خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56812"> سلسلة المحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
النوازل في الصيام
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالله سبحانه وتعالى قد أتم على هذه الأمة النعمة، وأكمل لها الدين، وما جعلهم في حيرة وتعلق بغير الحكم الشرعي؛ لهذا كانت هذه المنة أعظم منة من الله سبحانه وتعالى بها على هذه الأمة، قال الله سبحانه وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3]، فالنعمة هي الدين، وتمامها كمال الدين؛ لهذا حسد اليهود هذه الأمة على تمام هذا الدين.
ومن تمام هذا الدين وكماله: صلاحيته لكل زمان ومكان؛ فلا يحتاج في كل موضع وفي كل حال وفي كل نازلة إلى نص بتلك النازلة، وإنما جاءت أصول عامة تجري على فروع كثيرة؛ لهذا أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم كما قال عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيح: ( إنما بعثت بجوامع الكلم )، وهذا كما أنه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو لكلام الله عز وجل من باب أولى؛ لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم دون كلام الله جل وعلا بياناً وفصاحة وبلاغة وكمالاً؛ فالكمال هو لله جل وعلا من غير نقص بأي نوع من أنواع النقص؛ لهذا كان من كمال هذا الدين أن جعل الله عز وجل فيه قواعد كلية وأصولاً عامة تحمل على أفراد وعلى نوازل؛ فتصلح هذه الأصول مرجعاً في كل زمان ومكان، وفي كل مسألة وفي كل نازلة؛ لهذا بقيت أحكام الشريعة ظاهرة بينة والأدلة الشرعية يستدل بها في كل حال وفي كل نازلة وفي كل عصر وفي كل مصر، ومن تأمل الأعصار الماضية -وكذلك بقاع العالم- وجد أن الشريعة والأدلة من الكتاب والسنة هي مدار الاستدلال على اختلاف النوازل، وتنوع الحوادث وغير ذلك.
الشريعة هي المرجع، وهذا هو ثمرة كمال هذا الدين، وإتمام الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة النعمة.
ومن تمام نعمة الله عز وجل: أن سهل لهذا الأمة وجود الاستنباط، وكذلك وجود العلماء الربانيين الذين يستنبطون من الأحكام الشرعية أدلة للفروع وللأحكام النازلة؛ لهذا كثرت فتاوى العلماء في الأحكام النازلة في المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها؛ فكانت الأدلة من كلام الله سبحانه وتعالى هي الأصل، والفتاوى التي تؤخذ منها إنما تنزل بصيغة النوازل وبيان أحكامها، والمستند من جهة الأصل هو كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كلامنا في هذه الليلة عن نوازل الصيام.
نوازل الصيام متعددة ولها فروع متشعبة، وكلمة الصيام تعني: الإمساك، وما يتعلق بالإمساك، وليست النوازل محصورة في المفطرات فحسب؛ بل ثمة نوازل متعددة فيما يتعلق بالفلك وما يتعلق بالرؤية، وكذلك بسبل وطرق الإمساك، كذلك في المفطرات, ومنها ما يتعلق بالمكلف بنفسه.
ومعلوم أن للصيام أركاناً منها: الصائم، وكذلك الإمساك، وكذلك الزمن الذي يمسك فيه، وكل هذه لها متعلقات ولها نوازل.
عناية العلماء بنوازل الصيام
النوازل عند العلماء محل عناية واهتمام، وقد صنفت فيها جملة من المصنفات، وهي موجودة متواترة في المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها؛ ولهذا من أصول الدين والملة ما يسميه العلماء بالقياس؛ وهو الاعتبار؛ لهذا قال الله سبحانه وتعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]، والاعتبار هو القياس؛ أن يقاس فرع على أصل لعلة جامعة بينهما، وهذه العلة ينبغي أن تكون محل اتفاق, وقد دل الدليل من الكتاب والسنة عليها.
كلامنا في هذه الليلة على النوازل، وإلحاق هذه النوازل وهذه الفروع بأصولها من غير كلام على الأصول؛ لأننا لو تكلمنا على الأصول، وبينا كلام العلماء والخلاف الوارد في هذه المسألة، وأدلة كل قائل، ورد كل قول على الآخر؛ لما اتسع الوقت، ولاحتاج الموضوع إلى أضعاف مضاعفة من الزمن الذي سنقضيه هذه الليلة، وإنما كلامنا في هذه الليلة عن إلحاق تلك النوازل بالأصول، وإلحاق تلك الفروع بأصولها، ونبين الراجح في الحكم الشرعي في ذلك الأصل من غير أن نخوض في الخلاف، وإنما يشار إلى الخلاف بالجملة من غير دخول في التفصيل.
وقد تكلمنا على أحكام الصيام من جهة الخلاف الأصلي، والأدلة التي جاءت في هذا الباب من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تشبث به أصحاب الأقوال من المذاهب الفقهية الأربعة، وإنما نبين الصواب في هذه الليلة فقط، ولا ندخل في مسائل الخلاف، وإنما نبين النازلة، وكذلك أوصافها, وإلحاقها بالأصل والعلة الجامعة بينهما، ثم نبين الحكم الشرعي، وهذا هو الاختصار في هذا الباب، والخوض في مسائل الخلاف في الأحكام الأصلية في هذا الباب قد تكلمنا عليه في مواضع عدة من عدة كتب من شرح كتاب الصيام من دليل الطالب، وشرح كتاب الصيام لزاد المستقنع، وشرح كتاب الصيام من المحرر، وغيرها من الكتب، وكذلك في محاضرات متنوعة يمكن أن يرجع إليها، كذلك يمكن أن يرجع إلى كلام العلماء عليهم رحمة الله تعالى من السابقين واللاحقين في أحكام الصيام في المسائل العصرية وأدلة كل قول.
من مظان المسائل النازلة
مظان المسائل النازلة في مصنفات العلماء هي في كتب الفتاوى، والفتاوى -في الغالب- تطلق على ما أفتى به الإنسان في نازلة من النوازل، وذلك أن الإفتاء لا يكون بالجملة إلا في فتاوى نازلة؛ ولذلك تنسب هذه الفتوى لفلان. أما ما كان فيه نص شرعي من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس المجال لأحد، وإنما يورد الدليل من الكتاب والسنة، ومواضع الخلاف يكون فيها الاجتهاد، وما ظهر فيه الدليل فالفتوى ليست لصاحب ذلك الكلام وإنما هي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو إمام المفتين؛ ولذلك جمع ابن القيم عليه رحمة الله تعالى رسالة سماها فتاوى إمام المفتين, وهو النبي عليه الصلاة والسلام جمع فيها أقواله، وما سئل عنه عليه الصلاة والسلام وأجوبته في هذا الباب.
