الأحاديث المعلة في الصلاة [50]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

ففي هذا المجلس في التاسع من ربيع الآخر من عام خمس وثلاثين وأربعمائة وألف نتكلم بإذن الله عز وجل على شيء من الأحكام المتعلقة بأحكام صلاة العيدين، وتكلمنا في المجلسين السابقين على شيء منها.

ومن هذه الأحاديث المتعلقة بالباب: حديث عبد الله بن السائب : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بأصحابه ثم قام فقال: إنا صلينا العيد فمن شاء أن يشهد الخطبة فليجلس، ومن شاء أن ينصرف فلينصرف ).

هذا الحديث أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجه وغيرهم من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث منكر، وقع الخطأ والوهم فيه من الفضل بن موسى وقد تفرد به وجعله موصولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصواب في هذا الحديث الإرسال، وذلك أنه يرويه الثقات عن ابن جريج عن عطاء مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوهم في ذلك كما تقدم من الفضل بن موسى عند عامة النقاد، وهذا الحديث مسنداً له وجهان:

الوجه الأول: ما رواه الفضل بن موسى بهذا الوجه من حديث ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنداً هكذا.

والوجه الثاني: جعل من مسند عبد الله بن عباس رواه بشر بن عبد الوهاب عن وكيع بن الجراح عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعله من مسند عبد الله بن عباس ، وهو وهم في الوجهين، فلا يثبت مسنداً متصلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصواب في ذلك الإرسال، هكذا يرويه الثقات عن سفيان، فيرويه الثقات كحال قبيصة عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء مرسلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا جزم الأئمة عليهم رحمة الله كـابن معين، حيث يقول ابن معين رحمه الله: أخطأ فيه الفضل بن موسى ، والصواب فيه أنه عن ابن جريج عن عطاء مرسلاً، وبهذا الوهم قال الأئمة كالإمام أحمد رحمه الله وقال بذلك أبو زرعة و أبو حاتم و النسائي وغيرهم وأن هذا الحديث لا يثبت مسنداً عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما ما يتعلق في هذا الحديث من أحكام فهي أن هذا الحديث فيه إشارة إلى أن خطبة العيدين لا يجب شهودها، وأن من لغا فيها فلا أثر للغوه فيها على صلاته، بخلاف خطبة الجمعة فإن من لغا في الخطبة فإن ذلك يؤثر على صلاته، أما صلاة العيد فإن الإنسان إذا لغا في خطبة الإمام فإنه لا أثر في ذلك على صلاته.

وفي هذا أن شهود الخطبة ليس بواجب في العيدين بخلاف يوم الجمعة، وهذا الفقه هو محل اتفاق عند العلماء إلا فيما يتعلق بمسألة اللغو، فقد اتفق العلماء عليهم رحمة الله على أن شهود خطبة العيدين لا يجب، وإنما وقع خلاف عند الفقهاء فيمن شهدها هل يجب عليه الإنصات، ومن لم ينصت هل يعد واجباً عليه الإنصات فيأثم عند لغوه ويؤثر ذلك على صلاته باعتبار أن شهوده ذلك يحرم عليه أن يقع في شيء من اللغو وذلك بالكلام حتى لا يشوش على الناس، وأما أصل ذهابه فجائز، وهذا فرع عن مسألة يذكرها الفقهاء وهي: أنه قد يبنى على مسألة من المسائل المستحبة أمر واجب وذلك بعد انعقادها، وهذا في كلام بعض الفقهاء كحال صلاة الإنسان النافلة فإذا كبر فيها تكبيرة الإحرام فقد قال بعض الفقهاء: إنه يجب عليه أن يتمها؛ لأنه شرع فيها فإذا شرع في شيء فليس له أن ينقضه إلا بوجه مشروع، والوجه المشروع في هذا هو التسليم.

ولهذا بعض الفقهاء يقول: إن شهود خطبة العيد سنة ولكن من شهدها وجب عليه أن يلتزم كحال التزامه في خطبة الجمعة، وإذا أراد أن يلغوا فيخرج ويلغوا ويتكلم كما شاء ولا حرج عليه في ذلك ولا أثر على صلاته.

