عظمة الله جلَّ جلاله


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالله سبحانه وتعالى قد أرشد الناس إلى الحق ودلهم عليه، وفطرهم أيضاً على الهدى، وعرف الله سبحانه وتعالى بنفسه لعباده وذلك بتعريفهم بآياته، وما خلق الله سبحانه وتعالى في عقل الإنسان وحواسه من تأمل وتدبر في آيات الله في الكون.

والله سبحانه وتعالى قد جعل الآيات وجعل المخلوقات كلها تدل على عظمته سبحانه وتعالى، والناس إنما يضلون إذا جهلوا مقدار الله سبحانه وتعالى وعظمته، وإذا ضعف تعظيم الله عز وجل في قلب الإنسان ضعفت العبودية، وإذا عظم الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان فإن العبودية حينئذ تعظم.

أعظم البلاء في البشرية هو الجهل بالله، وأعظم التوفيق والهداية هو العلم بالله، فبمقدار ما في قلبك من تعظيم الله تترجمه إلى أقوال وأفعال، وبقدر من تعظم تكون العبودية منك له، ولو عظمت شيئاً حقيراً؛ ولهذا هناك من يعبد الفأر؛ لأنه عظمه، ومن يعبد البقر؛ لأنه عظمها، ومن يعبد الكواكب؛ لأنه عظمها وتوهمها أنها عظيمة.

الصراع في الأرض هو صراع عظمة حقيقية مع عظمة وهمية، العظمة الحقيقية هي عظمة الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه لعباده ببيان أسمائه وصفاته، ويعرف الله سبحانه وتعالى أيضاً نفسه لعباده بالدلالة على مخلوقاته الشاهدة على عظمته؛ ولهذا الله عز وجل يأمر عبادة كثيراً بالتفكر في السماء، وكيف خلقت, وكيف جعلها الله عز وجل أطباقاً, وكيف خلق الله عز وجل الأرض وجعلها أيضاً أطباقاً, وكيف خلق الله عز وجل الإنسان, وكيف بسط الله عز وجل الأرض ونصب الجبال وأجرى السحاب والرياح, وكيف يدير الله عز وجل عجلة هذه الكائنات, فمنها من عجلته وحياته يوم، ومنها من هو يومان، ومنها من هو ثلاثة، ومنها من عمره أطول من ذلك.

عجلة الحياة والموت شاهدة على عظمة الله سبحانه وتعالى الذي يريد ذلك؛ لهذا يجب على المؤمن أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل الصراع الحقيقي في الأرض بينه وبين أعدائه هو مغالبة في العظمة، عظمة شاهدة لله جل وعلا، وعظمة وهمية يختلقها الإنسان في قلبه لإله يظن أنه إله.

الإنسان يصرف المحبة لشيء يظن أنه محبوب لتلك الصفة التي عظمت لديه، أو يخاف من غير الله؛ لأنه توهم قدرة وعظمة مصطنعة، ويرجو غير الله كذلك.

الله سبحانه وتعالى يأمر عبادة بالتفكر في مخلوقاته، وتأمل آثار أسمائه وصفاته في الكون.

إن الناس يتوجهون بعبادتهم لمعبوديهم بمقدار العظمة، فمن عظّم عبدَ الذي يعظمه، ومن حقر سفه من يحقره، وأعظم بلية ورزية تكون في قلوب الناس إذا استصغر الإنسان ربه, وعبد غيره فإن ذلك أعظم البلاء وهو أعظم الظلم؛ لهذا الأنبياء يدعون إلى التوحيد لبيان عظمة الله عز وجل الحقيقية، ثم بعد ذلك ينشأ من الإنسان العبودية لله سبحانه وتعالى بأن يوحدوا الله عز وجل لا شريك له في أي معبود.

الله سبحانه وتعالى بعث أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ليدلوا الناس إلى الحق ويرشدوهم إليه، ويأتوا بالأدلة والبراهين أيضاً لبيان ذلك, ولكن الشياطين يحرفون البشر؛ ولهذا الله عز وجل يقول كما في الحديث القدسي: ( خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين )، خلقتهم على فطرة، وجعلت في الشياطين قدرة للمغالبة والمصارعة، فالمنتصر حينئذ هو الغالب، والغلبة لله والعاقبة للتقوى، والعاقبة لمن أتقى, والله سبحانه وتعالى يأتي بأنبيائه ورسله وأدلته وبراهينه في الأرض.

