خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/239"> الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/239?sub=62913"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
غداً الاختبارات
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
أيها الأحبة! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، هذا موعدنا مع الدرس الثامن والعشرين، وهو بعنوان: غداً الاختبارات، وقد جاء توقيت الدرس مناسباً؛ لأنه بالفعل غداً تبدأ الاختبارات، وسيكون الموضوع منقسماً إلى مقدمة، ثم إلى فقرات ثلاث:
أولها: ما يتعلق بالطالب، وفيه أيضاً موضوعات: سمات الطالب المسلم، وطريقة المذاكرة ومشكلاتها، والاختبارات، والإجابة على الأسئلة.
ثانيها: المدرس ودوره في العملية التعليمية، ووضعه للأسئلة، وتصحيحه لها.
ثالثها: ما يتعلق بقضايا متفرقة حول التعليم.
ونبدأ بالمقدمة، وأردت من خلالها النظر إلى أهمية قضية التعليم من وجوه متعددة.
أولاً: نشرت صحف الأمس أن نحواً من مليونين وأربعمائة ألف طالب وطالبة سيتقدمون لإجراء الاختبارات في يوم غد -بإذن الله سبحانه وتعالى-، وإذا حسبت وتصورت هذا العدد، وعرفت أن وراءهم أسراً تنفق عليهم، وإدارات للتعليم تعد المناهج، ومدرسون يدرسون، وسياسة تعليمية، ومتابعة تقويمية؛ لعرفت أن قضية الاختبارات ليست سؤالاً وجواباً، بل هي جزء من قضية كبرى في حياة المجتمع والأمة.
ثانياً: العلم ركيزة أساسية في بناء الحياة، وما زال تأثيره ودوره يتضاعف كلما تقدمت البشرية في أسباب الحياة المدنية، وكلما ارتادت آفاقاً جديدة من آفاق الاكتشاف والتصنيع والاستنباط والاجتهاد في حلول مشكلات هذه الحياة، وبالتالي فإنه في ظل هذا السباق نحو تحصيل أسباب الحياة المادية بالسبل والطرق العلمية ليس هناك مكان لأمة متكاسلة لا تدفع أبناءها إلى تحصيل العلم، ولا تحفزهم لنيل قصب السبق فيه، وتجاوز المراحل المعتادة إلى المراحل المتقدمة، ومن هنا تظهر أهمية العملية التعليمية من كل جوانبها، وبجانبها المدني للأمة المسلمة التي تعاني تخلفاً وتأخراً كبيراً في هذا الميدان.
ثالثاً: ينبغي أن نعلم أن الارتقاء بالعملية التعليمية ليس أمراً مستقلاً بذاته، بل هو جزء من الارتقاء في جوانب الحياة كلها، فإنه لا يمكن أن ترتقي الأمة في مستواها التعليمي وهي متخلفة أخلاقياً، وهي متأخرة إدارياً، وهي تعاني من فساد أنظمة الحكم، أو تعاني من شظف العيش، فإن جميع جوانب الحياة تتكامل وتتناسق لتؤدي بعد ذلك إلى صورة متقابلة متوازية من الارتقاء والتكامل؛ ولذلك يجب أن نعلم أنه لا ارتقاء في المستوى التعليمي ولا للعملية التعليمية إلا في ظل إصلاح شامل، وتكامل يستوعب جميع الجوانب، ولعل أولها وأبرزها وأهمها: الارتقاء الإيماني الذي يقوم سائر جوانب الارتقاء، ويربطها بالطهر والنقاء، وينظمها في سلك البذل والعطاء، ويعصمها من البغي والاعتداء، فإن العلم المجرد من ضوابط الإيمان وأخلاقياته كثيراً ما يقع به فساد في الأرض، وضرر على الإنسان؛ لأن العلم ما لم يضبط بإيمان وأدب وخلق فإن مضرته كثيراً ما تكون أكثر من منفعته.
رابعاً: أن كل هذا العمل -أي: الارتقاء في الجانب التعليمي على وجه الخصوص والجوانب الأخرى كلها- يحتاج إلى إيجاد الفرد الذي هو المقصود الأول والهدف الأعظم في هذا الارتقاء، فنحن حينما نقول: مناهج تربوية .. دراسات شرعية .. دراسات علمية .. جوانب أخلاقية.. نريد أن يتشكل في هذا الفرد، ولا تتم العملية إلا من خلال هذا الفرد، ولذلك لابد من إيجاد الفرد الذي يتحلى بقابليته للتلقي، واستعداده للتفاعل، وأهليته لتجاوز مرحلة الاجترار إلى مرحلة الابتكار، تكفينا الدهور والسنوات الطويلة المتعاقبة التي ظللنا نجتر فيها أقوالاً قديمة، وعلوماً تأتينا من الشرق والغرب ليس لنا فيها إلا أن نحفظها وأن نكررها ونمارسها بالقدر الذي يسمح لنا به، ويفرض علينا في كثير من الأحيان.
خامساً: أهمية التعليم خطيرة جداً، وعظيمة جداً؛ لأن مناهج التعليم هي التي تصوغ الأفكار، وتشكل جيل المستقبل؛ فإنك تجد أن أية دولة وأية فكرة وأي مبدأ أول اهتماماته عندما تفضي إليه الأمور وتصبح مقاليدها بيده؛ هو مناهج التعليم، فإذا جاءت دولة شيوعية فأول قضية تفرغ لها جهدها أن تؤلف وتنشأ مناهج جديدة تخدم الفكرة وتؤصلها وتعرقها وتعمقها في قلوب الناس، وهكذا..
فلذلك ليست قضية التعليم هي الاختبار أو السؤال، وإنما هي وحدة متكاملة من أساسياتها: السياسة التعليمية، والإدارة التعليمية، والمناهج التعليمية. وكل هذا لا يكفي، بل ينبغي أن يوجد المدرس الذي ينفذ هذه السياسات ويحقق أغراض وأهداف هذه المناهج، ولابد من وجود الطالب الذي يتقبل ذلك ويتفاعل معه، ولذلك فإن عملية التعليم تعد أولى أولويات المجتمع والدولة في أية بقعة من بقاع الأرض، وهي كذلك سبب من أسباب درأ كثير من وجوه القصور والنقص؛ لأن التعليم والعلم مفتاح لكثير من الأبواب، سواءً في أبواب العمل، أو الصناعة، أو التجارة، أو درأ التخلف في صور اجتماعية وعادات وتقاليد وغير ذلك، وكثيراً ما يكون التعليم هو الباب الذي تفتح به هذه المغاليق، وتحل به هذه المشكلات.
نشرع في ذكر النقاط المتعلقة بالطلاب، والحقيقة أن مسألة التعليم لابد أن يكون هناك موضوع خاص يتحدث حولها، وبحكم التركيز على جانب الاختبارات سنمر على بعض هذه القضايا المهمة، لكنها قطعاً لن تكون شاملة للمقصود في العلاج، والتركيز اللازم للفت النظر إلى كثير من القضايا حول التعليم.
سمات الطالب المسلم
أولها: تحديد الهدف والغاية: فليس المسلم هو الذي يخبط خبط عشواء، ويدرس ولا يدري لماذا يدرس؟ ويتخصص في مجال ولا يدري لماذا يتخصص؟ وليس له في ذلك قصد ولا غاية ولا نية ولا توجه، فإن هذا عبث ينـزه عنه الإسلام المسلم، ويلفت نظره قول الشاعر:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
والتعليم يعتبر جزءاً من حياة الطالب المسلم، ويدخل ضمن عموميات المفهومات المستقرة لدى الطالب في قوله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقوله جل وعلا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهدفه إرضاء الله سبحانه وتعالى، وتحصيل ما يستعين به على طاعة الله، وخدمة أمة الإسلام، ودفع أسباب الضعف والخور عنها، متمثلة في شخصه، وفيمن حوله، ليس عنده تحديد للغاية فقط، بل إن غايته تشمل مصلحة أوسع من دائرة الأنانية الذاتية، فليست نظرته قاصرة في الحصول على الشهادة، أو التفوق لذات التفوق، بل إنه يكرس ذلك كله إلى أهداف سامية، وغايات تشمل جميع الأمة في مصالحها وشئونها المتعددة، وهذا أول أمر من سمات الطالب المسلم.
