ليس التأخير كالمنع
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
ليس التأخير كالمنعالمشاعر الإنسانية كائنٌ حيٌّ، ينمو ويتغيَّر، ويَشِبُّ ويهرَم، ويتعقل ويندفع، ولا بدَّ من إشباعه كأيِّ كائن حيٍّ آخر، وإلَّا سيحدث له خلَلٌ ما، وبما أنَّ هذا الكائن يعيش بقلبك، ويؤثِّر على نفسك ومزاجك وطموحاتك؛ فعليك إشباعه ليكون متَّزنًا.
فنجد غالب علماء النَّفس يربط بين ذكاء الطِّفل ونموِّه الطبيعي، وبين حبِّ الأمِّ ورعايتها وما تبثُّه فيه من مشاعر، يكتسب منها ثقةً وقدرة على المواجهة.
وما أن يصِل الطِّفل إلى المراهقة إلَّا ويحتاج جرعةً أكبر من هذه المشاعر؛ لأنَّه يرى نفسه في مرحلةِ تطوُّرٍ جسديٍّ تُخيِّل إليه أنَّه أصبح كاملَ الرجولة/ أو كاملة الأنوثة، وهنا على الأسرة الانتباه له ومضاعفة إشباع مشاعره، وإلَّا سيبحث عنها خارج نِطاق سيطرة الأسرة كلِّها، ومن هنا يكون معرَّضًا لرفاق السوء/ أو رفيقات السوء كذلك!
فنجد الفتاة مثلًا التي تتلقى مشاعرَ الحبِّ والدفء، والحوار الأسري والاحتضان، وترك مساحة من الاستقلال لها في محيطٍ رقابي مرِن - نراها أقل عُرضة للوقوع في علاقات غراميَّة لا تصحُّ لها في هذه المرحلة - خاصة أنَّ تأخير سنِّ الزواج هو المأخوذ به في مجتمعاتنا - فلا يعلم منتهاها إلَّا الله، حتى لو كان هذا الغرام بأحد المشاهير كما يحدث، فهو استنزاف للمشاعر وللطاقة - وحتى الأموال - بلا طائل.
فرعاية المشاعر وتعهُّدها في هذه المرحلة لا زال مرتبطًا بالأسرة؛ لتكمل نقص الخِبرة والعمر في نَفس الابن؛ لتقلِّل خفوقه في كثير من العلاقات، وتوفِّر عليه مشاعرَ سلبيَّةً كثيرة كان حتمًا سيقع فيها إن لم يُدعم عاطفيًّا من الأهل.
نأتي للشاب والفتاة بعد تخطِّي هذه المرحلة واكتمال الرجولة والأنوثة، فقد وصلتْ لمرحلة الاستقلال العاطِفي، وبدأت تفرِّق بين حبِّ الأبوين وحبِّ الفطرة في الجنس الآخر، فأبدأُ حديثي مع هذه الفئة بـ:
• ليس التأخير كالمَنع!
الحمد لله أن ديننا الإسلام؛ فقد أقرَّ بوجود الشهوات، ولم يَكبِتْها، ولم يجعل مَن اشتهاها مذنبًا يقتل بين ضميره وشهوته حتى يمزق بيديه أحدهما، ويعيش إمَّا عبدًا لشهواته بلا ضمير، أو منكسر النفس لا يَشعر بالحياة يسيطر عليه شعورُ الحرمان!
بل أقرَّ خالقُك ما تشتهيه، ولم يسجن فِطرتَك التي فطرَك عليها؛ فقد قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ...
﴾ [آل عمران: 14].
فالدِّين أبعد ما يكون عن تنكيد الناس واعتبار الفِطرة غولًا يطارد الناس؛ بل مَن خلقك بك عَليم، ما كان أن يفطرك على شيء ثمَّ يعاقبك أن شعرتَ به...
فقط اضبط سلوكك؛ هذا هو ما ستُحاسب عليه، ولا تتكلَّف كثيرًا في هذا الباب؛ وليكن شِعارك لنفسك في هذا الأمر: (مرَّ الوقتُ واقترب المراد)، ما هي إلا مسألة وقت.
وإن وقَع منك ما تُحاسَب عليه، فلا أوسع من باب ربِّك، اثبت عليه، واطلب توبته، واقتدِ بالصالحين، واختر رفقةً تعينك على الصَّبر، واعلم أن الله كتَب على نفسه الرَّحمة، فأقبِل عليه واستبشر، فسيعطيك جائزةَ ثباتك؛ ليس بالمغفرة فقط، بل سيبدل السيِّئات حسنات بكرمه، ما عليك إلَّا أن تسمع نداءه:
• ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [آل عمران: 133]
وماذا سيعقب هذه المغفرة؟
• ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
ما صفاتهم؟ كيف أكون منهم؟ هل ألحق بهم؟ من أين البداية؟
• ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
نعم، ولكن أين أهرُب من ذَنبي الذي فعلتُه؟ إنه يكبِّلني، أخشى عدم القبول، أشعر بالإحباط!
إليك باقي الآيات: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 135].
الطَّريق واضح.
معكم نلتقي على خير دومًا على أرض دنيانا، وتحت مظلَّة ديننا.