عرض كتاب الإتقان (44) - النوع الثالث والأربعون - النوع الرابع والأربعون في مقدمه ومؤخره


الحلقة مفرغة

العلوم المرتبطة بالإحكام والتشابه

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد انتهينا من النوع الثالث والأربعين في المحكم والمتشابه، وقبل أن ننتقل إلى النوع الرابع والأربعين في مقدمه ومؤخره، كان هناك قضية يبدو أنا نسينا طرقها، وهي أنواع العلوم المرتبطة بالمحكم والمتشابه.

والنوع الأول: الذي ذكرناه في قضية الإحكام العام، والتشابه العام ليس هو المراد.

والنوع الثاني الذي هو المراد: المحكم المقابل للمنسوخ وواضح أنه مرتبط بالمنسوخ.

ولكن النوع الثالث: وهو المقصود بالمحكم والمتشابه، وهذا النوع ارتباطه بمعاني القرآن الذي هو نوع من أنواع علوم القرآن، وكذلك ارتباطه بمشكل القرآن، وعندنا نوع من التشابه أيضاً ليس مراداً بهذا، وهو ما يتشابه على الحفاظ، ثم بعد ذلك توجيه هذا المتشابه، فهذا أيضاً لا يدخل في المحكم والمتشابه المقصود هنا، فالمحكم والمتشابه المقصود هنا أقرب ما يرتبط به من علوم القرآن هو ما يتعلق بمشكل القرآن، وكذلك موهم التعارض والأشياء التي يقع فيها اشتباه على بعضٍ دون بعض.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد انتهينا من النوع الثالث والأربعين في المحكم والمتشابه، وقبل أن ننتقل إلى النوع الرابع والأربعين في مقدمه ومؤخره، كان هناك قضية يبدو أنا نسينا طرقها، وهي أنواع العلوم المرتبطة بالمحكم والمتشابه.

والنوع الأول: الذي ذكرناه في قضية الإحكام العام، والتشابه العام ليس هو المراد.

والنوع الثاني الذي هو المراد: المحكم المقابل للمنسوخ وواضح أنه مرتبط بالمنسوخ.

ولكن النوع الثالث: وهو المقصود بالمحكم والمتشابه، وهذا النوع ارتباطه بمعاني القرآن الذي هو نوع من أنواع علوم القرآن، وكذلك ارتباطه بمشكل القرآن، وعندنا نوع من التشابه أيضاً ليس مراداً بهذا، وهو ما يتشابه على الحفاظ، ثم بعد ذلك توجيه هذا المتشابه، فهذا أيضاً لا يدخل في المحكم والمتشابه المقصود هنا، فالمحكم والمتشابه المقصود هنا أقرب ما يرتبط به من علوم القرآن هو ما يتعلق بمشكل القرآن، وكذلك موهم التعارض والأشياء التي يقع فيها اشتباه على بعضٍ دون بعض.

هذا النوع الذي هو النوع الرابع والأربعون في مقدمه ومؤخره، والذي يسمى المقدم والمؤخر، فمعنى هذا أنه قد يُؤخر ما حقه التقديم، وبناءً عليه يتقدم ما حقه التأخير، وهذا يعني أن الجملة العربية منظمة، وهذا هو الأصل فيها، فتبدأ بالفعل ثم الفاعل ثم المفعول به، ثم تأتي التوابع بعد ذلك.

فإذا تقدم شيء على شيء فهذا معناه أنه تقدم لغرض معين، وهو من مقاديم الكلام، كما هو وارد في عبارات بعض السلف، وذكر أن المقدم والمؤخر قسمان، وبعد أن ننتهي منها إن شاء الله نرجع إلى التفصيل أو التأصيلات التي كنا نؤصلها لكي يتبين لنا هذا الموضوع.