ثانيها: الجد والإتقان: الجد طريق المجد، والإتقان طريق رضى الرحمن، ليس هناك وقت للخور ولا للتكاسل في حياة المسلم، والطالب أيضاً في هذا المضمار ليس عنده أية كلمات في قاموس حياته التعليمية تقبل الكسل أو الخور أو الرسوب أو الضعف أو نحو ذلك، بل كله جد يستشعر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ينبغي أن يتأمل الطالب أنه مفرغ للدراسة، ومهنته المكتوبة في هويته: طالب، وينفق عليه لأجل ذلك، وتبنى له المدارس لأجل ذلك، ويحضر له المدرسون، وتتوافر كل هذه الإمكانات والجهود والطاقات والعقول والسياسات والإدارات لأجل أن يكون هو المستثمر والمستفيد حتى ينعكس ذلك عليه وعلى المجتمع من بعد ذلك، فكيف يخلف الظن في كل هذه الأمور؟!
لو كان هذا في الأحوال المعتادة مقبولاً أو العتب فيه خفيفاً أو يسيراً لكنه في ظل أوضاع تأخر الأمة وتخلفها اليوم لا يمكن أن يكون مستساغاً ولا مقبولاً بأية صورة من الصور، فإن الإنسان إذا كان في سباق وعلم أن المتسابقين قد سبقوه في المسير بساعات عدة وهو يريد أن يلحق بهم -لا نقول: يريد أن يسبقهم- فلن يبذل جهده المعتاد أو الطاقة المعتادة المتوقعة، بل المتوقع أن يبذل الضعف، وأن يضاعف الجهد ليستدرك هذا الخلل وذلك الفارق الكبير.
ولاشك أن تخلف وتأخر الأمة في جوانب كثيرة يبعث الأسى والألم، ويثير الحزن، ويكثر الحديث عنه في خطب الخطباء، ووعظ الوعاظ، ولكن أكبر قوة وأقوى صورة لتغيير هذا الضعف واللحاق بالركب السائر هي صورة العمل والجد والإتقان، ولذلك حينما نسمع هذه الاستغاثات أو عدم الرضا عن هذا التخلف نسمعه كلاماً كأنه يدور في حلقة مفرغة، والإجابات العملية هي التي ينتظرها الناس، ويؤمل فيها التغيير، وإلا فإننا نستطيع أن نردد مع القائل كثيراً من أسباب التندم والتحسر، ولكن يحتاج الأمر في آخره إلى العمل.
ملكنا هذه الدنيا القرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضيـاء فما نسي الزمان ولا نسينا
وكنا حين يأخذنا عدو بطغيان ندوس له الجبينا
تفيض قلوبنا بالهدي بأساً فما نغضي عن الظلم الجفونا
وما فتأ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد كانوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا
ترى هل يرجع الماضي فإني أذوب لذلك الماضي حنينا
ولن يرجع إلا بالجد والإتقان.
ثالثها: الصبر والاستمرار: فإن التعليم وقضيته ليست ثورة عابرة، وليست طفرة حماس عابر، ولا زمن قصير سائر، بل هي صراع حضاري، وبناء أممي، جهاد طويل المسار، متعدد المسالك، تحتاج الأمة فيه من أفرادها وأبنائها إلى دأب واستمرار، فليس المسلم هو الذي يقنع بالدون، بل همته لا ترضى إلا بأعلى المعالي، ولذلك ما يزال كلما اقتبس علماً ووصل مرتبة سعى إلى غيرها، وكان بهذا السعي والتقدم عاملاً من عوامل التغيير المنشود.
رابعها: الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، وهذه مزية الطالب المسلم؛ أنه يشعر دائماً بالفقر والعجز والحاجة لله سبحانه وتعالى، ولذا يندفع نحو الاستعانة بالله جل وعلا.
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده
ويستشعر قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ولذلك تجد الطالب المسلم يستمد من الله عز وجل دوام الاستعانة به، والحرص على الاستقامة، ولذلك تجد في هذه الأيام بعض الطلاب يحرصون على الاستقامة، ويقبلون على المساجد، ويحرصون على الطاعات؛ لماذا؟ لأن في نفوسهم شعوراً بأن هذا يؤدي إلى التوفيق، ويقول الطالب في نفسه: إن أنا أطعت الله عز وجل يسر لي الأمر، وسهل لي العسير، ونحو ذلك، وهذا الشعور في حد ذاته محمود، لكن السمة للطالب المسلم الحق هي: دوام الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، فلا يفتر، ويعلم قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، فإذا كان هذا هو الجزاء في الآخرة فهو كذلك في الدنيا عظيم، بدوام التوفيق والتيسير والتسهيل.
طريقة المذاكرة
أولاً: التهيئة للمذاكرة، وتشمل: الاستعداد النفسي بإزاحة المشكلات التي تشوش الفكر، وتزيد الهم، ويحصل بها الاضطراب، وهناك كثير من المشكلات تعترض أحياناً مسيرة الطالب سواءً كانت مشكلات عامة في أسرته، أو مجتمعه، أو مشكلات خاصة، مثل: شعوره بالضعف والقصور، وعدم القدرة على التحصيل الجيد، أو تخوفه من عدم النجاح، أو تذكره لرسوب سابق ونحو ذلك، فلابد أن يهيئ نفسه لتكون مستعدة للتفاعل مع هذه المذاكرة.
ثانياً: الاستعداد الجسمي: فلابد من ترك السهر، والبعد عن الإرهاق، وتجنب ترك الطعام، والإقلال منه بشكل خاص في مثل أيام الاختبارات، وسيأتي أيضاً مزيد إيضاح لهذا.
ثالثاً: الاستعداد الفكري: بأن يعرف أهمية الاختبارات، وضرورة التفوق والنجاح، وأثر ذلك على أسرته ومن حوله، فهذا أيضاً يجعله متحفزاً للمذاكرة بالشكل الجيد.
رابعاً: توزيع الدراسة والمذاكرة وتقسيمها، بمعنى: إذا كان قبل الاختبارات فيوزع المواد على أيام حتى لا يجمع ويخلط في وقت واحد، أو يوزع المادة الواحدة في يوم الاختبار إلى أقسام، وهي مقسمة في الأصل إلى فصول وأبواب، لكنه يقسمها بحسب ما يحتاج إليه ويراه، ولماذا هذا التقسيم؟
الأمر الأول: لأنه يساعد على التفاعل والقبول النفسي: عندما ترى الكتاب ذا الصفحات المتعددة، ويهولك منظره؛ يكون هناك نوع من الهيبة، لكن إن قسمته وقلت: هذا القسم في الصباح، وهذا القسم بعد الظهر، وهذا القسم بعد العصر، تشعر بأن هذه الأقسام فيها نوع من التخفيف، وتهيئة النفس للتفاعل.
الأمر الثاني: أنه يساعد على استثمار الوقت، وحسن تنظيمه، فبعض الطلاب يبدأ يذاكر في فصل واحد، وبدون تقسيم للوقت ولا توزيعه، وإذا به أمضى سائر اليوم في ربع المنهج، وبقي له سويعات يريد أن يختم فيها ثلاثة أرباع المنهج!
