خطب ومحاضرات
لماذا نستدعي أمريكا؟
الحلقة مفرغة
الحمد لله القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة:1]، والقائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51]، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد القائل: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، واشتغلتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )، وعلى آله وأصحابه والتابعين، الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ولم تأخذهم في الحق لومة لائم، أما بعد:
أهمية الموضوع:
فيأتي هذا الكلام، في ظروف حرجة، وفي أزمة صعبة تعيشها الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أدناها، وفي فتنة تدع الحليم حيران، ولكن ماذا عسى أن يفعل المؤمن؟ وماذا عسى أن يفعل طالب العلم وطالب الحق إذا عرف شيئاً من الحق وفتح الله بصيرته له؟
ليس إلا أن يبلغه؛ ليكون من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله؛ وذلك عملاً بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدين النصيحة)، وكما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبايع أصحابه؛ فقد بايعه جرير بن عبد الله رضي الله عنه (على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم).
إذاً: فلابد أن تقال النصيحة، ولابد أن تقال كلمة الحق لهذه الأمة التي غرقت في شهواتها وملذاتها؛ إلا من رحم الله تبارك وتعالى؛ فلابد أن تقال النصيحة، فإن قبلت فذلك ماكنا نبغي، وإن لم تقبل فكم رُدَّ من نصائح من قبل، وفما كان منها من صواب فهو من الله، وما كان من خطأ فمن النفس والشيطان، أعاذني الله وإياكم من شره.
إننا نعيش هذه الأيام أزمة ونريد وقفة، بل إنه نحتاج إلى وقفات عاقلة، متأنية، بعيدة عن العواطف؛ لننظر في هذه المصيبة الراهنة، وما الذي أوصلنا إليها؟ وكيف آل بنا الحال إلى هذا المآل؟ وماهي الأسباب وراء ذلك؟ وهل من سنن لله تبارك وتعالى في تغيير هذه الحال؟ وماذا نفعل؟ وماذا يجب علينا -نحن طلبة العلم بالأخص- أمام هذه المواقف العصيبة؟
أقول: إن الأحداث التي حدثت فاجأتنا جميعاً، وسر المفاجأة عندي يكمن في عنصرين:
الأول: غفلتنا إلا من رحم الله تبارك وتعالىعن قراءة سنن الله في الكون، وفي الأمم قبلنا، مع أنها في كتاب الله واضحة كل الوضوح، وكذلك غفلتنا عن قراءة تاريخنا الإسلامي، وماذا يكتنفه في كل صفحة من صفحاته من العداء ومن البلايا والمحن؟
فقد عشنا حقبة من الزمن في هذه البلاد في ترف ونعمة ورخاء، وماكنا نحسب أن هذا الحال قد يتغير أو يتبدل أو يهتز، فكأننا قد أمنا عقاب الله، وأمنا مكره فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] نسأل الله العفو والعافية.
وكأننا قد أخذنا من الرحمن موثقاً أن لا يعذبنا؛ وإن ارتكبنا ما ارتكبته الأمم قبلنا فعذبت به، وكأننا ينطبق علينا ما ذكره الله تبارك وتعالى عن بعض كفار قريش، فقال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً [مريم:78]، لا والله لا نعلم الغيب، فالمستقبل محفوف بالمخاطر، وينبغي أن نتوقع ذلك، ولا عهد لنا من الله، إذ ليس بين الله تعالى وبين أحدٍ من خلقه نسب إلا التقوى، وإنما عهد الله وتأذن بالنصر والتمكين لمن شكر النعمة، أما من كفرها وبطرها وبدَّلها كفرًا؛ فإن مصيره كما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم في آيات كثيرة.
الثاني: الذي جعل المفاجأة بهذا الشكل: هو أننا لا نقرأ ما يقوله أعداؤنا؛ بل لا نحاول أن نتعرف عليه، ومن هنا وقعنا في خطأ كبير أدى إلى هذه المفاجأة وهذا الذهول، وقد صدق وهو كذوب من قال: ''إن العرب لا يقرءون، والمشكلة أنهم إن قرأوا فإنهم لا يحللون ولا يفهمون، وإن فهموا فإنهم لا يعملون، وإن عملوا فإنهم لا يصيبون ولا يسددون ماداموا عرباً" أي: ما دامت الرابطة والجامع هو العروبة، ومادام الاسم ليس اسم الإسلام، وليست رابطة الإسلام.
في الواقع أن هذه الأحداث التي نراها هذه الأيام ليست بجديدة ولا غريبة على من تتبعها، أو على من يتتبع ما يقال وما يكتب، فضلاً عمن يقرأ ما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أحوال الأمم قبلنا حين عصت الله.
فإن زوال النعم متوقع، وإن نقص الأموال والأنفس والثمرات، هو الذي يجب أن يتوقع؛ لأننا لسنا على مستوى من الإيمان، والتقوى والصبر الذي يؤهلنا لدفع هذا العذاب عنا، إلا أن نكون مجاهدين بدلاً من أن نُغزى في عقر دارنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما الجانب الأول من الأعداء -وهو الذي هزنا جميعاً وفاجأنا- هو حزب البعث، ذلك الحزب الملحد المرتد الكافر.
إني أقول بكل أسف: كنا نعلم أنه حزب مرتد كافر -أعني: من يعلم ذلك منا- ولكن ذلك لم يُبَيَّن، ولم تُقَلْ كلمة الحق كما ينبغي؛ ونحن الدعاة أول المسئولين في هذا الجانب، فقد قصَّرنا كثيراً في توعية الأمة بحقائق هؤلاء القوم، ثم إننا نسينا أنه حزب صليـبي، وأن الذي أسسه رجل صليبي ومايزال الرجل الثاني -تقريباً- فيه صليبي، فكان ينبغي لنا أن نعلم ذلك.
وقد ذكر لنا ربنا عز وجل أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، وأنهم صليبيون يأتوننا بأسماء أو شعارات عربية، ويأتوننا بوجوههم الكالحة المكشوفة في العالم الغربي، وكلهم عداوتهم للإسلام واضحة.
ولن أطيل في ذكر الحديث عن هذا الحزب وكفره وضلاله، ولا عن هذه العداوة التي يكنها للإسلام والمسلمين، ولا عن هذا الهجوم الذي أراد أن يُباغت به المسلمين، وأن يكتسح به ديارهم، فذلك معلوم معروف، وقد ظهر الآن، ولكني أحب أن أعرج -ما أمكن- على الجانب الآخر من العداوة.
وهو: جانب اليهود والنصارى والغرب، إذ يخشى الإنسان في زحمة الأحداث، ومعتركها أن يضيع أمراً وجانباً عظيماً من جوانب العقيدة، وهو: الولاء والبراء، ويخشى أن يؤدِّي ماحصل من أحداث إلى أن يكون في قلوبنا مودة للذين كفروا وهم أعدى أعدائنا، نسأل الله العفو والعافية.
