تفسير سورة الفتح [1]


الحلقة مفرغة

يقول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفتح:8-9]. إن إثبات المزايا والخصائص التي ميز الله عز وجل بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، والأخلاق التي زينه بها صلى الله عليه وسلم، واعتقاد اختصاصه بهذه الكمالات؛ واجب شرعاً تتوقف عليه صحة عقيدة المسلمين، كما صرح بذلك العلماء؛ لأن الله تبارك وتعالى تولى بيان هذه المرتبة العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صراحة ووضوح وجلاء، كما بينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم المتواترة، وكذا إجماع العلماء. إن تبيان أسرار هذه الخصائص العظمى كان أحد المهام التي كلف الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وخليله محمداً عليه الصلاة والسلام ببيانها، فقال عز وجل مخاطباً إياه: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11]. أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يحدث أمته بما أنعم الله عليه؛ ليعرفوا قدره ويعتقدوه، ويزدادوا حباً له وتعظيماً، فالتحدث بهذه النعم في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجب؛ لأن الله أمره بذلك، وفي حق غيره من الأمة جائز إذا أمن العجب والرياء. ولا شك أن تتبع ما صح من فضائله وخصائصه صلى الله عليه وآله وسلم من أسباب تعمير القلوب بمحبته، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (أشد أمتي لي حباً قوم يكونون بعدي يود أحدهم لو أعطى أهله وماله وأنه رآني) رواه الإمام أحمد وغيره. (أشد أمتي لي حباً قوم يكونون بعدي) يعني: بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، يبلغ شدة حب أحدهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لو كانت رؤيته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تنال بالتضحية بالأهل والأولاد والأموال لسمحت نفسه ببذل أهله وماله وكل ما هو عزيز لديه في سبيل أن يرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ليس هذا فحسب، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبادل هؤلاء المؤمنين الذين يخرجون بعده أو يكونون بعد وفاته إلى قيام الساعة نفس هذه المحبة، ونفس هذا الشعور كما صرح بذلك قوله عليه الصلاة والسلام في شأن الذين يحبونه بالغيب، يقول عليه الصلاة والسلام: (وددت أنا قد رأينا إخواننا، قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين يأتون بعد، وأنا فرطهم على الحوض) رواه الإمام مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم، المعنى: وأنا أسبقهم إلى الحوض أنتظرهم لأستقبلهم على الحوض. إذاً: من الواجبات التي كلف الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: أن يحدث بنعمة الله عليه، ومن الواجب علينا أن نعتقد بكل ما جاء في الكتاب والسنة وأجمعت الأمة عليه من خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك أفرد بعض العلماء هذا الموضوع بالتفصيل كالإمام السيوطي رحمه الله تعالى في (الخصائص الكبرى)، ومن كتب المتأخرين كتاب (دلالة القرآن المبين على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين)، تتبع فيه صاحبه جميع هذه المواضع في القرآن الكريم وبين ذلك. من المواضع التي يناسب أن نتحدث فيها عن هذه المزايا وهذه الخصائص الخاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة العظيمة وهي سورة الفتح؛ لأنها اشتملت على الإشارة إلى هذه النعم من أولها إلى آخرها، يقول تعالى في صدرها: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا [الفتح:1-3].. إلى أن قال تبارك وتعالى أيضاً في هذه السورة: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:8-9]. فمن أسباب إرساله صلى الله عليه وسلم إلى البشرية أن يعرفوا قدره الشريف عليه الصلاة والسلام، ويعزروه ويوقروه، ويسبحوا الله سبحانه وتعالى بكرة وأصيلاً، فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في قوله: (( وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ )) عائد إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً: من مقاصد الرسالة والبعث أن تعرف البشرية قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم ربه له، ليوفوه قدره حق قدره.

