أبواب المناسك [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب المناسك.

باب الخروج إلى الحج.

حدثنا هشام بن عمار وأبو مصعب الزهري وسويد بن سعيد، قالوا: قال: حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجل الرجوع إلى أهله ).

حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.

حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل أبو إسرائيل عن فضيل بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل- أو أحدهما عن الآخر- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضّالة، وتعرض الحاجة ) ].

وهذا فيه دليل على أن الحج على الفور، وهذا هو الأرجح، وهو قول جمهور العلماء.

قال المصنف رحمه الله: [ باب فرض الحج.

الملقي: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد قالا: حدثنا منصور بن وردان قال: حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن علي قال: ( لما نزلت وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، قالوا: يا رسول الله! الحج في كل عام؟ فسكت، ثم قالوا: أفي كل عام؟ فقال: لا، ولو قلت: نعم، لوجبت. فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] ).

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: ( قالوا: يا رسول الله! الحج في كل عام؟ قال: لو قلت: نعم، لوجبت، ولو وجبت لم تقوموا بها، ولو لم تقوموا بها عذبتم ).

حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس: ( أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الحج في كل سنة، أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل الحج والعمرة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر قال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

حدثنا أبو مصعب قال: حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن مسعر وسفيان عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه ) ].

والهجرة والحج هي أظهر عمل ثبت به الدليل عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يكفر سائر الذنوب حتى الكبائر إلا الشرك، وهي أقوى من غيرها.

وأما ما جاء عن بعض الطاعات وذلك من الجمعة إلى الجمعة، أو من رمضان إلى رمضان، أو الصلوات الخمس، جاءت ألفاظ عامة ليست بقوة هذين العملين.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحج على الرحل.

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عن أنس بن مالك، قال: ( حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تسوى أربعة دراهم، أو لا تسوى، ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ).

حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال: حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن أبي العالية عن ابن عباس قال: ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد، فقال: أي واد هذا؟ قالوا: وادي الأزرق، قال: كأني أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم- فذكر من طول شعره شيئاً، لا يحفظه داود- واضعاً إصبعيه في أذنيه، له جؤار إلى الله بالتلبية، مارًّا بهذا الوادي.

قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية، فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: ثنية هرشى أو لفت، قال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبة صوف، وخطام ناقته خلبة، مارًّا بهذا الوادي ملبياً ) ].

وقد يقال باستحباب وضع الأصبعين في الأذنين عند التلبية، أو عند رفع الصوت بالتلبية، لهذا الحديث.

قال المصنف رحمه الله: [ باب فضل دعاء الحاج.

حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا صالح بن عبد الله بن صالح مولى بني عامر قال: حدثني يعقوب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الحجاج والعمّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم ).

حدثنا محمد بن طريف قال: حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر: ( عن عمر أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن له، وقال له: يا أخي! أشركنا في شيء من دعائك، ولا تنسنا ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير: ( عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: وكانت تحته ابنة أبي الدرداء، فأتاها فوجد أم الدرداء ولم يجد أبا الدرداء فقالت له: تريد الحج العام؟ قال: نعم. قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن دعوة المرء مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك يؤمن على دعائه، كلما دعا له بخير قال: آمين، ولك بمثل.

قال: ثم خرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب المرأة تحج بغير ولي.

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسافر المرأة سفراً ثلاثة أيام فصاعداً، إلا مع أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها أو ذي محرم ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شبابة عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة يوم واحد، ليس لها ذو حرمة ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا شعيب بن إسحاق قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني عمرو بن دينار أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة، قال: فارجع معها ) ].

وهل تحج المرأة بلا محرم إذا لم تجد محرم لها؟ جاء عن بعض السلف القول بذلك، روي عن عائشة وعن عبد الله بن عمر، وقال به عطاء، وقال به الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقواها ابن تيمية، إذا لم تجد المرأة محرماً فتحج مع مجموعة من النساء والقيم عليهن ثقة, فيكون القيم على النساء محرمه معهن, وهي مع جماعة النساء، رخص بهذا بعض السلف رحمهم الله.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحج جهاد النساء.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة: ( عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن القاسم بن الفضل الحداني عن أبي جعفر عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الحج جهاد كل ضعيف ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحج عن الميت.

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير

عن ابن عباس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ قال: قريب لي، قال: هل حججت قط؟ قال: لا. قال: فاجعل هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة ).

حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحج عن أبي؟ قال: نعم، حج عن أبيك، فإن لم تزده خيراً لم تزده شراً ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عثمان بن عطاء عن أبيه: ( عن أبي الغوث بن حصين- رجل من الفرع- أنه استفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة كانت على أبيه، مات ولم يحج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك الصيام في النذر، يقضى عنه ) ].

حجة الإسلام إذا فرط فيها الإنسان وكان قادراً وقام عليه الوجوب ولم يؤدها لا تجزئ بحج غيره عنه، أما نافلة فنعم، يأتيه بذلك الأجر بإذن الله، وأما الحيّ القادر المستطيع الذي يصل إلى الحرم فظاهر فتيا السلف أنه لا يحج عنه لا نافلة ولا فريضة إذا كان قادراً.

وبعض العلماء يرى الحج حتى على المستطيع بالنيابة لتوسع الشارع فيها، قال بهذا بعض الفقهاء من الحنفية، وهو رواية عن الإمام أحمد.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحج عن الحي إذا لم يستطع.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي: ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظّعن ، قال: حج عن أبيك واعتمر ).

حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس: ( أن امرأة من خثعم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله! إن أبي شيخ قد أفند، وأدركته فريضة الله على عباده في الحج، ولا يستطيع أداءها، فهل يجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم ).

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: حدثنا محمد بن كريب عن أبيه: ( عن ابن عباس قال: أخبرني حصين بن عوف، قال: قلت: يا رسول الله! إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج إلا معترضاً، فصمت ساعة، ثم قال: حج عن أبيك ).

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سليمان بن يسار: ( عن ابن عباس عن أخيه الفضل: أنه كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر، فأتته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله! إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً، ولا يستطيع أن يركب، أفأحج عنه؟ قال: نعم، فإنه لو كان على أبيك دين قضيته ) ].