خطب ومحاضرات
منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
أما بعد:
ففي هذه الليلة الطيبة المباركة ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر جمادى الأولى عام 1415 للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم نتحدث حول منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل، ولا أظن أن مثلي وفي هذه العجالة يمكن أن يأتي على منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل بفروعه ومعالمه، لكنها إضاءات وخواطر أملاها الواقع الذي نعيشه.
ثمة ثوابت -معشر الإخوة الكرام- اتفق عليها أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وهي قضايا ليست جديدة، وكيف تكون جديدة وهي قضايا المنهج؟! وقضايا المنهج ينبغي أن تكون معالم واضحة.. معالم لا يجهلها أحد.. معالم لا يزيغ عنها إلا من ضل وانحرف، وكيف تكون جديدة وهي حديث عن منهج الأنبياء الذي نقرؤه في كتاب الله سبحانه وتعالى؟! كلنا يقرأ القرآن، وكلنا يقرأ ويتلو آيات الله عز وجل التي فيها الحديث عن قصص الأنبياء، وعن منهج الأنبياء، وعن دعوتهم، ومن ثم فالحديث معشر الإخوة الكرام مع أمثالكم عن منهج الأنبياء لن يكون حديثاً جديداً إنما هو تذكير بحقائق نعرفها وندركها جميعاً.. إنما هو إعادة لأفراد المسائل والمواقف التي نقفها في الدعوة إلى الله عز وجل إلى أصولها وجذورها.
ولعل أول تساؤل يطرح: لماذا الحديث عن منهج الأنبياء؟. يدعونا معشر الإخوة الكرام للحديث عن منهج الأنبياء أمور عدة..
كثرة الحديث عن مناهج التغيير
أولها: أن الحديث كثير عن المنهج فيتحدث الكثير اليوم عن التغيير ومناهجه، وتتنوع الأطروحات الإسلامية وتتنافس في طرح برامج التغيير ومناهج الإصلاح، وتنوع الاجتهادات واختلاف المواقف أمر لا غبار عليه، لكن المرفوض أن تتحول الجزئيات والاجتهادات إلى ثوابت، وأن تتحول القناعات الشخصية إلى قضايا منهجية عند البعض يوالي ويعادي من أجلها، وينطلق من اقتناعات شخصية أو اجتهادات ليرسم من خلالها منهجاً يرفض الدعوة إلا من خلاله، ويسفه الآراء التي تنطلق من سواه ويوالي ويعادي عليها ويستنبط من خلال ذلك معايير لتقييم الناس والبرامج الدعوية.
إن قضية المنهج قضية تهتم بالثوابت والإطار العام، ومع تأكيدنا على ضرورة انضباط المسائل الاجتهادية بضوابط الشرع، ومع رفضنا لتلك القسمة الضيزى لشرع الله عز وجل إلى لب وقشور؛ لكن مع ذلك كله لا يسوغ أن تتحول المسائل الاجتهادية إلى قضايا يؤثم فيها الناس ويخطئون ويضللون، أو أن تدعى الأمة إلى أن تجتمع على رأي فلان أو اجتهاد علان، ولا يجوز أن تتحول هذه القضايا إلى معيار للولاء والبراء.
إن البعض من الناس يرسم ثوابت ومنطلقات يمليها عليه اجتهاده وربما تقليده لفلان من الناس، وربما كانت انعكاساً لوضع معين، فيرسم هذه الثوابت ثم يسعى بعد ذلك لتحويلها إلى منهج من خلال البحث عن نصوص شرعية تؤيد ذلك ولو أدى إلى أن يلوي أعناقها لياً، أو من خلال اجتهادات هي لآحاد من السلف تتحول هذه الاقتناعات عند صاحبنا إلى منهج من خالفه فهو منحرف ضال أفاك أثيم.
وثمة طوائف لا تزال تعيش في عزلة عن النص الشرعي وغربة عن منهج الطائفة المنصورة، فلا تعدو مصادر المنهج أن تكون حسابات مرحلية، أو قضايا استراتيجية؛ ولهذا قد لا تكاد تفرق أحياناً بين حسابات بعض هؤلاء الدعاة وحسابات الساسة وأصحاب الأيدلوجيات الأرضية.
لأجل هذا وذاك كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء حتى لا تتحول القضية إلى فوضى وتسيب وانحراف عن النص الشرعي والثوابت الشرعية، وحتى أيضاً لا نشطط ونغلو فنحول اجتهاداتنا الشخصية التي لم ينص عليها نص واضح وصريح تتعبد الأمة به.. وربما كانت لا تعدو أن تكون مقولة لفلان، أو أن تكون وضعاً عشناه وألفناه، حتى لا تتحول هذه الاجتهادات إلى منهج وثوابت، ننصر الدعوة من خلالها ونقيم آمال الناس ونزنها من خلال هذا الميزان، إن هذا وذاك مرفوض؛ لهذا كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء.
العصمة
من مزايا منهج الأنبياء أن الله سبحانه وتعالى قد عصمهم من الانحراف والخطأ والخلل وعصمهم سبحانه وتعالى من الأهواء، ومن ثم فاتباع سبيلهم ضمان بإذن الله عز وجل في الاستقامة على الطريق والسلوك على الجادة، والأمن من الخلل وبنيات الطريق؛ لذا فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن لم يتركهم لاجتهادات البشر أو يعبدهم لآراء فكرهم، واقرأ في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تجد دليلاً واحداً يأمر الناس بالتقليد ويحثهم عليه، إنك لن تجد الحديث عن التقليد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا في مقام الذم والعيب لأولئك الذين عطلوا عقولهم، وعطلوا منطق البرهان والحجة، وساروا وراء وعي فلان وفلان من الناس.
