تفسير سورة العنكبوت [22-27]


الحلقة مفرغة

قال الله تعالى: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت:22].

لا نزال مع إبراهيم خليل الله وأبي الأنبياء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يزيف الأوثان والأصنام وعبادتها، ويدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده، ثم ينذر ويهدد هؤلاء الكفرة بأنهم مهما كانوا من القوة والسلطان والجبروت والطغيان فلن يستطيعوا بحال من الأحوال أن يفروا أو يفلتوا من عذاب الله، حتى ولو صعدوا إلى السماء، ولم يكن إذ ذاك عند نزول هذه الآيات الكريمات طيران ولا تحليق ولا صواريخ ولا ما قد عاصرناه وأدركناه، وقد قيل: إن هذه الآية معترضة في محاورة إبراهيم لقومه، فهي من كلام الله سبحانه وتعالى الموجه لهم، وقيل: هي من قوله لهم.

قوله: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [العنكبوت:22] أي: يا هؤلاء الذين أشركوا بالله وخرجوا عن أمر الله لستم بحال من الأحوال بمعجزين، بل أنتم أقل وأحقر من أن تعجزوا الله، أو أن تفوتوا عن أمر الله، أو أن تفلتوا من عقوبته ونقمته وعذابه، سواء كنتم في الأرض أو استطعتم التحليق في أجواء السماء.

وكل ما علا فهو سماء، وأما السماء التي بيننا وبينها خمسمائة عام فهي مساكن الملائكة، وأما السماء في الآية فهي ما علا الإنسان. والأفلاك فيها من الحيوان وفيها من الخلق، وفيها من الدواب التي تدب عليها، وكل ما يدب على الأرض سواء كان داباً على رجلين أو على أربع أو على بطنه فهو خلق من خلق الله.

وقد قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ [الشورى:29]، فقد بث ونشر في الأفلاك العليا وفي الأفلاك السفلى خلقاً من خلقه تدب على أرضه على رجلين أو أربع، أو تزحف على البطون.

فهؤلاء المشركون حيث كانوا من أفلاك الأرض أو أفلاك السماء لن يعجزوا الله طلباً، ولن يعجزوه إن شاء عقوبتهم والنقمة منهم؛ نتيجة كفرهم وعصيانهم.

قوله: وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت:22].

أي: وليس لكم من يتولى عنكم ظلمكم، أو يقف دون الله وعقابه لكم، إذ الكل خلقه، والكل تحت أمره وقهره، ولن يجرؤ أحد على معصيته فضلاً عن عداوته، ولا شريك له مما تزعمون وتفترون وتأفكون.

قوله: (من ولي)، أي: من معين ومساعد ومؤازر.

(ولا نصير): ينصركم على ظلمكم، ومن باب أولى ينصركم على الله، فلن يكون ذلك ولن يوجد وإنما هي خزعبلات نطقت بها ألسنتكم فسميتم الأوثان والأصنام آلهة، وذلك من إفككم ومن اختراعكم، ومن كذبكم على أنفسكم وعلى الحق.

قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [العنكبوت:23].

قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ [العنكبوت:23]:

أي: بكتابه، وبرسله، وبالأدلة القاطعة على أنه الواحد المعبود لا شريك له في ذات ولا صفة ولا فعل، فهؤلاء الذين يكفرون بآيات الله وبلقائه ويكفرون بيوم البعث لا يؤمنون بأن الخلق سيبعثون بعد الموت، وأنهم يحشرون يوم القيامة للحساب والعقاب، ويكون مصيرهم إما إلى جنة وإما إلى نار، فهؤلاء قد كفروا بالله وكفروا بكتبه، وكفروا برسله، وكفروا بلقائه وباليوم الآخر وبالعرض على الله وبيوم القيامة.

أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي [العنكبوت:23]:

يقول الله عن هؤلاء الكافرين: إنهم قد يئسوا من رحمة الله، فقد يئسوا من الجنة، ويئسوا من أن يغفر الله لهم أو يرحمهم، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] فلا يغفر لمن كفر به، ولا يغفر لمن جعل مع الله إلهاً آخر، ولا يغفر لكل من لم يؤمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر، وهو معنى اليأس في الآية، فإنهم قد يئسوا من الرحمة، ويئسوا من الجنة، ويئسوا من مغفرة الذنوب.

قوله: أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [العنكبوت:23]:

الإشارة في قوله: (أولئك) لهؤلاء الذين كفروا بالله، وجحدوا الله ورسله وكتبه، وكفروا بيوم البعث -اليوم الآخر يوم القيامة- فهؤلاء الذين هذه صفتهم وهذه حالهم لهم عذاب أليم موجع، وقد يئسوا من الرحمة في الدنيا ما لم يتوبوا وينيبوا ويئوبوا إلى الحق، وهم في الآخرة أشد يأساً من الرحمة ومن المغفرة، ولهم مع ذلك العذاب الأليم الموجع المؤلم المذل المهين.

قال تعالى: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:24].

بعد هذا العرض والمحاورة من إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام، وهو يدعو قومه إلى ترك الأوثان والأصنام، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الخالق الرازق الذي لا ثاني له ولا شريك، وبعد أن بين لهم وأنذرهم وبشرهم وأوعدهم كان نتيجة ذلك أن أجابوا إبراهيم.

وقوله: فَمَا كَانَ جَوَابَ [العنكبوت:24] نصب الجواب على أنه خبر كان المقدم، وتقدير القول: كان هؤلاء في جوابهم أن هددوه وأنذروه وأخذوا يختلفون بماذا يعاقبونه، فكان فعلهم ومداولتهم لقتله أو لحرقه هو الجواب، وهم بذلك تركوا المنطق والعقل، وتركوا الحوار بالدليل والبرهان، وعادوا إلى استخدام جاههم وقوتهم وسلطانهم، وظنوا أنه لا آخرة، وأن الدنيا بما فيها من جاه وسلطان وقوة لأصحابها تنجيهم من عذاب الله، وتنقذهم من نقمته وغضبه ولعنته.

قوله: (قالوا)، أي: تداولوا بينهم، واختلفوا هل يحرق أم يقتل؟ فقال قوم: اقتلوه، وقال قوم: حرقوه، ثم اتفق رأيهم بعد ذلك على حرقه؛ زيادة في الحقد والنقمة، كافرين بنبوته.. جاحدين لنعمته.. رادين لإرشاده وهدايته.. مصرين على الكفر والشرك.

والضمير في قوله: (قومه) عائد على إبراهيم، (إلا أن قالوا) أي: لم يشاركوه القول في الدليل والبرهان، ولم يردوا أدلته وبراهينه، بل تركوا كل ذلك وأعرضوا عنه، وهذا فعل الجهلة الأغبياء، ومن على شاكلتهم ممن لا دليل له ولا برهان من منطق عقل أو منطق دليل وإنما الإصرار على ما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم من الشرك وتكديسه ومن الكفر وبقائه.

قوله: قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ [العنكبوت:24] أي: فكان ما وصلوا إليه أخيراً أن قالوا: ابنوا له بنياناً فألقوه في النار، فاتفقوا بعد ذلك على حرقه زيادة في الانتقام منه والحقد عليه، فاتخذوا مكاناً جمعوا له الأحطاب من كل جانب، وجمعوا له الحجارة التي تكون وقوداً من الفحم الحجري الذي تدوم فيه النار أكثر من الخشب، فأشعلوه وتركوا ذلك أياماً إلى أن أصبح ناراً بيضاء، حتى أنها من العلو إذا حلق الطير فوقها احترق وسقط، ثم جعلوه في كفة المنجنيق وقذفوه إلى داخل النار انتقاماً وتحفظاً ونصرة لهذه الأصنام التي لا تعي ولا تعقل، وهذه الأوثان التي صنعوها بأيديهم وأسموها آلهة وأرباباً كذباً على الله وعلى رسل الله.