ويأتي بالمعجزات، ويأتي بالآيات حتى الأشياء اليسيرة، فالإنسان يبتلى بمرض ويبتلى بسقم؛ لأن الله عز وجل يريد أن يبين له ضعف البشر.

تجد العظيم الذي تدين له البشرية أو تدين له دولة أو مملكة أو أرض أو قرية تجده سيداً وجيهاً في الناس، ثم تجد أن الله عز وجل يسقطه في لحظه إما بموت وإما بمرض وإما بغير ذلك من نكبات الدنيا، وهذه الأمور وهذه الشواهد يريد الله سبحانه وتعالى أن يبين للناس ضعف أولئك الذين يراهم الناس عظماء ويرون أنفسهم كذلك، ولكن بلية البشر ومصائبهم في ذلك أنهم يخرجون من عظيم وهمي إلى عظيم وهمي آخر، والله سبحانه وتعالى هو العظيم وحده لا ند له ولا نظير في تلك العظمة.

ما من شرك يكون في البشر وكفر إلا وهو بسبب الجهل بعظمة الله حتى جعلت هذه العظمة لغير الله، الله جل وعلا ينادي البشر ويخاطبهم, ويبين لهم أن سبب جهلكم بي وبعبادتي؛ أنكم جعلتم مقدار عظمتي في غيري، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73]، ما هو السبب في الوثنية؟ ما هو السبب في عبادة الأصنام؟ ما هو السبب من الخوف من عظيم وهمي؟

السبب أنك جهلت الله فعظمت غير الله مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج:74]؛ لهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد كثيراً أصحابه، ويرشد أيضاً الناس إلى بيان مقدار حق الله سبحانه وتعالى ومعرفة الله عز وجل على وجه الحقيقة, لماذا؟ لأنك إذا عرفت الله على وجه الحقيقة ضعف في قلبك غير الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في السنن عند أبي داود وغيره من حديث جبير بن مطعم: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على منبره فجاءه رجل فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وجاع العيال, وضاعت الأنفس فاستسقِ لنا؛ فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك ). فهذا عظم غير الله لجهله بالله، فجعل الله شفيعاً لمحمد؛ ليغيث محمد صلى الله عليه وسلم الناس: ( فالتفت إليه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: ويحك! أتدري ما الله؟ فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام يسبح، سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! يهلل الله عز وجل ويسبحه حتى رئي تغير ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتدري ما الله؟ الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته، وسمواته هكذا, وبسط بأصبع بيده بكفه على هيئة قبة ).

النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين لهذا الأعرابي أنك لجأت إلي بسبب جهلك بعظمة الله، فأراد أن يدله كذلك على عظمة الله سبحانه وتعالى.

جاء في المرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عباس بن عبد المطلب , وجاء أيضاً من حديث أبي هريرة ، وجاء أيضاً من حديث عبد الله بن مسعود : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى سحابة تمطر فقال لأصحابه: ما هذه؟ قالوا: سحابة قالوا: ومزن قال: ومزن، قال: وعنان، قالوا: وعنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين الأرض وبين سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ).

أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين، لا تظنوا أن الغيث يأتيكم من هذه التي بينكم وبينها مئات الأمتار، الأمر هو أعظم من ذلك، ولا تظنوا وتعلقوا قلوبكم بما يأتي من غيث من سحاب تمطر.

إن ما بين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وإن ما بين كل سماء إلى السماء التي تليها مسيرة خمسمائة عام، وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وإن ما بين أدنى العرش وأعلاه مسيرة خمسمائة عام، والله سبحانه وتعالى مستوً على عرشه.

ضلال البشرية أنها تعيش في دائرة ضيقة، وتتوهم أنها القوية: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج:74]، الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه لعباده ببيان آياته، وبيان مخلوقاته، وبيان أيضاً أسمائه وصفاته، إذا عرفوا الله هان عندهم حينئذ ما عداه؛ ولهذا إنما يؤتى البشرية بسبب الوجل، والخوف، والجزع، وعدم الصبر، والرهبة، وعبودية غير الله؛ بسبب أنهم جهلوا الله سبحانه وتعالى.

