تعظيم النبي وحكم التعرض له


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الأمة، وأنعم عليها بنعم عظيمة جليلة القدر، وأكرم الله سبحانه وتعالى الخليقة كلها، وأنار لها بنور من السماء، وجعل مشعله بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينير لمن أراد الهداية ووضوح السبيل ينير له طريقه, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشعله الذي بين يديه الأمة على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ وذلك أن الله جل وعلا بيّن الحجة بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوضح المحجة؛ فكانت هداية للمهتدي، وكانت أيضاً غواية لمن أراد الغواية.

كان العرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء، يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم نساء بعض، تستضعفهم الدول ممن حولهم، فيستبيحونهم ويسومونهم سوء العذاب، وينظرون إليهم كأمة متخلفة لا تستطيع حيلة ولا تهتدي سبيلاً؛ فعكفوا على معبود لم تفكر به خليقة من قبل على صفة مبتكرة لا تعرفها البشرية، وقد جاء في الصحيح: ( أن العرب إذا كانوا في سفر، ولم يجدوا حجراً، احتلبوا عنزاً، حتى إذا يبس موضع التراب عبدوه من دون الله )! فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادياً للبشرية فاكاً لقيدها، أطلق عقولها؛ لتتأمل وتستنير، حبس عن كثير من أهل الأهواء أهواءهم، وحبس عن كثير من الضلال ضلالهم؛ فحفظ الأموال، وأطلق القلوب والعقول أن تتعلق بغير الله عز وجل، وأمر بالتوجه إلى الله جل وعلا وحده، وأمر عليه الصلاة والسلام أن تبقى روح الإنسان وجسده حراً لا يتوجه إلا لله؛ ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، جاء في تفسير هذا عن غير واحد من المفسرين أن المراد بذلك هو: مواضع الأعضاء السبعة التي يسجد عليها الإنسان، لا تنحني ولا توضع إلا لله سبحانه وتعالى، ومن وضعها لغير الله فقد كفر وأشرك وخرج من ملة الإسلام.

كان فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمة الإسلام ديناً ودنيا، وحتى من كان منطوياً تحت لوائه بنفاق فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم له فضل عليه، وكل من جاء في هذه الأمة ممن تبع أمة الإسلام سواء كان منافقاً أو غير منافق فلرسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فضل في دينه ودنياه، ولم تكن العرب تعرف دولة يهابها من حولها إلا بعد بزوغ شمس النبوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد فضل الله تعالى النبي عليه الصلاة والسلام بجملة من الفضائل، ووهبه جملة من المواهب مما آتاه من كتابه، وأرسى فيه الله جل وعلا من الحكمة والبيان، وغسل قلبه عليه الصلاة والسلام بماء من عنده؛ فوضع فيه الإيمان والحكمة، ولم يكن هذا لأحد إلا لرسول صلى الله عليه وسلم؛ لهذا كان النبي أكمل الخلق هدياً وأقومهم خلقاً وأتمهم عليه الصلاة والسلام في ذلك على الإطلاق، وعلى خلاف عند المسلمين في هذا؛ ولهذا لما سئلت عائشة عليه رضوان الله عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن: يسخط لسخطه ويرضى لرضاه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم منته على هذه الأمة عظيمة؛ وذلك أنه ما استلذ بشيء من هذه الدنيا كما يستلذ ملوك الأرض وأسيادها ووجهائها وأرباب المال فيها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخضع لأمره عجم وعرب، ومع ذلك كان على حصير، ولم يدع ناقة ولا جملاً ولا بقرة ولا شاة بل مات -كما في الصحيح من حديث عائشة- ودرعه مرهونة عند يهودي، ولم يدع مالاً كما في جاء في حديث عبد الله بن أوفى في الصحيح.

وفي هذا إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء بالصلاح؛ لإصلاح البشرية في نفسها وإقامة أمرها، وبيان طريق الهداية لها.

فالواجب عليها أن تشكر للمحسن فضله إن كانت صاحبة دنيا، وإن كانت صاحبة دين ودنيا فلرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل عليها.

أجمع العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق على الإطلاق، وأنه أفضل الأنبياء عليه الصلاة والسلام.

كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة؛ طلباً لهدايتها وإخراجها من رق جاهلية ماضية، وما بُدل من الشرائع السابقة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم فضلًا لأمته أمة الإجابة، وفضلاً على غيرها من غير أتباعه من أمة الدعوة كاليهود والنصارى.

ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، والخيرية لهذه الأمة لم تكن لها إلا بسبب خيرية نبيها، ولا خلاف عند العلماء في ذلك, وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، أنه قال: ( أنا أفضل الأنبياء، وأمتي أفضل الأمم ).

والنبي صلى الله عليه وسلم قد خبأ دعوة لأمته تنالها يوم القيامة، وهي أن يكون شافعاً لها.