من أعظم خصائص النبي صلى الله عليه وسلم إيتاؤه القرآن العظيم

من أعظم خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق هي إيتاؤه القرآن العظيم، حيث شرفه بأن أنزل عليه أشرف كتبه.. بأشرف سفارة.. وهي سفارة جبريل عليه السلام.. في أشرف البقاع وهي مكة المكرمة.. في أشرف شهور السنة وهو رمضان.. في أشرف لياليه وهي ليلة القدر.. بأشرف لغة وهي اللغة العربية.. على أشرف رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم.. إلى أشرف أمة وهي أمة الإسلام. فالله سبحانه وتعالى خص النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن العظيم، وجعله المعجزة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل وبما أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وبه ختم النبوة، وسوف تأتي أجيال.. وأجيال.. وأجيال بعد وفاته عليه الصلاة والسلام تنتسب إلى ملته وأمته، وتفتقر إلى هديه؛ إذا اقتضت الحجة على البشرية أن جعل الله سبحانه العلماء -الذين هم ورثة الأنبياء- يقومون ببيان الاستدلال بهذا القرآن الذي هو معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، ولذلك كان من أعظم فضائله إيتاؤه القرآن، فإنه كتاب معجز ومحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف على مر الدهور قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والقرآن جامع لكل شيء، ومستغن عن غيره، ومشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب السابقة والديانات، وهو ميسر للحفظ، ونزل منجماً، ونزل على سبعة أحرف، يقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42]، وقال عز وجل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، وقال عز وجل: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ [الإسراء:106] أي: جزأناه لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]. وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) يعني: المعجزات الحسية التي يؤمن البشر إذا رأوها، تقوم مقام كلام الله سبحانه وتعالى المباشر بأن هذا الرسول حق وصدق فآمنوا به واتبعوه، فبدل أن يخاطب الله الناس مباشرة بمثل هذه العبارة أرسل الرسل وأيدهم بما يقوم مقام هذه الشهادة بصدق الرسل، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي)، كتاب علم كما قال عز وجل: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] يعني: وحياً؛ لأن العلم هنا هو الوحي، وطريق العلم هو الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر) معناه: أن معجزة الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، ومن ذلك خرقه العادة في أسلوبه وبلاغته، وإخباره بالمعنيات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر عنه أنه سيكون دليلاً على صحة نبوته صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل أيضاً في معنى هذا الحديث: إن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار: كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصائر، فلا تنقرض بانقراض مشاهدها، بل تبقى ويشاهدها كل من جاء بعد الأول باستمرار، فيكون من يتبعه لأجلها مؤمناً، ولذلك قال: (وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) لماذا؟ لأن معجزتي باقية ودائمة وخالدة. إذاً: تخصيص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإيتائه القرآن العظيم تشريف يفوق ما أوتي النبيون من كتب ومعجزات، إذ كان ما أوتوه عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يعدو أن يكون خارقاً من الخوارق ينتهي بانتهاء زمنه أو تشريعات ووصايا تختص بقليل من الناس لا تجاوزهم إلى غيرهم، أما القرآن فهو معجزة الدهر، وكتاب الزمن، ودستور الحياة في شتى نواحيها، يعلم الإنسانية ويأخذ بيدها إلى حيث رقيها وسعادتها، يصحح ما أخطأ فيه كبار الفلاسفة والمفكرين من الحقائق الكونية، ويقوم ما انحرف عنه زعماء المتدينين من العقائد الدينية، يساير التقدم العلمي ويدعو إلى تحرير الفكر والعقل من أغلال التقليد وأوهام