خطب ومحاضرات
قضايا وأحداث معاصرة
الحلقة مفرغة
السؤال: ما هو واجب الدعاة في اليمن، هل هو العمل الديمقراطي أم الجهادي؟
اعتذار
هذا الشعب المؤمن، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية، وهم أرق قلوباً وألين أفئدة وأقبل للبشرى، وهم الذين سيكونون المدد لهذه الأمة -بإذن الله-في حروبها مع الدجال، وفي ملاحمها مع الروم، كما جاءت بهذا الأحاديث، نقول: إخواننا هنالك في حاجة شديدة إلى أن ينصحوا فيما يتعلق بالعمل الدعوي الذي يسيرون فيه، وذلك أن كثيراً من الإخوة أخبروني، وكتبوا لي بأن هنالك من يريد أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد؛ نظراً لتردي الأوضاع ولفساد أحوالها، ولا يخفى علينا هذا، وبالمقابل هنالك بالطبع -وهم الأكثر- من يخالفهم في هذا القول.
فأحببت أن أقدم نصيحة لإخواني هنالك وهي لكل مسلم:
مضمون النصيحة
ومن ذلك أن الجهاد إنما يأتي في مرحلة تالية، في مرحلة تكون السُنَّة الربانية فيها أقرب إلى التحقق، ولسنا أياً من كنا بأشد شوقاً وأكثر تلهفاً إلى الجهاد في سبيل الله، وإقامة دين الله من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرهم في أول الأمر بكف اليد، ويقول: إني لم أؤمر بذلك، حتى هيأ الله تعالى له ما أراد بالهجرة، وما يسر له من إقامة الدولة، وأن يكون هو رأسها وسيدها، فعندئذ أنزل الله تبارك وتعالى قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، وهكذا كان ابتداء الجهاد إذناً وليس أمراً، والإذن إنما يكون بناء على طلب، وتلهف، وتشوق من الناس إليه، وهذا ما حدث في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفضل الجهاد وأثره العظيم لا ينكر، ولو خصصنا محاضرات وكتب في فضله وفوائده للأمة ما أتينا عليها، لكن هذه كلها يجب أن لا تنسينا حقائق لا بد من معرفتها ونحن نتعامل في حقل الدعوة إلى الله، وهي أن مرحلة الصبر والبلاغ والدعوة، والنذارة، هذه مرحلة لا بد أن تسبق ذلك كله، وهذه مرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز، وهي التي قال فيها رسل الله لأقوامهم: وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا [إبراهيم:12].
حتى لو آذونا وسجنونا، وسجنوا من سجنوا، وآذوا من آذوا، لا عمل لنا إلا الصبر والبلاغ وإقامة الحجة، حتى يفتح الله تعالى بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين، أما استعجال سنن الله تبارك وتعالى، وتوريط الأمة في مشاكل لا ندرك ولا نضمن عاقبتها، فهذا شيء يجب أن ندركه جميعاً، لا أقول في اليمن وحده، بل في كل مكان، ويجب أن نعلم أن هناك عقبات لا يصح معها أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد الذي نحن حريصون كل الحرص أن يحكمه الإسلام في أقرب لحظة، وهذا الذي ندين الله تعالى به جميعاً، وهذا ما نريده لكل بلد في هذه الأرض ألا يحكم إلا بما أنزل الله.
لكن لا بد من التنبه إلى الأوضاع الدولية، والنظر إلى العقبات الخارجية، فهل تسمح الأوضاع الدولية الآن بوجود جهاد مستقل؛ لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه، وسوف يكون التعاون بين الحكومة القائمة وبين الشرق أو الغرب، بين قوى نعلمها ولا نعلمها في سبيل القضاء على هذا الجهاد، لأن الغرب والقوى الدولية لا يريدون أن تتكرر مأساة أفغانستان أو إرتيريا, فهم حريصون على طمس هذا الجهاد هنا وهناك، في الفلبين أو في غيرها، هل يسمحون بالجهاد أن يكون في بلد مهم له موقعه المهم كـاليمن، لا يكون ذلك أبداً.
أهم من ذلك -في نظري مثلاً- هل إمكانيات الدعاة ووسائلهم تتيح لهم ذلك، لنكن موضوعيون فيما نعلم وما يظهر لنا، الدعاة لا يملكون العدد الكافي، والدعاة -أيضاً- لا يملكون الإعلام والجيش الكافي، وكثير من الناس لا يعلم عنك أي شيء، وكيف يتعاطف معك وهو لا يعلم عنك أي شيء.
والدعاة -أيضاً- لا يملكون الاقتصاد والمال اللازم، وهكذا أمور كثيرة، على أن أهم من ذلك أيضاً أن نقول ما المقصود بالجهاد؟ إن كان المقصود به إعلاء كلمة الله؛ فإن أهم ما تعلى به كلمة الله تبارك وتعالى هو تصحيح العقيدة في قلوب الناس، كما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن فقال له: {{فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله}}، وفي رواية: {{إلى أن يوحدوا الله}}، إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، هذه أول دعوة، أن نعلم الناس العقيدة الصحيحة، ونفهمهم إياها حتى يتفقهوا فيها، ويعرفوا من يوالون ومن يعادون فيها، وحتى نضمن أنهم إن جاهدوا جاهدوا لله لا لغرض أو مطمع دنيوي.