إنه مما لا يليق شرعاً وعقلاً أن يعبد الناس أحداً من البشر فتكون آراؤه حجة ملزمة للناس وديناً لا يسعهم الخروج عليه، فهؤلاء البشر قد يكونون أئمة، وقد يكونون دعاة، وقد يكونون موجهين، وقد يكونون أعلاماً للأمة تستفتيهم الأمة، وتصدر عن رأيهم وتستضيء بقولهم، لكن ذلك لا يمكن أن يحولهم إلى معصومين.. إلى حجة بين الله عز وجل وخلقه ينبغي عليهم أن يتبعوهم فمن خالف قولهم واجتهادهم صار ضالاً منحرفاً زائغاً.
إن هذا معشر الإخوة الكرام خرق لإجماع السلف، وهو خلل في المنهج.. أترى في الأمة خيراً من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد قالا للناس جميعاً: إن أصبنا فأعينونا وإن أخطأنا فقومونا.
ويرسم ابن عباس رضي الله عنه للأمة معالم هذا المنهج فيقول: أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر ، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!
معشر الإخوة الكرام! إن مما أجمع عليه أهل السنة وسلف الأمة قديماً وأتباعهم أنه لا عصمة لبشر بعد الأنبياء، ومما أجمعوا عليه أنه ليس هناك أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم حجة بين الله وخلقه، دع عنك أولئك الذين يرسمون أئمة بعدد شهور العام ويرون أن سواهم ضالون منحرفون إن لم يعطلوا عقولهم ويصموا آذانهم ويغمضوا أعينهم ويسيروا وراءهم؛ ولهذا تراهم ينادون ويدعون الإمام الغائب قائلين: عجل الله فرجه.
أما الطائفة الناجية -أهل السنة والجماعة- فقد عصمهم الله عز وجل من ذلك، نعم لهم أئمة وأعلام وعلماء تصدر الأمة عن رأيهم وقادة يوجهون الأمة ويسيرونها؛ لكنهم مع ذلك يبقون بشراً لا يمكن أن يرتفعوا إلى درجة العصمة، ومن هنا كانت الحاجة ماسة وملحة للحديث عن منهج الأنبياء.
البديل عن منهج الأنبياء هو أن يتعبد الناس لآراء البشر أمثالهم، والبشر أياً كانوا لا يمكن أبداً أن يكونوا محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، إنها طريق واحدة وسبيل واحدة هي سبيل المعصوم صلى الله عليه وسلم وما عداه فهو عرضة للخطأ والخلل والزيغ والانحراف إلا من عصم الله عز وجل.
أمر الله بالاقتداء بهدي الأنبياء
ثالثاً: يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90] فيأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمنهج الأنبياء، وأن يقتفي أثرهم، وأن يسير على سنتهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته من بعده إلى قيام الساعة.
ونتساءل معشر الإخوة الكرام: لماذا يبدئ القرآن ويعيد في الحديث عن منهج الأنبياء، والحديث عن قصص الأنبياء، ويتكرر في الآيات والسور الحديث عن هذا المنهج إشارة وإيماء أحياناً، وتفصيلاً واستفاضة أحياناً، فما تكاد تقرأ في جزء من القرآن الكريم إلا وترى قصة دعوة نبي من الأنبياء أو ترى إشارة إليه وإلى ما جرى بينه وبين قومه.. أليست هذه دعوة لأولئك الذين يقرءون هذا الكتاب ويتعبدون الله بتلاوته إلى أن يسيروا وفق هذا المنهج وأن يرتسموا معالمه ويسلكوا خطاه.
الأنبياء هم أمة النجاح والإنجاز البشري
اعتاد الناس أياً كانت اتجاهاتهم ومذاهبهم وطرقهم على أن يثنوا على أولئك الذين ينجحون.. على أولئك الذين ينجزون.. على أولئك الذين يبدعون.. ولا يزال الناس يتحدثون كثيراً عن عوامل نجاح فلان، وعن سر إبداع فلان.. فهاأنت ترى الأدباء يتغنون كثيراً في الحديث عن سيرة فلان وفلان من الأدباء الذين قد تحولوا إلى رفات.. يتحدثون عن سيرهم ونجاحهم وإنجازهم، ويتحدث المؤرخون والساسة أيضاً عن أولئك الناجحين ويقرءون سيرهم ويأخذون منها معالم يقتفونها ويسيرون في إثرها، ولا يزال المصلحون والمجددون والدعاة يحظون بعناية أهل العلم وأهل الفكر والتوجيه دراسةً لأسباب النجاح وتحليلاً لعوامل النهوض والارتقاء.. لا يزال أولئك يتحدث عنهم الكثير وهم قد يستحقون ذلك.
لكن قمة النجاح وغاية الإبداع والإنجاز هو ما حققه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء للقيام بهذه الدعوة وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81] .. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68] أفليس الدعاة إلى الله عز وجل أحوج إلى دارسة سير الأنبياء وكيف حققوا مقاصدهم ونجحوا فيما يسعون إليه؟! بلى والله، فإنهم أولى قبل أن يكونوا معصومين وقبل أن يؤمر بالاقتداء بهم؛ لأنهم في قمة النجاح والإبداع والإنجاز، فكيف وهم مع ذلك معصومون.. وكيف ونحن مأمورون بالاقتداء بهم والسير على طريقهم.