الجمود، أثبت من النظم والقوانين ما لم يصل إليه فقهاء التشريع في القديم والحديث، وثم مناهج للأخلاق وآداب السلوك قصرت عنها أنظار علماء الاجتماع في أرقى الأمم حضارة في شرق الأرض وغربها. يضاف إلى هذا فصاحة أسلوبه، وسلاسة ألفاظه وترتيله، وروعة تصويره، وأخذه بمجامع القلوب، وامتلاكه للنواصي والألباب. وإنك لتجد البون شاسعاً بينه وبين سائر الكتب المنزلة الخفي منها والجلي، والكتب الأخرى غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل كتب غير معجزة كما صرح بذلك شيخ إعجاز القرآن الأول من علماء التفسير وهو الزمخشري بلا منازع على بدعته وضلاله، واتباعه لمنهج المعتزلة، لكن مع ذلك فهذا مما لا يتكلم فيه عن جهل، حيث إن الزمخشري من أوفى الناس حظاً من ناحية بيان إعجاز القرآن الكريم البلاغية، فـالزمخشري صرح أن الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل غير معجزة، إذ الإعجاز خاص بالقرآن من بين سائر الكتب السماوية، على أن الإنجيل عبارة عن مواعظ ووصايا ألقاها عيسى عليه السلام على أتباعه عقب نزولها عليهم من غير أن تدون في كتاب، والأناجيل الموجودة عند النصارى هي من تأليف بعض الحواريين، كتبوا فيها سيرة عيسى بعد رفعه بمدة طويلة، وهذا هو السبب فيما يوجد بين النسخ المختلفة من تناقض واختلاف وغير ذلك من التحريفات. إذاً: اختص القرآن الكريم بكونه الكتاب المعجز دون سائر الكتب التي أنزلت على النبيين، فإذا وازنت التوراة المسماة: بالعهد القديم بأسلوبها وأحكامها وتعاليمها ووصاياها وما فيها من قصص وتواريخ بسورة من سور القرآن أدركت الفارق الكبير بين الكتابين، وكأنك بهذه الموازنة تحيك نور الشهاب من تلك الشهب التي تعترض في الأفق لامعة، ثم تنطفئ لا يكاد يقرأ بها أحد، إلا من كان يرقب حركاتها لغرض من الأغراض، كأنك تقرأ في نور هذا الشهاب بدون الشمس الذي يضيء الدنيا، ويبعث الحرارة في الكون، ويسري مع شعاعه الحياة والنور، ويذهب ظلام الليل وما حواه من ظلمات وأوهام. ومن هنا قال الله سبحانه وتعالى ممتناً على نبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ) أي: لقد خصصناك بهذا الكتاب وشرفناك به، وذخرناه لك، ولم ننزله على إبراهيم وموسى وعيسى؛ لأنهم -وإن كانوا رسلاً مكرمين- لم يصلوا إلى رتبتك، ولا حاموا حول منزلتك، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:51]. قال الزمخشري : أولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين؛ لأن هذه الآيات من سورة العنكبوت هي أن المشركين اقترحوا: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت:50] فأتى الجواب: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ))، لو كانوا فعلاً طالبين للحق فقد جاءتهم الآيات، بل جاءتهم أعظم آيات على الإطلاق: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ )) آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين، هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان، فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها، وتكون في مكان دون مكان؟! إن في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر لرحمة يعني: لنعمة عظيمة، وتذكرة لقوم يؤمنون. وخص الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين، وآخرهم بعثاً، وبأن شرعه مؤيد إلى يوم القيامة، وناسخ لجميع الشرائع قبله، وأنه لو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]. (خاتم النبيين) يعني: آخر الأنبياء ختمت به النبوة، ولم يقل: وخاتم المرسلين؛ لأنه يحتمل لو قال: خاتم المرسلين أن يقول قائل: كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فيمكن أن يبعث بعده نبي، لكن عندما يسد الباب بختم النبوة التي هي قنطرة إلى الرسالة؛ فلا شك أن ذلك يتضمن أيضاً ختم الرسالة. وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48] فالقرآن مهيمن وحاكم على ما عداه من الكتب، ولذلك استدل بهاتين الآيتين -وهما قوله: (( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ))، وقو

