خطب ومحاضرات
تفسير سورة الزمر [1-5]
الحلقة مفرغة
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر:1-2]
سورة الزمر تشتمل على خمس وسبعين آية، نزلت في مكة المكرمة، إلا آية كما قال البعض، أو آيات كما قال آخرون.
وسميت بالزمر، وهي الجماعات؛ جمع زمرة، وأخذ ذلك من السورة الكريمة؛ لأن الكافرين يساقون إلى جهنم زمراً والمتقين يساقون إلى الجنة زمراً.
وأكثر سور القرآن الكريم سميت بما ذكر فيها كسورة البقرة لورود ذكر البقرة، وكسورة آل عمران سميت بذلك لذكر قصة آل عمران فيها وهكذا.
قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] مبتدأ وخبر، أي: تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن الكريم- من الله العزيز الحكيم، ليس كما ادعى الكفرة والكهنة من أنه قول محمد عليه الصلاة والسلام، أو أ عانه عليه قوم آخرون، بل هو كلام الله المنزل على نبيه محمد سيد العرب والعجم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] أي: من الله العزيز الذي لا ينال جنابه، العزيز الذي لا يقاوم، العزيز الذي يعز على كل من سواه أن يناله أو يتأله عليه.
الحكيم في كل أقواله وأفعاله، الحكيم في قدره وأمره ونهيه، وهو اسم من أسماء الله جل وعلا كالعزيز.
قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2].
الألف واللام للعهد، فالكتاب هو القرآن المتكلم عنه، وإذا أطلق لفظ الكتاب بين العلم والكتب فلا ينصرف إلا إلى القرآن الكريم.
وإذا أطلق الكتاب عند النحاة فلا ينصرف إلا إلى كتاب سيبويه في النحو.
قال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [الزمر:2] هذا الكتاب لم ينزل بباطل، بل نزل بإحقاق الحق، وببيان الحقائق السابقة واللاحقة، نزل وفيه حقائق العقائد والأحكام والحلال والحرام، وكل ما يعود على الخلق من مصلحتهم ومنفعتهم في الدنيا والآخرة.
قال: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] فأول حقيقة نطق بها القرآن وجاءت بها الأنبياء: أن اعبدوا الله مخلصين له الدين، فهو أمر لآدم ولنوح بعده ولسلالته من الأنبياء والمرسلين، إلى إبراهيم وولديه إسماعيل وإسحاق، وإلى سلالة إسحاق من أنبياء بني إسرائيل، وإلى إمام الأنبياء والمرسلين محمد عليه وعلى أبويه إسماعيل وإبراهيم الصلاة والسلام.
فالقرآن جاء بحقائق العبادة مخلصة لله، جاء بلا إله إلا الله.
فقوله: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] أي: فاعبد الله يا محمد! وكذلك كل من سمع بهذا الكتاب وتبع هذا النبي الكريم.
قالوا: الإخلاص في الدين قول لا إله إلا الله، وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله) .
فهي كلمة الإخلاص والتمجيد والتعظيم، ومعناها: لا إله بحق، ولا معبود بحق، ولا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا الله الواحد القهار.
فيقول الله: يا محمد! لا تشرك في عبادتك مع الله أحداً، ولا تراء بها ولا تسمع بها، ولا تتخذ مع الله أنداداً وشركاء وآلهة، إنما هو إله واحد لا إله إلا هو.
فأخلص له العبادة، ولا تشرك معه شيئاً لا في عملك ولا في نيتك ولا في قولك، فكل ذلك اقصد به وجه الله واجعل دينك خالصاً له.
والله جل جلاله أبعد الناس عن قبول ما يشرك به فيه، وصلى الله على نبينا القائل: (إن الله غني عن الشركاء لا يقبل إلا ما كان خالصاً) .
وهكذا يدعو الله جل جلاله عباده المؤمنين إلى إخلاص العبادة له وتخصيصها له، ولا يعبدون معه شركاء ولا يُسمِعون ولا يراءون، فلابد أن تكون عبادتهم لله خالصة، لا يرجون من ورائها جزاءً ولا شكوراً من أحد إلا من المعبود الواحد الأحد سبحانه.
قوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3].
