ذم الترف والتبذير


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

لقد خلق الله العباد لعبادته وطاعته، فيحنون جباههم لله ربهم، ويوجهون قلوبهم لمعبودهم سبحانه وتعالى، وقد أمرهم ربهم بذلك في كتبه المنزلة، وعلى ألسنة رسله، وورث الصالحون من بني البشر دعوة الرسل ليدعوا إلى الله عز وجل، ولكن في الإنسان جهالة وظلم وطغيان واستعلاء، فبعض البشر ينسون أنهم عبيد، فإذا ملك الواحد منهم شيئاً من السلطان أو المال ظن نفسه إلهاً ورباً يخضع الناس لأمره، ويتحركون بإشارته، إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].

الإنسان الذي لم يحن جبهته لله، ولم يخلص دينه لله سبحانه وتعالى، فيطغى خاصة عندما يرى نفسه على شيء من المال أو السلطان فعند ذلك يصيبه الطغيان، وعند ذلك يخالف أمر الله ودينه، ويتصرف في عباد الله وكأنهم عبيد له، ويتصرف في ملك الله سبحانه وتعالى وكأنه صاحب السلطان، وكأنه لن يقف يوماً بين يدي الله سبحانه وتعالى فيحاسبه عما قدم.

لقد وجد من هذا الصنف نماذج كثيرة، ففرعون أصابه هذا الطغيان، فقد أعطاه الله سبحانه وتعالى الملك فإذا به يعلن للناس أنه ربهم الأعلى، وقال: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال: يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] وسبب هذا الطغيان والاستعلاء أنه أوتي الملك والقصور والمراكب، وأن الناس يطيعون أمره، والأنهار أجراها إلى قصره تملؤه بالبهجة والسرور، فمادام كذلك فإنه يستحق أن يأمر فيطاع، وأن يقول فيستمع قوله ولو كان أمره يخالف أمر الله سبحانه وتعالى وقوله يخالف قول الله عز وجل، ونسي المسكين أنه عبد، وأن هذه نعم من خالقه يختبره بها أيشكر أم يكفر، وأن المصير إلى الله سبحانه وتعالى، فأهلكه الله عز وجل ودمره، وجعله عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين.

وتتلاحق الأجيال والبشر ويصيبهم نفس المرض، وإذا شاء الله سبحانه وتعالى بقوم هلاكاً، إذا بالمترفين يتأمرون في الأمم، فيصيب الأمة الهلاك والدمار، قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16] فتلك سنة الله سبحانه وتعالى التي خلت من قبل في الأمم، والتي ينص عليها في كتابه أنه إذا شاء هلاك أمة جعل الأغنياء -وهم الحكام والملوك- يتصرفون بأهوائهم لا بشرع ربهم، وعند ذلك يحق عليهم الهلاك والدمار.

إن الله سبحانه وتعالى غالب على أمره وغالب على حكمه، والعباد ليس لهم نصيب، إنما هم مخلوقات صغيرة تظن أنها تملك من نفسها شيئاً، وفي واقع الأمر لا تملك من نفسها شيئاً، فالله سبحانه وتعالى مالك الملك، ومصرف الأمور فيقلب الليل والنهار، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وله جنود السماوات والأرض فإذا شاء أمراً قال له كن فيكون كما يريد الله سبحانه وتعالى.

إن الدنيا تمضي بالناس وتجري والكل في النهاية مصيره إلى الله سبحانه وتعالى، فنفوسنا ليست لنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأموالنا ملك لربنا وإننا في حاجة إليها، وأبصارنا وأسماعنا وألسنتنا نحن محاسبون عنها يوم القيامة، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

فليست الأمور كما يظن الناس، ومنذ سنوات قريبة وقع في منطقة الخليج عرس أنفقت فيه عشرات بل ومئات الملايين! والله ليحاسبن الله الإنسان عن كل درهم قدمه، وفي الكويت في هذه الأيام وقع عرس أنفق عليه مليون دينار! وهناك العشرات ومئات الألوف بل والملايين من المسلمين يموتون جوعاً، وفي ديارنا الكلاب والقطط تربى وتطعم أفخر الطعام وفي أمتنا من لا يجدون الطعام، ونرى صور الأفغان وهم يحاربون بالبنادق القديمة التي صنعت منذ عشرين سنة أو من ثلاثين سنة، فلم يجدوا مالاً ليشتروا به سلاحاً حديثاً وفي أمتنا من ينفق الملايين على التافه من الأمور.

