تفسير سورة الواقعة [1-14]


الحلقة مفرغة

سورة الواقعة سورة مكية، وآيها ست وتسعون آية، وسميت بالواقعة لأنها مملوءة بوقائع القيامة، والقيامة هي الواقعة العظمى؛ لوقوعها في أشد الأحوال. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (يا رسول الله! قد شبت! قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه: ( يا رسول الله! قد شبت ) ليس المقصود به أن الشيب قد كثر في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته، لكنه شيب قليل معدود، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما زاد الشيب جداً في لحيته ورأسه، وإنما كانت شعرات معدودة. وقوله: (شيبتني هود.. إلخ) أي: شيبتني هذه السور لما فيها من أهوال يوم القيامة. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلوات كنحو من صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف، كانت صلاته أخف من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور). وهناك بعض الأحاديث الضعيفة التي لا تصح بحال عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كحديث: (من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً).

يقول الله تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة:1-2]. إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ أي: نزلت وجاءت. و(الواقعة) عَلَمٌ بالغلبة على القيامة أو منقول، سميت بذلك لتحقق وقوعها، وكأنه قيل: إذا وقعت التي لابد من وقوعها. واختيار (إذا) مع صيغة المضي للدلالة على ما ذكر. لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ أي: كذب أو تكذيب. فقد جاء المصدر على زنة (فاعلة) كالعاقبة والعافية، واللام للاشتقاق. أو المعنى: ليس حين وقعتها نفس كاذبة، أي: تكذب على الله أو تكذب في نفيها، واللام للتوقيت. قال الشهاب : والواقعة السقطة القوية، وشاعت في وقوع أمر عظيم، وقد تخص بالحرب، ولذا عبر بها هنا. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي صوابه أن (إذا) هنا هي الظرفية المضمنة معنى الشرط، وأما قوله الآتي: إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا [الواقعة:4] فهي بدل من قوله: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ، وأن جواب (إذا) هو قوله: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة:8]، فالمعنى: إذا قامت القيامة وحصلت هذه الأهوال العظيمة ظهرت منزلة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. وقوله: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ أي: قامت القيامة، فالواقعة من أسماء القيامة، كالطامة والصاخة والآزفة والقارعة. وقد بين الله جل وعلا أن الواقعة هي القيامة بقوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة:13-16]. وقوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة:2] فيه أوجه من التفسير معروفة العلل عند العلماء كلها حق، وبعضها يشهد له القرآن: الوجه الأول -وهو أقرب هذه الوجوه- أن قوله تعالى: (( كَاذِبَةٌ )) مصدر جاء بصيغة اسم الفاعل، كالعافية تأتي بمعنى المعافاة، والعاقبة تأتي بمعنى العقبى، ومنه قوله تعالى عند جماعة من العلماء: لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً [الغاشية:11]، أي: لا تسمع فيها لغواً. والمعنى هنا: ليس لقيام القيامة كذب ولا تخلف، بل هو أمر واقع يقيناً لا محالة. ومن هذا المعنى قولهم: حمل الفارس على قرنه فما كذب.أي: ما تأخر ولا تخلف ولا جبن، ومنه قول زهير : ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا إذا كذب الليث عن أقرانه صدق، فهو لا يفعل الوشاية. يدل عليه قول الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ [النساء:87]، وقال تعالى: وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا [الحج:7]، وقوله تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران:9]، وقال تعالى: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ [الشورى:7]، فقوله: (لا ريب فيه) يشبه قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ . أما الوجه الثاني في تفسير قوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ فقالوا: إن اللام في قوله: ( ليس لوقعتها ) ظرفية، و(كاذبة) اسم فاعل صفة لمحذوف، أي: ليس في وقعة الواقعة نفس كاذبة، بل جميع الناس يوم القيامة صادقون بالاعتراف بالقيامة مصدقون بها، ليس فيهم نفس كاذبة بإنكارها ولا مكذبة بها. وهذا المعنى يشهد له قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [الشعراء:201]، فحينما تقع القيامة سوف يقر بها جميع الناس ولن يرتاب بها أحد؛ لأنهم يعاينونها. وقال تعالى: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [الحج:55]. وقال تعالى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66].