معشر الإخوة الكرام! هذه عوامل وأسباب تؤكد لنا ضرورة العناية بدارسة منهج الأنبياء، ونحن حين ندرس منهج الأنبياء فإننا ينبغي أن نأخذه جملة.. بكل تفاصيله وكل معالمه.. لا يسوغ أن نقتطع أجزاء من هدي الأنبياء فنحتج بها ونتحدث عنها ونخاصم من أجلها وندع ما سواها.
ولا يسوغ أن نرسم منهجاً ونقرر ثوابت ثم نبحث لما قررناه عما يعززه ويعضده من منهج الأنبياء، فينبغي أن نتجرد من الأهواء والتبعية والتقليد إلا لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وحينها نستطيع أن نترسم معالم هذا المنهج واضحاً جلياً مشرقاً بعيداً عن الزلل والانحراف؛ ولهذا فليس كل من تحدث عن منهج الأنبياء وعن دعوة الأنبياء قد تحدث حديثاً شاملاً كافياً.. وليس مبرأً عن الهوى وعن الخلفية السابقة التي يأتي إليها فيبحث لها عما يؤيدها.
وأنا حين أقول ذلك لست أدعي العصمة فيما أقول، فأنا لا أعدو أن أكون قد رصدت نقاطاً ظهرت لي من خلال تلاوة آيات الله عز وجل فيما قصه الله سبحانه وتعالى عن أنبيائه، فسعيت أن أشير إلى بعض المعاني التي اتفق عليها الأنبياء عامتهم أو معظمهم وأرى أنها ينبغي أن تكون معالم وثوابت لمنهج الدعوة إلى الله عز وجل.
وقد يكون في بعض ما أراه خطأ أو شطط، وهذا دليل على سلامة منهج الأنبياء أصلاً؛ لأن البشر أياً كانوا لا يمكن أن يتجردوا عن الأهواء والأخطاء.
أولها: أن الحديث كثير عن المنهج فيتحدث الكثير اليوم عن التغيير ومناهجه، وتتنوع الأطروحات الإسلامية وتتنافس في طرح برامج التغيير ومناهج الإصلاح، وتنوع الاجتهادات واختلاف المواقف أمر لا غبار عليه، لكن المرفوض أن تتحول الجزئيات والاجتهادات إلى ثوابت، وأن تتحول القناعات الشخصية إلى قضايا منهجية عند البعض يوالي ويعادي من أجلها، وينطلق من اقتناعات شخصية أو اجتهادات ليرسم من خلالها منهجاً يرفض الدعوة إلا من خلاله، ويسفه الآراء التي تنطلق من سواه ويوالي ويعادي عليها ويستنبط من خلال ذلك معايير لتقييم الناس والبرامج الدعوية.
إن قضية المنهج قضية تهتم بالثوابت والإطار العام، ومع تأكيدنا على ضرورة انضباط المسائل الاجتهادية بضوابط الشرع، ومع رفضنا لتلك القسمة الضيزى لشرع الله عز وجل إلى لب وقشور؛ لكن مع ذلك كله لا يسوغ أن تتحول المسائل الاجتهادية إلى قضايا يؤثم فيها الناس ويخطئون ويضللون، أو أن تدعى الأمة إلى أن تجتمع على رأي فلان أو اجتهاد علان، ولا يجوز أن تتحول هذه القضايا إلى معيار للولاء والبراء.
إن البعض من الناس يرسم ثوابت ومنطلقات يمليها عليه اجتهاده وربما تقليده لفلان من الناس، وربما كانت انعكاساً لوضع معين، فيرسم هذه الثوابت ثم يسعى بعد ذلك لتحويلها إلى منهج من خلال البحث عن نصوص شرعية تؤيد ذلك ولو أدى إلى أن يلوي أعناقها لياً، أو من خلال اجتهادات هي لآحاد من السلف تتحول هذه الاقتناعات عند صاحبنا إلى منهج من خالفه فهو منحرف ضال أفاك أثيم.
وثمة طوائف لا تزال تعيش في عزلة عن النص الشرعي وغربة عن منهج الطائفة المنصورة، فلا تعدو مصادر المنهج أن تكون حسابات مرحلية، أو قضايا استراتيجية؛ ولهذا قد لا تكاد تفرق أحياناً بين حسابات بعض هؤلاء الدعاة وحسابات الساسة وأصحاب الأيدلوجيات الأرضية.
لأجل هذا وذاك كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء حتى لا تتحول القضية إلى فوضى وتسيب وانحراف عن النص الشرعي والثوابت الشرعية، وحتى أيضاً لا نشطط ونغلو فنحول اجتهاداتنا الشخصية التي لم ينص عليها نص واضح وصريح تتعبد الأمة به.. وربما كانت لا تعدو أن تكون مقولة لفلان، أو أن تكون وضعاً عشناه وألفناه، حتى لا تتحول هذه الاجتهادات إلى منهج وثوابت، ننصر الدعوة من خلالها ونقيم آمال الناس ونزنها من خلال هذا الميزان، إن هذا وذاك مرفوض؛ لهذا كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء.
