أبواب المناسك [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الخروج إلى منى.

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن عطاء عن ابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمنى يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا إلى عرفة ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: (أنه كان يصلي الصلوات الخمس بمنى، ثم يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب النزول بمنى.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أمه: ( عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بيتاً؟ قال: لا، منى مناخ من سبق ).

حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة عن عائشة قالت: ( قلنا: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بنياناً يظلك؟ قال: لا، منى مناخ من سبق ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب المنزل بعرفة.

حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن سعيد بن حسان عن ابن عمر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بعرفة في وادي نمرة، قال: فلما قتل الحجاج ابن الزبير، أرسل إلى ابن عمر: أي ساعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يروح في هذا اليوم؟ قال: إذا كان ذلك رحنا، فأرسل الحجاج رجلاً ينظر أي ساعة يرتحل، فلما أراد ابن عمر أن يرتحل قال: أزاغت الشمس؟ قالوا: لم تزغ بعد. فجلس، ثم قال: أزاغت الشمس؟ قالوا: لم تزغ بعد، فجلس، ثم قال: أزاغت الشمس؟ قالوا: لم تزغ بعد، فجلس، ثم قال: أزاغت الشمس؟ قالوا: نعم. فلما قالوا: قد زاغت ارتحل )، قال وكيع: يعني راح ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الموقف بعرفة.

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: ( وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال: هذا الموقف، وعرفة كلها موقف ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان ( عن يزيد بن شيبان قال: كنّا وقوفاً في مكان تباعده من الموقف، فأتانا ابن مربع فقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم، يقول: كونوا على مشاعركم، فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل عرفة موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، وكل المزدلفة موقف، وارفعوا عن بطن محسّر، وكل منى منحر إلا ما وراء العقبة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الدعاء بعرفة.

حدثنا أيوب بن محمد الهاشمي قال: حدثنا عبد القاهر بن السري السلمي قال: حدثنا عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس السلمي أن أباه أخبره عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب: إني قد غفرت لهم ما خلا الظالم، فإني آخذ للمظلوم منه، قال: أي رب! إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة، وغفرت للظالم، فلم يجب عشيته، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء، فأجيب إلى ما سأل، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: تبسم- فقال له أبو بكر وعمر: بأبي أنت وأمي! إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذي أضحكك أضحك الله سنك؟! قال: إن عدو الله إبليس، لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائي، وغفر لأمتي، أخذ التراب فجعل يحثوه على رأسه، ويدعو بالويل والثبور، فأضحكني ما رأيت من جزعه ).

حدثنا هارون بن سعيد المصري أبو جعفر قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يقول عن ابن المسيب قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من يوم أكثر أن يعتق الله عز وجل فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن بكير بن عطاء قال: ( سمعت عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله! كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه. أيام منى ثلاثة، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه، ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهن ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، فجاءه نفر من أهل نجد )، فذكر نحوه.

قال محمد بن يحيى: ما أرى للثوري حديثاً أشرف منه.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر يعني: الشعبي: ( عن عروة بن مضرس الطائي: أنه حج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يدرك الناس إلا وهم بجمع، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إني أنضيت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله إن تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شهد معنا الصلاة، وأفاض من عرفات، ليلاً أو نهاراً، فقد قضى تفثه، وتم حجه ) ].

واتفق العلماء على أن من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج، وهذا يجمع عليه الصحابة، كما حكاه ابن قدامة رحمه الله في المغني.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الدفع من عرفة.

حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه: ( عن أسامة بن زيد أنه سئل: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين دفع من عرفة؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص ). قال وكيع: والنص: يعني فوق العنق.

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ( قالت قريش: نحن قواطن البيت، لا نجاوز الحرم، فقال الله عز وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب النزول بين عرفات وجمع لمن كانت له حاجة.

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب ( عن أسامة بن زيد قال: أفضت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الشعب الذي ينزل عنده الأمراء، نزل فبال وتوضأ، قلت: الصلاة! قال: الصلاة أمامك، فلما انتهى إلى جمع أذن وأقام ثم صلى المغرب، ثم لم يحل أحد من الناس حتى قام فصلى العشاء ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الجمع بين الصلاتين بجمع.

حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد الخطمي: ( أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء في حجة الوداع بالمزدلفة ).

حدثنا محرز بن سلمة العدني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله عن سالم عن أبيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بالمزدلفة، فلما أنخنا قال: الصلاة بإقامة ) ].

ولا خلاف في أن صلاة المغرب والعشاء تكون في وقت العشاء لا في وقت المغرب، وأن الإنسان إذا وصل في وقت المغرب فإنه ينتظر حتى يأتي العشاء، وهذا الذي جرى عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وقد حكى اتفاق الصحابة عليهم رضوان الله جماعة من العلماء كـابن عبد البر رحمه الله في كتابه التمهيد وغيره.

وفي حال عدم وجود الإنسان في جماعة فإنه يصلي منفرداً لكنه أيضاً يجمع، سواء جمع عرفة أو جمع مزدلفة، جاء هذا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فاته الوقوف بعرفة مع الجماعة يقف ولو منفرداً ووقوفه حينئذ صحيح، وكذلك جمعه للصلاة مجزئ عنه، جاء ذلك عن عبد الله بن عمر وابن عباس وعائشة، ولا مخالف لهم.