الموجز في فقه العمرة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها الإخوة الكرام! سوف نتكلم على جملة من المسائل المتعلقة بأحكام العمرة، والمسائل المتعلقة بأحكام العمرة منها ما يحتاج إليه وتعم به البلوى، ومنها ما لا يحتاج إليه باعتبار أنه من الجزئيات العارضة التي تطرأ على بعض الناس ولا تطرأ على كلهم، وهذا يتباين من جهة ندرة الوقوع وكثرته، والكلام على هذه المسائل والنوازل الطارئة في زماننا مما يطول جداً، ولكننا سوف نتكلم ونورد أهم المسائل العامة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أصل التشريع، وكذلك شرائط الوجوب وأدلتها، وكذلك الأحكام الشرعية التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتدليل على ذلك من الكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح الذين أمرنا الله عز وجل بالركون إليهم عند عدم وجود الاعتضاد بشيء من كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء هذا صريحاً في السنن وغيرها في حديث العرباض بن سارية في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )، وكذلك ما جاء في الصحيح من حديث أبي موسى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعد ).

والكلام على مسألة العمرة مما يطول جداً، وكذلك الأصول التي يرجع إليها في هذا، وإنما كان الكلام على العمرة باعتبارها أكثر وقوعاً في غالب الناس من الحج، وكان هذا سبب تخصيصها، وكذلك لحاجة الناس كثيراً للتلبس بها رجالاً ونساءً، سواءً كانوا قريبين أو بعيدين، وهذا من الأمور التي جعلتنا نتكلم على هذه القضية على سبيل الانفراد.

وكثير من العلماء يوردون أحكام العمرة مندرجة مع الحج، وذلك باعتبار أن الحج أهم، وكذلك هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وكذلك لأهميته العظيمة، ولا خلاف عند العلماء على ركنيته وأهمية وجوبه على خلاف في مسألة العمرة.

العمرة المراد بها: هو قصد البيت الحرام على صفة معلومة، وبأعمال معلومة، وأقوال معلومة.

وأما بالنسبة للزمن الذي يفعل فيه الإنسان العمرة فإنه لا حد له، والزمن في ذلك مفتوح ليلاً أو نهاراً، وكذلك فإنه يفعلها الإنسان في أي أيام السنة، وإنما يقع خلاف عند بعض العلماء في بعض المسائل، كالعمرة في يوم عرفة، فإن بعض العلماء ربما يكرهها باعتبار أن الناس يقفون في عرفة، فينبغي للإنسان أن يقف معهم ولا ينشغل بالعمرة بالطواف بالبيت، وغير ذلك مما يأتي الإشارة إليه.

والعمرة قد قرنها الله عز وجل في كتابه العظيم في قوله سبحانه وتعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وإذا ورد الفضل في الحج فإنه يندرج تبعاً في فضله العمرة على الصحيح، ما لم تدل قرينة من القرائن على إيراد الحج على سبيل الخصوص بصفة من الصفات وبقول من الأقوال يخرجه عن العمرة، باعتبار أن العمرة هي نوع من القصد الذي يقصد به الإنسان الإتيان إلى البيت.

والعمرة بضم الميم وإسكانها هي: الزيارة، والعمارة ضد الخراب، والعمرة فيها عمارة المودة والمحبة بزيارة البيت العتيق، محبة ومودة لله سبحانه وتعالى، وكانت العرب تعرف العمرة حتى في الجاهلية، ولكنهم لا يعرفونها في أشهر الحج يحرمونها، وهذا مما بدله الجاهليون مما كان عليه أهل الإسلام في السابق، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في أشهر الحج مبيناً بطلان ما كانوا عليه، ومصححاً لتلك الأعمال التي بدلوها مما شرعها الله عز وجل، فبدلوها على غير وجهها، فأعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والعمرة لا خلاف عند العلماء في مشروعيتها، سواءً في الإسلام أو قبله، وحكمها باقٍ إلى قيام الساعة.

