تفسير قوله تعالى (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)


الحلقة مفرغة

أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقراءة الفاتحة لتضمنها هذا الباب العظيم, في كل ركعة, فقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام صلاة من لم يقرأها خداجاً, كما روى البخاري ومسلم، ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ), وقال عليه الصلاة والسلام: ( كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فيها خداج خداج خداج )؛ وذلك لتضمنها هذا الباب العظيم من أبواب العبادة, وهو سؤال الله عز وجل الهداية, من طريق أهل الإيمان, وأهل الإيمان هم النبيون والملائكة ومن تبع الأنبياء, من أهل الصلاح والتقى والعبادة, فيسأل الله عز وجل طريقهم.

ولذلك سماه صراطاً مستقيماً غير معوج, والمعوج هو السبل التي تجتال الإنسان عن يمين وعن شمال, وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليها, كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام, في حديث عبد الله بن مسعود وغيره.

ما يعنينا الكلام فيه هذا اليوم, هو الكلام على جزء من ذلك الدعاء, وهو سؤال الإنسان الله جل وعلا البعد عن منهج المغضوب عليهم والضالين؛ والسبب من ذلك والحكمة من جعل ذلك الدعاء في كل ركعة, فهذا الدعاء يلهج به الإنسان ويتلفظ به في كل ركعة؛ ولغلبته على حال الإنسان في كل صلاة قَلَّ من يتدبر ذلك المعنى؛ والحكمة من ذلك الدعاء, ولماذا كان في كل ركعة؟ وما الحكمة من تخصيص اليهود والنصارى؟ وما الحكمة من جعل اليهود مغضوباً عليهم, والنصارى ضالين؟ وما الحكمة من التعقيب بعد هذا الدعاء بآمين؟ وليس من المعتاد في حال من الأحوال أن الإنسان إذا دعا لنفسه أن يعقب بعد دعائه بآمين, بخلاف هذا الموضع.

والحكمة من الإكثار من هذا الدعاء في هذه السورة ظاهر جلي؛ وذلك أنه ما من شر ومعصية قد عصي الله عز وجل بها وما من فتنة حلت في الناس إلا وأصلها من المغضوب عليهم والضالين, فإذا كفي الإنسان هذا الطريق كفي الشر كله, وإذا وفق لطريق أهل الإيمان على الصراط المستقيم وفق للخير كله.

عظمة الدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم

ولهذا يظهر ذلك عند من تبصر بصفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى, ويعلم الحكمة البالغة من جعل الإنسان يدعو في كل صلاة من غير ملل بهذا الدعاء, إذا علم صفاتهم وأحوالهم وصدهم عن دين الله جل وعلا, يعلم أن ذلك هو سبيل الخير في هذه الأرض, وأن الإنسان كلما أكثر من ذلك الدعاء بقلب مخلص لله جل وعلا تحصل الهداية وأبعده الله عز وجل, عن طريق الغواية والصراط المعوج.

ولهذا ينبغي للإنسان, بل يجب عليه حال قراءته للفاتحة في صلاة أو في غيرها, أن يستحضر التعبد بذلك اللفظ، وأن يستحضر أيضاً الدعاء.

ولذلك الله جل وعلا لما أنزل على عباده: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286], قال الله جل وعلا كما في الصحيح: ( قد فعلت, قد فعلت ), أي: أنه دعاء؛ ولذلك يحرم كثير من الناس بركة هذا الدعاء؛ لأنه ما استحضر ذلك الدعاء عند قراءته له, ويظن أن هذه إنما هي سورة تقرأ فحسب, بل هي سورة وهي دعاء أيضاً, ينبغي للإنسان أن يستحضر ذلك.

وإنما حرم كثير من الناس بركة هذا الدعاء العظيم وبعدوا عن التدبر لمعانيه, وكذلك بعدوا عن توفيق الله عز وجل لهم بإجابة الله جل وعلا لهذا الدعاء؛ لأنهم تلفظوا بذلك الدعاء والسؤال من غير استحضار الدعاء، وإنما استحضروا تلاوة تلك السورة فحسب.