وثمة مصنفات عن المذاهب الفقهية الأربعة في مذهب أبي حنيفة وكذلك الإمام مالك و الشافعي والإمام أحمد في النوازل، فثمة فتاوى عديدة في هذا مذهب أبي حنيفة كالفتاوى البزازية لـمحمد البزاز الحنفي ، وكذلك فتاوى خير الدين الرملي ، وكذلك فتاوى الظهرية لـظهير الدين ، وكذلك في مذهب الإمام مالك ثمة البيان والتحصيل لـابن رشد ، وكذلك النوازل لـابن رشد أيضاً، وكذلك النوازل الكبرى والنوازل الصغرى، وكذلك جاء في مذهب الإمام مالك كتاب مذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض ، وفي مذهب الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى ثمة جملة من المصنفات في الفتاوى في النوازل كفتاوى السبكي ، وكذلك فتاوى ابن الصلاح و ابن حجر العسقلاني و ابن حجر الهيتمي ، وغيرها من المصنفات، وكذلك في مذهب الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى مسائل متعددة مطبوعة كمسائل ابن هاني ومسائل مهنا، وأكثرها نوازل نزلت لم تكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
وأقل العلماء فتيا في النوازل وإلحاق الفرع بالأصل هم: الظاهرية، ومن أخذ بظواهر النصوص من أئمة الإسلام كبعض الفقهاء من الحنابلة.
النوازل عند العلماء محل عناية واهتمام، وقد صنفت فيها جملة من المصنفات، وهي موجودة متواترة في المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها؛ ولهذا من أصول الدين والملة ما يسميه العلماء بالقياس؛ وهو الاعتبار؛ لهذا قال الله سبحانه وتعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ [الحشر:2]، والاعتبار هو القياس؛ أن يقاس فرع على أصل لعلة جامعة بينهما، وهذه العلة ينبغي أن تكون محل اتفاق, وقد دل الدليل من الكتاب والسنة عليها.
كلامنا في هذه الليلة على النوازل، وإلحاق هذه النوازل وهذه الفروع بأصولها من غير كلام على الأصول؛ لأننا لو تكلمنا على الأصول، وبينا كلام العلماء والخلاف الوارد في هذه المسألة، وأدلة كل قائل، ورد كل قول على الآخر؛ لما اتسع الوقت، ولاحتاج الموضوع إلى أضعاف مضاعفة من الزمن الذي سنقضيه هذه الليلة، وإنما كلامنا في هذه الليلة عن إلحاق تلك النوازل بالأصول، وإلحاق تلك الفروع بأصولها، ونبين الراجح في الحكم الشرعي في ذلك الأصل من غير أن نخوض في الخلاف، وإنما يشار إلى الخلاف بالجملة من غير دخول في التفصيل.
وقد تكلمنا على أحكام الصيام من جهة الخلاف الأصلي، والأدلة التي جاءت في هذا الباب من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تشبث به أصحاب الأقوال من المذاهب الفقهية الأربعة، وإنما نبين الصواب في هذه الليلة فقط، ولا ندخل في مسائل الخلاف، وإنما نبين النازلة، وكذلك أوصافها, وإلحاقها بالأصل والعلة الجامعة بينهما، ثم نبين الحكم الشرعي، وهذا هو الاختصار في هذا الباب، والخوض في مسائل الخلاف في الأحكام الأصلية في هذا الباب قد تكلمنا عليه في مواضع عدة من عدة كتب من شرح كتاب الصيام من دليل الطالب، وشرح كتاب الصيام لزاد المستقنع، وشرح كتاب الصيام من المحرر، وغيرها من الكتب، وكذلك في محاضرات متنوعة يمكن أن يرجع إليها، كذلك يمكن أن يرجع إلى كلام العلماء عليهم رحمة الله تعالى من السابقين واللاحقين في أحكام الصيام في المسائل العصرية وأدلة كل قول.
مظان المسائل النازلة في مصنفات العلماء هي في كتب الفتاوى، والفتاوى -في الغالب- تطلق على ما أفتى به الإنسان في نازلة من النوازل، وذلك أن الإفتاء لا يكون بالجملة إلا في فتاوى نازلة؛ ولذلك تنسب هذه الفتوى لفلان. أما ما كان فيه نص شرعي من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس المجال لأحد، وإنما يورد الدليل من الكتاب والسنة، ومواضع الخلاف يكون فيها الاجتهاد، وما ظهر فيه الدليل فالفتوى ليست لصاحب ذلك الكلام وإنما هي لكلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو إمام المفتين؛ ولذلك جمع ابن القيم عليه رحمة الله تعالى رسالة سماها فتاوى إمام المفتين, وهو النبي عليه الصلاة والسلام جمع فيها أقواله، وما سئل عنه عليه الصلاة والسلام وأجوبته في هذا الباب.
وثمة مصنفات عن المذاهب الفقهية الأربعة في مذهب أبي حنيفة وكذلك الإمام مالك و الشافعي والإمام أحمد في النوازل، فثمة فتاوى عديدة في هذا مذهب أبي حنيفة كالفتاوى البزازية لـمحمد البزاز الحنفي ، وكذلك فتاوى خير الدين الرملي ، وكذلك فتاوى الظهرية لـظهير الدين ، وكذلك في مذهب الإمام مالك ثمة البيان والتحصيل لـابن رشد ، وكذلك النوازل لـابن رشد أيضاً، وكذلك النوازل الكبرى والنوازل الصغرى، وكذلك جاء في مذهب الإمام مالك كتاب مذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض ، وفي مذهب الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى ثمة جملة من المصنفات في الفتاوى في النوازل كفتاوى السبكي ، وكذلك فتاوى ابن الصلاح و ابن حجر العسقلاني و ابن حجر الهيتمي ، وغيرها من المصنفات، وكذلك في مذهب الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى مسائل متعددة مطبوعة كمسائل ابن هاني ومسائل مهنا، وأكثرها نوازل نزلت لم تكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
وأقل العلماء فتيا في النوازل وإلحاق الفرع بالأصل هم: الظاهرية، ومن أخذ بظواهر النصوص من أئمة الإسلام كبعض الفقهاء من الحنابلة.