الأمر الثالث: أنه يساعد على معرفة التقدم والتأخر: أي أن هذا التقسيم إذا استخدمه، وجعل الوقت مناسباً للحصة، فقال: هذا الفصل من الساعة الثامنة إلى العاشرة فإنه سيدرك هل أنجزه في هذا الوقت؟
إذاً: السير متحتم، ويعرف إذا تأخر عنه، أما إذا كانت الكمية كلها لم تنجز فإنه قد يفطن إلى التقدم والتأخر لكن في الوقت الضائع كما يقولون.
الأمر الرابع: أن هذا يساعد على الحفظ والاستيعاب: فالله عز وجل قد قال: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، نزل القرآن منجماً، ومن فوائد تنجيمه: سهولة حفظه واستيعابه شيئاً فشيئاً، والشيء إذا كان متكاثراً يصعب على الإنسان تحصيله.
خامساً: البداية بالصعب أو بالسهل: هناك مذهبان في هذه المسألة، ولكل منهما مزايا:
إما أن يبدأ بالصعب، لماذا؟
أولاً: لأنه في البداية يكون عنده قوة وتفتح ذهن وعزيمة وهمة، فلا يصعب عليه الصعب.
ثانياً: لأنه إذا نجح في معالجة الصعب وحفظه واستيعابه سهل الباقي، مثلما قيل لـعنترة: كيف اكتسبت هذه الشجاعة؟ قال: كنت أعمد إلى الرجل الجبان الرعديد فأضربه ضربة ينخلع لها قلب الشجاع. فإذا جاء الطالب إلى الفصل الصعب واستطاع أن يتجاوزه فسيكون ما بعده بلاشك أيسر وأسهل، ونفسه وقدرته على تجاوز المصاعب الأخرى أكبر.
ثالثاً: هذا في نفس الوقت أيضاً يساعده على استثمار الوقت من جهة أنه إذا قضى وقتاً طويلاً في الصعب فإن الوقت اليسير الباقي سيكفي لتغطية الجوانب السهلة واليسيرة.
وغالباً في مسائل الفقه المقارن إذا جاءوا بمذهب الشافعي مثلاً بالأدلة، تقول: ليس هناك قول أرجح من هذا القول، فإذا جاء المذهب الآخر بأدلته جعلك تتردد في أيهما أرجح. المذهب الثاني يقول: يبدأ بالأسهل، لماذا؟
أولاً: إن من فوائد هذه البدايات أنها تشجع الإنسان على الاستمرار، فإذا مضى في الأسهل، وأنهى فصلاً وفصلين وثلاثة، فسينهي ما وراء ذلك.
ثانياً: أنه ينشط الذهن، فإن الإنسان إذا بدأ بالصعب واستغلق ذهنه جاء إلى السهل ولم يعد يفهمه، فإذا جاء إلى مسائل معقدة جاء إلى المسائل السهلة بنفسية معقدة فعقدها فلم يعد يفهمها.
ثالثاً: الشعور بالتفرغ للأمر الصعب، ودائماً الإنسان إذا كان عنده قضايا يزيح الأسهل الأسهل حتى يفرغ وقته وجهده وطاقته في آخر الأمر للقضية الكبرى، فيكون أيضاً هناك اندفاع نحوها.
والمسألة راجعة إلى نفسية الطالب، وإلى ما يراه أنسب وأوفق لطبيعته، ولكن ليس بالضرورة دائماً أن تأخذ المنهج كله، لك أن تبدأ بالأسهل أو الأصعب متفرقاً إذا كانت المادة تحتمل مثل هذا التفريق، أما إذا كانت مترابطة فلابد من مثل هذا الترابط.
سادساً: الحرص على الفهم والاستيعاب، وليس على التجاوز والحفظ المجرد، فبعض الطلاب يريد أن ينتهي وكأنه يغرر بنفسه، فلو كان هناك شيء صعب أو مسألة لم يفهمها يتجاوزها، والمهم أن ينتهي، حتى إذا جاء إلى آخر الكتاب قال: انتهيت، والآن أعود إلى ما لم أفهمه لأركز عليه، ويعود ولم يحصل في المرة الأولى شيئاً، وفي المرة الثانية كذلك، مثل الذي ينفخ في القربة المخروقة؛ لأن هذا التجاوز والسرعة لا تساعده على الاستيعاب، ولذلك لابد من الفهم؛ لأن الفهم هو أساس للحفظ والاستيعاب.
سابعاً -وهي من النقاط المهمة-: التركيز على النقاط: كثير من الطلاب خاصة في مراحل الدراسة دون الجامعية في مواد التاريخ والحديث والجغرافيا وغير ذلك، الطلاب يقولون: معظم ما في هذا الفصل حشو، وكثير منه يمكن أن يستغنى عنه، وهذا في حقيقة الأمر ليس صحيحاً، وفي نفس الوقت ليس خطأً، كيف؟!
نقول: إن كل موضوع يتركز في نقاط، وكل نقطة يحب المؤلف أو الكاتب أن يشرحها، ويزيد فيها، ويستخدم المترادفات، ويطيل النفس في التعبير والتأكيد على المعنى، لكن في آخر الأمر النقطة هي واحدة، فليس كل الكلام حشواً، لكن أيضاً ليست هذه الإضافات حشواً، لكنك أنت يمكن أن تستغني عنها، كيف؟ ما هو المقصود بهذا الاستغناء؟ إذا حدد النقاط عرف أن هذا مثلاً حديث شرحه يتركز في كذا وكذا وكذا، أو أن هذا الحدث التاريخي مثل المعركة تتركز في أنها وقعت بين المسلمين والكافرين في بلاد العراق، وكان عدد المسلمين كذا وعدد هؤلاء كذا، وبهذا تتلخص الحقائق، وبعد ذلك لك أن تقرأ في الكتاب: فكروا عليهم كرة شرسة، أو بعد فترة طويلة، أو بعد حصار، هذا مما تستطيع أن تعبر عنه كما شئت، فلا ترهق عقلك بحفظه، ولا بالتركيز عليه، وتفوتك النقاط، فإذا جئت في الإجابة ذكرت الكر والفر والعناء والبلاء وضاعت النقاط التي عليها الدرجات، وهذا كثيراً ما يقع من الطلبة، فيخرج ويقول: أجبت إجابة وملأت الصفحات، ولكنه ما ذكر نقاط الدرجات، فإذا جاءت الدرجة قليلة أو ضعيفة تذمر وشكى، واعتبر أن هناك من يترصده، ومن يتربص به الدوائر ونحو ذلك.
بالنسبة لهذا التركيز يمكن أن يعين عليه بعض الأمور:
الأول: لابد عند قراءتك أن تكون ممسكاً بقلمك، وليكن قلم رصاص حتى لا تشوه الكتاب، ثم ضع خطوطاً تحت النقاط المهمة أو الرئيسية كما يعبر عنها.
الثاني: ضع عناوين جانبية: بعض الكتب -لا سيما في المرحلة الجامعية أكثر منها في المدرسية- تفتقر إلى العناوين الجانبية، فتجد عنواناً ثم أربع خمس صفحات متتابعات، ويريد الإنسان أن يربط بينها، فكيف يجمعها؟ يضع هو بنفسه عناوين جانبية: أهمية كذا وكذا، فوائد كذا وكذا، العوائق كذا وكذا، حتى يستطيع أن ينظم ويركز هذه القضية.
