خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60519"> سلسلة تفسير القرآن الكريم.
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة الكهف [83-98]
الحلقة مفرغة
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا [الكهف:83-88]. قال الله: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ))، يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وهو الإسكندر الكبير المقدوني ، وسنذكر وجهة تسميته أو تلقيبه بذلك. ((قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا))، أي: نبأً مذكوراً معجزاً أنزله الله علي. ((إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ))، أي: بالقوة والرأي والتدبير والسعة في المال والاستظهار بالعدد، وعظم الصيت، وكبر الشهرة. ((وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا))، أي: طريقاً موصلاً إليه، والسبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة. ((فَأَتْبَعَ سَبَبًا))، وفي قراءة: (فاتبع سبباً)، ويتعديان لمفعول واحد، وقيل: (أتبع) بالقطع يتعدى لاثنين، والتقدير فأتبع سبباً سبباً آخر، أو فأتبع أمره سبباً؛ كقوله تعالى: وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً [القصص:42]. وقال أبو عبيدة : (اتبع) في السير، و(أتبع) معناه: اللحاق، كقوله تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات:10]، أي : لحق به، وقال يونس : (أتبع) بالجر: الحثث في الطلب. (واتبع) مجرد الانتقال. والفاء في قوله: (فأتبع) فاء الفصيحة، أي: فأراد بلوغ المغرب فأتبع سبباً يوصله عليه. وقوله تعالى: ((حتى إذا بلغ مغرب الشمس))، أي: أقصى ما يسلك من الأرض من ناحية المغرب، يعني: أنه مشى إلى أقصى ما تصل إليه اليابسة من جهة المغرب. ((وجدها تغرب في عين حمئة))، أي: ذات حمأة، وهو الطين الأسود، وقرئ: (حامية) أي: حارة، وقد تكون جامعة للوصفين. وقوله: ((وجدها)) بمعنى رأى، ((ووجد عندها قوماً)) أي: أمة. ثم أشار تعالى إلى أنه مكنه منهم، وأظهره عليهم، وحكمه فيهم، وجعل له الخيرة في شأنهم بقوله: ((قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب)) يعني: إما أن تعذبهم بالقتل وغيره، ((وإما أن تتخذ فيهم حسناً)) بالعفو. ثم بين اتصاف ذي القرنين بصفتي العدل والإنصاف ليحتذى حذوه ويقتدى به، بقوله عز وجل: ((قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا)). وقوله تعالى: ((حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة)) يقول الشنقيطي: قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم (حمئة) بلا ألف بعد الحاء وبهمزة مفتوحة بعد الميم المكسورة، وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم (حامية) بألف بعد الحاء وياء مفتوحة بعد الميم المكسورة على صيغة اسم الفاعل. فعلى القراءة الأولى فمعنى (حمئة): ذات حمأة وهي الطين الأسود، ويدل لهذا التفسير قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26] ، والحمأ هو الطين، كما تقدم، ومن هذا المعنى قول تبع الحميري فيما يؤثر عنه يمدح ذا القرنين : بلغ المشارق والمغارب يبتغـي أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد والخلب: هو الطين، والثأط: الحمأة ، والحرمد : الأسود. وعلى قراءة: (حامية): بصيغة اسم الفاعل فالمعنى أنها عين حارة ، وذلك لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها، وملاقاتها الشعاع بلا حائل، ولا منافاة بين القراءتين. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: ((وجدها تغرب في عين حمئة)) أي: رأى الشمس في ناظره تغرب في البحر المحيط. وبعض الناس وبالذات قاصري الفهم من المستشرقين، يقولون: إن القرآن يصور للمسلمين أن الشمس تغطس في العين الحمئة هذه أو في البحر، فيرد ذلك ابن كثير بقوله: (في ناظره). ثم قال: وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه. ومقتضى كلامه أن المراد بالعين في الآية البحر المحيط، وهو ذو طين أسود. والعين: تطلق في اللغة على ينبوع الماء، والينبوع: الماء الكثير، فاسم العين يصدق على البحر لغة، والمقصود بالبحر المحيط المحيط الأطلسي؛ لأنه آخر شيء من جهة المغرب. قال: وكون من على شاطئ المحيط الغربي يرى الشمس في نظر عينه تسقط في البحر أمر معروف، وعلى هذا التفسير فلا إشكال في الآية، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)). قال: أما من ظلم، بالبغي والفساد في الأرض بالشرك والضلال والإضلال فسوف نعذبه، ((ثم يرد إلى ربه))، في الآخرة ، ((فيعذبه عذاباً نكراً))، أي: منكراً لم يعهد مثله. ((وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)). قيل: إن قوله تعالى: ((وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى)) هي الجنة في الآخرة، أما في الدنيا: ((وسنقول له من أمرنا يسراً)) وهذا في حق المؤمن؛ لأن المؤمن يعمل للآخرة، قدم ويوقن بثوابها الأخروي الذي يسعى إليه بحق. أما في الكافر فقال: ((أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد))، رغماً عنه إلى ما كان ينكره أو يكذب به من الآخرة، ((ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً)). وقيل: ((فله جزاء))، أي: فله في الدارين ((جزاء الحسنى))، أو قيل: الخصلة الحسنى، أو: ثناؤه الحسنى جزاء، أي: مجزياً بها.
(( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ))، أي: طريقاً راجعاً من مغرب الشمس موصلاً إلى مشرقها. قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا [الكهف:90]، يعني: شيئاً يسترهم من المباني أو الجبال. قال تعالى: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا [الكهف:91]، (كذلك) أي: أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان، وسعة الملك. أو: أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من الحكم المتقدم. أو: المقصود بكلمة (كذلك): أنه كما حكم في أهل المغرب مكناه أيضاً في أهل المشرق يحكم فيهم بنفس الحكم المتقدم، أو: (كذلك) إشارة إلى مطلع الشمس، وأنه كما وجد الشمس تغرب في عين حمئة في جهة المشرق وجدها أيضاً تطلع في جهة المشرق، أو: المقصود أنه: بلغ مغربها كما بلغ مطلعها، ولا يحيط بما قاساه غير الله عز وجل، أو: (كذلك) صفة لقوم، أي: على قوم مثل ذلك القبيل الذين تغرب عليهم الشمس في الكفر والحجب، كذلك وجد قوماً بنفس الصفة في المشرق. ((وقد أحطنا بما لديه خبراً))، أي: علماً نحن مطلعون على جميع أحواله وأحوال جيشه لا يخفى علينا منها شيء، وإن تفرقت أممهم وتقطعت بهم الأرض. ((كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا))، يفهم من هذا الإشارة إلى عظيم العدد والعدد التي كانت معه، بحيث لا يحيط بها إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يستطيع غير الله أن يحصر ويحيط ما معه من الجيوش الكثيرة وكذلك العدد والآلات. قال تعالى ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا))، بعدما اتجه إلى مشرق الأرض حيث مطلع الشمس أتبع سبباً، أي: طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب. ((حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ))، بعض المصنفين يذكر أن هذه المنطقة تقع ما بين البحر الأسود وبين بحر قزوين، وهي عبارة عن منطقة جبلية تزيد على ألف ومائتين وخمسين كيلو متر تقريباً، وهي منطقة جبال متصلة، فهي في حد ذاتها سد، وليس فيها مكان سوى مسافة واحدة هي التي تنقطع عندها السلسلة الجبلية، وهي التي أنشأ فيها هذا السد، وهي الجهة الوحيدة في المنطقة التي فيها سهل أو شعب واسع بين الجبلين، وكان يأجوج ومأجوج يغيران على الأمم من خلاله، أما ما عدا ذلك فكانت حواجز جبلية قوية جداً، وهي سلسلة جبال القوقاز، والله تعالى أعلم. ((السدين)) بفتح السين وضمها قراءتان، أي: بين الجبلين اللذين سد ما بينهما. ((وجد من دونهما))، أي: وراءهما، ((قوماً)) أمة من الناس، ((لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا))، لكون لغتهم غريبة مجهولة، ولقلة فطنتهم. ((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ))، بالقتل والإضرار. ((فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا))، أي: جعلاً نخرجه من أموالنا، وقرئ: ((فهل نجعل لك خراجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً))، أي: حاجزاً يمنع خروجهم علينا، ((قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ))، أي: ما جعلني فيه مكيناً من المال والملك أجلّ مما تريدون بذله، وأنا لست في حاجة إلى هذا الجهد أو هذا الخراج؛ لأن ما مكني منه الله سبحانه وتعالى من المال والملك أجل وأعظم مما تريدون بذله. ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ))، بعمالة وصناع وآلات، ((أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا))، أي: حاجزاً حصيناً، وأصل الردم: سد الثلمة بالحجارة ونحوها. ((آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ))، أي: ناولوني قطع الحديد. ((حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ))، أي: بين جانبي الجبلين، ((قَالَ انفُخُوا))، أي: في الأكوار والحديد. ((حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا)) أي: المنفوخ فيه جعله كالنار في الإحماء، ((قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا))، يعني: كان الحديد بمثابة اللبنات، والنحاس المذاب بمثابة الإسمنت، وهذه سبيكة من أقوى ما تكون من السبائك، والمعنى: أفرغ عليه نحاساً مذاباً ليلصق بالحديد ويتدعم البناء به ويشتد. ((فما اسطاعوا أن يظهروه))، يعني: لم يستطيعوا أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وملاسته، (وما استطاعوا له نقباً)، لم يستطيعوا ثقبه لسماكته وصلابته. ((قال هذا رحمة من ربي))، أي: هذا السد رحمة من ربي على القاطنين عنده، وعلى القوم الذين يسكنون في هذه المنطقة؛ لأمنهم من شر من سد عليهم به، ورحمة على غيرهم لسد الطريق عليهم، يعني: هو أمان لهؤلاء الذين يسكنون عنده، وأمان لمن وراءهم أيضاً، لأنهم لن يصلوا إليهم بسبب هذا السد. ((فإذا جاء وعد ربي))، بدحره وخرابه، ((جعله دكاء))، بالمد، أي: أرضاً مستوية، وقرئ: ((جعله دكا)) أي: مدكوكاً مسوىً بالأرض. ((وكان وعد ربي حقاً)) أي: كائناً لا محالة. وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين .
ثم يذكر القاسمي رحمه الله تعالى بعض التنبيهات:
قصص القرآن عظات وأحكام وآداب
تحرير النزاع في حقيقة ذي القرنين
سبب تلقيب ذي القرنين بذلك
خلاف العلماء في نبوة ذي القرنين
سبب نزول الآيات الواردة في ذي القرنين
المراد بالعين الحمئة المذكورة
موضع السدين
تسمية يأجوج ومأجوج أعجمية
الإسرائيليات في ذكر يأجوج ومأجوج
التنبيه الأول: قدمنا أنه ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار يعني أن القرآن الكريم لا يسلك مسلك الروايات التاريخية أو القصص والحكايات ومجرد الأخبار، وإنما المقصود بما ذكر من ذلك العظات والأحكام والآداب التي تتجلى في سياق الوقائع، فيجب صرف العناية إلى وجوه تلك الفوائد والثمرات وما يستنبط من تلك الآيات ، وقد أشار نبأ ذي القرنين الإسكندر إلى فوائد شتى نذكر ما فتح علينا منها، ونكل ما لم نحط به علماً إلى العليم الخبير. فمن فوائدها: الاعتبار برفع الله بعض الناس درجات على بعض، ورزقه من يشاء بغير حساب ملكاً ومالاً، لما له من خفي الحكم وباهر القدرة، فلا إله سواه، والإشارة هنا إلى رفع شأن ذي القرنين . ومنها: الإشارة إلى القيام بالأسباب والجري وراء سنة الله في الكون من الجد والعمل، وأن على قدر بذل الجهد يكون الفوز والظفر، فإن ما قص عن الإسكندر من ضربه في الأرض إلى مغرب الشمس ومطلعها وشمالها وعدم فتوره؛ فلا ينبغي أن يعد ركوب البحر ولا اجتياز القطر عذراً في الخمول والرضا بالدون، بل ينبغي أن ينشط ويمثل في مرارته حلاوة عقباه من الراحة والهناء. يعني أنه إذا ذاق المرارة نتيجة الجد والكفاح