خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56812"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
هلال خير ورشد [1]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها الإخوة المسلمون! فإن هذا الحديث الذي نتكلم به في هذه الليلة هو حديث عن موسم جليل القدر عالي المنزلة، قد جعله الله جل وعلا ركناً من أركان الإسلام، كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) ، هو ما يتعلق بشهر رمضان، وهو الشهر المبارك الذي جعله الله سبحانه وتعالى شهر خير ورحمة وغفران، ولهذا كان هذا الشهر على التحقيق هو أفضل الأشهر على الإطلاق، وفيه من الليالي ما هي خير ليالي السنة على الإطلاق، وهذا فضل خصه الله جل وعلا في هذا الشهر المبارك ليس لغيره من سائر الأشهر.
شهر رمضان قد خصه الله جل وعلا بإنزال القرآن فيه، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، وأنزل الله جل وعلا فيه القرآن في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى ومنة لهذه الأمة المباركة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ( هلال خير ورشد ) ، وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله جل وعلا عند رؤية الهلال بأذكار متنوعة، منها ما رواه أبو داود من حديث أبان عن قتادة : ( أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، ثم قال عليه الصلاة والسلام: آمنت بالذي خلقك، ثلاثاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي أذهب شهر كذا وأتى بشهر كذا )، وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأذكار عند رؤية الهلال، منها: ( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله ).
وهذا قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه وكذلك بمعناه وبألفاظ أخرى من حديث عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء مرسلاً من حديث قتادة كما عند أبي داود وغيره، وجاء من حديث أنس بن مالك ومن حديث عبد الله بن عمر و طلحة بن عبيد الله , وكذلك جزي و عبادة بن الصامت و عمران بن حصين و عائشة عليها رضوان الله تعالى و عمر و ابن عمر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه عند التحقيق لا يثبت في الذكر عند رؤية الهلال خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على ذلك أبو داود كما في كتابه السنن، قال: ليس فيه حديث مسند، يعني: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك العقيلي في كتابه الضعفاء، وكذلك أبو بكر الأثرم وغيرهم من الأئمة.
وأما بخصوص شهر رمضان فإنه أيضاً على خصوصه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأنه شيئاً معيناً.
توطين النفس والتهيؤ للطاعة عند قدوم شهر رمضان
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل هذا الشهر المبارك بالاستنفار للعبادة, والتهيؤ بالطاعة, وتوطين النفس على ذلك، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من صيام شعبان توطيناً للنفس وتهيئةً لها لاستقبال هذا الشهر المبارك.
وذلك أنه من نظر إلى كثير من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد أنه يجعل للأركان من مقدماتها ما هو مستحب يسبقها به، وذلك توطيناً للنفس وحمايةً لجنابها من التفريط، وكذلك أطراً للنفوس على الإتيان بها كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجد أن الصلاة سبقها نوافل وتطوعات، منها ما هو من جملة النوافل المطلقة ومنها ما هو من جملة النوافل المقيدة، كذلك الصيام فإنه كان على التدريج في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان النبي عليه الصلاة والسلام في ابتداء الأمر يصوم ثلاثة أيام من كل شهر كما جاء عند الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم فرض الله جل وعلا عليه صيام يوم عاشوراء، ثم شرع الله جل وعلا له من غير إيجاب صيام رمضان، فكان من أراد أن يصومه فليصمه، ومن لم يرد فإنه يطعم - يعني: على الخيار - ثم فرض الله جل وعلا صيام شهر رمضان، وجعل صيام يوم عاشوراء على التنفل والاستحباب ولا يجب على الإنسان ) ، واستقر الأمر على هذا، وبقي سائر الصيام تنفلاً وطاعة يتقلب الإنسان في السنة بين عبادة وأخرى.
