فلا يطوف إلا طواف الحج، ولا يسعى إلا سعي الحج، طواف وسعي واحد فقط، وهذا إن لم يكن أتى بعمرة قبل ذلك فالألزم له أن يأتي بعمرة ولو بعد الحج، أو قبله، لكن إن جاء بالعمرة قبل الحج فالأولى والأتم له أن ينويها تمتعاً.

النسك الثالث القران، وهو الذي يجمع فيه بين الحج والعمرة معاً، وذلك بأن يقرنهما معاً، وأن يسوق الهدي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها عمرة ثم ليتمتع إلى الحج) فإن كان قد ساق الهدي فهو الذي يقرن بين الحج والعمرة، والصحيح من أقوال أهل العلم -كما أفاض وتوسع بذلك ابن القيم في زاد المعاد- أنه ليس عليه في قرانه بين الحج والعمرة إلا سعي واحد فقط، وهذا خلاف لمن أوجب السعيين على القارن، والقول الأول -وهو قول كثير من أهل العلم- انتصر له ابن القيم -كما أشرت- في زاد المعاد انتصاراً عجيباً جداً، وأصاب فيه، حتى ذكر لذلك اثنين وعشرين دليلاً واستنباطاً، ثم كر على كل رواية تشبث بها القائلون بالرأي الآخر، وبين إما ضعفها أو عدم صحة الاستنباط إن كانت الرواية صحيحة، ولعل هذا المبحث -والله أعلم- من أوسع ما كتب أهل العلم في هذه المسألة على وجه الخصوص.

الصفة الموجزة للحج بالنسبة للمتمتع أنه يطوف ويسعى للعمرة، أن يطوف بالبيت سبعاً، وأن يجعل البيت عن يساره، يبدأ من الحجر الأسود وينتهي إليه، ثم يسعى بادئاً من الصفا وينتهي إلى المروة، من الصفا إلى المروة شوط، وليس كما يقع من بعض الناس أنهم يجعلون الذهاب والإياب شوطاً واحداً فيسعون أربعة عشر شوطاً، وهذا يقع من كثير من الناس، وعندما يفعلون ذلك يختلط عليهم العد، فربما يسعون عشرة أو ثلاثة عشر أو أربعة عشر ... إلى آخر ذلك، خاصة مع زحام الحج لا يستطيع أن يضبط الطائف العدد، ويقع لهم بذلك مشقة كبيرة، وللأسف أنه يقع في هذا عدد غير قليل من الحجاج، بل ربما يقطع سعيه لعدم القدرة على الإكمال، وما عرف أن السعي المطلوب هو أشواط سبعة فقط.

ثم إذا جاء الحج ينوي بالحج.

أما المفرد فإنه إذا قدم إلى مكة فإما أن يقدم إليها في اليوم الثامن أو يتوجه إلى منى، فله الخيار، فإذا قدم مكة وأراد أن يقدم سعي الحج فإنه يطوف طواف القدوم إن كان من غير أهل جدة ومن حاذاها، أو يعتبره طواف الركن لتقدمه على السعي ثم يسعى، فيكون هذا السعي سعي الحج، وإن لم يفعل توجه إلى منى في اليوم الثامن وهو يوم التروية، والذهاب إلى منى يوم الثامن سنة، فيصلي بها خمسة فروض: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقصر منها ما حقه القصر، ثم ينطلق من منى إلى عرفة في اليوم التاسع، والوقوف في عرفة ركن، والأولى أن لا يدخل إلى عرفة إلا بعد زوال الشمس، أي: قبيل الظهر بقليل، أو وقت دخول صلاة الظهر. فإذا دخل عرفة فإنه يصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم، ويستمع لخطبة الإمام، وليس في عرفة من مشاعر محددة أو أعمال معينة إلا الإلحاح بالدعاء والاشتغال بالذكر والتضرع لله سبحانه وتعالى، وهذا هو الذي ينبغي أن ينشغل به الإنسان من تلاوة للقرآن وذكر لله ودعاءٍ وتضرع متصل لله سبحانه وتعالى.

وعرفة كلها موقف لا يحتاج الإنسان فيها إلى أن يحدد مكاناً بعينه، وإن تيسر له أن يقف في الصخرات في أسفل الجبل كما وقف النبي عليه الصلاة والسلام فعل، وإلا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة).

ثم يدفع من عرفة بعد غروب الشمس، ولذلك قال أهل العلم: الأكمل أن يجمع في عرفة بين النهار والليل، لكن الصحيح أن الوقوف بعرفة وقته من بعد الزوال إلى فجر يوم العيد، فلو أنه لم يدرك النهار ثم جاء إلى عرفة بعد غروب الشمس ووقف بها صح حجه وتم ولا شيء عليه.