النوازل في الصيام لها عدة أقسام:
القسم الأول: ما يتعلق بالفلك والحساب؛ وذلك أن الإنسان لا يمكن أن يصوم إلا بمعرفة الوقت الذي يصوم فيه، وابتدائه و انتهائه، وعلامة الابتداء وعلامة الانتهاء.
القسم الثاني: ما يتعلق بالمكلف بذاته بآلية التكليف، والعوارض الحادثة والنازلة في هذا الباب.
القسم الثالث: النوازل من المفطرات.
وهذه الأقسام الثلاثة سنتكلم عنها بالإجمال، ثم نلحقها بأصولها ونبين الحكم الشرعي فيها.
أما القسم الأول وهو: النوازل في الفلك والحساب؛ فيقال: إن الله عز وجل كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متعددة، قد ربط الحكم في هذا، أي: في باب الإمساك والإفطار بالرؤية؛ لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم أو غبي عليكم فاقدروا له )، على خلاف عند العلماء في معنى (فاقدروا له)، والخلاف في هذه المسألة خلاف ضعيف جداً، وقد حكي الإجماع على أنه لا عبرة إلا بالرؤية، حكى إجماع العلماء على ذلك غير واحد كـابن المنذر وابن عبد البر والقرطبي ، وغير واحد من أئمة الإسلام.
والخلاف الذي قد طرأ في هذه المسألة إنما طرأ متأخراً، ولم يعرف عند أهل الفلك النظر لحال الهلال ظهوراً وانصراماً وحساب دخول الأشهر القمرية وانصرامها في الجاهلية وفي صدر الإسلام، ولم يكونوا ينظرون حتى علق الشارع الحكيم الرؤية بدخول الشهر وانصرامه، بدأ بعض علماء الفلك بالنظر في حساب الأهلة ودخولها.
حكم اعتبار الإمساك والإفطار على حساب الأهلة وأشهر من قال به من الفقهاء
وحساب الأهلة واعتبار الإمساك وكذلك الفطر بها غير معتمد عند عامة أهل الإسلام، والخلاف الذي قد جاء في هذه المسألة خلاف ضعيف منه ما لا يصح عن قائله، ومنه ما يصح وهو قول ضعيف لا يعول عليه؛ وذلك إما أن يكون ذلك العالم الذي قد قال بهذه المسألة لا يعول عليه بالإطلاق؛ لكثرة مخالفته وشذوذه، وإما أن يكون قد بناه على أمر توهماً، ولا يثبت هذا الأمر.
ممن روي عنه القول بالحساب بعض أهل العلم كـمطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو أول من قال بالحساب في دخول الشهر وانصرامه، ومطرف بن عبد الله بن الشخير من أجلة التابعين، ومن أهل الورع والزهد والصلاح، ونسبة هذا القول إليه فيها ضعف، وقد ضعف هذا القول عنه ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز والاستذكار, وقال: لا يصح عنه هذا القول.
وممن قال بذلك من العلماء: ابن سريج وهو من أئمة الشافعية, واعتمد في قوله هذا على قول حكاه ظناً عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى أنه قال بالحساب فيمن كان من عادته أن يحسب أنه لا حرج عليه أن يعمل بالحساب، وفي هذا الكلام نظر!
أولاً: في نسبة هذا القول للإمام الشافعي نظر، وقد أنكره غير واحد من الأئمة كـابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز والاستذكار، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى في عدة مواضع، ثم مما يبين صحة نقض هذا القول: أن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى قد جاء عنه في مواضع عدة في مصنفاته ككتابه الأم، وما ينقله في بعض أقواله مما ينقل عنه من أئمة الشافعية كـالمزني وغيره أنه لا يقول بالحساب، ثم إن قول الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى مقيد بحالة, وهذه الحالة أنه إذا كان الإنسان من عادته أن يعتد بالحساب؛ فإنه يكون مكلفاً هو بنفسه ولا يتعدى هذا التكليف إلى غيره، وإنما الأمة مخاطبة بالرؤية وليست مخاطبة بالتكليف، وكذلك في ظاهر كلام الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى أنه يعتد الإنسان بالحساب إذا غمي أو غبي عليه، كأن يكون يحول بين الإنسان ورؤية الهلال غيم أو قتر أو نحو ذلك هذا قول محتمل، وقد مال إلى هذا القول وصحة هذا القول من الأئمة: النووي عليه رحمة الله تعالى، وكذلك ابن دقيق العيد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم في مسألة الاحتياط إذا حال دون الرؤية غيم أو قتر.
وكذلك الحالة الثانية: إذا كان الإنسان من عادته أن يحسب فإنه مخاطب هو بما يحسب به, وليست مخاطبة به الأمة وهذا من باب التكريم، وإلا لا يقول بهذا الأئمة، ولكن يصححون هذا القول, ويصححون هذا الخلاف عمن يقول من العلماء في هذه المسألة كالإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى، وكذلك ابن سريج من أئمة الشافعية، وقد عرف بالمخالفة والشذوذ في جملة من المسائل، وقد أحدث جملة من المسائل انفرد بها في هذا الباب، وذكرها غير واحد ممن ترجم له، كمسألة الدور في الطلاق كأن يقول الرجل لامرأته: كلما طلقتكِ، فأنت طالق، فهل تكون طلقة واحدة أو أكثر من ذلك؟! وهذه من المسائل المحدثة في دين الله ولا يعتد ولا ينبغي أن ينظر إليها، بل هو طلاق بدعي حادث لا يعتد به، والمرأة باقية على أصلها، ويقع عليها طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء.
وممن قال بهذه المسألة أيضاً من العلماء: عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، وهو من الأئمة الذين قد اعتنوا بالحساب؛ وهذا الإمام له كتاب سماه علم الأنواء، أي: علم النجوم، وقد اعتنى بالحساب، وقد مال إلى هذا القول.
وابن قتيبة ليس من الأئمة المحققين الكبار الذين يعتد بقولهم في أمثال هذه المسائل؛ ولذلك يقول ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى: وإن ثبت عنه هذا القول فليس هو ممن يعتد به في مثل هذه المسائل؛ وذلك أن الأمة قد أطبقت على أنه لا عبرة إلا بالرؤية.