فضيلة رسول الله بكونه سيد ولد آدم

إن العلماء لا يبحثون في مقام النبي عليه الصلاة والسلام عند الحديث عن فضله على غيره بالنسبة للبشر، وإنما ينصون في ذلك على مقامه وفضله بالنسبة للأنبياء؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضله الله عز وجل على سائر الأنبياء أجمعين؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي نضرة أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله خطبهم بالبصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، بيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم ومن تحته تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر ) .

فضيلة رسول الله بحفظ أمته بدعوته

كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه لأمته: الدعاء لها بالحماية والأمن بأن لا يستبيح عدو بيضتها فيتسلط عليها.

إن الأمة لم تحفظ بثرواتها من أعدائها، وإنما حفظت بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أدرك الطغاة والظلمة الذين تولوا بلدان المسلمين، أو أدرك الفساق والفجار فضل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحماية بيضتهم أن لا يسلط الله عليهم بوجود الإيمان والكتاب الذي جعله الله عز وجل بين أظهرهم! لكانوا على غير ما هم عليه من الانحراف.

قد جاء في حديث ثوبان كما جاء في الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من نبي إلا وعجّل الله له دعوته في الدنيا، وإني خبأت دعوتي عند الله عز وجل في الآخرة، وإني سألت ربي سبحانه وتعالى مسائل فأعطاني، سألته: أن لا يسلط على هذه الأمة عدواً لها؛ فيستبيح بيضتها، وألا يهلك هذه الأمة بسنة عامة، فقال الله عز وجل: يا محمد، إني إن قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولك أن لا أسلط على أمتك عدواً فيستبيح بيضتها). وأن لا يسلط الله عز وجل عليها أحدًا من غيرها إلا فيما يكون فيما بينها، ولو اجتمع أعداؤها من أقطارها, يعني: على هذه الأمة.

إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل حماية الأمة في زمنه، وحماية الأمة فيما يأتي بعده، فلو تكالبت الأمم على اختلاف أديانها ومذاهبها وعقائدها وأهوائها على أن تستباح هذه الأمة كلها وإن كانت أوازعًا لم تستطع؛ لأن الله عز وجل قضى قضاء لا يرد أن الأمة لا يستبيحها عدو من خارجها؛ فتهلك هذه الأمة بذلك العدو، ولكن الله عز وجل جعل عقاب هذه الأمة أن سلط بعضها على بعض، وتسليط أمة بعضها على بعض أهون من تسليط عدو خارجي عليها؛ وذلك أن العدو إذا تسلط على الأمة فاستباح بيضتها يعني أزالها عن بكرة أبيها، ويعني ذلك زوال الإسلام، وهذا ينافي ما أعطاه الله عز وجل نبيه من حفظه لكتابه وإبقائه لهذا الدين؛ لهذا يقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

فدستور الأمة: القرآن، وحامله رسول الله، والعلماء ورثة الأنبياء، والعلماء باقون ما بقي الإسلام إلى قيام الساعة، فالأمة ظاهرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن زعم أن فضل نبينا عليه الصلاة والسلام على أمة الإسلام تديناً وتعبداً فهذا من جهله؛ ففضل النبي عليه الصلاة والسلام على هذه الأمة حتى فيما يتعلق في ممتلكاتها وأموالها وثرواتها، وكذلك أعراضها، فالله عز وجل قد يسلط على طرف من أطرافها، لكنه لا يسلط على بيضتها من يستبيح حماها؛ فتزول عن بكره أبيها، وهذا ليس لأمة إلا لأمة الإسلام.

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل فضله على الأنبياء بست، وجاء في بعض الروايات بأربع، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فضلت على الأنبياء بست وجاء في المسند وغيره بأربع قال: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وختم الله بي النبيين، وأرسلت إلى الناس كافة ).

إن الله سبحانه وتعالى قد حمى هذه الأمة بتلك الفضائل والخصائص لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فضيلة رسول الله برفع الله له ذكره

لقد أعلى الله عز وجل مقام رسوله وجعله باقيًا في مشارق الأرض ومغاربها؛ فرفع الله له ذكره عليه الصلاة والسلام فلا يذكر الله إلا وهو معه، كما ذكر ابن جرير الطبري من حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أنه قال: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]، قال: ما ذكرتُ إلا ذكرتَ معي! وهذه خصيصة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن أمان هذه الأمة في أمر الدنيا، وأمانها أيضًا في أمر الآخرة، وحسن عاقبتها لا يكون إلا بسبب هذا الرسول النبي الأمين، الذي بعثه الله عز وجل من أنفسنا عزيزاً علينا، حريصاً على المؤمنين رؤوفاً رحيماً بهم.

هذه الخصال التي ذكرها الله عز وجل عن نبيه في أوائل سورة المؤمنين، كما جاء في البيهقي من حديث يزيد عن عائشة عليها رضوان الله حينما سئلت عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام وهديه قالت: اقرأ سورة المؤمنين، فقرأ سورة المؤمنين حتى بلغ الآية العاشرة، فقالت: هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في بعض الروايات أنها قالت: كان خلقه القرآن يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه.