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أعطي خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أعطي خواتم البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطهن أحد قبله.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أرسل إلى الناس كافة

ومنها عموم دعوته للناس كافة، كما قال تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28]، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]. فهو رسول الله إلى البشر كافة، وهو أكثر الأنبياء تبعاً من حيث كثرة عدد الأتباع، وهو مرسل إلى الإنس والجن بالإجماع، وإلى الملائكة في قول. وأنه أوتي الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه نصر بالرعب مسيرة شهر

عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا الحديث فيه تبيان لبعض خصائصه التي لم يشركه فيها نبي آخر: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر) يعني: العدو الذي يكون بعيداً عنه لمسافة تقطع في شهر فإنه إذا وصل إليه خبره -على بعد هذه المسافة- يقذف الله في قلبه الرعب والخوف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وذكر بعض العلماء أن هذا أيضاً متحقق لأمته، وإذا صح هذا القول فلعله يفسِّر كيف أن قوى الكفر والشرك والوثنية من كل أجناس العالم الآن تتكالب وتتوحد ضد المسلمين، مع ما عليه المسلمون وما عليه من الضعف والهوان والانحراف عن دينهم، ومع ذلك ليس لهم حديث إلا عن الإسلام، والتخويف من الإسلام، حتى جعلوا كلمة الإرهاب مرادفة للإسلام، جعل أعداء الله الصادون عن سبيل الله كلمة الإرهاب بديلاً لكلمة الإسلام، فالإرهابيون هم المسلمون، والإسلام هو الإرهاب، وصدقوا فإن الله سبحانه قال: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]، وصدقوا فإن الذي ألقى في صدروهم هذه الرهبة وهذا الخوف هو الله الذي نصر رسوله ونصر أمته بإلقاء الرعب في قلوب أعدائه، فهم يخافون أن ينهض المسلمون من كبوتهم، وحينئذ لا تقوم لهم قائمة، فهذا يعرفونه جيداً لأمر مهم جداً، وهم يهتمون كثيراً بدراسة التاريخ، ويعرفون خصائص هذه الأمة أكثر مما يعرفها أكثر المسلمين ممن يجهلون حقيقة هذه الهوية الكبيرة، وهذا الشرف الذي شرفهم الله به حين جعلهم مسلمين، وجعلهم من أمة خير الأنام محمد عليه الصلاة والسلام. فنحن نرى أقوى دول العالم سواء كانت أمريكا أو غيرها من حيث القوى المادية كيف أن خوفهم من الإسلام جعلهم يخططون بخطط كلها توضع من أجل الإسلام، ويصرحون في كل حين ووقت أن عدوهم الأول هو الإسلام، مع ما فيه المسلمون من الضعف، فما بالك لو توحد المسلمون؟! وما بالك لو اعتز المسلمون بدينهم ورجعوا إلى سابق مجدهم وسابق عهدهم؟! وفي الحقيقة إن هؤلاء القوم يورثون للأجيال الحقد على الإسلام والمسلمين، فالإنسان إذا تتبع جذور هذه الأساليب الوحشية التي يسلكها الكفار مع المسلمين سواء ما حصل من الصرب، أو ما حصل من قبل في الحروب الصليبية من المذابح، وفي الأندلس وغيرها من البلاد إلى يومنا الحاضر؛ يعرف هذا، فلو أدركتم ما كان عليه المسلمون من العزة وما كان عليه الكفار من الذلة والهوان خاصة في العقود الأخيرة أو الفترات المتأخرة كالخلافة العثمانية لوجدتم تحقيق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً

قوله: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) يعني: لا يشترط أن تكون الصلاة في مسجد كالأمم السابقة، من أنه لابد أن يتعبد في المكان المعين، بل حتى الماء إن فقده فيتيمم في المكان الذي يصلي فيه، والأرض كلها طهور، وعند العجز عن الماء أو فقدان الماء فيوجد التراب في كل مكان، فهي شريعة سهلة حنيفية.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه أحلت له الغنائم

قوله: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) لقد كان المجاهدون من قبل في الأمم السابقة إذا حصلوا على غنائم في القتال يجمعونها في مكان واحد، ثم تنزل نار من السماء فتحرقها، أما هذه الأمة فأحلت لها الغنائم.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم إعطاؤه الشفاعة

قوله: (وأعطيت الشفاعة). والمقصود هنا: الشفاعة العامة، أي: وأعطيت الشفاعة العامة لإراحة الخلائق من الموقف، ومن أهوال يوم القيامة، أما غيرها من الشفاعات فقد شاركه فيها غيره من الأنبياء، بل والملائكة والصالحون، فهناك شفاعات بعض منها فيه نوع من خصائص الرسول عليه السلام، فيوم القيامة يجتمع الخلق كلهم والبشر أجمعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما يمرون على عامة الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا، وتأملوا يوماً طوله خمسون ألف سنة، والشمس تدنو بمقدار ميل، حتى يغرق الناس في عرقهم، والميل هو الميل الذي يوضع به الكحل في العين، أو هو المسافة المعروفة التي هي حوالى كيلو ونصف أو أكثر، وهذا من أجل أن نتخيل كيف تكون شدة هذا الموقف! فالشمس تبعد عن الأرض بمقدار ثلاثة وتسعين مليون ميلاً، فتخيلوا الثلاثة والتسعين ألف ألف ميل، عندما تصير ميلاً واحداً، كيف يكون الحال؟! على أي الأحوال هذه الشفاعة المذكورة هنا: (أعطيت الشفاعة) المقصود بها الشفاعة العامة في الخلائق كلها، كي يبدأ الحساب، وتوضع نهاية لهذا الوقوف الذي يمتد خمسين ألف سنة، أما غيرها من أنواع الشفاعات فهي ثابتة للنبي عليه السلام، ويشاركه فيها غيره من الأنبياء، وهناك شفاعة للملائكة وهناك شفاعة للصالحين وهكذا.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى الناس عامة