من مزايا منهج الأنبياء أن الله سبحانه وتعالى قد عصمهم من الانحراف والخطأ والخلل وعصمهم سبحانه وتعالى من الأهواء، ومن ثم فاتباع سبيلهم ضمان بإذن الله عز وجل في الاستقامة على الطريق والسلوك على الجادة، والأمن من الخلل وبنيات الطريق؛ لذا فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن لم يتركهم لاجتهادات البشر أو يعبدهم لآراء فكرهم، واقرأ في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تجد دليلاً واحداً يأمر الناس بالتقليد ويحثهم عليه، إنك لن تجد الحديث عن التقليد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا في مقام الذم والعيب لأولئك الذين عطلوا عقولهم، وعطلوا منطق البرهان والحجة، وساروا وراء وعي فلان وفلان من الناس.
إنه مما لا يليق شرعاً وعقلاً أن يعبد الناس أحداً من البشر فتكون آراؤه حجة ملزمة للناس وديناً لا يسعهم الخروج عليه، فهؤلاء البشر قد يكونون أئمة، وقد يكونون دعاة، وقد يكونون موجهين، وقد يكونون أعلاماً للأمة تستفتيهم الأمة، وتصدر عن رأيهم وتستضيء بقولهم، لكن ذلك لا يمكن أن يحولهم إلى معصومين.. إلى حجة بين الله عز وجل وخلقه ينبغي عليهم أن يتبعوهم فمن خالف قولهم واجتهادهم صار ضالاً منحرفاً زائغاً.
إن هذا معشر الإخوة الكرام خرق لإجماع السلف، وهو خلل في المنهج.. أترى في الأمة خيراً من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد قالا للناس جميعاً: إن أصبنا فأعينونا وإن أخطأنا فقومونا.
ويرسم ابن عباس رضي الله عنه للأمة معالم هذا المنهج فيقول: أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر ، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء!
معشر الإخوة الكرام! إن مما أجمع عليه أهل السنة وسلف الأمة قديماً وأتباعهم أنه لا عصمة لبشر بعد الأنبياء، ومما أجمعوا عليه أنه ليس هناك أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم حجة بين الله وخلقه، دع عنك أولئك الذين يرسمون أئمة بعدد شهور العام ويرون أن سواهم ضالون منحرفون إن لم يعطلوا عقولهم ويصموا آذانهم ويغمضوا أعينهم ويسيروا وراءهم؛ ولهذا تراهم ينادون ويدعون الإمام الغائب قائلين: عجل الله فرجه.
أما الطائفة الناجية -أهل السنة والجماعة- فقد عصمهم الله عز وجل من ذلك، نعم لهم أئمة وأعلام وعلماء تصدر الأمة عن رأيهم وقادة يوجهون الأمة ويسيرونها؛ لكنهم مع ذلك يبقون بشراً لا يمكن أن يرتفعوا إلى درجة العصمة، ومن هنا كانت الحاجة ماسة وملحة للحديث عن منهج الأنبياء.
البديل عن منهج الأنبياء هو أن يتعبد الناس لآراء البشر أمثالهم، والبشر أياً كانوا لا يمكن أبداً أن يكونوا محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، إنها طريق واحدة وسبيل واحدة هي سبيل المعصوم صلى الله عليه وسلم وما عداه فهو عرضة للخطأ والخلل والزيغ والانحراف إلا من عصم الله عز وجل.
ثالثاً: يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90] فيأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمنهج الأنبياء، وأن يقتفي أثرهم، وأن يسير على سنتهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته من بعده إلى قيام الساعة.
ونتساءل معشر الإخوة الكرام: لماذا يبدئ القرآن ويعيد في الحديث عن منهج الأنبياء، والحديث عن قصص الأنبياء، ويتكرر في الآيات والسور الحديث عن هذا المنهج إشارة وإيماء أحياناً، وتفصيلاً واستفاضة أحياناً، فما تكاد تقرأ في جزء من القرآن الكريم إلا وترى قصة دعوة نبي من الأنبياء أو ترى إشارة إليه وإلى ما جرى بينه وبين قومه.. أليست هذه دعوة لأولئك الذين يقرءون هذا الكتاب ويتعبدون الله بتلاوته إلى أن يسيروا وفق هذا المنهج وأن يرتسموا معالمه ويسلكوا خطاه.
اعتاد الناس أياً كانت اتجاهاتهم ومذاهبهم وطرقهم على أن يثنوا على أولئك الذين ينجحون.. على أولئك الذين ينجزون.. على أولئك الذين يبدعون.. ولا يزال الناس يتحدثون كثيراً عن عوامل نجاح فلان، وعن سر إبداع فلان.. فهاأنت ترى الأدباء يتغنون كثيراً في الحديث عن سيرة فلان وفلان من الأدباء الذين قد تحولوا إلى رفات.. يتحدثون عن سيرهم ونجاحهم وإنجازهم، ويتحدث المؤرخون والساسة أيضاً عن أولئك الناجحين ويقرءون سيرهم ويأخذون منها معالم يقتفونها ويسيرون في إثرها، ولا يزال المصلحون والمجددون والدعاة يحظون بعناية أهل العلم وأهل الفكر والتوجيه دراسةً لأسباب النجاح وتحليلاً لعوامل النهوض والارتقاء.. لا يزال أولئك يتحدث عنهم الكثير وهم قد يستحقون ذلك.