وهذا كذلك أيضاً في مسألة الحج، نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع العمرة وهي من جنس الحج، طواف وسعي يتقرب به الإنسان لله جل وعلا، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجه مرات، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً قبل حجه، قيل: حجةً, وقيل: حجتين, وقيل: ثلاثاً, وقيل: أكثر، والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج كما جاء في الصحيح وغيره من حديث السائب عليه رضوان الله تعالى، وجاء أيضاً من حديث جبير بن مطعم عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قبل هجرته إلى المدينة ).
والمراد من ذلك: أن أركان الإسلام لها عناية في الشريعة، فتوطن النفوس لها بالتهيئة لها بجملة من الأعمال السابقة، حتى يأتي الإنسان على هذا الركن وقد حماه من جهة المتابعة الدقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتبدع بشيء من الأقوال والأفعال ويتقبل حينئذ عمله على وجه التمام، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله جل وعلا قد جعل جملةً من شرائع الصيام قبل رمضان، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من صيام شعبان توطيناً للنفس وتهيئةً لصيام رمضان.
كذلك أيضاً فيما يتعلق بمسألة الصلوات الخمس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن والمسند قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ) ، وهذا منه عليه الصلاة والسلام لكي يتوطن الإنسان على ذلك، وذلك أن الصلاة إذا جاءت بعد بلوغ الرجل أشده صعب عليه أن يأتي بها لأن ذلك ثقيل، ولا يوفق على ذلك إلا الخلص والندرة، ولهذا جاء جملة من أهل الوفود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترطوا جملةً من الشروط للدخول في الإسلام، منها: التقلل في الصلاة لصعوبة ذلك على النفس المتعلقة بالدنيا ومتعها.
استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لرمضان واجتهاده فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس بالخير، وكان أشد ما يكون في رمضان حينما يأتيه جبريل كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، إن حقيقة العالم بالله جل وعلا المتقي له الذي يبلغ عند الله جل وعلا مراتب علية، الذي يعرف مراتب الخير، فيأتي الأفضل عند الله جل وعلا أجراً، ولو كان بعمل أو جهدٍ يسير، ويتقي الشرور بحسب مراتبها من جهة الدركات فيتقي الأعظم عند تزاحم الشرور، ولهذا يقال: ليس العالم هو الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العالم هو الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، فإنه يميز بين مراتب الخير فيتقي أدنى الشرور, ويأتي أعلى مراتب الخير، فيوفق حينئذ لله جل وعلا بعمل يسير؛ ولكن ثوابه عند الله جل وعلا عظيماً.
ومما ينبغي أن يعلم قبل الولوج بجملة من أحكام الصيام، وكذلك ما يندب للمرء فيه: أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع وهو الهادي ولا قدوة غيره عليه الصلاة والسلام، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون سالكاً لنهجه عليه الصلاة والسلام متبعاً لسبيله مقتدياً أثره عليه الصلاة والسلام، بمعرفة الدليل من كلامه وكلام ربه سبحانه وتعالى على أحكام الصيام من جهة الأصول العامة الظاهرة، وكذلك ما اقترن بالصيام من جملة أنواع الطاعات، مما خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك من جملة من العبادات التي هي مستقلة من جهة الأصل، لكن قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر المبارك كمسألة الاعتكاف ومسألة العمرة ومسألة قيام الليل جماعة، وغير ذلك من الأحكام التي ينبغي للمرء أن يكون على بصيرة وبينة منها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتبصر بالدليل من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل رمضان بعناية بالغة، والإكثار من التعبد بأنواعه، وكان ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اختيار جملة من أنواع التعبدات التي هي من جهة الأصل منزلتها معلومة، ويعلم منزلة الفرائض والشرائع بمنزلة المفروض منها، ولهذا ينبغي أن يعلم أن أعمال الخير تعلم مراتبها من جهة تأكيد الشارع على جنسها من جهة الوجوب أو الاستحباب، ولهذا الصلاة علم منزلتها من جهة أن الله جل وعلا قد جعل جنسها ركناً من أركان الإسلام، وجعله هو الركن الثاني بعد الشهادتين، فعلم أن النوافل المطلقة هي أعظم عند الله جل وعلا وأحب من النوافل المطلقة للصيام، كذلك يأتي بعد ذلك مرتبةً على حسب التدريج بقية أركان الإسلام من زكاة وصيام وحج على حسب منزلتها من جهة الفرض، وما لم يكن له فرض من جنسه فإنه دون ذلك مرتبةً، وعلى هذا يقاس.