وإنما الخلاف وقع في مسألة وجوبها هل هي واجبة أم لا؟

ذهب جماعة من العلماء إلى وجوب العمرة، وذهب إلى هذا جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كـعبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله وذهب إلى هذا جماعة من الفقهاء من السلف كـابن المسيب و ابن جبير و عطاء و مجاهد و قتادة و الحسن و أحمد و الشافعي في مذهبه الجديد، وهذا هو القول الأرجح أنه ينبغي للإنسان أن يأتي بعمرة في عمره مرة واحدة، وقد جاء عن غير واحد من السلف التصريح بذلك، وعلى ما جاء في هذا عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، كما رواه الدارقطني و الحاكم وغيرهم، قال: (ليس من أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان لا بد منهما، فمن زاد بعد ذلك فهو خير وتطوع)، وقد جاء عنه عليه رضوان الله أنه قال كما رواه نافع عن عبد الله بن عمر : (الحج والعمرة فريضتان).

وكذلك روي عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى ما يفهم عنه ذلك، كما جاء عن أبي وائل عن الصبي بن معبد قال: قلت لـعمر بن الخطاب عليه رضوان الله: (إني كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً، وإني أسلمت، وإني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ، فأتيت رجلاً من قومي، فقال لي: اجمعهما واذبح ما تيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معاً، فقال عمر عليه رضوان الله تعالى: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم).

وهذا الرجل الذي سأل عمر بن الخطاب قد سأله بعد قول رجل من قومه: اجمعهما واذبح ما تيسر، وقال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ، ثم ذكر أنه أهل بهما جميعاً، فقال: هديت لسنة نبيك، وهذا إقرار لقوله: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ.

وهذا قد قال به غير واحد كما جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله في تفسير قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، قال: والله إنها لقرينتها في كتاب الله، ومال إلى هذا الإمام البخاري رحمه الله، فإنه ترجم على هذا في كتابه الصحيح في أبواب العمرة، قال: باب وجوب العمرة وفضلها.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالاعتمار حتى عن الميت، كما جاء في حديث أبي رزين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حج عن أبيك واعتمر )، وهذه الزيادة وهي ذكر العمرة قد تكلم عليها غير واحد من العلماء بعدم الصحة، قالوا: إن الأمر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو أمر بالحج لا الأمر بالعمرة، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حج عن أبيك ).

وكذلك فإن العمرة بالنسبة للنساء أن تأتي في حياتها بعمرة واحدة آكد من الرجال، وذلك أن النساء لا جهاد عليهن كما على الرجال، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في المسند وغيره من حديث عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة عليها رضوان الله أنها قالت: ( يا رسول الله! هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة )، وهذا قد تكلم فيه غير واحد من العلماء في ذكر العمرة، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: ( عليهن جهاد لا قتال فيه، عليهن الحج ).

وعلى كل فإن العمرة متأكدة جداً على أقل أحوالها، والأرجح في ذلك الوجوب، وينبغي للإنسان أن يعتني بالإتيان بالعمرة قدر وسعه وطاقته.

وأما بالنسبة للعمرة للمكيين؛ فإن المكيين يختلفون عن غيرهم، فإن أهل مكة على الصحيح ليس عليهم عمرة، وهذا الذي ذهب إليه جماعة من السلف، قال عبد الله بن عباس عليه رضوان الله: (أنتم يا أهل مكة لا عمرة لكم، إنما عمرتكم الطواف).

والمراد بذلك أنه ينبغي للمكي ألا يعتمر وإنما يكثر من الطواف حال دخوله المسجد الحرام، وأما بالنسبة للعمرة فإنها تكون للآفاقيين، وأما بالنسبة لمن كان آفاقياً وقدم إلى مكة وأقام فيها، فيقال: إذا أقام فيها إقامة طويلة يستلزم معها عدم قصر الصلاة، وعدم الحاجة إلى الجمع ولا الفطر في رمضان عند ورود الحاجة إليه بعذر السفر، فإن الإنسان يكون في حاله كحال أهل الإقامة.

