شبهات وشهوات


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فإن من نعمة الله علينا أن يجد الإنسان إخوة في الله يسكنون متجاورين متعاونين على تقوى الله وطاعته، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، ويُذكِّر بعضهم بعضاً، فالعمر محدود، والرحيل قريب، والراحلون إلى الدار الآخرة يزيدون المؤمن إيماناً بضرورة الجد والعمل وقصر الأمل، ويذكرون الغافل عن الله وآياته، والمضيع للعمر في اللهو واللعب وما لا يجدي بحتمية هذا المصير.

فإذا وُجِدَ الإنسان إخوة في الله يدرس ويسكن معهم، فإنهم يعينونه على تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما يقرب إليه، ويذكِّرونه بأمر الله، فهي نعمة كبرى خاصة في هذا الزمن، الذي تكالبت فيه الفتن واشرأبت بأعناقها من كل مكان، وحوصر الشباب المسلم في نفسه وما حوله من كل جهة لكي ينجرف وينحرف وراء الشهوات والضلالات والبدع، فجديرٌ بنا في هذا العصر أن نتآخى في الله، وأن نتعاون في ذاته، وأن نضحي لكي ينقذ كل منا نفسه وأخاه.

والمتأمل في عمر الإنسان يجده معدوداً محدوداً قصيراً؛ إذ أن سنوات الطالب الجامعي أربع سنوات، وهي قليلة جداً في حساب الزمن، فإذا نظرنا إلى العمر وأنه قليل، فإنها تكون قليلة من ذلك القليل.

فعلى الإنسان أن يتقي الله في هذا العمر، وأن يجعل هذه السنين مناسبة عظيمة، وفرصة كبرى، وغنيمة يغتنمها؛ لكي يتعلم ما ينفعه، ويقربه إلى الله، ولكي يستعد للدعوة إلى الله على منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالآن تستطيع أن تسأل وأن تتردد على حِلَقِ الذكر، وتذهب إلى من تريد لتستفيد منه علماً وخيراً، وتستطيع أن تدعو إلى الله، وإن أخطأت أو تجاوزت فإن ذلك يكون في هذه الفترة مقبولاً منك؛ لأنك في مرحلة الطلب.

وأنت أيضاً -غالباً- متفرغ للدراسة، فلا مشاغل عائلية، ولا أعباء ولا مشكلات، ولكن حالك إذا تخَّرجت وعدت إلى بلدك سيتغير، فستخرج إلى الحياة العامة، وستنشغل بالأهل وأعباء الحياة، وستكثر عليك المسئوليات، وعندئذٍ ستندم على ساعات أو ليالي أو أيام مضت في السكن لم تستفد منها، فالعاجز يندم على تفريطه، والمجد يندم على عدم اجتهاده أكثر، وهي تجربة يشعر بها كل من مر بها، ويندم ويتأسف على تلك الأيام أن لو اغتنمناها أكثر فأكثر، حيث ثورة الشباب والفراغ، وحيث الإخوة في الله، وإمكانية التقويم والتصحيح، وحيث إمكانية السؤال.

ونحن أبناء جامعة أم القرى يجب علينا أن نتقي الله في أنفسنا، وأن نكون صادقين، وصرحاء مع حقوق الله علينا، فلابد لنا من التأثير في مجتمعنا وما حول جامعتنا، بل لا بد أن نعد العدة لأن نقوم بها خارج هذه البلدة أيضاً.

فكل شاب مسلم في أي بلد في العالم يلام إن قصَّر في الدعوة إلى الله، ولكن طالب جامعة أم القرى إن قصر كان اللوم في حقه أعظم، وإن عمل كل أحد فالواجب عليه أكبر وأكثر.

تضم هذه الجامعة حسب الإحصائيات الأخيرة ما يقارب (15000) طالب وطالبة.

فيا سبحان الله! لو فرضنا أن منهم (1500) فقط دعاة، فهل يكون حالنا كهذا الحال؟!