انظروا إلى الناس في الأرض اليوم اختلاف معبوديهم، منهم من يعبد أصناماً أو أحجاراً، ومنهم من يعبد عقله ووهمه؛ لأنه رأى أنه دله بصناعة وحرفة ودراية فانخدع واغتر به، ومنهم من يعبد البهيمة والحيوان كحال الهندوس, وغير ذلك الذين يعظمون البقر؛ وذلك لأنهم رأوا دائرة معينة من دوائر التعظيم, والكرم عليهم, والغلبة فعبدوهم من دون الله سبحانه وتعالى.

ومنهم من يعبد الفأر ويقول: هذه الضعيفة تنخر سداً ثم يهد على البشرية ويفرقها؛ لأنه رأى دائرة معينة من العظمة لا يرى سواها، ومنهم من لم ير من المشاهدات معظماً فعظم شيئاً من الغيبيات كالجن وغير ذلك، ومنهم من يعظم الكواكب, يرى أن لها تأثيراً من الشمس والقمر وخروجها، وأن لها أثراً في عجلة الزمان بدقائقه ولحظاته, من شروق وغروب، فإنه يتوجه إليها بالعظمة, لماذا؟ لأنه يرى أن لها أثراً على البشرية.

هؤلاء يعبدون ما رأوه ويتيهون في ذلك، ومنهم من رأى كثرة المعبودين، وكثرة المعظمين، هذا يعظم هذا وهذا يعظم هذا, جحد الكل وألحد، ولم يؤمن بوجود خالق في الكون.

الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه لعباده في كتابه، ويعرف النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ربه جل وعلا لعباده حتى يعرفوا المقدار، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في المسند من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أترون ما أرى؟ أتسمعون ما أسمع؟ أطت السماء وحق له أن تئط, ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو راكع )، هذا تعريف من النبي عليه الصلاة والسلام ببيان كثرة المخلوقين والعابدين لله جل وعلا, مما لو علم الإنسان حالهم لاستحقر عبوديته لله، واستضعف نفسه من جهة قدرته، وما يرى مما يؤتيه الله عز وجل من قدره احتقر حينئذ ذلك.

ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه علم من الله ما لم يعلمه غيره، وعلمه الله عز وجل بالمشاهدة ما لم يعلمه غيره، فأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فكلمه الله عز وجل بلا حجاب.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله )، يعني: مما ترون من انبهار بهذه العظمة؛ ولهذا من رحمة الله أن الله عز وجل لا يظهر عظمته كلها للبشرية والناس، لماذا؟ لضعفهم عن استيعابها، وإنما جعلهم الله عز وجل في دائرة ضيقة؛ لهذا من الناس من لا يدرك إلا موضع قدميه.

ومن الناس من يعيش في قرية، ويظن أن الدنيا هي القرية, وهي مملكة الكون، ومن الناس من يعيش في بلدة ودولة، ويرى أن دولته هي أقوى الدول لا يرى غيرها، ومن الناس من يظن أن الخليقة كلها تجتمع في الأرض، وما عدا ذلك لا يوجد خلق؛ لأنه يعيش في دائرة ضيقة من العلم فظن أن ما عداها عدم؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يعرف نفسه بعباده بسعة مخلوقاته، يأمرهم بالتأمل والتفكر.

ويكفي لعظمة الله وسعة علم الله: أن الله منذ أول لحظة من إيجاد البشرية جعل البشرية في كل يوم ترفع جهلاً وتزيد علماً، ومع ذلك لا ينتهي العلم, ولا ينقضي جهل الإنسان: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]؛ ليثبت الله عز وجل للإنسان أنه مهما بلغ من علم ومعرفة أنه لن يصل إلى حد من النهاية، وأنه إنما يتقلب من جهل إلى علم، أو من جهل إلى جهل آخر.