والسعي، فعليه أن يعزي نفسه بحلاوة العاقبة من الراحة والهناء، كما قضى الإسكندر عمره ولم يذق إلا حلاوة الظفر ولذة الانتصار، إن لم يكن من الذين تقعدهم المصاعب عن نيل ما يبتغون. ومنها: وجوب المبادرة لمعالي الأمور من الحداثة، ولا يؤخر الاجتهاد في تحصيل المطالب العالية إلى مرحلة الكهولة، إذ من الخطأ التسويف فيه إلى الاكتهال، إذ إن الإسكندر لما تبوأ ملك أبيه كان في حدود العشرين من عمره، وأتى ما أتى وهو في ريعان الشباب، فهزم أعظم ملوك عصره وأكبر جيوشهم وكأنه القضاء المبرم، ولم يقف في وجهه عدد ولا عدد، وخاض غمرات الردى غير هياب ولا وجل، وأضاف كل العالم الشرقي إلى المملكة اليونانية التي ورثها عن أبيه وهو شاب، وقضى -أي: مات- وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، كما دونه محققو المؤرخين. ومنها: أن من قدر على أعدائه وتمكن منهم، فلا ينبغي له أن تسكره لذة السلطة، فيسوقهم بعصا الإذلال ويجرعهم غصص الاستعباد والنكال ، بل يعامل المحسن بإحسانه والمسيء بقدر إساءته. فإن ما حكي عن الإسكندر من قوله تعالى: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ [الكهف:87] إلى آخره، نهاية في العدل وغاية الإنصاف. ومنها: أن على الملك إذا اشتكي إليه جور المجاورين أن يبذل وسعه في الراحة والأمن دفاعاً عن الوطن العزيز، وصيانة للحرية والتمدن من مخالب التوحش والخراب، قياماً بفريضة دفع المعتدين، وإمضاء العدل بين العالمين، كما لبى الإسكندر دعوة الشاكين في بناء السد، وقد أطبق المؤرخون على أنه بنى عدة حصون وأسوار لرد غارات البرابرة وصد هجماتهم. ومنها: أن على الملك التعفف عن أموال رعيته، والزهد في أخذ أجرة في مقابلة عمل يأتيه ما أغناه الله عنه، ففي ذلك حفظ كرامته، وزيادة الشغف بمحبته ، كما تأبى الإسكندر تفضلاً وتكرماً. ومنها: التحدث بنعمة الله تعالى إذا اقتضاه المقام، كقول الإسكندر في مقام تعففه عن أموالهم والشفقة عليهم: مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ [الكهف:95] كقول سليمان: فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ [النمل:36]، وقد قيل: إن دخل الإسكندر من البلاد التي فتحها كان نحو ستين مليون ليرة إنجليزية. ومنها: تدعيم الأسوار والحصون في الثغور، وتقويتها بذوب الرصاص، وبوضع صفائح النحاس خلال الصخور الصم صدقاً في العمل ونصحاً فيه؛ لينتفع به على تطاول الأجيال، فإن البناء غير الرصين لا ثمرة فيه. ومنها: مشاطرة الملك العمال في الأعمال، ومشاركتهم بنفسه إذا اقتضى الحال؛ تنشيطاً لهمتهم، وتجرئة لهم، وترويحاً لقلوبهم، وقد كان الإسكندر يقاسم الرجال الأتعاب، ويدير العمل بنفسه، كما بينه الذكر الحكيم في قوله: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [الكهف:96]. ومنها : تعريف الغير ثمرة العمل المهم ليعرفوا قدره فيظهروا شكره، ولذا قال: ((هذا رحمة من ربي)). ومنها: الإعلام بالدور الأخروي، وانقضاء هذا الطور الأولي؛ لتبقى النفوس تواقة إلى ذلك العالم الباقي والنعيم السرمدي، ولذا قال: ((فإذا جاء وعد ربي))، إشارة إلى العالم الآخر. ومنها: الاعتبار بتخليد جميل الثناء وجميل الآثار، فإن من أمعن النظر فيما قص عنه في هذه الآية الكريمة يتضح له جلياً حسن سجاياه وسمو مزاياه من الشجاعة، وعلو