قال أهل العلم: إنه لو وقف قبل الزوال ثم خرج في ذلك الوقت فإنه لا يعد واقفاً بعرفة، وإذا فاته الوقوف بعرفة فاته الركن، وإذا فاته الركن بطل حجه ووجب عليه قضاؤه.

وهذا في عرفة، ثم يدفع إلى مزدلفة، والمبيت بها واجب، ويصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير، وللرعاة والسقاة وأصحاب الحاجات والنساء والضعفة أن يدفعوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، والسنة والتمام والكمال أن يبقى الحاج إلى صلاة الفجر، ثم يصلي الفجر ويبقى حتى يسفر النهار -أي: حتى يبدو الضوء وينبلج الفجر- ثم بعد ذلك يذهب إلى منى ويكون قد دخل في اليوم العاشر يوم العيد.

وهذا اليوم تقضى فيه معظم أعمال الحج، يكون فيه رمي جمرة العقبة وهو واجب، وفيه طواف الإفاضة وهو ركن، وبذلك تكتمل الأربعة الأركان: الإحرام، وسعي الحج، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة.

ففي يوم النحر رمي جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى، ووقته ممتد من بعد منتصف الليل كما وصفه بعض أهل العلم، أو من بعد الفجر إلى آخر ذلك اليوم.

وفيه طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة.

وكذلك الحلق أو التقصير، وكذلك ذبح الهدي أو الفدية، فهذه أربعة أعمال له أن يقدم منها ما شاء وأن يؤخر منها ما يشاء، وإن لم يكن سعى سعي الحج فيحسن به أن يسعى سعي الحج بعد طواف الإفاضة، فهذه الأعمال السنة أداؤها في يوم النحر، هذا إن استطاع ذلك، وإن لم يستطع فإن مدتها ممتدة إلى آخر أيام التشريق، بل إلى آخر أيام الحج إن كان هناك عذر كحيض المرأة أو نفاسها، أو وجود علة من مرض أو نحو ذلك، فإن له أن يؤخر بعض هذه الأعمال إلى اليوم الثاني أو الثالث، بل إلى ما وراء ذلك، وهذه الأعمال -كما أشرت- ليس هناك من ضرورة في التقديم أو التأخير فيها، بل كيف ما اتفق له، وإن تيسر له متابعة فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أكمل وأتم في هذا الأمر.

والحلق أفضل من التقصير، والذبح الأكمل فيه والسنة فيه أن يباشره بنفسه إن استطاع، وإن شق عليه لعدم معرفته -كما هو الحال الآن- أو للزحام فإنه يوكل غيره، وهذا التوكيل صحيح ولا شيء فيه، ثم يبقى بعد ذلك في منى أيام التشريق الثلاثة، أو يبقى الحادي عشر والثاني عشر، والثالث عشر هو مخير فيه بشرط أن يخرج قبل مغيب الشمس إن تعجل في يومين، وليس هناك من أعمال في هذه الأيام سوى المبيت بمنى وهو واجب، ورمي الجمار الثلاث وهو -أيضاً- واجب.

ويرمي الجمار على الترتيب الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ويقولون: رمي الأولى والثانية يأخذ ناحية اليسار ويجعل القبلة أمامه، ويتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، فقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو في هذه المواضع بقدر سورة البقرة، هذا موجز هذه الشعائر.

فإن استطاع أن ينفر في اليوم الثاني عشر فلينفر قبل الغروب، فإن أدركه الغروب قبل النية والشروع في الخروج من منى فإنه يلزمه أن يبيت بمنى وأن يبقى اليوم الثالث عشر فيها إلى ما بعد الزوال حتى يرمي.

وإن كان قد شرع في الخروج لكن أدركه الزحام ونحو ذلك فلا شيء عليه أن يخرج ولو غربت الشمس وهو ما يزال في حدود منى.

إن هذا الدين علم أتباعه وأمة الإسلام بأسلوب عملي لتتحقق الفرائض والأحكام والآداب التي أمر الله سبحانه وتعالى بها.

إن الأمور في التعليم تنقسم إلى قسمين: ناحية نظرية، وناحية عملية، والناحية النظرية على أهميتها كثيراً ما يبقى تأثيرها ضعيفاً حتى يأتي التطبيق العملي، ولذلك الدرس العظيم في هذا الحج هو أنه ينقل كل الأوامر والتشريعات في صورة عملية كاملة، فليست المسألة مسألة أقوال، وإنما يضرب الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الفريضة أمثلة عملية تتربى الأمة عليها؛ لأن المقصود هو العمل، قال عز وجل: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] فلم يقل الله عز وجل: تكلموا أو فكروا. وإنما قال: (اعملوا) والعمل هو المقصود؛ لأنه -في الحقيقة- هو ثمرة العلم، وثمرة هذا الدين إنما هي العمل.

