[265] سورة الشعراء (1) - تدبر - محمد علي يوسف
مدة
قراءة المادة :
دقيقتان
.
وإن المستبد لا يسعى فقط لأن يكون نِدًّا لله في نفوس العباد بل هو في الحقيقة لا يرضى حتى أن يكون الله له نِدًّا..المستبد لا يقبل إلا أن يكون وحده مِلء الأسماع والأبصار والقلوب عند أتباعه..
أن يكون وحده محل خشيتهم ومحبتهم ورغبتهم ورهبتهم..
{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} [الشعراء من الآية:38]..
هكذا قطعية صريحة مُعلنَة محكمة قالها رمز الاستبداد فرعون..
وهكذا فرَّق بينها وبين مقام الربوبية فهو في قرارة نفسه يدرك أنه ليس خالقهم ولا رازقهم ومدبر أمرهم فلم يفرد ذلك المعنى لنفسه؛ بل ذكره بصيغة التفضيل التي لا تنفي وجود ربٌ غيره وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]..
لكنه حين تحدَّث عن الألوهية والتعبُّد والطاعة والولاء لم يقبل إلا إفراده وحده..
هو وحسب..!
{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي}..
ولا يكتفي المستبد بتقرير ذلك المبدأ نظريًا بل هو يفرضه عمليًا ويجعل على ضده العقوبة فيبطش بمن لم يقبل بالعبودية له ويقمع من تحرُّر منها ووحَّد خالقه وأفرده بالعبادة..
{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء من الآية:29]..
فعبودية المستبدين بالإكراه وألوهيتهم سبيلها البطش والبغي والتعذيب وبديلها عندهم السجن بل وأحيانًا القتل وتقطيع الأوصال..
{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ} [الشعراء من الآية:71]..
كذلك المستبدون..
وكذلك يفعلون..!