يقول تعالى: خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:3]. أي: تخفض الأشقياء إلى الدركات وترفع السعداء إلى الدرجات؛ لأن دركات النار تذهب نازلة، فكلما نزلت تكون أبعد قعراً، ودرجات الجنة تذهب علواً، فكلما صعدت تكون أعلى وأرقى، فالوقائع العظام تخفض قوماً وترفع آخرين. وقوله: خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ، خبر مبتدأ محذوف، أي: هي خافضة رافعة، ومفعول كل من الوصفين محذوف، قال بعض العلماء: التقدير: (خافضة) أي: هي خافضة أقواماً في دركات النار (رافعة) أقواماً إلى الدرجات العلى في الجنة، كما قال عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، وقال أيضاً: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [طه:75-76]، وقال تعالى: (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا)[الإسراء:21]. وقال بعض العلماء: تقديره: خافضة أقواماً كانوا مرتفعين في الدنيا، رافعة أقواماً كانوا منخفضين في الدنيا، وهذا المعنى يشهد له قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:29-35]، فهم على الأرائك في علو وارتفاع، في حين أن العلو كان في الدنيا للكفار الذين كانوا يسخرون منهم. وقال بعض العلماء: تقديره: خافضة بعض الأجرام التي كانت مرتفعة؛ لأن القيامة يحصل فيها اضطراب في نظام الكون وينهدم هذا الوجود كله، فهي خافضة بعض الأجرام التي كانت مرتفعة كالنجوم التي تسقط وتتناثر يوم القيامة، وذلك خفض لها بعد أن كانت مرتفعة، كما قال تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ [الانفطار:2]، وقال تعالى: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير:2] . وكذلك رافعة، أي: رافعة بعض الأجرام التي كانت منخفضة، كالجبال، فالجبال ثابتة على سطح الأرض، لكنها يوم القيامة ترتفع من أماكنها وتسير بين السماء والأرض، يقول تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47] أي: لأنه لم يبق على ظهرها شيء من الجبال، وقال تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل:88]، وذلك على الراجح إنما يكون يوم القيامة، أي: تسير الجبال بين السماء والأرض كسير السحاب الذي هو المزن، وقد صرح تعالى بأن الجبال تحمل هي والأرض أيضاً يوم القيامة في قوله: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ [الحاقة:13-14]. وعلى هذا القول فالمراد تعظيم شأن يوم القيامة، وأنه يختل فيه نظام العالم، أما على القولين الأولين، فالمراد الترغيب والترهيب؛ ليخاف الناس في الدنيا من أسباب الخفض في الآخرة فيطيعوا الله، ويرغبوا في أسباب الرفع فيطيعوه أيضاً. وإذا كان في تفسير الآية أقوال عدة غير متناقضة ويحتملها لفظ القرآن الكريم؛ فالصواب حملها على جميع تلك المعاني؛ لأنها لا تتعارض، وفي نفس الوقت كل منها يحتمل ويوجد ما يؤيده من القرآن الكريم، إنما نحتاج للصحيح إذا كان بين الأقوال تعارض.