إن الله سائل العباد عن هذه الأموال من أين أتوا بها، وفيما أنفقوها؟ وهل قاموا بحق هذا المال؟ قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27]، وهذا الخطاب ابتداء يوجه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يوجه إلى هذه الأمة تبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم.

ويقول الله لهذه الأمة: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، والله! إن السرف يقتل هذه الأمة في طرف من أطرافها أو في جانب من جوانبها، والفقر يقتل طرفاً آخر، فمن الأغنياء من يقتلهم غناهم، وتبذيرهم وإسرافهم، فالمال ينفق بدون حساب عند بعض الناس من الذين يتسمون باسم الإسلام، فينفقون الأموال في غير حقها وبغير وجهها، وبعض الناس في بعض ديار المسلمين لا يجدون طعاماً، هذا ظلم سيحاسب الناس عنه، قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] في يوم القيامة يقول المؤمنون لأصحاب النار: ما الذي أدخلكم جهنم؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43] هذه الجريمة الأولى، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ [المدثر:44] وهذه الجريمة الثانية، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:45] وهذه الثالثة، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر:46] والجريمة الرابعة حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:47]، فأنكر الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة ألا تطعم المسكين، وألا يحض بعضها بعضاً على إطعام المسكين، وعندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة فهو دليل على فساد كبير في النفوس.

على أصحاب المال وأصحاب السلطان أن يتذكروا أن الدنيا لا تسير على وتيرة واحدة، قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26]، فالله بيده كل شيء، فهناك أغنياء بين يوم وليلة صاروا في الحضيض، وبعض الفقراء صاروا في القمة، فالدنيا تتقلب بأهلها.

يحدثنا التاريخ عن أسرة بلغت مجداً عظيماً في التاريخ، فقد كان للبرامكة الملك والهيمنة في عصر الرشيد ، فكانوا يتصرفون في أمور الدولة، ثم بطش بهم في ساعة واحدة فإذا بهم في السجون، وإذا بهم في الشوارع يتسولون، تقول أم جعفر وقد دخلت على قوم في يوم عيد لهم لتدبغ جلد كبش تلبسه، وتستر به جسدها: والله لقد دخل علي مثل هذا العيد وعلى رأسي أربعمائة وصيفة قائمة، وأزعم أن جعفراً عاق لي! ثم إذا بها في يوم وليلة تسأل وتتسول.

وتذكر لنا كتب التاريخ عن الدولة الطولونية أن أخت أحمد بن طولون ، وهي أخت الملك والحاكم، زوجت لعبة من لعبها وأقامت فرحاً كلف مائة ألف درهم، ثم مضت سنوات وإذا بها فقيرة لا تجد ما تأكله وتسأل الناس في الأسواق، فالدنيا تتغير.

ويقول بعض العرب: مررنا في عهد أبي بكر الصديق في طريقنا إلى اليمن، فرأينا عرساً وفيه فرح وبيوت شامخة وزروع ومواش، وقائلة تقول:

معشر الحساد موتوا كمداً كذا نكون ما بقينا أبداً

يقول: ثم مررنا في عهد معاوية فإذا البيوت خراب، والزروع يابسة، وليس هناك مواش، وعجوز تأوي إلى نقب في تلك البيوت المتهدمة، فقالوا لها: مررنا في عام كذا وكذا فرأينا كذا وسمعنا كذا، فقالت: كان العرس عرس أختي، وأنا التي كنت أضرب بالدف، لقد ذهب كل ما هنالك، وانتهى كل ذلك.