قوله: فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ [العنكبوت:24] أي: بعد أن ألقي في النار وبقي أياماً إلى أن همدت النار وإذا بإبراهيم قائم لم تمسه النار بشيء، وكأنه لم يلق فيها ولم ينبذ، وذلك قول الله جل جلاله: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء:69] ، ولو قال: كوني برداً فقط لمات من الزمهرير وشدة البرد. ولكن قال: (برداً وسلاماً) لتكون برداً عليه مع السلامة في حياته، والسلامة على صحته، والسلامة على بدنه وجسده، وهكذا كان، بعد أن انتهت الأيام والأسابيع وانطفأت النار وهدأت، فقد رئي إبراهيم في مكانه يعبد الله ويسبحه ويهلله ويكبره، وعاد كيد الأعداء في نحورهم، وغصوا بظلمهم، إذا كان كل ما استطاعوا أن يفعلوه هذا، فلم ينفعهم وبقي إبراهيم على حياته وعلى دعوته في رسالته.

قوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:24]:

أي: إن في إنجاء الله وإنقاذه لإبراهيم من نار الكفار الوثنيين لآيات ودلائل وبراهين لقوم يصدقون بالحق.. يؤمنون بالله.. يؤمنون بالرسل وما جاء عن الله وما بلغته الرسل.

وجمع الله الكلام بين قصة نوح وإبراهيم ليقوي قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وليعزيه وليسليه وينشط في تحركاته وبذله لدعوة ربه، وليعطيه نشاطاً إلهياً وحيوية جديدة ليستمر ويثابر على دعاء قومه لله، فلا يمل ولا يقنط، بل يتخذ من أبيه إبراهيم وأبيه الأعلى نوح مثالاً يحتذى، وعبرة يأخذ منها الحكم والدروس فيزداد قوة في الدعوة إلى الله، وإلى التوحيد، محتسباً ما عامله به قومه من التكذيب والتسفيه والقطيعة والاتهام بالباطل، ثم اضطراره لترك بلده وخروجه عنها. فالله يقول له: كما يقول لأتباعه من المؤمنين الدعاة إلى الله: انظروا كيف كان صبر من قبلكم على الدعوة إلى الله، مع ما لاقوه من أقوامهم طوال هذه القرون من تكذيب، وهجران، وسباب وشتائم، وانظروا كيف عومل الأولون من قذف في النار، وتحريق للأبدان على أن يتركوا الدعوة إلى الله، وليدعوا تزييف الأوثان والأصنام فما تركوا ذلك، بل بقوا على ذلك إلى أن لقوا الله.

فمهما أصابك يا محمد فلن يكون كما أصاب نوحاً أو إبراهيم، فاصبر والعاقبة للمتقين، وهكذا كان صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم صبر الرجال الأشداء، وصبر الجبال الراسيات، فكانت العاقبة والنصر له، وكان أن أورثه الله ديار هؤلاء الكفرة المشركين من قومه وغير قومه، ونشر دينه وسلطانه في مشارق الأرض ومغاربها خلال خمسين سنة لا أكثر، فأصبح حكم الله الواحد يعلن في جميع بقاع الأرض ولا يزال، وأصبحت الشهادة بتوحيد الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، تدور على شفة كل مسلم، وفي جميع بقاع الأرض مشارق ومغارب، فلا تكاد تجد بقعة في الأرض يسكنها رجل وامرأة إلا وبينهم من يدعو إلى الله ويؤمن به، ويعترف لمحمد بالرسالة الخاتمة، وأن لا نبي بعده، وأنه الرسول النبي الخاتم إلى يوم القيامة.

قال تعالى: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [العنكبوت:25] .