قوله: ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)، فالنبي عليه الصلاة والسلام معجزته باقية، وكل بشر يستطيع أن يطلع عليها، وبالتالي يلزم من كونه أكثر الأنبياء تبعاً أن يكون أكثر الأنبياء قدراً وثباتاً؛ لأن كل حسنة يفعلها من اتبعه عليه الصلاة والسلام ومن انتفع بهديه تكون مثلها في ميزان حسنات رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وأنا أو من يقرع باب الجنة) أول من يقرع باب الجنة؛ لأن هناك أوامر من الله سبحانه وتعالى للملائكة على أبوب الجنة، أنها لا يمكن أن تفتح لأحد أبداً قبل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقال: من؟! فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك)، صلى الله عليه وآله وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد)، رجل واحد فقط آمن ببعض الأنبياء!

من خصائصه صلى الله عليه وسلم كونه رحمة للعالمين

من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه رحمة للعالمين، وكلمة (عالمين) تشمل جميع العالمين بما في ذلك الكفار أنفسهم، وتشمل الطيور في الهواء، والأسماك في الماء، والحشرات والحيوانات، وكل شيء تشمله هذه الرحمة، فمن مظاهر كونه رحمة للعالمين حتى الكفار تأخير العذاب، حيث لم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الأمم، يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وقال تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قيل: يا رسول الله! ادع الله على المشركين، فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة)، فهو هدية من الله سبحانه وتعالى إلى البشرية.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم إقسام الله تعالى بحياته

من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم إقسام الله تعالى بحياته، فالله سبحانه وتعالى حلف وأقسم بحياة وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] (( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ )) أي: الكفار في سكرتهم يعمهون.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم إسلام قرينه من الجن

من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم إسلام قرينه من الجن؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا ومعه قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، ولكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)، (فأسلم) يعني: من شره، أو (فأسلم) أي: دخل في دين الإسلام، وهذا هو الواقع الذي عليه يبنى هذا المعنى، وهو إسلام قرينه، وأنه دخل في الإسلام، ولكن الله أعانه عليه فأسلم أي: دخل في الإسلام أو (فأسلم) أي: من شره فلا يأمرني إلا بخير.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم ندائه باسمه على الأمة

قال أبو نعيم : ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم ندائه باسمه على الأمة، بخلاف سائر الأنبياء فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم، ويحرم على كل مسلم أن ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه، يعني: لا يحل لأحد أن يقول له: يا محمد!، وإنما لابد أن يقول له: يا رسول الله! قال الله تعالى حكاية عن قوم موسى: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وقال تبارك وتعالى: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة:112]، وقال تعالى لهذه الأمة: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63].

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الميت يسأل عنه في قبره

من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم نكاح أزواجه من بعده

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم نكاح أزواجه من بعده، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله سبحانه وتعالى على أزواجه صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده؛ لأنهن أزواجه في الجنة. ومما قيل في تعليل ذلك: إنهن أمهات المؤمنين، وإن في ذلك غضاضة ينزه عنها عرضة الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لما جاء في الحديث أن رجلاً اشترط على امرأته بأنه إن مات فإنها لا تتزوج بعده، قال النبي عليه الصلاة والسلام ما معناه: (إن ذلك لا ينبغي) يعني: لا ينبغي مثل هذا الاشتراط، فإن تحريم نكاح الأزواج بعد موت أزواجهن إنما هو خاص بأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن، ولعل الحكمة هي ما ذكرت من أن هذا فيه غضاضة وأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]، بجانب أن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، فلو قدر أنها تتزوج بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسيكون آخر أزواجها غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم مدافعة الله عنه أعداءه

