خطب ومحاضرات
كتاب الطهارة [7]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا ثابت البناني عن أنس بن مالك ( أن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله سبحانه ذكره: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح. فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما ) .
حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: ( كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب ).
حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري فيقرأ وأنا حائض )].
ولهذا تأثر الناس بالمخالطة، فيتأثر أهل المدينة باليهود، ومعلوم أن أهل الكتاب الذين في المدينة هم: اليهود، وليس في المدينة نصارى، وهذه الشريعة التي توجد عند اليهود يتأثر بها أهل المدينة من الأوس والخزرج فيأخذون الأحكام عنهم ويتأثرون بالمخالطة، ولهذا جاءت الشريعة بمفارقة بلدان الكفر، ووجوب الهجرة حتى لا يتأثر الإنسان، فالإنسان ربما لم يتأثر هو لكن يتأثر أبناؤه، الجيل الذي بعده، ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين أن يهاجروا إليه بعد ما استقر عليه الصلاة والسلام وتمكن من المدينة حتى لا يبقى أحد من المسلمين بين ظهراني قومه من المشركين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحائض تناول من المسجد
حدثنا مسدد بن مسرهد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم عن عائشة قالت: ( قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد فقلت: إني حائض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحائض لا تقضي الصلاة
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة: ( أن امرأة سألت عائشة: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء ).
حدثنا الحسن بن عمرو قال: أخبرنا سفيان يعني: ابن عبد الملك عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية عن عائشة بهذا الحديث.
قال أبو داود: وزاد فيه: ( فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إتيان الحائض
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ( يتصدق بدينار أو نصف دينار ). قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة، قال: ( دينار أو نصف دينار ) وربما لم يرفعه شعبة ].
للإمام أحمد رحمه الله قولان في هذا الحديث: قول يصححه ونقله عنه أبو داود رحمه الله، وقول يضعفه في ذلك فيقول في نفسه منه شيء، وضعف هذا الحديث الشافعي، وظاهر كلام البخاري رحمه الله أنه يعل هذا الحديث بالوقف، فيميل إلى تصحيحه موقوفاً وإعلاله مرفوعاً، وهذا هو الصواب أن الحديث الأرجح فيه الوقف وأن الرفع ضعيف.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد السلام بن مطهر قال: حدثنا جعفر يعني: ابن سليمان عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال: ( إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار ). قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم .
حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار ). قال أبو داود: وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمره أن يتصدق بخمسي دينار ) ].
واضطراب المقدار دليل على ضعف الحديث وذلك أنه لو كان ثمة نصاب معلوم لاتحدت الرواية عليه، وإنما هو يدل على الأصل العام أن الحسنات تذهب السيئات، فإذا جاء الإنسان بسيئة فيأتي بحسنة تمحها، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في مواضع عديدة، فإن الحسنة تمحو السيئة التي يأتيها الإنسان فيتصدق ويستغفر ويصلي فإن ذلك مما يمحوها، وعلامة قبول التوبة الإتيان بالحسنة بعد السيئة، ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) فإتباع السيئة الحسنات أمارة على قبول التوبات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به ).
حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً أن تتزر ثم يضاجعها زوجها ). وقال مرة: ( يباشرها ).
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن جابر بن صبح سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة تقول: ( كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني: ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه ).
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد الله يعني: ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني: ابن زياد عن عمارة بن غراب قال: ( إن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد؟ قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده -تعني: مسجد بيته- فلم ينصرف حتى غلبتني عيني، وأوجعه البرد فقال: ادني مني فقلت: إني حائض. فقال: وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ونام ) ].
وهذا الحديث إسناده مظلم مليء بالعلل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن عبد الجبار قال: حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة أنها قالت: ( كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر ) ].
وأبو اليمان لا يعرف.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقى على فرجها ثوباً ).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لتنظر الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل ) .
حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معناه، فقال: ( فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل ). بمعناه.
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا أنس يعني: ابن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار أن امرأة كانت تهراق الدماء فذكر معنى حديث الليث، قال: ( فإذا خلفتهن وحضرت الصلاة فلتغتسل ) وساق الحديث بمعناه.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث وبمعناه، قال: ( فلتترك الصلاة قدر ذلك ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب ثم تصلي ).