بقي إبراهيم بعد هذا العذاب، وبعد القذف في النار على دعوته لله، وقال لهؤلاء الكفرة الفجرة: يا هؤلاء! لم تكن عبادتكم للأوثان من دون الله إلا مودة بينكم -أي: إلا بالمودة والمصادقة والمؤاخاة- فما وجدتم شيئاً يجمع إخوتكم ومودتكم وصحبتكم إلا الشرك بالله والكفر به، وعبادة أوثان لا تضر ولا تنفع نفسها فضلاً عن غيرها، أما كان الأجمل بكم والأليق بعقولكم أن تكون المودة الرابطة هي الأة في الله، والحب في الله.. ذاك الحب الدائم، وتلك المحبة الدائمة؟

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..-وذكر منهم-: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه).

ويقول الله عن أخوة الكافرين: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ، وقد جمع بين الأخوة في الله والأخوة في الشيطان، ثم بين أن الأخوة الشيطانية تنقلب إلى عداء وبغضاء يوم القيامة، فيتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ويلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم ببعض، (إلا المتقين) أي: إلا أخوة التقوى فهي الباقية الدائمة، فكما كانت في الدنيا هي كذلك في الآخرة يوم يجمعهم رضوان الله، وتجمعهم رحمة الله، وتجمعهم الجنان وهم إخوان على سرر متقابلين.

قوله: قَال [العنكبوت:25] أي: إبراهيم.

إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا [العنكبوت:25] أي: جعلتموها أرباباً من دون الله.

مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ [العنكبوت:25] أي: لأجل المودة والصحبة والأخوة، وليرضى بعضكم عن بعض، ويصاحب بعضكم بعضاً.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ [العنكبوت:25]: فليس اتخاذكم ذلك إلا في الدنيا ولمن أصر على الكفر، أما يوم القيامة فسيكفر بعضكم ببعض، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166].

فكل أسباب الصحبة والمودة تنقطع، ويقول الأئمة عن تابعيهم: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الممتحنة:4] ، ويقول الأتباع: أنتم الذين أضللتمونا فنحن نتبرأ منكم، ربنا زدهم عذاباً ضعفاً من النار، فكان الجواب: لِكُلٍّ ضِعْفٌ [الأعراف:38] ، اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، فأنتم أحقر من أن يطلب أو يتكلم أو يرجو.

وهنا يقول تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [العنكبوت:25]:

أي: فشأنكم يوم القيامة التلاعن والشتائم والسباب، يتبرأ بعضهم من بعض، فيتبرأ التابع من المتبوع، والمتبوع من التابع.

قوله: وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ [العنكبوت:25]:

المأوى: المنزل والمسكن، فيجمع أئمة النار وتابعيهم، ويجمع كبراء الكفر وأتباعهم في النار، فيجادل بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً.

قوله: وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [العنكبوت:25]:

أي: ليس لكم سلطان ولا جاه، ولا مال ولا قوة، ولا جيوش ولا حشم، فلا ناصر من دون الله، يوم يخذلون من القريب والبعيد.. من التابع والمتبوع، يوم يأتون فرادى كما خلقوا وينادي الجبار: لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16]؟ فلا يجيب أحد، ثم يجيب الله نفسه بنفسه: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16].

قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت:26].

وبعد هذه المدة الطويلة، وما لقي إبراهيم من عنت قومه، وقذفه في النار لم يؤمنوا له حتى الأقارب إلا لوط عليه السلام وزوجته ابنة عمه سارة ، وكان لوط ابن أخيه قد آمن بنبوته ورسالته، وعندما آمن قال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26]، أي: سأهجر دار الكفر التي يسكنها الظالمون وأهاجر إلى حيث أعبد الله حراً كما شئت وكما يأمرني ربي دون أن أجد معترضاً أو مانعاً أو متسلطاً قهاراً جباراً.

قوله: (فآمن له لوط) أي: آمن به، ومعنى: آمن له، أي: صدقه وقبل رسالته فعبد الله وحده، ونبذ الأوثان والأصنام، وبعد إيمانه قال: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26].