ولا سيما في بيئة معقدة متشابكة كبيئة اليمن، فيها نواحي قبلية ونواحي طائفية، ونواحي مذهبية، وفيها أمور لا يستطيع الإنسان معها أو لا يضمن فيها ولاءً من أحد، وأيام الحرب بين الملكيين والجمهوريين، كان الأمر كان واضحاً، فالقبيلة إن أعطاها الملكيون المال انضمت إليهم، وإن أعطاها الجمهوريون انضمت إليهم، فالنفوس إن لم تكن صادقة متربية مزكاة بتقوى الله، كيف نضمن أنها تقف معنا، وإن وقفت في أول الأمر، أو جاءت بعض الأسباب التي نراها تشجعنا أن نجاهد أو أن نبدأ الجهاد، نحن نخشى أن تتحول العملية -لو قامت وإن شاء الله لن تقوم إلى العكس بل سيفكر الإخوة كثيراً في ذلك- إلى جاهلية وقبلية عنصرية، لا ندري، فقد ينفرط الحبل والزمام، ولا يكون بمقدورنا أن نسيطر عليه، وتتدخل القوى العظمى الخبيثة، لصالح طرف على طرف، أو تتحول اليمن إلى لبنان أخرى، أو أي بلد وهي حريصة على ذلك كما هي حريصة أن تفعل ذلك في السودان وفي أثيوبيا وفي غيرها.
فمن المشاكل التي سوف تترتب على قيام مثل هذا: الفرقة بين المسلمين، وكفانا فرقة, وأكثر الدعاة، والمسلمين لن يوافق على هذا الأمر، فسوف يكون هناك من الفرقة بين المسلمين ما نحن في غنى عنه في هذه اللحظة، ولن تكون إلا الفرقة، ولن يكون مثل هذا العمل الذي يختلف الناس إلى نقيضين إلا عند غياب الشورى، فلو كانت الشورى بين الدعاة في الأمور الاجتهادية, ثم الرجوع إلى العلماء في الأمور النصية، ومشاورة أهل العلم في كل مكان لأن الدعوة تهم الجميع في كل مكان؛ فهذا هو الذي يجمع الأمة ويوحد رأيها.
أما أن ينفرد أحد برأيه بجهاد أو حتى بدعوة، ويرى الآخرين رأياً آخر، ولا يكون هناك تواصل وشورى لأخذ هذا الأمر وهم في بلد واحد، فإن هذا يؤدي إلى تفريق الأمة، وإلى تمزيق كلمتها، ونحن نعلم من واقع اليمن وهذا يؤلمنا ولكن هذا واقع أكثر العالم الإسلامي -أن القبيلة أو المحافظة أو اللواء قد لا يكون فيها عالم، بل ربما طالب علم، لا يدرك إلا بعض ما يؤدي به الواجب، فالجهاد إذالم يكن هناك علماء يقودونه ويوجهونه، كيف نضمن له أن يستمر، وكيف نضمن له أن ينتصر؟! فالمربي مفقود، بل أكثر من ذلك القائد وهو الذي يكون مربياً وزيادة مفقود، إذ من المربين من لا يكون على قدر من العلم يؤهله في أن يقود طائفة، أو يربي جماعة في مسجد، أو جماعة من الشباب، أو حلقات علم، كيف يربي أمة؟! هذا أمر ليس بالأمر الهين، فحينئذ تضيع الأمور، ويأتي علماء السوء أو من أمثالهم، فيفتوا ضد هذه الأعمال، فتكون المأساة التي نسأل الله تعالى ألا تكون.
وقد يقول البعض إلى متى نظل نربي؟ فنقول: نحن لا نستعجل أمر الله، نحن واثقون بوعد الله بالنصر لمن قام بهذا الدين، وكما جاء في الحديث الصحيح: {{رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والرهط، ورأيت النبي وليس معه أحد}} بعض الأنبياء ما آمن به أحد، وما تبعه أحد، فعلينا ألا نستبطئ نصر الله، ولا نستعجل وعد الله، وأن نستمر في التربية والتزكية، والتفقه في الدين، وتصحيح العقيدة، والصبر على المخالفين في العقيدة، وفي المنكرات التي يجاهرون بها، حتى يفتح الله سبحانه قلوبهم للخير، وحتى تتكون قاعدة عريضة يمكن أن تقوم بدين الله سبحانه ولا تحوجنا إلى هذه الجهود التي لا ندري كيف تكون نهايتها, أو ما هو مصير هذه الأمور لو قامت؟!
وأنا أرى أن القياس على أفغانستان أو على غيرها في غير محله، لأن أفغانستان العدو واضح، هو روسي شيوعي جاء بدباباته واحتل البلد، أما هنا فإن القضية ملبس عليها، فإن الحكومة تدعي أنها إسلامية, وتقول إن الدستور إسلامي، ومن العلماء من يؤيدها؛ فلا نقيس ذلك على أفغانستان، ولا على غيرها ولا ما أشبهها.
وقد يقول البعض: ما هو البديل؟ هل ننضم للأحزاب السياسية وندخل البرلمان، ونتحول للعمل السياسي؟ فنقول: لا أيضاً, فليس هذا المقصود، إنما نريد دعوة على منهاج النبوة تبدأ بتصحيح العقيدة، وتفقيه الناس في دينهم وتعليم سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفتح هذه الحلقات الطيبة المباركة، من توعية الناس وتعليمهم وتثقيفهم في المحافظات، في الألوية، وفي القرى، وفي كل مكان بقدر الاستطاعة، وعن طريق المعاهد، وعن طريق تحفيظ القرآن، وعن طريق نشر الأشرطة، ونشر الكتيبات وتوعية الناس، دعوة تقوم وتحتسب وتصبر على الأذى, فهذه هي القاعدة الأساسية التي نريدها.
أما ما يتعلق بالعمل السياسي وما تورطت فيه بعض الأحزاب من العمل السياسي، فنقول يجب أن تكون الأمور شورى، أن يستشيروا بعض، ويتشاوروا ويتباحثوا في مفاسدها ومصالحها، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل وإلى بحث طويل، لأن هذه المشاركة قد يكون فيها بعض المصالح، ولكن في نفس الوقت فيها مفاسد واضحة لا تخفى على أي أحد.
فلا بد أن تدرس هذه الأمور بعناية.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وللصواب، وأن يجعل دعوتنا كلها خالصة لوجهة الكريم، إنه سميع مجيب.