يؤكد ربنا جل جلاله بأن دين الإسلام هو الدين الذي يدين به العبد ربه ويخلص فيه عبادته له، وما كان فيه شائبٌ من الشوائب، أو فيه نية سوء فتلك عبادة مضروب وجه صاحبها بها. (جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! إني أعمل العمل أريد به وجه الله وأريد أن يذكرني الناس بخير، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) .
وقال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] .
والدين ما كان خالصاً له سبحانه، فما شابته من شائبة أو نية سوء أو شرك أو غيره، فتلك عبادة مشركة مضروب بها وجه صاحبها، لا يقبلها الله منه، وعليه وزرها وإثمها.
فقوله: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] أي: لا يقبل الله إلا الدين الخالص من الناس؛ لأن الدين الذي أمروا به هو ما كان لله وحده لا شريك له فيه، وما لم يكن كذلك فليس ديناً ولا عبادة، وبالتالي لا يقبله الله.
فالله جل جلاله لا يقبل إلا ما كان خالص العبادة لوجهه الكريم.
قال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الزمر:3] أي: الذين صنعوا من دون الله أولياء وآلهة، أشركوهم مع الله في العبادة.
قال تعالى: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] يقول هؤلاء الذين اتخذوا الشريك مع الله في عبادته: إنما نتقرب باتخاذ الأوثان والأصنام حجارةً كانت أو ملكاً أو إنساً أو جنياً، فهؤلاء الذين اتخذوا أولياء معبودين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
فهم يدعون أنهم يعبدون الله، وأن عبادتهم لهؤلاء ليست لذواتهم وإنما زلفى وقربى، والزلفى: القرب، أي: نعبدهم متقربين إلى الله بهم.
كان يقول المسلم للكافر: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول له: من خلق السماء والأرض؟ فيقول: الله، فيقول له: من المحيي المميت؟ فيقول: الله، فعندما يقال له: فلم إذاً تعبد الأوثان والشركاء؟ وما معنى عبادتك لها؟ يقول: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، أي: ليكونوا متقربين منهم يشفعون لهم، وهيهات هيهات أن يشفع أحد عنده إلا بإذن.
ولا يشفع الحجر ولا الكافر ولا المشرك؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث ولا باليوم الآخر، فهؤلاء عندما يزعمون هذا الزعم ويدعون هذه الدعوى يزدادون في الشرك إغراقاً وفي الوثنية ضياعاً، فالعبادة ما كانت خالصة لله وحده، فلا شريك ولا ند ولا نظير له.
قال تعالى في سورة النجم: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [النجم:23].
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3].
هؤلاء الذين أصروا على مخالفة وعصيان الأنبياء والدعاة إلى الله، إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [الزمر:3] أي: يوم القيامة، فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر:3] إن الله تعالى يوم القيامة عندما يرى من كان يؤمن غيباً ويصبح وقد آمن شهوداً -يراه المؤمن وغير المؤمن- عند ذلك يحكم الله بين العباد فيحق الحق ويبطل الباطل.
قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ [الرعد:17] .
فالمزيفون المبطلون الوثنيون يؤخذون إلى النار ولا كرامة، والمؤمنون الصادقون المخلصون لله في عبادتهم له يدخلون الجنة زمراً أي: جماعات جماعات.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] يهدي الله من طلب الهداية، وانشرح صدره.
أما المفتري الكاذب على الله اتخذ الآلهة التي هي أعجز من أن تنفع نفسها أو تضرها فضلاً عن أن تنفع غيرها أو تضرها، ما دام مصراً على الكذب والافتراء فإن الله لا يهديه.
قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا [الأنفال:70] .
فهؤلاء لا خير في قلوبهم، وبالتالي لا هداية لهم، وأخيراً لا يصلحون لخير؛ لأن قلوبهم انطوت على الكذب والافتراء على الله، فما داموا كذلك فقد غطى الران قلوبهم، فأصبحوا عمي البصائر قبل أن تعمى منهم الأبصار.
قال تعالى: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4].
لو: شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، بل هو هنا مستحيل، فالولد مستحيل، والشريك مستحيل؛ لأن الله جل وعلا هو الخالق للولد وللصاحبة، وهو غني عنهما، ولا يليق ذلك بالخالق إنما يليق بالمخلوق.