ولذلك الإنسان يقرأ هذا السورة في اليوم والليلة ممن أتى بالفرائض والسنن التي أتت عن النبي عليه الصلاة والسلام, أكثر من أربعين مرة, يدعو هذا الدعاء, وهو أكثر دعاء يلهج به الإنسان بين يدي الله سبحانه وتعالى, فلا يجوز الجهل به, بل يجب التفقه بتلك المعاني والأسرار التي جعلها الله عز وجل في تلك السورة وفي ذلك الدعاء.

وما الحكمة أن تربط صحة الصلاة بتلاوة هذا الدعاء الذي أنزله الله عز وجل وجعله في كتابه العظيم في هذه السورة؟ ولماذا خص من فرق الضلال, والكفر, والأقوام المنحرفة عن سبيل الله تعالى خص اليهود والنصارى؟ وهذا يظهر بيانه بمعرفة ما يأتي من صفاتهم.

تفسير المغضوب عليهم والضالين

المغضوب عليهم والضالون هم اليهود والنصارى بالإجماع, ولا خلاف عند المفسرين في ذلك, روى الإمام أحمد والترمذي في سننه وغيرهما من حديث محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك عن عباد عن عدي بن حاتم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اليهود مغضوب عليهم, والنصارى ضالون ), وجاء هذا عن عبد الله بن عباس من حديث الضحاك وابن جريج عن عبد الله بن عباس، وجاء هذا من طرق عدة عن مجاهد بن جبر وعكرمة وزيد بن أسلم وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم من أئمة التفسير, قال: ابن أبي حاتم في تفسيره, قال: ولا أعلم خلافاً عند أهل التفسير أن المغضوب عليهم اليهود, والنصارى هم الضالون, فلا خلاف في ذلك عند المفسرين قاطبة, ويكفي في ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا.

الحكمة من الدعاء بمجانبة طريق المغضوب عليهم والضالين

الحكمة من ذلك: أن اليهود والنصارى هم أشد عداء لهذه الأمة, وهم بمجموعهم أكثر أهل الأرض, وهم دعاة الضلال, فما من ذنب عصي الله عز وجل فيه إلا وهو فيهم, وما من عقاب عاقب الله عز وجل فيه أمة من الأمم, إلا ولليهود والنصارى فيه نصيب وافر؛ ولذلك عظم الله عز وجل جانب هذا الدعاء وجعل الإنسان يتلوه في كل ركعة, وجعل تأكيد ذلك أن الإنسان بعده يدعو الله عز وجل الاستجابة, فيقول: آمين, كما روى أهل السنن وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث وائل بن حجر أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], قال: آمين, يمد بها صوته ), وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], فقولوا: آمين, فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ), الملائكة تؤمن, والمصلون يؤمنون, ويرفع بذلك الصوت, وهذا يخرج عن الأصل؛ فإن الإنسان حينما يدعو الله جل وعلا بدعاء لا يعقب لنفسه بدعائه أن يقول: آمين, إلا في أضيق الأحوال وهذا منها, ويدل على التأكيد والعناية بهذا الدعاء, ولم يأت دعاء يدعو الإنسان به, ثم يعقب بدعائه بآمين أظهر وأجلى من هذا الدعاء على وجه الإطلاق لا في الكتاب ولا في السنة.

وذلك أن الإنسان يسأل الله عز وجل أبواب الخير كلها بسؤاله الصراط المستقيم, ويستعيذ من أبواب الشر كلها بالاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين وهم اليهود والنصارى.

تعقيب الدعاء بقول آمين

ولذلك أكد الله عز وجل أهمية هذا الدعاء بمؤكدات عدة, وجعل جميع السبل التي تجعل الدعاء مستجاباً عند الله سبحانه وتعالى, وله الحظوة والمكانة جعلها في هذا الدعاء, من التقديم بين يدي الله عز وجل, والتقرب بالعبادة التي يتقرب بها الإنسان لله سبحانه وتعالى ويتوسل بها قبل دعائه, وكذلك أن يعقب بعد هذا الدعاء بآمين وهو الاستجابة؛ ولذلك الإنسان يدعو لكنه لا يقول: آمين؛ ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام, كان يدعو ربه بلسان واحد وأخوه هارون يقول: آمين, فقال الله عز وجل لموسى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89], فالمؤمن والداعي كلاهما يدعو, فآمين هي الدعاء, فيجوز أن يقال: آمين بالمد, ويجوز أن يقال: أمين, بالقصر.