ليسمح لي الإخوة بدقائق في موضوع مهم وحقيقة أنني أراه مهماً, وأنا مهتم بهذا الموضوع، وأنا أطلب المعذرة من الذين سألوني عنه مراراً وما منعني إلا أنّ الوقت لم يسعفني لأن أخصص له موضوعاً منفرداً، وأرى أن هذا الموضوع يتعلق بطرف آخر، وأريد أن أسمع منه، فلم أستطع أن أسمع منه حقيقة، لكن لا بد أن أتكلم وأن أقول نصيحة ينفع الله بها -إن شاء الله- ثم بعد ذلك لا بأس من الاستدراك أو من سماع رأي الطرف الآخر كعادتنا هنا، والحمد لله، اليمن في قلوبنا، هذا السؤال المهم يتعلق بالبلد الذي نحبه ويحبنا, والشعب الذي نحن منه وهو منا، وهم إخواننا الدعاة وإخواننا المؤمنون في الشعب اليمني الشقيق، الذي أراد الله له أن تكون حياته سلسلة من المآسي والفتن، لا يبعد فيها عن كثير من أقطار العالم الإسلامي، فقد تولى عليه الروافض في أول الأمر منذ نهاية القرن الثالث تقريباً، ثم تولت عليه الباطنية بعد ذلك، ثم في العصر الحديث -كما ترون- وبعد جهاد وكفاح طويل مع الباطنيين، انتصر عليهم الترك، ثم أخرج الترك، ثم جاءت الثورة المزعومة، وجاء عبد الناصر، وفعل بهم ما فعل، جزاه الله وعامله بما يستحق، ثم كانت المآسي والفتن التي لا تخفى عليكم إلى اليوم.
هذا الشعب المؤمن، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية، وهم أرق قلوباً وألين أفئدة وأقبل للبشرى، وهم الذين سيكونون المدد لهذه الأمة -بإذن الله-في حروبها مع الدجال، وفي ملاحمها مع الروم، كما جاءت بهذا الأحاديث، نقول: إخواننا هنالك في حاجة شديدة إلى أن ينصحوا فيما يتعلق بالعمل الدعوي الذي يسيرون فيه، وذلك أن كثيراً من الإخوة أخبروني، وكتبوا لي بأن هنالك من يريد أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد؛ نظراً لتردي الأوضاع ولفساد أحوالها، ولا يخفى علينا هذا، وبالمقابل هنالك بالطبع -وهم الأكثر- من يخالفهم في هذا القول.
فأحببت أن أقدم نصيحة لإخواني هنالك وهي لكل مسلم:
إخوتي الكرام: إن الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واجب علينا جميعاً، ولا يخفى على أحد منا فضلها وأهميتها, ولكن يجب علينا أن نضبطها بمنهاج النبوة، حتى تكون الدعوة على منهاج النبوة وعلى سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل حتى تكُون موافقة لسنن الله تعالى في المجتمعات، وفي الكون؛ فإن لله تعالى سنناً، وهذه السنن اتبعها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعوته، فكانت مراحل كما تعلمون.
ومن ذلك أن الجهاد إنما يأتي في مرحلة تالية، في مرحلة تكون السُنَّة الربانية فيها أقرب إلى التحقق، ولسنا أياً من كنا بأشد شوقاً وأكثر تلهفاً إلى الجهاد في سبيل الله، وإقامة دين الله من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع ذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرهم في أول الأمر بكف اليد، ويقول: إني لم أؤمر بذلك، حتى هيأ الله تعالى له ما أراد بالهجرة، وما يسر له من إقامة الدولة، وأن يكون هو رأسها وسيدها، فعندئذ أنزل الله تبارك وتعالى قوله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39]، وهكذا كان ابتداء الجهاد إذناً وليس أمراً، والإذن إنما يكون بناء على طلب، وتلهف، وتشوق من الناس إليه، وهذا ما حدث في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفضل الجهاد وأثره العظيم لا ينكر، ولو خصصنا محاضرات وكتب في فضله وفوائده للأمة ما أتينا عليها، لكن هذه كلها يجب أن لا تنسينا حقائق لا بد من معرفتها ونحن نتعامل في حقل الدعوة إلى الله، وهي أن مرحلة الصبر والبلاغ والدعوة، والنذارة، هذه مرحلة لا بد أن تسبق ذلك كله، وهذه مرحلة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز، وهي التي قال فيها رسل الله لأقوامهم: وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا [إبراهيم:12].
حتى لو آذونا وسجنونا، وسجنوا من سجنوا، وآذوا من آذوا، لا عمل لنا إلا الصبر والبلاغ وإقامة الحجة، حتى يفتح الله تعالى بيننا وبينهم بالحق وهو خير الفاتحين، أما استعجال سنن الله تبارك وتعالى، وتوريط الأمة في مشاكل لا ندرك ولا نضمن عاقبتها، فهذا شيء يجب أن ندركه جميعاً، لا أقول في اليمن وحده، بل في كل مكان، ويجب أن نعلم أن هناك عقبات لا يصح معها أن يعلن الجهاد المسلح في هذا البلد الذي نحن حريصون كل الحرص أن يحكمه الإسلام في أقرب لحظة، وهذا الذي ندين الله تعالى به جميعاً، وهذا ما نريده لكل بلد في هذه الأرض ألا يحكم إلا بما أنزل الله.
لكن لا بد من التنبه إلى الأوضاع الدولية، والنظر إلى العقبات الخارجية، فهل تسمح الأوضاع الدولية الآن بوجود جهاد مستقل؛ لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه، وسوف يكون التعاون بين الحكومة القائمة وبين الشرق أو الغرب، بين قوى نعلمها ولا نعلمها في سبيل القضاء على هذا الجهاد، لأن الغرب والقوى الدولية لا يريدون أن تتكرر مأساة أفغانستان أو إرتيريا, فهم حريصون على طمس هذا الجهاد هنا وهناك، في الفلبين أو في غيرها، هل يسمحون بالجهاد أن يكون في بلد مهم له موقعه المهم كـاليمن، لا يكون ذلك أبداً.
