أبواب الطلاق


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الطلاق.

باب

حدثنا سويد بن سعيد وعبد الله بن عامر بن زرارة ومسروق بن المرزبان، قالوا: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح بن حي عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ).

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما بال أقوام يلعبون بحدود الله، يقول: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك ) ].

وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الطلاق وعدد الطلاق والخلع والرجعة فيما بينها والبينونة، قال: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:230]، يعني: أنه ليس لأحد أن يعتدي في مثل هذا باللعب والعبث، أو أن يأتي بشيء لم يأت به الله سبحانه وتعالى.

ولهذا للحاكم أن يعزر من يعبث بالطلاق؛ لأن الطلاق وإن جعل الله عز وجل عصمته وأمره بيد الزوج إلا أن الله عز وجل جعل ذلك بما شرع الله لا بما يريد الإنسان، فيضعه الإنسان بما أمره الله عز وجل أن يضعه فيه.

قال: [ حدثنا كثير بن عبيد الحمصي قال: حدثنا محمد بن خالد عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب طلاق السنة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، قال: ( طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها قبل أن يجامعها، وإن شاء أمسكها، فإنها العدة التي أمر الله ) ].

وبهذا نعلم أن ثمة طلاقاً سنياً وطلاقاً بدعياً، بظاهر النص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في وقوع الطلاق البدعي، والطلاق البدعي على صور:

الصورة الأولى: طلاق المرأة ثلاثاً بلفظ واحد.

الصورة الثانية: طلاق المرأة في عدة طلقتها.

الصورة الثالثة: طلاق المرأة وهي حائض.

وكذلك مما يدخل في الطلاق البدعي طلاق المرأة بثنتين أو أكثر من ثلاث، وكذلك مسألة الإضرار أو طلاق الرجل المرأة في طهر جامعها فيه، هو داخل كذلك الطلاق البدعي.

ويختلف العلماء في نزول الطلاق البدعي، والسنة في الطلاق أن ينزل الرجل طلاق زوجته في طهر لم يجامعها فيه؛ لأنه يرجع الإنسان إلى عقله ورشده بعيداً عن عاطفته، فتحيض المرأة ثم تطهر، ثم لا يجامعها، ثم بعد ذلك يطلقها، ثم بعد ذلك يطلقها، يعني: أن النفس بينهما قد طابت من الصلة والبقاء، ولهذا نقول: إن العلماء اختلفوا في وقوع الطلاق البدعي على ثلاثة أقوال، ونقول: الطلاق البدعي على درجات، أغلظه هو الطلاق الثلاث والطلاق في الحيض، والأظهر أنه في الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، والطلاق كذلك في الحيض لا يقع على الأرجح، وهو قول طاوس، ومروي عن عبد الله بن عباس، وقضى به غير واحد كما رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عباس.

قال: [ حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله، قال: طلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع ].

لا خلاف بين العلماء أن هذا هو الطلاق السني، طلاق السنة: أن يطلقها طاهراً من غير جماع.

قال: [ حدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله، قال في طلاق السنة: يطلقها عند كل طهر تطليقة، فإذا طهرت الثالثة طلقها، وعليها بعد ذلك حيضة.

حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا هشام عن محمد عن يونس بن جبير أبي غلاب، قال: ( سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: تعرف عبد الله بن عمر، طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يراجعها. قلت: أيعتد بتلك؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق؟! ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحامل كيف تطلق.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر: ( أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم يطلقها وهي طاهر أو حامل ) ].

كذلك طلاق المرأة في النفاس هو من الطلاق البدعي.

قال المصنف رحمه الله: [ باب من طلق ثلاثاً في مجلس واحد.

حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن إسحاق بن أبي فروة عن أبي الزناد عن عامر الشعبي، قال: ( قلت لـفاطمة بنت قيس: حدثيني عن طلاقك، قالت: طلقني زوجي ثلاثاً وهو خارج إلى اليمن، فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الرجعة.

حدثنا بشر بن هلال الصواف قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله بن الشخير: أن عمران بن الحصين سئل عن رجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال عمران: طلقت بغير سنة، وراجعت بغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ].

ويزيد الرشك هو من الثقات، سمي (رشك) قيل: لعظم لحيته، وقد ذكر بعض المترجمين أنه كان في لحيته عقرب ولم يعلم بها.

قال المصنف رحمه الله: [ باب المطلقة الحامل إذا وضعت ذا بطنها بانت.