ولذلك يقول: مجنون ليلى:

يا رب لا تسلبنّي حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا

ويقول الشاعر في قصر كلمة آمين إذا يقال: أمين:

تباعد مني فطحل إذ سألته أَمِين فزاد الله ما بيننا بعداً

فيجوز للإنسان في حال الدعاء أن يؤمن على دعائه, فيما جاء فيه الدليل, ويجوز في غيره, لكن الأصل لا يؤمن على دعائه؛ لأنه دعا بلفظ الدعاء وباللفظ آكد, ومن خلفه لكي لا يتلفظ مع الداعي ولا يكون الدعاء جماعة, قال: آمين, أي: استجب, ولكنه في هذا الموضع يدعو مع قراءته تلك أن الله عز وجل يستجيب له بقوله: آمين؛ ولذلك يعتبر المؤمن داعياً لله سبحانه وتعالى.

ولهذا يظهر ذلك عند من تبصر بصفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى, ويعلم الحكمة البالغة من جعل الإنسان يدعو في كل صلاة من غير ملل بهذا الدعاء, إذا علم صفاتهم وأحوالهم وصدهم عن دين الله جل وعلا, يعلم أن ذلك هو سبيل الخير في هذه الأرض, وأن الإنسان كلما أكثر من ذلك الدعاء بقلب مخلص لله جل وعلا تحصل الهداية وأبعده الله عز وجل, عن طريق الغواية والصراط المعوج.

ولهذا ينبغي للإنسان, بل يجب عليه حال قراءته للفاتحة في صلاة أو في غيرها, أن يستحضر التعبد بذلك اللفظ، وأن يستحضر أيضاً الدعاء.

ولذلك الله جل وعلا لما أنزل على عباده: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286], قال الله جل وعلا كما في الصحيح: ( قد فعلت, قد فعلت ), أي: أنه دعاء؛ ولذلك يحرم كثير من الناس بركة هذا الدعاء؛ لأنه ما استحضر ذلك الدعاء عند قراءته له, ويظن أن هذه إنما هي سورة تقرأ فحسب, بل هي سورة وهي دعاء أيضاً, ينبغي للإنسان أن يستحضر ذلك.

وإنما حرم كثير من الناس بركة هذا الدعاء العظيم وبعدوا عن التدبر لمعانيه, وكذلك بعدوا عن توفيق الله عز وجل لهم بإجابة الله جل وعلا لهذا الدعاء؛ لأنهم تلفظوا بذلك الدعاء والسؤال من غير استحضار الدعاء، وإنما استحضروا تلاوة تلك السورة فحسب.

ولذلك الإنسان يقرأ هذا السورة في اليوم والليلة ممن أتى بالفرائض والسنن التي أتت عن النبي عليه الصلاة والسلام, أكثر من أربعين مرة, يدعو هذا الدعاء, وهو أكثر دعاء يلهج به الإنسان بين يدي الله سبحانه وتعالى, فلا يجوز الجهل به, بل يجب التفقه بتلك المعاني والأسرار التي جعلها الله عز وجل في تلك السورة وفي ذلك الدعاء.

وما الحكمة أن تربط صحة الصلاة بتلاوة هذا الدعاء الذي أنزله الله عز وجل وجعله في كتابه العظيم في هذه السورة؟ ولماذا خص من فرق الضلال, والكفر, والأقوام المنحرفة عن سبيل الله تعالى خص اليهود والنصارى؟ وهذا يظهر بيانه بمعرفة ما يأتي من صفاتهم.

المغضوب عليهم والضالون هم اليهود والنصارى بالإجماع, ولا خلاف عند المفسرين في ذلك, روى الإمام أحمد والترمذي في سننه وغيرهما من حديث محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك عن عباد عن عدي بن حاتم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اليهود مغضوب عليهم, والنصارى ضالون ), وجاء هذا عن عبد الله بن عباس من حديث الضحاك وابن جريج عن عبد الله بن عباس، وجاء هذا من طرق عدة عن مجاهد بن جبر وعكرمة وزيد بن أسلم وعبد الرحمن بن زيد وغيرهم من أئمة التفسير, قال: ابن أبي حاتم في تفسيره, قال: ولا أعلم خلافاً عند أهل التفسير أن المغضوب عليهم اليهود, والنصارى هم الضالون, فلا خلاف في ذلك عند المفسرين قاطبة, ويكفي في ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا.