الثالث: الاستعانة بالأرقام: أحياناً لا يكون في الكتاب ترقيم، وأضرب لذلك مثلاً: تجد بعض الكتب الموسوعية لا تهتم بمثل هذه القضايا، فيسرد لك مثلاً ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري فوائد الحديث منتثرة، فضع تحت كل منها خطاً ورقمها؛ لأنك بالترقيم تستطيع أن تعرف هل استكملت الإجابة أم لا؟ فإذا رقمت فوائد هذا الحديث عرفت أنها عشرة، فإذا كتبت حال الإجابة ثمان فوائد علمت أنه بقي اثنتان، أما من غير الترقيم والتركيز فستكتب بعضها وتقول: أجبت على السؤال كاملاً، وأنت ما زلت مقصراً فيه، فهذا التركيز ينبغي أن يخلص الموضوعات إلى نقاط وعناوين وأرقام حتى تستطيع التركيز والاستيعاب، وإن شئت لك أن تكتب هذا في وريقات بحيث إنك في آخر الأمر تستغني عن الكتاب فلا تحتاج أن تحمله مع ثقله، أو مع كثرة هذه الكتب، وتأخذ هذه الوريقات وفيها النقاط، والحواشي والإضافات والتعبيرات لك أن تبدع فيها وتجتهد؛ إذ ليس فيها خطورة.
ثامناً: الحفظ: مهما اعتمدت على الفهم والتركيز فإنك تحتاج إلى الحفظ، لابد من الحفظ في بعض الأمور، وحتى بهذا التركيز لن تستطيع استذكار الأرقام إلا إذا حفظت مضموناتها، وما هي بعض الوسائل المعينة لهذا الحفظ؟
الأمر الأول: تعديد الوسائل: لا تعتمد على وسيلة واحدة؛ لأنه إذا زادت الحواس المحصلة للمعلومة كان الذهن أقدر على حفظها وضبطها؛ فأنت يمكن أن تقرأ وتكتب بعض ما تقرأ؛ فتكون الكتابة -وهي حاسة اليد- أقدر وأقوى في ضبط الحفظ مع القراءة، ولك أيضاً أن تسمع؛ فتسمع سواءً عندما تقرأ بصوت عال، أو عندما يقرأ زميل لك، أو عندما تسمع هذا الدرس في شريط، وسأذكر بعض التجارب حتى في مثل هذه القضايا والوسائل التي تعين على مثل هذا: معروف أن الإنسان إذا سمع خبر يكون تركيزه وحفظه له أقل مما لو سمعه ورآه وقرأه، فإن هذه تكون أكثر، فكلما رأى الإنسان أنه لم يحفظ شيئاً فليستعن مع القراءة بالكتابة، وإذا قرأ وكتب فليستعن أيضاً بالسماع.
الأمر الثاني: التكرار: والتكرار -كما يقولون- يعلم الشطار، هذا التكرار هو الذي يستطيع الإنسان به أن يثبت المعلومة.
الأمر الثالث: التسميع: لا تعتمد أنك إذا حفظت فقد حفظت، ولكن استرجع ذلك بالتسميع لنفسك أو لغيرك.
الأمر الرابع وهو مهم أيضاً: المذاكرة: والمقصود بالمذاكرة مع شخص آخر، تقول له: هذا الموضوع يتلخص في كذا وكذا وكذا، وقال فلان: كذا، والقانون الفلاني ينص على كذا، وقضية الحفظ فيها تفصيلات أخرى لا أظن أننا نحتاج إلى الاستطراد فيها.
هذه جملة من الأمور التي تتعلق بطريقة المذاكرة.
أول قضية بالنسبة للطالب أنبه عليها هي: سمات الطالب المسلم، ولن أسرد كثيراً من السمات، وإنما أجمع وأركز على أربعة منها:
أولها: تحديد الهدف والغاية: فليس المسلم هو الذي يخبط خبط عشواء، ويدرس ولا يدري لماذا يدرس؟ ويتخصص في مجال ولا يدري لماذا يتخصص؟ وليس له في ذلك قصد ولا غاية ولا نية ولا توجه، فإن هذا عبث ينـزه عنه الإسلام المسلم، ويلفت نظره قول الشاعر:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
والتعليم يعتبر جزءاً من حياة الطالب المسلم، ويدخل ضمن عموميات المفهومات المستقرة لدى الطالب في قوله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقوله جل وعلا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فهدفه إرضاء الله سبحانه وتعالى، وتحصيل ما يستعين به على طاعة الله، وخدمة أمة الإسلام، ودفع أسباب الضعف والخور عنها، متمثلة في شخصه، وفيمن حوله، ليس عنده تحديد للغاية فقط، بل إن غايته تشمل مصلحة أوسع من دائرة الأنانية الذاتية، فليست نظرته قاصرة في الحصول على الشهادة، أو التفوق لذات التفوق، بل إنه يكرس ذلك كله إلى أهداف سامية، وغايات تشمل جميع الأمة في مصالحها وشئونها المتعددة، وهذا أول أمر من سمات الطالب المسلم.
ثانيها: الجد والإتقان: الجد طريق المجد، والإتقان طريق رضى الرحمن، ليس هناك وقت للخور ولا للتكاسل في حياة المسلم، والطالب أيضاً في هذا المضمار ليس عنده أية كلمات في قاموس حياته التعليمية تقبل الكسل أو الخور أو الرسوب أو الضعف أو نحو ذلك، بل كله جد يستشعر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ينبغي أن يتأمل الطالب أنه مفرغ للدراسة، ومهنته المكتوبة في هويته: طالب، وينفق عليه لأجل ذلك، وتبنى له المدارس لأجل ذلك، ويحضر له المدرسون، وتتوافر كل هذه الإمكانات والجهود والطاقات والعقول والسياسات والإدارات لأجل أن يكون هو المستثمر والمستفيد حتى ينعكس ذلك عليه وعلى المجتمع من بعد ذلك، فكيف يخلف الظن في كل هذه الأمور؟!
لو كان هذا في الأحوال المعتادة مقبولاً أو العتب فيه خفيفاً أو يسيراً لكنه في ظل أوضاع تأخر الأمة وتخلفها اليوم لا يمكن أن يكون مستساغاً ولا مقبولاً بأية صورة من الصور، فإن الإنسان إذا كان في سباق وعلم أن المتسابقين قد سبقوه في المسير بساعات عدة وهو يريد أن يلحق بهم -لا نقول: يريد أن يسبقهم- فلن يبذل جهده المعتاد أو الطاقة المعتادة المتوقعة، بل المتوقع أن يبذل الضعف، وأن يضاعف الجهد ليستدرك هذا الخلل وذلك الفارق الكبير.
ولاشك أن تخلف وتأخر الأمة في جوانب كثيرة يبعث الأسى والألم، ويثير الحزن، ويكثر الحديث عنه في خطب الخطباء، ووعظ الوعاظ، ولكن أكبر قوة وأقوى صورة لتغيير هذا الضعف واللحاق بالركب السائر هي صورة العمل والجد والإتقان، ولذلك حينما نسمع هذه الاستغاثات أو عدم الرضا عن هذا التخلف نسمعه كلاماً كأنه يدور في حلقة مفرغة، والإجابات العملية هي التي ينتظرها الناس، ويؤمل فيها التغيير، وإلا فإننا نستطيع أن نردد مع القائل كثيراً من أسباب التندم والتحسر، ولكن يحتاج الأمر في آخره إلى العمل.
ملكنا هذه الدنيا القرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضيـاء فما نسي الزمان ولا نسينا
وكنا حين يأخذنا عدو بطغيان ندوس له الجبينا
تفيض قلوبنا بالهدي بأساً فما نغضي عن الظلم الجفونا
وما فتأ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد كانوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر سؤال الدهر أين المسلمونا
ترى هل يرجع الماضي فإني أذوب لذلك الماضي حنينا
ولن يرجع إلا بالجد والإتقان.