وينبغي للإنسان أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى ما شرع أمثال هذه الشرائع إلا تطهيراً للعباد وتقرباً إليه سبحانه وتعالى، وقد جاء في ذلك فضل العمرة وتكفيرها، وقد جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، ومن ذلك ما جاء في حديث أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة )، والمراد بهذا أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الإتيان بالعمرة؛ فإذا جاء بعمرة ثم جاء بأخرى، فإن ما بينهما من الذنوب يكفره ذلك العمل، وهذا دليل على فضل ذلك العمل الذي أوجب الله عز وجل به تكفيراً لذلك الذنب، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء، وهذا مما تشترك فيه العمرة مع الحج، فإن الحج كفارة لما بينه وبين الحج السابق من باب أولى؛ باعتبار أن الحج آكد، وكذلك لظاهر النص من قياس الأولى، فإن الله عز وجل قد بيّن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج يهدم ما قبله.

وقوله: (لما قبله) شامل لما بينه وبين الحجة السابقة وما كان قبل ذلك، وذلك لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم عن ابن شماسة المهري عن عمرو بن العاص عليه رضوان الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الإسلام يهدم ما قبله، والحج يهدم ما قبله، والهجرة تهدم ما قبلها )، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الحج يهدم ما قبله، وبيّن أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وإذا احتسب الإنسان أنه إذا جاء بالعمرة كفر الله عز وجل له ذنبه السابق، فإنه يرجى له ذلك.

والله سبحانه وتعالى قد شرع أمثال هذه الأعمال ليكثر الإنسان من التطوع والتقرب له جل وعلا، وأفضل ما يتعبد به الإنسان هو الاقتفاء بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه، فإن الله عز وجل قد جعل لنا فيه أسوة حسنة، وكذلك أمر الله عز وجل بعدم الخروج عن هديه، فإن الشرائع السابقة كثير منها قد تبدل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم )، والمناسك المراد بها هنا هي مناسك الحج والعمرة، وتسمى أفعال الحج وأفعال العمرة بالنسك أو المناسك، وهذا ما ينبغي للإنسان أن يكون على حيطة وحذر منه، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخر حجه وبعث بعض أصحابه بعد أن فرض عليه الحج؛ حتى لا يلتبس عمل الإسلام بعمل الجاهليين؛ فإن الجاهليين عند البيت يطوف بعضهم عراة، وكذلك لا يقفون بعرفة، ولا يخرجون من حدود الحرم، وكذلك بالنسبة للسعي بين الصفا والمروة، فإنهم ربما يتحرجون منه، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يأخذ المناسك إلا من مشرعها عليه الصلاة والسلام.

من قال بوجوب العمرة كالحج، فإنه ينبغي أن يعلم أن شروط الوجوب في العمرة هي كشروط الحج في الجملة، على من قال بوجوب العمرة، والشروط الواردة في ذلك جملة، منها:

الشرط الأول: الإسلام

الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على مشرك، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا بكر عليه رضوان الله ومعه جماعة من أصحابه كـأبي هريرة وغيره، وأمره أن ينادي بالحج قبل حجة الوداع، فقال أبو بكر عليه رضوان الله: ( لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ).

الشرط الثاني: الأهلية

الشرط الثاني: لا تجب العمرة على مجنون أو ناقص الأهلية، أهلية العقل لمن به سفه شديد أو غفلة شديدة، كالدخول في دائرة الهرم وغير ذلك، ويدخل في هذا من باب أولى من فقد عقله بإغماء أو نحوه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل ).