لهذا وجب على المؤمن أن يعرف قدر الله، فمن عرف قدر الله تحقق له جملة من المنافع:

المنفعة الأولى: توحيد الله سبحانه وتعالى وعدم الإشراك به

أولها: أن يوحد الله فلا يعبد إلا الله ولا يخاف ولا يرجو ولا يحب أحداً في الأرض كحب الله عز وجل، وإن أحب أحداً فدون ذلك، وإن تعلق بأحدٍ غير الله عز وجل تعلق له بمقدار السبب الذي آتاه الله عز وجل إياه، وما عدا ذلك فلا يتعلق إلا بالخالق سبحانه وتعالى، فلا يخاف ولا يرجو ولا يذل ولا يركع إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأنه عرف قدر الله سبحانه وتعالى.

المنفعة الثانية: عدم الاغترار بالعبادة

ثم المنفعة الثانية: أنه مهما أتى بعبادة فإنه لا يغتر بها، لماذا؟ لأن الله عز وجل أعظم.

روى الإمام أحمد في كتابه المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أن رجلاً خر على وجهه منذ أن ولد إلى موته، لاحتقر عبادته إلى يوم القيامة )، وجاء في رواية: ( لو جر -يعني: جر على وجهه- منذ ولادته إلى قيام الساعة في سبيل الله، لاحتقر ذلك يوم القيامة ), لماذا؟ لأنه رأى من عظمة الله ما لا يناسب ضعف العبودية، لا ضعف العبادة؛ لأن الإنسان له إمكان، لكن مقارنة بعظمة الله سبحانه وتعالى.

كفار قريش عبدوا الأصنام, جعلوا فيها وهماً وتعظيماً فلجأوا إليها من دون الله، خافوها من دون الله، ورجوها من دون الله، حتى الإنسان قد يكون في فراشه ويلتحف بلحافه ومع ذلك يخشى الصنم!! والسبب أنه غرس في قلبه وهماً, حتى جاء في البخاري من حديث أبي رجاء أنه قال: ( كنا في الجاهلية نعبد الحجارة، فإذا وجدنا حجارة أفضل منها رمينا هذه، وأخذنا هذه، حتى إذا كان الواحد منا في فلاة أو في سفر، ولم يجد حجراً احتلب شاة على تراب فإذا يبس طاف عليها )، لماذا؟ لأنه إلهه هناك وله مندوب، وهذا المندوب لابد أن تجده وصانعه أنت، فدخلوا في وهم من الخرافة وغير ذلك.

الله عز وجل خلق الإنسان وجعله عابداً لا معبوداً، الإنسان لابد أن يكون عابداً، لابد أن يكون ذليلاً، خلق الله عز وجل الإنسان ليعبد، اختر إلهك إما الله، وإما غير الله، وإما هواك؟ لابد أن تكون عبداً لأحد هؤلاء الثلاثة.

كثير من الناس يظن أنه إذا لم يعبد الله عز وجل, ولم يعبد أحداً خارجاً عنه أنه تحرر وليس بصاحب عبودية؟ لا، أنت تعبد نفسك, أنت تعبد الهوى إذا لم تعبد الله؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] , إلهك هو الذي يسيرك.

أنت حينما تعبد غيرك من معظم، تعبده لشيء في نفسه، فتحول من نفسه إلى نفسك أنت، فعبدت نفسك.

ولهذا الله سبحانه وتعالى حينما يدعو الناس إلى عبوديته يريد أن يحررهم من معبودين:

من عبودية غير الله، وعبودية الهوى؛ ولهذا أعظم حرية للإنسان هي عبودية الله جل وعلا, والتجرد من بذل شيء لغير الله سبحانه وتعالى.

المنفعة الثالثة: استصغار الإنسان ما يبذل في جنب الله

ثم أيضاً من أمر المنافع: أن الإنسان يحتقر ما يبذل في جنب الله، يبذل الإنسان في جنب الله إذا عرف عظمة الله بمقدار المعظم تبذل، لماذا؟ لأنك تسترخص النفس للعظيم, الإنسان إذا كان لديه هم في قضية معينة، ويعلم أنه في سبيلها سيشاك شوكة، سار إليه ولو شاكته شوكه، ولكن إذا كانت حقيرة، ويعلم أنه إذا مشى إليها حافياً ولو على رخام أو على تراب لا يصل إليه أذى ما ذهب إليها؛ لأنها محتقرة عنده، وليست عظيمة.