ثالثها: الصبر والاستمرار: فإن التعليم وقضيته ليست ثورة عابرة، وليست طفرة حماس عابر، ولا زمن قصير سائر، بل هي صراع حضاري، وبناء أممي، جهاد طويل المسار، متعدد المسالك، تحتاج الأمة فيه من أفرادها وأبنائها إلى دأب واستمرار، فليس المسلم هو الذي يقنع بالدون، بل همته لا ترضى إلا بأعلى المعالي، ولذلك ما يزال كلما اقتبس علماً ووصل مرتبة سعى إلى غيرها، وكان بهذا السعي والتقدم عاملاً من عوامل التغيير المنشود.
رابعها: الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، وهذه مزية الطالب المسلم؛ أنه يشعر دائماً بالفقر والعجز والحاجة لله سبحانه وتعالى، ولذا يندفع نحو الاستعانة بالله جل وعلا.
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده
ويستشعر قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، ولذلك تجد الطالب المسلم يستمد من الله عز وجل دوام الاستعانة به، والحرص على الاستقامة، ولذلك تجد في هذه الأيام بعض الطلاب يحرصون على الاستقامة، ويقبلون على المساجد، ويحرصون على الطاعات؛ لماذا؟ لأن في نفوسهم شعوراً بأن هذا يؤدي إلى التوفيق، ويقول الطالب في نفسه: إن أنا أطعت الله عز وجل يسر لي الأمر، وسهل لي العسير، ونحو ذلك، وهذا الشعور في حد ذاته محمود، لكن السمة للطالب المسلم الحق هي: دوام الاستمداد من الله سبحانه وتعالى، فلا يفتر، ويعلم قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، فإذا كان هذا هو الجزاء في الآخرة فهو كذلك في الدنيا عظيم، بدوام التوفيق والتيسير والتسهيل.
النقطة الثانية: فيما يتعلق بالمذاكرة للطلاب، والموضوع كله في نقاط محددة ومركزة؛ لأن الدراسة أصلاً تحتاج إلى مثل هذا التركيز.
أولاً: التهيئة للمذاكرة، وتشمل: الاستعداد النفسي بإزاحة المشكلات التي تشوش الفكر، وتزيد الهم، ويحصل بها الاضطراب، وهناك كثير من المشكلات تعترض أحياناً مسيرة الطالب سواءً كانت مشكلات عامة في أسرته، أو مجتمعه، أو مشكلات خاصة، مثل: شعوره بالضعف والقصور، وعدم القدرة على التحصيل الجيد، أو تخوفه من عدم النجاح، أو تذكره لرسوب سابق ونحو ذلك، فلابد أن يهيئ نفسه لتكون مستعدة للتفاعل مع هذه المذاكرة.
ثانياً: الاستعداد الجسمي: فلابد من ترك السهر، والبعد عن الإرهاق، وتجنب ترك الطعام، والإقلال منه بشكل خاص في مثل أيام الاختبارات، وسيأتي أيضاً مزيد إيضاح لهذا.
ثالثاً: الاستعداد الفكري: بأن يعرف أهمية الاختبارات، وضرورة التفوق والنجاح، وأثر ذلك على أسرته ومن حوله، فهذا أيضاً يجعله متحفزاً للمذاكرة بالشكل الجيد.
رابعاً: توزيع الدراسة والمذاكرة وتقسيمها، بمعنى: إذا كان قبل الاختبارات فيوزع المواد على أيام حتى لا يجمع ويخلط في وقت واحد، أو يوزع المادة الواحدة في يوم الاختبار إلى أقسام، وهي مقسمة في الأصل إلى فصول وأبواب، لكنه يقسمها بحسب ما يحتاج إليه ويراه، ولماذا هذا التقسيم؟
الأمر الأول: لأنه يساعد على التفاعل والقبول النفسي: عندما ترى الكتاب ذا الصفحات المتعددة، ويهولك منظره؛ يكون هناك نوع من الهيبة، لكن إن قسمته وقلت: هذا القسم في الصباح، وهذا القسم بعد الظهر، وهذا القسم بعد العصر، تشعر بأن هذه الأقسام فيها نوع من التخفيف، وتهيئة النفس للتفاعل.
الأمر الثاني: أنه يساعد على استثمار الوقت، وحسن تنظيمه، فبعض الطلاب يبدأ يذاكر في فصل واحد، وبدون تقسيم للوقت ولا توزيعه، وإذا به أمضى سائر اليوم في ربع المنهج، وبقي له سويعات يريد أن يختم فيها ثلاثة أرباع المنهج!
الأمر الثالث: أنه يساعد على معرفة التقدم والتأخر: أي أن هذا التقسيم إذا استخدمه، وجعل الوقت مناسباً للحصة، فقال: هذا الفصل من الساعة الثامنة إلى العاشرة فإنه سيدرك هل أنجزه في هذا الوقت؟
إذاً: السير متحتم، ويعرف إذا تأخر عنه، أما إذا كانت الكمية كلها لم تنجز فإنه قد يفطن إلى التقدم والتأخر لكن في الوقت الضائع كما يقولون.
الأمر الرابع: أن هذا يساعد على الحفظ والاستيعاب: فالله عز وجل قد قال: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، نزل القرآن منجماً، ومن فوائد تنجيمه: سهولة حفظه واستيعابه شيئاً فشيئاً، والشيء إذا كان متكاثراً يصعب على الإنسان تحصيله.
خامساً: البداية بالصعب أو بالسهل: هناك مذهبان في هذه المسألة، ولكل منهما مزايا:
إما أن يبدأ بالصعب، لماذا؟
أولاً: لأنه في البداية يكون عنده قوة وتفتح ذهن وعزيمة وهمة، فلا يصعب عليه الصعب.
ثانياً: لأنه إذا نجح في معالجة الصعب وحفظه واستيعابه سهل الباقي، مثلما قيل لـعنترة: كيف اكتسبت هذه الشجاعة؟ قال: كنت أعمد إلى الرجل الجبان الرعديد فأضربه ضربة ينخلع لها قلب الشجاع. فإذا جاء الطالب إلى الفصل الصعب واستطاع أن يتجاوزه فسيكون ما بعده بلاشك أيسر وأسهل، ونفسه وقدرته على تجاوز المصاعب الأخرى أكبر.
ثالثاً: هذا في نفس الوقت أيضاً يساعده على استثمار الوقت من جهة أنه إذا قضى وقتاً طويلاً في الصعب فإن الوقت اليسير الباقي سيكفي لتغطية الجوانب السهلة واليسيرة.
وغالباً في مسائل الفقه المقارن إذا جاءوا بمذهب الشافعي مثلاً بالأدلة، تقول: ليس هناك قول أرجح من هذا القول، فإذا جاء المذهب الآخر بأدلته جعلك تتردد في أيهما أرجح. المذهب الثاني يقول: يبدأ بالأسهل، لماذا؟
أولاً: إن من فوائد هذه البدايات أنها تشجع الإنسان على الاستمرار، فإذا مضى في الأسهل، وأنهى فصلاً وفصلين وثلاثة، فسينهي ما وراء ذلك.
ثانياً: أنه ينشط الذهن، فإن الإنسان إذا بدأ بالصعب واستغلق ذهنه جاء إلى السهل ولم يعد يفهمه، فإذا جاء إلى مسائل معقدة جاء إلى المسائل السهلة بنفسية معقدة فعقدها فلم يعد يفهمها.
ثالثاً: الشعور بالتفرغ للأمر الصعب، ودائماً الإنسان إذا كان عنده قضايا يزيح الأسهل الأسهل حتى يفرغ وقته وجهده وطاقته في آخر الأمر للقضية الكبرى، فيكون أيضاً هناك اندفاع نحوها.