ومما يحتج به بعض المعاصرين ونحو ذلك: أن علم الحساب والدقة فيه إنما هي حادثة طارئة على الأمة وينبغي أن يؤخذ بالجديد ونحو ذلك! فيقال: إن هذا غلط!
الرد على القائلين باعتبار الحساب في دخول الشهر وخروجه
وعلم الحساب معروف حتى في الجاهلية، وكانوا يحسبون ويقدرون المنازل ونحو ذلك، ويعرفون المواضع والأماكن وكذلك دخول المواسم، ونحو ذلك بحساب الأفلاك والأجرام والنوازل والأنواء، وكما هو معروف في الجاهلية، هو كذلك معروف بعد ذلك في الإسلام؛ ولهذا قد اعتنى بعض المنتسبين للإسلام بهذا العلم كـابن سيناء وكذلك الفارابي و الكندي وغيرهم من الأئمة المنتسبين للإسلام، وقد صنفوا في ذلك جملة من المصنفات.
وإنما حذر العلماء من هذا العلم والتقليل من شأنه؛ لأنه يعلق القلب به فربما يقع الإنسان في شيء من المخالفات وادعاء علم الغيب، وكذلك مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى، إما أن يكون ذلك بالأصول بادعاء علم الغيب ومنازعة الله عز وجل في حقه، وإما أن يكون ببعض المسائل الفرعية كمسألتنا هذه، ومسألة معرفة دخول الشهر وانصرامه بالحساب.
أولاً يقال: إن أهل الفلك وأهل الحساب في الجاهلية وفي صدر الإسلام لم يكونوا يعتنون بحساب الأهلة حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بالهلال، بعد ذلك اعتنى أهل الحساب بذلك؛ لأن معرفة دخول الهلال وانصرامه عند أهل الفلك مسألة ظنية وليست مسألة قطعية، وإلى هذا ذهب غير واحد من علماء الفلك كـابن سيناء وكذلك الفارابي والكندي وغيرهم من العلماء، وقد صنف ابن سيناء كتاباً في ذلك سماه النكت في إيضاح خطأ أهل الفلك، وكذلك قد صنف الفارابي رسالة في ذلك، وكذلك لـابن قتيبة عليه رحمة الله تعالى رسالة في هذا وسماها إبطال أحكام الفلك، وبين عليه رحمة الله تعالى الأخطاء الواقعة عند أهل الفلك في هذا الباب، وعلم الفلك ليس بحادث؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام أشار إليه بقوله: ( نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ).
وقد يقول قائل: النبي عليه الصلاة والسلام قد علق الحكم بعلة والعلة قد زالت، وهذه الأمة لم تبق أمة أمية بل صارت تحسب، ويقال: الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فلما تزول هذه العلة يزول معها الحكم ويرجع الناس إلى الحساب إذا كان الناس أهل حساب، ولكن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام لما علق الحكم بهذا الأمر لم يعلقه بأن الأمة أمة أمية، ولكن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام علق الأمر بعدم معرفة الحساب، وعدم معرفة الحساب هو عام عند جل الناس لا يحسبون ولا يعرفون منازل الأجرام والأنواء والنجوم والكواكب والفلك، وإنما يعرفها الخاصة وهذا ما قصده النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إن الأمة قد أطبقت وأجمعت من الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأتباعهم على عدم الاعتداد والأخذ بعلم الفلك بمعرفة دخول الشهر وانصرامه.
ثم أيضاً المتقرر عند أهل الفلك قبل غيرهم أن الحساب ظني وليس قطعياً، وإن قال بعضهم: إن معرفة دخول الهلال وانصرامه قطعي وليس ظنياً؛ فهذا غلط من وجهين:
الوجه الأول: بتصريح بعض علماء الفلك أن المسألة ظنية وليست قطعية، وكذلك بالنظر إلى علامات معرفة دخول الشهر وانصرامه عند أهل الفلك، ومعلوم أن ولادة الهلال هي بظهور شيء من نور الشمس على طرف القمر؛ فيظهر كالهلال المقوس ويكون حينئذ ولادة الهلال، وهذا الضوء الذي يظهر على طرف من جرم القمر يكون هلالاً، قد يكون بسطوع الشمس على ذلك الجرم، وقد يكون بظهور ذلك الضوء الذي قد مر بجوار القمر؛ فظهر وسطع على الجرم، وولادة ذلك تختلف بحسب الطبيعة صيفاً وشتاءً، وكذلك تختلف بحسب حال الجو، فقد يكون فيه غيم أو قتر أو نحو ذلك، فيظهر الضوء على القمر ومنها ما لا يظهر؛ ولذلك لو سلط ضوء على موضع ولم يسلط على موضع بجواره قد يظهر في بعض أيام السنة على ذلك الجدار شيء من الضوء وقد لا يظهر وإن كانت قوة الضوء وبعده عن ذلك الجدار هي جميع في جميع فصول السنة؛ وذلك لأن انتقال الضوء يختلف صيفاً وشتاء، وكذلك اقتباس الجرم لهذا الضوء يتباين في الصيف والشتاء، وكذلك بتباين الجو وحالة الطقس وهذا معروف عند أهل البلد.
الأمر الثاني: لمعرفة أن الأمر ظني وليس قطعياً، أن أهل الفلك كثيراً ما يجزمون في بعض الأحوال بأن الهلال قد ولد أو باستحالة ولادته؛ فيثبت باليقين خلاف ذلك، ومن ذلك في أعوام سابقة قد قطع أهل الفلك أنه يستحال ولادة الهلال ويولد، ومن ذلك ما في عام (1406) قد أطبق علماء الفلك على استحالة ولادة الهلال، فشهد في هذه البلاد عشرون شخصاً على أنهم رأوا الهلال؛ فصام الناس مع أنهم أطبقوا على ذلك، وقبل مدة ليست ببعيدة بنحو السنة أو السنتين كذلك قالوا باستحالة رؤية الهلال ثم رؤي الهلال.
كذلك من القرائن في هذا الباب اختلافهم أنفسهم في هذه المسألة.