ولذلك لما ذكر الله سبحانه وتعالى الاستخلاف في الأرض قال: لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [يونس:14] ليس: كيف تقولون. ولا: كيف تتصورون أو تفكرون!

الإخاء والمساواة

إن كل دروس الحج إنما هي دروس عملية، ونأخذ بعض هذه الدروس من حيث التربية العملية، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في حجة الوداع: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) فهذه مقالة تتجلى فيها العملية لتحقق هذه المقالة، بينما غيرها من أقوال الناس أو الدول تبقى نظريات حالمة، أو خيالاً وأمنيات لا يصل إليها الواقع، ونحن اليوم في هذا العصر وفي هذا الزمن وفي ظل النظام الدولي الجديد يقولون: المساواة ونبذ العنصرية. ثم تجد أن التطبيق العملي على عكس ذلك في كثير من الصور والأوضاع والوقائع، لكن في الحج تجد فيه درس المساواة ونبذ العنصرية متجدد بصورة عملية، فإذا الأسود إلى جوار الأبيض، وإذا الضعيف إلى جوار الغني، وإذا صاحب النسب إلى جوار من ليس له شرف في نسب، صورة عميلة متجسدة توقن من خلالها الأمة أن المساواة حتم لازم بإذن الله سبحانه وتعالى.

فأي نظام يدعي المساواة يستطيع أن يأتي بعشر معشار ذلك المشهد العظيم الذي يتم في الحج وتتجسد فيه المساواة بصورة عملية لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم، ولا بين غني وفقير، ولا بين عالم وجاهل؟! بل الكل في ميزان الشرع وفي ميزان الإسلام سواء، لا يتفاضلون إلا بتقواهم لله عز وجل.

وحدة الأمة المسلمة ومظاهرها

حينما يأتي الأمر من الله سبحانه وتعالى للأمة المسلمة أن تكون أمة واحدة فإن هذا الدرس يبقى نظرياً، وتأتي شعيرة وفريضة الحج وتجسد هذا الأمر تجسيداً عملياً، فإذا الأمة في تلك المشاعر وفي تلك المواقف وفي تلك الأعمال وحدة كاملة، وهذه الوحدة حديثة في صورتها العملية في الحج؛ لأنها تدل على ما ينبغي أن تبنى عليها الوحدة، ليست وحدة حكومات ولا وحدة قرارات، وإنما تبدأ من أغوار النفوس وأعماق القلوب، فإذا بالقلوب في مشاعرها واحدة، وأمنية النفس وطلب الإنسان في تلك الأماكن والمناسك كله طلب واحد ومشاعر واحدة.

بل إنهم في شعارهم ولباسهم على حال واحد، ثم الهتاف والقول: (لبيك -اللهم- لبيك) هتاف واحد، ثم هم في العمل والمسير على عمل ومسير واحد من منسك إلى منسك، ثم هم -أيضاً- في الانتهاء والإفضاء والخروج من هذه الفريضة على خروج وإفضاء واحد، ليدل على أن مسألة الوحدة ليست قضية شكلية، بل هي قضية كلية ينبغي أن تشمل كل العوامل التي في المسلم الواحد، بدءاً من مشاعره ومن تصوراته ومن شعاراته ومن مظهره ومن أعماله، بحيث تصاغ صيغة واحدة.

ولذلك الوحدة التي طال الحديث عنها وتشدق بها كثيرون من أهل القومية أو من أهل البعث أو غيرهم كلها نكصت على رءوسهم؛ لأنها لم تكن على أسس الإسلام أصلاً، ولم تكن حتى على أسس مرضية في المنهج من حيث الأصل، بل كانت على مصالح، بينما ما أراده الله عز وجل أن يتجسد في الحج حتى يكون أمراً ظاهراً على الأمة بمجموعها في دولها وفي علمائها وفي حكامها على الوحدة العملية تراه حقيقة، فإن وحدة الشعوب ووحدة المسلمين في فريضة الحج كأنها تلغي كل سبب من أسباب الفرقة، وتلغي الحدود وتلغي شروط الجنسيات وتلغي -أيضاً- الطبقيات، تلغي كل ما خالف فيه المسلمون أمر الله سبحانه وتعالى، وتعطي المسألة قابلية للتطبيق خلافاً لمن يستبعد هذا ويقول: لا يمكن أن تجتمع الأمة أو أن تكون أمة واحدة.

