عرض كتاب الإتقان (32) - النوع الخامس والثلاثون في آداب تلاوته وتاليه [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنبتدئ بكتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي : النوع الخامس والثلاثون في آداب تلاوته وتاليه.

علاقة آداب تلاوة القرآن وتاليه بالتفسير

ولننظر في بداية هذا الموضوع في علاقة آداب التلاوة والتالي وأثرها في علم التفسير فهل لهذا العلم أثر في التفسير أو لا؟ بمعنى: هل يؤثر في فهم المعنى أو لا يؤثر؟ إذا نظرنا إلى جملة ما طرح في هذا النوع فإننا نجد أنه لا أثر له في علم التفسير، فيكون من علوم القرآن، ويدخل أيضاً الملاحظ في آداب التلاوة وفي باب الإقراء، ولو أردنا أن نجمع جملة الأنواع التي طرحها السيوطي رحمه الله تعالى في موضوعات متصلاً بعضها ببعض، فيمكن أن يكون فيما سميناه علم الأداء أو الإقراء، فهذا العلم يشمل أنواع كثيرة مما طرحه السيوطي وهي أنواع متتالية، فآداب التلاوة وتاليه تدخل في علم الأداء، وأيضاً هو داخل في علوم القرآن، ثم تنظر في ارتباطه بعلم الأداء في أي علوم الأداء مرتبط، هل هو مرتبط بعلم القراءات؟ أو مرتبط بعلم التجويد؟ فنجد أنه مرتبط بالاثنين معاً؛ وذلك لأنه بحث في آداب التلاوة، سواءً يكون التالي قارئاً لمجموعة من القراءات يعني: في باب الإقراء، أو كان قارئاً لما يعرف من القراءة أو الرواية التي اشتهرت عند مصره، فإنها في النهاية شاملة لجميع هؤلاء.

ما يفهم من قول المؤلف: آداب تلاوة القرآن وتاليه

ثم ذكر السيوطي رحمه الله تعالى من أفرد هذا النوع بالتصنيف، وأشهر من كتب في هذا هو الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن، وهذا الكتاب كتاب شامل كتبه مؤلفه بروح الفقيه، ولهذا طرح مسائل حكمية، فيما يتعلق بهذه الآداب واستفاد منه السيوطي في كتابه هذا، أو في شرحه المهذب، أو في كتابه في الأذكار، وكأن ما ذكره في هذا الباب أغلبه ملخص من أفكار النووي في هذه الكتب الثلاثة، وقد أضاف إليها السيوطي إضافات، لكن نجد أن كثيراً منها يرجع إلى قضايا حكمية، أي: فيها حكم شرعي، وقد تصل هذه القضايا الحكمية أحياناً إلى درجة الوجوب، وأحياناً قد تصل إلى أن تكون من باب المندوبات والمستحبات، ولهذا قد يقول قائل: هل في هذا الموضوع مادة يمكن أن تكتب؟ فنقول: نعم إن هناك مادة يمكن أن تكتب، ومعلوم أنه من الإبداع في العلم أن يؤتى إلى معلومات متفرقة فتصنف تصنيفاً حسناً، فمثل هذا الموضوع لو رتب على الواجبات، وعلى المندوبات والمستحبات، والمكروهات، والمحرمات لكان جيداً؛ لأنه يختصر لنا شيئاً كثيراً مما يتعلق بأحكام التلاوة.

ومما يلاحظ في هذا الباب قوله: آداب، ومعنى ذلك أنه سيغلب عليه أن يكون في باب المندوبات والمستحبات، وليس في باب الواجبات، وهذا يعني أنه حينما تذكر بعض الأشياء التي ليس فيها حكم شرعي واضح، أو أن هذه المسألة في عملها أو في تركها ليس من باب الامتهان، أو عدم الاحترام، فإنه يجب أن يكون هناك نوع من السعة على المسلمين، فعلى سبيل المثال نجد أن المصاحف توضع أحياناً في أدراج وأمامها مسند يستند إليه الشخص، فتكون المصاحف خلفه، فقد يقول قوم: هذا حرام، فنقول له: ما الدليل على ذلك؟ أو قد يقول قوم: هذا مكروه، أو قد يقول قوم: إنه جائز؛ لأنها محفوظة في مكان، وليس لها علاقة في كونها خلف أو أمام، وهذا هو الصواب، لكن لو أن مسلماً من باب التقدير والاحترام للقرآن كره مثل هذا العمل، فهو إن كرهه لنفسه لا يلزم به غيره، والمسألة فيها سعة، ليس فيها حكم منصوص عليه أو مقطوع به، لكنه دخل في باب احترام القرآن وتعظيمه، فلا يثرب من يرى مثل هذا ويراه منكراً عظيماً، وكذلك كلما كان تعظيم القرآن ممكناً فهو أولى لا شك في ذلك، لكن لا يعني ذلك أنه لا يجوز، وهذا يدخل في باب الآداب، وباب الآداب واسع.