لكن قمة النجاح وغاية الإبداع والإنجاز هو ما حققه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء للقيام بهذه الدعوة وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81] .. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68] أفليس الدعاة إلى الله عز وجل أحوج إلى دارسة سير الأنبياء وكيف حققوا مقاصدهم ونجحوا فيما يسعون إليه؟! بلى والله، فإنهم أولى قبل أن يكونوا معصومين وقبل أن يؤمر بالاقتداء بهم؛ لأنهم في قمة النجاح والإبداع والإنجاز، فكيف وهم مع ذلك معصومون.. وكيف ونحن مأمورون بالاقتداء بهم والسير على طريقهم.
معشر الإخوة الكرام! هذه عوامل وأسباب تؤكد لنا ضرورة العناية بدارسة منهج الأنبياء، ونحن حين ندرس منهج الأنبياء فإننا ينبغي أن نأخذه جملة.. بكل تفاصيله وكل معالمه.. لا يسوغ أن نقتطع أجزاء من هدي الأنبياء فنحتج بها ونتحدث عنها ونخاصم من أجلها وندع ما سواها.
ولا يسوغ أن نرسم منهجاً ونقرر ثوابت ثم نبحث لما قررناه عما يعززه ويعضده من منهج الأنبياء، فينبغي أن نتجرد من الأهواء والتبعية والتقليد إلا لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وحينها نستطيع أن نترسم معالم هذا المنهج واضحاً جلياً مشرقاً بعيداً عن الزلل والانحراف؛ ولهذا فليس كل من تحدث عن منهج الأنبياء وعن دعوة الأنبياء قد تحدث حديثاً شاملاً كافياً.. وليس مبرأً عن الهوى وعن الخلفية السابقة التي يأتي إليها فيبحث لها عما يؤيدها.
وأنا حين أقول ذلك لست أدعي العصمة فيما أقول، فأنا لا أعدو أن أكون قد رصدت نقاطاً ظهرت لي من خلال تلاوة آيات الله عز وجل فيما قصه الله سبحانه وتعالى عن أنبيائه، فسعيت أن أشير إلى بعض المعاني التي اتفق عليها الأنبياء عامتهم أو معظمهم وأرى أنها ينبغي أن تكون معالم وثوابت لمنهج الدعوة إلى الله عز وجل.
وقد يكون في بعض ما أراه خطأ أو شطط، وهذا دليل على سلامة منهج الأنبياء أصلاً؛ لأن البشر أياً كانوا لا يمكن أن يتجردوا عن الأهواء والأخطاء.
إن أول قضية من قضايا المنهج عند الأنبياء: هي قضية التوحيد.
فهي قضية القضايا في دعوة الأنبياء، وهي الأساس الذي دعا إليه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ففي كل أمة خلت ومضت بعث الله عز وجل نبياً يدعو إلى عبادته والكفر بالطاغوت وينفي سبحانه وتعالى -وهو أعلم برسله- أن يكون أرسل رسولاً بغير شهادة التوحيد: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
وفي قصص الأنبياء المتعاقبة يذكر الله سبحانه وتعالى أن كل نبي قد قال لقومه أول ما قال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] فما دام كل نبي بعث من أجل التوحيد وأرسل من أجل شهادة أن لا إله إلا الله، فمن يسير على منهجهم ويتبع خطاهم ما لم تكن قضية التوحيد هي القضية الأساس لديه، والأول في سلم اهتماماته فليعد النظر في منهجه، وهانحن نرى في عصرنا الحاضر صوراً صارخة من العدوان على التوحيد وركوب الشرك والطاغوت:
أليس من المناقضة لأصل التوحيد ما نراه من أولئك الذين يمرغون جباههم أمام الأضرحة ساجدين أو متبركين بتربة ضريح ولي أو إمام؟! أو أولئك الذين يتوجهون لهم بالدعاء من دون الله عز وجل معتقدين فيهم قضاء الحاجات، وتنفيس الكربات؟! كم في بلاد الإسلام من طواغيت تشد إليها الرحال وتعقد عليها الخناصر، أفيسوغ أن تقوم دعوة من الدعوات وتجعل هذه الصورة الصارخة من الشرك المناقض للتوحيد قضية هامشية أو جزئية من جزئيات الدعوة.
ومن صور العدوان على التوحيد: ما يعتقده أهل الخرافة أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن أوليائه يعلم أحد منهم الغيب أو يملك ضراً ونفعاً، أو أولئك الذين يفضلون كلام البشر وما ابتدعوه على كلام الله عز وجل، أتكون تلك الدعوة التي تحمل بين صفوفها بعض هؤلاء، أو تلتقي معهم أو تهادنهم وتجاملهم.. أتكون دعوة تسير على منهج الأنبياء؟!
ومن صور العدوان على التوحيد والولوغ في الشرك: ما يعتقده الرافضة من تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً، وأصدقها لهجة، وما يتعبدون فيه لله بزعمهم من سب خيرة الخلق والتنقص لهم، واعتقاد أن أئمة لا يجاوز عددهم عدد شهور العام هم المعصومون الذين يعلمون الغيب والناس بهائم لا عقول لهم وليس عليهم إلا أن يسيروا ورائهم، وكم يفعل هؤلاء عند البقيع أو عند أضرحة أئمتهم مما يتفطر له قلب كل مخلص.. أفتكون تلك الدعوة التي تصور الخلاف هؤلاء خلافاً جزئياً أو تلك التي تداريهم أو تسكت عن شركهم وضلالهم.. أتكون دعوة على منهاج النبوة؟!