الهمة، والعفة، والعدل، ودأبه على توطيد الأمن، وإثابته المحسنين، وتأديبه للظالمين، والإحسان إلى النوع البشري لاسيما في زمان كان فيه أكثر عوائد وأخلاق الأمم المتمدنة وغير المتمدنة وحشية فاسدة. ومنها: الاهتمام بتوحيد الكلمة لمن يملك أمماً متباينة، كما كان يرمي إليه سعي الإسكندر ، فإنه دأب على توحيد الكلمة بين الشعوب ومزج تلك الأمم المختلفة ليربطها بصلات الحب والعوائد، وقد حكي: أنه كان يجيش من كل أمة استولى عليها جيشاً عرمرماً يضيفه إلى جيشه المقدوني اليوناني، ويأمر رجاله أن يتزوجوا من بناتهم لتوثيق عرى المحبة والارتباط، وإزالة البغض والشحناء. ومنها: الاعتبار بما يبلغه الإنسان، وما فيه من بليغ الاستعداد يقضي على المرء أن يعيش أولاً طفلاً مرضعاً لا يعلم ما حوله، ولا يطلب غير ما تحتاج إليه طبيعته الضعيفة قياماً بما تقتضيه أسباب الحياة، وهو ملقى إذ ذاك لا إرادة له، وعرضة لأسقام تذيقه الآلام وقد تجرعه كأس الحمام قبل أن يرى ويدرك شيئاً من هذا النظام، فإذا استظهرت فيه عوامل الحياة على دواعي الممات، وسرت بجسمه قوى الشبيبة، وصرف ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله؛ ترعرع إنساناً عظيماً ظافراً بمنتهى أمله، كما فعل الإسكندر الكبير. هذا فيما يتعلق بالتنبيه الأول.
التنبيه الثاني: من هو ذو القرنين ؟ اتفق المحققون على أن اسمه الإسكندر بن فليب ، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان حينما كان يتكلم عن الفلاسفة: ومن ملوكهم الإسكندر المقدوني ، وهو ابن فليب ، وليس بـالإسكندر ذي القرنين الذي قص الله تعالى نبأه في القرآن، بل بينهما قرون كثيرة، وبينهما في الدين أعظم تباين. فـذو القرنين كان رجلاً صالحاً موحداً لله تعالى، يؤمن بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكان يغزو عباد الأصنام، وبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وبنى السد بين الناس وبين يأجوج ومأجوج. وأما هذا المقدوني فكان مشركاً يعبد الأصنام هو وأهل مملكته، وكان بينه وبين المسيح نحو ألف وستمائة سنة، والنصارى تؤرخ له، وكان أرسطا طاليس وزيراً له، وكان مشركاً يعبد الأصنام. انتهى كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى. ثم يعلق القاسمي على كلام ابن القيم قائلاً: وفيه نظر، فإن المرجع في ذلك -يعني: في حسم هذه القضية- هم أئمة التاريخ، وقد أطبقوا على أنه الإسكندر الأكبر ابن فليب باني الإسكندرية بتسعمائة وأربع وخمسين سنة قبل الهجرة، وثلاثمائة واثنين وثلاثين قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وقد أصبح ذلك من الأوليات عند علماء الجغرافيا، وأما دعوى أنه كان مشركاً يعبد الأصنام؛ فغير مسلم. وأكيد أنكم سعداء مثلي حينما نسمع بأن الإسكندر كان رجلاً مسلماً موحداً، فنرجو أن يكون هذا هو المذهب الراجح، لأن الإنسان إذا تخيل أن باني الإسكندرية رجل وثني لاشك أن الفرق شاسع جداً في الأمرين، على أي الأحوال القاسمي يتحمس جداً للترجيح بأن الإسكندر كان مؤمناً موحداً، وأنه هو ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم. يقول: وأما دعوى أنه كان مشركاً يعبد الأصنام؛ فغير مسلم، وإن كان قومه وثنيين؛ لأنه كان تلميذاً لـأرسطا طاليس ، وقد جاء في ترجمته كما في طبقات الأطباء وغيرها: أنه كان لا