إن الخصائص التي كانت لهذه الأمة من فضائل، وبيان منزلة، وحسن عاقبة في أمر الدنيا وفي الآخرة؛ إنما كان ذلك لفضل نبيها عليه الصلاة والسلام.

لا أعلم أحداً من علماء الإسلام من شكك في أن النبي ليس بسيد ولد آدم، وأنه ليس بأفضل الأنبياء، ويتفقون على ذلك ولا خلاف عندهم في ذلك، إلا في بعض المسائل التي ينهى فيها عن تفضيله على غيره؛ بسبب خصومة وشقاق حصل بين مسلم ومعاهد.

وقال غير واحد من العلماء: إن سبب ذلك هو تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم المقترن باللحمة بين المسلمين وبين بعض المعاهدين، كذلك فعله تواضعًا لمقام الأنبياء من آبائه عليه الصلاة والسلام كإبراهيم ومن جاء بعده، وكذلك من سبقه عليهم الصلاة والسلام.

إن العلماء لا يبحثون في مقام النبي عليه الصلاة والسلام عند الحديث عن فضله على غيره بالنسبة للبشر، وإنما ينصون في ذلك على مقامه وفضله بالنسبة للأنبياء؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضله الله عز وجل على سائر الأنبياء أجمعين؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث أبي نضرة أن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله خطبهم بالبصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، بيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم ومن تحته تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر ) .

كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه لأمته: الدعاء لها بالحماية والأمن بأن لا يستبيح عدو بيضتها فيتسلط عليها.

إن الأمة لم تحفظ بثرواتها من أعدائها، وإنما حفظت بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أدرك الطغاة والظلمة الذين تولوا بلدان المسلمين، أو أدرك الفساق والفجار فضل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحماية بيضتهم أن لا يسلط الله عليهم بوجود الإيمان والكتاب الذي جعله الله عز وجل بين أظهرهم! لكانوا على غير ما هم عليه من الانحراف.

قد جاء في حديث ثوبان كما جاء في الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من نبي إلا وعجّل الله له دعوته في الدنيا، وإني خبأت دعوتي عند الله عز وجل في الآخرة، وإني سألت ربي سبحانه وتعالى مسائل فأعطاني، سألته: أن لا يسلط على هذه الأمة عدواً لها؛ فيستبيح بيضتها، وألا يهلك هذه الأمة بسنة عامة، فقال الله عز وجل: يا محمد، إني إن قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولك أن لا أسلط على أمتك عدواً فيستبيح بيضتها). وأن لا يسلط الله عز وجل عليها أحدًا من غيرها إلا فيما يكون فيما بينها، ولو اجتمع أعداؤها من أقطارها, يعني: على هذه الأمة.

إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل حماية الأمة في زمنه، وحماية الأمة فيما يأتي بعده، فلو تكالبت الأمم على اختلاف أديانها ومذاهبها وعقائدها وأهوائها على أن تستباح هذه الأمة كلها وإن كانت أوازعًا لم تستطع؛ لأن الله عز وجل قضى قضاء لا يرد أن الأمة لا يستبيحها عدو من خارجها؛ فتهلك هذه الأمة بذلك العدو، ولكن الله عز وجل جعل عقاب هذه الأمة أن سلط بعضها على بعض، وتسليط أمة بعضها على بعض أهون من تسليط عدو خارجي عليها؛ وذلك أن العدو إذا تسلط على الأمة فاستباح بيضتها يعني أزالها عن بكرة أبيها، ويعني ذلك زوال الإسلام، وهذا ينافي ما أعطاه الله عز وجل نبيه من حفظه لكتابه وإبقائه لهذا الدين؛ لهذا يقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

فدستور الأمة: القرآن، وحامله رسول الله، والعلماء ورثة الأنبياء، والعلماء باقون ما بقي الإسلام إلى قيام الساعة، فالأمة ظاهرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن زعم أن فضل نبينا عليه الصلاة والسلام على أمة الإسلام تديناً وتعبداً فهذا من جهله؛ ففضل النبي عليه الصلاة والسلام على هذه الأمة حتى فيما يتعلق في ممتلكاتها وأموالها وثرواتها، وكذلك أعراضها، فالله عز وجل قد يسلط على طرف من أطرافها، لكنه لا يسلط على بيضتها من يستبيح حماها؛ فتزول عن بكره أبيها، وهذا ليس لأمة إلا لأمة الإسلام.

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل فضله على الأنبياء بست، وجاء في بعض الروايات بأربع، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فضلت على الأنبياء بست وجاء في المسند وغيره بأربع قال: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وختم الله بي النبيين، وأرسلت إلى الناس كافة ).

إن الله سبحانه وتعالى قد حمى هذه الأمة بتلك الفضائل والخصائص لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد أعلى الله عز وجل مقام رسوله وجعله باقيًا في مشارق الأرض ومغاربها؛ فرفع الله له ذكره عليه الصلاة والسلام فلا يذكر الله إلا وهو معه، كما ذكر ابن جرير الطبري من حديث ابن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أنه قال: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]، قال: ما ذكرتُ إلا ذكرتَ معي! وهذه خصيصة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن أمان هذه الأمة في أمر الدنيا، وأمانها أيضًا في أمر الآخرة، وحسن عاقبتها لا يكون إلا بسبب هذا الرسول النبي الأمين، الذي بعثه الله عز وجل من أنفسنا عزيزاً علينا، حريصاً على المؤمنين رؤوفاً رحيماً بهم.