كف الأذى

من الدروس العملية في التربية الإيمانية للحج أن يكون الإنسان المسلم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: ينبغي للمسلم أن لا يصدر عنه إلا الخير في الحج، فيأمن أذاه وشره ليس المسلم فحسب وليس الإنسان فحسب، بل الشجر والصيد، ولذلك من محظورات الإحرام الصيد، وفي منطقة الحرم لا يقطع الشجر ولا ينفر الصيد فيها، كل هذا يهذب الإنسان المسلم بصورة عملية، لينزع النفسية العدوانية الإجرامية، فلا تبقى عنده هذه الروح إلا فيما هو انتصار لحرمات الله سبحانه وتعالى وغضبه على أعداء الله عز وجل.

ولذلك فدعاوى السلام ودعاوى الإنسانية ودعاوى مقاومة الإرهاب التي تقال اليوم كلها دعاوى في غالب الأحيان يعكس الواقع ضدها، لكن الإسلام الذي يتهم اليوم أربابه وأصحابه بالإرهاب هو الذي يربي أتباعه على المسالمة وعلى كف الأذى تربية عملية متكاملة.

القدرة والاستعداد على التغيير

إن القدرة والاستعداد على التغيير هي أن يغير الإنسان السوء إلى الحسن، والمعصية إلى الطاعة، فكثيراً ما يجد الإنسان أنه يدور في حلقة مفرغة، يسمع العبرة والتذكرة ويتأثر بها ثم لا يُغَيِّر أو يُغَيَّر ثم يرجع، فتأتي فريضة الحج وإذا بها دورة عملية فيها من أولها إلى آخرها استجابة موفقة لله عز وجل وبعد تام وتوق دقيق لكل معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل، فإذا بها ترفع في الإنسان المسلم فعالية وقدرة التغيير نحو الأصلح، والله عز وجل قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] .

إذاً في الحج تتغير النفوس والقلوب تغيراً جذرياً، هذا إذا أديت العبادة على وجهها المطلوب ووفق حكمتها ومشروعيتها التي أرادها الله سبحانه وتعالى، فإنك تجد هذه القدرة ترتبط بهذه المعاني، فالمسلم في الحج يحظر عليه أن يقص شعره، وأن يقلم ظفره، أو أن يقطع شجرة، بهذه الأوامر يتعود على أن لا يقطع حرمة المسلم، وهو في الحج لا يستعمل الطيب بعد إحرامه ولا يمسه، والطيب في الأصل حلال، فبهذا يتعود على الاستجابة لأمر الله بحيث لا يمس شيئاً مما حرمه الله عز وجل، فلا يمس مالاً حراماً ولا يمس امرأة حراماً، ولا يمس أي أمر فيه حرمة وكراهة في شرع الله سبحانه وتعالى.

ثم إنك -أيها المسلم- تخلع المخيط لتخلع زينة الدنيا وتتحلى بلباس التقوى، ولذلك ينبغي أن تتعود على أن تنخلع من كل معصية ومن كل أمر تتحلى وتتزين به، إلا أن يكون ذلك كما قال الله سبحانه تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

وكذلك يستجيب الإنسان المسلم لأمر الله سبحانه وتعالى حيث يرفع صوته بالتلبية ويعلنها: (لبيك -اللهم- لبيك) وما من عبادة إلا والنية فيها مضمرة، إلا الحج فإنه يصرح ويقول: لبيك -اللهم- حجاً. أو: لبيك -اللهم- عمرة. لأن هذه الفريضة مقصود فيها إعلان الاستجابة والتعود عليها، ولذلك حينما ترمي الجمار فإنك تعلن العداء للشيطان والمناوأة له، وتعلن همتك الإيمانية على قدرتك على تجاوز وسواسه وهمزه ونفثه لتطيع الله سبحانه وتعالى وتدحر الشيطان وما يضلك به أو يوسوس به إليك.

والدروس في ذلك كثيرة، لكنها في الحج تتجسد في صورة تربوية عملية وهذا من الأمور المهمة.

إن كل دروس الحج إنما هي دروس عملية، ونأخذ بعض هذه الدروس من حيث التربية العملية، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال في حجة الوداع: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) فهذه مقالة تتجلى فيها العملية لتحقق هذه المقالة، بينما غيرها من أقوال الناس أو الدول تبقى نظريات حالمة، أو خيالاً وأمنيات لا يصل إليها الواقع، ونحن اليوم في هذا العصر وفي هذا الزمن وفي ظل النظام الدولي الجديد يقولون: المساواة ونبذ العنصرية. ثم تجد أن التطبيق العملي على عكس ذلك في كثير من الصور والأوضاع والوقائع، لكن في الحج تجد فيه درس المساواة ونبذ العنصرية متجدد بصورة عملية، فإذا الأسود إلى جوار الأبيض، وإذا الضعيف إلى جوار الغني، وإذا صاحب النسب إلى جوار من ليس له شرف في نسب، صورة عميلة متجسدة توقن من خلالها الأمة أن المساواة حتم لازم بإذن الله سبحانه وتعالى.

