أرشيف المقالات

الحرب العالمية الثالثة.. الاحتمال القريب البعيد (رؤية تحليلية) - خالد غريب

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
  برغم عبثية سيناريو وصول قوات عسكرية روسية إلى الشواطئ المصرية وضحالة أسبابه المباشرة، إلا إنني أيضا لا أستطيع أن أستبعد مفاجأت من هنا وهناك؛ وذلك ليس بسبب الأوضاع في مصر ، ولكن بسبب الأوضاع عمومًا في المنطقة والتوازنات والصراعات الحديثة بين القوى الإقليمية الجديدة.

بمعنى أنه من الممكن أن تكون منطلقات الانقلابيين لا تتعدى التيكتيك المحدود، إلا أن القوى الأخرى المتربصة قد تستفيد بتلك الحالة وتطويرها إلى مفاجأة من نوع ما.

أولا لدينا إسرائيل المتربصة بالمنطقة، ولها مشروعها المعلن.
لدينا الإيرانيين ذوي المخططات الفارسية الخبيثة.
لدينا تركيا والعثمانيين الجدد.
لدينا متغيرات حقيقية في سوريا .
فإذا نظرنا إلى الحالة الفوضوية الرخوة لدول المنطقة جميعها سنجد أنها مغرية للغاية لعمل وتمرير مخططات قد يكون من المستحيلات مجرد التفكير فيها في أوقات أخرى.
فجميع الدول في المنطقة غير مستقرة؛ حتى الدول المستقرة سياسيا نوعا ما في طريقها الآن إلى زعزعة الاستقرار، ولا سيما ما تم تسريبه من دخول الملك السعودي في حالة حرجة منذ زمن.
ولا يخفى على أحد أن الملك كان صمام الأمان لاستقرار المملكة التي تعوم على صراعات خفية بين أبناء الأسرة الحاكمة نفسها؛ بل حتى بين القبائل المؤثرة فضلا عن أن المملكة تعد أيضا رمانة ميزان المنطقة كلها.

الشاهد...
على رأس تلك المفاجأات المطروحة وإن كانت بنسب ضعيفة ولكنها تظل احتمال تيكتيكي قائم وله شواهده؛ سواء كانت تصريحات مباشرة من بعض السياسيين أمثال (كيسنجر) الذي بشر بنشوب حرب في المنطقة منذ عدة أشهر، وقال بالحرف الواحد أن طبول الحرب تدق في المنطقة ومن لم يسمعها فهو أصم، وأن على أمريكا وإسرائيل أن تدرك أنها بصدد احتلال سبع دول عربية.
وأوضح ثعلب السياسة الأميريكية العجوز في حديث أدلَى به لصحيفة (ديلي سكيب) الأمريكية أنَّ ما يجري الآن هو تمهيد لهذه الحرب التي ستكون شديدة القسوة بحيث لا يخرج منها سوى منتصر واحد هو الولايات المتحدة من وجهة نظره.

وأوضح كيسنجر أنه يدرك أن كلاً من الدبّ الروسي والتنين الصيني لن يقفَا موقف المتفرج ونحن نمهد الطريق لقوتنا، خصوصًا بعد أن تشن إسرائيل حربًا جديدة بكل ما أوتيت من قوة لقتل أكبر قدر من العرب، وهنا سيستيقظ الدب الروسي والتنين الصيني، وقتها سيكون نصف الشرق الأوسط على الأقل قد أصبح إسرائيليًا، وستصبح المهمة ملقاة على عاتق جنودنا، وأقصد هنا الأميركيين والغربيين بصفة عامة، المدربين جيدًا والمستعدين في أيّ وقت لدخول حرب عالمية ثالثة يواجهون فيها الروس والصينيين.

ومن ركام الحرب، سيتمّ بناء قوة عظمى وحيدة قوية صلبة منتصرة هي الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم.
ولا تنسوا أنّ الولايات المتحدة تملك أكبر ترسانة سلاح في العالم، لا يعرف عنها الآخرون شيئًا، وسوف نقوم بعرضها أمام العالم في الوقت المناسب.

وبغض النظر عن تفاصيل تلك الحرب وأطرافها وأهدافها التي ذكرها (كيسنجر) بمرجعيته التوراتية؛ إلا إنه يعكس فكرا حقيقيا موجودا ومعلنا منذ مئات السنين وهو إعادة تقسيم المنطقة على أسس جديدة بالتأكيد لن تخرج خارج الفكرة الصهيونية الأزلية.