ومن صور العدوان على التوحيد والجرأة على الشرك: اتخاذ طائفة من البشر أنداداً من دون الله يشرعون ويحلون ويحرمون فيصدرون قانوناً يبيح ما حرم الله عز وجل ويحرم ما أباح الله، ويبدل شرع الله سبحان وتعالى ويصبح هذا القانون شرعاً مطاعاً عند الناس متبعاً يقاد الناس إليه ويخضعون له ويجرمون ويبرئون على أساسه، فهل عرفت البشرية شركاً ومناقضة للتوحيد ومضاهاة لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وأمره جل وعز أكبر وأشنع من هذا الشرك والعدوان على مقام الربوبية؟!
لقد قال الله عز وجل عن أولئك الذين أطاعوا أحبارهم ورهبانهم في إباحة بعض ما حرم وتحريم ما أباح: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].
وقال مخاطباً للمؤمنين أنهم لو أطاعوا المشركين في إباحة مسألة من المسائل -أكل الميتة- أنهم مشركون: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121] فكيف بمن شرع وأحل وحرم وبدل شرع الله عز وجل وصير ذلك شرعاً يقاد الناس إليه.. ويخضع الناس له.. أليس هذا أصرخ عدواناً وجرأة على مقام الربوبية وعلى مقام الله سبحانه وتعالى؟!
إن الدعوة التي تسعى للالتقاء مع هؤلاء في منتصف الطريق، أو ترى لها مسوغاً في السكوت عن شركهم وضلالهم دعوة بعيدة كل البعد عن منهج الأنبياء.
إن الذي يدين الله سبحانه وتعالى بالعقيدة الإسلامية ويتخذها منهجاً ونبراساً له ما لم يتخذ موقفاً واضحاً محدداً من أعداء العقيدة سواءًَ أكانوا عباد قبور وأضرحة، أو كانوا سبابة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كانوا باطنيين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر المحض، أو كانوا من المغضوب عليه والضالين إخوان القردة وعباد الصليب؛ إن الذي لا يتخذ من أولئك موقفاً واضحاً محدداً ليس إلا جاهلاً ببدهيات العقيدة مما لا يعذر مسلم بجهله، أو متاجراً بدعوى اتباع العقيدة والدعوة إليها.. أليس الأنبياء كلهم جميعاً قد بعثوا لعبادة الله واجتناب الطواغيت فأين اجتناب الطواغيت؟
المعلم الثاني من معالم منهج الأنبياء: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] .
ومقولة الأنبياء المتكررة: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) مع ما فيها من دلالة على التوحيد فهي دليل على قضية أساسة أخرى: ألا وهي أن دعوة الأنبياء دعوة لتعبيد الناس لله سبحانه وتعالى وحده، فالهدف الأساس والمقصد الأعلى هو تعبيد الناس لله رب العالمين.
ومن ثم الداعية السائر على خطا الأنبياء المقتفي آثارهم جدير بأن يتذكر كل حين ويستشعر كل آن أن غاية دعوته ومنتهى مقصده هو تعبيد الناس لله رب العالمين، وأن يعطي سائر أهدافه مكانها الطبيعي وحجمها المعقول، حينها لن يصبح داعية إلى نفسه.. لن يصبح داعياً لتجميع الناس حول شخصه أو حتى اجتهاداته أو حول اقتناعاته أو حول ما يرى أنه حق وقد يرى غيره أنه خلاف ذلك.
إن غاية الدعوة ينبغي أن تكون: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] .. أن تكون تأليه الناس وتعبيدهم لله سبحانه وتعالى.
ثالثاً: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90].
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:105-109].
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:123-124] إلى آخر الآيات، وكل نبي يقول هذه المقولة: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:109] ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقولها واضحة صريحة: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86] .
ومن ثم فإن السائر على منهج الأنبياء ينبغي أن يقولها صريحة للناس بلسان المقال: ما أسألكم عليه أجراً..
أنا لست أخاصم للدنيا إياكم ليست ترضيني
أملي هدف أسمى أعلى نفسي لا ترضى بالدون.
إنني أدعو إلى قضية واحدة.. إلى عبادة الله.. اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] عبادة الله بمعناها الشامل ومفهومها الواسع ولست أريد أي عجلة، وهذا المنهج ينبغي أن يكون منطق كل داعية لله سبحانه وتعالى بلسان مقاله، وأن يكون منطقه بلسان حاله.
معشر الإخوة الكرام! أترون أولئك الذين يتاجرون بالكلمة فيقولون كلمة أو يصوغون أخرى ويرجون من ورائها أجراً.. أترى أولئك يفقهون حق الفقه منهج الأنبياء؟ أم هم منافقون.. أم هم متاجرون.. أم هم متزلفون؟ لست أدري.
إن من الناس من يقول أحدهم كلمة ويشهد الله على ما في قلبه وهي كلمة يريد من ورائها أجراً، قد يكون هذا الأجر مالاً محدداً يقبضه ويتلقاه.. وقد يكون شهرة بين الناس.. وقد يكون جاهاً..