وقد اختلف في قائل ذلك، فقال بعضهم: الذي قال ذلك هو إبراهيم، والكلام لا يزال عن إبراهيم ولم ينته بعد. وقال قوم: الضمير يرجع إلى أقرب مذكور كما هي قواعد لغة العرب التي نزل بها القرآن، والذي ذكر قبل ذلك بقرب هو لوط في قوله: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ُ [العنكبوت:26].

وسواء قلنا إن المهاجر هو لوط أو قلنا: إبراهيم، فقد هاجر إبراهيم وهاجر لوط، فهاجر إبراهيم إلى الشام، وهاجر معه ابن أخيه لوط إلى الشام، ثم استقل لوط بالهجرة إلى إقليم سدوم من أرض الشام، وهي اليوم أرض الغور في الأردن.

والهجرة إلى الله لا تنقطع إلى يوم القيامة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، وأما قوله لمن حاول أن يهاجر من مكة إلى المدينة بعد أن صارت مكة دار إسلام وفتحتها كلمة التوحيد: (لا هجرة بعد الفتح) فإن الكلام مقيد، وقواعد الأصول تقول: إن الكلام إذا قيد بقيد فروح الكلام هو ذلك القيد، وإليه يتوجه النفي والإثبات، فقوله: (لا هجرة بعد الفتح) الفتح هنا هو الفتح المعهود للسامع وهو فتح مكة، فالألف واللام في قوله: الفتح، للعهد الذهني الموجود في ذهن الطالب للهجرة وفي أذهان الحاضرين السامعين لذلك، فقال لأهل مكة: (لا هجرة بعد الفتح) أي: فقد أصبحت مكة دار إسلام فلا حاجة للهجرة منها؛ لأن الهجرة تكون من دار الكفر أو دار الفسق إلى دار الإيمان والتقوى والصلاح، وأما الهجرة من دار إيمان إلى دار إيمان بلا سبب فلا داعي لها ولا مرغب فيها.

ويسنثنى من ذلك إذا كان هناك سبب؛ كالهجرة لمكة المكرمة مثلاً رجاء الأجر في أن تكون الصلاة بمائة ألف صلاة، أو كالهجرة إلى المدينة المنورة رجاء أن تكون الصلاة بخمسين ألف صلاة، أو كالهجرة إلى القدس -وهي دار إسلام وأنوف اليهود وأنصارهم في الرغام- رجاء أن تكون الصلاة بخمسمائة صلاة، وهذا هو معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنقطع الهجرة إلى يوم القيامة).

والمعنى: إذا كانت دار الإسلام فالأندلس مثلاً عاشت مسلمة 800 عام، ثم انقلبت إلى الكفر والتنصير -أعادها الله للمسلمين- فإن بقي فيهم مسلم يجب عليه الهجرة منها.

كذلك الهجرة من دار الفاسقين، فقد تكون البلد بلد إسلام ولكن الحكام أصبحوا يتحاكمون بأحكام اليهود والنصارى ويتأدبون بآدابهم، وانتشر الفسق والدعارة علناً، وتكشفت الأعراض وتعرت النساء، وشربت الخمور، وانتشرت الفواحش بكل أنواعها وألوانها، فإن وجدت داراً وأرضاً ليس فيها ذلك، وهي أقرب للإيمان والطاعة فيستحسن بالمؤمن الهجرة إليها إن استطاع فراراً بدينه، وحفاظاً على دين أهله وأولاده، وأسوته في ذلك لوط وإبراهيم، وأصلهما معاً من ضواحي الكوفة، ولم تكن الكوفة إذ ذاك ولكن أرضها وبقعتها في أرض العراق، فأرسل إبراهيم إلى العراق وكان معه لوط في العراق أيضاً، وهم أبناء أسرة واحدة في مدينة الكوفة، ومكانها اليوم، ولا تزال تسمى بهذا الاسم، وهي أشبه بقرية منها بمدينة لها مقامها وسلطانها، فلما كانت الدار لا تزال دار كفر، ولا يزال النمرود سلطاناً عليها هاجر منها إبراهيم إلى الشام ومعه لوط، إلا أن لوطاً هاجر على حدة وهاجر إبراهيم على حدة، وكان مهاجر لوط أرض سدوم من أرض فلسطين في أرض الغور فيما يسمى اليوم بالبحر الميت، وكانت تسمى في التاريخ بالبحيرة المنتنة.