هذه الخصال التي ذكرها الله عز وجل عن نبيه في أوائل سورة المؤمنين، كما جاء في البيهقي من حديث يزيد عن عائشة عليها رضوان الله حينما سئلت عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام وهديه قالت: اقرأ سورة المؤمنين، فقرأ سورة المؤمنين حتى بلغ الآية العاشرة، فقالت: هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في بعض الروايات أنها قالت: كان خلقه القرآن يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه.

إن الخصائص التي كانت لهذه الأمة من فضائل، وبيان منزلة، وحسن عاقبة في أمر الدنيا وفي الآخرة؛ إنما كان ذلك لفضل نبيها عليه الصلاة والسلام.

لا أعلم أحداً من علماء الإسلام من شكك في أن النبي ليس بسيد ولد آدم، وأنه ليس بأفضل الأنبياء، ويتفقون على ذلك ولا خلاف عندهم في ذلك، إلا في بعض المسائل التي ينهى فيها عن تفضيله على غيره؛ بسبب خصومة وشقاق حصل بين مسلم ومعاهد.

وقال غير واحد من العلماء: إن سبب ذلك هو تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم المقترن باللحمة بين المسلمين وبين بعض المعاهدين، كذلك فعله تواضعًا لمقام الأنبياء من آبائه عليه الصلاة والسلام كإبراهيم ومن جاء بعده، وكذلك من سبقه عليهم الصلاة والسلام.

إن الله سبحانه وتعالى فضل هذه الأمة بجملة من الفضائل:

تيسير الله لها الفتوحات الإسلامية

فمن ذلك: ما جعله الله عز وجل لهذه الأمة من فتوحات ممتدة، وهذا لا يكون لأمة من الأمم ولا لفكر عقلاني ولا أي شرعة سابقة؛ لأن الشرائع السابقة جعلها الله لأمة من الأمم خاصة؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل بعثني إلى الناس كافة )، وقبل ذلك يقول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].

فقد جعله الله رسولًا للناس كافة، وأما من سبقه من الأنبياء فقد كانوا لقومهم خاصة؛ فلما كان النبي للناس كافة كانت الفتوحات، وكذلك تهيئة الأسباب القدرية من الأمور التي تتوافق مع الحكم الشرعية في هذا؛ لهذا كانت الفتوحات ممتدة على أيدي أصحابه، ففتحوا العراق والشام وفارس، ومصر وبلاد إفريقية، وشيئًا من أطراف شرق آسيا، وذلك في القرن الأول. وهذا لا يمكن أن يكون انتشارًا لا لرأي ولا لعقيدة مهما كان انبثاقها من جهة النظريات العقلية أو الفلسفات، أو كذلك أيضًا العقائد التي تنتسب ولو كانت إلى شيء من شرائع السماء السابقة.

وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإن الله أعطاني الكنزين )، فأعطى الله عز وجل نبيه الكنوز التي كانت بأيدي الكافرين؛ بسبب ذلك الدين.

مضاعفة الأجر في الأعمال

وكذلك من فضائل هذه الأمة التي كانت بسبب دعوة محمد صلى الله عليه وسلم: أن الأمة أجرها مضاعف يختلف عن غيره؛ فعمل الأمة من جهة الثواب عند الله في العبادة التي تتشابه مع غيرهم من الأنبياء أعظم ممن كان سابقًا لهم من اليهود والنصارى، فقد جاء في الصحيح من حديث نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن مثلكم ومثل الذين قبلكم -يعني: اليهود والنصارى- كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من الغدوة إلى صلاة الظهر على قيراط؟! فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط؟! فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى صلاة المغرب على قيراطين؟! فعملتم أنتم، فقالوا: ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟! فقال: ذلك فضلي أؤتيه من أشاء ).

إن الله سبحانه وتعالى ما بخس الأمم حقها، ولكنه زاد أمة الإسلام فضلًا؛ لهذا كانت هذه الأمة ببركة هذا النبي أكثر الأمم دخولًا الجنة وأقلها دخولًا النار؛ ولهذا أمر الله عز وجل بتعظيمه عليه الصلاة والسلام واتباعه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

إن محبة الله عز وجل على الحقيقة سواء كان مدعيها الرجل كتابياً أو كان مسلماً لا يمكن أن تتحقق إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان الأثر في ذلك من تكفير الذنوب وعظم الحسنات في تقييدها؛ بسبب هذا الرسول النبي الأمي عليه الصلاة والسلام.

قد روى الطبراني وغيره من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أهل الجنة مائة وعشرون صفًا، أمتي منهم ثمانون، وإنكم توافون يوم القيامة سبعين أمة، أنتم خيرها يوم القيامة ).