وما كان مفروضاً لا على سبيل الاستقلال ولكن قد فرض داخل عبادة، فإنه لا يكون في تلك المنزلة بحسب منزلة الذي قد دخل فيه، كجملة الأذكار الواجبة في الصلوات، ولكنها لا تجب على سبيل الاستقلال، فهي حينئذ تكون إن استقلت دون ذلك مرتبةً، ولها من جهة اشتراكها بواجب من الواجبات مزية قد اختصت عن غيرها مما لم يوجبه الله جل وعلا على ضرب من ضروب الوجوب، سواءً كان ذلك على سبيل الاستقلال أو كان على سبيل التبع، كبعض التشريعات التي توجب في الصلاة والصيام، وكذلك الحج والعمرة وغير ذلك على من قال بوجوب العمرة من العلماء، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة كـعبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل هذا الشهر المبارك بالاستنفار للعبادة, والتهيؤ بالطاعة, وتوطين النفس على ذلك، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من صيام شعبان توطيناً للنفس وتهيئةً لها لاستقبال هذا الشهر المبارك.
وذلك أنه من نظر إلى كثير من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد أنه يجعل للأركان من مقدماتها ما هو مستحب يسبقها به، وذلك توطيناً للنفس وحمايةً لجنابها من التفريط، وكذلك أطراً للنفوس على الإتيان بها كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجد أن الصلاة سبقها نوافل وتطوعات، منها ما هو من جملة النوافل المطلقة ومنها ما هو من جملة النوافل المقيدة، كذلك الصيام فإنه كان على التدريج في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان النبي عليه الصلاة والسلام في ابتداء الأمر يصوم ثلاثة أيام من كل شهر كما جاء عند الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم فرض الله جل وعلا عليه صيام يوم عاشوراء، ثم شرع الله جل وعلا له من غير إيجاب صيام رمضان، فكان من أراد أن يصومه فليصمه، ومن لم يرد فإنه يطعم - يعني: على الخيار - ثم فرض الله جل وعلا صيام شهر رمضان، وجعل صيام يوم عاشوراء على التنفل والاستحباب ولا يجب على الإنسان ) ، واستقر الأمر على هذا، وبقي سائر الصيام تنفلاً وطاعة يتقلب الإنسان في السنة بين عبادة وأخرى.
وهذا كذلك أيضاً في مسألة الحج، نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع العمرة وهي من جنس الحج، طواف وسعي يتقرب به الإنسان لله جل وعلا، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل حجه مرات، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً قبل حجه، قيل: حجةً, وقيل: حجتين, وقيل: ثلاثاً, وقيل: أكثر، والثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حج كما جاء في الصحيح وغيره من حديث السائب عليه رضوان الله تعالى، وجاء أيضاً من حديث جبير بن مطعم عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج قبل هجرته إلى المدينة ).
والمراد من ذلك: أن أركان الإسلام لها عناية في الشريعة، فتوطن النفوس لها بالتهيئة لها بجملة من الأعمال السابقة، حتى يأتي الإنسان على هذا الركن وقد حماه من جهة المتابعة الدقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتبدع بشيء من الأقوال والأفعال ويتقبل حينئذ عمله على وجه التمام، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الله جل وعلا قد جعل جملةً من شرائع الصيام قبل رمضان، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من صيام شعبان توطيناً للنفس وتهيئةً لصيام رمضان.
كذلك أيضاً فيما يتعلق بمسألة الصلوات الخمس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن والمسند قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ) ، وهذا منه عليه الصلاة والسلام لكي يتوطن الإنسان على ذلك، وذلك أن الصلاة إذا جاءت بعد بلوغ الرجل أشده صعب عليه أن يأتي بها لأن ذلك ثقيل، ولا يوفق على ذلك إلا الخلص والندرة، ولهذا جاء جملة من أهل الوفود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترطوا جملةً من الشروط للدخول في الإسلام، منها: التقلل في الصلاة لصعوبة ذلك على النفس المتعلقة بالدنيا ومتعها.