قال أبو نعيم : ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن من تقدمه من الأنبياء كانوا يدافعون عن أنفسهم ويردون على أعدائهم بأنفسهم، كقول نوح: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الأعراف:61]، وقال هود عليه السلام: يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ [الأعراف:67].. إلى غير ذلك من الآيات التي تبين أن الأنبياء هم الذين يتولون الرد والدفاع عن أنفسهم، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد تولى الله تبرئته عما ينسبه إليه أعداؤه، ورد عليهم بنفسه عز وجل، ولذلك في كثير من المواضع يقول الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، لكن لما عير عدو الله النبي عليه السلام بأنه أبتر لا يعيش له ولد، وليس في ذريته ولد، لم يقل (قل إنا أعطيناك الكوثر)، وإنما قال: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، بدون واسطة، فهذا يدل على أن الله هو الذي يتولى بنفسه الدفاع عن خليله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فحينما نتأمل آيات القرآن نجد هذا المعنى، وهو أن الله هو الذي يدافع عنه عليه الصلاة والسلام، يقول الله تبارك وتعالى: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم:2]، ويقول أيضاً: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:2-3]، وقال تعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69].. إلى غير ذلك.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم إيتاؤه جوامع الكلم ومفاتيح خزائن الأرض

من خصائصه صلى الله عليه وسلم النصر بالرعب مسيرة شهر أمامه، وشهر خلفه، وإيتاؤه جوامع الكلم، ومفاتيح خزائن الأرض، وعلم كل شيء إلا الغيب واللوح، وبين له من أمر الدجال ما لم يبين لنبي قبله. ومنها تسميته أحمد، وهبوط إسرافيل عليه، فعن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء، نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض -يعني: ملك الأرض-، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهوراً، وجعلت أمتي خير الأمم). وقال ابن كثير في تفسيره في آية الفتح: هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها غيره: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]. وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي)، وهي من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، إلى آخر السورة. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه ملك فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة). وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، ومكان الزبور المئين..) إلى آخر الحديث.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم اقتران اسمه الشريف باسم الله تبارك وتعالى

من ذلك أيضاً: اقتران اسمه الشريف باسم الله تبارك وتعالى في كثير من المواضع، ومن أشهر هذه المواضع الأذان كما قال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد يقول تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:24]، ويقول: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء:14]، ويقول: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً [التوبة:16]، ويقول تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]، وقال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]، وقال: مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [التوبة:59]، وقال: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [التوبة:59]، وقال: أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة:74]، وقال: كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:90]، وقال: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [الأحزاب:37].

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله ذكر بعض أعضائه في القرآن

من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى ذكره في كتابه الكريم عضواً عضواً، ومدحه بذلك، قال تعالى في وجهه: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ [البقرة:144]، وقال في عينه: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [طه:131]، وقال في لسانه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ [مريم:97]، وقال في يده وعنقه: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:29]، وفي صدره وظهره: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3]، وفي قلبه: نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ [البقرة:97]، وفي خلقه قال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وهذا ما لم يحصل لنبي قبله صلى الله عليه وسلم.

من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم التكني بكنيته

من خصائصه صلى الله عليه وسلم تحريم التكني بكنيته، ولم يثبت ذلك لأحد من الأنبياء؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين اسمه وكنيته، ويسمى محمداً أبا القاسم) يعني: من كانت كنيته أبا القاسم فلا يكون اسمه محمداً، ومن كان اسمه محمدًا فلا يكنى أبا القاسم، فلا يجوز للرجل أن يكون اسمه أو أبا القاسم محمداً، لكن له واحد من الاثنين، لكن أن يجمع بينهما فهذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لا يشركه فيه أحد. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي).