وهذا الحديث في أن النبي عليه الصلاة والسلام ( قام في الناس وقال: من أراد أن يشهد الخطبة فليجلس )، في هذا إشارة إلى التخيير، ولكن نقول: إن هذا لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه خير أحداً بالجلوس وعدمه على حد سوى ولكن عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى محل اتفاق، وكذلك من جهة خروجهم في حال سماع الخطبة أو جلوسهم وأن هذا على التخيير هذا محل اتفاق ولا خلاف عندهم في ذلك.

الحديث الثاني: هو قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته أخت عبد الله بن رواحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وجب الخروج إلى العيد على كل ذات نطاق ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، و البخاري في كتابه التاريخ وغيرهم من حديث محمد بن النعمان عن طلحة بن مصرف عن امرأة من بني عبد قيس عن أخت عبد الله بن رواحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث حديث منكر بهذا اللفظ وإن جاء بنحو معناه لا بإطلاقه من حديث أم عطية وهو في الصحيحين ويأتي الكلام عليه.

فهذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث يرويه محمد بن النعمان وهو مستور الحال، وقد روى هذا الحديث عنه شعبة بن الحجاج و شعبة لا يروي إلا عن ثقة، ورواية شعبة عن مثله مستقيمة، و محمد بن النعمان يروي هذا الحديث عن طلحة بن مصرف عن امرأة من بني عبد قيس ، والمرأة هذه لا يعرف حالها فهي مجهولة وهذه علة ثانية، ويدل على أن الجهالة هنا جهالة عين وليست جهالة حال أن هذا الحديث أخرجه الطيالسي في مسنده، وأخرجه البيهقي من حديث محمد بن النعمان عن طلحة بن مصرف عن رجل عن أخت عبد الله بن رواحة ، فذكره وجعله رجلاً وفي الطريق الأولى جعله امرأة من بني عبد قيس، فالجهالة في هذا الإسناد جهالة عين، وجهالة العين أشد من جهالة الحال ولا يقبل فيها المتابعة، وذلك لأن الأصل في جهالة الحال أن العين معلومة وأنه يغلب عليها الستر ولو ظهر الكذب فيها لنقل؛ فإن الكاذب لا تستر حاله غالباً، وأما إذا كان الراوي مستوراً ولم يظهر منه كذب فإن الناس يمسكونه عنه، وهذا الحديث مسلسل بالكوفيين فهو يرويه محمد بن النعمان وهو كوفي عن طلحة بن مصرف وهو كوفي وأخت عبد الله بن رواحة وهي كوفية أيضاً معدودة في الصحابة، وظاهر ذكر الإمام أحمد رحمه الله لحديثها في كتابه المسند أنها من الصحابة كذلك.

ومن وجوه العلل: أن هذا الحديث في لفظه قال: ( وجب الخروج إلى العيد على كل ذات نطاق )، فقوله: ( وجب )، يظهر أنه روي بالمعنى، وهي عادة للكوفيين كما تقدمت الإشارة إليه مراراً أن الكوفيين يروون الحديث وربما تصرفوا بلفظه على ما يريدون مما يفهمونه لمن يروونه لهم من التلاميذ أو من عامة الناس، والحديث قد جاء في الصحيحين من حديث أم عطية أنها قالت: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وفي رواية: ( كنا نؤمر أن نخرج العواتق وذوات الخدور، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض أن يعتزلن المصلى ).

فقولها: ( كنا نؤمر )، وفي رواية: ( أمرنا )، وهي أيضاً في الصحيح إشارة إلى الأمر، والأمر يحتمل الإلزام ويحتمل عدمه، فقد يكون على الاستحباب وقد يكون على الفرض وهو أوسع من لفظ الإيجاب، وفي قول أخت عبد الله بن رواحة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( وجب الخروج إلى العيد على كل ذات نطاق )، من قوله، وحديث أم عطية من ظاهر توجيهه وإرشاده، وقولها: ( كنا نؤمر ) أو ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وهذا دلالة على أن الحديث روي بالمعنى، وتقدم معنا الإشارة إلى أن الكوفيين عادة ما يقلبون الحديث على لفظ يقرب من الفقه والرأي، وهنا في لفظ الوجوب في قوله: ( وجب الخروج إلى العيد ) هذا ربما يأتي كما في حديث أبي سعيد قال: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فهل هذا على معناه أم لا؟ نقول: إن هذا الحديث وإن كان على معناه من جهة اللفظ إلا أن الحديث لا يخالف غيره من جهة لفظه، بل إنه أصح شيء في هذا الباب من جهة تأكيده على غسل الجمعة، في قول: ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم )، بخلاف حديث أخت عبد الله بن رواحة فإنها قالت: ( وجب الخروج إلى صلاة العيد على كل ذات نطاق )، وهذا الحديث الذي يخالفه أقوى منه: ( كنا نؤمر ) أو ( أمرنا )، ولهذا من ذهب من أهل الفقه إلى وجوب خروج النساء إلى صلاة العيد يأخذ بأمثال هذا اللفظ، وفي هذا الإطلاق نظر.