أقول: دائماً يجب أن نكون صرحاء، ولا سيما إذا لم يكن فينا غريب، وليس غير الإخوة في الله، فلنكن صادقين في انتهاز الفرص، وأن نتحدث نحن منتسبي هذه الجامعة وهذه الكليات الشرعية، ونحن وحدنا عن الشباب الضائع، فالشباب الضائع اللاهي الذي يعبث حول الجامعة لابد من نصيحته ودعوته إلى الله، فالمساكن القريبة والمقاهي والملاهي لابد من بذل الجهد في نصيحتها، فإقامة الدعوة في السكن شيء طيب لكن لا نكتفي به.

أهمية الدعوة

إن نسبة معينة فقط من الشباب هي التي تشارك وتفيد وتستفيد، أما البقية فإنها لا تفعل ذلك، مع أنه لا بد لطالب العلم -الذي يتعلم ليدعو إلى الله- من أن يكون له برنامج للدعوة خاصة في هذا الزمن.

هذه جامعة أم القرى، وهذا هو الطالب الذي لو سألته: أتطلب العلم لوجه الله؟

هل تطلب العلم لتدعو إلى الله؟

فسوف يجيب: نعم! ولا شك، وأنا أقول بصراحة: لو سألنا هذا السؤال في أحد الاختبارات فمن سيجيب بلا؟ لا أحد، وفي الواقع الذي يطبق قلة: فكأننا نكذب على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ماذا عملنا في هذا البلد الحرام؟

وكيف هو حال ما حول مكة؟

أتعلمون أنه يعرض كثيراً، ومما عرض أخيراً على سماحة والدنا الكريم، وشيخنا الفاضل: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله وأطال عمره، ونفعنا بعلمه، عرض عليه تقريرات، أو تقارير عن مناطق تبعد عن مكة ما بين (30-40) كيلومتر فقط؛ وبعضهم يأتي إلى مكة، وهم لا يحسنون قراءة الفاتحة، ولا يعرفون الأصول الثلاثة: من ربك؟

وما دينك؟

ومن نبيك؟

حتى أن فضيلة الشيخ عبد الله الفنتوخ مدير عام الدعوة هو بنفسه قال: أنا سألت واحداً منهم: من ربك؟

فقال: محمد! وهذا في الأماكن القريبة، فأقول: لابد أن نجلس وحدنا، لنكون صادقين وصرحاء مع أنفسنا، ولا نكذب، قد نخدع أي أحد -ونعوذ بالله أن يكون فينا أحد مخادع- لكن لا يخادع الإنسان نفسه، ولا ينبغي أن يخدع نفسه، لأن هذا مصيرك، وهذه مسئوليتك بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أين دعوتك؟

وأين تبليغك لدين الله؟

وما العذر في ذلك؟

يذهب الشاب منا إلى أهله، أو إلى بلده، أو قبيلته في العطل، في مدة تطول أو تقصر.. كم منا الذين يدعون إلى الله ويصبرون، ويبلغون قومهم إذا رجعوا إليهم؟

أليس هذا هو واجبنا جميعاً؟

وإلا فلم التحصيل؟

ولم الاستكثار من حجة الله علينا؟!

لما سئل أحد السلف عن طلب الزيادة في العلم، فقال: هل عملت بما قد علمت؟

قال: لا. قال: فلم تستكثر إذن من حجة الله عليك؟!

وأقول: لم نكمل الجامعة إلا وكلٌ منا يريد أن يواصل الدراسة، لنستكثر من الحجة، ماجستير ثم دكتوراة، وماذا بعد ذلك؟

قد يموت الإنسان ولم يكمل شيئاً من هذه المراحل، وأكثر من يموت هم الشباب، قال بعض السلف الصالح: '' أكثر من يموت الشباب، ومن أراد أن يعرف صدق ذلك فلينظر إلى قلة الشيوخ ''، فكم عجوزاً ترى في هذا البلد؟

وكم ترى إنساناً مسناً محدودب الظهر؟

إنهم قليل جداً؛ لأن الناس يموتون، وهم ما يزالون أقوياء، وفي سن الشباب، وما حوله، إذن فماذا ننتظر؟!

سبحان الله العظيم!