فالله يقول لهؤلاء: لم تختارون لي عيسى وعزيراً، أو الملائكة أو الجن أو غيرهم؟ لو شئت لاخترت الولد مما أخلق حسب اختياري لا حسب رغبتكم واختياركم.
فالنصارى الذين يدعون أن عيسى ولد الله، واليهود الذين يدعون أن عزيراً ابن الله، وادعى اليهود والنصارى جميعاً أنهم أبناء الله، هم كذبة فجرة، فالله لا شريك لله له ولا ولد ولا صاحبة، قال تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3-4] أي: لا كفء له ولا ند، ولا مثيل ولا نظير له.
وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].
فما نسبوه إليه من ولد وصاحبة ما هي إلا أسماء وأكاذيب وأضاليل كذبوها وافتروها على الله الواحد زوراً وبهتاناً.
قوله تعالى: لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [الزمر:4] أي: لاختار، وإذا اختار ذلك مما يخلق -على أن الشرط لا يلزم وقوعه- فيكون مخلوقاً، والمخلوق عبد، والعبد لن يكون ولداً ولن يكون شريكاً بحال من الأحوال، قال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93] فكلنا عبيد له، وملائكة الله ورسله وجميع خلقه عبيد له.
قوله تعالى: سُبْحَانَهُ [الزمر:4] ينزه نفسه جل جلاله، وقد ذكر هذا الشرط قمعاً لهؤلاء وتضييعاً وتزييفاً لزيفهم وباطلهم، فسبح نفسه ونزهها وعظمها وعلمنا كيف نصنع مثل ذلك، فنقول: سبحانه سبحانه، لم يكن له شريك، ولم يكن له أب ولا ولد، بل هو الله خالق كل شيء.
قوله: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4] ليس له أب ولا ابن ولا صاحبة، وحاشاه من ذلك، إنما هو الذي لا أول لبدايته ولا خاتمة لنهايته، كان الله ولا شيء معه، وهو على ما كان عليه، وسيذهب الخلق ويبقى الخالق وحده سبحانه وتعالى.
هو الواحد في ذاته، والواحد في صفاته، والواحد في أفعاله، لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ولا أب.
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] .
قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر:4] الذي قهر خلقه بالموت وبإرادته، يصنع ما شاء بمن شاء كيف شاء جل جلاله، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] .
فنحن مسئولون عن كل شيء يكون عنا، ولكن الله الواحد القهار يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل.
قال تعالى: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ [الزمر:5] أي: أنزل الكتاب بالحق، وأمر العباد بأن يعبدوه بحق، وخلق السماوات والأرض بالحق، لم يخلقها باطلاً ولم يخلقها عبثاً.
قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .
خلق السماوات ومن فيها ليعبدوه جل جلاله، وخلق الأرض ومن عليها ليعبدوه جل جلاله، وكما قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه: (أطت السماء وحق لها أن تئط - صوتت - ما من موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد وهو يقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) .
وكذلك عباد الله المطيعون هم في عبادة دائمة، في صلاة وصيام وزكاة وحج وذكر وتلاوة.
والعبد المؤمن في عبادة مستمرة حتى في المباحات، يكون عابداً وهو نائم، ويكون عابداً وهو يأكل، وذلك إذا فعل المباحات بنية العبادة والعون عليها، وليتفرغ ويزداد نشاطاً للعبادة فيكون بذلك عابداً.
والنبي عليه الصلاة والسلام جعل في جماع الرجل لزوجه أجراً وثواباً، فقد قيل له: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أفرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم، قال: كذلك إذا وضعها في حلال كان له فيه أجر) .
فانتقاله من الحرام إلى الحلال هي عبادة في حد ذاتها؛ لأنه يتزوج ليحصن نفسه ويبتعد عن الإغراء وتزيين الشيطان، كذلك أكله وشرابه، وراحته ونومه وتنقله في أرض الله وبين خلق الله عبادة.
وعندما يفكر في خلق الله ويكثر من ذكر الله فهو في عبادة.
يخبر ربنا معلماً أولئك الذين أشركوا به ومثبتاً لقلوب المؤمنين إلى يوم لقائه بأنه خلق السماوات والأرض بالحق.