الحكمة من ذلك: أن اليهود والنصارى هم أشد عداء لهذه الأمة, وهم بمجموعهم أكثر أهل الأرض, وهم دعاة الضلال, فما من ذنب عصي الله عز وجل فيه إلا وهو فيهم, وما من عقاب عاقب الله عز وجل فيه أمة من الأمم, إلا ولليهود والنصارى فيه نصيب وافر؛ ولذلك عظم الله عز وجل جانب هذا الدعاء وجعل الإنسان يتلوه في كل ركعة, وجعل تأكيد ذلك أن الإنسان بعده يدعو الله عز وجل الاستجابة, فيقول: آمين, كما روى أهل السنن وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث وائل بن حجر أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], قال: آمين, يمد بها صوته ), وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا قال الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], فقولوا: آمين, فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ), الملائكة تؤمن, والمصلون يؤمنون, ويرفع بذلك الصوت, وهذا يخرج عن الأصل؛ فإن الإنسان حينما يدعو الله جل وعلا بدعاء لا يعقب لنفسه بدعائه أن يقول: آمين, إلا في أضيق الأحوال وهذا منها, ويدل على التأكيد والعناية بهذا الدعاء, ولم يأت دعاء يدعو الإنسان به, ثم يعقب بدعائه بآمين أظهر وأجلى من هذا الدعاء على وجه الإطلاق لا في الكتاب ولا في السنة.

وذلك أن الإنسان يسأل الله عز وجل أبواب الخير كلها بسؤاله الصراط المستقيم, ويستعيذ من أبواب الشر كلها بالاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين وهم اليهود والنصارى.

ولذلك أكد الله عز وجل أهمية هذا الدعاء بمؤكدات عدة, وجعل جميع السبل التي تجعل الدعاء مستجاباً عند الله سبحانه وتعالى, وله الحظوة والمكانة جعلها في هذا الدعاء, من التقديم بين يدي الله عز وجل, والتقرب بالعبادة التي يتقرب بها الإنسان لله سبحانه وتعالى ويتوسل بها قبل دعائه, وكذلك أن يعقب بعد هذا الدعاء بآمين وهو الاستجابة؛ ولذلك الإنسان يدعو لكنه لا يقول: آمين؛ ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام, كان يدعو ربه بلسان واحد وأخوه هارون يقول: آمين, فقال الله عز وجل لموسى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89], فالمؤمن والداعي كلاهما يدعو, فآمين هي الدعاء, فيجوز أن يقال: آمين بالمد, ويجوز أن يقال: أمين, بالقصر.

ولذلك يقول: مجنون ليلى:

يا رب لا تسلبنّي حبها أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا

ويقول الشاعر في قصر كلمة آمين إذا يقال: أمين:

تباعد مني فطحل إذ سألته أَمِين فزاد الله ما بيننا بعداً

فيجوز للإنسان في حال الدعاء أن يؤمن على دعائه, فيما جاء فيه الدليل, ويجوز في غيره, لكن الأصل لا يؤمن على دعائه؛ لأنه دعا بلفظ الدعاء وباللفظ آكد, ومن خلفه لكي لا يتلفظ مع الداعي ولا يكون الدعاء جماعة, قال: آمين, أي: استجب, ولكنه في هذا الموضع يدعو مع قراءته تلك أن الله عز وجل يستجيب له بقوله: آمين؛ ولذلك يعتبر المؤمن داعياً لله سبحانه وتعالى.

من صفات اليهود والنصارى: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من أعظم الصفات التي وصف فيها أهل الكتاب -ويتضح فيها الحكمة البالغة من الحذر, من طريق المغضوب عليهم والضالين, وهم اليهود والنصارى, ويسمون بأهل الكتاب, وببني إسرائيل, واليهود والنصارى- من أظهر صفاتهم: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك يقول الله جل وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:79], كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه, وهذا جعلهم يستحقون اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى.

وعليه يعلم أن الإنسان إنما استعاذ من ذلك الطريق لأجل هذه الصفات, ومن أبرزها: تجنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى صراط الذين أنعم عليهم أصحاب الخيرية الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110], وهذا هو الذي سأل الإنسان الله جل وعلا إياه بقوله, اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6], أي: صراط أهل الخيرية من هذه الأمة, وهم أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وما يقابلهم الذين استعاذ منهم, كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79]؛ ولذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد جعله غير واحد من السلف ركناً من أركان الإسلام, كما جاء عن حذيفة بن اليمان كما رواه محمد بن نصر عن حذيفة بن اليمان قال: ( الإسلام أسهم, الإسلام سهم, والصلاة سهم, والزكاة سهم, والصيام سهم, والحج سهم, والجهاد في سبيل الله سهم, والأمر بالمعروف سهم, والنهي عن المنكر سهم ).