والمسألة راجعة إلى نفسية الطالب، وإلى ما يراه أنسب وأوفق لطبيعته، ولكن ليس بالضرورة دائماً أن تأخذ المنهج كله، لك أن تبدأ بالأسهل أو الأصعب متفرقاً إذا كانت المادة تحتمل مثل هذا التفريق، أما إذا كانت مترابطة فلابد من مثل هذا الترابط.
سادساً: الحرص على الفهم والاستيعاب، وليس على التجاوز والحفظ المجرد، فبعض الطلاب يريد أن ينتهي وكأنه يغرر بنفسه، فلو كان هناك شيء صعب أو مسألة لم يفهمها يتجاوزها، والمهم أن ينتهي، حتى إذا جاء إلى آخر الكتاب قال: انتهيت، والآن أعود إلى ما لم أفهمه لأركز عليه، ويعود ولم يحصل في المرة الأولى شيئاً، وفي المرة الثانية كذلك، مثل الذي ينفخ في القربة المخروقة؛ لأن هذا التجاوز والسرعة لا تساعده على الاستيعاب، ولذلك لابد من الفهم؛ لأن الفهم هو أساس للحفظ والاستيعاب.
سابعاً -وهي من النقاط المهمة-: التركيز على النقاط: كثير من الطلاب خاصة في مراحل الدراسة دون الجامعية في مواد التاريخ والحديث والجغرافيا وغير ذلك، الطلاب يقولون: معظم ما في هذا الفصل حشو، وكثير منه يمكن أن يستغنى عنه، وهذا في حقيقة الأمر ليس صحيحاً، وفي نفس الوقت ليس خطأً، كيف؟!
نقول: إن كل موضوع يتركز في نقاط، وكل نقطة يحب المؤلف أو الكاتب أن يشرحها، ويزيد فيها، ويستخدم المترادفات، ويطيل النفس في التعبير والتأكيد على المعنى، لكن في آخر الأمر النقطة هي واحدة، فليس كل الكلام حشواً، لكن أيضاً ليست هذه الإضافات حشواً، لكنك أنت يمكن أن تستغني عنها، كيف؟ ما هو المقصود بهذا الاستغناء؟ إذا حدد النقاط عرف أن هذا مثلاً حديث شرحه يتركز في كذا وكذا وكذا، أو أن هذا الحدث التاريخي مثل المعركة تتركز في أنها وقعت بين المسلمين والكافرين في بلاد العراق، وكان عدد المسلمين كذا وعدد هؤلاء كذا، وبهذا تتلخص الحقائق، وبعد ذلك لك أن تقرأ في الكتاب: فكروا عليهم كرة شرسة، أو بعد فترة طويلة، أو بعد حصار، هذا مما تستطيع أن تعبر عنه كما شئت، فلا ترهق عقلك بحفظه، ولا بالتركيز عليه، وتفوتك النقاط، فإذا جئت في الإجابة ذكرت الكر والفر والعناء والبلاء وضاعت النقاط التي عليها الدرجات، وهذا كثيراً ما يقع من الطلبة، فيخرج ويقول: أجبت إجابة وملأت الصفحات، ولكنه ما ذكر نقاط الدرجات، فإذا جاءت الدرجة قليلة أو ضعيفة تذمر وشكى، واعتبر أن هناك من يترصده، ومن يتربص به الدوائر ونحو ذلك.
بالنسبة لهذا التركيز يمكن أن يعين عليه بعض الأمور:
الأول: لابد عند قراءتك أن تكون ممسكاً بقلمك، وليكن قلم رصاص حتى لا تشوه الكتاب، ثم ضع خطوطاً تحت النقاط المهمة أو الرئيسية كما يعبر عنها.
الثاني: ضع عناوين جانبية: بعض الكتب -لا سيما في المرحلة الجامعية أكثر منها في المدرسية- تفتقر إلى العناوين الجانبية، فتجد عنواناً ثم أربع خمس صفحات متتابعات، ويريد الإنسان أن يربط بينها، فكيف يجمعها؟ يضع هو بنفسه عناوين جانبية: أهمية كذا وكذا، فوائد كذا وكذا، العوائق كذا وكذا، حتى يستطيع أن ينظم ويركز هذه القضية.
الثالث: الاستعانة بالأرقام: أحياناً لا يكون في الكتاب ترقيم، وأضرب لذلك مثلاً: تجد بعض الكتب الموسوعية لا تهتم بمثل هذه القضايا، فيسرد لك مثلاً ابن حجر رحمة الله عليه في فتح الباري فوائد الحديث منتثرة، فضع تحت كل منها خطاً ورقمها؛ لأنك بالترقيم تستطيع أن تعرف هل استكملت الإجابة أم لا؟ فإذا رقمت فوائد هذا الحديث عرفت أنها عشرة، فإذا كتبت حال الإجابة ثمان فوائد علمت أنه بقي اثنتان، أما من غير الترقيم والتركيز فستكتب بعضها وتقول: أجبت على السؤال كاملاً، وأنت ما زلت مقصراً فيه، فهذا التركيز ينبغي أن يخلص الموضوعات إلى نقاط وعناوين وأرقام حتى تستطيع التركيز والاستيعاب، وإن شئت لك أن تكتب هذا في وريقات بحيث إنك في آخر الأمر تستغني عن الكتاب فلا تحتاج أن تحمله مع ثقله، أو مع كثرة هذه الكتب، وتأخذ هذه الوريقات وفيها النقاط، والحواشي والإضافات والتعبيرات لك أن تبدع فيها وتجتهد؛ إذ ليس فيها خطورة.
ثامناً: الحفظ: مهما اعتمدت على الفهم والتركيز فإنك تحتاج إلى الحفظ، لابد من الحفظ في بعض الأمور، وحتى بهذا التركيز لن تستطيع استذكار الأرقام إلا إذا حفظت مضموناتها، وما هي بعض الوسائل المعينة لهذا الحفظ؟
الأمر الأول: تعديد الوسائل: لا تعتمد على وسيلة واحدة؛ لأنه إذا زادت الحواس المحصلة للمعلومة كان الذهن أقدر على حفظها وضبطها؛ فأنت يمكن أن تقرأ وتكتب بعض ما تقرأ؛ فتكون الكتابة -وهي حاسة اليد- أقدر وأقوى في ضبط الحفظ مع القراءة، ولك أيضاً أن تسمع؛ فتسمع سواءً عندما تقرأ بصوت عال، أو عندما يقرأ زميل لك، أو عندما تسمع هذا الدرس في شريط، وسأذكر بعض التجارب حتى في مثل هذه القضايا والوسائل التي تعين على مثل هذا: معروف أن الإنسان إذا سمع خبر يكون تركيزه وحفظه له أقل مما لو سمعه ورآه وقرأه، فإن هذه تكون أكثر، فكلما رأى الإنسان أنه لم يحفظ شيئاً فليستعن مع القراءة بالكتابة، وإذا قرأ وكتب فليستعن أيضاً بالسماع.
الأمر الثاني: التكرار: والتكرار -كما يقولون- يعلم الشطار، هذا التكرار هو الذي يستطيع الإنسان به أن يثبت المعلومة.
الأمر الثالث: التسميع: لا تعتمد أنك إذا حفظت فقد حفظت، ولكن استرجع ذلك بالتسميع لنفسك أو لغيرك.
الأمر الرابع وهو مهم أيضاً: المذاكرة: والمقصود بالمذاكرة مع شخص آخر، تقول له: هذا الموضوع يتلخص في كذا وكذا وكذا، وقال فلان: كذا، والقانون الفلاني ينص على كذا، وقضية الحفظ فيها تفصيلات أخرى لا أظن أننا نحتاج إلى الاستطراد فيها.