والحديث الثالث: هو حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العيد واجب على كل ذكر أو أنثى محتلم ).

الحديث أخرجه ابن شاهين في العيدين من حديث عمرو بن شمر ، يظهر أنه من حديث عمرو بن شمر عن خالد بن يزيد عن عطاء عن عبد الله بن عباس عن النبي عليه الصلاة والسلام، و عمرو بن شمر كوفي متهم، وهو ضعيف الحديث جداً، وقد تفرد بهذا الحديث، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله: منكر الحديث، وقد اتهمه الجوزجاني بالكذب، ولا يعرف هذا الحديث إلا من طريقه بهذا اللفظ، فالحديث شبيه بالموضوع.

الحديث الرابع: هو حديث أبي سعيد الخدري : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بهم العيد فلم يصل قبلها شيئاً فلما رجع إلى بيته صلى ركعتين ).

هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه، و ابن خزيمة في كتابه الصحيح من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث منكر، وهو حجة لمن قال بمشروعية صلاة السنة بعد صلاة العيد، ويختلفون في عدد الركعات بعد صلاة العيد فمنهم من يقول: ركعتين، ومنهم من يقول: أربعاً، ولا يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا قبل صلاة العيد ولا بعدها، وهذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري حديث منكر، تفرد به عبد الله بن محمد هنا وهو ضعيف عند عامة الحفاظ، وقد ضعفه يحيى بن معين والإمام أحمد و علي بن المديني وغيرهم، بل ضعفه بعض الأئمة جداً كـيحيى بن معين، فقال في رواية: هالك، وقد تفرد بهذا الحديث عن عطاء عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف ذلك إلا من حديثه مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويدل على نكارة هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى العيد ولم يصل قبلها ولا بعدها شيئاً وكان معه بلال )، وظاهر صنيع البخاري و مسلم في إخراجهما لحديث عبد الله بن عباس وعدم إخراجهما لحديث أبي سعيد عدم الاحتجاج به وعدم الاعتداد بمعناه، وذلك لثبوت خلافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل على شدة نكارة هذا الحديث أو شدة علته أن الصلاة قبل العيد وبعدها ليس عليها عمل أهل المدينة ولا مكة، وذلك أنه قد جاء عند عبد الرزاق عن ابن شهاب الزهري أنه قال قال: ما أدركنا الناس يصلون قبل العيد ولا بعدها شيئاً، و ابن شهاب الزهري هو من أئمة الفقه والرواية والدراية من أهل المدينة وهو بصير بعملهم، وجاء ذلك عن عامر بن شراحيل الشعبي فيما رواه الفريابي في كتاب العيدين عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: شهدت المدينة وأهلها متوافرون فما رأيتهم يصلون قبلها ولا بعدها، وإسناده عن ابن شهاب و عامر بن شراحيل الشعبي صحيح، وكذلك أيضاً عليه عمل أهل مكة كما رواه عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج قال: قلت لـعطاء يعني: ابن أبي رباح : أكان الناس يصلون قبل صلاة العيد أو بعدها شيئاً؟ قال: لا.

مراتب عمل أهل المدينة من حيث الاحتجاج

ومعلوم أن عمل أهل المدينة على مراتب من جهة الاحتجاج فيما يروونه، فمنه ما هو قوي في العمل في بعض المسائل كمسائل الصلاة، وكلما كانت الصلاة أكثر وروداً وتكراراً ثم لم ينقل ولم يعملوا بها كان ذلك أقرب إلى القطع بعملهم أنه حجة، وإذا تباين عملهم، أو تباين العمل في ذلك فكان حولياً أو لا يتكرر أو كان عملاً عارضاً من سائر الأعمال ليس من العبادات فإنه يضعف الاحتجاج.