وذكر الهجرة من بلاد الكفر هنا يفيد أنها ستبقى مشروعة لكل المؤمنين، وأن هجران المؤمن بلاد الكفار أو بلاد الفاسقين ماض إلى يوم القيامة، ولكل إنسان نيته، وإنما الأعمال بالنيات.

قوله: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [العنكبوت:26] .

إن ربي هو العزيز يعز من يشاء ويذل من يشاء، إنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ.

ترك لوط وإبراهيم أرض الكفر والشرك في العراق طلباً لعزة التوحيد والإسلام والطاعة، ورغبة في عزة عبادة الله في حرية من غير مضايقة من حاكم ولا محكوم؛ ولذلك ختمت الآية بذكر العزة وبكون الله هو العزيز الحكيم، فهو العزيز الذي لا يقاوم وما من عزة إلا منه وإليه، إذ العزة لله، وهو الحكيم الذي يضع الأمور مواضعها أمراً ونهياً، فهو الحكيم في أفعاله، وفي أوامره، وفي نواهيه، وفي عقابه، وفي رحمته ومغفرته.

قال تعالى: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [العنكبوت:27].

قوله: وَوَهَبْنَا لَهُ [العنكبوت:27]، مما يؤكد أن الضمير في قوله: وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [العنكبوت:26] عائد على إبراهيم وأنه هو المهاجر؛ إذ الموهوب له إسحاق ويعقوب هو إبراهيم عليه السلام، فالكلام لا يزال عاماً والآيات في نسقها وتسلسلها كلها عن إبراهيم، وما ذكر لوط معه إلا استطراداً في أنه مع طول هذه الأوقات والأزمان لم يؤمن به أحد إلا لوط ابن أخيه.

قوله: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [العنكبوت:27] إسحاق هو الولد الثاني لإبراهيم، وقد وهبه من زوجته سارة ، وقبله وهب الله تعالى لإبراهيم إسماعيل، كانت سارة أم إسحاق قد غارت من إسماعيل وأمه أن كان لها ولد وهي عقيم، فأدرك ذلك إبراهيم عليه السلام، فخاف على ولده إسماعيل منها وهو النبي الكريم والرسول الذي في ذريته النبوة والكتاب، فنقله إلى موضع مكة المكرمة -المكان الذي فيه ماء زمزم- كما مضى ذلك وسيعود في الكلام على ذكر إسماعيل ورسالة إسماعيل ونبوة إسماعيل.

وقد كان إسحاق نبياً فقط، وكان إسماعيل نبياً رسولاً، ولا شك أن النبي الرسول أفضل وأكرم، إذ إن النبوة وحي إلى رجل ليعلمها في نفسه ولم يكلف بأن يبلغها غيره، فمصلحته هو دينه، وعبادته مقصورة عليه فقط، أما الرسول فهو رجل أوحي إليه بشرع، وأمر به في نفسه وأن يبلغه لغيره، وكان كذلك إسماعيل.

وقد وهب الله تعالى لإبراهيم زيادة على أن وهب له قبل ذلك إسماعيل إسحاق، ثم في حياته وهبه حفيداً نبياً كذلك وهو يعقوب بن إسحاق، فما مات إبراهيم حتى كان له من سلالته ثلاثة أنبياء: ولدان وحفيد، والحفيد ولد، فالأب عندما يولد له ولد يكون قد وهب ذلك، فإذا جاء الحفيد كان ولداً مرتين: مرة لأبيه ومرة له.