قال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5] أي يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل، ويزيد هذا وينقص هذا، يزيد النهار في الصيف وينقص في الشتاء، وأقل النقص تسع ساعات، وأكثر الزيادة خمس عشرة ساعة.
فقوله: يُكَوِّرُ [الزمر:5] من التكوير، عندما يكور الإنسان العمامة على رأسه، ومعنى ذلك: أن الأرض كروية، بمعنى: أن كل ذلك على شبه كرة يلف عليها الليل، ولف الليل أي: غيبوبة الشمس والدخول في الظلام.
وتكوير النهار أي: ظهور الضياء والنور وغيبوبة الليل.
ومما يؤكد هذا قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (العرش فوق الكون وفوق السماوات هكذا، وأشار بيده كالقبة).
وهذا ما أجمع عليه المسلمون في عصر التابعين أخذاً بالنصوص القرآنية والنبوية، ونص على هذا التواتر أئمة في الحديث وأئمة في التفسير وأئمة في الفقه، منهم ابن حزم وابن تيمية والغزالي وآخرون لا يحصي عددهم إلا الله، قالوا ذلك قبل أن يخطر هذا المعنى ببال أحد.
وقال بذلك أحد العارفين بالله من علماء القرن الثاني فقال: الأرض الكروية مستطيلة بيضاوية، وهذا ما أكده الفقه والواقع، فهي كروية ولكنها مستطيلة على شكل بيضة.
وهذا هو المؤكد، فالشهيد الإدريسي المغربي من علماء القرن الرابع وضع مثالاً لجغرافية الأرض من فضة لجميع قاراتها وجعلها كذلك كروية، وكان إماماً كبيراً في الدين والعلم وفي المعرفة بالله كذلك.
قال تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [الزمر:5] أي: ذللها لنفع عباده، فالحي لا يستغني عن ضياء الشمس ولا عن ضياء القمر.
فالنباتات إذا غاب عنها الشمس أو غاب عنها ضياء القمر ذبلت وضاعت، وبالتالي لا تخرج ثمراً، ولذلك يقول الأطباء: بيت لا تدخله الشمس مرضى أهله، وبيت تدخله الشمس أصحاء أهله.
وشتان بين أن تعيش حياتك صحيحاً، وبين أن تعيش مريضاً.
قال تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:5] الشمس والقمر والليل والنهار تجري جميعها وتدور مع الأرض لأجل مسمى عنده، فالأجل المسمى هو يوم يفنى كل شيء ويبقى الواحد القهار، يوم تتصدع السماوات والأرض، ويوم يصبح الكل هباء في هباء كما كانوا.
قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27].
قال تعالى: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر:5] تنزيه مرة أخرى لله الذي جعلوا له شريكاً ولم يخلصوا العبادة له، واتخذوا معه أنداداً وقالوا عنها: إنما عبدوها لتقربهم إلى الله زلفى، وهيهات هيهات، بل تلك هي أباطيل وأسماء ما أنزلها الله، فليس في الكون إلا الله الواحد القهار العزيز الغفار، العزيز الذي لا ينال ولا يغالب، ومن يتأله على الله يكذبه، ومع عزته وقهره وجلاله وجبروته وسلطانه يغفر لمن استغفر، ويتوب على من تاب، والإسلام يجب ما قبله.
فيغفر الله الشرك والكفر، ويغفر جميع الآثام لمن قال يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ولمن آمن بالله رباً وبمحمد نبياً وخاتماً للرسل وللأنبياء أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر:5].
استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة الزمر [60-67] | 1925 استماع |
تفسير سورة الزمر [42-46] | 1903 استماع |
تفسير سورة الزمر [20-22] | 1876 استماع |
تفسير سورة الزمر [36-42] | 1844 استماع |
تفسير سورة الزمر [47-52] | 1767 استماع |
تفسير سورة الزمر [9-12] | 1635 استماع |
تفسير سورة الزمر [71-75] | 1551 استماع |
تفسير سورة الزمر [13-20] | 1202 استماع |
تفسير سورة الزمر [30-35] | 1144 استماع |
تفسير سورة الزمر [23-29] | 924 استماع |