إلا إننا عندما نظرنا إلى تصريحات (كيسنجر) منعزلة عن الأحداث، قررنا أنه رجل عجوز مخرف!! وهكذا وقفنا أمام تصريحات السفيرة الأمريكية السابقة في مصر عن أن الوقت قد حان 2013 للبدء في مشروع إسرائيل الكبرى، وأنها كانت تعمل على التمهيد لذلك...
إلخ.

ولكن طبيعة المتغيرات وعلى رأسها الانقلاب المصري وتشابكه مع الصراعات في المنطقة قد يغير موقفنا من تلك التصريحات نوعا ما.
وسيزيدها قوة ويدفعها من حالة الهذيان إلى حالة المنطقية النوعية؛ هذا من ناحية شواهد التصريحات التي لا تنتهي عند كلا العجوزين الأمريكين بل تمتد إلى الكثير من السياسيين، وحتى مراكز البحوث.

أما إذا انتقلنا إلى الشواهد التحليلية؛ بطبيعة الحال سننطلق من فكرة إعادة تقسيم المنطقة والشرق الاأوسط الجديد تلك الفكرة التي لا يستطيع عاقل إنكارها.
وإن لم يتم التفكير فيها الآن في هذه الحالة المؤهلة تماما فمتى يكون التفكير فيها؟؟؟؟

ولكن عودة إلى فكرة الحرب المنتظرة...
أقول إن الحرب قد تنشأ فعلا في حالة عدم إمكانية تمرير فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال ثورات الربيع والاعتماد فقط على الفوضى التي خلفتها (الخلاقة) وعلى الصراعات الأيدولوجية والطائفية والقبلية المحلية.
فإن لم تصل تلك الخلافات إلى الحد الذي سيسمح طوعا بإعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية في المنطقة لتمرير الشرق الأوسط الجديد...
سيكون الطريق الآخر هو الحل وهو الحرب وتحديدا حرب عالمية ثالثة كما زعم (كيسنجر).

لأنه من طبيعة الأشياء أن يقوم المنتصر في حرب عالمية بإعادة ترتيب جغرافية العالم بما يظن أنه يخدم مصالحه.
وهكذا حصل في الحربين العالميتين وهذا ما نشهده يحصل بعد نهاية الحرب الباردة.
وهذا يعكس التغيير العميق في دلالات المصطلحات الجغرافية الطابع.
فكلمة (روسيا) كانت تعني أثناء الحرب الباردة الاتحاد السوفيتي بجمهورياته.
أما الآن فإنها تعني الجمهورية الروسية بحدودها الضيقة نسبياً.
فكيف سيكون إعادة تقسيم المنطقة؛ بل حتى إعادة تسميات الدويلات في حال ما نشبت مثل تلك الحروب في منطقتنا.

والحروب لا تكتفي بإعطاء دلالات جديدة للأسماء أو المصطلحات القديمة بل إنها تولد أسماء جديدة (مثل جمهورية البوسنة والهرسك)، ومصطلحات جديدة مثل النظام العالمي الجديد.
وهذه الأسماء والمصطلحات الجديدة تمتاز بقابلية دلالاتها للتغيير طيلة فترة الفوضى التي تعقب نهاية الحروب ولغاية إقرار توازن جديد يميز مرحلة ما بعد الحرب.
فالفوضى السياسية والاجتماعية ومعها فوضى المصطلحات لا تنتهي بانتهاء الحرب التي تخلف دولاً تلملم جراحها وتجهد لاستعادة توازنها أو لإقامة توازن جديد يلائم عالم ما بعد الحرب.
بل هي تنتهي بعد إرساء استقرار جديد.

ولا شك أن ما يسمى بثورات الربيع العربي خلفت فراغ يشبه تماما هذا الفراغ لمرحلة ما بعد الحروب فالفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولكن هذا الفراغ وتلك الرخاوة وهذه الحالة كافية لإعادة تقسيم المنطقة بالقدر المتساوي في حالة نشوب حرب؟؟؟

الحقيقة هذا السؤال سيكون في رأيي هو الفيصل في تلك القضية.
إلا إنني أرى أن المحاولات لا زالت قائمة في اتجاه الصياغة الطوعية وفق الصراعات الأيدولوجية والطائفية والعرقية؛ وآخرها ما أسفر عنه الانقلاب العسكري من تقسيم المصريين العجيب والغريب والمفاجئ فعلا إلى طرفين (أنتو شعب واحنا شعب)، وهذا التقسيم وإن كان بدأ وهميا إلا إنه تحول إلى تقسيم حقيقي، أو انقسام حقيقي.
وأظنه كان تيكتيكا جديدا بعد أن فشلت محاولات استخدام الأقليات كالأقباط وغيرهم، أو حتى عرقيا كأهل النوبة وقبائل سيناء، وربما هذا ما يفسر اشتعال بعض المناطق كأحداث سيناء وخلافه.