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس بالخير، وكان أشد ما يكون في رمضان حينما يأتيه جبريل كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، إن حقيقة العالم بالله جل وعلا المتقي له الذي يبلغ عند الله جل وعلا مراتب علية، الذي يعرف مراتب الخير، فيأتي الأفضل عند الله جل وعلا أجراً، ولو كان بعمل أو جهدٍ يسير، ويتقي الشرور بحسب مراتبها من جهة الدركات فيتقي الأعظم عند تزاحم الشرور، ولهذا يقال: ليس العالم هو الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العالم هو الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، فإنه يميز بين مراتب الخير فيتقي أدنى الشرور, ويأتي أعلى مراتب الخير، فيوفق حينئذ لله جل وعلا بعمل يسير؛ ولكن ثوابه عند الله جل وعلا عظيماً.
ومما ينبغي أن يعلم قبل الولوج بجملة من أحكام الصيام، وكذلك ما يندب للمرء فيه: أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع وهو الهادي ولا قدوة غيره عليه الصلاة والسلام، لهذا ينبغي للإنسان أن يكون سالكاً لنهجه عليه الصلاة والسلام متبعاً لسبيله مقتدياً أثره عليه الصلاة والسلام، بمعرفة الدليل من كلامه وكلام ربه سبحانه وتعالى على أحكام الصيام من جهة الأصول العامة الظاهرة، وكذلك ما اقترن بالصيام من جملة أنواع الطاعات، مما خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك من جملة من العبادات التي هي مستقلة من جهة الأصل، لكن قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشهر المبارك كمسألة الاعتكاف ومسألة العمرة ومسألة قيام الليل جماعة، وغير ذلك من الأحكام التي ينبغي للمرء أن يكون على بصيرة وبينة منها، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتبصر بالدليل من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل رمضان بعناية بالغة، والإكثار من التعبد بأنواعه، وكان ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اختيار جملة من أنواع التعبدات التي هي من جهة الأصل منزلتها معلومة، ويعلم منزلة الفرائض والشرائع بمنزلة المفروض منها، ولهذا ينبغي أن يعلم أن أعمال الخير تعلم مراتبها من جهة تأكيد الشارع على جنسها من جهة الوجوب أو الاستحباب، ولهذا الصلاة علم منزلتها من جهة أن الله جل وعلا قد جعل جنسها ركناً من أركان الإسلام، وجعله هو الركن الثاني بعد الشهادتين، فعلم أن النوافل المطلقة هي أعظم عند الله جل وعلا وأحب من النوافل المطلقة للصيام، كذلك يأتي بعد ذلك مرتبةً على حسب التدريج بقية أركان الإسلام من زكاة وصيام وحج على حسب منزلتها من جهة الفرض، وما لم يكن له فرض من جنسه فإنه دون ذلك مرتبةً، وعلى هذا يقاس.
وما كان مفروضاً لا على سبيل الاستقلال ولكن قد فرض داخل عبادة، فإنه لا يكون في تلك المنزلة بحسب منزلة الذي قد دخل فيه، كجملة الأذكار الواجبة في الصلوات، ولكنها لا تجب على سبيل الاستقلال، فهي حينئذ تكون إن استقلت دون ذلك مرتبةً، ولها من جهة اشتراكها بواجب من الواجبات مزية قد اختصت عن غيرها مما لم يوجبه الله جل وعلا على ضرب من ضروب الوجوب، سواءً كان ذلك على سبيل الاستقلال أو كان على سبيل التبع، كبعض التشريعات التي توجب في الصلاة والصيام، وكذلك الحج والعمرة وغير ذلك على من قال بوجوب العمرة من العلماء، وهذا مروي عن جماعة من الصحابة كـعبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.