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ما من خير يوجد في هذه الأرض إلا وأصله هذا الباب؛ وما من شر ينتشر في الناس إلا بسبب التفريط في هذا الباب؛ ولذلك وجد عند اليهود والنصارى جميع أنواع الذنوب والمعاصي والموبقات؛ وذلك أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه؛ ولذلك استحقوا المقت واللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى.

وبهذا تظهر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس؛ وذلك أن فيه حماية للأمة من انتشار الفساد في الأرض, ويكفي في ذلك أن فيه بعداً عن التشبه باليهود والنصارى, وذلك أنهم لا يقولون لمن أخطأ: إنك أخطأت, ولمن أصاب: إنك أصبت, وهذا هو طريق أهل الإيمان, بخلاف طريق اليهود والنصارى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الوقاية للأمة من انتشار الفساد وانتشار الشر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه دفع لنزول البلاء على الأمم والشعوب المجتمعات؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117], (( مُصْلِحُونَ )), أي: آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر؛ ولذلك كما في الصحيح من حديث أم سلمة قالت: ( قام النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي فقال: ويل للعرب من شر قد اقترب, اليوم فتح من ردم يأجوج ومأجوج هكذا, وحلق بأصبعيه: السبابة والإبهام, فقالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم, إذا كثر الخبث ), ولذلك الصالحون في الأمة لا يكفون الأمة البلاء ودفع الشر, وإنما الذي يكفيها المصلحون الذين يقومون بأمر الله سبحانه وتعالى, الذي انصرفوا عن طريق اليهود والنصارى وسلكوا طريق أهل الإيمان, فتحققت للأمة بهم مصالح؛ من أعظمها: دفع الشر عن ذلك المجتمع من أن ينزل به عقاب الله سبحانه وتعالى والفتنة والفرقة؛ ولذلك يجهل كثير من الناس سنن الله سبحانه وتعالى في عباده حينما ينزل عليهم العذاب والعقاب في هذه الدنيا, يجهلون ما هي الحكمة من ذلك, فلينظروا لأنفسهم، فما أصابهم الله عز وجل من عقاب وعذاب فهو بسبب تقصيرهم بجانب من الجوانب الشرعية, وعلى رأسها: التفريط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى [هود:117], والهلاك يأتي بجميع أنواع العقاب: بالموت, وبالوباء, وبالغرق, وبالزلازل, والمحن, والفتنة, والقتال, وإذهاب المال, والبركة في الأعمار, وغير ذلك, لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

ارتفاع العذاب بوجود المصلحين في الأرض

فأهل الإصلاح هم مدفعة للشر, ومدفعة للبلاء عن الأمم والشعوب.

يفهم كثير من الناس أن عقاب الله عز وجل للأمم إنما يكون بالزلازل, وأن يسقط الله عز وجل عليهم السماء كسفاً, أو يحل بهم الغرق, أو يسلط الله عز وجل عليهم الجراد والقمل والضفادع والدم وغير ذلك, ويجهل أن لله عز وجل أنواعاً من البلاء عديدة, فلا يعلم جنود الله عز وجل إلا هو, فمن عقاب الله عز وجل: الفتنة, والفرقة, بل سوء خلق الإنسان مع أهله وزوجته هو من هذا البلاء الذي ينزله الله عز وجل عليه, وربما وجد الإنسان بلاء في داره, وفي من حوله في رفقته, وربما لحقت به الضراء في ماله وفي نفسه وفي مجتمعه, وربما خُص بذلك, بحسب تفريطه في هذا الباب.