ولكن هل تلك الحالة الانقسامية إذا ما انضمت إلى الانقسام القبلي في ليبيا، والطائفي في اليمن، والحالة التونسية الإسلامية العلمانية ...
إلخ تقوى على تقسيم المنطقة باستمرار دفعها وتصعيدها؟

أيضا تلك الرؤية والمعيار لا زال لدى مراكز بحوث النظام العالمي الجديد، ومن ثم ستتوقف نشوب تلك الحرب على تلك المعايير.
ومن جهة أخرى تأجيل المواجهة مع إيران، بل حتى الضربة العسكرية لسوريا التي كان قد أعلن عنها الأمريكان ثم تراجعوا لا يمكن استبعادها من هذا التحليل فمن المعروف الآن أن أية مواجهات عسكرية في المنطقة لا يمكن انحصارها في ضربات عسكرية خاطفة كما زعم أوباما في وصفه عن ضربته لسوريا؛ بل ستمتد إلى تلك الحرب العالمية الثالثة التي ينتظرها الجميع والتي يحضر لها الأمريكان بل حتى باقي الأطراف.

لذا هرولة الروس العائدون من تحت الأنقاض إلى الشواطئ المصرية ومن قبل إلى الشواطئ السورية أيضا لا يمكن استبعاده عن تلك الرؤية في حالة إقرار ما سبق.
بل حتى إذا افترضنا جدلا صدق كلام الفريق السيسي (وتجاوزنا تصريحات رئيس المخابرات المصرية اللواء تهامي الأخيرة) عن أن أمريكا أعطت ظهرها لنا (كما قال الفريق السيسي) وتخليها عن الانقلاب أو على الأقل وقوفها بعيدا، أو كما فهمت أنا ومن سياق حديثه أنهم غدروا به بعد ان شجعوه على الانقلاب..
فطبيعة الحال كان ذلك لدفعه إلى روسيا للوصول إلى الشكل المناسب لمبررات المواجهات في المنطقة.

ومن ناحية أخرى ويؤكد ذلك أيضا التركيبة الجديدة لروسيا والتي لم يبقي لها الأمريكان إلا بعض الرؤوس النووية وترسانة من الأسلحة مما جعل روسيا أشبه ببلطجي أو مجموعة مرتزقة يقتاتون من الحروب لصالح الغير فضلا عن تصدير بناتهم إلى الحانات وأوكار الدعارة على مستوى العالم.
وبات من أسهل ما يمكن استخدامها ولو تيكتيكيا وبالاتفاق معها لحرب عالمية في المنطقة وتمرير الشرق الأوسط الجديد مع وعدها بحصة شرق أوسطية لا بأس بها.

ولكن يبقى السؤال الأهم وهو موقف التنين الصيني الغير واضح حتى الآن: هل سيقف متفرج من بعيد كالعادة ليترك عدوه اللدود الوحش الأمريكي يتآكل بمغامراته التوراتية المتكررة؟ أم هذه المرة سيكون له تدخلا مباشرا؟ الحقيقة يبقى موقف الصين غامضا كالعادة عند اشتعال الأحداث.

إذًا خلاصة القول:
كما سبق وأن ذكرنا أن الكلام عن روسيا وإعادة العلاقات (الناصرية) معها يأتي في سياق استحضار مشهد تاريخي افتراضي لواقع مغاير تماما ضمن سياق تعبئة شعبية إعلامية مخادعة لمقاومة تمدد إسلامي طبيعي كإفراز منطقي لثورات الربيع التي أسقطت أنظمة ديكتاتورية شائخة وعجوزة.

ولكن يبقى احتمال منطقي أيضا واعتدناه تاريخيا وهو توظيف السفهاء واستدراجهم من حيث لا يعلمون إلى مفاجأت قد تكون بعيدة عن تفكيرهم الضحل السطحي، أو دفعهم إلى ذلك بحصارهم وخناقهم وابتزازهم، أو بإغرائهم...
وكلها نماذج رأيناها في معظم حكامنا في العصر الحديث.

عموما تبقى الأيام القادمة جولة جديدة في حياة الأمة يقينا لم تحسم بعد.
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