فمن بحث عن حذائه ولم يجده ما ذهب إليه, وإن كان يبعد عنه أمتاراً إذا لم تكن له قيمة، فلو كان له قيمة عنده وبينه وبينه حجارة وشوك ولأواء, فإن عزيمته تتحمل الأذى بمقدار المعظم.

ولهذا الناس يبحثون عن وظائف، أول ما يسأل: كم المرتب؟ إذا جاء المرتب عالياً زاد لذلك الجهد، وإذا كان في ذلك عالياً شديداً فإنهم حتى لو كلفوه في العمل ما لا يطيق, فإنه ينفر من ذلك لماذا؟ لأن الغاية عظيمة؛ لأنه يسعى إلى معظم عنده؛ لهذا من عرف عظمة الله، رأى أن عبوديته قليلة لصاحب تلك العظمة سبحانه وتعالى، وما حصل من بلاء واختبار يستصغره في جنب الله سبحانه وتعالى؛ لهذا جعل الله الأنبياء أشد الناس ثباتاً، لماذا؟ لأنهم أعلم الناس بالله، وعرف الله عز وجل نفسه إليهم مالم يعرف نفسه لغيرهم, لماذا؟ لأنهم يكابدون الدعوة، ويكابدون الرسالة، ويجدون من الناس أيضاً أذية، فعرف الله عز وجل نفسه إليهم فعظم في قلوبهم, واحتقروا ملوك الأرض وأموالها وإغراءها.

ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت عليه كنوز الأرض، وخير أيضاً بين الخلود في الدنيا وأن يعطى عطاء ملوك الدنيا, أعلى ملك في الدنيا وأن يخلد فيها، يعني: ثمة خلود لا موت، أو يكون ثمة موت، فاختار الموت ولقاء الله؛ لأنه عرف عظمة الله ومجاورة الله.

ولهذا من الناس من يحب البقاء في الدنيا لدرهم, لماذا؟ لأنه جهل الله وصغر الله عز وجل في قلبه بمقدار ذلك الدينار والدرهم؛ ولهذا أعظم ما يسعى الإنسان إلى تحقيقه أن يعظم الله في قلبه، وأعظم بلية وشر للإنسان أن يشرك مع الله عز وجل غيره، وأعظم من ذلك أن يتعدى الإنسان على الله بالسب، أو اللعن، أو الشتم, أو التعدي على ذات الله، وهذا ما يبلى به بعض المسلمين أو كثير المسلمين، أنه إذا غضب تعدى على الله، وما عرف قدر الله؛ ولهذا كان سب الله سبحانه وتعالى أعظم من الوثنية, لماذا؟ لأن الوثنين عبدوا الأصنام وعظموها بتعظيم الله؛ لأنهم عظموا الله، فهؤلاء عبدوا الله فصنعوا لهم أصناماً، وهذا التعظيم يرون أنه فرع عن تعظيم الله، وهذا ازدرى الله عز وجل كله فكان كفره أشد من الوثني؛ ولهذا المجتمعات التي ينتشر فيها سب الله، لو انتشرت فيها عبادة الأصنام أهون عند الله سبحانه وتعالى من أن يسب الله، بل لو أن الإنسان ألحد أهون كفراً من سب الله سبحانه وتعالى, لماذا؟

لأن هذا نفى علمه بوجود خالق، وهذا أثبت خالقه وسبه، نوع من العناد والمكابرة والتحدي لله جل وعلا؛ ولهذا نقول: إن أشد أنواع الكفر التعدي على ذات الله عز وجل بالسب والشتم وغير ذلك، وهذا ما يفعله بعض المنتسبين للإسلام للأسف, الذين يصفون الله عز وجل في حال غضبهم ونحو ذلك.

وعذر أحدهم أن يقول: إني لا أقصد هذا أو غير ذلك، لكن لو سببت والده وقلت: إني لا أقصد هذا، هل يقبل منك أو لا؟ لا يقبل منك, إذا سببت حاكماً في وسيلة إعلامية أو في مجلس وقلت: أنا غضبت ولا أقصد هذا، هل يقبل منك أو لا يقبل منك؟ لا يقبل منك هذا، لماذا؟

لأنك ما عرفت قدر الله، ولو عرفت قدر الله ما تفوهت بسب الله؛ ولهذا حينما تضعف عظمة الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان، تضعف العبودية لديه حتى تتلاشى، فلا يعرف عند ذلك من قدر الله عز وجل شيئاً فيسب الله؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن )، هذه أمثلة ضربها النبي عليه الصلاة والسلام, تبين أن إيمان الإنسان يضعف حتى يتلاشى، أو تبقى منه ذرة يسيرة تثبت له أصل إيمانه، وأما من يسب الله عز وجل فلا يبقى من إيمانه شيء.