من فوائد صلاة الجماعة

الأمة تجتمع عندنا خمس مرات في اليوم، دع الذي لا يصلي، وانظر إلى الذين يجتمعون عندك في اليوم خمس مرات ماذا قدمت لهم؟

هل دعوتهم إلى الله ليكون لك مثل أجورهم دون أن ينقص ذلك من أجرك شيئاً؟

ولا أزال أتذكر كلمة ذلك المجرم الأثيم لينين، الزعيم الشيوعي المعروف، عندما اقتحمت جحافل الثورة الشيوعية المدن والدول الإسلامية التي تزيد مساحتها على مساحة الدول العربية مجتمعة، تركستان، وبلاد ما وراء النهر، اجتاحها أولئك الشيوعيين، واجتاحوا الدول التي تدين بـالنصرانية، فأذعنت وسلمت، ودول تدين بأديان أخرى من المشركين فأذعنت وسلمت.

لكن المسلمين قاموا وجاهدوا أكثر من ثلاثين سنة، لا أحد يدري عنهم، فكثير من مشاكل المسلمين لا يدرى عنها؛ لأن الأمة في لهوها ولعبها وغفلتها،فقال لينين: لم هذه المقاومة؟

وما السر؟

قالوا: إن المسلمين يجتمعون، قال: فرقوهم، فشحن أعداداً هائلة إلى سيبيريا، وإلى المصانع في الشمال، فما نفع ذلك، فسائل المجرم عن السر في ذلك؟

فقالوا له: هؤلاء يجتمعون في اليوم الواحد خمس مرات، وفي كل حي يجتمعون في الأسبوع مرة، ولا يكاد يغيب منهم أحد، وهذا من دينهم، فعجب هذا المجرم والطاغوت، وقال: لو اجتمع الناس عندي خمس مرات في اليوم لجعلت العالم كله شيوعياً...!

خمس مرات يأتيك الناس، أنا لا أطلب منك أن تلقي خمسة مواعظ بعد كل صلاة! لكن تسلم على هذا، وتكلم هذا، وتنصح هذا، تعظهم جميعاً، وأحياناً تكلمهم جميعاً، وتنشئ علاقات صداقة ومحبة معهم، لتقربهم إلى الخير، لترى ما عندهم، هذه هي التي من أجلها بنيت المساجد، وشرعت الجماعة، وعبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأداء الصلاة أمر عظيم، لكن لا نفوت الحكم والمصالح، فكلها متداخلة متشابكة، فنجد منافع عظيمة في الصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، كلها فيها المنافع، وهي لا تنفصل، وهي لمصلحتنا، وإلا فالله تعالى غني عنا، فمن الخير لنا أن نسجد لربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لتطمئن قلوبنا بذكره، ولننسى هذه القسوة والغفلة التي يكابدها الناس الذين شغلوا بالحياة الدنيا، ثم يذكر بعضنا بعضاً ليكسب الأجر.

إذا قام في ذهن الشاب المسلم هذا الإحساس بضرورة الاستفادة من العمر، واستغلال الوقت للأجر، ولما يقربه من الله، ولزيادة الحسنات، تجده شعلة من الحركة، والدعوة إلى الله.

كان بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إذا أثقلته العبادة، أو القراءة، أو الجلوس مع أهله وزوجاته، يخرج إلى السوق، ليجد شيئاً يكسب به الأجر، فيخرج يسلم على الناس، فإذا رأى منكراً أنكره، وإن لم ير المنكر، فيلقي عليهم السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والآخر يرد عليه، فيكون كسب: ثلاثين حسنة، ومن غيره ثلاثين... وهكذا، فلا يرجع إلى البيت إلا وقد كسب هذه الحسنات العظيمة، وكان فيها نوع من الصلة لإخوانه المسلمين، والتعرف على أحوالهم، وكان فيها نوع من إنكار المنكر، فلو لم يكلم الناس فإنهم إذا رأوا مثل هذا الإنسان، يستحيون أن يظهروا المنكر أمامه.

أمَّا نحن فقد غفلنا عن مدارسنا، وأسواقنا، وغفلنا عن مقاهينا، وغفلنا عن قبائلنا، وربما عن أسرنا، وربما يكون فينا من يغفل حتى عن نفسه.