إن الدنيا متقلبة لا تدوم، وهي لا تسير على حال واحدة ووتيرة واحدة، فعرس يقام فتنصب له خيمة بأربعين ألف دينار! فتستعمل مرة واحدة فقط! فكم بطن جائع تطعم بقيمة هذه الخيمة! ولقد وصل الترف وللأسف إلى المسلمين الذين يؤمون المساجد، ولعل بعض الإخوة الحاضرين من هؤلاء، يقيمون الحفلات في الفنادق الضخمة، وينفقون على ذلك الألوف من الأموال التي تذهب إلى جيوب السفهاء الذين يضيرون أمة الإسلام، وكذلك بعض المسلمين الذين يدعون إلى الله سبحانه وتعالى، فهؤلاء بدءوا يسرفون في المال، فهذا المرض أصاب حتى الدعاة الذين يلتزمون بدعوة الإسلام، فهذا مرض حذر الله منه رسوله والمؤمنين وهذه الأمة، وحذرهم أن يكون حالها كحال الأمم الماضية.

إن لهذا المال قيمة، فقد جعله الله قياماً لهذه الأمة، وإذا تسلط عليه السفهاء فقد أمر الله بأن يؤخذ على أيديهم، وليس في دولة الإسلام أن يقوم واحد صاحب ملايين ويقول: أنا حر في مالي أفعل به ما أشاء، فإذا أخذه يبذره ولو في الحلال يمنع من التصرف في ماله ويسمى سفيهاً، قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، ويصدر أمر من القاضي بالحجر على ماله؛ لأنه سفيه، ويكون عمه أو أخوه أو أبوه أو ابنه قيِّماً على هذا المال، فينفق على صاحب المال بمقدار ما يحتاج إليه، ويمنعه من التصرف في ماله، لماذا؟

لأن الله جعل هذا المال قياماً للأمة، نعم هو مالك لكن مجموع الأموال التي عند المسلمين تقيم الأمة الإسلامية، وينبغي أن تسير هذه الأموال وفق المخطط الذي أرشد الله سبحانه وتعالى إليه، وأما أن يتصرف المسلمون بأموالهم كيف شاءوا فهذا حرام، وسيسأل الإنسان عن الدرهم الواحد من أين جاء به وكيف أنفقه، (لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها: وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه).

فتخيل عندما يقول يوم القيامة: أنفقت مليون ريال في زواج! فمن الذي أذن لهم أن ينفقوها بهذه الصورة، فالإنسان مسئول عنها يوم القيامة.

وينبغي أن نتآمر بالمعروف ولا نكون كما قال الله عن بني إسرائيل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:78]، لعنهم الله على لسان نبيين من أنبياء بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا لا يتناهون عن المنكر الذي يفعلونه، وهذا منكر فينبغي أن يتناهى عنه المسلمون فيما بينهم، وينبغي أن يخلصوا أنفسهم من هذا المرض، فعقاب الله إذا نزل يعم، والسفينة عندما تغرق لا يغرق بعضها وإنما تغرق كلها، وعندما ضرب الله مدينة الأصنام في مقاطعة الأصنام في الجزائر أخذ مع الفاسدين والعاصين كثيراً من الصالحين، وفي خليج البنغال عندما طغت المياه وضرب البحر الخليج وصل طوفانه إلى الدور السابع والثامن، فذهب صالحون كانوا يمرغون وجوههم في التراب.

قالت عائشة : (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث)، فإذا كثر الخبث والفساد في أمة فإن الله سبحانه وتعالى يأخذ مع العصاة أخيارهم، ويبعثهم على نياتهم يوم القيامة.