وقد حاول بعضهم ألا يفهم سياق قوله تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) ولا يقابل الآي بعضها ببعض ويدع بعضها يفسر بعضاً فقال: إن إسحاق ويعقوب كليهما ولدا إبراهيم من صلبه وليس أحدهما ولداً والآخر حفيداً، وهذا كلام مرجوح يدل على غفلة ووهم، وإلا فذاك مذكور ومعروف بالتواتر قرآناً وسنة وفي جميع كتب التأريخ القديمة التي تقص تأريخ الأنبياء وحياتهم.

فمعنى الآلة: وَوَهَبْنَا لَهُ [العنكبوت:27]، أي: لإبراهيم، إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [العنكبوت:27]، أي: وهب له إسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب، فبعد أن يصبح إسحاق رجلاً بالغاً متزوجاً سيولد له كذلك، فولد له يعقوب، ولذلك يقول تعالى: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26] أي: في ذرية إبراهيم وإسحاق، فكل نبي جاء بعد إبراهيم فهو من سلالته وذريته، والذرية: الأولاد والسلالة -ولا تزال هذه الكلمة في لهجة المغرب إلى اليوم فيقولون عن الأولاد: ذراري- وكما جعل الله كل من جاء من الأنبياء بعد إبراهيم من أولاده وسلالته جعل كل كتاب كان بعد إبراهيم في ذريته وسلالته، فإبراهيم ولد إسماعيل وولد إسحاق، وإسحاق ولد يعقوب، ويعقوب ولد يوسف، وكل من جاء بعد ذلك فهم من سلالة يعقوب من أنبياء بني إسرائيل إلى خاتمهم عيسى، فهو ابن إبراهيم من أمه ولا أب له.

فكان يعقوب أبا أمه كما نقول: الحسن ابن رسول الله والحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وعليهما وسلم، فهما ولداه لأنهما من ذريته من بنته فاطمة ، ثم هما من عشيرته بني عبد المطلب، فهو يجمع الكل أبوة وهو يجمع الكل أمومة.

فـالحسن والحسين ابنا علي وعلي ابن عبد المطلب وعبد المطلب كما هو جد علي هو جد النبي صلى الله عليه وسلم.

فيعقوب هنا هو حفيد إبراهيم، وجميع من جاء بعده من سلالته هم من بني إسرائيل، فهم جميعاً ذرية إبراهيم، ونبينا عليه الصلاة والسلام، كذلك فجده الأعلى هو إسماعيل، وإسماعيل هو ابن إبراهيم، فكان من الخصائص التي خص الله إبراهيم عليه السلام بها كما خص نوحاً من قبل أن جعل الأنبياء من أبنائه، إذ إن نوحاً انفرد بالأبوة لأن الطوفان غمر كل الأرض، فكان الأب الثاني للبشرية بعد آدم، وكان أبا الأنبياء من بعده إلى إبراهيم، وكان إبراهيم الوالد الأعلى لمن جاء بعده من الأنبياء، فهو والد إسحاق وإسماعيل، وإسماعيل أبو نبينا عليه الصلاة والسلام الأعلى، وإسحاق أبو أنبياء بني إسرائيل الأعلى.

أما الكتب فإن التوراة نزلت على موسى وهو من أنبياء بني إسرائيل من سلالة إبراهيم، والزبور نزل على داود وهو من أنبياء بني إسرائيل من سلالة إبراهيم، والإنجيل نزل على عيسى وهو من سلالة إبراهيم، والقرآن الكريم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو ولد إبراهيم من ولده إسماعيل، فكانت كل الكتب السماوية وكل النبوات والرسالات بعد إبراهيم في سلالته، ولا أشرف ولا أكرم ولا أعظم من ذلك، وليس ذلك فحسب بل إن الله خص إبراهيم بالخلة فكان خليل الله، ثم كان نبينا بعد ذلك خليل الله.

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26]، فالكتاب جنس، أي: كتاب الإله المنزل زبوراً وتوراة وإنجيلاً وقرآناً، فكلها نزلت على الأنبياء والرسل من سلالته ومن ذريته.

قوله: وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا [العنكبوت:27].