الاعتداد بالوسائل الحديثة في الحساب
مسألة النوازل في الفلك وما يحدث فيها يقال: إن ثمة جملة من المسائل فيما يتعلق بالنوازل في هذا الباب:
أولها: مسألة الاعتداد بالوسائل الحديثة التي تعتمد على التوقيت كالتقاويم والساعات، وكذلك أخبار وسائل الإعلام عن دخول الشهر وانصرامه، يقال: إنه لما كان الأصل الشرعي مرتبطاً بالرؤية؛ فإذا كانت هذه العلامات وهي التوقيت أو إخبار وسائل الإعلام توفرت فيه الشروط الأصلية في هذه المسألة، وهي: رؤية عدلين للهلال، وتوفرت كذلك شروط العدالة في هؤلاء النقلة، فإنه حينئذ لا حرج من الاعتداد بذلك كالتقاويم، وكذلك الأخذ بالساعة، وأكثر الناس في وقتنا يفطرون على التقاويم، فينظرون إلى الساعة فإن دخل الوقت أفطروا وإن لم يسمعوا آذاناً ولم يروا قرص الشمس قد غاب، فيقال هذا من المسائل النازلة في هذا الباب، فيقال: إذا كان الذي قد وضع هذا الحساب من أهل الثقة والعدالة وقد اعتمد في ذلك على الرؤية الشرعية، وتوفر هذان الشرطان في هذا الموضع فإنه لا حرج من الأخذ بذلك، وكذلك أيضاً في الاعتداد بنقل وسائل الإعلام لمسائل رؤية الهلال من الإمساك وكذلك الإفطار بدخول شهر شوال فإنه يقال لا حرج بالأخذ بذلك إذا توافرت فيه هذه الشروط.
إذاً فمرجع هذه المسألة إلى عدالة النقلة، وكذلك مصدر اعتدادهم في هذا هل هو الرؤية أم أهل الحساب؟ فإذا كان بالرؤية فإن هذا محل اتفاق عند العلماء، وإذا كان الحساب فإن هذا مردود ولا يعتد به.
ما يفعله من أمسك في بلد ثم انتقل إلى بلد آخر
ومن المسائل النازلة في هذا الباب: إذا انتقل شخص من بلد إلى بلد آخر، وكان قد رأى الهلال في هذا البلد، فأمسك على حسابه ثم انتقل إلى بلد آخر، فهل يكون صيامه على صيام ذلك البلد الذي قد نزل فيه أم على البلد الذي انتقل منه؟! فربما يكون الشهر في البلد الذي انتقل إليه ناقصاً كأن يكون ثمانية وعشرين، ويكون في البلد الذي قد انتقل منه تسعة وعشرين، فهل يمسك على ذلك البلد، أم لا؟!
يقال: إن هذه المسألة مردها إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم - كما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة - قال: ( صوموكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون)، وكذلك ما رواه أبو داود و الترمذي من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون )، قال غير واحد من العلماء: إن العبرة في ذلك الجماعة، كما نص على ذلك غير واحد من العلماء كالإمام أحمد و الشافعي وحكاه الترمذي عليه رحمة الله تعالى في سننه عن غير واحد من الأئمة. قال الترمذي عليه رحمة الله تعالى: فسر غير واحد من العلماء هذا المعنى أن ذلك على جماعة الناس وسواد المسلمين، أي: أنه ينبغي أن يكون على سوادهم، وهذا الذي عليه جمهور العلماء.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يعتد برؤيته الأولى؛ لأنه مخاطب بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )، وفي قول الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، وقد شهد ابتداء الشهر في ذلك البلد فيجب عليه أن يأخذ به. ويقال: إن هذه الشهادة في ابتداء الصيام لا في انتهائه.
كذلك أن من أصول مسائل القياس أن الفرع يلحق بالأصل إذا كانت العلة محل اتفاق وأن لا تكون محل خلاف، وإذا كانت محل خلاف فلا يعتد بمثل هذا القياس؛ لأن القياس إنما هو محل اتفاق عند عامة العلماء؛ فلا يقبل قياس قد اختلف في علته عند العلماء.
والصواب في ذلك أنه يعتد بالبلد الذي قد انتقل إليه وإلى رؤيته، وهذا ظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما جاء عن السلف، من ذلك ما رواه الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى في صحيحه من حديث كريب مولى عبد الله بن عباس أن أم الفضل أرسلت به إلى الشام قال: فدخل عليّ رمضان في الشام، فرأيت الهلال ورآه الناس وصاموه، وذلك في خلافة معاوية عليه رحمة الله ورضوان الله تعالى، قال: ثم ارتحلت إلى المدينة فلقيني ابن عباس فسألني وقال: أرأيت الهلال وصام الناس؟ قال: نعم، صمت مع الناس، رأيناه ليلة الجمعة، فقال ابن عباس : إنا قد رأينا الهلال ليلة السبت فقال ابن عباس لـكريب : أأنت رأيت الهلال؟ قال: نعم، رأيته، ورآه الناس، وصامه الناس، وصامه معاوية عليه رضوان الله تعالى، فقال كريب لـعبد الله بن عباس : ألا نصوم على صيام معاوية ؟! قال: لا، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا في حكم المرفوع، بل هو مقطوع به، وهو أن العبرة بحال انتقال الإنسان إلى البلد الذي ينتقل إليه، ورؤية الهلال فيه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صوموكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون ).
وذهب بعض الفقهاء -وهو قول لبعض الفقهاء من الشافعية وهو الصحيح في مذهبهم، وذهب إلى ذلك بعض الفقهاء من الحنابلة- إلى أن العبرة بالبلد الذي قد رأى فيه الهلال، وشهد فيه الصيام، وهذا قول مرجوح.
ما يفعله من أمسك في الأرض وسافر بالطائرة وكان يرى الشمس
ومن المسائل النازلة في هذا الباب: مسألة الإمساك للصائم في الطائرة حينما يصوم على اليابسة، ثم يرتفع ويرى الشمس.
فيقال: إن الإنسان لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: إذا كان إمساكه في حال بقائه على الأرض، يريد صوم يوم السبت، فلا يحل له أن يفطر إلا بغروب شمس ذلك اليوم، ما لم يدخل عليه يوم آخر، فإذا كان الإنسان مفطراً، في الليل وكان يطعم، ثم ارتفع ورأى الشمس ظاهرة، هل يكون ذلك خاصاً بالنسبة له، أم حسابه بالنسبة لأهل الأرض؟! يقال: إن ذلك خاص به، وليس خاصاً بأهل الأرض وهو مخاطب به، وهذه من المسائل النازلة التي لم يتكلم عليها العلماء؛ لعدم حدوث هذه المسألة، وإنما تكلموا عن المسألة السابقة فيمن ركب الفلك (سفينة) ووصل إلى بلد سريعاً، وفي أثناء هذا الشهر، هل يعتد برؤية ذلك البلد، أم يعتد بالبلد الذي قد سافر إليه؟! وهذه المسألة قد تقدم إلحاق فرعها بأصلها، فيقال: إن العبرة بالنسبة للصيام أن الإنسان يجب عليه أن يمسك إذا كان قاصداً صيام ذلك اليوم.