القسم الأول من المقدم والمؤخر

القسم الأول: قال المصنف رحمه الله: [ ما أشكل معناه بحسب الظاهر، فلما عُرف بأنه من باب التقديم والتأخير اتضح ]، وهذا القول منه رحمه الله تعالى هو تعريف للمقدم والمؤخر، وكأنه إذا حُمل الكلام على نظامه في الجملة فإنه يوقع في اللبس والاشتباه، فإذا عُلم أن فيه تقديماً وتأخيراً فإنه يتضح به المعنى، وفي الرواية التي رويت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو يتكلم عن المتشابهات قال: ومقدمه ومؤخره، فجعل ابن عباس المقدم والمؤخر من علم المتشابه النسبي، وهذا يدلنا أيضاً على أن المقدم والمؤخر له ارتباط بالمتشابه النسبي؛ لأنه يشتبه على بعضٍ دون بعض.

قال: [ وهو جدير أن يُفرد بالتصنيف ]، ولم أجد إلى الآن من صنف في هذا؛ ولهذا هو موضوع يحسن إفراده، وجمع المواطن فيه ونقاشها من جهة المعنى، ولو أخذنا أمثلةً تكون واضحة في هذا، والمثال الذي ذكره في قوله سبحانه وتعالى: فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً[النساء:153]، أن يتبين لنا علاقة هذا بقضية المعنى.

أمثلة على التقديم والتأخير

يقول: [ أخرج أي ابن جرير عن ابن عباس فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً[النساء:153]، قال: إنهم إذا رأوا الله فقد رأوه، إنما قالوا: جهرةً أرنا الله، قال: هو مقدم ومؤخر، قال ابن جرير : يعني: أن سؤالهم كان جهرة ]، (جهرة) يُحتمل أن تكون معمولة لأرنا، ويُحتمل أن تكون معمولة لقالوا، ويُحتمل أن تكون بمعنى قالوا جهرةً: أرنا الله، كأنهم قالوها جهاراً، يعني أعلنوا بها، فهذا هو معنى.

والمعنى الثاني: قالوا: أرنا الله جهرةً: أي عياناً، كأنهم يقولون: نريد أن نرى الله عياناً، ويختلف المعنى، إذاً المقدم والمؤخر من هذا النوع له ارتباط بالمعنى كما تلاحظون، ولهذا قال: (ما أشكل معناه بحسب الظاهر) أي بحسب ترتيب النظم، (فلما عُرف أنه من باب التقديم والتأخير اتضح)، ولو ذهبنا إلى مذهب ابن عباس إليه فإن المعنى يكون فقالوا جهرةً: أرنا الله، وإذا أخذنا بقول غيره يكون المعنى: فقالوا: أرنا الله جهرةً، أي: أرنا الله عياناً فاختلف المعنى.

ومن أمثلته أيضاً قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى[الأعلى:4-5]، فقد رُوي عن بعض النحويين أو اللغويين أنه قال: أحوى من صفة المرعى، فإذا كان أحوى من صفة المرعى بناءً على قوله يكون من باب التقديم والتأخير، بمعنى أن صفة المرعى أُخرت وحقها التقديم، ويكون المعنى على قوله: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر مائل إلى السواد من شدة الخضرة، أي: جعل هذا المرعى الأحوى غثاءً، هذا المعنى على ما ذكره أحد اللغويين، وهو منسوب إلى الكسائي ، وعلى ترتيب الجملة الَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى[الأعلى:4]، وعادة المرعى إذا خرج يكون لونه أخضر، وهذا هو الأصل فيه، فجعله بعد الخضرة غثاءً، أي: هشيماً يابساً، وأحوى: أي مائلاً إلى السواد من شدة القدم؛ لأن المرعى إذا ضربته الشمس فإنه بعد الإخضرار يصفر، ثم مع زيادة كثافة الشمس عليه يبدأ يميل إلى اللون البني، الذي يسمى الأحوى، والحوة: هي اللون المائل إلى السواد، فإذا رأى الرائي هذا المرعى في مثل هذه الحالة على مد النظر فإنه يراه مائلاً إلى السواد، والحوة: هي اللون المائل إلى السواد، وليس هو نفس السواد بعينه، وإنما هو المائل إلى السواد، فالخضرة الشديدة تسمى حوة؛ لأنها مائلة إلى السواد، وكذلك اللون البني إذا كان داكناً مائلاً إلى السواد يسمى أيضاً أحوى.