يقول الله تبارك وتعالى: إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:4-6]. إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا أي: إذا زلزلت زلزالاً شديداً. وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا أي: فتتت، أو سيقت وأذهبت وسيرت. ((فكانت هباءً منبثاً)) أي: متفرقاً. والهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر، وقيل: هو ما يرى من الكُوَّة كهيئة الغبار، فإذا كان في الغرفة فتحة ينفذ منها ضوء الشمس فإنك ترى هذا الهباء في ضوء الشمس الداخل في الكوة. يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: (( إِذَا رُجَّت )) بدل من قوله: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] والرج: هو التحريك الشديد. وما دلت عليه هذه الآية من أن الأرض يوم القيامة ستحرك تحريكاً شديداً جاء في قوله تعالى: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1]، وقال تعالى: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]. أما قوله: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ففي معناه لأهل العلم أوجه متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً وكلها حق، وكلها يشهد له القرآن. قال أكثر المفسرين: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا أي: فتتت تفتيتاً حتى صارت كالبسيسة، وهي دقيق ملتوت بسمن. ومنه قول لص من غطفان أراد أن يخبز دقيقاً عنده فخاف أن يعجل عنه، فأمر صاحبيه أن يلتاه ليأكلوه دقيقاً ملتوتاً وهو البسيسة فقال: لا تخبزا خبزاً وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا فهذا الوجه يشهد له قوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل:14] يعني: رملاً متهايلاً. ومنه قول امرئ القيس : ويوماً على ظهر الكثيب تعذرت علي وآلت حلفة لم تحلل ومشابهة الدقيق المفتوت للرمل المتهايل واضحة، الدقيق المفتوت يشبه كثيب الرمل المتهايل، فقوله تعالى: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل:14] مطابق في المعنى لتفسير: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا [الواقعة:5]؛ لأن بسها هو تفتيتها وطحنها، وما دلت عليه هذه الآيات من أنها -أي: الجبال- تسلب عنها قوة الحجرية وتتصف بعد الصلابة والقوة باللين الشديد كلين الدقيق والرمل المتهايل، يشهد له في الجملة تشبيهها في بعض الآيات بالصوف المنفوش الذي هو العهن، كقوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة:5]، وقوله تعالى: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج:8-9] وأصل العهن أخص من مطلق الصوف؛ لأنه الصوف المصبوغ خاصة، ومنه قول زهير بن أبي سلمى في معلقته: كأن فتاة العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم وقال بعضهم: الجبال منها جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا دكت وفتتت يوم القيامة وطيرت في الجو أشبهت العهن إذا ذرته الريح في الهواء وهذا الوجه يدل عليه ترتيب كينونتها هباءً منبثاً. بالفاء على قوله: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:5-6] أي: متفرقاً؛ فوصفها بالهباء المنبث أنسب لكون البس بمعنى التفتيت والطحن. الوجه الثاني: أن معنى قوله تعالى: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا أي: سيرت بين السماء والأرض وعلى هذا فالمراد ببسها سوقُها وتسييرها، من قول العرب: بسست الإبل أبسها، وأبسستها وأبسها لغتان، بمعنى: سُقْتُها. ومنه حديث: (يخرج أقوام من المدينة إلى اليمن والشام والعراق يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). وهذا الوجه تشهد له آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ [الكهف:47]، وقال تعالى: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [النمل:88] . أما الوجه الثالث في تفسير قوله تعالى: وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فهو أن المعنى: نزعت من أماكنها وقلعت، وهو راجع للوجه الأول، يقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه:105]، وقال تعالى هنا: فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:6]، وكقوله: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [النبأ:20]، والهباء إذا انبث -أي: إذا تفرق واضمحل- صار لا شيء، كالسراب قال الله تعالى فيه: (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور:39].

يقول تعالى: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:7-9]: يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً أي: ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف: قوم عن يمين العرش، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيمن، ويؤتون كتبهم بأيمانهم ويؤخذ بهم ذات اليمين، قال السدي : وهم جمهور أهل الجنة. وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين خرجوا من شق آدم الأيسر، ويؤتون كتبهم بشمائلهم، ويؤخذ بهم ذات الشمال، وهم عامة أهل النار عياذاً بالله من صنيعهم. وطائفة سابقون بين يديه، وهم أخص وأحرى وأقرب من أصحاب اليمين فهم سادتهم، وفيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين، ولهذا قال: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:8-10]، وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، وذلك على أحد القولين في تفسير الظالم لنفسه بأنه الكافر. وقال ابن عباس : أصنافاً ثلاثة وقال مجاهد : فرقاً ثلاثاً، وقال ميمون بن مهران : أفواجاً ثلاثة، فاثنان في الجنة وواحد في النار. كما جاء عن عثمان بن سراقة . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27] وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ [الواقعة:41] فقبض بيده قبضتين فقال: هذه للجنة ولا أبالي وهذه للنار ولا أبالي) .

تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة..)

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً [الواقعة:7] أي: صرتم أزواجاً ثلاثة. فهي:-أي كنتم- هنا بمعنى (صرتم)؛ لأن العرب أحياناً تطلق (كان) بمعنى (صار)، ومنه قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] يعني: فتصيرا من الظالمين. ثم بين هذه الأزواج الثلاثة بقوله: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:8-12]: أما أصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمين؛ لأن الله سبحانه وتعالى وضحها بعد ذلك في قوله: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:27-28]، وأصحاب المشأمة هم أصحاب الشمال، وضحهم بقوله: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ [الواقعة:41-42] . قال بعض العلماء: قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم. وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة. وقيل: لأنهم عن يمين أبيهم آدم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ليلة الإسراء. وقيل: سموا أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين، كما تقول: هذا فلان ميمون الطلعة. أي مبارك، فيقول: وسموا أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين، أي: مباركين على أنفسهم؛ لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليمن: البركة. وسمي الآخرون أصحاب الشمال قيل: لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم. وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار. والعرب تسمي الشمال شؤماً، ومن هنا قيل لهم: أصحاب المشأمة. أو لأنهم مشائيم على أنفسهم، فعصوا الله فأبقاهم في النار، والمشائيم ضد الميامين، وقال الشاعر: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا نائب إلا ببين غرابها وبين جل وعلا أن السابقين هم المقربون، وذلك في قوله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]. وهذه الأحوال الثلاثة المذكورة هي وجزاؤها في أول هذه السورة الكريمة جاءت هي وجزاؤها أيضاً في آخرها، وذلك في قوله تبارك وتعالى: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:88-94]. والمكذبون هم أصحاب المشأمة، وهم أصحاب الشمال، وذكر تعالى بعض صفات أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة في سورة البلد في قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:13-18]، فهذه بعض صفات أصحاب اليمين، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:19-20].

الدلالة البلاغية في قوله تعالى: (ما أصحاب)

وقول الله هنا: مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وقوله: (( مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )) استفهام أريد به التعجب من فعل هؤلاء في السعادة، والتعجب من فعل هؤلاء في الشقاوة، والجملة فيها مبتدأ وخبر، وهي خبر مبتدأ قبله، وهو (أصحاب الميمنة) في الأول و(أصحاب المشأمة) في الثاني، وهذا الأسلوب يكثر في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3]، وكذلك قوله: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2]، والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفى. أما السابقون فلم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله. قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، واضح على أنه استفهام تعجبي فهو تعجب بمعنى الخبر، وقوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) هذا تعجب بمعنى الخبر أيضاً. أما في السابقين فقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، فذكر في مقابله تشريف بعض السابقين، فلم يقل: السابقون وما أدراك ما السابقون! وإنما كرر اللفظ. والمعنى أنهم لا يحتاجون إلى تعريفهم، كما قال أبو النجم : أنا أبو النجم وشعري شعري فقوله: شعري شعري يعني: شعري هو الذي بلغك خبره، وانتهى إليك وصفه، فكأنه من شهرته لا يحتاج إلى أن يعرف، ولن أقول في تعريفه أكثر من ذلك. من شدة الثقة بتمكنه في ذلك، فلا يزيد شيئاً على وصفه بذلك.

تفسير القاسمي لقوله تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة)

يقول العلامة القاسمي رحمه الله تعالى: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً [الواقعة:7] أي: أصنافاً ثلاثة. (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) تقسيم وتنويع للأزواج الثلاثة، مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها. وإطلاق الميمنة والمشأمة اللتين هما الجهتان المعروفتان على منزلة السعداء الذين هم الأبرار والمصلحون من الناس وعلى دركة الأشقياء الذين هم الأشرار والمفسدون من الناس، أصله من تيمن العرب باليمين وتشاؤمهم بالشمال كما في السانح والبارح، وقولهم للرفيع: هو مِنِّي باليمين، وللوضيع هو مِنَّي بالشمال، وتجاوزاً به أو كناية به عما ذكر. وقيل: الميمنة والمشأمة بمعنى اليُمن والشؤم. فليس بمعنى الجهة، بل بمعنى البركة وضدها، لما غلب عليهم من أنفسهم وأفعالهم، وفي جملتي الاستفهام إشارة إلى ترقي أحوالهم في الخير والشر تعجباً منه.