حدثنا محمد بن عمر بن هياج قال: حدثنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير بن العوام: ( أنه كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة، فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت، فقال: ما لها خدعتني خدعها الله! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حلت للأزواج.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل، قال: ( وضعت سبيعة الأسلمية بنت الحارث حملها بعد وفاة زوجها ببضع وعشرين ليلة، فلما تعلت من نفاسها تشوفت، فعيب ذلك عليها، وذكر أمرها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن تفعل فقد مضى أجلها ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق وعمرو بن عتبة: ( أنهما كتبا إلى سبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها، فكتبت إليهما: إنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمسة وعشرين، فتهيأت تطلب الخير، فمر بها أبو السنابل بن بعكك فقال: قد أسرعت، اعتدي آخر الأجلين أربعة أشهر وعشراً، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وفيم ذاك؟ فأخبرته، فقال: إن وجدت زوجاً صالحاً، فتزوجي ).

حدثنا نصر بن علي ومحمد بن بشار قالا: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سبيعة أن تنكح إذا تعلت من نفاسها ).

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله بن مسعود، قال: والله لمن شاء لاعنّاه، لأنزلت سورة النساء القصرى بعد أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن زينب بنت كعب بن عجرة- وكانت تحت أبي سعيد الخدري- أن أخته الفريعة بنت مالك، قالت: ( خرج زوجي في طلب أعلاج له، فأدركهم بطرف القدوم، فقتلوه، فجاء نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار، شاسعة عن دار أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إنه جاء نعي زوجي وأنا في دار شاسعة عن دار أهلي ودار إخوتي، ولم يدع مالاً ينفق علي، ولا مالاً ورثته، ولا داراً يملكها، فإن رأيت أن تأذن لي فألحق بدار أهلي ودار إخوتي، فإنه أحب إلي، وأجمع لي في بعض أمري. قال: فافعلي إن شئت، قالت: فخرجت قريرة عيني لما قضى الله لي على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنت في المسجد، أو في بعض الحجرة دعاني فقال: كيف زعمت؟ قالت: فقصصت عليه، فقال: امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً ) ].

واختلف العلماء في بقاء المرأة إذا توفي عنها زوجها في بيتها الذي توفي عنها وهي فيه، هل بقاؤها في ذلك من الأمور الواجبة أو المستحبة، وهل خروجها في ذلك جائز؟

نقول: تخرج للحاجة ولا بأس بهذا، واختلف العلماء في مقدار الحاجة، واتفقوا على أن الحاجة التي لا تقضى إلا بها فهذا يجوز للمرأة أن تفعله، وذلك كخروج المرأة مثلاً لطبيب، أو تشتري قميصاً لا يعرف مقاسه إلا هي، أو نحو ذلك، فإن هذا من الأمور المباحة.

وأما خروجها للعمرة والحج ونحو ذلك، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها ترخيصها في ذلك، كما جاء عند ابن أبي شيبة وغيره، وكذلك رواه البيهقي، وقال به الحسن وعطاء وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم، والأئمة الأربعة على منعها من الخروج.

قال المصنف رحمه الله: [ باب هل تخرج المرأة في عدتها.

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ( دخلت على مروان فقلت له: امرأة من أهلك طلقت، فمررت عليها وهي تنتقل، فقالت: أمرتنا فاطمة بنت قيس، وأخبرتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتقل. فقال مروان: هي أمرتهم بذلك. قال عروة: فقلت: أما والله لقد عابت ذلك عائشة، وقالت: إن فاطمة كانت في مسكن وحش، فخيف عليها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ( قالت فاطمة بنت قيس: يا رسول الله! إني أخاف أن يقتحم علي. فأمرها أن تتحول ).

حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا روح (ح)

وحدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا حجاج بن محمد جميعاً عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: ( طلقت خالتي، فأرادت أن تجدّ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج إليه، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلى، فجدّي نخلك، فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب المطلقة ثلاثاً هل لها سكنى ونفقة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير العدوي قال: ( سمعت فاطمة بنت قيس تقول: إن زوجها طلقها ثلاثاً، فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة ) ].

والمراد بالطلاق الثلاث الطلاق بعد فترات، يعني بانت منه، وليس المراد بذلك أنه طلقها ثلاثاً بقوله: أنت طالق ثلاثاً، أو طالق، طالق، طالق، أو طالق ألف أو نحو ذلك، وإنما المراد بذلك أنه طلقها على السنة ثم بانت منه.

وطلاق بلفظ واحد ثلاثاً حكى بعض العلماء تحريمه، ونص ابن تيمية رحمه الله أنه محرم، ولا يختلف الصحابة في هذا، وبعضهم نص على كراهته.

قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي، قال: قالت فاطمة بنت قيس: ( طلقني زوجي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا سكنى لك ولا نفقة ) ].




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أبواب الأذان والسنة فيها 2548 استماع
أبواب التجارات [1] 2405 استماع
أبواب الوصايا 2390 استماع
أبواب الطهارة وسننها [3] 2378 استماع
أبواب الأحكام 2341 استماع
أبواب الجنائز [2] 2264 استماع
أبواب الحدود 2227 استماع
أبواب الزكاة 2220 استماع
أبواب المساجد والجماعات 2215 استماع
أبواب الرهون 2169 استماع