وكذلك فيما يتعلق بدخولهم النار؛ فإنهم أقل الأمم دخولًا للنار؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، ما أنتم في أهل النار إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود)؛ وهذا ببركة تلك الشريعة، وبركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإحكام هذا الدين ووضوحه.

إن الإنسان يصيب بحيرة إذا كان يتبنى فكرًا أو عقيدة ليست على بينة وعلى برهان، أو تردد في الحق؛ فإن أعظم اضطراب أن يضطرب الإنسان في شيء من عبادته، فضلًا أن يضطرب الإنسان في توحيد يصرفه لله سبحانه وتعالى في معرفة معبوده.

إن الله عز وجل جلى بنبيه عليه الصلاة والسلام الحق، وأزال الشبهات مهما دقت أو جلت؛ فما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه؛ لهذا كان المتبع في هذه الأمة قلما يرتد عن دين الله.

فمن ذلك: ما جعله الله عز وجل لهذه الأمة من فتوحات ممتدة، وهذا لا يكون لأمة من الأمم ولا لفكر عقلاني ولا أي شرعة سابقة؛ لأن الشرائع السابقة جعلها الله لأمة من الأمم خاصة؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل بعثني إلى الناس كافة )، وقبل ذلك يقول الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28].

فقد جعله الله رسولًا للناس كافة، وأما من سبقه من الأنبياء فقد كانوا لقومهم خاصة؛ فلما كان النبي للناس كافة كانت الفتوحات، وكذلك تهيئة الأسباب القدرية من الأمور التي تتوافق مع الحكم الشرعية في هذا؛ لهذا كانت الفتوحات ممتدة على أيدي أصحابه، ففتحوا العراق والشام وفارس، ومصر وبلاد إفريقية، وشيئًا من أطراف شرق آسيا، وذلك في القرن الأول. وهذا لا يمكن أن يكون انتشارًا لا لرأي ولا لعقيدة مهما كان انبثاقها من جهة النظريات العقلية أو الفلسفات، أو كذلك أيضًا العقائد التي تنتسب ولو كانت إلى شيء من شرائع السماء السابقة.

وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإن الله أعطاني الكنزين )، فأعطى الله عز وجل نبيه الكنوز التي كانت بأيدي الكافرين؛ بسبب ذلك الدين.

وكذلك من فضائل هذه الأمة التي كانت بسبب دعوة محمد صلى الله عليه وسلم: أن الأمة أجرها مضاعف يختلف عن غيره؛ فعمل الأمة من جهة الثواب عند الله في العبادة التي تتشابه مع غيرهم من الأنبياء أعظم ممن كان سابقًا لهم من اليهود والنصارى، فقد جاء في الصحيح من حديث نافع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن مثلكم ومثل الذين قبلكم -يعني: اليهود والنصارى- كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي من الغدوة إلى صلاة الظهر على قيراط؟! فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط؟! فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى صلاة المغرب على قيراطين؟! فعملتم أنتم، فقالوا: ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟! فقال: ذلك فضلي أؤتيه من أشاء ).

إن الله سبحانه وتعالى ما بخس الأمم حقها، ولكنه زاد أمة الإسلام فضلًا؛ لهذا كانت هذه الأمة ببركة هذا النبي أكثر الأمم دخولًا الجنة وأقلها دخولًا النار؛ ولهذا أمر الله عز وجل بتعظيمه عليه الصلاة والسلام واتباعه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

إن محبة الله عز وجل على الحقيقة سواء كان مدعيها الرجل كتابياً أو كان مسلماً لا يمكن أن تتحقق إلا باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان الأثر في ذلك من تكفير الذنوب وعظم الحسنات في تقييدها؛ بسبب هذا الرسول النبي الأمي عليه الصلاة والسلام.

قد روى الطبراني وغيره من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أهل الجنة مائة وعشرون صفًا، أمتي منهم ثمانون، وإنكم توافون يوم القيامة سبعين أمة، أنتم خيرها يوم القيامة ).

وكذلك فيما يتعلق بدخولهم النار؛ فإنهم أقل الأمم دخولًا للنار؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، ما أنتم في أهل النار إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود)؛ وهذا ببركة تلك الشريعة، وبركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإحكام هذا الدين ووضوحه.

إن الإنسان يصيب بحيرة إذا كان يتبنى فكرًا أو عقيدة ليست على بينة وعلى برهان، أو تردد في الحق؛ فإن أعظم اضطراب أن يضطرب الإنسان في شيء من عبادته، فضلًا أن يضطرب الإنسان في توحيد يصرفه لله سبحانه وتعالى في معرفة معبوده.

إن الله عز وجل جلى بنبيه عليه الصلاة والسلام الحق، وأزال الشبهات مهما دقت أو جلت؛ فما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه؛ لهذا كان المتبع في هذه الأمة قلما يرتد عن دين الله.

لقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيم وتقدير بهر عقول خصومه؛ فقد جاء في الصحيح من حديث عروة بن مسعود أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما بعثه قومه قبل أن يسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وفي هذا عبرة لعظم حال النبي عليه الصلاة والسلام عند أصحابه، ولعظم النبي صلى الله عليه وسلم حتى في منظار خصومه- يقول عروة بن مسعود: والله لقد رأيت الملوك كسرى وقيصر، فما رأيت أحدًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، كان إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تنخم بنخامة وقعت في يد أحدهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم غضوا أبصارهم؛ حياءً من النظر إليه، ثم رجع إلى قومه فقال: يا قوم، إني رأيت كسرى، ورأيت قيصر، ورأيت النجاشي، والله ما رأيت قوماً يعظمون سيدهم كما رأيت هؤلاء ما يفعلون بمحمد، والله إنه إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تنخم بنخامة وقعت في يد أحدهم فدلك بها في وجهه وجلده، وإنه إذا تكلم أطرقوا برءوسهم من النظر إليه! ثم أرشد قومه إلى اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن محبة القلوب التي يجعلها الله عز وجل لرجل لا تكون بالكبر ولا تكون بالمال ولا تكون بالجاه ولا بالرياسة؛ وإنما هي محبة يضعها الله عز وجل في قلوب عباده؛ فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحاب الأملاك، ولا من أصحاب الأموال، ولا من أصحاب الجاه لذاته عليه الصلاة والسلام، ومع أن خصومه ظلوا يقعون فيه بالكذب والبهتان، لكن الله عز وجل جعل له من المنزلة العظيمة مكاناً لم يصل إليه أحد من الخلق.

أراد خصومه تشويهًا له في سمعته؛ فذكروه بسوء، فجعل الله ذلك السوء نصرًا له برعب قذف في قلوبهم، كما جاء في الصحيح قال: ( ونصرت بالرعب مسيرة شهر كامل ).

والمنافقون هم أيدي لمن كان وراءهم فيما يذكرونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي وبهتان، وأرادوا أن يظهروا أيضاً حال رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشدد والغلو والترهيب؛ وكذلك البغي والظلم؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما كف عن بعض الشيء؛ لما يبلغه من ذلك الأمر، كما جاء في الصحيح -حينما استأذنه بعض الصحابة في قتل بعض المنافقين- فقال: ( أتريد أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟! ).

التواضع واللين

لقد كان من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما انتقم لنفسه وما ضرب صبيًا ولا رجلًا ولا امرأة ولا خادمًا قط، إلا أن ينتقم لحدود الله سبحانه وتعالى.

كان غاية في التلطف مع أصحاب الحاجات، يقضي حاجاتهم، وقد جاء في الصحيح من حديث أنس بن مالك قال: إن الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذهب به في المدينة حيث شاءت، وقد جاء في بعض الطرق خارج الصحيح أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفك يده من يدها حتى تكون هي تفك يدها من يده عليه الصلاة والسلام.

قالت عائشة عليها رضوان الله تعالى: والله ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ولا خادمًا ولا صبيًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله.

الزهد عن الدنيا والرغبة في الآخرة

النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من الدنيا، فلم يشارك الناس في أموالهم ولا في ثرواتهم ولا في جاههم، وما شاركهم عليه الصلاة والسلام أيضًا في أنسابهم.

أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من العرب على اختلاف أطيافهم عليه الصلاة والسلام، وما نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى جاه أحد؛ فاعتبره في دين الله، وما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسب أحد؛ فاعتبره في دين الله، لقد ساومه كفار قريش على الدين، فقال: ( لو جعلوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت ما أنا عليه ) ، عرضت عليه الدنيا فتركها كلها؛ لينير البشرية، عرضوا عليه الجاه، وعرضوا عليه خير النسب، وقد جاء أنهم عرضوا عليه بواسطة عمه أبي طالب، أنهم قالوا له: إن شاء أعطيناه من مالنا ما يسد حاجته، وزوجناه من نسائنا من يشاء على أن يدع ما هو عليه, وأن يبقى على ديننا, فقال مقولته: ( والله لو جعلوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، ما تركت ما أنا عليه )، حتى أرادوه من ذلك أن يتنزل شيئًا، فيعبد الأصنام ستة أشهر ويعبد ربه ستة أشهر، كشيء من التوسط فيما يزعمون في ذلك؛ فأنزل الله عز وجل عليه: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:1-2]، إشارة إلى المفارقة والمفاصلة، إما نور بين وإما ظلام بين، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2] فجعل الله عز وجل الناس طائفتين: طائفة من أهل الإيمان، وطائفة من أهل الكفر، وما عدا ذلك فإنها تقسيمات يجري فيها الناس بعضها شرعي، وبعضها ليس بشرعي.