قاعدة تعارض الأصل والتقديم والتأخير

هنا نشأت عندنا القاعدة من جهة المعنى وهي: إذا كان الكلام مفهوماً على وجهه، أي: على نفس النظم، فهل يُخرج عنه إلى القول بالتقديم والتأخير؟ والقاعدة أنه لا يُخرج عن نظم الكلام إلى القول بالتقديم والتأخير إلا إذا لم يُفهم الكلام إلا على وجه التقديم والتأخير، إذاً عندنا قاعدة ترجيحية تُبنى على هذا الموضوع، وهو أن الأصل تفسير الجملة على نظمها، ولا يُلجأ إلى التقديم والتأخير إلا إذا لم تُفهم الجملة إلا بالتقديم والتأخير، ونضرب مثالاً في مثل هذا الموطن، الذي هو: وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى[الأعلى:4-5]، فما دامت الآية مفهومة على نفس النظام فلا حاجة للقول بالتقديم والتأخير.

وقبل هذا ذكر مثالاً في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ[الجاثية:23]، يقول: [ والأصل: هواه إلهه؛ لأن من اتخذ إلهه هواه غير مذموم فقدم المفعول الثاني للعناية به ]، وهذا في الحقيقة فهم غريب جداً من السيوطي رحمه الله تعالى؛ لأن معنى الآية واضح جداً، ولا يحتاج إلى مثل هذا القول بالتقديم والتأخير، ولا أدري هل هو من بنات أفكاره رحمه الله تعالى، أو يكون قد نقله من مصادر؛ لأنه لم يبين، لكن سواء نقله أو قاله هذا القول فيه غرابة وليس بدقيق.

إذاً الأمثلة في هذا النوع مرتبطة بالمعنى.

القسم الثاني من المقدم والمؤخر

أما القسم الثاني الذي ذكره قال: [ الثاني: ما ليس كذلك ] يعني: ليس مرتبطاً بالمعنى، وذكر أن ابن الصائغ ألف فيه كتاباً سماه: المقدمة في سر الألفاظ المقدمة، ويبدو -والله أعلم- أنه سيتكلم عنه من جهة البلاغة، وهذا القسم الثاني إذا تأملناه سنجد أنه في الحقيقية يتكلم عن السر البلاغي في قضية التقديم والتأخير، ولهذا كل ما نقله في هذا الباب مرتبط بهذا، وذكر ما ظهر له من الأسرار في قضية التقديم والتأخير، وقد ذكرها غيره من العلماء قبله في أسرار التقديم والتأخير، ولكن نأخذ بعض ما ذكره هو رحمه الله تعالى.

القسم الأول: قال المصنف رحمه الله: [ ما أشكل معناه بحسب الظاهر، فلما عُرف بأنه من باب التقديم والتأخير اتضح ]، وهذا القول منه رحمه الله تعالى هو تعريف للمقدم والمؤخر، وكأنه إذا حُمل الكلام على نظامه في الجملة فإنه يوقع في اللبس والاشتباه، فإذا عُلم أن فيه تقديماً وتأخيراً فإنه يتضح به المعنى، وفي الرواية التي رويت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو يتكلم عن المتشابهات قال: ومقدمه ومؤخره، فجعل ابن عباس المقدم والمؤخر من علم المتشابه النسبي، وهذا يدلنا أيضاً على أن المقدم والمؤخر له ارتباط بالمتشابه النسبي؛ لأنه يشتبه على بعضٍ دون بعض.

قال: [ وهو جدير أن يُفرد بالتصنيف ]، ولم أجد إلى الآن من صنف في هذا؛ ولهذا هو موضوع يحسن إفراده، وجمع المواطن فيه ونقاشها من جهة المعنى، ولو أخذنا أمثلةً تكون واضحة في هذا، والمثال الذي ذكره في قوله سبحانه وتعالى: فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً[النساء:153]، أن يتبين لنا علاقة هذا بقضية المعنى.