ولهذا نقول: إن عمل أهل المدينة ليس على مرتبة واحدة، منه ما هو عمل في الصلاة، والصلوات على مراتب منها ما هو في الصلوات الخمس فيختلف الصلوات الخمس عن الاستسقاء والعيدين وغيرها، والفرائض تختلف عن النوافل وذلك لأنها تتكرر، والأمور التي تتكرر في حال الإنسان هي أظهر بالمتابعة والاقتداء، ولهذا قلما يترك أهل المدينة عملاً يفعله النبي عليه الصلاة والسلام على الدوام في يومه، ويندر أن يكون في غيرهم عناية بالأعمال اليومية فيقدم.

ولهذا نقول: إن أهل المدينة يقدمون في أحكام الصلاة قولاً واحداً إذا أجمعوا ولم يكن فيهم خلاف ويتأكد ذلك إذا وافقهم أهل مكة على عملهم، ويندر أن يخالفهم غيرهم فيكون الصواب معه في هذه المسألة، ومنهم من أهل الآفاق من غير المدنيين من له قول قوي ولو في الصلاة؛ لأنه يأخذ من طبقة متقدمة ويتحرى الأخذ عن العلية كـإبراهيم النخعي ، فإبراهيم النخعي كوفي وهو من أهل العراق وكان الإمام أحمد رحمه الله يميل إلى بعض قوله في أبواب الصلاة خاصة؛ والسبب في ذلك أن إبراهيم النخعي يأخذ من مقدمين من المدنيين وطبقة كبرى من التابعين، ومعلوم أن إبراهيم النخعي من جهة الرواية معدود في أتباع التابعين وإن كان هناك من يجعله من جهة الرؤية في عداد التابعين، والصواب أنه في إعداد أتباع التابعين، وعلى هذا نجزم بأن حديث أبي سعيد الخدري في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العيد في بيته ركعتين حديث منكر، وذلك لمخالفته لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً، وعلى ذلك عمل أهل المدينة وعمل أهل مكة، وقد جاء ما يؤيد حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله السابق ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها شيئاً ) وذلك عن جماعة من الصحابة، فجاء ذلك عن عبد الله بن عمر من فعله، وجاء من قوله مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أما الموقوف عليه فقد رواه الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يصلي العيد ولا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً، وأما المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقد أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي بكر بن حفص عن عبد الله بن عمر ( أنه كان يصلي العيد ولا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً ) ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وجاء ذلك أيضاً عن عبد الله بن عمرو، و جابر بن عبد الله ، وكلا هذين الحديثين حديث عبد الله بن عمرو و جابر بن عبد الله أخرجهما الإمام أحمد رحمه الله في المسند، فحديث جابر أخرجه من حديث أبي الزبير عن جابر ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وستأتي الإشارة إليه بإذن الله، وهذا يعضد القول بأن صلاة النافلة بعد صلاة العيد لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمله في حديث وكذلك لم تثبت قبلها، ومشروعية الصلاة قبل صلاة العيد أضعف من القول بمشروعيتها بعد صلاة العيد؛ لأن الصلاة قبل العيد أظهر في الاقتداء والبيان والنقل من الصلاة بعدها.

إعلال الحديث بقوة إسناد المسائل الأقل شأناً في التشريع من محتواه

ولهذا نقول: إن هذا الحديث من وجوه نكارته: أنه قال: (صلى في بيته)، وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنن العيد ما هو أقل شأناً من الركعتين، فمن الأعمال في العيد الثابتة وهي أقل مرتبة في التشريع من الركعتين الذهاب من طريق والرجوع من طريق.

فحديث الذهاب من طريق والرجوع من طريق أظهر من حديث الركعتين، ونستطيع أن نعل حديث الركعتين بقوة إسناد الذهاب من طريق والرجوع من طريق مع التباين؛ لأن الذهاب من طريق والرجوع من طريق أقل شأناً من الركعتين ومع ذلك ورد بسند أقوى الأولى العكس.

قد يقول قائل: إن الذهاب والمجيء في الطريق ظاهر ينقل، أما الصلاة فكونها في حجرته لا ينقلها أحد فلا تعل بذلك.