ولهذا علينا أن نحيي عظمة الله في قلوبنا، وأن نعرف مقدار الله جل وعلا، وما يفقده الإنسان في سبيل الله أو في هذه الدنيا إذا عرف الخالق هانت عليه مصيبته، فإذا أنزل عليك بلاء فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يعني: أنا ومالي وولدي وكل من في الدنيا لله، فإذا أخذ ولدك فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يعني: جميعنا، ولو شاء أن يأخذنا كلنا لكان ذلك إليه؛ ولهذا أعظم ما يوفق إليه الإنسان هو أن يعظم الله سبحانه وتعالى.

لهذا الله عز وجل حينما ضرب المثل لمن عبدوا الأصنام والأوثان يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] إن هؤلاء لا يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، بل وما أقل من ذلك، حينما تأتي الذبابة تطير إلى إناء أحدهم ثم تشرب أو تستل من طعامه ثم تذهب، هل يستطيع أن يخرج طعامه ويستله من هذا الحشرة الضعيفة؟ لا يستطيع، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73], والعلة في هذا ما الذي صيره بعبادة الأصنام: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:74].

أولها: أن يوحد الله فلا يعبد إلا الله ولا يخاف ولا يرجو ولا يحب أحداً في الأرض كحب الله عز وجل، وإن أحب أحداً فدون ذلك، وإن تعلق بأحدٍ غير الله عز وجل تعلق له بمقدار السبب الذي آتاه الله عز وجل إياه، وما عدا ذلك فلا يتعلق إلا بالخالق سبحانه وتعالى، فلا يخاف ولا يرجو ولا يذل ولا يركع إلا لله سبحانه وتعالى؛ لأنه عرف قدر الله سبحانه وتعالى.

ثم المنفعة الثانية: أنه مهما أتى بعبادة فإنه لا يغتر بها، لماذا؟ لأن الله عز وجل أعظم.

روى الإمام أحمد في كتابه المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أن رجلاً خر على وجهه منذ أن ولد إلى موته، لاحتقر عبادته إلى يوم القيامة )، وجاء في رواية: ( لو جر -يعني: جر على وجهه- منذ ولادته إلى قيام الساعة في سبيل الله، لاحتقر ذلك يوم القيامة ), لماذا؟ لأنه رأى من عظمة الله ما لا يناسب ضعف العبودية، لا ضعف العبادة؛ لأن الإنسان له إمكان، لكن مقارنة بعظمة الله سبحانه وتعالى.

كفار قريش عبدوا الأصنام, جعلوا فيها وهماً وتعظيماً فلجأوا إليها من دون الله، خافوها من دون الله، ورجوها من دون الله، حتى الإنسان قد يكون في فراشه ويلتحف بلحافه ومع ذلك يخشى الصنم!! والسبب أنه غرس في قلبه وهماً, حتى جاء في البخاري من حديث أبي رجاء أنه قال: ( كنا في الجاهلية نعبد الحجارة، فإذا وجدنا حجارة أفضل منها رمينا هذه، وأخذنا هذه، حتى إذا كان الواحد منا في فلاة أو في سفر، ولم يجد حجراً احتلب شاة على تراب فإذا يبس طاف عليها )، لماذا؟ لأنه إلهه هناك وله مندوب، وهذا المندوب لابد أن تجده وصانعه أنت، فدخلوا في وهم من الخرافة وغير ذلك.

الله عز وجل خلق الإنسان وجعله عابداً لا معبوداً، الإنسان لابد أن يكون عابداً، لابد أن يكون ذليلاً، خلق الله عز وجل الإنسان ليعبد، اختر إلهك إما الله، وإما غير الله، وإما هواك؟ لابد أن تكون عبداً لأحد هؤلاء الثلاثة.