وقد أكرم الله إبراهيم حيث وفى بالوعد، وقام بجميع ما أمره ربه به، وكان المثال الذي يحتذى به من أولي العزم من الرسل في جميع ما أمره الله به أو نهاه عنه.

وقد أكرمه الله بإكرامات لم يكن لها نظير أو شبيه، ونبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن في ذريته النبوة والكتاب، ولكن كان الأمر أعظم من ذلك، فكان هو النبي والرسول لكل الأمم من البشر بعد مبعثه، وأما أولئك الماضون فلم تكن نبوءتهم إلا مقصورة على أقوامهم وتنتهي بوفاتهم، أما نبوة نبينا فلقومه ولمن كان في عصره ولمن جاء بعده إلى عصرنا، ولمن يأتي بعدنا إلى يوم القيامة، فكتابه المنزل عليه هو كتابنا وكتاب الأولين والآخرين، كل ما فيه: (يا أيها الناس!) فنحن الناس المخاطبون، وكل ما فيه (يا أيها الذين آمنوا!) فنحن الذين آمنوا المخاطبون فيه، وكل ما فيه من أوامر ونواه فنحن الذين نؤمر بها وننهى عنها كما أمر الأولون ونهوا، وكما سيظهر التالون وينهون.

فهو الرسول العالمي لكل الأمم والعصور مشارق ومغارب، بيضاً وسوداً، حمراً وصفراً، ولم يكن هذا في إبراهيم؛ ولذلك طلب من الله أن تسترسل النبوءة بعده إلى أن تكون في ذريته.

وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا [العنكبوت:27]:

والأجر الذي أعطاه وهو لا يزال في الدنيا كونه أولاً وهب له الأنبياء والمرسلين في حياته، وهب له ولدين جميلين نبيين كريمين إسماعيل وإسحاق، ووهب له في حياته يعقوب من ولده إسحاق، ثم جعل النبوءة في سلالته إلى نبينا صلى الله عليه وعليهم أجمعين، ثم أكرمه كذلك فجعل الكتب السماوية جميعها تنزل على سلالته وأولاده: داود وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعاً صلاة الله وسلامه، ثم جعله محترماً مقدراً عند جميع الأديان.

فالنصارى يدعونه ويقولون: هو نبينا الأول، فيجلونه ويكرمونه ويذكرونه بالخير، واليهود يقولون ذلك فيجلونه ويكرمونه، والمجوس منهم من يسمون بالبراهمة نسبة إليه، وعبدوا النار قالوا: لأنها أطفئت على إبراهيم؛ فعوضاً عن أن يعبدوا خالق النار والذي أطفأ النار، والذي أنقذ إبراهيم من النار، تركوا المسبب وعبدوا السبب لجهلهم وسخافة عقولهم.

فإبراهيم كان مقدساً محترماً عند المجوس وعند اليهود والنصارى والمسلمين، وبذلك آتاه الله أجره في الدنيا.

وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ [العنكبوت:27]:

أي: وفي الآخرة سيكون في زمرة الصالحين زمرة أبيه الأعلى آدم وأبيه الثاني نوح، ومع سلالته من الأنبياء والرسل الكرام، فهو أيضاً من جملتهم وينال منالهم ويكرم كرامتهم، ويكون في الفردوس الأعلى من الجنان حيث منازل الأنبياء والمرسلين.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة العنكبوت [52-60] 2269 استماع
تفسير سورة العنكبوت [28-33] 2196 استماع
تفسير سورة العنكبوت [41-45] 1816 استماع
تفسير سورة العنكبوت [61-69] 1774 استماع
تفسير سورة العنكبوت [1] 1708 استماع
تفسير سورة العنكبوت [48-51] 1632 استماع
تفسير سورة العنكبوت [1-7] 1540 استماع
تفسير سورة العنكبوت [18-22] 1492 استماع
تفسير سورة العنكبوت [46-47] 1219 استماع
تفسير سورة العنكبوت [8-11] 1181 استماع