فلذلك أنواع البلاء والفتنة متعددة فليس لها باب معين, وأبواب الشر التي يدفعها الله عز وجل بالإصلاح كثيرة جداً, يدفعها الله عز وجل بإقامة شعيرة واحدة, وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو الإصلاح؛ ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يفرح بوجود صالحين من غير إصلاح, بل إن الصالحين إذا وجدوا في الأمة من غير إصلاح فذلك علامة وبال وفتنة على الأمة, ويُفهم ذلك بإدراك أنه إذا وجد أهل الصلاح في الأمة وسكتوا عن قول الحق وبيان الشر والتحذير منه ركن العامة إلى قولهم، وظنوا أنهم سكتوا على بصيرة وبينة, فيعم الشر وتعم الفتنة حتى يدرس الحق, ويضمحل ويذوب في الأرض حتى لا يكون له رافع, إلا من رحم الله.

وإنما يفرح الإنسان في وجود المصلحين، وإن كان لديهم تقصير؛ ولذلك المصلحون الذين يوجد لديهم أصل الإيمان أفضل عند الله من العباد الزهاد الذين تفرغوا للعبادة والزهادة, لكنهم لا يرفعون لأمر الله رأساً في باب الإصلاح, ولا الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر؛ وذلك للتلازم بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الدعوة إلى الله عز وجل وطريق الأنبياء, فدعوة النبي عليه الصلاة والسلام ومنهجه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فكل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها هي دعوة إلى الخير, أمر بمعروف أو نهي عن منكر, لا يخرج شيء عن ذلك على الإطلاق؛ ولذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الدعوة إلى الله, وهو التعليم, وهو الإصلاح، وهو إرشاد الناس وهدايتهم, والتحذير من طريق الغواية, كل هذه العبارات جاءت في الوحي من الكتاب والسنة.

من صفات اليهود والنصارى: ترك العمل بالعلم الذي عرفوه

ومن صفات أهل الكتاب: علمهم بوحي الله عز وجل, لكنهم لا يعملون بما علموا من كلام الله؛ ولذلك استحقوا اللعنة والمقت, وقد افترق النصارى عن اليهود في هذا الباب, فكان اليهود أصحاب علم بكلام الله سبحانه وتعالى, بما أنزله الله عز وجل عليهم, فخالفوا ما علموا من كلام الله, فكان النصارى أصحاب جهل بكلام الله, فعبدوا الله عز وجل على غير بينة, فأصبح هؤلاء ضالين, وهؤلاء مغضوباً عليهم, وأصحاب الغضب أشد من أصحاب الضلال؛ وذلك أنهم قد علموا من دين الله سبحانه وتعالى ما خالفوه بفعلهم وهؤلاء لم يعلموا شيئاً, وعبدوا الله عز وجل على جهالة؛ ولذلك لا زال العلماء يحذرون من العالم الذي لا يعمل بعلمه، ولا يقول شيئاً مما علمه الله جل وعلا؛ لأن فيه شبهاً باليهود، ويحذرون من العابد الجاهل؛ لأن فيه شبهاً بالنصارى, يقول الفضيل بن عياض: سمعت سفيان الثوري يقول: كانوا يتعوذون من فتنة العالم الفاجر, ومن فتنة العابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتنون؛ وذلك أن العالم الفاجر فيه شبه من اليهود, والعابد الجاهل فيه شبه من النصارى؛ ولذلك يقول العلماء من السلف وغيرهم: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود, ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى؛ ولذلك شبه الله عز وجل اليهود بأنهم كالحمار يحمل أسفاراً, لديهم علم من علم الله سبحانه وتعالى لكنهم ما عملوا بذلك العلم؛ ولذلك حذر الله عز وجل من طريقهم ذلك.

ولذلك الشر اجتمع في أهل الكتاب بوجود الجهل في فرقة منهم وهم النصارى, ووجود العلم فيهم من غير عمل وهم اليهود, فاستحقوا اللعن والمقت, وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى.

وعليه يُعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر الإنسان بالاستعاذة من طريق اليهود والنصارى إلا لهذه الصفات التي هي فيهم.

خطر العمل ببعض صفات أهل الكتاب

ومن شابه اليهود والنصارى استحق ما استحقوه من العقاب والعذاب الذي أنزله الله عز وجل عليهم كما يأتي ذكره, فإن الإنسان لا يلعن ولا يطرد لذاته, فلا فرق عند الله عز وجل بين أبيض وأحمر وبين عربي وعجمي إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى, فمن تحققت فيه هذه الصفات, استحق من الاستعاذة من طريقه, وكذلك استحق عقاب الله عز وجل بأوضح حجة وأبين برهان؛ وذلك لأنه شابههم بتلك الصفات, فاستحق ما استحقوه بأظهر الحجج والبينات.