كثير من الناس يظن أنه إذا لم يعبد الله عز وجل, ولم يعبد أحداً خارجاً عنه أنه تحرر وليس بصاحب عبودية؟ لا، أنت تعبد نفسك, أنت تعبد الهوى إذا لم تعبد الله؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] , إلهك هو الذي يسيرك.

أنت حينما تعبد غيرك من معظم، تعبده لشيء في نفسه، فتحول من نفسه إلى نفسك أنت، فعبدت نفسك.

ولهذا الله سبحانه وتعالى حينما يدعو الناس إلى عبوديته يريد أن يحررهم من معبودين:

من عبودية غير الله، وعبودية الهوى؛ ولهذا أعظم حرية للإنسان هي عبودية الله جل وعلا, والتجرد من بذل شيء لغير الله سبحانه وتعالى.

ثم أيضاً من أمر المنافع: أن الإنسان يحتقر ما يبذل في جنب الله، يبذل الإنسان في جنب الله إذا عرف عظمة الله بمقدار المعظم تبذل، لماذا؟ لأنك تسترخص النفس للعظيم, الإنسان إذا كان لديه هم في قضية معينة، ويعلم أنه في سبيلها سيشاك شوكة، سار إليه ولو شاكته شوكه، ولكن إذا كانت حقيرة، ويعلم أنه إذا مشى إليها حافياً ولو على رخام أو على تراب لا يصل إليه أذى ما ذهب إليها؛ لأنها محتقرة عنده، وليست عظيمة.

فمن بحث عن حذائه ولم يجده ما ذهب إليه, وإن كان يبعد عنه أمتاراً إذا لم تكن له قيمة، فلو كان له قيمة عنده وبينه وبينه حجارة وشوك ولأواء, فإن عزيمته تتحمل الأذى بمقدار المعظم.

ولهذا الناس يبحثون عن وظائف، أول ما يسأل: كم المرتب؟ إذا جاء المرتب عالياً زاد لذلك الجهد، وإذا كان في ذلك عالياً شديداً فإنهم حتى لو كلفوه في العمل ما لا يطيق, فإنه ينفر من ذلك لماذا؟ لأن الغاية عظيمة؛ لأنه يسعى إلى معظم عنده؛ لهذا من عرف عظمة الله، رأى أن عبوديته قليلة لصاحب تلك العظمة سبحانه وتعالى، وما حصل من بلاء واختبار يستصغره في جنب الله سبحانه وتعالى؛ لهذا جعل الله الأنبياء أشد الناس ثباتاً، لماذا؟ لأنهم أعلم الناس بالله، وعرف الله عز وجل نفسه إليهم مالم يعرف نفسه لغيرهم, لماذا؟ لأنهم يكابدون الدعوة، ويكابدون الرسالة، ويجدون من الناس أيضاً أذية، فعرف الله عز وجل نفسه إليهم فعظم في قلوبهم, واحتقروا ملوك الأرض وأموالها وإغراءها.

ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت عليه كنوز الأرض، وخير أيضاً بين الخلود في الدنيا وأن يعطى عطاء ملوك الدنيا, أعلى ملك في الدنيا وأن يخلد فيها، يعني: ثمة خلود لا موت، أو يكون ثمة موت، فاختار الموت ولقاء الله؛ لأنه عرف عظمة الله ومجاورة الله.

ولهذا من الناس من يحب البقاء في الدنيا لدرهم, لماذا؟ لأنه جهل الله وصغر الله عز وجل في قلبه بمقدار ذلك الدينار والدرهم؛ ولهذا أعظم ما يسعى الإنسان إلى تحقيقه أن يعظم الله في قلبه، وأعظم بلية وشر للإنسان أن يشرك مع الله عز وجل غيره، وأعظم من ذلك أن يتعدى الإنسان على الله بالسب، أو اللعن، أو الشتم, أو التعدي على ذات الله، وهذا ما يبلى به بعض المسلمين أو كثير المسلمين، أنه إذا غضب تعدى على الله، وما عرف قدر الله؛ ولهذا كان سب الله سبحانه وتعالى أعظم من الوثنية, لماذا؟ لأن الوثنين عبدوا الأصنام وعظموها بتعظيم الله؛ لأنهم عظموا الله، فهؤلاء عبدوا الله فصنعوا لهم أصناماً، وهذا التعظيم يرون أنه فرع عن تعظيم الله، وهذا ازدرى الله عز وجل كله فكان كفره أشد من الوثني؛ ولهذا المجتمعات التي ينتشر فيها سب الله، لو انتشرت فيها عبادة الأصنام أهون عند الله سبحانه وتعالى من أن يسب الله، بل لو أن الإنسان ألحد أهون كفراً من سب الله سبحانه وتعالى, لماذا؟