الجواب: أن الركعتين يظهر فيها عبادة التعبد فهي تنقل ولو كانت خفية، وأما الذهاب والمجيء فلا يظهر منه التعبد المحض، ولهذا نقول: هو أقوى، وأقوى من هذا.

ومن الأعمال كذلك: أكل التمرات في البيت وذلك مدعاة للخفا، فنقول: كيف يظهر لهم أكل النبي صلى الله عليه وسلم التمرات في بيته ولا تظهر الصلاة! فهذا دليل على شدة التحري ونكارة حديث الركعتين.

وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة العيدين نحواً من عشر سنين فكيف لا ينقل بإسناد صحيح أنه صلى ركعتين قبلها أو بعدها بإسناد يشابه إسناد أكل التمرات فهذا من باب أولى.

ومما يدل على أن حديث أكل التمرات يعل حديث الركعتين بقوة أن حديث أكل التمرات في الفطر في عيد واحد، وصلاة الركعتين في عيدين فالأولى أن تروى صلاة الركعتين في إسناد أقوى.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى لا يحفظ عن أحد منهم بإسناد صحيح أن الصلاة قبل العيد أو بعدها سنة، ولا أمروا بها، ولا يثبت عن أحد منهم أنه فعلها إلا ما جاء عن أنس بن مالك وذلك فيما رواه عبد الرزاق في المصنف عن سليمان التيمي أنه رأى أنس بن مالك يصلي قبل العيد ركعتين، ولكن نقول: إنه رآه يصلي ركعتين وهذا ليس وقت نهي بحيث نحتج بمثل هذا، بل هو من الأوقات المطلقة، فلو أن الإنسان أراد أن يصلي فلا نمنعه، فلو دخل الإنسان المسجد لصلاة العيد أو دخل المصلى ثم أراد أن يتنفل للضحى كأن يكون تأخر الإمام أو نحو ذلك فلا يكره له هذا؛ لأنه ليس وقت نهي، وإنما نحن في إيرادنا هذا نريد أن نبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنها ليست سنة في ذاتها، كحال الإنسان الذي يدخل المسجد لأي صلاة من الصلوات التي لم يدل دليل مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة قبلها مثلاً: كصلاة العصر فمن أراد أن يتنفل ما شاء فلا يكره له هذا، ولكن نقول: لا تكون راتبة يديمها الإنسان إلا بثبوت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.

ولهذا نقول: إن ما جاء عن أنس بن مالك لا حجة فيه في معارضة ما جاء، ثم إن أنس بن مالك ربما صلى في صلاة العيد في المسجد وحينئذ تكون تحية المسجد وهي واردة، ولهذا نقول: إن تقرير هذه المسألة أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى قبلها ولا بعدها فضلاً عن أن يكون أمر بذلك، ولم يثبت أيضاً عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى شيء في هذا، وما جاء عن بعض الصحابة كـعبد الله بن بريدة فيما يروي عن أبيه أنه كان يصلي أربعاً إذا رجع إلى أهله، وجاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله أنه كان يصلي أربعاً إذا رجع إلى أهله فهذان الأثران ضعيفان كما رود ذلك في المصنف، وفيهما كلام وذلك أن الحديثين فيهما علة الانقطاع.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن عبد الله بن مسعود ولا عن بريدة عليهما رضوان الله، ويبقى الأمر على أصله أن ذلك لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يثبت تشريعاً عن الصحابة، وأما ما جاء عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى فهو باق على أصل الصلاة في سائر الأيام، فإما أن تكون ضحىً وإما أن تكون تحية المسجد، وهذا ليس وقت نهي بحيث يحتج به أن الصلاة في هذا مشروعة فجاء أثر عن أنس بن مالك يخالف النهي الوارد، ولهذا نقول: إنها من جملة السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإطلاق كتحية المسجد وسنة الضحى.

ومعلوم أن عمل أهل المدينة على مراتب من جهة الاحتجاج فيما يروونه، فمنه ما هو قوي في العمل في بعض المسائل كمسائل الصلاة، وكلما كانت الصلاة أكثر وروداً وتكراراً ثم لم ينقل ولم يعملوا بها كان ذلك أقرب إلى القطع بعملهم أنه حجة، وإذا تباين عملهم، أو تباين العمل في ذلك فكان حولياً أو لا يتكرر أو كان عملاً عارضاً من سائر الأعمال ليس من العبادات فإنه يضعف الاحتجاج.