أهم من ذلك -في نظري مثلاً- هل إمكانيات الدعاة ووسائلهم تتيح لهم ذلك، لنكن موضوعيون فيما نعلم وما يظهر لنا، الدعاة لا يملكون العدد الكافي، والدعاة -أيضاً- لا يملكون الإعلام والجيش الكافي، وكثير من الناس لا يعلم عنك أي شيء، وكيف يتعاطف معك وهو لا يعلم عنك أي شيء.
والدعاة -أيضاً- لا يملكون الاقتصاد والمال اللازم، وهكذا أمور كثيرة، على أن أهم من ذلك أيضاً أن نقول ما المقصود بالجهاد؟ إن كان المقصود به إعلاء كلمة الله؛ فإن أهم ما تعلى به كلمة الله تبارك وتعالى هو تصحيح العقيدة في قلوب الناس، كما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذاً إلى اليمن فقال له: {{فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله}}، وفي رواية: {{إلى أن يوحدوا الله}}، إلى أن يعبد الله وحده لا شريك له، هذه أول دعوة، أن نعلم الناس العقيدة الصحيحة، ونفهمهم إياها حتى يتفقهوا فيها، ويعرفوا من يوالون ومن يعادون فيها، وحتى نضمن أنهم إن جاهدوا جاهدوا لله لا لغرض أو مطمع دنيوي.
ولا سيما في بيئة معقدة متشابكة كبيئة اليمن، فيها نواحي قبلية ونواحي طائفية، ونواحي مذهبية، وفيها أمور لا يستطيع الإنسان معها أو لا يضمن فيها ولاءً من أحد، وأيام الحرب بين الملكيين والجمهوريين، كان الأمر كان واضحاً، فالقبيلة إن أعطاها الملكيون المال انضمت إليهم، وإن أعطاها الجمهوريون انضمت إليهم، فالنفوس إن لم تكن صادقة متربية مزكاة بتقوى الله، كيف نضمن أنها تقف معنا، وإن وقفت في أول الأمر، أو جاءت بعض الأسباب التي نراها تشجعنا أن نجاهد أو أن نبدأ الجهاد، نحن نخشى أن تتحول العملية -لو قامت وإن شاء الله لن تقوم إلى العكس بل سيفكر الإخوة كثيراً في ذلك- إلى جاهلية وقبلية عنصرية، لا ندري، فقد ينفرط الحبل والزمام، ولا يكون بمقدورنا أن نسيطر عليه، وتتدخل القوى العظمى الخبيثة، لصالح طرف على طرف، أو تتحول اليمن إلى لبنان أخرى، أو أي بلد وهي حريصة على ذلك كما هي حريصة أن تفعل ذلك في السودان وفي أثيوبيا وفي غيرها.
فمن المشاكل التي سوف تترتب على قيام مثل هذا: الفرقة بين المسلمين، وكفانا فرقة, وأكثر الدعاة، والمسلمين لن يوافق على هذا الأمر، فسوف يكون هناك من الفرقة بين المسلمين ما نحن في غنى عنه في هذه اللحظة، ولن تكون إلا الفرقة، ولن يكون مثل هذا العمل الذي يختلف الناس إلى نقيضين إلا عند غياب الشورى، فلو كانت الشورى بين الدعاة في الأمور الاجتهادية, ثم الرجوع إلى العلماء في الأمور النصية، ومشاورة أهل العلم في كل مكان لأن الدعوة تهم الجميع في كل مكان؛ فهذا هو الذي يجمع الأمة ويوحد رأيها.
أما أن ينفرد أحد برأيه بجهاد أو حتى بدعوة، ويرى الآخرين رأياً آخر، ولا يكون هناك تواصل وشورى لأخذ هذا الأمر وهم في بلد واحد، فإن هذا يؤدي إلى تفريق الأمة، وإلى تمزيق كلمتها، ونحن نعلم من واقع اليمن وهذا يؤلمنا ولكن هذا واقع أكثر العالم الإسلامي -أن القبيلة أو المحافظة أو اللواء قد لا يكون فيها عالم، بل ربما طالب علم، لا يدرك إلا بعض ما يؤدي به الواجب، فالجهاد إذالم يكن هناك علماء يقودونه ويوجهونه، كيف نضمن له أن يستمر، وكيف نضمن له أن ينتصر؟! فالمربي مفقود، بل أكثر من ذلك القائد وهو الذي يكون مربياً وزيادة مفقود، إذ من المربين من لا يكون على قدر من العلم يؤهله في أن يقود طائفة، أو يربي جماعة في مسجد، أو جماعة من الشباب، أو حلقات علم، كيف يربي أمة؟! هذا أمر ليس بالأمر الهين، فحينئذ تضيع الأمور، ويأتي علماء السوء أو من أمثالهم، فيفتوا ضد هذه الأعمال، فتكون المأساة التي نسأل الله تعالى ألا تكون.
وقد يقول البعض إلى متى نظل نربي؟ فنقول: نحن لا نستعجل أمر الله، نحن واثقون بوعد الله بالنصر لمن قام بهذا الدين، وكما جاء في الحديث الصحيح: {{رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان والرهط، ورأيت النبي وليس معه أحد}} بعض الأنبياء ما آمن به أحد، وما تبعه أحد، فعلينا ألا نستبطئ نصر الله، ولا نستعجل وعد الله، وأن نستمر في التربية والتزكية، والتفقه في الدين، وتصحيح العقيدة، والصبر على المخالفين في العقيدة، وفي المنكرات التي يجاهرون بها، حتى يفتح الله سبحانه قلوبهم للخير، وحتى تتكون قاعدة عريضة يمكن أن تقوم بدين الله سبحانه ولا تحوجنا إلى هذه الجهود التي لا ندري كيف تكون نهايتها, أو ما هو مصير هذه الأمور لو قامت؟!
وأنا أرى أن القياس على أفغانستان أو على غيرها في غير محله، لأن أفغانستان العدو واضح، هو روسي شيوعي جاء بدباباته واحتل البلد، أما هنا فإن القضية ملبس عليها، فإن الحكومة تدعي أنها إسلامية, وتقول إن الدستور إسلامي، ومن العلماء من يؤيدها؛ فلا نقيس ذلك على أفغانستان، ولا على غيرها ولا ما أشبهها.