لأن هذا نفى علمه بوجود خالق، وهذا أثبت خالقه وسبه، نوع من العناد والمكابرة والتحدي لله جل وعلا؛ ولهذا نقول: إن أشد أنواع الكفر التعدي على ذات الله عز وجل بالسب والشتم وغير ذلك، وهذا ما يفعله بعض المنتسبين للإسلام للأسف, الذين يصفون الله عز وجل في حال غضبهم ونحو ذلك.

وعذر أحدهم أن يقول: إني لا أقصد هذا أو غير ذلك، لكن لو سببت والده وقلت: إني لا أقصد هذا، هل يقبل منك أو لا؟ لا يقبل منك, إذا سببت حاكماً في وسيلة إعلامية أو في مجلس وقلت: أنا غضبت ولا أقصد هذا، هل يقبل منك أو لا يقبل منك؟ لا يقبل منك هذا، لماذا؟

لأنك ما عرفت قدر الله، ولو عرفت قدر الله ما تفوهت بسب الله؛ ولهذا حينما تضعف عظمة الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان، تضعف العبودية لديه حتى تتلاشى، فلا يعرف عند ذلك من قدر الله عز وجل شيئاً فيسب الله؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن )، هذه أمثلة ضربها النبي عليه الصلاة والسلام, تبين أن إيمان الإنسان يضعف حتى يتلاشى، أو تبقى منه ذرة يسيرة تثبت له أصل إيمانه، وأما من يسب الله عز وجل فلا يبقى من إيمانه شيء.

ولهذا علينا أن نحيي عظمة الله في قلوبنا، وأن نعرف مقدار الله جل وعلا، وما يفقده الإنسان في سبيل الله أو في هذه الدنيا إذا عرف الخالق هانت عليه مصيبته، فإذا أنزل عليك بلاء فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يعني: أنا ومالي وولدي وكل من في الدنيا لله، فإذا أخذ ولدك فتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! يعني: جميعنا، ولو شاء أن يأخذنا كلنا لكان ذلك إليه؛ ولهذا أعظم ما يوفق إليه الإنسان هو أن يعظم الله سبحانه وتعالى.

لهذا الله عز وجل حينما ضرب المثل لمن عبدوا الأصنام والأوثان يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73] إن هؤلاء لا يستطيعون أن يخلقوا ذباباً، بل وما أقل من ذلك، حينما تأتي الذبابة تطير إلى إناء أحدهم ثم تشرب أو تستل من طعامه ثم تذهب، هل يستطيع أن يخرج طعامه ويستله من هذا الحشرة الضعيفة؟ لا يستطيع، ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73], والعلة في هذا ما الذي صيره بعبادة الأصنام: مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:74].

لهذا وجب علينا أن نحيي عظمة الله عز وجل، وكيف تتحقق عظمة الله في قلوبنا؟

أن نتعرف إلى الله بما عرف الله به نفسه في كتابه، نتعرف بأسماء الله وصفاته، وما ذكره الله عز وجل في كتابه العظيم، نتعرف إلى الله بما جاء في كلام الله، في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من التعريف بالله, وبآيات الله وغير ذلك من الدلائل والبراهين.

وأن نتعرف على الله بالنظر إلى مخلوقات الله في هذا الكون، من السموات والأرض.

ويتعرف بالنظر إلى نفسه وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، ويتعرف الإنسان على الله بمقدار ما يجهل في الماديات، بجهله وخفاء العلم عنه، من يعلم هذه المعلومات؟ من ركب في هذا الكون ذلك النظام السببي المنتظم الذي لا يخرج عن سببيته أحد، دقة وإحكام في صنعه، وهذا ما يعطي الإنسان قوة وإيماناً واعتماداً وتوكلاً على الله سبحانه وتعالى.