إذن ما فائدتنا؟

وما قيمتنا في هذه الحياة؟

هل للشباب وللجامعات من قيمة إلا بقيمة العلم والدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!

دعوة إلى تصحيح المعايير والمفاهيم

هل يصح أن تكون معاييرنا هي معايير ذلك الإنسان الذي لا يعرف الله واليوم الآخر، أو من العامة الذين لم يتعلموا ما تعلمنا؟

انظروا إلى المعايير التي علَّمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وعلَّمها القرآن للمؤمنين! وانظروا إلى معايير الناس، وانظروا هل معاييرنا نحن كما عليه الناس، أم كما عليه الوحي والدليل؟

فالفائز في أذهان كثير من الناس هو الذي ربح في تجارته، والذي ربح في اللهو واللعب، والذي غنم أي شيء من متاع الدنيا الفانية، فهذا الذي يُسَّمى الفائز، لكن الفائز عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والفائز في معايير القرآن والسنة هو كما قال تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] هذا هو الفائز، والمفلس عند الناس الذي لا درهم عنده ولا متاع، وليس عنده مال، وهذا مفهومهم، لكن عند طلبة العلم في منهج الوحي، المفلس هو الذي أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلمون الحديث.

من العالم؟

العالم عند الناس من حفظ وحوى، وتحَّدث وتفلسف، هذا هو العالم عندهم، لكن في ميزان الشرع العالم هو العالم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبحق الله، وإن كان غيره أحفظ منه، لكنه يحفظ ويقرأ، ويعلم ويعرف ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم ما خلقه الله لأجله ويقتدي به الناس بدعوته إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أما من أوتي علماً، فطلب به الدنيا، وتكسب به، وطلب العاجلة، وأخلد إلى الأرض، فلا خير فيه ولا في علمه، كما قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176].

وقد استشهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعلماء وجعلهم شهداء على ألوهيته، قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ [آل عمران:18]، ولم يستشهد من أهل الدنيا أحداً إلا هؤلاء، أهل العلم.

وقال في الآية الأخرى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ [الشعراء:197]، وقال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ [الأحقاف:10] فالعلماء يشهدون في الأمور العظيمة، وهؤلاء الذين يستشهدهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو العالم الحقيقي، لكن عند الناس غير ذلك، وكذلك السعيد عند الناس هو الذي جمع المال والأولاد، والذي حاز زهرة، وفتنة الحياة الدنيا، مع أنه قد يُعذب بهذه الأموال والأولاد، فإنما هي فتنة في الدنيا، لكن عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ميزان الوحي، من السعيد؟

ومن المطمئن؟... وهكذا.

يجب أن نصحح معاييرنا، ومفاهيمنا ونتوجه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقلوبٍ صادقة وعزيمة ثابتة، وبإقبال على الآخرة وانصراف عن ملهيات الدنيا، ولا نكون كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولا نكون كالشباب الخاسر، وكل إنسان خاسر كما قال تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]، فكل الجنس الإنساني بهذا القسم في خسارة ماحقة: الملوك، والأغنياء، والأثرياء، والوزراء من أهل الدنيا، وكل ما ترى أمامك، كلهم خاسرون، إلا من استثنى الله، وقد ذكر صفاتهم، فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:3]، فأول صفتهم الإيمان.

وثانيها: العمل الصالح وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3].

وثالثها: التواصي بالحق، فهم لا يجهلون الحق، يعرفونه كلهم، ويتواصون به أيضاً؛ لأني قد أعرف الحق وأضعف عنه، وقد أعرفه وأجبن عنه، قد أعرفه وأنساه وأغفل عنه، فتوصيني وتذكرني وأنا أذكرك، لا نقول: هذا يفهم ويعرف كل شيء، كما أن كل مسلم يعلم أن الصلاة حكمها كذا، وحكم تاركها كذا، لكن أكثر الناس لا يصلون، يعلمون لكن يفعلون، فلذلك قال تعالى: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ [العصر:3]، فيذكر بعضهم بعضاً، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3].