هذه جملة من الأمور التي تتعلق بطريقة المذاكرة.
النقطة الثالثة: مشكلات المذاكرة: ذكرنا طريقة المذاكرة، لكن هناك عوارض كثيرة تعترضها، من أهمها:
النسيان
هذا النسيان من أسبابه:
أولاً: المذاكرة عند الإرهاق، يذاكر الطالب ويقول: ذاكرت وتعبت، ولكني ما استطعت أن أحفظ؛ لأنه كان مرهقاً مجهداً، والإنسان كيان واحد: (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد)، إذا كنت مريضاً في قدمك أو مرهقاً في نومك، سيكون هذا له تأثير على ضعف العقل والذهن.
ثانياً: كثرة التنقل من منهج إلى منهج، أو من فصل إلى فصل، قرأ قليلاً ثم انتقل إلى الفصل الآخر قبل أن يتم الأول، أو إلى مادة أخرى قبل أن يتم الأولى، ويخلط من هنا وهناك؛ فلا يصبح عنده إلا كناشات وقصاصات ومتفرقات لا يمكن أن تنتظم في صورة يكون بها حافظاً لهذا المنهج.
ثالثاً: عدم المراجعة القريبة الآنية: عندما تحفظ شيئاً لابد من التسميع والمراجعة في وقت قريب، لا تحفظ الآن ثم تراجع بعد شهر، فقطعاً ستكون قد نسيت.
رابعاً: الاضطراب والخوف: وهذا لا شك أنه من أعظم الأسباب التي تبدد كل ما يحفظ، ولذلك الإنسان عند شدة الخوف قد ينسى حتى اسمه كما يقولون، فإذا كان الإنسان كثير الخوف دائم الاضطراب يقل مستوى حفظه بشكل كبير.
خامساً: عدم التركيز: فهو يريد أن يحفظ الصفحة كما هي، حتى أنه يحفظ ما بين الأقواس، مثل: (انظر شكل سبعة) فهو يريد أن يحفظ هذا، وهذا طبعاً يرهق نفسه، ولا يستخلص ما يحتاج إلى الحفظ.
سادساً -وهو مهم-: عدم الربط بين الأفكار لضمان التسلسل: لابد أن تربط بين الفكرة والفكرة، والفقرة والفقرة، حتى تستمر في التسلسل في الحفظ، أما أن تحفظ نقطة ونقطة ونقطة، فإذا أردت أن تربط بينها لا تستطيع، مثل الذي يحفظ القرآن فيحفظ صفحة وصفحة وصفحة ولا يربط بينها، فإذا انتهى إلى آخر آية في الصفحة وقف حتى تعطيه أول آية فيستمر، ويسمع الصفحة كاملة تسميعاً جيداً، فإذا جاء إلى آخر الصفحة وقف حتى تعطيه مرة أخرى، لماذا؟ لأنه لم يربط بين هذه المحفوظات بتسلسل معين، ولك أن تسلسل بطرق شتى، لك أن تربط التسلسل إما بصورة الصفحة، أو بمضمونها، أو بموقف وتداعي الأفكار -كما يقولون- عندما ركز مدرس على هذه المسألة، وعندما ناقشتها مع بعض إخوانك من الطلاب، هناك كثير من الصور للربط، المهم لابد أن يكون هناك ربط.
سابعاً: عدم تكثير الوسائل لهذا الحفظ من سماع وقراءة. إلى آخره.
الملل
هناك وصايا سريعة لطرد الملل:
أولاً: لا تواصل الدراسة والمذاكرة دون فترات راحة وترفيه، فالذي يواصل كثيراً يصيبه الملل، ومن هنا ركز على الشيء الممل، واجعله في أول الوقت؛ فإن كانت هناك مواد مملة بطبيعتها أو فقرات من المنهج مملة فعجل بها في أول الأمر حتى يسهل هضمها قبل أن تذاكر فترة وتقطع شوطاً فيأتي الممل وقد مللت؛ فتكون المسألة معادلة مركبة وصعبة.
ثانياً: يستحسن أن يرفه الإنسان بكتب غير منهجية في بعض الفقرات، وخاصة كتب الأدب والملح والطرائف: أذكر من تجاربي في أوقات اشتداد الاختبارات أني كنت أضع دائماً قريباً مني بعضاً من كتب الأدب والشعر والقصص، فإذا مللت خذ منها فإنها تنشطك، وقد قال ذلك ابن عباس رضي الله عنه حينما كان يذاكر أصحابه في التفسير والفقه، فإذا رأى مللاً منهم قال: أحمضوا علينا بكتب الأدب، أحمضوا بها علينا، والتحميض هو نوع من الترفيه أو الطرفة أو نحو ذلك.
ثالثاً: تذكر الهدف الذي تذاكر وتجتهد من أجله حتى يزول عنك مثل هذا الملل، استحضر الثمرة المرجوة، فأنت تريد أن تتفوق .. أن تنجح .. أن تتنقل إلى مرحلة أخرى .. أن تؤدي دوراً مهماً.
رابعاً: تنبه إلى أن المسألة وقت قليل، وزمن محدود، وجهد نسبي، فليست الاختبارات ولا فترة المذاكرة ستستمر معك طول أيامك وليلك ونهارك، الإنسان إذا عرف أن هناك مشكلة ستبقى معه وقتاً طويلاً يجثم على نفسه ملل وهم كبير، بعكس إذا عرف أنها أيام وتنتهي.
خامساً: انظر إلى ما مضى لتتفاءل: إذا كنت قد أنهيت نصف الكتاب لا تنظر إلى النصف الباقي ولكن انظر إلى النصف الذي قد مضى، وإذا كنت قد وصلت إلى منتصف الاختبارات فانظر إلى ما مضى من الاختبارات، وقل: قد ذهبت الفيزياء، وانتهينا من الكيمياء، وتجاوزنا الرياضيات، وما بقي إلا كذا وكذا، فهذا يساعد على تبديد الملل، والتنشيط للمذاكرة.
علاج القلق والاضطرابات
النقطة الأولى: تنظيم الوقت والمذاكرة في جداول بحيث يعرف كل وقت مذاكرة، بزمن محدد، وكميات محددة، فلا يكون عنده نوع من القلق والاضطراب في مثل هذا.
النقطة الثانية: الاستعانة ببعض الامتحانات القديمة وحلها، أو وضع بعض الأسئلة وحلها، فالذي يضطرب لماذا يضطرب؟ يذاكر ولكنه يخاف أنه لم يحفظ أو لم يستوعب، ولو جاء على بعض الأسئلة، ورأى حلها؛ لرأى أنها بسيطة وزال عنه بعض هذا القلق والاضطراب.
النقطة الثالثة: تذكر التوكل والاعتماد على الله عز وجل، واعلم أنك تبذل الأسباب، وأن النتائج بيد الله عز وجل، وحينها ستطمئن، ماذا تريد بعد أن ذاكرت وحفظت وكتبت؟ لماذا تبقى مضطرباً؟
تقول: هذا ما علي، والباقي على الله عز وجل، واطمئن.
النقطة الرابعة: الوضوء والصلاة: وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في شأن الغضب أنه أوصى الغضبان أن يتوضأ ويصلي، والوضوء وتعميم الماء على هذه الأجزاء من البدن -كما ثبت علمياً- يسكن النفس، والصلاة بطبيعتها وما فيها من خشوع وطمأنينة ومناجاة ودعاء تسكن نفس الإنسان، وتجدد النشاط.