وعلى هذا يعلم الإنسان خطر كتمان العلم وعدم بيانه للناس, وكذلك يعلم الإنسان خطر الابتداع في دين الله سبحانه وتعالى, وإن عبد الإنسان الله جل وعلا وأكثر من العبادة والزهادة فإن هذا هو أعظم الحرمان إذا كان على غير علم من الله جل وعلا؛ ولذلك يروى عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى: أنه مر على صومعة نصراني وهو يتعبد فيها فبكى, فناداه فخرج إليه, فقال: ما يبكيك؟ فقال: عمر بن الخطاب عليه رضوان تعالى, تذكرت قول الله تعالى, عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:3], أي: عاملة في الدنيا, ناصبة في النار يوم القيامة, قد تجردت من لذائذ الدنيا وانقطعت إلى العبادة بالكلية, ونزلت في الهاوية في نار جهنم, فحرمت الدنيا والآخرة؛ ولذلك يعلم الإنسان خطر الابتداع في دين الله سبحانه وتعالى.

خطر البدع والإحداث في الدين

ولذلك كان الأصل في البدعة أنها أحب وأعظم إلى إبليس من المعصية؛ وذلك أن المعصية يفعلها الإنسان وهو يعلم أنها معصية ويدعو الله عز وجل أن يجنبه إياها, ويستغفر ويتوب منها, أما المعصية فيفعلها الإنسان وهو يظن أنها عبادة لله عز وجل وقربة, وينتظر من الله عز وجل ثواباً عليها.

ولذلك روي عن النبي عليه الصلاة السلام من طرق متعددة أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يقبل الله من صاحب بدعة توبة ), قال الإمام أحمد عليه رحمة الله: المراد بذلك أنه لا يوفق للتوبة, ولماذا لا يوفق للتوبة؟ لأنه قد أُشرب في قلبه ذلك العمل؛ لأنه يفعله عن عبادة وتدين, وما يفعله الإنسان من أفعال عن طريق العبادة والتدين لا ينتزع من قلبه إلا بعبادة وتدين آخر, بخلاف ما يفعله الإنسان من باب المعصية, فينتزع عنه بحسب هواه وبحسب ثباته على دين الله سبحانه وتعالى واستقامة على أمر الله.

ولذلك كان أبعد الناس عن التوبة أهل البدع والضلال, وأقربهم إلى التوبة أهل الحق وأهل المعصية, الذين عصوا الله عز وجل مع علمهم أنهم عصوا الله عز وجل, فهم أقرب إلى التوبة؛ لأنهم يعلمون أن الله عز وجل قد أعد لهم عقاباً. وهذا الباب يستثنى منه اليهود؛ إذ هو في الأمم كلها إلا في اليهود, أي: في باب المعصية وفي باب البدعة, فالنصارى أقرب إلى التوبة من اليهود؛ ولذلك فاليهود لديهم علم بوحي الله عز وجل, أن هذا هو الحق؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:197], من هو؟ محمد صلى الله عليه وسلم, يعلمونه في كتابهم أنه نبي الله سبحانه وتعالى حق, لكنهم خالفوه استكباراً, والمراد بعلماء بني إسرائيل هنا هم اليهود والنصارى, والنص ينصرف هنا إلى اليهود على الأولى؛ لأنهم أعلم بكتابهم من النصارى؛ ولذلك وقع التحريف في كتب النصارى أكثر مما وقع في كتب اليهود.

من صفات اليهود والنصارى: تحريف كلام الله

ومن صفات اليهود والنصارى: تحريفهم لكلام الله جل وعلا, والتحريف على ضربين:

إما تحريف للرسم واللفظ, وإما تحريف للمعنى, وكلها قد وقعت في اليهود والنصارى؛ ولذلك لعنهم الله عز وجل وطردهم وأبعدهم من رحمته.