يعظم الأصنام التي كانت تعبد في ذلك الوقت، وأنه بسبب ذلك نسب إلى الكفر -لما كفر بعبادة الأصنام حكم عليه قومه بالكفر في ذلك الوقت- وأريد السعاية به إلى الملك، فلما أحس بذلك شخص عن أثينا -هرب من أثينا لما أرادوا الانتقام منه بسبب موقفه من عبادة الأصنام- لأنه كره أن يبتليه أهلها بمثل ما ابتلوا به سقراط معلم أفلاطون ؛ فإنه كان من عبادهم ومتألهيهم، وجاهرهم بمخالفتهم في عبادة الأصنام، وقابل رؤساءهم بالأدلة والحجج على بطلان عبادتها؛ فثوروا عليه العامة، واضطر الملك إلى قتله، فأودعه السجن ليكفهم عنه، ثم لم يرض المشركون إلا بقتله، فسقاه السم خوفاً من شرهم بعد مناظرات طويلة جرت له معهم. كان هذا الكلام كله في حق سقراط . قال: فالوثنية وإن كانت دين اليونانيين واعتقاد شعبهم، إلا أنه لا ينافي أن يكون الملك وخاصته على اعتقاد آخر يجاهرون به أو يكتمونه، كـالنجاشي ملك الحبشة؛ فإنه جاهر بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وشعبه وأهل مملكته كلهم نصارى، وهكذا كان الإسكندر وأستاذه والحكماء قبله؛ فإن الممعن في تراجمهم يرى أنهم على توحيد وإيمان بالمعاد. قال القاضي صاعد : كان فيثاغورس أستاذ سقراط يقول ببقاء النفس، وكونها فيما بعد في ثواب وعقاب على رأي الحكماء الإلهيين. وأما قول الفخر الرازي : إن في كون الإسكندر ذا القرنين إشكالاً قوياً، وهو أنه كان تلميذ أرسطا طاليس الحكيم وكان على منهجه، فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطا طاليس حق وصدق، وذلك مما لا سبيل إليه. أي: على أساس أنه لو أن الإسكندر تلميذ أرسطا طاليس ، والقرآن الكريم يمدح ذا القرنين ، فلو كان الإسكندر هو ذا القرنين ، وهو تلميذ لـأرسطا طاليس فتعظيم الله لــذي القرنين أو للإسكندر يوجب الحكم بأن مذهب أرسطا طاليس حق وصدق. ثم يرد القاسمي قائلاً: فلا يخفى دفع هذا اللزوم؛ فإن من كان تابعاً لمذهب فمدح لأمر ما يوجب مدحه لأجله، فلا يلزم أن يكون المدح لأجل مذهبه ومتبوعه؛ إذ قد يقوم فيه من الخلال والمزايا ما لا يوجد في متبوعه، وقد يبدو له من الأنظار الصحيحة ما لا يكون في مذهبه الذي نشأ عليه مقلداً، أفلا يمكن أن يكون حراً في فكره ينبذ التقليد الأعمى ويعتنق الحق، ومن آتاه الله من الملك ما آتاه أفيمتنع أن يؤتيه من تنور الفكر، وحرية الضمير ونفوذ البصيرة ما يخالف فيه متبوعه؟ يعني أنه لا يليق به أن يكون مقلداً لأستاذه فإن من آتاه الله سبحانه وتعالى الملك والجاه لا يبعد أن يؤتيه الله من تنور الفكر وعدم التقليد ونفوذ البصيرة ما يخالف به متبوعه. قال: هذا على فرض أن متبوعه مذموم، وقد عرفنا أن متبوعه أعني أرسطا طاليس كان موحداً، وهو معروف في التاريخ. وقد قيل: إن أرسطو وسائر الناس في زمانه كانوا على منهج الأنبياء، وهذا لا يبعد، فعندما يكون التاريخ موغلاً في العراقة والقدم بهذا الشكل لا يصعب تحريفه خاصة من ذوي الأغراض من مزوري التاريخ والكاذبين على المعاصرين، فضلاً عن الغابرين، فضلاً عمن بيننا وبينهم آلاف أو مئات السنوات . يقول: على أنه لو استلزمت الآية مدح مذهب أستاذه لكان ذلك في الأصول التي هي المقصودة بالذات، وكفى بها كمالاً، وللرازي فرص يغتنم بها التنويه بالحكماء والتعريف بمذهبهم، وهذه منها وإن صبغها سامحه الله بهذا الأسلوب، عرف ذلك من عرف.