ولهذا نقول: إن عمل أهل المدينة ليس على مرتبة واحدة، منه ما هو عمل في الصلاة، والصلوات على مراتب منها ما هو في الصلوات الخمس فيختلف الصلوات الخمس عن الاستسقاء والعيدين وغيرها، والفرائض تختلف عن النوافل وذلك لأنها تتكرر، والأمور التي تتكرر في حال الإنسان هي أظهر بالمتابعة والاقتداء، ولهذا قلما يترك أهل المدينة عملاً يفعله النبي عليه الصلاة والسلام على الدوام في يومه، ويندر أن يكون في غيرهم عناية بالأعمال اليومية فيقدم.

ولهذا نقول: إن أهل المدينة يقدمون في أحكام الصلاة قولاً واحداً إذا أجمعوا ولم يكن فيهم خلاف ويتأكد ذلك إذا وافقهم أهل مكة على عملهم، ويندر أن يخالفهم غيرهم فيكون الصواب معه في هذه المسألة، ومنهم من أهل الآفاق من غير المدنيين من له قول قوي ولو في الصلاة؛ لأنه يأخذ من طبقة متقدمة ويتحرى الأخذ عن العلية كـإبراهيم النخعي ، فإبراهيم النخعي كوفي وهو من أهل العراق وكان الإمام أحمد رحمه الله يميل إلى بعض قوله في أبواب الصلاة خاصة؛ والسبب في ذلك أن إبراهيم النخعي يأخذ من مقدمين من المدنيين وطبقة كبرى من التابعين، ومعلوم أن إبراهيم النخعي من جهة الرواية معدود في أتباع التابعين وإن كان هناك من يجعله من جهة الرؤية في عداد التابعين، والصواب أنه في إعداد أتباع التابعين، وعلى هذا نجزم بأن حديث أبي سعيد الخدري في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد العيد في بيته ركعتين حديث منكر، وذلك لمخالفته لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً، وعلى ذلك عمل أهل المدينة وعمل أهل مكة، وقد جاء ما يؤيد حديث عبد الله بن عباس عليه رضوان الله السابق ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها شيئاً ) وذلك عن جماعة من الصحابة، فجاء ذلك عن عبد الله بن عمر من فعله، وجاء من قوله مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، أما الموقوف عليه فقد رواه الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يصلي العيد ولا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً، وأما المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقد أخرجه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي بكر بن حفص عن عبد الله بن عمر ( أنه كان يصلي العيد ولا يصلي قبلها ولا بعدها شيئاً ) ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وجاء ذلك أيضاً عن عبد الله بن عمرو، و جابر بن عبد الله ، وكلا هذين الحديثين حديث عبد الله بن عمرو و جابر بن عبد الله أخرجهما الإمام أحمد رحمه الله في المسند، فحديث جابر أخرجه من حديث أبي الزبير عن جابر ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وستأتي الإشارة إليه بإذن الله، وهذا يعضد القول بأن صلاة النافلة بعد صلاة العيد لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمله في حديث وكذلك لم تثبت قبلها، ومشروعية الصلاة قبل صلاة العيد أضعف من القول بمشروعيتها بعد صلاة العيد؛ لأن الصلاة قبل العيد أظهر في الاقتداء والبيان والنقل من الصلاة بعدها.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث من وجوه نكارته: أنه قال: (صلى في بيته)، وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنن العيد ما هو أقل شأناً من الركعتين، فمن الأعمال في العيد الثابتة وهي أقل مرتبة في التشريع من الركعتين الذهاب من طريق والرجوع من طريق.

فحديث الذهاب من طريق والرجوع من طريق أظهر من حديث الركعتين، ونستطيع أن نعل حديث الركعتين بقوة إسناد الذهاب من طريق والرجوع من طريق مع التباين؛ لأن الذهاب من طريق والرجوع من طريق أقل شأناً من الركعتين ومع ذلك ورد بسند أقوى الأولى العكس.

قد يقول قائل: إن الذهاب والمجيء في الطريق ظاهر ينقل، أما الصلاة فكونها في حجرته لا ينقلها أحد فلا تعل بذلك.