فالأجر في قوله: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ نكرة في سياق النفي قد دخلت عليها (من) الزائدة فهي من أعلى صور العموم، إن أي أجر.. أي ثمرة عاجلة يريدها صاحبها في الدنيا كفيلة بأن تبعثر عليه الأوراق.. كفيلة بأن تكون هذه الكلمة التي يقولها، أو تلك التي يسطرها أن تكون وثيقة اتهام عليه لبراءته من منهج الأنبياء وانحرافه عن منهجهم، أما الدعاة الصادقون الذين يقتفون هدي النبوة ويسيرون على منهجها فهم أولئك الذين يقولون ما يعتقدون.. يقولون ما يعتقدون أنه الحق، ويدينون الله عز وجل به دون أن يرجوا من وراء ذلك أجراً.. دون أن يرجوا من وراء ذلك أجراً في دار الدنيا أياً كان هذا الأجر مالاً أو جاهاً أو ثراء.
القضية الرابعة حول منهج الأنبياء: الأمة الواحدة.
وتبدو قضية الأمة الواحدة قضيةً واضحة المعالم وصورةً محددة يدركها قارئ كتاب الله عز وجل حين يتأمل أي سياق ورد في قصص الأنبياء، بل قد نص الله عز وجل على ذلك تعقيباً على قصص الأنبياء قائلاً: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92].
والأمة والواحدة لا ينتهي مداها في دار الدنيا بل يمتد إلى الدار الآخرة حين يقف الناس للحساب والجزاء والمساءلة، فيقف أنبياء الله عز وجل، إذ جاءوا لنوح عليه السلام فيقول الله سبحانه وتعالى له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد هذه الأمة.
معشر الإخوة الكرام! إن هذا يجعل المسلم يتخطى حاجز الزمن ويلغي فوارق الزمن فيرى أنه ينتمي إلى جيل واحد وإلى أمة واحدة وحزب واحد هو حزب الله: أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] فهو يرى أن تاريخه لا يقف عند حدود ستين عاماً.. ولا عند حدود آبائه وأجداده.. أو حدود فلان وفلان.. بل ليس عند حدود هذه الأمة، فهو ضارب في أطناب وجذور التاريخ منذ أن هبط آدم عليه السلام فهو يرى أنه ينتمي إلى أمة واحدة.
وتجنى هذه الثمرة وتتم وحدة هذه الأمة يوم القيامة حين تشهد هذه الأمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.. هناك المحاكمة والمقاضاة، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا [الفرقان:27-28].
هناك يوم يقول الله عز وجل عن الظالمين: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:42-50] .
حينها يتصل هذا الوثاق وهذا الرباط فتأتي هذه الأمة لتشهد في هذا المقام بأن نوحاً قد بلغ الرسالة، وأن هوداً قد أدى الأمانة، وأن صالحاً قد بلغ ما اؤتمن عليه، وتشهد لسائر أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
إن من نتاج وحدة الأمة وحدة أمة الأنبياء إن اتحدت مواقف أعدائهم منهم، واقرءوا كتاب الله عز وجل لتروها صورة واحدة.. كل نبي يعيش صراعاً مع طغاة قومه..: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:75] الملأ الذين كفروا من قومه، وهكذا يتزعم الملأ قضية المواجهة من أنبياء الله عز وجل.. مع كل نبي ورسول يرسله الله إلى خلقه.
ومن العجيب أن تتحد الأساليب والطرق ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53] فكأن هؤلاء قد تواصوا واتفقوا على أسلوب واحد يواجهون به رسل الله والدعاة إلى منهجه لكنهم قوم طاغون.
لا ينبغي العدوان بالسخرية والاستهزاء، وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:27] .
وقالوا لهود: إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [هود:54].
إنها كلمة واحدة وأسلوب واحد يتواصى عليه أولئك.
وترتفع لهجة الخطاب وتزداد حدة المعاندة لتتبع السخرية والاستهزاء في تشويه السيرة وتلطيخ السمعة وكأنه أمر اتفقوا عليه: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:52-53].
ثم يتجاوز الأمر إلى التشكيك في النوايا والمقاصد: قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ [طه:71] .. إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:123] فرعون يشكك في نوايا أولئك الذين آمنوا أن إيمانهم كان مؤامرة اتفقوا فيها مع موسى ليبطشوا بـفرعون ويخرجوه من أرضه.
وهكذا يقول أيضاً عن موسى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26] .
وقوم نوح يتهمون أتباعه بأنهم أقوام يسترزقون من وراء هذه الدعوة ويتلقون على ذلك أجراً ولهذا يقول: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:114] .. وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [هود:30] وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [هود:31]، فأي مال يملكه نوح عليه السلام حتى يعطي أولئك الذين يدعي هؤلاء أنهم إنما اتبعوه لينالوا منه هذا المال، وهكذا يسير هؤلاء وفق هذه الطريقة وهذا الأسلوب القذر في الحديث عن النوايا والمقاصد.
ويطول الأمر .. ويأبى أنبياء الله الخضوع لمنطق السخرية أو الانهزام أو التشويه أو المساومة والإغراء، فليجأ أولئك إلى التهديد بالإيذاء البدني والتصفية: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل:48-51] .
قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشعراء:116] .. لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ [الشعراء:167] .
و فرعون يقول: فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى [طه:71] .. ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26] .
هذه المواقف وغيرها هي التي ترجمها الشيخ النجدي حين حضر ذلك المؤتمر الغاشم الذي عقده ملأ قريش في مؤامرة تكيد للنبي صلى الله عليه وسلم فأثني ذلك الشيطان على ذاك الاقتراح الذي رأى أن يختار من كل قبيلة شاباً جلداً ليجتمعوا على قتل رسول الله فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل..