فاتقوا الله عباد الله! وانظروا لأنفسكم وبينوا لغيركم، فإن الله سبحانه وتعالى سائلنا عما استرعانا، وسائلنا عن كل كلمة ننطق بها أن نبين الحق، ونهدي إلى سبيله الأقوم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ محمد عبد الله ورسوله، وبعد:

إن المال خير وليس بشر، ولكن الذي يجعل المال شراً هم الناس أنفسهم، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: (أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزل الوحي من السماء يجيب على السؤال، وأخذ الرسولَ صلى الله عليه وسلم الرحضاء -وهو العرق الشديد- الذي كأن يأخذه عندما ينزل عليه الوحي، فقال: أين السائل؟ ثم قال: إن الخير لا يأتي بالشر)، فالخير لا يأتي بالشر ولكن الإنسان هو الذي يجعل الخير شراً، وقد مثل الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك بمثال فقال: (إن مما ينبت الربيع ما يقتل أو يلم إلا آكلة الخضراء أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت مطلع الشمس، فثلطت وبالت ثم رفعت، وإن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه من حقه وأداه في حقه فنعم المعونة هو).

فالرسول صلى الله عليه وسلم يشبه المال بما ينبته الربيع -وهو الينبوع المتدفق- فالنبات الذي ينبته الربيع فيه خير وفيه شر، يعني: فيه العشب السام وفيه العشب الطيب، فالدابة إذا أخذت من العشب القاتل ماتت، وإذا أخذت من العشب الطيب امتلأت بطنها، فتستقبل مطلع الشمس وتجتر، ثم تصرف ما أكلته فترجع فتأكل مرة أخرى، وكذلك المال تأخذه من حلال وتأخذه من حرام، فالخير كثير كالمراعي التي ترعى فيها الدواب، فقد ترتع طيباً وقد ترتع خبيثاً، ثم إذا أخذته من حلال فإنه يبقى، وأما الذي يفكر بالمال في الليل والنهار فالمال يفسده، ولا يبقى وقت لصلاته ولا لصيامه، ولا لطعامه.

ويذكرون عن بعض الذين يلهثون وراء الدنيا في سوق البورصة أنه لا يكاد يأكل غداء، فهو يجري ويفكر ومشغول في ليله ونهاره يريد المال، فهو كالبهيمة التي تأكل وتأكل وتأكل، فعند ذلك ستمتلئ بطنها وتنتكس فيفسدها، وهذا سيحرق قلبه وأعصابه وفكره ولا يبقي شيئاً لنفسه ولأهله ولراحته ولطعامه ولشرابه.

فيشبه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المال كالربيع الذي ينبته الماء أو المطر أو الينبوع، فمنه النبات الطيب، ومنه النبات الخبيث، ففيه حلال وفيه حرام، فالنبات الطيب مثل يضربه الرسول صلى الله عليه وسلم للحلال، والنبات الخبيث يضربه مثلاً للمال الحرام، فالإنسان يعمل والله تعالى أرسل له رسولاً وقال له: هذا حلال وهذا حرام، وخذ من الحلال واجتنب الحرام، فبعض الناس يأكل من الحرام، وبعض الناس يأكل من الحلال أو من حرام، ولا يتوقف همه عن المال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم).

فهذه المشكلة حلها الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، وهذه ضل فيها فريقان: ففريق استرقوا في الدنيا وسلختهم الدنيا عن طاعة الله، وقليل هربوا من الدنيا وذهبوا إلى الصوامع والجبال، فالرسول صلى الله عليه وسلم حل المشكلة ليس برأيه، وإنما بوحي جاءه من عند الله، فقال: (إن الخير لا يأتي بالشر)، لكن خذ الخير من الحلال، وخذ الحلال بمقدار، واصرف الحلال في طاعة الله، وإياك أن تكون كآكلة العشب تأكل سامه وطيبه، ترتع بين الحلال والحرام، وإياك أن يطغى عليك المال فلا تفكر إلا فيه، وإياك أن تحبس المال عن أصحاب الحقوق.

إنّ كثيراً من الدعاة اليوم لا يفهمون هذه القضية، فهم يظنون أن المسلمين ينبغي أن يتركوا المال ويكونوا فقراء، بينما نجد أقواماً آخرين يتركونهم ويذهبون إلى الدنيا، والأمر ليس كذلك ولا كذلك، فالأمر كما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هناك من خير إلا وقد دل الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عليه.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.