وكذلك إذا كان الإنسان في النهار، وكان ممسكاً، ثم ارتفع فرأى الشمس طالعة، فيقال: لا حرج عليه أن يفطر، وإن لم يفطر أهل الأرض، وإذا أفطر ثم وصل إلى البلد الذي يريده أو رأى الشمس بازغة في سماء ذلك البلد فلما نزل البلد وجد الناس ممسكين، هل يقال: إنه قد أفطر ذلك اليوم؟ يقال: نعم، أفطر ذلك اليوم بوجه صحيح وقضاء ذلك اليوم بالنسبة له؛ لأنه قد تحقق فيه طلوع الفجر وغروب الشمس من وجه شرعي صحيح لذلك اليوم، وهذا البلد هو خاص بهم وليس خاصاً به بذاته.
تغير طلوع الشمس من بلد إلى بلد
ومن المسائل النازلة في هذا الباب: تغير طلوع الشمس من بلد إلى بلد. فمن البلاد التي يعيش فيها بعض المسلمين من يكون الليل فيها سرمداً، وفي بعض البلدان من يكون فيها النهار سرمداً، وفي بعضها من يطول النهار طولاً فاحشاً، ويقصر الليل قصراً مفرطاً، فكيف يكون هذا الحساب؟ يقال: إن هذه البلدان لا تخلو من ثلاثة أنواع:
النوع الأول: البلدان التي تكون بين خطي عرض (45 و 48) درجة شمال وجنوب خط الاستواء، وهذه أكثر بلدان العالم، وأكثر البلدان الإسلامية هي على هذا الأمر باستواء الليل والنهار، وإن زاد الليل قليلاً، أو زاد النهار كذلك فهذا يجب عليهم أن يكون إمساكهم وفطرهم بحسب طلوع الفجر، وكذلك يفطرون بغروب الشمس، وهذا لا خلاف فيه؛ لظاهر كلام الله سبحانه وتعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].
والقسم الثاني: البلدان التي بين (48 - 66) درجة شمال وجنوب خط الاستواء، وهذه البلدان يطول فيها النهار طولاً مفرطاً، ويقصر فيها الليل قصراً مفرطاً، وهذا كبعض البلدان في شمال القارة الآسيوية، وكذلك القارة الأوربية كحال بعض المسلمين في روسيا كموسكو وكذلك في بعض البلدان في شمال أوربا كبروكسل ولندن وكذلك باريس ونحوها.
فيقال: إن أمثال هؤلاء في بعض مواسم السنة عليهم أن يعتدوا بتوقيت أقرب بلد يصح صيامهم بطلوع الشمس وغروبها، وهذه البلدان في بعض الأحوال يشترك فيها وقت المغرب مع وقت العشاء والفجر، فيكون الليل وقتاً يسيراً ويكون الوقت كله شفقاً، ومعلوم أن وقت المغرب ينتهي بغياب الشفق ويدخل العشاء بمغيب الشفق ويدخل الفجر بطلوع الفجر وينتهي بطلوع الشمس، ولكن الليل في بعض الأوقات في هذه البلدان يكون الليل شفقاً وحمرة إلى طلوع الشمس، فلا يعرف وقت العشاء ولا وقت المغرب ولا وقت الفجر.
فيقال: المغرب هو أظهرها باعتبار ظهور الشفق فيصلي الإنسان، لكن العشاء بمغيب الشفق، والشفق لا يغيب. كذلك بالنسبة للصيام يقال: إنهم يعتدون بأقرب بلد، وهذا يلحق بقاعدة يذكرها العلماء قال: ما قرب من الشيء ألحق به، وهذه أقرب قاعدة تصلح لهذه المسائل، وهذه المسألة ترجع إلى خبر قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبر بخروج الدجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أوقات الصلوات قال: ( فاقدروا له قدره ) وهذا الحديث قد رواه الإمام مسلم من حديث عبد الرحمن بن زبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان قال: ( ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عندنا الدجال ، فرفع فيه وخفض، وأكثر من ذكره حتى ظنناه في طائفة النخل، فذهبنا ورجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف ذلك في وجوهنا، فقلنا: يا رسول الله! إنك ذكرت الدجال ، فرفعت فيه وخفضت وأكثرت فيه حتى ظننا أنه في طائفة النخل، فقال: إني أخوف ما أخاف عليكم الدجال ، وإنه ظاهر فيكم، وإنه إن ظهر وأنا فيكم فأنا حجيجكم دونه، وإن ظهر ولست فيكم فالله خليفتي فيكم - ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه شاب قطط، عينه ناتئة، أشبهه بعبد العزى بن قطن، فإن لقيتموه فاقرؤوا عليه فواتح سورة الكهف، فقال الصحابة عليهم رضوان الله تعالى: كم بقاؤه فينا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: أربعون يوماً، فقال عليه الصلاة والسلام: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة - فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أتكفينا الصلوات الخمس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، اقدروا لها قدرها ).
بالنسبة للصلوات يقدر لها قدرها كذلك بالنسبة للصيام تبع؛ لأن الصلاة آكد، فلما كان التقدير في الصلاة وهي مؤكدة آكد من الصيام، كذلك في الصيام من باب أولى، وهو أجوز وأظهر بأن يقدر له قدره وإن كانت الشمس ظاهرة.
ففي مثل هذه الدول يقال: يقدر الإنسان بالنسبة للصلاة بحسب توقيت أقرب بلد يصوم أو يصلي صلاة صحيحة، وإن كانت الشمس ظاهرة لا حرج عليه أن يطعم، وإذا علق الأمر بالإمساك فإن في هذا ضرراً على بدن الإنسان فقد يكون الليل في بعض البلدان ثلاث ساعات أو ساعتين أو أربع ساعات، ويكون صيامه عشرين ساعة، وفي هذا من الضرر على الإنسان ما لا يخفى.