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة بهذه القصة قال فيه: ( تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستثفر بثوب وتصلي ). قال أبو داود: سمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش.
حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عراك عن عروة عن عائشة ( أنها قالت: إن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم فقالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دماً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي ) . قال أبو داود: ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها، ورواه علي بن عياش و يونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة .
حدثنا عيسى بن حماد قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير ( أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عرق فانظري إذا أتى قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ) .
حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن سهيل يعني: ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: ( حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أنها أمرت أسماء و أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل ) . قال أبو داود: ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب ( أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي ). قال أبو داود: وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة ( أن أم حبيبة كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ). قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه: ( تدع الصلاة أيام أقرائها ). وروت قمير عن عائشة: ( المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل ). وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها ). وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت ) فذكر مثله، وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي ). وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر أن سودة استحيضت ( فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت ). وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس ( المستحاضة تجلس أيام قرئها ). وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم و طلق بن حبيب عن ابن عباس، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي، وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة. قال أبو داود: وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم: ( أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ). قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة
حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: حدثنا زهير قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ( أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي ).
حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بإسناد زهير ومعناه، وقال: ( فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي )].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عقيل عن بهية قالت: ( سمعت امرأة تسأل عائشة عن امرأة فسد حيضها وأهريقت دماً فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها: فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها مستقيم فلتعتد بقدر ذلك من الأيام ثم لتدع الصلاة فيهن وبقدرهن ثم لتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم تصلي ).
حدثنا ابن أبي عقيل و محمد بن سلمة المصريان قالا: حدثنا ابن وهب ].
أبو عقيل هو يحيى بن المتوكل ولا يحتج به.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة ( أن أم حبيبة بنت جحش ختنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي ). قال أبو داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة و عمرة عن عائشة قالت: ( استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) . قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي، ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة: لم يذكروا هذا الكلام، قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قال أبو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: ( أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ). وهو وهم من ابن عيينة، وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه ].
أصعب أبواب العبادات هي أحكام الحيض، ولهذا الإمام أحمد عليه رحمة الله يقول: مكثت السبع وفي لفظ التسع سنين في الحيض حتى فهمتها؛ وذلك لمشقتها وعسرها. والأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب قليلة وهي نحو خمسة أو أربعة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن مرد هذا العلم إلى أحوال النساء فإنهن يختلفن فلكل واحدة عادة، وكذلك أيضاً النساء على أحوال في الحيض، إما أن تكون مميزة، وإما أن تكون معتادة، وإما أن تكون متحيرة يعني: مترددة، وتكون مبتدئة أو آيسة.
والمرأة حاملاً هل تحيض أو لا تحيض؟ للعلماء عليهم رحمة الله تعالى في ذلك أقوال، وكذلك في مدة الحيض ما هو أقله وما هو أكثره، وهل تحيض المرأة في الشهر أكثر من مرة؟ وإذا حاضت هل تحيض مرتين أو تحيض ثلاثاً؟ للناس تباين في هذا الأمر بحسب أحوال النساء.
ثم يليها من جهة العسر في هذا الباب أحكام الحج.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش: ( أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق ). قال أبو داود: وقال ابن المثنى: حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا به بعد حفظاً قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكر معناه. قال أبو داود: وروى أنس بن سيرين عن ابن عباس في المستحاضة قال: ( إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي ). وقال مكحول: ( إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة فلتغتسل ولتصل ). قال أبو داود: وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: ( إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة وإذا أدبرت اغتسلت وصلت ). وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب ( تجلس أيام أقرائها ). وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، قال أبو داود: وروى يونس عن الحسن: ( الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة ). وقال التيمي عن قتادة: ( إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل ). وقال التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها، وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك.
حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت: ( كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم. فقال: أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم، قالت: هو أكثر من ذلك. قال: فاتخذي ثوباً، فقالت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر وإن قويت عليهما فأنت أعلم قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما يحضن النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا أعجب الأمرين إلي ). قال أبو داود: رواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل فقال: قالت حمنة: ( هذا أعجب الأمرين إلي ). لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضياً وذكره عن يحيى بن معين ولكنه كان صدوقاً في الحديث ].
أبو داود نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: في نفسي شيء منه، يعني: من هذا الحديث، ونقل الترمذي عليه رحمة الله عن البخاري تصحيح الحديث، وكذلك عن الإمام أحمد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن أم حبيبة بنت جحش ختنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي. قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء ).
حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: ( فكانت تغتسل لكل صلاة ).
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة بهذا الحديث قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة قال أبو داود: رواه القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت جحش، وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة، وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة بمعناه، وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة، وقال ابن عيينة في حديثه ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل.
حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: حدثني أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة و عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ( أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة )، وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً قال فيه: قالت عائشة: كانت تغتسل لكل صلاة.
حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة ( أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة ) . وساق الحديث. قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة: (استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة ). وساق الحديث قال أبو داود: ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: ( توضئي لكل صلاة )، قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد.
حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: أخبرتني زينب بنت أبي سلمة: ( أن امرأة كانت تهراق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي ). وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هي عرق. أو قال: عروق ).. قال أبو داود: وفي حديث ابن عقيل الأمران جميعاً، وقال: ( إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإلا فاجمعي ). كما قال القاسم في حديثه، وقد روى هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي و ابن عباس رضي الله عنهما].
وبأسانيدكم إليه رحمه الله تعالى: [باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً.
حدثنا ابن معاذ قال: حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: ( استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلاً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً ).. فقلت لـعبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء.
حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال: حدثني محمد يعني: ا بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: ( أن سهلة بنت سهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصبح ). قال أبو داود: ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن امرأة استحيضت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بمعناه ].
وأرسله سفيان وهو الصواب، والمراد بالجمع هو الجمع الصوري. فالجمع على نوعين: جمع حقيقي تام، وجمع صوري، الجمع التام هو: أن يجمع الصلاتين في وقت إحداهما، وأما الجمع الصوري فهو: أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ويصليها فيكون أولها في وقتها وآخرها أو ينتهي على مشارف نهاية وقتها فيكبر في الثانية، وهذا يكون لمن يشق عليه الوضوء لكل صلاة فيصلي بوضوء أو غسل واحد، وكذلك المستحاضة الذي يشق عليها الوضوء لكل صلاة وكذلك المريض، وفي هذا دليل على أن من به سلس بول إذا توضأ لصلاة فريضة فإنه يصلي بوضوئها النافلة التي قبلها وبعدها تبعاً لها، وذلك أن الشارع جوز صلاة فريضتين بوضوء فالنافلة تابعة للفريضة من باب أولى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرنا خالد عن سهيل يعني: ابن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: ( يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت -منذ كذا وكذا- فلم تصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن هذا من الشيطان لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك ). قال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس: ( لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين ). قال أبو داود: رواه إبراهيم عن ابن عباس، وهو قول إبراهيم النخعي و عبد الله بن شداد ].
وهذا الحديث أيضاً من أوهام سهيل بن أبي صالح وقد خولف في ذلك، رواه الليث بن سعد وسفيان الثوري ومعمر بن راشد عن ابن شهاب الزهري عن عمرة أو عروة عن عائشة في قصة أم حبيبة وهذا هو الصواب.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
كتاب الطهارة [5] | 2709 استماع |
كتاب الطهارة [8] | 2689 استماع |
كتاب الترجل - كتاب الخاتم | 2318 استماع |
كتاب الصلاة [21] | 2312 استماع |
كتاب الأيمان والنذور [2] | 2305 استماع |
كتاب الطهارة [9] | 2297 استماع |
كتاب الطهارة [2] | 2222 استماع |
كتاب الطهارة [4] | 2166 استماع |
كتاب الصلاة [20] | 2130 استماع |
كتاب الصلاة [6] | 2119 استماع |