الشرط الثالث: البلوغ

الشرط الثالث: البلوغ، وهذا متضمن لما تقدم، باعتبار أن الصغير لا عقل له تام، وإن كان من جهة الإدراك أعقل من غيره ممن به جنون أو هرم وخرف، فإنه إذا وقع في الإنسان هرم وخرف فإنه يفقد العقل ولو كان كبيراً، والصبي خير منه في هذا الباب، ولهذا بالنسبة للصغير، يقال: إن حجه يصح لكن لا يجب عليه، وقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس (أن امرأة لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بالروحاء فرفعت صبيها، وقالت: ألهذا حج؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم ولك أجر )، فإذا كان له حج فله عمرة من باب أولى.

وكذلك فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى قيام الساعة، والصبي حجه صحيح بالاتفاق، ولكن لا يجب عليه.

ويشتهر عند العامة أن حج الصبي يكتب له نصف الأجر، وهذا فيه نظر، والصواب أن له الأجر تاماً، ولكن لا يجب عليه وجوباً، ويجب عليه إذا بلغ أن يحج مرة أخرى، وقد كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصغار يحجون معه ولم يبلغوا، وهذا في باب العمرة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قارناً ومعه جماعة من أصحابه، وكان منهم من تمتع، وقد جاء في صحيح البخاري من حديث السائب بن يزيد قال: ( حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين )، والصغير إذا حج حجاً صحيحاً كان له الأجر كاملاً، ولكنه إذا بلغ وجب عليه أن يعيد، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر المرفوع والصواب فيه الوقف كما رواه الشافعي و البيهقي وغيرهم، قال: ( أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى )، وهذا الخبر قد أعله مرفوعاً غير واحد من العلماء، والصواب في ذلك الوقف على عبد الله بن عباس ، وهذه المسألة من مسائل الإجماع، أن الصبي إذا حج قبل بلوغه فإن حجه لا يجزئ عن حجة الإسلام، وإنما الخلاف في حال بلوغه في عرفة، هل يسقط ذلك عن حجة الإسلام أم لا؟ وذلك أنه يوجد بعض الصبية من يولد في يوم عرفة فيحج في السنة الخامسة عشرة، ويكون بلوغه خمسة عشر، ويكون حينئذٍ في هذا اليوم قد بلغ فأدرك شيئاً من وقوفه بعرفة ونحو ذلك، وكذلك من ظهر منه علامات البلوغ أو رآها كاحتلام ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للصبي إذا حج به وليه فإن العمل يقع عن الاثنين، والأولى في ذلك أن ينوي عن الصبي، وأن يلبي عنه، وأن يرمي عنه لعجزه، وكذلك يروى في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله قال: ( حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا ورمينا عنهم ).

والمراد من ذلك أن الصبي يلبى عنه، وينبغي ويتأكد أن يجنب محظورات الإحرام وأن يبعد عنها، حتى لا يتلبس بها فيقع في شيء من النقص في العبادة، وأما الإثم فلا يقع عليه، وأما بالنسبة إذا وقع الصبي المحرم في حال إحرامه بشيء من محظورات الإحرام، فهناك من العلماء من لا يرى لزوم شيء عليه، وهذا قول جماعة من العلماء، وهو قول الحنفية، ومن العلماء من ألزمه في حق المميز ولم يلزمه في غيره، ومن العلماء من فرق بين ما يفعله الصبي استمتاعاً كالطيب واللباس، قالوا: لا فدية فيه، وما فعله إتلافاً ففيه الفدية، وهذه المسألة من مواضع الخلاف، والصواب في ذلك أنه لا يجب على الصبي ولا وليه شيء، باعتبار ارتفاع القلم عنه، وربما فعل الصبي شيئاً من غير علم وليه، فصرف عنه، ففعل شيئاً من محظورات الإحرام، فإلحاق الفدية على الولي فيه نظر، وفيه تكليف بما لا يطاق، خاصة إذا كان الإنسان يلي جملة من الصبية، ويصعب عليه أن يحيط بهم.