من خصائصه صلى الله عليه وسلم تفضيل بناته وزوجاته على سائر نساء العالمين

من ذلك اختصاصه صلى الله عليه وسلم بتفضيل بناته وزوجاته على سائر نساء العالمين، وأن ثواب زوجاته وعقابهن مضاعف لخطر منزلتهن رضي الله تعالى عنهن، قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32]، وقال تعالى:

من أعظم خصائص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق هي إيتاؤه القرآن العظيم، حيث شرفه بأن أنزل عليه أشرف كتبه.. بأشرف سفارة.. وهي سفارة جبريل عليه السلام.. في أشرف البقاع وهي مكة المكرمة.. في أشرف شهور السنة وهو رمضان.. في أشرف لياليه وهي ليلة القدر.. بأشرف لغة وهي اللغة العربية.. على أشرف رسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم.. إلى أشرف أمة وهي أمة الإسلام. فالله سبحانه وتعالى خص النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن العظيم، وجعله المعجزة الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل وبما أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وبه ختم النبوة، وسوف تأتي أجيال.. وأجيال.. وأجيال بعد وفاته عليه الصلاة والسلام تنتسب إلى ملته وأمته، وتفتقر إلى هديه؛ إذا اقتضت الحجة على البشرية أن جعل الله سبحانه العلماء -الذين هم ورثة الأنبياء- يقومون ببيان الاستدلال بهذا القرآن الذي هو معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، ولذلك كان من أعظم فضائله إيتاؤه القرآن، فإنه كتاب معجز ومحفوظ من التبديل والتغيير والتحريف على مر الدهور قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والقرآن جامع لكل شيء، ومستغن عن غيره، ومشتمل على ما اشتملت عليه جميع الكتب السابقة والديانات، وهو ميسر للحفظ، ونزل منجماً، ونزل على سبعة أحرف، يقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وقال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال سبحانه: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42]، وقال عز وجل: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، وقال عز وجل: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ [الإسراء:106] أي: جزأناه لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]. وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) يعني: المعجزات الحسية التي يؤمن البشر إذا رأوها، تقوم مقام كلام الله سبحانه وتعالى المباشر بأن هذا الرسول حق وصدق فآمنوا به واتبعوه، فبدل أن يخاطب الله الناس مباشرة بمثل هذه العبارة أرسل الرسل وأيدهم بما يقوم مقام هذه الشهادة بصدق الرسل، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي)، كتاب علم كما قال عز وجل: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114] يعني: وحياً؛ لأن العلم هنا هو الوحي، وطريق العلم هو الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قوله: (ما من الأنبياء نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر) معناه: أن معجزة الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها، ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، ومن ذلك خرقه العادة في أسلوبه وبلاغته، وإخباره بالمعنيات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر عنه أنه سيكون دليلاً على صحة نبوته صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل أيضاً في معنى هذا الحديث: إن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار: كناقة صالح، وعصا موسى، ومعجزات القرآن تشاهد بالبصائر، فلا تنقرض بانقراض مشاهدها، بل تبقى ويشاهدها كل من جاء بعد الأول باستمرار، فيكون من يتبعه لأجلها مؤمناً، ولذلك قال: (وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً) لماذا؟ لأن معجزتي باقية ودائمة وخالدة. إذاً: تخصيص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإيتائه القرآن العظيم تشريف يفوق ما أوتي النبيون من كتب ومعجزات، إذ كان ما أوتوه عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام لا يعدو أن يكون خارقاً من الخوارق ينتهي بانتهاء زمنه أو تشريعات ووصايا تختص بقليل من الناس لا تجاوزهم إلى غيرهم، أما القرآن فهو معجزة الدهر، وكتاب الزمن، ودستور الحياة في شتى نواحيها، يعلم الإنسانية ويأخذ بيدها إلى حيث رقيها وسعادتها، يصحح ما أخطأ فيه كبار الفلاسفة والمفكرين من الحقائق الكونية، ويقوم ما انحرف عنه زعماء المتدينين من العقائد الدينية، يساير التقدم العلمي ويدعو إلى تحرير الفكر والعقل من أغلال التقليد وأوهام