أرشيف المقالات

أبشر يا صاحب الهم

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
أبشر يا صاحب الهم







يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ
أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ


اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ
لا تَيْئَسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ


اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً
لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ


إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ
إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ


واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحدٍ
فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ






الإمام الشافعي.
 
مَنْ يَسْمَعُ دبيبَ النملةِ السوداءِ في الليلةِ الظَّلْماءِ على الصخرةِ الصماءِ، يطعمُها ويسقيها ويَتَوَلَّى أمرَها؟ أليس يراك ويسمع صوتك ونَجْواك؟ أفي الله شَكّ؟!
 
لا والذي رفَع السماء بغير عمدٍ، وجَعَل لها رواسيَ ووتدًا، فمَن يعيش في هذه الحياة بغير هُموم؟ أو خالي البال مِن الغُموم؟
 
فلا الرئيس ولا المرؤوس، ولا الغني ولا الفقير، ولا الصحيح ولا السقيم، كلٌّ على قدره، والمؤمنُ يَشْكُر في السَّرَّاء، ويَصبر في الضَّرَّاء، وهو مأجور بإذن الله تعالى؛ ففي الحديث عن صُهيب الرومي رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ؛ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ، وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ، إِنْ أصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا له، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ؛ فكانتْ خَيرًا له))؛ رواه مسلم.
 
فهذا عليه ديونٌ، وذاك مِن المرض لا يقوم، وتلك يُؤرِّقها هَمُّ الزواج، وآخَرُ ليس له أولاد، وغيرهم يشتكي النفقةَ على العيال، وذاك في غيابات السجون، والكلُّ يُصابر ظروفَ معيشته، ويتعب ويكد، وهو مِن ذلك في ضيقٍ وكبد!
 
نسأل الله تعالى المعافاة لنا ولإخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، وفي الصحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((ما يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حزنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه)).
 
ذكر أحدُ الدعاة أنه ذَهَب مع شيخٍ آخر لأحد الأغنياء المترفين لِجَمْع مبلغٍ مِن المال لعمل خيري، وحين أعطاهما مرادهما، ثم أرادَا الانصراف، قال لهما: أريد منكما أن تدلوني على علاج أمرٍ يُؤَرِّقني، فأنا لا أنام الليلَ بسبب انشغالي بتجارتي المتعددة في البر والبحر، فلا يأتيني النوم للحسابات وتفكيري فيها، فبماذا تنصحونني؟!
 
وبعدَ انصرافهما من عنده مرَّا على عاملٍ بسيط افترش قطعة كرتون، واستغرق في نومٍ عميقٍ، فقال أحدُهما لصاحبه: يا ترى مَن السعيدُ؟ الغني الذي لا ينام؟ أم الفقير الذي نام؟!
 
فأبْشِرْ، يا صاح؛ إنَّ بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرَجًا، وبعد الغم والهم فُيُوضات ربانية، ونسائم إيمانية.
اشتدي أزمة تَنْفَرِجي ♦♦♦ قد آذن ليلك بالبلج!
 
قال الله تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾[الأنبياء: 87، 88].
 
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعوةُ ذي النونِ إذ دَعَا بِهَا وهو في بطنِ الحوت: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فإنه لم يَدْعُ بها رجلٌ مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له))؛ الترمذي، وصححه الألباني.
وفي الأثر: ((أفضلُ العبادة انتظارُ الفرَج)) مِن الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، فإيمانُك بربك، وثقتُك بوَعْدِه سبحانه وتعالى، وأنه الرَّزَّاق ذو القوة المتين، والشافي مِن الضر والأنين، والهادي إلى صراطه المستقيم - يُنجيك مِن الآفات والمُهلكات، فتنجو مِن الشهوات والشبُهات، ومِن كلِّ الكُرَب والآفات؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
 
ورحم الله القائل:






دعِ المقاديرَ تَجْري في أعنَّتِها
ولا تبيتَنَّ إلا خاليَ البالِ


ما بين غَمضةِ عينٍ وانتباهتِها
يُغيِّرُ اللهُ مِن حالٍ إلى حالِ

شارك الخبر

المرئيات-١