وإذا قلنا بصحة الحج كاملاً من غير الإجزاء عن حجة الإسلام في الصبي، فإنه يجوز أن نقول ذلك في المجنون، فإن المجنون إذا حج به وليه فحجه وعمرته صحيحة، وله الأجر، ولكن بالنسبة لما يترتب على ذلك من حجة الإسلام إذا عقل يقال: بالاتفاق أنه يجب عليه أن يأتي بحجة أخرى، وهذا من قياس الأولى، فإننا إذا قلنا: إن الصبي إذا كان بالمهد -وهذا ما يقوله العلماء- وهو حديث الولادة حجت به أمه وحجه في ذلك مكتوب، فهل نقول ذلك في المجنون؟

هناك من المجانين من هم أعقل من الصبيان الصغار، فيهم سفه وفيهم سفه شديد أو غفلة وفيهم جنون أو نحو ذلك، ولكن يتناولون الطعام والشراب، ويلبسون ويعتنون، ولكن يفقدون شطر عقولهم، وهذا ينبغي أن يقال: إن الحج يكتب له ولوليه الأجر، وحكمه في مسألة الفدية كحكم الصبي، وإذا قام وليه بحمله أو بدفعه على عربة، والولي والمدفوع يريدون الحج، فإنهم في ذلك يؤجرون، والعمل يجزئ عن الجميع على الصحيح من أقوال العلماء.

الشرط الرابع: الحرية

الشرط الرابع: الحرية، فلا بد في وجوب الحج والعمرة أن يكون الحاج حراً لا عبداً، وأما العبد فحجه وعمرته صحيحة، وإذا عتق فإنه يجب عليه أن يحج مرة أخرى.

الشرط الخامس: الاستطاعة

الشرط الخامس: الاستطاعة، فإن العاجز لا تجب عليه العمرة، ولهذا قال الله جل وعلا في الحج وهو آكد من العمرة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، والآية في ذلك واضحة وبينة، وقد جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه قال في قول الله جل وعلا: (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) كما رواه البيهقي وغيره، قال: (السبيل أن يصح بدن العبد وأن يكون له ثمن وزاد وراحلة من غير أن يجحف به).

ويظهر في هذا الشرط أنه يتضمن جملة من الشروط: القدرة المالية والقدرة البدنية وأمن الطريق، فقد يكون الإنسان مقتدراً بالمال ولكنه ليس بمقتدر بالبدن؛ كأن يكون مشلولاً أو كبيراً في السن، أو صبياً لا يجب عليه، فيقال حينئذٍ: هو عاجز، وكذلك أن يكون مقتدراً ببدنه، لكنه فقير بماله، فيقال: لا تجب عليه العمرة، ومن باب أولى الحج.

الشرط السادس: المحرم للمرأة

الشرط السادس: بالنسبة للعمرة على المرأة على من قال بوجوب العمرة فلا بد من توفر المحرم حتى يجب عليها، والمرأة التي لا تجد محرماً لا يجب عليها الحج ولا العمرة، وهذا باتفاقهم، وإنما اختلفوا في جواز ذهاب المرأة مع جملة من النساء إذا كان القيم ذكراً، وذلك كأن يوجد بعض الحملات النسائية التي ربما تعتني ببعض الخدم من الخادمات أو الشغلات وغير ذلك، ففيها المائة والمائتان ونحو ذلك، أو تكون المرأة مع مجموعة من النساء مع أمها وأخواتها، وكذلك مع بعض محارمهن فهي منغمسة مع النساء، ويقود القافلة الرجال، فإذا كانت مع مجموعة من النساء والقيم واحداً ذكراً، فيقال حينئذٍ: إنه لا حرج في هذا على قول جماعة من السلف، وذهب إلى هذا جماعة، كالإمام مالك و الشافعي والإمام أحمد، وقال به غير واحد، ورجحه إمام المناسك عطاء و ابن سيرين، وذهب إليه الأوزاعي و قتادة ، واختاره ابن تيمية رحمهم الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءه رجل أراد الخروج في الجهاد، فقال: (إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي ذهبت حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حج مع امرأتك)، فأسقط النبي صلى الله عليه وسلم أمر ذهابه للجهاد حتى يحج مع امرأته، وفي هذا تأكيد على الولي أنه ينبغي له أن يسقط الفريضة عن زوجه وعن أبنائه الذين لا يقومون إلا به، خاصة عند عدم القيام الموجب إلا به.

الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على مشرك، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا بكر عليه رضوان الله ومعه جماعة من أصحابه كـأبي هريرة وغيره، وأمره أن ينادي بالحج قبل حجة الوداع، فقال أبو بكر عليه رضوان الله: ( لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ).

الشرط الثاني: لا تجب العمرة على مجنون أو ناقص الأهلية، أهلية العقل لمن به سفه شديد أو غفلة شديدة، كالدخول في دائرة الهرم وغير ذلك، ويدخل في هذا من باب أولى من فقد عقله بإغماء أو نحوه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل ).

الشرط الثالث: البلوغ، وهذا متضمن لما تقدم، باعتبار أن الصغير لا عقل له تام، وإن كان من جهة الإدراك أعقل من غيره ممن به جنون أو هرم وخرف، فإنه إذا وقع في الإنسان هرم وخرف فإنه يفقد العقل ولو كان كبيراً، والصبي خير منه في هذا الباب، ولهذا بالنسبة للصغير، يقال: إن حجه يصح لكن لا يجب عليه، وقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس (أن امرأة لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بالروحاء فرفعت صبيها، وقالت: ألهذا حج؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم ولك أجر )، فإذا كان له حج فله عمرة من باب أولى.

وكذلك فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى قيام الساعة، والصبي حجه صحيح بالاتفاق، ولكن لا يجب عليه.

ويشتهر عند العامة أن حج الصبي يكتب له نصف الأجر، وهذا فيه نظر، والصواب أن له الأجر تاماً، ولكن لا يجب عليه وجوباً، ويجب عليه إذا بلغ أن يحج مرة أخرى، وقد كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصغار يحجون معه ولم يبلغوا، وهذا في باب العمرة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قارناً ومعه جماعة من أصحابه، وكان منهم من تمتع، وقد جاء في صحيح البخاري من حديث السائب بن يزيد قال: ( حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين )، والصغير إذا حج حجاً صحيحاً كان له الأجر كاملاً، ولكنه إذا بلغ وجب عليه أن يعيد، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر المرفوع والصواب فيه الوقف كما رواه الشافعي و البيهقي وغيرهم، قال: ( أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى )، وهذا الخبر قد أعله مرفوعاً غير واحد من العلماء، والصواب في ذلك الوقف على عبد الله بن عباس ، وهذه المسألة من مسائل الإجماع، أن الصبي إذا حج قبل بلوغه فإن حجه لا يجزئ عن حجة الإسلام، وإنما الخلاف في حال بلوغه في عرفة، هل يسقط ذلك عن حجة الإسلام أم لا؟ وذلك أنه يوجد بعض الصبية من يولد في يوم عرفة فيحج في السنة الخامسة عشرة، ويكون بلوغه خمسة عشر، ويكون حينئذٍ في هذا اليوم قد بلغ فأدرك شيئاً من وقوفه بعرفة ونحو ذلك، وكذلك من ظهر منه علامات البلوغ أو رآها كاحتلام ونحو ذلك.

وأما بالنسبة للصبي إذا حج به وليه فإن العمل يقع عن الاثنين، والأولى في ذلك أن ينوي عن الصبي، وأن يلبي عنه، وأن يرمي عنه لعجزه، وكذلك يروى في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد و ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله قال: ( حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا ورمينا عنهم ).

والمراد من ذلك أن الصبي يلبى عنه، وينبغي ويتأكد أن يجنب محظورات الإحرام وأن يبعد عنها، حتى لا يتلبس بها فيقع في شيء من النقص في العبادة، وأما الإثم فلا يقع عليه، وأما بالنسبة إذا وقع الصبي المحرم في حال إحرامه بشيء من محظورات الإحرام، فهناك من العلماء من لا يرى لزوم شيء عليه، وهذا قول جماعة من العلماء، وهو قول الحنفية، ومن العلماء من ألزمه في حق المميز ولم يلزمه في غيره، ومن العلماء من فرق بين ما يفعله الصبي استمتاعاً كالطيب واللباس، قالوا: لا فدية فيه، وما فعله إتلافاً ففيه الفدية، وهذه المسألة من مواضع الخلاف، والصواب في ذلك أنه لا يجب على الصبي ولا وليه شيء، باعتبار ارتفاع القلم عنه، وربما فعل الصبي شيئاً من غير علم وليه، فصرف عنه، ففعل شيئاً من محظورات الإحرام، فإلحاق الفدية على الولي فيه نظر، وفيه تكليف بما لا يطاق، خاصة إذا كان الإنسان يلي جملة من الصبية، ويصعب عليه أن يحيط بهم.

وإذا قلنا بصحة الحج كاملاً من غير الإجزاء عن حجة الإسلام في الصبي، فإنه يجوز أن نقول ذلك في المجنون، فإن المجنون إذا حج به وليه فحجه وعمرته صحيحة، وله الأجر، ولكن بالنسبة لما يترتب على ذلك من حجة الإسلام إذا عقل يقال: بالاتفاق أنه يجب عليه أن يأتي بحجة أخرى، وهذا من قياس الأولى، فإننا إذا قلنا: إن الصبي إذا كان بالمهد -وهذا ما يقوله العلماء- وهو حديث الولادة حجت به أمه وحجه في ذلك مكتوب، فهل نقول ذلك في المجنون؟

هناك من المجانين من هم أعقل من الصبيان الصغار، فيهم سفه وفيهم سفه شديد أو غفلة وفيهم جنون أو نحو ذلك، ولكن يتناولون الطعام والشراب، ويلبسون ويعتنون، ولكن يفقدون شطر عقولهم، وهذا ينبغي أن يقال: إن الحج يكتب له ولوليه الأجر، وحكمه في مسألة الفدية كحكم الصبي، وإذا قام وليه بحمله أو بدفعه على عربة، والولي والمدفوع يريدون الحج، فإنهم في ذلك يؤجرون، والعمل يجزئ عن الجميع على الصحيح من أقوال العلماء.

الشرط الرابع: الحرية، فلا بد في وجوب الحج والعمرة أن يكون الحاج حراً لا عبداً، وأما العبد فحجه وعمرته صحيحة، وإذا عتق فإنه يجب عليه أن يحج مرة أخرى.

الشرط الخامس: الاستطاعة، فإن العاجز لا تجب عليه العمرة، ولهذا قال الله جل وعلا في الحج وهو آكد من العمرة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، والآية في ذلك واضحة وبينة، وقد جاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه قال في قول الله جل وعلا: (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) كما رواه البيهقي وغيره، قال: (السبيل أن يصح بدن العبد وأن يكون له ثمن وزاد وراحلة من غير أن يجحف به).

ويظهر في هذا الشرط أنه يتضمن جملة من الشروط: القدرة المالية والقدرة البدنية وأمن الطريق، فقد يكون الإنسان مقتدراً بالمال ولكنه ليس بمقتدر بالبدن؛ كأن يكون مشلولاً أو كبيراً في السن، أو صبياً لا يجب عليه، فيقال حينئذٍ: هو عاجز، وكذلك أن يكون مقتدراً ببدنه، لكنه فقير بماله، فيقال: لا تجب عليه العمرة، ومن باب أولى الحج.