فمن هنا لما رأيت الخطر محدقاً على إيماني، وعلى إيمان إخواني المسلمين فيما يتعلق بموالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، والموقف من اليهود والنصارى، وأن الاستثناء ربما أصبح عندنا قاعدة عامة، قلت: لابد أن أبين لإخواني هذه الحقيقة، وأن أعرفهم بخطر هذا العدو الآخر مهما يظهر لنا من أوجه أو تقنع بأقنعة؛ فإنه عدونا إلى قيام الساعة، وكما قلت: إن البعثيين هم أعداء ساعة، وما هي إلا نطحة أو نطحتان -كما جاء في الحديث عن فارس- ثم يذهبهم الله عز وجل كما يشاء، ولكن العدو الأبدي الذي هو عدونا إلى قيام الساعة كما أخبر النبي الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم هؤلاء الروم (الغرب) الذين تكالبوا علينا من كل جهة، وجاؤونا من كل فج عميق.
إذاً يجب أن نُقدِّر الضرورة بقدرها، ولكن علينا مع ذلك أن نُقدِّر أسباب هذه الهجمة، ولماذا جاءوا؟ وماهي العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن وجودهم بيننا؟ ولنكن في كل أمورنا ملتزمين بأمر الله، وبشرعه، وبدينه؛ ولا مانع أن يذكر بعضنا بعضاً بما نسينا أو غفلنا عنه في هذا الجانب.
تبتدئ مشكلة ما يمكن أن يُسمى الوجود الغربي في الشرق الأوسط -كما يسمى- منذ عهد الرئيس نيكسون بعد مرحلة من مراحل الوفاق الدولي، والتي لم تتم كاملة مع الاتحاد السوفيتي.
وقد ذكر الرئيس نيكسون في مذكراته -وهي مطبوعة ومترجمة إلى اللغة العربية- وكذلك في كتابه الحرب الحقيقية، فألمح إلى ضرورة وجود أمريكي في المنطقة في منابع النفط، وعلل ذلك بتعليلات يهمنا منها أنه ركز على قوة العراق وهيمنتة وخطره، أو أن يُتخذ أداة من قبل الاتحاد السوفيتي، أو من قبل زعامات إقليمية فيكتسح منابع النفط ومناطقه، فمن هنا كان لابد من تفكير وعمل جاد لردع هذا العدوان المتوقع.
ثم أعقب ذلك قراراً أصدره الرئيس كارتر في (18 أغسطس عام 1977م) أي: قبل (13 سنة) من طرح الموضوع وتضمن القرار أنه لابد من وجود حماية عسكرية لمصالحنا في الخليج، وكان ذلك بعد تمثيلية الرهائن الذين كانوا محتجزين في طهران، وبعد الحدث الرهيب الذي هز الأمة الإسلامية جمعاء: وهو احتلال الاتحاد السوفيتي الشيوعي لأرض أفغانستان المسلمة المجاهدة، الذي كان بعد عملية الرهائن بستة أسابيع، ثم اتخذت الاحتياطات العملية للتنفيذ، وبُدِئُ في تشكيل هذه القوة أول عام (1980م) أي: أن هذا الأمر قد رُتِّب له في أواخر السبعينيات، ثم بدأ في أوائل الثمانينات، فقد شكلت أو عينت الفرقة التي سوف تقوم بالعمل، وهي الثانية والثمانين التي نفذت عملية الرهائن.
كتاب قوة الانتشار السريع وتوقعاته للأحداث
وهذا الكتاب عبارة عن تقرير أُعدِّ ونُشِرَ في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، وهو تقرير أمني، ومع ذلك نشر وترجم إلى اللغة العربية، وصدر وطبع عام (1403هـ) كما ذكرنا.
يبدأ التقرير بذكر التهديدات التي يُمكن أن تجتاح منطقة الخليج، وذكر ثلاثة منها:
أولاً: عدوان سوفييتي مباشر على المنطقة كما حدث في أفغانستان.
ثانياً: العدوان بواسطة قوات إقليمية أخرى ضد دولة منتجة للنفط.
ثالثاً: الإرهاب أو التمرد أو الثورة داخل الدول المنتجة للنفط.
لكن التقرير -نفسه- يستبعد الاحتمال الأول، ويقول: إن الاتحاد السوفيتي لم ولن يفعل ذلك.
وقد تأكد ذلك بعد الوفاق الدولي الذي تم في أيام جورباتشوف.
أما الاحتمال الثاني: وهو القوة الإقليمية فهو الذي ركز عليه كثيراً في هذا التقرير.
يقول التقرير: إن إمكانية بروز العراق كقوة عسكرية مهيمنة على شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً محتملاً وتحدياً عسكرياً لمصالح الولايات المتحدة في الخليج، واحتمال وقوع هجوم عراقي على الكويت أو العربية السعودية، احتمال يستحق اهتماماً خاصاً للأسباب الآتية:-
أولاً: كان هذا الاحتمال وارداً حتى قبل الحرب العراقية الإيرانية، ومؤثراً على التخطيط للقوات الأمريكية اللازمة لمواجهة احتمالات خارج دائرة اختصاص حلف شمال الأطلسي.
ثانياً: القوات المسلحة العراقية ذات التسليح السوفيتي هي الأكبر بين القوات المسلحة لـدول الخليج.
ثالثاً: كون حقول النفط الرئيسية في الكويت والسعودية قريبة -نسبياً- من الحدود الجنوبية للعراق. ثم يُذَكَّر أنه قد حاول العراق غزو الكويت في عام (1961-1381هـ) ولم يردعه إلا القوات البريطانية وقوات الجامعة العربية.
ويقول التقرير: هذه العداوات تُشكل عامل تفجير محتمل في المنطقة -خصوصاً- إذا أخذنا في الاعتبار الضعف العسكري النسبي لجيران العراق.
ثم يقول أيضاً: لا جدال في أن استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية لصالح دولة مهددة من قِبَلِ العراق ينبغي أن يستند إلى طلب أكيد للمساعدة من جانب الدولة المهددة؛ إلا أن المشكلة تكمن فيما إذا كان من الممكن ورود مثل هذا الطلب قبل أن يبدأ القتال؛ لأن وصول القوات الأمريكية المقاتلة قبل الحرب -إلى أراضي الكويت والسعودية- سوف يُعرض شرعية حكومتيهما للشبهة في أعين شعبيهما وفي أعين العالم العربي ككل، ناهيك عن أن مثل هذا العمل قد يُتَّخذ ذريعة لوقوع الغزو الذي جاءت هذه القوات لمنعه.
ثم يقول التقرير بعد ذلك: إن الحساسيه السياسية التي تشعر بها الدول التي يمكن أن تكون دولاً مضيفة تجاه أي وجود عسكري أمريكي -دائم- على أراضيها أمر مفهوم؛ لإن مثل هذا الوجود سيكون بمثابة إثبات لصحة الانتقادات التي يوجهها الثوريون العرب إلى دول الخليج المحافظة عن التزلف للإمبرياليين، ومن ثم زيادة الاضطراب الداخلي الذي يشكل أهم التهديدات المحتملة.
ثم يؤكد على أن العديد من دول الخليج مازالت تعتبر دعم الولايات المتحدة لـإسرائيل أكثر تهديداً لأمن العالم العربي، مما يُؤدِّي إلى احتمال ظهور أفغانستان أخرى في شبه الجزيرة العربية؛ بل وإن بعضها يشك في نوايا في الولايات المتحدة، ويرى أنها طامعة في حقول النفط في الجزيرة، ويذكر التقرير أمثلة على ذلك قائلاً: يبدو هذا الشك واضحاً في التصريح التالي للشيخ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت؛ ثم ذكر تصريحين:
الأول: للسفير الكويتي في أمريكا، والثاني: لـصباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت هذا قبل عشر سنوات من الموضوع- عندما عرضت أمريكا عليه إفساح المجال لإعطاء تسهيلات في المنطقة، وخوفهم من أن العراق سوف يهاجم الكويت.
فكان جواب وزير خارجية الكويت يقول: الدفاع عنا ضد من؟! من الذي يحتلنا؟!
إننا لم نسأل أحداً أن يدافع عنا، ورغم ذلك نجد كل هذه السفن حولنا تطلب تسهيلات
إن المسألةً -كلها- تبدو وكأنها جزءٌ من فيلم لمخرجين اثنين هي (روسيا والولايات المتحدة) ولكن كيف ستكون نهاية هذا الفيلم؟
ربما باتفاق القوتين العظميين على أن يقولوا هذا النفط لنا، وتلك لكم، وسوف نقسم المنطقة من هنا إلى هناك.
وعن ذلك أجاب السفير الكويتي بهذا القول عندما قيل له: العراق قد تهاجمكم، قال: لن تهاجم إخوانها.
فقيل: قد يقوم ضدكم بعض المقيمين من بعض الشعوب في الكويت؟
قال: هؤلاء إخواننا ونشأوا في عطفنا وفي رعايتنا، ولا يمكن أن يكونوا علينا؛ ولكن أنتم بصدد إخراج فيلم، وسوف تخرجونه إن طلبنا وإن لم نطلب.
والعجيب! أن الفيلم كان قد أعد -فعلاً- وبالتقرير -أيضاً- ما يدل على ذلك وليس غريباً، بل مذكور أنهم عمدوا إلى أنواع من الإجراءات -كما يسمونها: السيناريو- (بدائل) عن كيف يمكن أن يكون الإخراج، وكيف يمكن أن تكون العملية؟؟!!
فقد ذكر التقرير ص (143) [في عديد من سيناريوهات الطوارئ المحتملة في العالم الثالث أنه: سيكون على سلاح مشاة البحرية أن يواجه عدواً متفوقاً بالعدد والعدة، وربما كانت قوته بالعدة نوعياً وكمياً معاً.
فعلى سبيل المثال: إذا تصورنا إمكانية تدخل سلاح مشاة البحرية لمساعدة السعودية ضد هجوم عراقي، فسنجد أننا بإزاء جيش عراقي مؤلف من (180 ألف) مقاتل -هذا ما ذكروه قبل هذه السنوات- مقابل جيش سعودي مكون من (80 ألف) فقط بما في ذلك الحرس الوطني السعودي، وأن الجيش العراقي يضم أربع فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكتين ومن ضمن معداته دبابات (emx) ثلاثين، والعربات المدرعة (bmb) وراجمات صواريخ متعددة الأنابيب، إلى آخره، وأن الجيش تسانده قوة جوية مكونه من (339) طائرة قتال من بينها طائرات (ميج23 وسوخوي 20، وميراج ف1) بينما نجد أن ما لدى السعودية من معدات حديثة أقل بكثير مما لدى العراق، وقد تكون فعالياتها العملياتية أقل أيضاً ].
ذكر هذا -كما قلنا- منذ عشر سنوات، ثم لم يبق الأمر عند ذلك.
التقرير الأمني السنوي للكونجرس الأمريكي
ويقول: [وتوقف التقرير أمام العنف الناتج عن صراعات دينية في الشرق الأوسط، والذي يحظى باهتمام مسئولي السياسة الأمريكية، الذين يعتقدون بأن التطرف الديني الذي سيستمر في تهديد حياة السكان الأمريكيين، والدول الصديقة هي من الشرق الأوسط والتي يعتمد العالم الحر على مصادر الطاقة فيها].
وقد تكرر هذا الكلام في عدة تقارير أن الغرض أمران:
الأول: حماية منابع النفط والمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
والثاني: القضاء على التطرف الديني الذي يريد أن يهدد وجود إسرائيل، ووجود الولايات المتحدة، وذلك بتقوية الدول أو بدعمها أو بالقضاء على التطرف قضاءً مباشراً إن خشي عليها من هذه الدول أو هذه المجتمعات.
هذا التقرير نشر في (26 شعبان 1410هـ) في جريدة الحياة، وقد نشر أيضاً قبله بـ(3 أيام) في جريدة الحياة في (23 شعبان) تقرير آخر بعنوان (القوات الأمريكية تعيد تنظيم تشكيلاتها للتدخل الطارئ) وتفصيلات عسكرية كثيرة ليس هناك حاجة لها، إنما الجديد فيها أنهم ذكروا أن عدد القوات (197 ألف) من الرجال والنساء، وقد يساندهم -أيضاً- (100 ألف) من الاحتياطي، وأنهم مجهزون بوسائل خفيفة وثقيلة... إلى آخر ما ذكروا من أمور عسكرية.
وكلنا يعلم أنه في ذلك الظرف بالذات: تم توقيع إتفاقية الحدود بين المملكة والعراق، ولا شك أنها كانت خطوة وقائية جيدة وفي محلها، ولكن حزب البعث لم يكن ليرعوي -أبداً- لأن الإخراج أكبر من أن يردع باتفاقية إذ كانت المسألة مبيتة، والغدر لا يمكن أن يتأخر، بل إن الغدر هو: سمة من سمات هذا الحزب أصلاً.
جدية الأمريكان في الإعداد لحرب الخليج
الإنزال الأول: في غرنادا.
والثاني: في بنما، وقد صرحت الأجهزة الأمريكية المسئولية، وكذلك بينت الصحافة أن هذا الإنزال في بنما إنما هو عبارة عن نموذج أو (بروفة) للإنزال في الخليج، وهذا قبل بضعة أشهر.
وذكروا في جملة ما ذكروا أيضاً: أن الإنزال في بنما تم بإنزال (10 آلاف) جندي في 8 ساعات، أما إذا كان يُراد إنزال (200) أو 250 ألف) جندي في الخليج فإنه قد يستغرق مدة (21 يوماً) باعتبار المسافة والبعد، فتُستكمل التجهيزات في خلال (21 يوماً).
ومن الأمور التي يجب أن نعلمها:
أن الإعداد كان جاداً وكان صادقاً؛ فقد تم تدريب هذه الفرقة الـ(82) وغيرها في صحراء نيفادا وهي صحراء أمريكية في أجواء مشابهة لأجواء الشرق الأوسط، ولصحرائنا العربية! وأكثر من ذلك أنهم اختاروا نوعية المجندين والمجندات، من الجنس القريب للجنس العربي -أي: من الجنوبيين- ومن الأصول الأسبانية في جنوب أمريكا وأمريكا الوسطى؛ وأكثر من ذلك أنهم علموهم اللغة العربية -وباللهجة البدوية- وكيف يعيش أحدهم في الصحراء، ويتكلم اللغة العربية، ويلبس اللباس العربي؛ وقد نشر في ذلك عدة كتابات صحفية كان من آخرها ما نشر في جريدة عرب نيوز من أن أحد هؤلاء -الذين يجيدون اللغة العربية في الجيش الأمريكي- دخل في بعض المحلات في الظهران أو الخبر وتكلم معهم باللهجة البدوية، واشترى وخرج ولم يعرفوه، بل ظنوا أنه عربي بدوي مقيم في تلك المنطقة.
والقضية التي -حقيقة- تستحق أن نقف عندها، لننتقل إلى الحل وإلى العلاج بعد ذلك، وهو المهم جداً -أن هؤلاء الناس- مهما قلنا عن الضرورة التي جاؤوا من أجلها، أو المبرر الذي جاؤوا من أجله، وأن الموقف لم يكن يحتمل إلا ذلك؛ فكل هذا شيءٌ ندعه جانباً، ولكن الشيء الذي أصبح واقعاًً ملموساً بين أيدينا هو: ماذا يجب علينا أن نفعل إزاء هذه المشكلات؟
بدايةً يجب أن نشير إلى ما نشر في الصحافة الأمريكية وفي غيرها؛ عن بعض المخاطر التي يجب أن نتنبه لها في هذا المجال.
ومن ذلك: ما نشر في جريدة عرب نيوز نقلاً عن محلات لبيع أدوات التجميل وكريمات ودهانات الحرارة بعنوان: (صفقة سماوية) يقصدون بذلك تضخيم صفقة البيع، لمجمع تسويق (كيمارك).
وهي عبارة عن: طلبات نسائية -طلبتها المجندات اللاتي سيذهبن إلى الخليج- وتحتوي على (5500) زجاجة من كريم منعم للجلد، و(2400) علبة لطرد الحشرات، و(5500) أنبوبة مرطب شفائف، و(5500) علبة بودرة أقدام، و(5500) زجاجة لكريم الجلد ضد الشمس.
ولا يخفى على أحد منكم لأي شيء سوف تستخدم هذه، وفي أي مكان يمكن أن تستخدم.
وهناك قضية أخرى لابد أن نعيها جانباً وأن نحذر فيها، فالله تعالى أمرنا أن نأخذ حذرنا، وأمرنا أن لا نركن إلى الكفار وأن لا نصدقهم وأن نحتاط منهم- وهي أنه ظهرت عدة تصريحات -غريبة في الواقع- ونشرتها الصحف الأمريكية -وبعضها موجود لدي على قلة تتبعي، وضعفي جداً في هذا المجال، لكنها في أعداد الأسبوع الماضي وما قبله- عن أن هذه القوات سوف تقيم طويلاً إن خرجت من بلادها.
وأما الرئيس بوش بنفسه فقد صرح الأسبوع الماضي: ''بأن وجود القوات الأمريكية رهن باستقرار الأوضاع في المنطقة''.
وهذه عبارة لا يمكن أن يفسرها إلا هم (فمتى تستقر الأوضاع؟)
لا ندري، فهم الذين يحكمون بأنها استقرت أو لم تستقر.
فأما وزير الدفاع الأمريكي في المقابلة التلفزيونية -أيضاً- والتي نشرت صحفياً، فإنه يقول: " لسنا على استعداد أن نرجع كل عشر سنوات إلى هذه المنطقة المتفجرة من العالم " وكذلك هناك تصريحات وكتابات أخرى مثل ما نشر في التايمز العدد 35 الثلاثاء الماضي 1990م.
ولكي نأتي ببعض الأدلة على هذا ولكي يتضح الواقع بالبينات المقروءة حسياً، فهذا كتاب من الكتب قوة الانتشار السريع والتدخل العسكري الأمريكي في الخليج الذي صدر سنة (1983م- 1403هـ) أقرأ لكم بعض الإثباتات منه.
وهذا الكتاب عبارة عن تقرير أُعدِّ ونُشِرَ في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية، وهو تقرير أمني، ومع ذلك نشر وترجم إلى اللغة العربية، وصدر وطبع عام (1403هـ) كما ذكرنا.
يبدأ التقرير بذكر التهديدات التي يُمكن أن تجتاح منطقة الخليج، وذكر ثلاثة منها:
أولاً: عدوان سوفييتي مباشر على المنطقة كما حدث في أفغانستان.
ثانياً: العدوان بواسطة قوات إقليمية أخرى ضد دولة منتجة للنفط.
ثالثاً: الإرهاب أو التمرد أو الثورة داخل الدول المنتجة للنفط.
لكن التقرير -نفسه- يستبعد الاحتمال الأول، ويقول: إن الاتحاد السوفيتي لم ولن يفعل ذلك.
وقد تأكد ذلك بعد الوفاق الدولي الذي تم في أيام جورباتشوف.
أما الاحتمال الثاني: وهو القوة الإقليمية فهو الذي ركز عليه كثيراً في هذا التقرير.
يقول التقرير: إن إمكانية بروز العراق كقوة عسكرية مهيمنة على شبه الجزيرة العربية يشكل تهديداً محتملاً وتحدياً عسكرياً لمصالح الولايات المتحدة في الخليج، واحتمال وقوع هجوم عراقي على الكويت أو العربية السعودية، احتمال يستحق اهتماماً خاصاً للأسباب الآتية:-
أولاً: كان هذا الاحتمال وارداً حتى قبل الحرب العراقية الإيرانية، ومؤثراً على التخطيط للقوات الأمريكية اللازمة لمواجهة احتمالات خارج دائرة اختصاص حلف شمال الأطلسي.
ثانياً: القوات المسلحة العراقية ذات التسليح السوفيتي هي الأكبر بين القوات المسلحة لـدول الخليج.
ثالثاً: كون حقول النفط الرئيسية في الكويت والسعودية قريبة -نسبياً- من الحدود الجنوبية للعراق. ثم يُذَكَّر أنه قد حاول العراق غزو الكويت في عام (1961-1381هـ) ولم يردعه إلا القوات البريطانية وقوات الجامعة العربية.
ويقول التقرير: هذه العداوات تُشكل عامل تفجير محتمل في المنطقة -خصوصاً- إذا أخذنا في الاعتبار الضعف العسكري النسبي لجيران العراق.
ثم يقول أيضاً: لا جدال في أن استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية لصالح دولة مهددة من قِبَلِ العراق ينبغي أن يستند إلى طلب أكيد للمساعدة من جانب الدولة المهددة؛ إلا أن المشكلة تكمن فيما إذا كان من الممكن ورود مثل هذا الطلب قبل أن يبدأ القتال؛ لأن وصول القوات الأمريكية المقاتلة قبل الحرب -إلى أراضي الكويت والسعودية- سوف يُعرض شرعية حكومتيهما للشبهة في أعين شعبيهما وفي أعين العالم العربي ككل، ناهيك عن أن مثل هذا العمل قد يُتَّخذ ذريعة لوقوع الغزو الذي جاءت هذه القوات لمنعه.
ثم يقول التقرير بعد ذلك: إن الحساسيه السياسية التي تشعر بها الدول التي يمكن أن تكون دولاً مضيفة تجاه أي وجود عسكري أمريكي -دائم- على أراضيها أمر مفهوم؛ لإن مثل هذا الوجود سيكون بمثابة إثبات لصحة الانتقادات التي يوجهها الثوريون العرب إلى دول الخليج المحافظة عن التزلف للإمبرياليين، ومن ثم زيادة الاضطراب الداخلي الذي يشكل أهم التهديدات المحتملة.
ثم يؤكد على أن العديد من دول الخليج مازالت تعتبر دعم الولايات المتحدة لـإسرائيل أكثر تهديداً لأمن العالم العربي، مما يُؤدِّي إلى احتمال ظهور أفغانستان أخرى في شبه الجزيرة العربية؛ بل وإن بعضها يشك في نوايا في الولايات المتحدة، ويرى أنها طامعة في حقول النفط في الجزيرة، ويذكر التقرير أمثلة على ذلك قائلاً: يبدو هذا الشك واضحاً في التصريح التالي للشيخ صباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت؛ ثم ذكر تصريحين:
الأول: للسفير الكويتي في أمريكا، والثاني: لـصباح الأحمد الصباح وزير خارجية الكويت هذا قبل عشر سنوات من الموضوع- عندما عرضت أمريكا عليه إفساح المجال لإعطاء تسهيلات في المنطقة، وخوفهم من أن العراق سوف يهاجم الكويت.
فكان جواب وزير خارجية الكويت يقول: الدفاع عنا ضد من؟! من الذي يحتلنا؟!
إننا لم نسأل أحداً أن يدافع عنا، ورغم ذلك نجد كل هذه السفن حولنا تطلب تسهيلات
إن المسألةً -كلها- تبدو وكأنها جزءٌ من فيلم لمخرجين اثنين هي (روسيا والولايات المتحدة) ولكن كيف ستكون نهاية هذا الفيلم؟
ربما باتفاق القوتين العظميين على أن يقولوا هذا النفط لنا، وتلك لكم، وسوف نقسم المنطقة من هنا إلى هناك.
وعن ذلك أجاب السفير الكويتي بهذا القول عندما قيل له: العراق قد تهاجمكم، قال: لن تهاجم إخوانها.
فقيل: قد يقوم ضدكم بعض المقيمين من بعض الشعوب في الكويت؟
قال: هؤلاء إخواننا ونشأوا في عطفنا وفي رعايتنا، ولا يمكن أن يكونوا علينا؛ ولكن أنتم بصدد إخراج فيلم، وسوف تخرجونه إن طلبنا وإن لم نطلب.
والعجيب! أن الفيلم كان قد أعد -فعلاً- وبالتقرير -أيضاً- ما يدل على ذلك وليس غريباً، بل مذكور أنهم عمدوا إلى أنواع من الإجراءات -كما يسمونها: السيناريو- (بدائل) عن كيف يمكن أن يكون الإخراج، وكيف يمكن أن تكون العملية؟؟!!
فقد ذكر التقرير ص (143) [في عديد من سيناريوهات الطوارئ المحتملة في العالم الثالث أنه: سيكون على سلاح مشاة البحرية أن يواجه عدواً متفوقاً بالعدد والعدة، وربما كانت قوته بالعدة نوعياً وكمياً معاً.
فعلى سبيل المثال: إذا تصورنا إمكانية تدخل سلاح مشاة البحرية لمساعدة السعودية ضد هجوم عراقي، فسنجد أننا بإزاء جيش عراقي مؤلف من (180 ألف) مقاتل -هذا ما ذكروه قبل هذه السنوات- مقابل جيش سعودي مكون من (80 ألف) فقط بما في ذلك الحرس الوطني السعودي، وأن الجيش العراقي يضم أربع فرق مدرعة وفرقتين ميكانيكتين ومن ضمن معداته دبابات (emx) ثلاثين، والعربات المدرعة (bmb) وراجمات صواريخ متعددة الأنابيب، إلى آخره، وأن الجيش تسانده قوة جوية مكونه من (339) طائرة قتال من بينها طائرات (ميج23 وسوخوي 20، وميراج ف1) بينما نجد أن ما لدى السعودية من معدات حديثة أقل بكثير مما لدى العراق، وقد تكون فعالياتها العملياتية أقل أيضاً ].
ذكر هذا -كما قلنا- منذ عشر سنوات، ثم لم يبق الأمر عند ذلك.
ولم يكتفوا بهذا؛ بل إنهم في القريب الذي ليس ببعيد، أي: منذ أربعة أشهر وفي شهر شعبان الماضي -قد نشروا التقرير الأمني السنوي للكنجرس الأمريكي ومجلس الأمن القومي الأمريكي- وذكروا فيه أموراً لاداعي للتفصيل فيها الآن؛ إنما من جملة ما ذكروا: لأن المصالح الحيوية الأمريكية في الشرق الأوسط تستحق وجوداً عسكرياً فعلياً، وأنه لابد للقوة التي أنشئت أن تبدأ عملياً في البحث عن حل لإيصالها إلى المنطقة.
ويقول: [وتوقف التقرير أمام العنف الناتج عن صراعات دينية في الشرق الأوسط، والذي يحظى باهتمام مسئولي السياسة الأمريكية، الذين يعتقدون بأن التطرف الديني الذي سيستمر في تهديد حياة السكان الأمريكيين، والدول الصديقة هي من الشرق الأوسط والتي يعتمد العالم الحر على مصادر الطاقة فيها].
وقد تكرر هذا الكلام في عدة تقارير أن الغرض أمران:
الأول: حماية منابع النفط والمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
والثاني: القضاء على التطرف الديني الذي يريد أن يهدد وجود إسرائيل، ووجود الولايات المتحدة، وذلك بتقوية الدول أو بدعمها أو بالقضاء على التطرف قضاءً مباشراً إن خشي عليها من هذه الدول أو هذه المجتمعات.
هذا التقرير نشر في (26 شعبان 1410هـ) في جريدة الحياة، وقد نشر أيضاً قبله بـ(3 أيام) في جريدة الحياة في (23 شعبان) تقرير آخر بعنوان (القوات الأمريكية تعيد تنظيم تشكيلاتها للتدخل الطارئ) وتفصيلات عسكرية كثيرة ليس هناك حاجة لها، إنما الجديد فيها أنهم ذكروا أن عدد القوات (197 ألف) من الرجال والنساء، وقد يساندهم -أيضاً- (100 ألف) من الاحتياطي، وأنهم مجهزون بوسائل خفيفة وثقيلة... إلى آخر ما ذكروا من أمور عسكرية.
وكلنا يعلم أنه في ذلك الظرف بالذات: تم توقيع إتفاقية الحدود بين المملكة والعراق، ولا شك أنها كانت خطوة وقائية جيدة وفي محلها، ولكن حزب البعث لم يكن ليرعوي -أبداً- لأن الإخراج أكبر من أن يردع باتفاقية إذ كانت المسألة مبيتة، والغدر لا يمكن أن يتأخر، بل إن الغدر هو: سمة من سمات هذا الحزب أصلاً.
ثم بعد ذلك حصل إنزالان إمريكيان:
الإنزال الأول: في غرنادا.
والثاني: في بنما، وقد صرحت الأجهزة الأمريكية المسئولية، وكذلك بينت الصحافة أن هذا الإنزال في بنما إنما هو عبارة عن نموذج أو (بروفة) للإنزال في الخليج، وهذا قبل بضعة أشهر.
وذكروا في جملة ما ذكروا أيضاً: أن الإنزال في بنما تم بإنزال (10 آلاف) جندي في 8 ساعات، أما إذا كان يُراد إنزال (200) أو 250 ألف) جندي في الخليج فإنه قد يستغرق مدة (21 يوماً) باعتبار المسافة والبعد، فتُستكمل التجهيزات في خلال (21 يوماً).
ومن الأمور التي يجب أن نعلمها:
أن الإعداد كان جاداً وكان صادقاً؛ فقد تم تدريب هذه الفرقة الـ(82) وغيرها في صحراء نيفادا وهي صحراء أمريكية في أجواء مشابهة لأجواء الشرق الأوسط، ولصحرائنا العربية! وأكثر من ذلك أنهم اختاروا نوعية المجندين والمجندات، من الجنس القريب للجنس العربي -أي: من الجنوبيين- ومن الأصول الأسبانية في جنوب أمريكا وأمريكا الوسطى؛ وأكثر من ذلك أنهم علموهم اللغة العربية -وباللهجة البدوية- وكيف يعيش أحدهم في الصحراء، ويتكلم اللغة العربية، ويلبس اللباس العربي؛ وقد نشر في ذلك عدة كتابات صحفية كان من آخرها ما نشر في جريدة عرب نيوز من أن أحد هؤلاء -الذين يجيدون اللغة العربية في الجيش الأمريكي- دخل في بعض المحلات في الظهران أو الخبر وتكلم معهم باللهجة البدوية، واشترى وخرج ولم يعرفوه، بل ظنوا أنه عربي بدوي مقيم في تلك المنطقة.
والقضية التي -حقيقة- تستحق أن نقف عندها، لننتقل إلى الحل وإلى العلاج بعد ذلك، وهو المهم جداً -أن هؤلاء الناس- مهما قلنا عن الضرورة التي جاؤوا من أجلها، أو المبرر الذي جاؤوا من أجله، وأن الموقف لم يكن يحتمل إلا ذلك؛ فكل هذا شيءٌ ندعه جانباً، ولكن الشيء الذي أصبح واقعاًً ملموساً بين أيدينا هو: ماذا يجب علينا أن نفعل إزاء هذه المشكلات؟
بدايةً يجب أن نشير إلى ما نشر في الصحافة الأمريكية وفي غيرها؛ عن بعض المخاطر التي يجب أن نتنبه لها في هذا المجال.
ومن ذلك: ما نشر في جريدة عرب نيوز نقلاً عن محلات لبيع أدوات التجميل وكريمات ودهانات الحرارة بعنوان: (صفقة سماوية) يقصدون بذلك تضخيم صفقة البيع، لمجمع تسويق (كيمارك).
وهي عبارة عن: طلبات نسائية -طلبتها المجندات اللاتي سيذهبن إلى الخليج- وتحتوي على (5500) زجاجة من كريم منعم للجلد، و(2400) علبة لطرد الحشرات، و(5500) أنبوبة مرطب شفائف، و(5500) علبة بودرة أقدام، و(5500) زجاجة لكريم الجلد ضد الشمس.
ولا يخفى على أحد منكم لأي شيء سوف تستخدم هذه، وفي أي مكان يمكن أن تستخدم.
وهناك قضية أخرى لابد أن نعيها جانباً وأن نحذر فيها، فالله تعالى أمرنا أن نأخذ حذرنا، وأمرنا أن لا نركن إلى الكفار وأن لا نصدقهم وأن نحتاط منهم- وهي أنه ظهرت عدة تصريحات -غريبة في الواقع- ونشرتها الصحف الأمريكية -وبعضها موجود لدي على قلة تتبعي، وضعفي جداً في هذا المجال، لكنها في أعداد الأسبوع الماضي وما قبله- عن أن هذه القوات سوف تقيم طويلاً إن خرجت من بلادها.
وأما الرئيس بوش بنفسه فقد صرح الأسبوع الماضي: ''بأن وجود القوات الأمريكية رهن باستقرار الأوضاع في المنطقة''.
وهذه عبارة لا يمكن أن يفسرها إلا هم (فمتى تستقر الأوضاع؟)
لا ندري، فهم الذين يحكمون بأنها استقرت أو لم تستقر.
فأما وزير الدفاع الأمريكي في المقابلة التلفزيونية -أيضاً- والتي نشرت صحفياً، فإنه يقول: " لسنا على استعداد أن نرجع كل عشر سنوات إلى هذه المنطقة المتفجرة من العالم " وكذلك هناك تصريحات وكتابات أخرى مثل ما نشر في التايمز العدد 35 الثلاثاء الماضي 1990م.
إذاً: فهؤلاء اليهود والنصارى والبعثيون كلهم أعداءٌ للإسلام، وكلهم أعداءٌ لهذه الأمة، ولا يؤمنون بأي حال من الأحوال؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حذَّرنا وبيَّن لنا عداوتهم في الكتاب كما بينها لنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة وفي واقعه العملي، ولكننا نذكر بعض الدلائل الواضحة، التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأن تكون عامل خير لهؤلاء الشباب في أن يعرف واجبه، ولا نعني بمعرفة الواجب: الثوران العاطفي، الذي لا يؤدي إلى نتيجة، والذي أتعب الدعوة في كل مرحلة من مراحلها؛ وإنما نعني: أن نعي واقعنا، وأن ندرس بحكمة وبأَناة: كيف نتصرف مع هذا الواقع، وكيف نعتذر إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونحن نعيش هذه الأزمة، بل وأكثر من ذلك: أن نراجع ديننا وإيماننا، وعقيدتنا وثقتنا وتوكلنا بالله عز وجل، فهذا أهم عندنا من أي شيء آخر.
يقول في التايمز: الولايات المتحدة يجب عليها أن تعتبر أن وجودها دائمٌ في المملكة
فعلى أية حالة! الوجود كان دائماً أو غير دائم؛ فهو موجود بأعدادٍ كبيرة، وهو لا يخفى عليكم الآن.
يجب أن نعلم أموراً مهمة، ولابد من تذكير بها وهي:
أنه عندما يأتي هؤلاء القوم يأتون بعاداتهم، وبدينهم وبما يحملونه من مبادئ.
فقد كنا نشكو في الرياض وفي جدة وفي غيرها من أعمال هؤلاء الكفار مع ضعفهم النسبي قبل هذه الأيام، ومع قلة عددهم أيضاً، وقبل أن يكثروا بهذه الكثرة، ومع كل هذه الأمور وكل هذه الاعتبارات، كنا نشكو، والهيئات، والجيران، والمجمعات السكنية كلها تشكو مما يحدث فيها ولا غرابة! فهؤلاء الكفار هذه حياتهم؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أعمى بصائرهم عن الآخرة؛ فهم كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ [يونس:7]، فهذا حالهم قال تعالى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66]، فهل يريد أحدهم أن يقاتل وأن يموت في سبيل الله؟
لا والله، وهل يريد أن يموت ليدخل الجنة؟ لا.
فلم يخطر ذلك على باله؛ ولذلك لا نعجب أن تُعجل لهم حسناتهم في هذه الحياة الدنيا من شهوات وملذات، فإذا وقع وأتوا إلينا فماذا سنفعل؟
إن مثل هذه الصفقات من الكريمات والدهونات والتعري، لابد أننا سنلمس لها أثراً واقعياً عند وجود هذا العدد بأجياله.
وكما تعلمون أن هؤلاء القوم فيهم المتدينون، ففي موجز التاريخ الأمريكي الذي أصدرته السفارة قريباً يقول: '' إن الشعب الأمريكي فيه عاطفة دينية وفيه رغبة دينية ''.
فإذاً يجب أن نتوقع وجود كنائس، أو حمل للصلبان، أو حمل لأي شعارات أخرى غير إسلامية معادية لديننا وإيماننا وعقيدتنا، حينها لا نضع رؤوسنا في الرمال.
هذه حقائق يجب أن نقولها، وأن نتحدث بها، وأن نفكر كيف نعالجها العلاج الصحيح؛ وذلك بالتعاون مع من يمكن أن يساعدنا على ذلك -إن شاء الله- ممن بيده الأمر.
فهذا واجبنا نحن الدعاة، ولا يجوز لنا أن نتخلى عنه بأي شكل من الأشكال.
فقد جاءوا بالخنازير كما كتب لي أحد الإخوان، وكما ذكر لي أخ آخر بأن بعض المطابخ جيء إليها بالخنـزير، وقيل له: اذبح لنا، نريد أن نأكل ولا غرابة! لأن هذا أكلهم، وهذه حياتهم: الخمر، والخنـزير، والزنا، والمخدرات وغيرها من الأمراض الأخرى التي نتعفف أن نذكرها، فكان لابد من أن نتوقعها؛ لأنهم لابد أن يأتوا بها فلا تكفي -أبداً- الأوامر أو الاحتياطات أو القرارات؛ فالأوامر والتعاهدات قد أخذت على المسلمين أنفسهم فلم يلتزموا بها ولم ينفذوها، وترون ما ترون من المدرسات، وقد أخذت عليهن التعهدات الوثيقة، ومن المضيفات والممرضات، وقد أخذت عليهن أقوى التعهدات.
الدعوة إلى الله
وإن مما يجب أن نقوله: إن الشعب الأمريكي في الغالب هو شعب حر -لا سيما في التدين- وإن كثيراً منهم إذا عرض عليه الإسلام فإنه يسلم، فبعض الإخوان في أمريكا قد أخبرونا أنهم لا يستيطيعون أن يستوعبوا الداخلين في الإسلام من كثرتهم -والحمد لله- لأن الإسلام دين الفطرة؛ ولأنهم يعيشون في ضنكٍ، وضيقٍ لا يعلمه إلا الله، وهذه الأمور لمستها ولمسها كل أخ زار تلك البلاد بنفسه وبأم عينيه.
فالواجب إذاً هو على الدعاة في مثل هذه الأحداث، فهؤلاء سيأتوننا بكل المفاسد، ولا نتوقع إلا ذلك، ولا يجوز لدعاة الإسلام أن يضعوا رءوسهم في الرمال، ويتناسوا هذا الخطر المحدق، أو أن يغفلوا عن هذا الواجب، فلن يقوم به إلا أنتم أيها الشباب، وأنتم أيها الدعاة، فاتقوا الله فيما حملكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الواجب، وادرءوا عن الأمة هذا الخطر بقدر ما تستطيعون.
الرجوع إلى الله وقول الحق
أن ما أُصِبنَا به وما خطط له الأعداء، وما جاءوا به؛ فإنما هو بسبب ذنوبنا، وتفريطنا في أخذ العدة والاستعداد لمواجهة أعداء الله وأخطارهم، أي: لأننا عصينا الله وخالفنا أمره، كما قال أبو الدرداء لما بكى -رضي الله عنه- عندما رأى أسرى قبرص فقال: ''ما أهون الخلق على الله إذا خالفوا أمره'' فبينما هم ملوك في بلادهم، إذا هم أسارى في أيدي المسلمين.
إن ما حل بنا يجب أن نفكر جدياً في أسبابه، ثم نتخذ الحلول ولا بأس أن نتخذ وجهة نظر واحدة والكل يعرفها، وكلنا -إن شاء الله- متفقون على أكثرها، وهي:
أولاً: يجب علينا أن نعيد النظر في حياتنا جميعاً، ولا أعني الأوضاع العامة، بل حتى في أوضاعنا الخاصة؛ فكلٌ منا ينظر في خاصة نفسه، كيف ذنوبي؟ وكيف أعمالي؟ وكيف علاقتي وصلتي بالله عز وجل؟ ولماذا سُلِّطُ علينا أعداؤنا؟
فكل منا يفتش عن نفسه، لأن من مصائبنا -مع الأسف- أن الذنوب والمعاصي تقع، ولكن سرعان ما تعلق بمشجب معين، فيقال مثلاً: التقصير من الحكومة، أو من الشعب، أو من العلماء، أو من الفرقة الفلانية، لأنها ما أخذت موقعها. ودائماً نحن في جميع أمورنا نحاول أن نجد مشجباً فنعلق عليه كل الأخطاء، وهذا غير صحيح، فمن سنة الله تبارك وتعالى أن كل واحد منا مسئول عن ذنوبه، ويلحقه شيء من هذه المصائب، ويعفو الله تعالى عن كثير، كما ذكر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك بقوله: وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [المائدة:15] فنحن بضعفنا وبأعمالنا استجلبنا ذلك.
ما الذي غيَّر فينا دخول هذا الهجوم البعثي؟ ثم ما تلاه من تكالب صليبي؟ ما الذي غيرّ فينا، وما الذي جعلنا لا نرجع إلى الله تعالى ولا نرجع إلى ديننا كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالأمر والحال كما ترون.
فكل تبرج أو فسق أو استهتار في الأسواق أو في المجلات الداعرة أو في الكتب أو في الشعر الماجن أو في الأغاني الخليعة أو في محلات بيع الفيديو أو وسائل الإعلام نفسها، كل ذلك لا يزال كما كان ولم يتغير.
فأي بنك ربوي أغلق بعد أن جاء الهجوم؟
وإنما قلنا: يجب أن نرجع إلى الله، لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]، فنحن نحارب الله أم نحارب هؤلاء.
لم يقع شيءٌ من ذلك؛ بل إننا نحاول أن ندعم هذه البنوك؛ لأن الناس بدأوا يسحبون الأرصدة منها، فيجب أن ندعمها لكي لا تتأثر. فنحن بهذا قد تشبهنا بالكفار في حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، فهل تغير هذا؟
وهل قلنا: كيف نتشبه بأعدائنا في الشعارات التي كنا نرددها مثل الأمة العربية، والقومية العربية، والواجب العربي، وما أشبه ذلك، هل تركنا ذلك؟ وهل نسخناه من صحافتنا التي كانت قبيل فترة تقول: الحملة الظالمة على العراق فكانت الصحافة الغربية تذكر شنائع حزب البعث وأنه دَّمر المسلمين والأكراد وأحرقهم بالغاز السام؟ فتقوم الصحافة العربية كلها وتقول: هذه حملة ظالمة على العراق يشنها الغرب، ونحن نعلم أن الأمر كذلك، والآن اعترفنا بأنه كذلك؛ فلابد أن نلغي هذه الشعارات؛ لأننا أمة الإسلام أمةٌ واحدة كالجسد الواحد، فلا نؤمن بمبادئ القومية، ولا الوطنية، بل كلها عصبية جاهلية وضعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت قدميه.
فنحن لا نحب إلا في الله ولا نبغض إلا في الله، ولا نوالي إلا في الله، ولا نعادي إلا لله؛ وإن أعطينا فلله وإن منعنا فلله، فهذا هو الواجب الذي ينبغي أن تكون عليه حياتنا وسياستنا وخططنا، فيذكر به بعضنا بعضاً إذا غفلنا؛ أما أن نستمر في هذه الشعارات، وفي قرارات وأمور اتخذناها، فكان من شأنها الحد من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أو الحد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا والله هو الوقت المناسب للسماح للدعاة إلى الله بأن ينطلقوا لأداء واجبهم، فنحن الآن أحوج ما نكون إلى دعاة يصدعون بكلمة الحق؛ لأن أعداءنا -من غربيين وبعثيين وغيرهم- إذا رأوا أن في الأمة من يصدع بهذا فإنهم يخافون منا، ولا مانع من أن نظهر -إن كان على سبيل الإظهار- في وجه الأعداء بأننا طائفتين: طائفة تسكت، ولكن هناك طائفة تنكر؛ فنكسب الموقف بالاختلاف بين هاتين الطائفتين مثل ما يفعلون بنا إذا كان على سبيل التخطيط.
فالأمريكان إذا طلبوا من الإدارة الأمريكية شيئاً اعتذرت بأن الكونجرس يرفض. لماذا؟
نحن لا نقول: إن العلماء والدعاة يرفضون، ولكن لماذا لا يكون لنا نفس الشيء؟ فنكسب مصالح لأمتنا قبل أن تأتي الطامة الكبرى التي لا علاج بعدها نسأل الله العفو والعافية.
فأقول: إننا لم نغير في هذا الواقع أي شيء، فمدارس تحفيظ القرآن وغيرها من المدارس -مثلاً- كيف رضينا أن تتقلص أعدادها إلى هذا الحد وبالمقابل يتم فتح ثانويات وكليات كثيرة جداً ومعاهد متنوعة؟! لماذا التقليص فقط لمدارس تحفيظ القرآن؟!
المدارس التي كانت نور ومشعل للهداية، فلابد أن نُعيد النظر -أيضاً- في هذه الأمور، ثم لابد أن نعيد النظر في علاقاتنا، وفي صداقاتنا؛ ماذا أجدت بنا هذه الصداقات، فكل دولة وقفت ضدنا أو تحفظت على قرارات نرى أنها من صالحنا؛ فهي دولة أعطيناها أبلغ العطاء، فـالعراق نفسه أعطيناه أبلغ العطاء.
ومما يدل على هذا الأمر قول الرئيس المصري: بأن العراق كان يريد أن يقدم له رشوة قبل سنتين. إذاً فالأمر كان مخططاً لاحتلال الكويت برشوة قدرها (25 مليار دولار) فَمِنْ أين كان سيدفعها صدام؟!
إذاً يجب أن نعيد النظر فيما نعطي وفيما نمنع، وأن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك.
الصدق في التوكل على الله
فلو أخلصنا أعمالنا لله وصدقنا في التوكل عليه لنصرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، وقال أيضاً: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، وقال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، وقبل ذلك يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج:38].
فلابد أن نكون متوكلين على الله وحده، معتصمين بحبل الله وحده، مؤمنين بالله وحده، ثم إن علينا أن نأخذ بالعلاج القرآني؛ العلاج الذي جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مانعاً لوقوع العذاب إذا أدرك أمة من الأمم، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:42-45]، ويقول تعالى في سورة أخرى: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ الأعراف:94]، فيريد الله -عز وجل- منا في هذه الآيات الضراعة واللجوء إليه، وأن نعلم أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه؛ وأنه لن ينصرنا إلا هو، وأن بيده كل شيء، وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم:42] وهو خالق كل شيء، وخالق الأسباب والمسببات، وهو الذي إن شاء سلط على الكفار عذابًا من عنده أو بأيدينا؛ فهو يدافع عنا إذا كنا صادقين معه بما يشاء وكما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولكن! أين نحن من هذا؟!
قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:96-99]، فقد أصبح حالنا -مع الأسف- مثل الذين قال الله فيهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52].
فوالله لو صدقنا مع الله ونصرنا دين الله، وأعززنا كلمة الله، ورفعنا شأن الدعاة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونشرنا الخير في مجتمعنا، وقضينا على بذور الشر، وحذرنا من هذا العدو بجبهتيه وكلا طرفيه وانتبهنا له، وقاومنا شره وفساده عسكرياً وأخلاقياً؛ فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لن يخذلنا ولن يتركنا أبداً، وإن كان غير ذلك نحشى -وهذا أخشى ما أخشاه- أن تكون هذه بداية الملاحم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2598 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2575 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2509 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2461 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2349 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2264 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2261 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2251 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2198 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2167 استماع |