القسم الثالث: الدول التي هي فوق خط عرض (66) شمال وجنوب الاستواء، كالقطبين الشمالي والجنوبي، كالدول الاسكندنافية، وما حولها فهذه يكون فيها الليل سرمداً بنحو ستة أشهر ويكون فيها النهار سرمداً بنحو ستة أشهر، وهذا يرجع فيه إلى الحساب والتقدير كما تقدم في حديث النواس بن سمعان عليه رضوان الله تعالى في قوله عليه الصلاة والسلام: ( فاقدروا له ) أي: من جهة الحساب.
هذا فيما يتعلق بالقسم الأول من النوازل في الصيام فيما يتعلق بالفلك وأمورها.
وحساب الأهلة واعتبار الإمساك وكذلك الفطر بها غير معتمد عند عامة أهل الإسلام، والخلاف الذي قد جاء في هذه المسألة خلاف ضعيف منه ما لا يصح عن قائله، ومنه ما يصح وهو قول ضعيف لا يعول عليه؛ وذلك إما أن يكون ذلك العالم الذي قد قال بهذه المسألة لا يعول عليه بالإطلاق؛ لكثرة مخالفته وشذوذه، وإما أن يكون قد بناه على أمر توهماً، ولا يثبت هذا الأمر.
ممن روي عنه القول بالحساب بعض أهل العلم كـمطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو أول من قال بالحساب في دخول الشهر وانصرامه، ومطرف بن عبد الله بن الشخير من أجلة التابعين، ومن أهل الورع والزهد والصلاح، ونسبة هذا القول إليه فيها ضعف، وقد ضعف هذا القول عنه ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز والاستذكار, وقال: لا يصح عنه هذا القول.
وممن قال بذلك من العلماء: ابن سريج وهو من أئمة الشافعية, واعتمد في قوله هذا على قول حكاه ظناً عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى أنه قال بالحساب فيمن كان من عادته أن يحسب أنه لا حرج عليه أن يعمل بالحساب، وفي هذا الكلام نظر!
أولاً: في نسبة هذا القول للإمام الشافعي نظر، وقد أنكره غير واحد من الأئمة كـابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمييز والاستذكار، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى في عدة مواضع، ثم مما يبين صحة نقض هذا القول: أن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى قد جاء عنه في مواضع عدة في مصنفاته ككتابه الأم، وما ينقله في بعض أقواله مما ينقل عنه من أئمة الشافعية كـالمزني وغيره أنه لا يقول بالحساب، ثم إن قول الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى مقيد بحالة, وهذه الحالة أنه إذا كان الإنسان من عادته أن يعتد بالحساب؛ فإنه يكون مكلفاً هو بنفسه ولا يتعدى هذا التكليف إلى غيره، وإنما الأمة مخاطبة بالرؤية وليست مخاطبة بالتكليف، وكذلك في ظاهر كلام الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى أنه يعتد الإنسان بالحساب إذا غمي أو غبي عليه، كأن يكون يحول بين الإنسان ورؤية الهلال غيم أو قتر أو نحو ذلك هذا قول محتمل، وقد مال إلى هذا القول وصحة هذا القول من الأئمة: النووي عليه رحمة الله تعالى، وكذلك ابن دقيق العيد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم في مسألة الاحتياط إذا حال دون الرؤية غيم أو قتر.
وكذلك الحالة الثانية: إذا كان الإنسان من عادته أن يحسب فإنه مخاطب هو بما يحسب به, وليست مخاطبة به الأمة وهذا من باب التكريم، وإلا لا يقول بهذا الأئمة، ولكن يصححون هذا القول, ويصححون هذا الخلاف عمن يقول من العلماء في هذه المسألة كالإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى، وكذلك ابن سريج من أئمة الشافعية، وقد عرف بالمخالفة والشذوذ في جملة من المسائل، وقد أحدث جملة من المسائل انفرد بها في هذا الباب، وذكرها غير واحد ممن ترجم له، كمسألة الدور في الطلاق كأن يقول الرجل لامرأته: كلما طلقتكِ، فأنت طالق، فهل تكون طلقة واحدة أو أكثر من ذلك؟! وهذه من المسائل المحدثة في دين الله ولا يعتد ولا ينبغي أن ينظر إليها، بل هو طلاق بدعي حادث لا يعتد به، والمرأة باقية على أصلها، ويقع عليها طلقة واحدة على الصحيح من أقوال العلماء.
وممن قال بهذه المسألة أيضاً من العلماء: عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، وهو من الأئمة الذين قد اعتنوا بالحساب؛ وهذا الإمام له كتاب سماه علم الأنواء، أي: علم النجوم، وقد اعتنى بالحساب، وقد مال إلى هذا القول.
وابن قتيبة ليس من الأئمة المحققين الكبار الذين يعتد بقولهم في أمثال هذه المسائل؛ ولذلك يقول ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى: وإن ثبت عنه هذا القول فليس هو ممن يعتد به في مثل هذه المسائل؛ وذلك أن الأمة قد أطبقت على أنه لا عبرة إلا بالرؤية.
ومما يحتج به بعض المعاصرين ونحو ذلك: أن علم الحساب والدقة فيه إنما هي حادثة طارئة على الأمة وينبغي أن يؤخذ بالجديد ونحو ذلك! فيقال: إن هذا غلط!
وعلم الحساب معروف حتى في الجاهلية، وكانوا يحسبون ويقدرون المنازل ونحو ذلك، ويعرفون المواضع والأماكن وكذلك دخول المواسم، ونحو ذلك بحساب الأفلاك والأجرام والنوازل والأنواء، وكما هو معروف في الجاهلية، هو كذلك معروف بعد ذلك في الإسلام؛ ولهذا قد اعتنى بعض المنتسبين للإسلام بهذا العلم كـابن سيناء وكذلك الفارابي و الكندي وغيرهم من الأئمة المنتسبين للإسلام، وقد صنفوا في ذلك جملة من المصنفات.
وإنما حذر العلماء من هذا العلم والتقليل من شأنه؛ لأنه يعلق القلب به فربما يقع الإنسان في شيء من المخالفات وادعاء علم الغيب، وكذلك مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى، إما أن يكون ذلك بالأصول بادعاء علم الغيب ومنازعة الله عز وجل في حقه، وإما أن يكون ببعض المسائل الفرعية كمسألتنا هذه، ومسألة معرفة دخول الشهر وانصرامه بالحساب.