النقطة الخامسة: أشعر نفسك بالأمان، وتوقع أفظع النتائج، ما الذي سيحدث؟
أقصى شيء أنك رسبت في الاختبار، لم تقم القيامة ولم تتدهور الأمة، فهذه مسألة يسيرة، فأشعر نفسك بالأمان، وأنه لو كانت هناك أفظع النتائج فإنها أمور ميسورة مقدور عليها.
النقطة السادسة: البدء بالأسهل بالنسبة للذي عنده قلق واضطراب كبير ، فيبدأ بالأسهل ليشعر باستغلال الوقت، وليشعر بأن هذا النجاح الذي يحققه في السهل يزيل عنه بعض هذا الاضطراب.
عدم النوم وكثرة السهر
سوء التغذية والكسل
أما الكسل فهو غير الملل، يقول: أنا تعبان، لا أستطيع أن أقرأ، عيني مرهقة، وعقلي مشلول وانتهى، وهذا عارض من العوارض التي ينبغي التنبه لها، وينبغي للإنسان:
أولاً: أن يستذكر قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، يستغفر ويدعو الله سبحانه وتعالى ويجدد نشاطه.
ثانياً: تجنب الأوضاع المساعدة على الكسل: كمن يذاكر في الغرفة المكيفة، وهو متمدد على فراش النوم، ويضع تحت رأسه ثلاثاً من المخدات، ويجعل الستائر مظللة للمكان، فهو بهذا سينام ولو كان في قمة النشاط، وسيجد أنه في هذا الوضع قد أرهق إرهاقاً عجيباً جداً كأنما جاء من معركة، فلابد أن يغير مثل هذا الوضع.
ثالثاً: تذكر روح المنافسة بينك وبين زملائك؛ فلا تكسل لأنك ممكن أن تحصل درجة بهذا الكسل، ولكنك إذا ما تنشطت ستزيد درجة أخرى وتنافس، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
رابعاً: تذكر مغبة النتيجة لهذا الكسل: تكسل لساعة أو ليوم وستذهب عليك ثمرة قد تتندم عليها طويلاً.
خامساً: استعن بتنظيم الوقت.
سادساً: لابد من تغيير الوضع: إذا كنت في هذا المكان تغير إلى مكان آخر، إن كنت في جلسة مسترخية غير هذه الجلسة.
علاج السرحان
أولهما: الإجازة: يتخيل آخر يوم في الاختبارات، وماذا سيصنع؟ وكيف سيلقي بالكتب، ويبتعد عنها، وينام نوماً عميقاً؟
ثانيهما: يسرح في الشهادة، وكيف سيكون التقدير؟ وسينافس فلان، وسيأخذ الدرجة، وإن كان متخرجاً إلى أين سيذهب؟ وإن كان سيتخرج من الأول الثانوي هل سيذهب إلى القسم العلمي أم الأدبي؟ ويتوه في هذه الوديان، وهذه بلا شك قضية خطيرة.
ومما يعين على إبعادها: أولاً: القراءة بصوت مرتفع: الذي يقرأ في سره وبعينه يصيبه الكسل والملل والنوم، فأحياناً تحتاج إلى أن تقرأ بصوت مرتفع، والقراءة بصوت مرتفع فيها كثير من الفوائد، على أن تكون في غرفة منفردة، ولا ترفع الصوت كثيراً حتى لا يحصل لك بعض الأمور التي يخشى منها.
ثانياً: استشعر أهمية الوقت، فإنك إذا فاتك هذا الوقت ينبغي أن تتنبه إلى أن القضية ليس فيها إمهال.
ثالثاً: كن عملياً: هذه الخيالات والأوهام لن تتحقق إلا بالعمل، فلا تسرف وتبني كما يقول:
تبني الرجاء على شفير هار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
لا تطلب شيئاً لا تكون مستعداً له عملياً.
رابعاً: استعن بوسائل تزيل هذا السرحان، مثل: المذاكرة مع بعض الأصدقاء؛ فإنك تسألهم ويسألونك، أو اتصل بالهاتف لتسأل عن مسألة تجدد النشاط وتمنع أو تقطع حبل هذه الأفكار؛ لأنك إذا اتصلت بفلان ورأيته وقد انتهى من الفصل الذي لم تبدأ فيه عرفت أنك كنت في خيالات وأحلام وبحاجة إلى أن تعود إلى اليقظة.
ومن هذه الوسائل: استخدام أمور مذكرة واضحة، كأن يضع عنده لوحة يكتب فيها عناوين لبعض الفقرات حتى إذا سرح عن كتابه يرى أمامه أشياء كثيرة أخرى تعيده إلى الواقع الذي هو فيه. هذا بعض ما يتعلق بمشكلات المذاكرة.
أولاً: النسيان: يقول الحسن البصري : غائلة العلم النسيان.
هذا النسيان من أسبابه:
أولاً: المذاكرة عند الإرهاق، يذاكر الطالب ويقول: ذاكرت وتعبت، ولكني ما استطعت أن أحفظ؛ لأنه كان مرهقاً مجهداً، والإنسان كيان واحد: (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد)، إذا كنت مريضاً في قدمك أو مرهقاً في نومك، سيكون هذا له تأثير على ضعف العقل والذهن.
ثانياً: كثرة التنقل من منهج إلى منهج، أو من فصل إلى فصل، قرأ قليلاً ثم انتقل إلى الفصل الآخر قبل أن يتم الأول، أو إلى مادة أخرى قبل أن يتم الأولى، ويخلط من هنا وهناك؛ فلا يصبح عنده إلا كناشات وقصاصات ومتفرقات لا يمكن أن تنتظم في صورة يكون بها حافظاً لهذا المنهج.
ثالثاً: عدم المراجعة القريبة الآنية: عندما تحفظ شيئاً لابد من التسميع والمراجعة في وقت قريب، لا تحفظ الآن ثم تراجع بعد شهر، فقطعاً ستكون قد نسيت.
رابعاً: الاضطراب والخوف: وهذا لا شك أنه من أعظم الأسباب التي تبدد كل ما يحفظ، ولذلك الإنسان عند شدة الخوف قد ينسى حتى اسمه كما يقولون، فإذا كان الإنسان كثير الخوف دائم الاضطراب يقل مستوى حفظه بشكل كبير.
خامساً: عدم التركيز: فهو يريد أن يحفظ الصفحة كما هي، حتى أنه يحفظ ما بين الأقواس، مثل: (انظر شكل سبعة) فهو يريد أن يحفظ هذا، وهذا طبعاً يرهق نفسه، ولا يستخلص ما يحتاج إلى الحفظ.
سادساً -وهو مهم-: عدم الربط بين الأفكار لضمان التسلسل: لابد أن تربط بين الفكرة والفكرة، والفقرة والفقرة، حتى تستمر في التسلسل في الحفظ، أما أن تحفظ نقطة ونقطة ونقطة، فإذا أردت أن تربط بينها لا تستطيع، مثل الذي يحفظ القرآن فيحفظ صفحة وصفحة وصفحة ولا يربط بينها، فإذا انتهى إلى آخر آية في الصفحة وقف حتى تعطيه أول آية فيستمر، ويسمع الصفحة كاملة تسميعاً جيداً، فإذا جاء إلى آخر الصفحة وقف حتى تعطيه مرة أخرى، لماذا؟ لأنه لم يربط بين هذه المحفوظات بتسلسل معين، ولك أن تسلسل بطرق شتى، لك أن تربط التسلسل إما بصورة الصفحة، أو بمضمونها، أو بموقف وتداعي الأفكار -كما يقولون- عندما ركز مدرس على هذه المسألة، وعندما ناقشتها مع بعض إخوانك من الطلاب، هناك كثير من الصور للربط، المهم لابد أن يكون هناك ربط.
سابعاً: عدم تكثير الوسائل لهذا الحفظ من سماع وقراءة. إلى آخره.