الجمود، أثبت من النظم والقوانين ما لم يصل إليه فقهاء التشريع في القديم والحديث، وثم مناهج للأخلاق وآداب السلوك قصرت عنها أنظار علماء الاجتماع في أرقى الأمم حضارة في شرق الأرض وغربها. يضاف إلى هذا فصاحة أسلوبه، وسلاسة ألفاظه وترتيله، وروعة تصويره، وأخذه بمجامع القلوب، وامتلاكه للنواصي والألباب. وإنك لتجد البون شاسعاً بينه وبين سائر الكتب المنزلة الخفي منها والجلي، والكتب الأخرى غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل كتب غير معجزة كما صرح بذلك شيخ إعجاز القرآن الأول من علماء التفسير وهو الزمخشري بلا منازع على بدعته وضلاله، واتباعه لمنهج المعتزلة، لكن مع ذلك فهذا مما لا يتكلم فيه عن جهل، حيث إن الزمخشري من أوفى الناس حظاً من ناحية بيان إعجاز القرآن الكريم البلاغية، فـالزمخشري صرح أن الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل غير معجزة، إذ الإعجاز خاص بالقرآن من بين سائر الكتب السماوية، على أن الإنجيل عبارة عن مواعظ ووصايا ألقاها عيسى عليه السلام على أتباعه عقب نزولها عليهم من غير أن تدون في كتاب، والأناجيل الموجودة عند النصارى هي من تأليف بعض الحواريين، كتبوا فيها سيرة عيسى بعد رفعه بمدة طويلة، وهذا هو السبب فيما يوجد بين النسخ المختلفة من تناقض واختلاف وغير ذلك من التحريفات. إذاً: اختص القرآن الكريم بكونه الكتاب المعجز دون سائر الكتب التي أنزلت على النبيين، فإذا وازنت التوراة المسماة: بالعهد القديم بأسلوبها وأحكامها وتعاليمها ووصاياها وما فيها من قصص وتواريخ بسورة من سور القرآن أدركت الفارق الكبير بين الكتابين، وكأنك بهذه الموازنة تحيك نور الشهاب من تلك الشهب التي تعترض في الأفق لامعة، ثم تنطفئ لا يكاد يقرأ بها أحد، إلا من كان يرقب حركاتها لغرض من الأغراض، كأنك تقرأ في نور هذا الشهاب بدون الشمس الذي يضيء الدنيا، ويبعث الحرارة في الكون، ويسري مع شعاعه الحياة والنور، ويذهب ظلام الليل وما حواه من ظلمات وأوهام. ومن هنا قال الله سبحانه وتعالى ممتناً على نبيه صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ) أي: لقد خصصناك بهذا الكتاب وشرفناك به، وذخرناه لك، ولم ننزله على إبراهيم وموسى وعيسى؛ لأنهم -وإن كانوا رسلاً مكرمين- لم يصلوا إلى رتبتك، ولا حاموا حول منزلتك، قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت:51]. قال الزمخشري : أولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين؛ لأن هذه الآيات من سورة العنكبوت هي أن المشركين اقترحوا: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ [العنكبوت:50] فأتى الجواب: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ))، لو كانوا فعلاً طالبين للحق فقد جاءتهم الآيات، بل جاءتهم أعظم آيات على الإطلاق: (( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ )) آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين، هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان، فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها، وتكون في مكان دون مكان؟! إن في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر لرحمة يعني: لنعمة عظيمة، وتذكرة لقوم يؤمنون. وخص الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم النبيين، وآخرهم بعثاً، وبأن شرعه مؤيد إلى يوم القيامة، وناسخ لجميع الشرائع قبله، وأنه لو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]. (خاتم النبيين) يعني: آخر الأنبياء ختمت به النبوة، ولم يقل: وخاتم المرسلين؛ لأنه يحتمل لو قال: خاتم المرسلين أن يقول قائل: كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فيمكن أن يبعث بعده نبي، لكن عندما يسد الباب بختم النبوة التي هي قنطرة إلى الرسالة؛ فلا شك أن ذلك يتضمن أيضاً ختم الرسالة. وقال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48] فالقرآن مهيمن وحاكم على ما عداه من الكتب، ولذلك استدل بهاتين الآيتين -وهما قوله: (( وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ))، وقو


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة التوبة [107-110] 2819 استماع
تفسير سورة المدثر [31-56] 2621 استماع
تفسير سورة البقرة [243-252] 2584 استماع
تفسير سورة البلد 2567 استماع
تفسير سورة الطور [34-49] 2564 استماع
تفسير سورة التوبة [7-28] 2562 استماع
تفسير سورة الفتح [3-6] 2504 استماع
تفسير سورة المائدة [109-118] 2439 استماع
تفسير سورة الجمعة [6-11] 2412 استماع
تفسير سورة آل عمران [42-51] 2403 استماع