الجواب: أن الركعتين يظهر فيها عبادة التعبد فهي تنقل ولو كانت خفية، وأما الذهاب والمجيء فلا يظهر منه التعبد المحض، ولهذا نقول: هو أقوى، وأقوى من هذا.

ومن الأعمال كذلك: أكل التمرات في البيت وذلك مدعاة للخفا، فنقول: كيف يظهر لهم أكل النبي صلى الله عليه وسلم التمرات في بيته ولا تظهر الصلاة! فهذا دليل على شدة التحري ونكارة حديث الركعتين.

وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام صلاة العيدين نحواً من عشر سنين فكيف لا ينقل بإسناد صحيح أنه صلى ركعتين قبلها أو بعدها بإسناد يشابه إسناد أكل التمرات فهذا من باب أولى.

ومما يدل على أن حديث أكل التمرات يعل حديث الركعتين بقوة أن حديث أكل التمرات في الفطر في عيد واحد، وصلاة الركعتين في عيدين فالأولى أن تروى صلاة الركعتين في إسناد أقوى.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث حديث منكر، والصحابة عليهم رضوان الله تعالى لا يحفظ عن أحد منهم بإسناد صحيح أن الصلاة قبل العيد أو بعدها سنة، ولا أمروا بها، ولا يثبت عن أحد منهم أنه فعلها إلا ما جاء عن أنس بن مالك وذلك فيما رواه عبد الرزاق في المصنف عن سليمان التيمي أنه رأى أنس بن مالك يصلي قبل العيد ركعتين، ولكن نقول: إنه رآه يصلي ركعتين وهذا ليس وقت نهي بحيث نحتج بمثل هذا، بل هو من الأوقات المطلقة، فلو أن الإنسان أراد أن يصلي فلا نمنعه، فلو دخل الإنسان المسجد لصلاة العيد أو دخل المصلى ثم أراد أن يتنفل للضحى كأن يكون تأخر الإمام أو نحو ذلك فلا يكره له هذا؛ لأنه ليس وقت نهي، وإنما نحن في إيرادنا هذا نريد أن نبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها، وعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنها ليست سنة في ذاتها، كحال الإنسان الذي يدخل المسجد لأي صلاة من الصلوات التي لم يدل دليل مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة قبلها مثلاً: كصلاة العصر فمن أراد أن يتنفل ما شاء فلا يكره له هذا، ولكن نقول: لا تكون راتبة يديمها الإنسان إلا بثبوت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام.

ولهذا نقول: إن ما جاء عن أنس بن مالك لا حجة فيه في معارضة ما جاء، ثم إن أنس بن مالك ربما صلى في صلاة العيد في المسجد وحينئذ تكون تحية المسجد وهي واردة، ولهذا نقول: إن تقرير هذه المسألة أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى قبلها ولا بعدها فضلاً عن أن يكون أمر بذلك، ولم يثبت أيضاً عن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى شيء في هذا، وما جاء عن بعض الصحابة كـعبد الله بن بريدة فيما يروي عن أبيه أنه كان يصلي أربعاً إذا رجع إلى أهله، وجاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله أنه كان يصلي أربعاً إذا رجع إلى أهله فهذان الأثران ضعيفان كما رود ذلك في المصنف، وفيهما كلام وذلك أن الحديثين فيهما علة الانقطاع.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث لا يثبت عن عبد الله بن مسعود ولا عن بريدة عليهما رضوان الله، ويبقى الأمر على أصله أن ذلك لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يثبت تشريعاً عن الصحابة، وأما ما جاء عن أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى فهو باق على أصل الصلاة في سائر الأيام، فإما أن تكون ضحىً وإما أن تكون تحية المسجد، وهذا ليس وقت نهي بحيث يحتج به أن الصلاة في هذا مشروعة فجاء أثر عن أنس بن مالك يخالف النهي الوارد، ولهذا نقول: إنها من جملة السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإطلاق كتحية المسجد وسنة الضحى.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحاديث المعلة في الصلاة [20] 2595 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [28] 2447 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [14] 2376 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [39] 2285 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [25] 2234 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [41] 2103 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [32] 2102 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [33] 2059 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [43] 2029 استماع
الأحاديث المعلة في الصلاة [12] 1996 استماع