أولاً يقال: إن أهل الفلك وأهل الحساب في الجاهلية وفي صدر الإسلام لم يكونوا يعتنون بحساب الأهلة حتى ربط النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بالهلال، بعد ذلك اعتنى أهل الحساب بذلك؛ لأن معرفة دخول الهلال وانصرامه عند أهل الفلك مسألة ظنية وليست مسألة قطعية، وإلى هذا ذهب غير واحد من علماء الفلك كـابن سيناء وكذلك الفارابي والكندي وغيرهم من العلماء، وقد صنف ابن سيناء كتاباً في ذلك سماه النكت في إيضاح خطأ أهل الفلك، وكذلك قد صنف الفارابي رسالة في ذلك، وكذلك لـابن قتيبة عليه رحمة الله تعالى رسالة في هذا وسماها إبطال أحكام الفلك، وبين عليه رحمة الله تعالى الأخطاء الواقعة عند أهل الفلك في هذا الباب، وعلم الفلك ليس بحادث؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام أشار إليه بقوله: ( نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ).
وقد يقول قائل: النبي عليه الصلاة والسلام قد علق الحكم بعلة والعلة قد زالت، وهذه الأمة لم تبق أمة أمية بل صارت تحسب، ويقال: الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فلما تزول هذه العلة يزول معها الحكم ويرجع الناس إلى الحساب إذا كان الناس أهل حساب، ولكن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام لما علق الحكم بهذا الأمر لم يعلقه بأن الأمة أمة أمية، ولكن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام علق الأمر بعدم معرفة الحساب، وعدم معرفة الحساب هو عام عند جل الناس لا يحسبون ولا يعرفون منازل الأجرام والأنواء والنجوم والكواكب والفلك، وإنما يعرفها الخاصة وهذا ما قصده النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إن الأمة قد أطبقت وأجمعت من الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأتباعهم على عدم الاعتداد والأخذ بعلم الفلك بمعرفة دخول الشهر وانصرامه.
ثم أيضاً المتقرر عند أهل الفلك قبل غيرهم أن الحساب ظني وليس قطعياً، وإن قال بعضهم: إن معرفة دخول الهلال وانصرامه قطعي وليس ظنياً؛ فهذا غلط من وجهين:
الوجه الأول: بتصريح بعض علماء الفلك أن المسألة ظنية وليست قطعية، وكذلك بالنظر إلى علامات معرفة دخول الشهر وانصرامه عند أهل الفلك، ومعلوم أن ولادة الهلال هي بظهور شيء من نور الشمس على طرف القمر؛ فيظهر كالهلال المقوس ويكون حينئذ ولادة الهلال، وهذا الضوء الذي يظهر على طرف من جرم القمر يكون هلالاً، قد يكون بسطوع الشمس على ذلك الجرم، وقد يكون بظهور ذلك الضوء الذي قد مر بجوار القمر؛ فظهر وسطع على الجرم، وولادة ذلك تختلف بحسب الطبيعة صيفاً وشتاءً، وكذلك تختلف بحسب حال الجو، فقد يكون فيه غيم أو قتر أو نحو ذلك، فيظهر الضوء على القمر ومنها ما لا يظهر؛ ولذلك لو سلط ضوء على موضع ولم يسلط على موضع بجواره قد يظهر في بعض أيام السنة على ذلك الجدار شيء من الضوء وقد لا يظهر وإن كانت قوة الضوء وبعده عن ذلك الجدار هي جميع في جميع فصول السنة؛ وذلك لأن انتقال الضوء يختلف صيفاً وشتاء، وكذلك اقتباس الجرم لهذا الضوء يتباين في الصيف والشتاء، وكذلك بتباين الجو وحالة الطقس وهذا معروف عند أهل البلد.
الأمر الثاني: لمعرفة أن الأمر ظني وليس قطعياً، أن أهل الفلك كثيراً ما يجزمون في بعض الأحوال بأن الهلال قد ولد أو باستحالة ولادته؛ فيثبت باليقين خلاف ذلك، ومن ذلك في أعوام سابقة قد قطع أهل الفلك أنه يستحال ولادة الهلال ويولد، ومن ذلك ما في عام (1406) قد أطبق علماء الفلك على استحالة ولادة الهلال، فشهد في هذه البلاد عشرون شخصاً على أنهم رأوا الهلال؛ فصام الناس مع أنهم أطبقوا على ذلك، وقبل مدة ليست ببعيدة بنحو السنة أو السنتين كذلك قالوا باستحالة رؤية الهلال ثم رؤي الهلال.
كذلك من القرائن في هذا الباب اختلافهم أنفسهم في هذه المسألة.
مسألة النوازل في الفلك وما يحدث فيها يقال: إن ثمة جملة من المسائل فيما يتعلق بالنوازل في هذا الباب:
أولها: مسألة الاعتداد بالوسائل الحديثة التي تعتمد على التوقيت كالتقاويم والساعات، وكذلك أخبار وسائل الإعلام عن دخول الشهر وانصرامه، يقال: إنه لما كان الأصل الشرعي مرتبطاً بالرؤية؛ فإذا كانت هذه العلامات وهي التوقيت أو إخبار وسائل الإعلام توفرت فيه الشروط الأصلية في هذه المسألة، وهي: رؤية عدلين للهلال، وتوفرت كذلك شروط العدالة في هؤلاء النقلة، فإنه حينئذ لا حرج من الاعتداد بذلك كالتقاويم، وكذلك الأخذ بالساعة، وأكثر الناس في وقتنا يفطرون على التقاويم، فينظرون إلى الساعة فإن دخل الوقت أفطروا وإن لم يسمعوا آذاناً ولم يروا قرص الشمس قد غاب، فيقال هذا من المسائل النازلة في هذا الباب، فيقال: إذا كان الذي قد وضع هذا الحساب من أهل الثقة والعدالة وقد اعتمد في ذلك على الرؤية الشرعية، وتوفر هذان الشرطان في هذا الموضع فإنه لا حرج من الأخذ بذلك، وكذلك أيضاً في الاعتداد بنقل وسائل الإعلام لمسائل رؤية الهلال من الإمساك وكذلك الإفطار بدخول شهر شوال فإنه يقال لا حرج بالأخذ بذلك إذا توافرت فيه هذه الشروط.
إذاً فمرجع هذه المسألة إلى عدالة النقلة، وكذلك مصدر اعتدادهم في هذا هل هو الرؤية أم أهل الحساب؟ فإذا كان بالرؤية فإن هذا محل اتفاق عند العلماء، وإذا كان الحساب فإن هذا مردود ولا يعتد به.