فأي نظام يدعي المساواة يستطيع أن يأتي بعشر معشار ذلك المشهد العظيم الذي يتم في الحج وتتجسد فيه المساواة بصورة عملية لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم، ولا بين غني وفقير، ولا بين عالم وجاهل؟! بل الكل في ميزان الشرع وفي ميزان الإسلام سواء، لا يتفاضلون إلا بتقواهم لله عز وجل.

حينما يأتي الأمر من الله سبحانه وتعالى للأمة المسلمة أن تكون أمة واحدة فإن هذا الدرس يبقى نظرياً، وتأتي شعيرة وفريضة الحج وتجسد هذا الأمر تجسيداً عملياً، فإذا الأمة في تلك المشاعر وفي تلك المواقف وفي تلك الأعمال وحدة كاملة، وهذه الوحدة حديثة في صورتها العملية في الحج؛ لأنها تدل على ما ينبغي أن تبنى عليها الوحدة، ليست وحدة حكومات ولا وحدة قرارات، وإنما تبدأ من أغوار النفوس وأعماق القلوب، فإذا بالقلوب في مشاعرها واحدة، وأمنية النفس وطلب الإنسان في تلك الأماكن والمناسك كله طلب واحد ومشاعر واحدة.

بل إنهم في شعارهم ولباسهم على حال واحد، ثم الهتاف والقول: (لبيك -اللهم- لبيك) هتاف واحد، ثم هم في العمل والمسير على عمل ومسير واحد من منسك إلى منسك، ثم هم -أيضاً- في الانتهاء والإفضاء والخروج من هذه الفريضة على خروج وإفضاء واحد، ليدل على أن مسألة الوحدة ليست قضية شكلية، بل هي قضية كلية ينبغي أن تشمل كل العوامل التي في المسلم الواحد، بدءاً من مشاعره ومن تصوراته ومن شعاراته ومن مظهره ومن أعماله، بحيث تصاغ صيغة واحدة.

ولذلك الوحدة التي طال الحديث عنها وتشدق بها كثيرون من أهل القومية أو من أهل البعث أو غيرهم كلها نكصت على رءوسهم؛ لأنها لم تكن على أسس الإسلام أصلاً، ولم تكن حتى على أسس مرضية في المنهج من حيث الأصل، بل كانت على مصالح، بينما ما أراده الله عز وجل أن يتجسد في الحج حتى يكون أمراً ظاهراً على الأمة بمجموعها في دولها وفي علمائها وفي حكامها على الوحدة العملية تراه حقيقة، فإن وحدة الشعوب ووحدة المسلمين في فريضة الحج كأنها تلغي كل سبب من أسباب الفرقة، وتلغي الحدود وتلغي شروط الجنسيات وتلغي -أيضاً- الطبقيات، تلغي كل ما خالف فيه المسلمون أمر الله سبحانه وتعالى، وتعطي المسألة قابلية للتطبيق خلافاً لمن يستبعد هذا ويقول: لا يمكن أن تجتمع الأمة أو أن تكون أمة واحدة.

من الدروس العملية في التربية الإيمانية للحج أن يكون الإنسان المسلم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي: ينبغي للمسلم أن لا يصدر عنه إلا الخير في الحج، فيأمن أذاه وشره ليس المسلم فحسب وليس الإنسان فحسب، بل الشجر والصيد، ولذلك من محظورات الإحرام الصيد، وفي منطقة الحرم لا يقطع الشجر ولا ينفر الصيد فيها، كل هذا يهذب الإنسان المسلم بصورة عملية، لينزع النفسية العدوانية الإجرامية، فلا تبقى عنده هذه الروح إلا فيما هو انتصار لحرمات الله سبحانه وتعالى وغضبه على أعداء الله عز وجل.

ولذلك فدعاوى السلام ودعاوى الإنسانية ودعاوى مقاومة الإرهاب التي تقال اليوم كلها دعاوى في غالب الأحيان يعكس الواقع ضدها، لكن الإسلام الذي يتهم اليوم أربابه وأصحابه بالإرهاب هو الذي يربي أتباعه على المسالمة وعلى كف الأذى تربية عملية متكاملة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2535 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع