الأحاديث المعلة في الطهارة [6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فتكلمنا في الدرس الماضي عن بعض الأحاديث، ونتكلم في هذا المجلس بإذن الله عز وجل عن جملة منها ما يتعلق بالتفريق بين بول الغلام وبول الجارية، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث علي بن أبي طالب، وحديث أم سلمة، وزينب وأبي ليلى وعائشة وأم قيس، وجاء في ذلك أخبار يأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى.

أولها هذه الأحاديث هو حديث علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، فقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه أتاه الحسن والحسين فبال أحدهما في حجره، فرش رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية ) .

وهذا الحديث قد تكلم فيه غير واحد من العلماء، واختلف في وصله وإرساله، وكذلك اختلف في وقفه ورفعه، فقد جاء هذا الحديث من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة، وتابع معاذاً عليه عبد الصمد بن عبد الوارث عن هشام الدستوائي عن قتادة بهذا الإسناد، وخولف فيه من وجوه عدة:

أولها: من جهة الوقف، فقد جاء موقوفاً على علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، رواه في هذا جماعة كـشعبة وهمام كلهم عن قتادة به موقوفاً، فمن العلماء من رجح الوقف، ومنهم من رجح الرفع، وجاء أيضاً بإسقاط والد أبي حرب الذي يروي عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رواه عبد الرزاق في كتابه المصنف، وابن أبي شيبة من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب عن علي بن أبي طالب، فأسقط والده، وقد جاء أيضاً من حديث يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى مرفوعاً، وجاء هذا الخبر أيضاً مرسلاً من غير هذا الوجه، ولا يصح، وصوبه بعض الأئمة.

وهذا الحديث كما تقدمت الإشارة إليه قد اختلف في روايته، فـهشام الدستوائي يرويه عن قتادة بالإسناد السابق مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمامه، ويرويه سعيد بن أبي عروبة، ويرويه عنه يحيى بن سعيد القطان عن أبي حرب عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث قد حسن إسناده بعض الأئمة، فقد حسنه البخاري كما نقله عنه غير واحد، وذلك أنه قال بقوة رواية هشام الدستوائي، فقال: وهو حافظ، وقد وقف هذا الخبر شعبة وهمام، وذلك أن هماماً قد وقف هذا الخبر في روايته عن قتادة، وكذلك قد رواه شعبة عن قتادة وجعله موقوفاً، وأما هشام فهو وإن كان حافظاً ومن أضبط الرواة، إلا أنه ليس بأضبطهم عن قتادة في هذا الخبر وجعله مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء في هذا الباب حديث أبي السمح، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهم من حديث يحيى بن الوليد عن محل بن خليفة عن أبي السمح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديث علي بن أبي طالب، وهذا الحديث هو أمثل أحاديث الباب، ومحل بن خليفة قد وثقه غير واحد من الأئمة، وضعفه ابن عبد البر، ولا عبرة بتضعيفه، فقد وثقه يحيى بن معين، والنسائي والدارقطني وجماعة، وقد ضعف بعضهم أيضاً يحيى بن الوليد وليس بضعيف، بل حديثه صحيح.

وجاء أيضاً هذا المعنى من حديث أم سلمة مرفوعاً وموقوفاً، فقد رواه أبو داود من حديث الحسن البصري عن أمه خيرة عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن أبي شيبة مرفوعاً وموقوفاً، والصواب في هذا الوقف، ولا يصح الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد تفرد مسلم بن إبراهيم بهذا الخبر.

فهذا الحديث الصواب وقفه على أم سلمة لثقة من رواه وجعله موقوفاً، وهذا الحديث مع كونه تفرد به الحسن عن أمه وهي من جهة قواعد الأئمة في عداد المجاهيل.

بعض قرائن قبول حديث: (يرش من بول الغلام...)

ولكن ثمة قرائن تجعلنا نقبل هذا الخبر.

منها: الاختصاص، يعني: أن أم سلمة روت عنها أم الحسن، وغالباً أحاديث النساء يرويها بعضهن عن بعض، وهن أضبط لأحاديثهن.

ومنها: أن النساء يعتنين بهذه المسائل: مسائل بول الغلام وبول الجارية، فهذا يتعلق بالمسائل مما يعني العناية بها، ولا يروين من المعاني ما لا تدركه النساء، فهن يدركن هذا المعنى، وهن أضبط لحرفه من غيرهن.

ومنها: أن الحسن البصري يرويه عن أمه وهو إمام جليل فقيه، وهو أعلم بأحاديث أمه.

ومنها: أن أم سلمة تروي عنها مولاتها أم الحسن، فـأم الحسن مولاة عند أم سلمة عليها رضوان الله تعالى مما يعني: عنايتها بالأحاديث.

ومنها: أن الحسن أفتى بهذا، واستدل ابن عبد البر عليه رحمة الله على صحة هذا الحديث بفتيا الحسن، فقال وهو راوي حديث أم سلمة يرويه عن أمه، وهذا من القرائن التي تجعل هذا الخبر مما يعمل به ويعتضد به أيضاً.

بعض طرق حديث: (يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية)

وجاء هذا الحديث من حديث أم كرز، فقد رواه أبو داود في كتابه السنن، وابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أم كرز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن موسى التيمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في إسناده اختلاف، فـعبد الله بن موسى يرويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجعله من مسند عبد الله بن عمرو، وأسامة بن زيد يرويه عن عمرو بن شعيب عن أم كرز وهو أصوب، وحديث أسامة بن زيد أقرب، وعمرو بن شعيب لم يدرك أم كرز في روايتها لهذا الحديث، وعلى هذا فيقال: إن هذا الحديث مما لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك فإن رواية عبد الله بن موسى التيمي قد تفرد في روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومفاريده عن عمرو بن شعيب مما لا يقف عندها العلماء في أمثال هذه المتون.

وجاء أيضاً من حديث أبي ليلى فقد رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث وكيع بن الجراح عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن أبي ليلى عن جده عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده أبي ليلى عن رسول الله صلى لله عليه وسلم بنحو الحديث، وهذا الحديث فيه جملة من الضعفاء منهم محمد وعيسى، فلا يحتج بإسناده.

وجاء أيضاً من وجه آخر عن زينب بنت جحش عليها رضوان الله تعالى، ويرويه ليث بن أبي سليم عن حدير عن مولى زينب عن زينب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث ضعيف، وذلك أنه معلول بعدة علل، منها تفرد ليث بن أبي سيلم، ومنها أن حديراً مما تكلم فيه غير واحد، وكذلك مولى زينب لا يعرف، وإن كان قربه من زينب يدل على استقامة دينه.

وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عباس، فقد رواه الطبراني وغيره من حديث محمد بن عمر الواقدي وقد تفرد به، وحديث محمد بن عمر الواقدي لا يحتج به إذا تفرد.

وجاء أيضا من حديث لبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، وقد جاء في رواية هذا الحديث عدة وجوه، وهذا مما تكلم فيه غير واحد من العلماء من جهة انقطاعه واتصاله، فقد رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عفان عن حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن لبابة بنت الحارث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد الصواب فيه أنه منقطع، وذلك أن الإمام أحمد قد أخرج في كتابه المسند من حديث عفان عن حماد، قال حميد : عطاء لم يسمعه من أم الحارث وإنما سمعه من أبي عياض عن لبابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو عياض مجهول لا يحتج به.

وقد جاء من وجه آخر عند الإمام أحمد من حديث عفان عن وهيب بإسناد صحيح، فيكون لدينا في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي التياح، والثاني حديث لبابة أم الحارث بن العباس بن عبد المطلب، وقد جاء من وجوه أخرى وقع فيها الاضطراب من غير هذا الوجه ولا تصح من حديث أم الفضل وهي لبابة أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، وقد مال إلى تصحيح هذا جماعة من الأئمة من المتأخرين.

وجاء في هذا الحديث وغيره مما سبق من تكلم على معاني هذه الأحاديث بالإعلال فقالوا: باعتبار أن البخاري ومسلماً لم يخرجا منها شيئاً، وهذا ما مال إليه الشافعي عليه رحمة الله فيما نقله عنه البيهقي، وعلل البيهقي عليه رحمة الله تعالى أن عدم إخراج البخاري ومسلم لشيء من ذلك فيه إشارة إلى عدم صحة شيء من هذه الأحاديث عندهما، ولكن يقال: إن عدم إيراد البخاري ومسلم لأمثال هذا التفصيل لا يعني عدم الصحة؛ وذلك أن البخاري قد أخرج من حديث عائشة، وجاء من حديث أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة بن محصن فقد رواه مسلم وتفرد به عن البخاري، فقد روى البخاري فمن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال غلام في حجره لم يطعم، فأفرغ النبي عليه الصلاة والسلام عليه ماء )، وجاء أيضاً عند الإمام مسلم من حديث أم قيس بنحوه، وهذا وإن لم يكن فيه التفريق بين الغلام والجارية وإنما ذكر الغلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صب عليه، وهذا في نهج البخاري هل هو إشارة إلى شيء من الحديث الذي يوافق الأحاديث الأخرى التي لم يخرجها البخاري، نقول: إن البخاري قد نقل عنه الترمذي أنه مال إلى تقوية رواية هشام الدستوائي في روايته عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ورفعه هشام وهو حافظ، مما يدل على أن البخاري عليه رحمة الله رجح الرفع على الوقف، مع أن الذي وقف هذا الخبر غير واحد من الحفاظ كـشعبة وهمام، وقد اختلف في رواية هشام فيرويه معاذ، وكذلك يرويه عبد الصمد عن هشام به مرفوعاً، وجاء عن هشام أيضاً مخالفاً لرواية معاذ، وكذلك عبد الصمد، وبه نعلم أن البخاري عليه رحمة الله تعالى في تنكبه لإخراج هذه الأحاديث باعتبار أنها ليست على شرطه من جهة قوة الإسناد لا من جهة سلامة المتون واستقامتها.

وبهذا ينبغي أن نشير إلى أمر من منهج البخاري عليه رحمة الله، وكذلك الإمام مسلم وهو أن البخاري إذا أردنا أن نتكلم على شرطه فـالبخاري عليه رحمة الله ليس شرطه في الصحيح الصحة مجردة، وإنما قصده في ذلك درجة معينة من الصحة؛ ولهذا قد يصحح البخاري ويقوي حديثاً خارج الصحيح ولا يخرجه باعتبار كونه قاصراً عن مقاصد الصحيح كما في هذا الحديث، وبهذا نعلم أن ما لم يخرجه البخاري من الأحاديث أننا لا نقطع بإعلاله إلا إذا احتفت به القرائن.

ومن هذه القرائن مما تقدمت الإشارة إليه: أن يكون البخاري قد أورد خلافه، أو أورد أثراً خلافه، أو لم يورد شيئاً في الباب مما يعضده، وهذا الأحاديث في التفريق بين بول الغلام والجارية قد أورد البخاري ما يعضد هذا الحديث، وهو حديث عائشة وحديث أم قيس عليهما رضوان الله تعالى، فحديث عائشة أخرجه البخاري، وحديث أم قيس أخرجه الإمام مسلم وهو الصب على بول الغلام.

ومعلوم أنه فرق بين الصب والغسل، والصب والرش واحد، وأما بالنسبة للغسل فالمراد بذلك هو الفرك والدلك الذي يصاحب الرش، يعني: أن الإنسان قد عمد إلى شيء متنجس فغسله، بخلاف الرش وهو الإفاضة.

وكذلك مما يعضد العمل بهذه الأحاديث هو عمل الأمة في هذا، وقد حكي على هذا الإجماع، وهذا من الأمور التي التدقيق فيها مطلب حتى تحسب، ولو لم يكن ثمة عمل للصحابة لما قلنا بهذا الخبر، ولملنا إلى تضعيفه وعدم الاحتجاج به، فأحاديث التفريق بين بول الغلام وبول الجارية من جهة الغسل أو الرش لا تحتمل القبول بهذه الأسانيد، فهي بحاجة إلى أسانيد أقوى منها، فأصحاب علي بن أبي طالب كثر، فلماذا تفرد بالرواية عنه هنا أبو حرب، كذلك أيضاً ما جاء عن أم سلمة، وعبد الله بن عباس، وأبي التياح، وأبو السمح وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن أمثال هذه الروايات لما كان العمل مستقراً على التفريق، والتفريق في هذا ليس عفواً تاماً عن بول الغلام، وعدم العفو عن بول الجارية، وإنما هو نوع تيسير، ولو كان الأمر بعدم الغسل بين بول الغلام وبول الجارية بمعنى: أننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن بول الغلام فقال بطهارته، وبول الجارية بالنجاسة لما قبلنا هذه الأحاديث أيضاً حتى يأتي ما هو أقوى منها باعتبار أن ذلك هو عفو عن بول يشترك مع غيره، فاقتضى قوة الإسناد.

وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك إسحاق بن راهويه كما نقله عنه الكوسج في مسائله عن إسحاق بن راهويه فحكى إجماع الصحابة والتابعين على ذلك، ونقله الترمذي عليه رحمة الله في كتابه السنن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما جاء في هذا عن الصحابة فيه ضعف، ولكن قد يكون العلماء وقفوا على شيء من هذه الأسانيد، ومعلوم عناية العلماء برواية الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم عنايتهم التامة ما تقف المسائل التي فيها إجماع في المقطوعات وما دونها وفي بعض الموقوفات في بعض الأبواب؛ ولهذا نقول: إن العلماء قد نصوا على إجماع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في هذا، فنقول حينئذ بالقبول، ولو لم يكن ثمة إجماع أو كان ثمة عمل لبعضهم وخالف البعض لرددنا هذه الأحاديث؛ لأنها بحاجة إلى ما هو أقوى من ذلك.

ولكن ثمة قرائن تجعلنا نقبل هذا الخبر.

منها: الاختصاص، يعني: أن أم سلمة روت عنها أم الحسن، وغالباً أحاديث النساء يرويها بعضهن عن بعض، وهن أضبط لأحاديثهن.

ومنها: أن النساء يعتنين بهذه المسائل: مسائل بول الغلام وبول الجارية، فهذا يتعلق بالمسائل مما يعني العناية بها، ولا يروين من المعاني ما لا تدركه النساء، فهن يدركن هذا المعنى، وهن أضبط لحرفه من غيرهن.

ومنها: أن الحسن البصري يرويه عن أمه وهو إمام جليل فقيه، وهو أعلم بأحاديث أمه.

ومنها: أن أم سلمة تروي عنها مولاتها أم الحسن، فـأم الحسن مولاة عند أم سلمة عليها رضوان الله تعالى مما يعني: عنايتها بالأحاديث.

ومنها: أن الحسن أفتى بهذا، واستدل ابن عبد البر عليه رحمة الله على صحة هذا الحديث بفتيا الحسن، فقال وهو راوي حديث أم سلمة يرويه عن أمه، وهذا من القرائن التي تجعل هذا الخبر مما يعمل به ويعتضد به أيضاً.

وجاء هذا الحديث من حديث أم كرز، فقد رواه أبو داود في كتابه السنن، وابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أم كرز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن موسى التيمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في إسناده اختلاف، فـعبد الله بن موسى يرويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجعله من مسند عبد الله بن عمرو، وأسامة بن زيد يرويه عن عمرو بن شعيب عن أم كرز وهو أصوب، وحديث أسامة بن زيد أقرب، وعمرو بن شعيب لم يدرك أم كرز في روايتها لهذا الحديث، وعلى هذا فيقال: إن هذا الحديث مما لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك فإن رواية عبد الله بن موسى التيمي قد تفرد في روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومفاريده عن عمرو بن شعيب مما لا يقف عندها العلماء في أمثال هذه المتون.

وجاء أيضاً من حديث أبي ليلى فقد رواه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف من حديث وكيع بن الجراح عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن أبي ليلى عن جده عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده أبي ليلى عن رسول الله صلى لله عليه وسلم بنحو الحديث، وهذا الحديث فيه جملة من الضعفاء منهم محمد وعيسى، فلا يحتج بإسناده.

وجاء أيضاً من وجه آخر عن زينب بنت جحش عليها رضوان الله تعالى، ويرويه ليث بن أبي سليم عن حدير عن مولى زينب عن زينب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث ضعيف، وذلك أنه معلول بعدة علل، منها تفرد ليث بن أبي سيلم، ومنها أن حديراً مما تكلم فيه غير واحد، وكذلك مولى زينب لا يعرف، وإن كان قربه من زينب يدل على استقامة دينه.

وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عباس، فقد رواه الطبراني وغيره من حديث محمد بن عمر الواقدي وقد تفرد به، وحديث محمد بن عمر الواقدي لا يحتج به إذا تفرد.

وجاء أيضا من حديث لبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، وقد جاء في رواية هذا الحديث عدة وجوه، وهذا مما تكلم فيه غير واحد من العلماء من جهة انقطاعه واتصاله، فقد رواه الإمام أحمد في كتابه المسند من حديث عفان عن حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن لبابة بنت الحارث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد الصواب فيه أنه منقطع، وذلك أن الإمام أحمد قد أخرج في كتابه المسند من حديث عفان عن حماد، قال حميد : عطاء لم يسمعه من أم الحارث وإنما سمعه من أبي عياض عن لبابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو عياض مجهول لا يحتج به.

وقد جاء من وجه آخر عند الإمام أحمد من حديث عفان عن وهيب بإسناد صحيح، فيكون لدينا في هذا الباب حديثان الأول حديث أبي التياح، والثاني حديث لبابة أم الحارث بن العباس بن عبد المطلب، وقد جاء من وجوه أخرى وقع فيها الاضطراب من غير هذا الوجه ولا تصح من حديث أم الفضل وهي لبابة أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب، وقد مال إلى تصحيح هذا جماعة من الأئمة من المتأخرين.

وجاء في هذا الحديث وغيره مما سبق من تكلم على معاني هذه الأحاديث بالإعلال فقالوا: باعتبار أن البخاري ومسلماً لم يخرجا منها شيئاً، وهذا ما مال إليه الشافعي عليه رحمة الله فيما نقله عنه البيهقي، وعلل البيهقي عليه رحمة الله تعالى أن عدم إخراج البخاري ومسلم لشيء من ذلك فيه إشارة إلى عدم صحة شيء من هذه الأحاديث عندهما، ولكن يقال: إن عدم إيراد البخاري ومسلم لأمثال هذا التفصيل لا يعني عدم الصحة؛ وذلك أن البخاري قد أخرج من حديث عائشة، وجاء من حديث أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة بن محصن فقد رواه مسلم وتفرد به عن البخاري، فقد روى البخاري فمن حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال غلام في حجره لم يطعم، فأفرغ النبي عليه الصلاة والسلام عليه ماء )، وجاء أيضاً عند الإمام مسلم من حديث أم قيس بنحوه، وهذا وإن لم يكن فيه التفريق بين الغلام والجارية وإنما ذكر الغلام وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صب عليه، وهذا في نهج البخاري هل هو إشارة إلى شيء من الحديث الذي يوافق الأحاديث الأخرى التي لم يخرجها البخاري، نقول: إن البخاري قد نقل عنه الترمذي أنه مال إلى تقوية رواية هشام الدستوائي في روايته عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ورفعه هشام وهو حافظ، مما يدل على أن البخاري عليه رحمة الله رجح الرفع على الوقف، مع أن الذي وقف هذا الخبر غير واحد من الحفاظ كـشعبة وهمام، وقد اختلف في رواية هشام فيرويه معاذ، وكذلك يرويه عبد الصمد عن هشام به مرفوعاً، وجاء عن هشام أيضاً مخالفاً لرواية معاذ، وكذلك عبد الصمد، وبه نعلم أن البخاري عليه رحمة الله تعالى في تنكبه لإخراج هذه الأحاديث باعتبار أنها ليست على شرطه من جهة قوة الإسناد لا من جهة سلامة المتون واستقامتها.

وبهذا ينبغي أن نشير إلى أمر من منهج البخاري عليه رحمة الله، وكذلك الإمام مسلم وهو أن البخاري إذا أردنا أن نتكلم على شرطه فـالبخاري عليه رحمة الله ليس شرطه في الصحيح الصحة مجردة، وإنما قصده في ذلك درجة معينة من الصحة؛ ولهذا قد يصحح البخاري ويقوي حديثاً خارج الصحيح ولا يخرجه باعتبار كونه قاصراً عن مقاصد الصحيح كما في هذا الحديث، وبهذا نعلم أن ما لم يخرجه البخاري من الأحاديث أننا لا نقطع بإعلاله إلا إذا احتفت به القرائن.

ومن هذه القرائن مما تقدمت الإشارة إليه: أن يكون البخاري قد أورد خلافه، أو أورد أثراً خلافه، أو لم يورد شيئاً في الباب مما يعضده، وهذا الأحاديث في التفريق بين بول الغلام والجارية قد أورد البخاري ما يعضد هذا الحديث، وهو حديث عائشة وحديث أم قيس عليهما رضوان الله تعالى، فحديث عائشة أخرجه البخاري، وحديث أم قيس أخرجه الإمام مسلم وهو الصب على بول الغلام.

ومعلوم أنه فرق بين الصب والغسل، والصب والرش واحد، وأما بالنسبة للغسل فالمراد بذلك هو الفرك والدلك الذي يصاحب الرش، يعني: أن الإنسان قد عمد إلى شيء متنجس فغسله، بخلاف الرش وهو الإفاضة.

وكذلك مما يعضد العمل بهذه الأحاديث هو عمل الأمة في هذا، وقد حكي على هذا الإجماع، وهذا من الأمور التي التدقيق فيها مطلب حتى تحسب، ولو لم يكن ثمة عمل للصحابة لما قلنا بهذا الخبر، ولملنا إلى تضعيفه وعدم الاحتجاج به، فأحاديث التفريق بين بول الغلام وبول الجارية من جهة الغسل أو الرش لا تحتمل القبول بهذه الأسانيد، فهي بحاجة إلى أسانيد أقوى منها، فأصحاب علي بن أبي طالب كثر، فلماذا تفرد بالرواية عنه هنا أبو حرب، كذلك أيضاً ما جاء عن أم سلمة، وعبد الله بن عباس، وأبي التياح، وأبو السمح وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن أمثال هذه الروايات لما كان العمل مستقراً على التفريق، والتفريق في هذا ليس عفواً تاماً عن بول الغلام، وعدم العفو عن بول الجارية، وإنما هو نوع تيسير، ولو كان الأمر بعدم الغسل بين بول الغلام وبول الجارية بمعنى: أننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن بول الغلام فقال بطهارته، وبول الجارية بالنجاسة لما قبلنا هذه الأحاديث أيضاً حتى يأتي ما هو أقوى منها باعتبار أن ذلك هو عفو عن بول يشترك مع غيره، فاقتضى قوة الإسناد.

وقد حكى إجماع الصحابة على ذلك إسحاق بن راهويه كما نقله عنه الكوسج في مسائله عن إسحاق بن راهويه فحكى إجماع الصحابة والتابعين على ذلك، ونقله الترمذي عليه رحمة الله في كتابه السنن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ما جاء في هذا عن الصحابة فيه ضعف، ولكن قد يكون العلماء وقفوا على شيء من هذه الأسانيد، ومعلوم عناية العلماء برواية الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم عنايتهم التامة ما تقف المسائل التي فيها إجماع في المقطوعات وما دونها وفي بعض الموقوفات في بعض الأبواب؛ ولهذا نقول: إن العلماء قد نصوا على إجماع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في هذا، فنقول حينئذ بالقبول، ولو لم يكن ثمة إجماع أو كان ثمة عمل لبعضهم وخالف البعض لرددنا هذه الأحاديث؛ لأنها بحاجة إلى ما هو أقوى من ذلك.