وقد يقول البعض: ما هو البديل؟ هل ننضم للأحزاب السياسية وندخل البرلمان، ونتحول للعمل السياسي؟ فنقول: لا أيضاً, فليس هذا المقصود، إنما نريد دعوة على منهاج النبوة تبدأ بتصحيح العقيدة، وتفقيه الناس في دينهم وتعليم سنة نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفتح هذه الحلقات الطيبة المباركة، من توعية الناس وتعليمهم وتثقيفهم في المحافظات، في الألوية، وفي القرى، وفي كل مكان بقدر الاستطاعة، وعن طريق المعاهد، وعن طريق تحفيظ القرآن، وعن طريق نشر الأشرطة، ونشر الكتيبات وتوعية الناس، دعوة تقوم وتحتسب وتصبر على الأذى, فهذه هي القاعدة الأساسية التي نريدها.
أما ما يتعلق بالعمل السياسي وما تورطت فيه بعض الأحزاب من العمل السياسي، فنقول يجب أن تكون الأمور شورى، أن يستشيروا بعض، ويتشاوروا ويتباحثوا في مفاسدها ومصالحها، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل وإلى بحث طويل، لأن هذه المشاركة قد يكون فيها بعض المصالح، ولكن في نفس الوقت فيها مفاسد واضحة لا تخفى على أي أحد.
فلا بد أن تدرس هذه الأمور بعناية.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل الصالح وللصواب، وأن يجعل دعوتنا كلها خالصة لوجهة الكريم، إنه سميع مجيب.
السؤال: يقول: لماذا لا نستخدم عبارة السلف بدلاً من أهل السنة والجماعة؟
الجواب: لماذا لا تستخدمها أنت إذا كان أحد لا يستخدمها؟، وأنا أسأل هذا السؤال: وأقول: هل هناك فرق بينهما؟، في الواقع أنه لا يوجد أي فرق بينهما.
الفرق بين السلف وأهل السنة والجماعة
وإن القرن الثالث يعد القرنين الأولين هم السلف بالنسبة له، والقرن الثاني يعتقد أن القرن الأول هو السلف، وهذا حق فأن كلمة السلف هي كلمة نسبية، لكن إذا قلنا أهل السنة والجماعة؛فإنه يشمل كل ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى قيام الساعة، فيدخل في ذلك دخولاً أولياً الصحابة، فهم أولى الناس وأولهم، ثم التابعون، ثم تابعو التابعين، ثم من سار على هذا المنهج إلى الغرباء، الذين يكونون نزاعاً من القبائل في آخر الزمان، كل هؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
والعلماء عندما كتبوا كتباً مثلاً: أصول أهل السنة والجماعة فهم لا يعنون إلا غير أصول السلف، ولا يعنون شيئاً غير هذا، والإمام أحمد عندما كتب كتاب السنة، فهو يريد عقيدة السلف، أو الإمام عبد الله بن أحمد كذلك وهو ينسب له وأكثره عن أبيه.
إذاً كل ما كتب وكل ما يقال عن السنة أو عن أهل السنة والجماعة فأول من يقصد به السلف الصالح، ومن سار على نهجهم، ولا تستحق المسألة أن تكون مشكلة عند أدنى طالب علم مثلاً.
ويأتي الإشكال عند بعض الدعاة وبعض طلبة العلم، مثلاً يقول: إن بعض أهل البدع يدعي أنه من أهل السنة والجماعة، فنستخدم عبارة السلف حتى نخرجهم، فنقول: من يدعي أنه من أهل السنة وليس منهم، فهو قادر على أن يدعي أنه من السلف أو من السلفيين وهو ليس منهم، ثم هل نترك نحن كلمة شرعية عظيمة جاءت في كتاب الله استنباطاً كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً [الأنعام:153] وفسرها العلماء، أن (الصراط المستقيم) قالوا: السنة، ونترك ما جاء في الأحاديث وهي كثيرة جداً (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) وفي حديث آخر قال: { هي الجماعة ) وكلام السلف في هذا يعد بالمئات، بل يمكن القول: إن الآلاف من الآثار ممن يستخدم مثل هذه الكلمة كلمة أهل السنة، فنترك كل هذه النقول من أجل هؤلاء المبتدعة، من أهل الكلام سواء كانوا صوفية أم معتزلة أم أشعرية، أم عصرانية، أم عقلانية، أو أشباههم يقولون: نحن من أهل السنة، نترك الكلمة الشرعية، من أجل إدعاء المدعين.
فنقول: لا، السنة لستم من أهلها، فأنتم عقيدتكم كذا، وأهل السنة عقيدتهم كذا، كما ظهر قبل فترة من يقول إن الأشاعرة هم أهل السنة، والحمد لله تصدى لهم من بين أن أصول الأشعرية كذا وكذا...، أما أصول أهل السنة والجماعة فهي بخلاف ذلك، فتبين أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم من أهل البدعة والضلالة.
فنحن بهذا نكون قد حررنا الأصول وميزنا فيما بينها، ووضعنا ضابطاً منهجياً علمياً نعرف به هذه المسألة، فلا تشكل علينا إن شاء الله.
وعندما أتينا على شرح مسألة التفاضل بين الملائكة وبين بني آدم، فلما وجدنا عبارة لـشَيْخ الإِسْلامِ قال: ''وكنت أحسب أن هذا الأمر محدث، فإذا بها قضية سلفية '' فقلت لكم: أنا أفرح عندما أجد هذه الكلمة في كلام الفقهاء الأولين، لأننا -والحمد لله- نحبها ونريد أن نعممها، وننشرها، لكنها فعلاً قليلة، لكن معناها واضح، والمعنى: هو أن ما كان عليه السلف الصالح من دين وعقيدة هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا المصطلح لا يخفى على أحد من الناس.
المعنى العام والخاص لأهل السنة والجماعة
قد يطلق أهل السنة أحياناً بما يقابل الروافض، وقد تقول: أهل السنة ويقابله المعتزلة، أو أهل السنة ويقابله المتكلمون، عامة، أو أهل السنة ويقابلهم الصوفية، فلماذا اختص بمقابلة الرافضة ومقابلة الشيعة، فيقال شيعي وسني؟!
الجواب: لكثرة ظهور مذهب التشيع وانتشاره, ولأنه من أجلِّ البدع، كما قال شَيْخ الإِسْلامِ فأصبح كأنه علم على البدعة '' فيقال: هذا الرجل إما سني وإما شيعي، مع أنه قد يكون مقصراً غير شيعي محض، ولكن هذا هو المعنى العام، فالناس الآن مثلاً في الخليج أو في العراق أو في بلاد الشام نقول هم إما أهل سنة وإما شيعة، لكن هل يعني هذا أنهم من أهل السنة المحضة، وأهل الاتباع المتبعين لمنهج السلف الصالح؟ لا، نعني فقط ليسوا شيعة، هذا المعنى الأعم.
المعنى الأخص: أن تقول أهل السنة وتقصد في المقابل أهل البدعة، فتقصد بـأهل السنة أهل الأثر, وأهل الاتباع الذين يأخذون ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحابته، إيماناً واعتقاداً, وقولاً وعملاً, ولا يعارضون عن ذلك المنهج بأي منهج من المناهج البدعية، ولا بأي رأي من الآراء البشرية، فهم متبعون لا مبتدعون.
فهم مقابل ما يسميه العلماء بـأهل الحديث، أو أهل الأثر، أو أهل الاتباع، أو أهل السنة إلى غير ذلك من الألقاب، هذا هو المقصود بـأهل السنة في هذا المعنى، عادة أن المقابل لهم هو أي مبتدع كان، وإن كان غير رافضي، فإذا كنت تريد أن تميز فرداً أو شعباً أنه ليس من الرافضة، فتقول: أهل مصر أهل سنة، بمعنى أنهم ليسوا شيعة، هذا وارد، وإن كنت تريد التزكية ليس مجرد التمييز فتقول: فلان من أهل السنة، أي أنه على منهج السلف الصالح، وليس من أهل البدع، لأن البدعة: هي ما أحدثت ولم يكن معمولاً بها ولا معروفة عند السلف الصالح.
وأظن أن سبب الإشكال هو دعاوى أولئك، وإلا لم تثر هذه المسائل من قبل، ولذلك لا نجد أن العلماء المتقدمين قالوا: نحن السلفيون -بهذا اللفظ- لكن حقيقتهم هي أنهم كانوا سلفيين قولاً وعملاً واعتقاداً, ظاهراً وباطناً, وخاب وخسر من لم يكن سلفياً في قديم الدهر أو في حديثه لا شك في هذا، لكن هل نجعل أهل السنة والجماعة قسم والسلفيون قسم آخر، ونميز بينهما؟ هذا لا يصح لمجرد أن المبتدعة يدعون أنهم من أهل السنة، بل يوجد من أهل البدع إلى الآن من يقول أو يدعي أن دعوته سلفية، فهل نقره على هذه الدعوى؟ لا، يقر أبداً، فنقول إذاً: لا عبرة بدعوة المدعي وإنما العبرة بالحقيقة نفسها.
السلف هم أهل السنة والجماعة بلا شك، لكن أهل السنة والجماعة هم السلف وأتباع السلف، فنحن نقول: نحن من أهل السنة والجماعة لكن هل نحن من السلف؟ لا لسنا من السلف، فـالسلف وأتباعهم هم أهل السنة والجماعة، وأخص من يطلق عليه اسم أهل السنة والجماعة وأولى من يطلق عليه هذا الاسم هم السلف الصالح، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال، (تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا من هي؟ قال: هي الجماعة) وفي رواية أخرى، قال: (هي ما أنا عليه وأصحابي) فهذا كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم الجماعة وهم الصحابة، وهم السلف، وفي الحديث (خير الناس قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم) فالقرون الثلاثة المفضلة هم السلف وهم أهل السنة والجماعة.
وإن القرن الثالث يعد القرنين الأولين هم السلف بالنسبة له، والقرن الثاني يعتقد أن القرن الأول هو السلف، وهذا حق فأن كلمة السلف هي كلمة نسبية، لكن إذا قلنا أهل السنة والجماعة؛فإنه يشمل كل ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى قيام الساعة، فيدخل في ذلك دخولاً أولياً الصحابة، فهم أولى الناس وأولهم، ثم التابعون، ثم تابعو التابعين، ثم من سار على هذا المنهج إلى الغرباء، الذين يكونون نزاعاً من القبائل في آخر الزمان، كل هؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
والعلماء عندما كتبوا كتباً مثلاً: أصول أهل السنة والجماعة فهم لا يعنون إلا غير أصول السلف، ولا يعنون شيئاً غير هذا، والإمام أحمد عندما كتب كتاب السنة، فهو يريد عقيدة السلف، أو الإمام عبد الله بن أحمد كذلك وهو ينسب له وأكثره عن أبيه.
إذاً كل ما كتب وكل ما يقال عن السنة أو عن أهل السنة والجماعة فأول من يقصد به السلف الصالح، ومن سار على نهجهم، ولا تستحق المسألة أن تكون مشكلة عند أدنى طالب علم مثلاً.
ويأتي الإشكال عند بعض الدعاة وبعض طلبة العلم، مثلاً يقول: إن بعض أهل البدع يدعي أنه من أهل السنة والجماعة، فنستخدم عبارة السلف حتى نخرجهم، فنقول: من يدعي أنه من أهل السنة وليس منهم، فهو قادر على أن يدعي أنه من السلف أو من السلفيين وهو ليس منهم، ثم هل نترك نحن كلمة شرعية عظيمة جاءت في كتاب الله استنباطاً كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً [الأنعام:153] وفسرها العلماء، أن (الصراط المستقيم) قالوا: السنة، ونترك ما جاء في الأحاديث وهي كثيرة جداً (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين) وفي حديث آخر قال: { هي الجماعة ) وكلام السلف في هذا يعد بالمئات، بل يمكن القول: إن الآلاف من الآثار ممن يستخدم مثل هذه الكلمة كلمة أهل السنة، فنترك كل هذه النقول من أجل هؤلاء المبتدعة، من أهل الكلام سواء كانوا صوفية أم معتزلة أم أشعرية، أم عصرانية، أم عقلانية، أو أشباههم يقولون: نحن من أهل السنة، نترك الكلمة الشرعية، من أجل إدعاء المدعين.
فنقول: لا، السنة لستم من أهلها، فأنتم عقيدتكم كذا، وأهل السنة عقيدتهم كذا، كما ظهر قبل فترة من يقول إن الأشاعرة هم أهل السنة، والحمد لله تصدى لهم من بين أن أصول الأشعرية كذا وكذا...، أما أصول أهل السنة والجماعة فهي بخلاف ذلك، فتبين أن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة والجماعة، بل هم من أهل البدعة والضلالة.
فنحن بهذا نكون قد حررنا الأصول وميزنا فيما بينها، ووضعنا ضابطاً منهجياً علمياً نعرف به هذه المسألة، فلا تشكل علينا إن شاء الله.
وعندما أتينا على شرح مسألة التفاضل بين الملائكة وبين بني آدم، فلما وجدنا عبارة لـشَيْخ الإِسْلامِ قال: ''وكنت أحسب أن هذا الأمر محدث، فإذا بها قضية سلفية '' فقلت لكم: أنا أفرح عندما أجد هذه الكلمة في كلام الفقهاء الأولين، لأننا -والحمد لله- نحبها ونريد أن نعممها، وننشرها، لكنها فعلاً قليلة، لكن معناها واضح، والمعنى: هو أن ما كان عليه السلف الصالح من دين وعقيدة هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا المصطلح لا يخفى على أحد من الناس.
وهنا ملاحظة لابد من التنويه إليها، وهي أنه يوجد فرق بين أهل السنة بالمعنى العام، وأهل السنة بالمعنى الخاص، أو نقول: أهل السنة المحضة، وأهل السنة العامة.
قد يطلق أهل السنة أحياناً بما يقابل الروافض، وقد تقول: أهل السنة ويقابله المعتزلة، أو أهل السنة ويقابله المتكلمون، عامة، أو أهل السنة ويقابلهم الصوفية، فلماذا اختص بمقابلة الرافضة ومقابلة الشيعة، فيقال شيعي وسني؟!
الجواب: لكثرة ظهور مذهب التشيع وانتشاره, ولأنه من أجلِّ البدع، كما قال شَيْخ الإِسْلامِ فأصبح كأنه علم على البدعة '' فيقال: هذا الرجل إما سني وإما شيعي، مع أنه قد يكون مقصراً غير شيعي محض، ولكن هذا هو المعنى العام، فالناس الآن مثلاً في الخليج أو في العراق أو في بلاد الشام نقول هم إما أهل سنة وإما شيعة، لكن هل يعني هذا أنهم من أهل السنة المحضة، وأهل الاتباع المتبعين لمنهج السلف الصالح؟ لا، نعني فقط ليسوا شيعة، هذا المعنى الأعم.
المعنى الأخص: أن تقول أهل السنة وتقصد في المقابل أهل البدعة، فتقصد بـأهل السنة أهل الأثر, وأهل الاتباع الذين يأخذون ما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحابته، إيماناً واعتقاداً, وقولاً وعملاً, ولا يعارضون عن ذلك المنهج بأي منهج من المناهج البدعية، ولا بأي رأي من الآراء البشرية، فهم متبعون لا مبتدعون.
فهم مقابل ما يسميه العلماء بـأهل الحديث، أو أهل الأثر، أو أهل الاتباع، أو أهل السنة إلى غير ذلك من الألقاب، هذا هو المقصود بـأهل السنة في هذا المعنى، عادة أن المقابل لهم هو أي مبتدع كان، وإن كان غير رافضي، فإذا كنت تريد أن تميز فرداً أو شعباً أنه ليس من الرافضة، فتقول: أهل مصر أهل سنة، بمعنى أنهم ليسوا شيعة، هذا وارد، وإن كنت تريد التزكية ليس مجرد التمييز فتقول: فلان من أهل السنة، أي أنه على منهج السلف الصالح، وليس من أهل البدع، لأن البدعة: هي ما أحدثت ولم يكن معمولاً بها ولا معروفة عند السلف الصالح.
وأظن أن سبب الإشكال هو دعاوى أولئك، وإلا لم تثر هذه المسائل من قبل، ولذلك لا نجد أن العلماء المتقدمين قالوا: نحن السلفيون -بهذا اللفظ- لكن حقيقتهم هي أنهم كانوا سلفيين قولاً وعملاً واعتقاداً, ظاهراً وباطناً, وخاب وخسر من لم يكن سلفياً في قديم الدهر أو في حديثه لا شك في هذا، لكن هل نجعل أهل السنة والجماعة قسم والسلفيون قسم آخر، ونميز بينهما؟ هذا لا يصح لمجرد أن المبتدعة يدعون أنهم من أهل السنة، بل يوجد من أهل البدع إلى الآن من يقول أو يدعي أن دعوته سلفية، فهل نقره على هذه الدعوى؟ لا، يقر أبداً، فنقول إذاً: لا عبرة بدعوة المدعي وإنما العبرة بالحقيقة نفسها.
السؤال: تناقلت الأخبار والإذاعات نبأ زيارة بابا الفاتيكان للسودان الشقيق والترحيب والاستقبال له من حكومة السودان، وعلى رأسهم الفريق البشير والترحيب بقوله أنت هبة الله، وحسب ما تناقلته الصحيفة أن البابا أقام الصلوات المسيحية النصرانية على أرض السودان، فينبغي لنا نحن المسلمين أن نستنكر ذلك، باعتبار أن بلاد السودان بلاد إسلامية، نرجو رأيكم وما هي النصيحة في ذلك؟
الجواب:
من عظم البلاء وعظيم الفتنة على المسلمين أن يتسابقوا لاسترضاء زعماء الكفر، وأن يتنافسوا على ذلك, وهذه لا شك أنها أحد مظاهر ضعف عقيدة الولاء والبراء, وانحراف المناهج الدعوية التي تشهده الأمة في هذا العصر.
فالبابا في الفترة الأخيرة هو بين من يزوره وبين من يستزيره، والكل يخطب وده من حكومات العالم الإسلامي، والكل يشيد بدوره، ويتمنى له دوراً أكبر في حل مشكلة السلام، وفي إرجاع الحقوق الفلسطينية وفي غير ذلك، وكل واحد منهم يدعي أن له تأويلاً في ذلك.
فهذا يقول نريد أن نؤيد البابا والنصارى، ونستظهر بهم على العدو الصهيوني، والآخر يقول: نحن نريد -كما هو حال السودان- أن نكسر حاجز العزلة، أو الحصار الذي يريد الغرب أن يفرضه علينا، فهذا إمامهم وزعيمهم الروحي يأتينا ونريد أن نثبت لهم أننا لسنا ضد حقوق الإنسان، وحتى لا يقول النصارى في الجنوب لماذا تقاتلونا؟ وغير ذلك، أنا أقول في الحقيقة كل هذه التأويلات مردودة ومرفوضة.
حقيقة البابا
وأنا أنصح كل مسلم -عموماً- بما أمر الله تبارك وتعـالى به من وجـوب عـداوة هـؤلاء يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] فيجب أن نعاديهم، وألا نأمنهم، وأن نعلن عداوتهم، ونحذر مكرهم وخططهم، ومهما ظننا أننا نستفيد من زيارتهم لنا، فالحقيقة نحن خاسرون، هم أمهر منا في السياسة، وأعلم منا بالفائدة المرجوة المتحققة.
نصيحة لدولة السودان
وعلى جميع الناس أن يعلموا أنها إذا فعلت ذلك فسوف تخسر الغرب, ولكنها سوف تكسب -أولاً- رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا أهم شيء في الدنيا، ثم سوف تكسب مشاعر وتعاطف المسلمين، وكثير من المسلمين مترددين في تأييدها؛ لأنها لم تعلن بقوة وبوضوح وبصراحة معاداة هؤلاء الكفار، ولم تطبق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً، فهناك نوع من التردد، بل نوع من العداوة، ونحن لا نقر أن يعادى أي مسلم على أية حال، لكن موجود هذا في صفوف بعض الإسلاميين، نظراً لهذا التلكؤ والتباطؤ وتمييع بعض الأمور، وللخلل الفكري الذي نحن نعرفه، والخلل في المنهج الدعوي الذي يتبناه الدكتور حسن الترابي ومن معه، فنحن ننصح الحكومة السودانية أن تعرض عن كل عقيدة تخالف عقيدة السلف الصالح وأن تتبنى عقيدة السلف الصالح ومنهج الكتاب والسنة، منهجاً تدعو إليه وتعمل به، وإذا فعلت ذلك؛ فإن الله تعالى سوف ينصرها -هي وأي حكومة- سوف ينصرها ويعينها على الغرب وعلى غيرهم.
أما إذا كانت قضية العقيدة قضية عامة أو مائعة، والتقدم إلى الإسلام أو إلى تطبيقه استحياء، وأن هذا نوع من المجاملة، وهذه قضية سياسية، وهذه قضية مصلحية، وهذه قضية كذا وكذا، ضاع الأمر الذي من أجله قامت الدولة، وقامت الحركة واستبشر المسلمون بقيامها، وإن كانت لم تحقق حتى الآن مما يدعو إلى التفاؤل الكبير، ولكن لا يشك أي إنسان أنها حققت أموراً وأشياءً كانت غير متحققة في السودان فيما يتعلق بالجهاد -جهاد النصارى- وبإحياء بعض الشعائر الإسلامية، وتعديل بعض المناهج، وهذه كلها أمور تشكر لهم، ولكن نريد منهم الاستقامة الكاملة والاعتصام بحبل الله والتوكل على الله، وترك هذه المجاملات، ونرجو أن يبلغهم استنكارنا الشديد لمرور البابا في السودان.
يجب أن يعلم كل مسلم، أنه لا مكان للبابا ولا لأحد من أعوانه على أرض الإسلام، ولا يجوز أن يمسها ولا لصاحب قداسة، بل لا يجوز أن يعتقد أحد أن هذا الوصف صحيح، أن يقال له: صاحب قداسة، فهؤلاء أعداء الله، وهو زعيم الكفر في العالم، وزعيم الأمة الضالة، التي وصفها الله تبارك وتعالى بالضلال والكفر، فقال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73], وقال لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:72] فكيف تكون له قداسة، وكيف يصبح له ذلك في بلاد المسلمين.
أما وجود نصارى في السودان أو في مصر أو في غيرهما فيجب أن تقام عليهم أحكام الإسلام كاملة، والآيات التي أنزلت في سورة المائدة، آيات الحكم وسبب نزولها -كما تعلمون- هو اليهودي واليهودية اللذان زنيا في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحد عليهما مع أنهما يهوديان، فلا يقال إن الشريعة لا تطبق إلا على المسلمين، بل لا بد أن تطبق على كل أحد ما دامت الحكومة حكومة إسلامية، وما دامت الدولة دولة إسلامية.
ونسأل الله سبحانه أن يرد هذه الأمة إليه رداً حميداً، وأن يبصرنا بحقائق هذا الدين، وألا يجعل للمنحرفين في مناهجهم الدعوية أو الفكرية سبيلاً إلى تضليل هذه الأمة، وهذه الجماهير المسكينة التي يلبس عليها دينها هاهنا وهاهنا، والله المستعان.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2599 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2576 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2510 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2463 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2349 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2267 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2263 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2251 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2199 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2167 استماع |