أرشيف المقالات

أحكام صلاة الجمعة للمسلمين في الغرب

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
أحكام صلاة الجمعة
للمسلمين في الغرب

هذه بعض الفتاوى التي تتعلق بصلاة الجمعة أجابت عنها اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية:
(أ) العدد المطلوب لصلاة الجمعة:
يقول السائل: أنا أحد الطلبة السعوديين الذين يدرسون بالولايات المتحدة، وإنا نواجه صعوبات تعترض طريقنا؛ منها: صلاة الجمعة، فقد كنا من قبل لا نصليها لعلمنا أنها لا تجوز إلا بأربعين رجلاً، ونحن أقل من أربعين، ولا نعلم ما إذا سقطت عنا أم لا؟

الجواب: من كان مقيماً مثلكم إقامة تمنع قصر الصلاة في السفر فعليه إقامة صلاة الجمعة على الصحيح من أقوال العلماء، ولا يشترط لوجوبها ولا لصحتها أن يكون العدد أربعين رجلاً، بل يكفي أن يكونوا ثلاثة فأكثر من الرجال المستوطنين، على الصحيح أيضاً من أقوال العلماء؛ لعموم قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونَنَّ مِنَ الغَافِلِينَ"[1].
وغير المستوطنين من المقيمين إقامة تمنع القصر تلزمهم الجمعة تبعاً لغيرهم من المستوطنين.

أما ما مضى من ترككم صلاة الجمعة من قبل لعلمكم أنها لا تجب عليكم إلا إذا كنتم أربعين رجلاً فنرجو أن يعفو الله عما سلف؛ بسبب جهلكم بالحكم[2].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو                     عضو نائب الرئيس               الرئيس
عبدالله بن قعود       عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي           عبدالعزيز بن باز
 
(ب) أداء المرأة لصلاة الجمعة:
سُئلت اللجنة الدائمة للإفتاء، يقول السائل: ما حكم أداء المرأة لصلاة الجمعة، وهل تكون قبل أو بعد صلاة الرجال أو معهم؟

الجواب: لا تجب الجمعة على المرأة، لكن إذا صلت المرأة مع الإمام صلاة الجمعة فصلاتها صحيحة، وإذا صلت في بيتها فإنها تصلي ظهراً أربعاً، ويكون بعد دخول الوقت، أي بعد زوال الشمس، ولا يجوز أن تصلي الجمعة لما تقدم[3].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو                     عضو نائب الرئيس                   الرئيس
عبدالله بن قعود      عبدالله بن غديان عبدالرزاق عفيفي             عبدالعزيز بن باز
 
(ج) ترجمة خطبة الجمعة:
سُئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة فقال: (من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم (.......) سلمه الله، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلتني رسالتكم الكريمة المؤرخة في 26/8/1383هـ وصلكم الله بهداه، وفهمت ما تضمنته من كتابة بعض المثقفين بمدينة (كاتان كدى) الواقعة بجنوب جزيرة سيلان إلى معاليكم يذكر فيما كتبه إليكم: أن سكان هذه المدينة البالغ عددهم (200.000نسمة) قد حدث بينهم خلاف حول جواز ترجمة خطبة الجمعة بلغتهم الوطنية..
الخ، ورغبة معاليكم في إبانة الصواب في هذه المسألة حسبما تقتضيه قواعد الشرع المطهر، والمصلحة للمخاطبين بالخطبة، وعليه فإجابة لسؤالكم وتحقيقاً لرغبتكم، ومساهمة في الإصلاح بين المسلمين وحل النزاع بين المتنازعين، ومحاولة لنشر التعاليم الإسلامية، والتوجيهات المحمدية بلغة القرآن الكريم، وغيرها من اللغات المستعملة، أذكر لكم في هذه الرسالة ما أعلمه من الشرع المطهر في هذه المسألة فأقول:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد تنازع العلماء رحمهم الله في جواز ترجمة الخطبة المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات العجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم، رغبة منهم في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها، وتشجيعاً للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها، وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية، نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي والآثام، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة، وتحذيرهم من خلافها.

ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، ولا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية، ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها، تسابقاً إلى تعلمها، وحرصاً عليها، فالمقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالبقاء على اللغة العربية لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغة السائدة بين المخاطبين الذين يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها، وزوال المفسدة، وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية، فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين، فيخطب باللغة العربية، ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين.

ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة، منها ما تقدم، وهو: أن المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله، ودعوتهم إليه، وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم.


ومنها: أن الله سبحانه إنما أرسل الرسل عليهم السلام بألسنة قومهم؛ ليفهموهم مراد الله سبحانه بلغاتهم، كما قال عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4].
وقال عز وجل: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].
وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات إلى النور، وهم لا يعرفون معناه، ولا يفهمون مراد الله منه، فعلم أنه لابد من ترجمة تبين المراد، وتوضح لهم حق الله سبحانه إذا لم يتيسر لهم تعلم لغتهم، والعناية بها، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها، ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية، وأمروا الناس بتعلمها ومن جهلها منهم دعوة بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة، ولا شك أن هذا السبيل لابد منه، ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل فصيل بلغته، فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.

وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينه والتمسك بشريعته والاستقامة عليها وأن يصلح ولاة أمرهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه إنه جواد كريم[4].


(د) صلاة الجمعة قبل الزوال:
سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، يقول السائل: هل تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة – لضرورة دخول العمل في فرنسا – مع العلم أننا إذا لم نصلها قبل الدخول إلى العمل وذلك قبل الزوال بساعة لم نصل الجمعة، فهل للضرورة إباحة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب: في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل، ولا تجزئ؛ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتبع الفيء)[5]، ولقول أنس رضي الله عنه: (كَانَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ)[6]، وقال جماعة: لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة، وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه: (كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي - يعني الجمعة - ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ)[7]، ولقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ) [8].

ويجمع بين الأحاديث: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان، ويصليها قبل الزوال قريباً منه أحياناً.

وعلى هذا فالأولى أن تُصلَّى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخروجاً من الخلاف، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية، وأن فيها سعة، فمن صلى قبل الزوال قريباً منه فصلاته صحيحة إن شاء الله، ولا سيما مع العذر، كالعذر الذي ذكره السائل[9].

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو                         نائب الرئيس الرئيس
عبدالله بن قعود                  عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن باز
 
(هـ) إقامة جمعتين في مسجد واحد:
يقول السائل: في مسجد المهاجرين في بون – ألمانيا الاتحادية، أدى تزايد عدد المصلين في مسجدنا يوم الجمعة إلى اضطرار المصلين إلى السجود على ظهور بعضهم البعض بسبب ضيق المساحة في المسجد، وبالتالي إلى تهديدنا من قبل بلدية المدينة بإغلاق المسجد لمخالفة الشروط الفنية، إذا لم نحدد عدد المصلين بمائة مصل فقط، ومع ذلك نحن مضطرون أمام هذا التهديد إلى إقامة صلاتي جمعة في نفس المسجد بإمامين وخطبتين في وقتين مختلفين، نرجو إفادتنا إذا كان هناك ما يمنع من ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب: الأصل عند فقهاء الإسلام عدم تعدد الجمعة في البلد الواحد إلا عند الضرورة كامتلاء المسجد بالمصلين، وبُعد المكان ونحو ذلك.

وهذه الصورة المسؤول عنها من الضرورات التي يتاح فيها إقامة جمعة أخرى في مكان أو مسجد آخر، فإن لم يوجد فالذي نراه إقامة جمعة ثانية في المسجد نفسه حتى يتيسر وجود مكان آخر لإقامة جمعة ثانية.
والله أعلم.

[1]رواه مسلم برقم (865).

[2] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8 /211-212) برقم 1978.

[3] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8 /212) برقم 4147.

[4]فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله (12 /371-375).

[5] صحيح البخاري برقم (4168) وصحيح مسلم برقم (860).

[6] صحيح البخاري برقم (904).

[7] برقم (858).

[8] أخرجه البخاري في صحيحه برقم (4168) وصحيح مسلم برقم (860).

[9] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (8 /216-217) برقم 4944.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