والمعنى الثاني: صرف اللفظ عن ظاهره, قد وقع فيمن له شبه باليهود والنصارى, ممن ينتسب للعلم من أهل الإسلام, فصرفوا معاني الألفاظ إلى غيرها؛ ليصدوا عن سبيل الله؛ ولذلك خالفوا ميثاق الله عز وجل الذي أمر به, وهو البيان للناس, فلما خالفوه استحقوا اللعن والطرد والإبعاد, فاشتركوا مع اليهود والنصارى باللعن؛ ولذلك يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159], قيل في اللاعنين: إنهم الملائكة, وقيل فيهم: إن الدواب كلها تلعنهم؛ لأنه قد ... الناس من مخالفة أمر الله عز وجل وما تبع ذلك من سخط الله عز وجل ونزول البلاء بسبب تحريف كلام الله سبحانه وتعالى, عن مواضعه؛ ولذلك حذر الله عز وجل من تحريف المعنيين.

من صفات اليهود والنصارى: ادعاؤهم أنهم أولياء الله وأحباؤه

ومن صفات اليهود والنصارى: ادعاؤهم أنهم أولياء الله جل وعلا وأحب الناس إليه, مع ظهور انحرافهم وضلالهم؛ ولذلك يجب على الإنسان أن لا يغتر بدعوة داع يقول: إنه أقرب الناس إلى الصواب, وأقرب الناس إلى الحق ما لم يكن لديه شيء من الكتاب والسنة يعتمد عليه, فكلٌ يدعي وصلاً بالكتاب والسنة وتمسكاً بهما, إلا من أزاغ الله جل وعلا قلبه فانحرف على بينة من أمره, فاستحق العقاب بالحجة الظاهرة البينة؛ ولذلك كان اليهود والنصارى أصحاب تدليس وتلبيس.

من صفات اليهود والنصارى: نقض المواثيق والعهود

ومن صفاتهم: نقض المواثيق والعهود ومخالفة القول الذي قالوه ووعدوا به, كما قال الله جل وعلا: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13], فهم نقضة للعهود والمواثيق, وما يحدث في نقض العهود والمواثيق بين الناس, من حدوث شر وفتنة وإراقة الدماء, واستباحة الأعراض والأموال وسلبها, يُعلم أن أصل ذلك هو نقض العهود والمواثيق التي بين الناس.

أنواع العهود والمواثيق

وقد جعل الله عز وجل العهود والمواثيق على ضربين:

الضرب الأول: ما أخذه الله عز وجل, على الناس من عهود ومواثيق فيما بينهم, فبين الحلال وبين الحرام, فمن اعتدى من ذلك فقد نقض ذلك الميثاق الذي قد أتمن عليه؛ ولذلك عظم الله عز وجل بعض المحرمات على بعض، وإن كانت من جنسها كلما قوي العهد والميثاق من أمر الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك عظم الله عز وجل الزنا من شخص لآخر, والربا من شخص لآخر, والقتل من شخص لآخر, والغيبة من شخص لآخر؛ ولذلك ( سئُل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تشرك بالله وقد خلقك, قيل: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك )؛ وذلك لوجود العهد والميثاق, وكذلك بغلبة حال الناس فيما تعارفوا عليه, ومن ذلك: أن الإنسان يأمن من حوله, وكلما قرب الإنسان من إنسان دل على ثقته به, فإن خانه دل على أن ذلك خبيث الطوية والسريرة, فكان به شبه من طريق اليهود والنصارى, فاستحق اللعن والمقت.

الضرب الثاني: ما أخذه بعض الناس من بعض على الوفاء، من لزوم طريقة صادقة في القول والفعل, أو في البيع والشراء, أو حقن الدماء وغيرها, فإذا نقض كان ذلك طريق اليهود والنصارى؛ ولذلك من سلك هذا السبيل كان به شبه من اليهود والنصارى.

من صفات اليهود والنصارى: الكذب على الله

ومن صفاتهم: الكذب على الله سبحانه وتعالى, والقول على الله جل وعلا بلا علم؛ ولذلك قال اليهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُه [المائدة:18], وقالوا افتراء على الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا [آل عمران:183], بماذا؟ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ [آل عمران:183], قالوه لعيسى عليه الصلاة والسلام, وهذا ادعاء وكذب على الله جل وعلا, فمن أفتى بغير ما علم لأجل مطمع من الدنيا فقد كذب على الله عز وجل, وكان فيه شبه من اليهود والنصارى.

وهذا من أعظم المخاطر التي لعن لأجلها بنو إسرائيل؛ وذلك أنهم لبسوا على الناس دينهم, ولبسوا الحلال بالحرام, فاستحقوا العقاب في الدنيا والآخرة.