خطب ومحاضرات
أبواب الهبات وأبواب الصدقات
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الهبات.
باب الرجل ينحل ولده.
حدثنا أبو بشر بكر بن خلف قال: حدثنا يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن الشعبي: ( عن النعمان بن بشير قال: انطلق به أبوه يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشهد أني قد نحلت النعمان من مالي كذا وكذا قال: فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان؟ قال: لا، قال: فأشهد على هذا غيري. قال: أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟, قال: بلى. قال: فلا إذاً ) ].
والهبة هي غير النفقة, فله أن ينفق ولو زادت النفقة بين الابنين وذلك لحاجة هذا دون الآخر, فحاجة الكبير في النفقة تختلف عن الصغير, وحاجة الأنثى تختلف عن الذكر, من جهة الكثرة والقلة في القيمة، ولهذا إذا زاد أحدهما عن الآخر فهذا جائز في باب النفقة.
وأما في باب الهبة فلابد من التساوي, ولكن قيمة لا عيناً, فإذا أهدى للبنت ذهباً, فلا يهدي للابن ذهباً ملبوساً, وإنما بقيمته, وإذا أهدى للابن سيارة, فيهدي للبنت قيمتها, إما من الحلي أو شيء من هذا.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن و محمد بن النعمان بن بشير أخبراه: ( عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاماً، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهده، فقال: أكل ولدك نحلت؟ قال: لا. قال: فاردده ) ].
وفي هذا إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام أن سوء البر من الأبناء ينعكس على الآباء بسبب عدم عدلهم, ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ), يعني: أنهم يتغيرون ويتفاوتون في البر بسببك أنت, من جهة تفضيل واحد على آخر, سواء كان في أمر العطية أو في غيره، ولهذا كان السلف يعدلون بين أبنائهم.
ولهذا إبراهيم النخعي يقول كما روى المروزي في كتابه: البر والصلة، قال: كانوا يحبون أن يعدلوا بين أبنائهم حتى في القبل, يعني: يقبل هذا ثم يقبل الآخر.
وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز, وروي أيضاً في ذلك خبر مرفوع عن النبي عليه الصلاة والسلام, وفيه لين: ( أن رجلاً جاء فأجلس أحد أولاده على فخذه, فجاء الآخر فأجلسه على الأرض, قال النبي عليه الصلاة والسلام: أجلس هذا أو ضع هذا ), يعني: أجلسهما جميعاً على فخذيك, أو ضعهما جميعاً, وهذا من أمر العدل.
وقد جاء عن بعض السلف كما جاء عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا بات عند أحد أولاده يحمل فراشه كل ليلة عند أحد أبنائه, يبيت عند هذا ثم هذا ثم هذا, حتى يستوفيهم عدلاً، ولهذا جانب العدل دقيق جداً, وربما لا ينظر الإنسان إلى الهبة بمنظار الأولاد, فينظر إليها بمنظاره, والأولاد ربما يعطى قبلة هي من أبيه أعظم عنده من المال, ويجد في قلبه من تفويتها وتفضيل أخيه عليه, أعظم من تفويت المال بالنسبة للكبير.
ولهذا نقول: إنه ينبغي أن ينظر إلى جانب الهدية والهبة إلى المهدى إليه, وأثرها عليه, من جهة نفسه, وهذا في كل الناس وليس في الأبناء فقط, حتى في سائر الناس, إذا كان الرجل رفيعاً لا تهد إليه شيئاً تافهاً, فإنه ربما يحمل في هذا شيء من الإزراء, وأما بالنسبة للمهدى إليه فينبغي بل يجب عليه أن يقبل أي هدية تصل إليه, ولو كانت ضعيفة, أو رخيصة، أو غير ذلك, ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو أهدي إلي كراعاً لقبلت, ولو دعيت إلى كراع لأجبت ), يعني: أن الإنسان يقبل الهدية ممن جاءته ولو كان رفيعاً.
لكن نقول: إن النظرة للهدية من جهتين, نظرة المهدي أن ينظر إلى من أهدى إليه, وبالنسبة للمهدى إليه أن يقبل ما جاءه, ولا يقوم ببخس الناس شيئاً لحظ نفسه, فإن هذا يخرج غالباً من المتكبرين.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من أعطى ولده ثم رجع فيه.
حدثنا محمد بن بشار و أبو بكر بن خلاد الباهلي قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس و ابن عمر يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده ).
حدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب العمرى ].
الشيخ: والوقف هو من أعظم الأعمال عند الله عز وجل، ولهذا الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كانوا يوقفون ولو الشيء اليسير, كما جاء في حديث جابر قال: ( ما كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يوقف إلا وقف ), يعني: أنهم يوقفون ولو الشيء اليسير, منهم من يوقف القدر والدلو والحبل للبئر, وذلك لأنه لا يجد إلا إياه.
فينبغي الوقف لأنه أدوم وأبقى, والوقف عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.
والوقف على نوعين:
وقف ثابت، ووقف منقول, والوقف الثابت أفضل من غيره, إلا إذا تعدى المنقول نفعاً, وذلك كالفرس في سبيل الله, فإنها أكثر نفعاً إذا وقف شيئاً ثابتاً على دون ذلك فضلاً.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا عمرى، فمن أعمر شيئاً فهو له ).
حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أعمر رجلاً عمرى له ولعقبه، فقد قطع قوله حقه فيها، فهي لمن أعمر ولعقبه ) ].
والعمرى بذلك هو أن الإنسان يوقفها لكن بقيد ما بقي الإنسان, هذه لك ما دمت حيًّا, ثم ترجع إلي, ولهذا من أعمر شيئاً فهي لمن أعمرها له, لا يوجد إلى الوفاة, وإنما له ثم تورث بعد ذلك.
قال: [ حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمرى للوارث ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرقبى.
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا رقبى، فمن أرقب شيئاً، فهو له، حياته ومماته. قال: والرقبى أن يقول: هو للآخر مني ومنك موتاً ) ].
وذلك أن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه, فيقال: هي للآخر موتاً هو الذي يملكها, يعني: إذا مات هذا الشخص قبل فتتحول إلى الباقي بعد ذلك, ونقول ببطلان ذلك, بل إذا جعلها الإنسان لأحد حياته، فهي له حياته وموته.
قال: [ حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا هشيم (ح)
وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قالا: حدثنا داود عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرجوع في الهبة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن عوف عن خلاس عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن مثل الذي يعود في عطيته، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه فأكله ).
حدثنا محمد بن بشار و محمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالعائد في قيئه ).
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يوسف العرعري قال: حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: حدثنا العمري عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ) ].
والهبة لا تجوز إلا مقبوضة, يعني: أنها لا تمضي إلا وقد قبضها صاحبها, لكن لو قال له: أهديتك كذا ولم يقبضه, نقول: هذا يحمل على أنه وعد ولو أطلقه, حتى يقبضها الإنسان أو يخلي بينه وبينها.
لهذا نقول: إن الهبة نافذة إذا قبضها من أهديت له, وقبل ذلك فيستحب للإنسان ولا يجب عليه إبقاؤها.
قال المصنف رحمه الله: [ باب من وهب هبة رجاء ثوابها.
حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن جارية الأنصاري عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب عطية المرأة بغير إذن زوجها.
حدثنا أبو يوسف الرقي محمد بن أحمد الصيدلاني قال: حدثنا محمد بن سلمة عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة خطبها: ( لا يجوز لامرأة في مالها إلا بإذن زوجها، إذا هو ملك عصمتها ).
حدثنا حرملة بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني الليث بن سعد عن عبد الله بن يحيى رجل من ولد كعب بن مالك عن أبيه عن جده: ( أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها، فقالت: إني تصدقت بهذا. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجوز للمرأة في مالها إلا بإذن زوجها، فهل استأذنت كعباً؟ قالت: نعم. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك فقال: هل أذنت لـخيرة أن تتصدق بحليها؟ فقال: نعم. فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الصدقات.
باب الرجوع في الصدقة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تعد في صدقتك ).
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي قال: حدثني سعيد بن المسيب قال: حدثني عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مثل الذي يتصدق ثم يرجع في صدقته، مثل الكلب يقيء ثم يرجع فيأكل قيئه ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من تصدق بصدقة فوجدها تباع هل يشتريها.
حدثنا تميم بن المنتصر الواسطي قال: حدثنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن هشام بن عروة عن عمر بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر: ( أنه تصدق بفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبصر صاحبها يبيعها بكسر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك، فقال: لا تبتع صدقتك ).
حدثنا يحيى بن حكيم قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن عامر عن الزبير بن العوام: ( أنه حمل على فرس يقال له: غمر أو غمرة، فرأى مهراً أو مهرة من أفلائها يباع، ينسب إلى فرسه، فنهي عنها ) ].
قال المصنف رحمه الله: [ باب من تصدق بصدقة ثم ورثها.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: ( جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت. فقال: آجرك الله، ورد عليك الميراث ).
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت أمي حديقة لي، وإنها ماتت، ولم تترك وارثاً غيري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت صدقتك، ورجعت إليك حديقتك ) ].
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أبواب الأذان والسنة فيها | 2550 استماع |
أبواب التجارات [1] | 2408 استماع |
أبواب الوصايا | 2393 استماع |
أبواب الطهارة وسننها [3] | 2382 استماع |
أبواب الأحكام | 2344 استماع |
أبواب الجنائز [2] | 2271 استماع |
أبواب الحدود | 2230 استماع |
أبواب الزكاة | 2225 استماع |
أبواب المساجد والجماعات | 2217 استماع |
أبواب الرهون | 2171 استماع |