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً [الواقعة:7] أي: صرتم أزواجاً ثلاثة. فهي:-أي كنتم- هنا بمعنى (صرتم)؛ لأن العرب أحياناً تطلق (كان) بمعنى (صار)، ومنه قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [البقرة:35] يعني: فتصيرا من الظالمين. ثم بين هذه الأزواج الثلاثة بقوله: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:8-12]: أما أصحاب الميمنة فهم أصحاب اليمين؛ لأن الله سبحانه وتعالى وضحها بعد ذلك في قوله: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:27-28]، وأصحاب المشأمة هم أصحاب الشمال، وضحهم بقوله: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ [الواقعة:41-42] . قال بعض العلماء: قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم. وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة. وقيل: لأنهم عن يمين أبيهم آدم كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ليلة الإسراء. وقيل: سموا أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين، كما تقول: هذا فلان ميمون الطلعة. أي مبارك، فيقول: وسموا أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة لأنهم ميامين، أي: مباركين على أنفسهم؛ لأنهم أطاعوا ربهم فدخلوا الجنة، واليمن: البركة. وسمي الآخرون أصحاب الشمال قيل: لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم. وقيل: لأنهم يذهب بهم ذات الشمال إلى النار. والعرب تسمي الشمال شؤماً، ومن هنا قيل لهم: أصحاب المشأمة. أو لأنهم مشائيم على أنفسهم، فعصوا الله فأبقاهم في النار، والمشائيم ضد الميامين، وقال الشاعر: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا نائب إلا ببين غرابها وبين جل وعلا أن السابقين هم المقربون، وذلك في قوله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11]. وهذه الأحوال الثلاثة المذكورة هي وجزاؤها في أول هذه السورة الكريمة جاءت هي وجزاؤها أيضاً في آخرها، وذلك في قوله تبارك وتعالى: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:88-94]. والمكذبون هم أصحاب المشأمة، وهم أصحاب الشمال، وذكر تعالى بعض صفات أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة في سورة البلد في قوله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد:13-18]، فهذه بعض صفات أصحاب اليمين، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:19-20].

وقول الله هنا: مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وقوله: (( مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ )) استفهام أريد به التعجب من فعل هؤلاء في السعادة، والتعجب من فعل هؤلاء في الشقاوة، والجملة فيها مبتدأ وخبر، وهي خبر مبتدأ قبله، وهو (أصحاب الميمنة) في الأول و(أصحاب المشأمة) في الثاني، وهذا الأسلوب يكثر في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3]، وكذلك قوله: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2]، والرابط في جملة الخبر في جميع الآيات المذكورة هو إعادة لفظ المبتدأ في جملة الخبر كما لا يخفى. أما السابقون فلم يذكر فيه استفهام تعجب كما ذكره فيما قبله. قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، واضح على أنه استفهام تعجبي فهو تعجب بمعنى الخبر، وقوله تعالى: (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) هذا تعجب بمعنى الخبر أيضاً. أما في السابقين فقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ، فذكر في مقابله تشريف بعض السابقين، فلم يقل: السابقون وما أدراك ما السابقون! وإنما كرر اللفظ. والمعنى أنهم لا يحتاجون إلى تعريفهم، كما قال أبو النجم : أنا أبو النجم وشعري شعري فقوله: شعري شعري يعني: شعري هو الذي بلغك خبره، وانتهى إليك وصفه، فكأنه من شهرته لا يحتاج إلى أن يعرف، ولن أقول في تعريفه أكثر من ذلك. من شدة الثقة بتمكنه في ذلك، فلا يزيد شيئاً على وصفه بذلك.