ورابعاً: التواصي بالصبر، فلا يقول له: إذا رأيت أن الموضوع صعب فاتركه: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، اصبر واستمر وادع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فيجب أن ينصح بعضنا بعضاً، وأن ننتهز كل فرصة نجد أنفسنا فيها معاً لنتذاكر بواجبنا في هذه الجامعة، ومسئوليتنا أمام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، سواء ونحن ندرس، أو بعد التخرج..

نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، إنه سميع مجيب.

إن نسبة معينة فقط من الشباب هي التي تشارك وتفيد وتستفيد، أما البقية فإنها لا تفعل ذلك، مع أنه لا بد لطالب العلم -الذي يتعلم ليدعو إلى الله- من أن يكون له برنامج للدعوة خاصة في هذا الزمن.

هذه جامعة أم القرى، وهذا هو الطالب الذي لو سألته: أتطلب العلم لوجه الله؟

هل تطلب العلم لتدعو إلى الله؟

فسوف يجيب: نعم! ولا شك، وأنا أقول بصراحة: لو سألنا هذا السؤال في أحد الاختبارات فمن سيجيب بلا؟ لا أحد، وفي الواقع الذي يطبق قلة: فكأننا نكذب على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ماذا عملنا في هذا البلد الحرام؟

وكيف هو حال ما حول مكة؟

أتعلمون أنه يعرض كثيراً، ومما عرض أخيراً على سماحة والدنا الكريم، وشيخنا الفاضل: الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله وأطال عمره، ونفعنا بعلمه، عرض عليه تقريرات، أو تقارير عن مناطق تبعد عن مكة ما بين (30-40) كيلومتر فقط؛ وبعضهم يأتي إلى مكة، وهم لا يحسنون قراءة الفاتحة، ولا يعرفون الأصول الثلاثة: من ربك؟

وما دينك؟

ومن نبيك؟

حتى أن فضيلة الشيخ عبد الله الفنتوخ مدير عام الدعوة هو بنفسه قال: أنا سألت واحداً منهم: من ربك؟

فقال: محمد! وهذا في الأماكن القريبة، فأقول: لابد أن نجلس وحدنا، لنكون صادقين وصرحاء مع أنفسنا، ولا نكذب، قد نخدع أي أحد -ونعوذ بالله أن يكون فينا أحد مخادع- لكن لا يخادع الإنسان نفسه، ولا ينبغي أن يخدع نفسه، لأن هذا مصيرك، وهذه مسئوليتك بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أين دعوتك؟

وأين تبليغك لدين الله؟

وما العذر في ذلك؟

يذهب الشاب منا إلى أهله، أو إلى بلده، أو قبيلته في العطل، في مدة تطول أو تقصر.. كم منا الذين يدعون إلى الله ويصبرون، ويبلغون قومهم إذا رجعوا إليهم؟

أليس هذا هو واجبنا جميعاً؟

وإلا فلم التحصيل؟

ولم الاستكثار من حجة الله علينا؟!

لما سئل أحد السلف عن طلب الزيادة في العلم، فقال: هل عملت بما قد علمت؟

قال: لا. قال: فلم تستكثر إذن من حجة الله عليك؟!

وأقول: لم نكمل الجامعة إلا وكلٌ منا يريد أن يواصل الدراسة، لنستكثر من الحجة، ماجستير ثم دكتوراة، وماذا بعد ذلك؟

قد يموت الإنسان ولم يكمل شيئاً من هذه المراحل، وأكثر من يموت هم الشباب، قال بعض السلف الصالح: '' أكثر من يموت الشباب، ومن أراد أن يعرف صدق ذلك فلينظر إلى قلة الشيوخ ''، فكم عجوزاً ترى في هذا البلد؟

وكم ترى إنساناً مسناً محدودب الظهر؟

إنهم قليل جداً؛ لأن الناس يموتون، وهم ما يزالون أقوياء، وفي سن الشباب، وما حوله، إذن فماذا ننتظر؟!

سبحان الله العظيم!




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2573 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2505 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2458 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2345 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2261 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2254 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2247 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2196 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2164 استماع