جعل الله عز وجل منزلته خير المنازل، وجعل الله عز وجل أمته تبعاً لتلك المنزلة خير المنازل؛ فما كانت الأمة لتنال تلك الخيرية كما في الحديث: ( أنا أفضل الأنبياء, وأمتي أفضل الأمم )، وفي قول الله عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، بسبب هذا النبي الذي قادها، فكانت هذه الخيرية تتبع حتى الفاسق الموحد الذي يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزازًا بدينه، وتكميلًا أيضًا لما بقي من دنياه, ولو كانت الأمة أمة العرب خاصة على ما هي عليه، ولم يكن ثمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبقيت على ما هي عليه؛ فاستبيحت هذه الأمة فيما يتعلق بأمر دنياها، وأما في أمر دينها فإنها منشغلة بعبادة معبود من دون الله تنحته وتصنعه بيدها، ثم تخضع له من دون الله.

تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذية والبلاء والفتنة عليه الصلاة والسلام في ماله ونفسه ما تحمل وأطاقه، وصبّره الله عز وجل على ذلك.

صبره في ذات الله

طرد النبي عليه الصلاة والسلام من مكة، وذهب إلى الطائف، وطرد من الطائف وتحمل من ذلك بلاءً.

حوصر النبي عليه الصلاة والسلام في شعب مكة ثلاث سنين كما رواه ابن إسحاق في كتابه السيرة, وأوذي النبي عليه الصلاة والسلام، وطلقت بنتاه حينما كانتا تحت ابني أبي لهب؛ خوفًا من معرة ذلك الرجل الذي يسمونه صابئًا، ثم طرد النبي من خير البقاع وأحبها إليه؛ فخرج عليه الصلاة والسلام متألماً من ذلك المكان المحبوب، ولم يبق الأمر على هذا؛ فقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وناضل؛ حملًا لهذا الدين، وحفظًا لكرامة أتباعه من أن ينالهم شيء؛ لم يشارك النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة إلا في دينها، وأما ما يتعلق في أمر دنياها فما أخذ من ذلك إلا كفافًا، وقد جاءه عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالىأبيأ ووجده على حصير قد أثر فيه، فقال له عمر بن الخطاب عليه رضوان الله: يا رسول الله! لم لا نتخذ لك وطأة تتكأ عليها تقي جنبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما لي وللدنيا؟! ما أنا في الدنيا إلا كرجل استظل بظل شجرة، ثم ذهب وتركها )، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر عليه رضوان الله قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبي فقال لي: ( يا عبد الله! كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )، قال: فكان عبد الله بن عمر عليه رضوان الله يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.

ما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، ضُرب وشج وعيّر وسب وصودر ماله كله بمكة، وما بقي له شيء من الدنيا، وحمل بكفيه دنيا الناس ودينهم؛ حتى يقدمها إليهم وهذا فيه إشارة إلى أن كرامة البشر وفطرتهم إذا أرادوا أن يدينوا للفطرة التي توجد في قلوبهم ما من أحد انضوى تحت لواء الإسلام -ولو كان غير مسلم- إلا ولهذا الرجل العظيم فضل عليه وكرامة؛ وذلك بما جعل الله عز وجل من ذلك من أمن وأمان وحماية لبيضة الإسلام؛ أن لا يستبيحها عدو وكذلك ترك الدنيا ونزعها كما ينزع الإنسان الرداء، وجعله لأمته من بعده.

انشغاله بأمر الآخرة

إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحفظ التاريخ أنه بعد بعثته باع سلعة، وإنما كان يشتري مستهلكًا عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأنه لا يريد أن تكمل الدنيا دورتها بيعًا وشراءً، إن اشترى شيئًا استهلكه وإلا أهداه لغيره، ففي هذا قطع لشك ما يدور في أذهان الناس من حب المرابحة والتكسب فيها؛ ولهذا من نظر في كتب المعاملات في كتب السنة، وكذلك ما جاء من أخبار عنه عليه الصلاة والسلام -ولو كانت من الضعاف- لا يحفظ التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثته باع سلعة اشتراها أو أهديت إليه، وإنما كان يشتري لحظ نفسه، إما استهلك وإما بذلها حتى داره كما جاء عن الحسن كما روى البخاري في الأدب المفرد قال: دخلت حجرة النبي عليه الصلاة والسلام، وإن سقفها ليمس رأسي؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما جعل موضعه كمواضع الملوك، وإنما كان موضعًا يشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من الدنيا، وما ناضل لرياسة ولا جاه، وإنما أراد ان يحفظ على الناس دينهم، وأن يحفظ كذلك عليهم دنياهم.