إن هذا المنطق ليس اجتهاداً ولا إبداعاً منه، إنما هو ميراث ورثه من سلفه من الطغاة الذين تواصوا بهذا المنطق.
وهكذا كانت وتكون مواقف الملأ من أي دعوة صادقة جادة على منهج الأنبياء، ولهذا يقولها ورقة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه وهو يرجف فؤاده قال له: (ليتني حياً إذ يخرجك قومك، قال صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟! قال: نعم، ما جاء رجل بمثل ما أتيت به إلا عودي) .
إنه منهج واحد وطريق واحد.. إنه العداء والإيذاء، ومن ثم فإن أي دعوة تنتظر أن تهادن أهل الشرك والطغيان والفجور والنفاق، وتنتظر أن تتحاشى اللقاء مع الأعداء فهي دعوة ينبغي أن تبحث لها عن موقع خارج منهج الأنبياء، فهاهو منهج الأنبياء أمة واحدة!
إن أولئك الملأ حالهم وقد اغتصبوا هذا السلطان كحال ذاك اللص الذي حين يرى رجل الشرطة يفرق منه ويخاف؛ لأنه يدرك جريمته ويدرك أنه سيقع في الجريمة، وليت هؤلاء يعترفون بظلمهم ويردون الحق إلى أهله ويعيدونه إلى نصابه لكنهم يصرون على اغتصاب ما سرقوه، فالسلطة والأمر والنهي إنما هو لله سبحانه وتعالى، لكن أولئك الملأ والطواغيت يريدون أن يعبد غير الله وأن يتأله لغير الله وأن يسجد لغير الله وأن يطاع ويأمر وينهى غير الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا صار أولئك الأنبياء والدعاة إلى هذا المنهج شوكة في حلوقهم، فالقضية إذاً ليست عداوة شخصية وليست قضية تحتمل التأجيل والمهادنة، إنها صراع بين الحق والباطل.. صراع بين التوحيد والشرك.. بين الهدى والضلال.
القضية الخامسة من معالم منهج الأنبياء: بلسان قومه.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] .. نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [يونس:71] .. وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف:65] .. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف:73] .. وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [النمل:54] .. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85] وهكذا فقد كان الأنبياء من أقوامهم، ويتكلمون بألسنتهم وهذا يحقق مقاصد ومكاسب ...
أولها: حتى يفقه قومه ما يقول ويعون ما يدعوهم إليه، وإلى هذا أشار القرآن في قول الله عز وجل: (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، ومن ثم الخطاب الدعوي الموجه للناس ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ولا يسوغ أن تتجاوز الرغبة في جمال العبارة وحسن الأسلوب لتحول الحديث إلى ألغاز تحتاج في إدراكها إلى خبرات لحل رموزه والبحث عن كوامنه؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس يتكلم بكلام فصل لو عده العاد لأحصاه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد لسائر الناس بل كان يكرر الكلمة ثلاثاً.
ولئن دعت الداعية ضرورة أو وضع لا يمكنه من الإفصاح فليجأ إلى التلميح والإيماء، فإنه لا ينبغي أن يغلو فيحول القضية إلى قضية مبالغة فلا يدركها إلا هو، فيصبح المعنى في بطن الشاعر وحينها لا يعود لدعوته قيمة.
ثانياً: كان النبي بلسان قومه، يعني: أنه منهم يعرفهم ويعرفونه، يعرف طباعهم وما هم عليه، ومن ثم فالداعية إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى أن يعرف واقعه ويعي حال الناس وحال المخاطبون ولهذا اختار الله عز وجل الأنبياء من أقوامهم.
ثالثاً: كون النبي بلسان قومه ومنهم يعني أنهم يعرفونه فليس غريباً عنهم وليس مهزلة فيهم؛ ولهذا قالوا لصالح: قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [هود:62] أي كنا نعرفك قبل هذا ونؤمل فيك الخير، وكان صلى الله عليه وسلم معروفاً بين قومه بالصادق الأمين، وكان يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، كان يأتيه الضعيف فيعينه والمحتاج فيسد حاجته.
ولهذا فالدعاة إلى الله عز وجل.. السائرون على منهج الأنبياء حري بهم أن يكونوا أعلاماً شامخة في أقوامهم يعرفهم القاصي والداني، وقد كانت قريش وقبلهم الأمم المكذبة لأقوامهم يصفون أنبياءهم بصفات النقص ويلصقون بهم التهم الباطلة وهم يعلمون أنهم مكذبون.. مفترون.. ولكنه الهوى والمكابرة.. أما لو كان أولئك الأنبياء نكرات لا يعرفهم إلا أزواجهم وذرياتهم لاستطاع أولئك أن يقولوا فيهم ما يقولون.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد بن عبد الله الدويش - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الباحثات عن السراب | 2597 استماع |
الشباب والاهتمامات | 2467 استماع |
وقف لله | 2329 استماع |
رمضان التجارة الرابحة | 2259 استماع |
كلانا على الخير | 2220 استماع |
يا أهل القرآن | 2195 استماع |
يا فتاة | 2187 استماع |
الطاقة المعطلة | 2124 استماع |
علم لا ينفع | 2089 استماع |
المراهقون .. الوجه الآخر | 2087 استماع |