حرصه على إيصال الخير للناس

النبي صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس في أمر الدنيا لحظ نفسه، وأحرص الناس على الدنيا فيما يتعلق في حق الناس، أتته بريرة كما جاء في الصحيحين وغيرهما فقالت: يا رسول الله! إن أهلي كاتبوني على أن أعطيهم كذا وكذا، وأن الولاء لهم، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ( ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كانت مائة شرط )، وفي هذا ينبغي للعالم أن ينتصر لدنيا الناس كما ينتصر لدينهم حمية وحفظًا؛ لأن الله عز وجل إنما جعله حاميًا لحق الناس في الدنيا كما هو يحمي أيضًا أمر دينهم؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أهل الحياطة لدنيا الناس، كما هو عليه الصلاة والسلام من أهل الحياطة لدينهم عليه الصلاة والسلام.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَسَدَهُ من حَسَدَهُ من أهل الدنيا؛ لما جعله الله عز وجل له من سمعة وهيبة عند ملوك العرب، وقد أدركوا لما جعله الله من هيبة في القلوب أن ملكه سيصل إلى مواضع أقدامهم، فأيقنوا بذلك وفي هذا إشارة إلى أن القوة الحقيقة التي أرشد إليها النبي عليه الصلاة والسلام، هي: قوة الإيمان وعزائم القلوب؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( المؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف )، والمراد بالضعف والقوة هنا: قوة الإيمان وقوة القلب والجنان، والضعف المراد بذلك هو ضعف القلب، وضعف العزيمة؛ ولهذا ما انتصرت الأمة إلا بتمسكها بذلك اللواء وذلك المشعل الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فحمله من بعده من خلفاء الإسلام؛ فأدركوا أن الحضارة التي يتعلق بها الماديون اليوم ويظنون أن الهيبة لهم في الأمم، وأن قدرة الحظوة وأن قيمتها أيضاً هي بالنسبة للتفوق المادي، هذا من القصور! وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث أبي عبيدة عامر بن الجراح أنه لما فتح بيت المقدس، وجاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه رضوان الله في المدينة، فأركبه وكانوا على دابة واحدة، وكانوا يستطيعون أن يركبوا دابتين فقال: لك مرة، ولي مرة، فلما كانوا في بعض الطريق نزل عمر بن الخطاب، وكانت تلك الركبة هي لـأبي عبيدة نزل عمر بن الخطاب قال أبو عبيدة: فلما مر بغدير نزل عمر بن الخطاب؛ فأخذ نعليه بيمينه، ثم أخذ يخوض الماء بقدميه، فقال أبو عبيدة لـعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين! كيف لو رآك الناس، وأنت تفعل هذا؟! فقال عمر بن الخطاب: لو غيرك قال هذا يا أبا عبيدة، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

إن مقياس العهد بين الله عز وجل وبين أمة الإسلام هو التمسك بهذا الدين؛ لأن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة، وهذه الصفقة هي بالتمسك بدين الله، وليس المراد بذلك عمارة الدنيا المجردة؛ ولهذا مهما بلغت حضارة الأمة في جانب الدنيا إذا فرطت في جانب الدين فهي مستعبدة وعصرنا زمن شاهد، أمة الإسلام هي أقوى الأمم في جانب الاقتصاد، وهي من أذل الأمم في الأرض.

إن مسألة الثروات ليست عبرة إذا تخلت الأمة عن دينها وفرطت في ذلك الجانب؛ ولهذا لما ظن أبو عبيدة عليه رضوان الله وهذا الظن يقع حتى في بعض الصلحاء أن ما يتعلق من أمر المادة هو المحك وهو المدار وهو قطب الرحى لقوة الأمة وضعفها مع أن الإسلام لم يفرط في هذا الجانب، وإنما جعله دون مرتبة الإسلام قال: كيف لو رآك الناس؟! يعني أنت الذي ملكت هذا، وكان عمر بن الخطاب بيده جزيرة العرب واليمن، وبيده العراق، وبيده الشام، وبيده مصر، وبيده فارس، يملك ما يسمى في زماننا بالشرق الأوسط وزيادة قال: يخوض بقدميه ذلك الغدير، قال: كيف لو رآك الناس يا أمير المؤمنين! وأنت تفعل هذا؟! أشار إلى أن القيادة الحقيقية هي قيادة الإيمان، وينبغي أن لا نبتعد عن ذلك، لقد أقر المؤرخون بأن من بنى حضارة النظم في الإسلام هو عمر بن الخطاب الذي وضع الدواوين والدساتير وضبط جوانب القضاء، وجعلها سنة لمن كان بعده عليه رضوان الله تعالى من خلفاء الإسلام في القرن الأول، هو يقول هذه العبارة، أي: أننا ينبغي أن نجعل كل مظاهر الدنيا دون الإسلام.

إن الأمة إذا أرادت القوة فلتتمسك بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فهي منهزمة وذليلة.

إن من فضائل النبي عليه الصلاة والسلام وبركة عظمته على هذه الأمة: ذلك الأمان الذي تستقر وتعيش به الأمم، يضعف تارة ويقوى أخرى. جاء في الصحيح من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).

إن الأمان المراد بذلك هو الخلاف والشقاق والفرقة والنزاع، الذي كلما ابتعدت الأمة عن نبيها عليه الصلاة والسلام ضعفت في هذا الجانب.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2] 2707 استماع
إنما يخشى الله من عباده العلماء 2471 استماع
إن خير من استأجرت القوي الأمين 2312 استماع
العالِم والعالَم 2306 استماع
الذريعة بين السد والفتح [1] 2294 استماع
الإسلام وأهل الكتاب 2127 استماع
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] 2098 استماع
الذريعة بين السد والفتح [2] 2097 استماع
الردة .. مسائل وأحكام 2072 استماع
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] 2040 استماع