الإكثار من تلاوة القرآن وقراءته

ثم ذكر مسائل كثيرة مشهورة ومعروفة، من هذه المسائل قضية المصطلح، يعني ما المراد بكذا لما يذكر بعضهم، اقرءوا القرآن على التفخيم، ما هو التفخيم المراد؟ فكثير من هذه المصطلحات الحقيقة تحتاج إلى أن نعرف ما المراد بها؛ لكي يبنى عليها المعلومة أو يبنى عليها الحكم سواء العلمي أو العملي، وكانت أول قضية طرحها بما يتعلق بالإكثار من قراءة القرآن وتلاوته، وقال: يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته، وذكر قوله سبحانه وتعالى: يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ [آل عمران:113]، وأيضاً ما في الصحيحين: ( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار )، والأحاديث الأخرى في ذلك، وهذه المسألة لا يكاد يختلف فيها، لكن هذه الكثرة لها مقدار في السنة.

ما ورد عن السلف في مدة ختم المصحف

ثم أورد هنا مسألة في صفحة ثلاث وتسعين، قال: (وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات، فأكثر ما ورد في كثرة القراءة: من كان يختم في اليوم والليلة ثماني ختمات).

وهذا الأمر لا شك أنه يعتبر من الغرائب، لأننا لو قلنا: ساعة للصلوات الخمس، يبقى عندنا ثلاث وعشرون ساعة، فأكثر إنسان يستطيع أن يقرأ جزءاً من القرآن لو قلنا: في عشر دقائق، سنجد أنه يحتاج إلى خمس ساعات في كل ختمة، فيكون عندنا أربع ختمات في عشرين ساعة، وساعة للصلوات، إذاً: هذا لا شك أنه نوع من المبالغة، وإن أجزناه واقعاً فإنه لا يمكن أن يكون كل يوم، قد يفعله شخص مرة أو مرتين فقط، ومع هذا فإنه سيضيع فيها أشياء كثيرة جداً، سواءً ما يتعلق بالتلاوة أو غيرها، إذاً: قد يذكر عن السلف أحياناً مثل هذه الأمور فلا يلزم أن يؤخذ بالتسليم المطلق، بل يحسن في مثل هذا أن ينتقد وينبه على أنه لو وقع فإنه نادر، بل أندر من النادر وليس أصلاً.

المدة التي أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نختم المصحف فيها

والمهم في هذا أن نعرف ما هو القدر الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه؟ الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أرشده إلى أن أكثر ما يمكن أن يقرأه الإنسان في ثلاث ليال، بمعنى أنه يستطيع أن يقرأ في اليوم عشرة أجزاء مع أنها كثيرة، هذا إذا أراد أن يختم في ثلاث ليال، وإن ختم في سبع فهو يعتبر من المتوسط، وعليه عمل السلف من الصحابة والتابعين، وإن ختم في شهر أو في أربعين فقد ورد كذلك، لكن لو ختم في شهر فمعناه أنه يستطيع أن يقرأ كل يوم جزءاً ويختم خلال السنة ثنتي عشرة ختمة، ومن اللطائف ما ذكره من استنباط أبي حنيفة وغيره أنه قال: من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين، وهذه ليست مقصودة؛ لأنه يلزم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ القرآن أو لم يختمه في غير رمضان، وإنما الحديث جاء للإشارة إلى ختمه في رمضان، فختمه في رمضان مرة هذا هو السنة، ومن ختم في رمضان من جهة سنة رمضان، لكن هل هو سنة السنة كاملة؟ هذا رأي أبي حنيفة وهو لطيف يدخل في باب اللطائف.

حكم نسيان المحفوظ من القرآن

ثم ذكر قضية النسيان، نسيان المحفوظ، وأنها كبيرة عند بعضهم، أي: أنه قد ارتكب إثماً، وما دام أن نسيانه كبيرة فيكون مرتبكاً حراماً، وهذا فيه نزاع، ويحتاج إلى بحث أنه هل بالفعل نسيان ما حفظ يعتبر كبيرة أو لا؟ كذلك ذكر قضية الوضوء للقراءة وخلاف العلماء فيها، والسنة بالقراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد.. إلى آخره من المسنونات التي ذكرها، وقضية السواك، ثم ذكر قضية التعوذ قبل القراءة والخلاف في صيغة الاستعاذة، كل هذه المسائل يمكن أن تراجع في كتاب الإتقان وغيره من الكتب التي اعتنت بقضية هذه الآداب.

ولننظر في بداية هذا الموضوع في علاقة آداب التلاوة والتالي وأثرها في علم التفسير فهل لهذا العلم أثر في التفسير أو لا؟ بمعنى: هل يؤثر في فهم المعنى أو لا يؤثر؟ إذا نظرنا إلى جملة ما طرح في هذا النوع فإننا نجد أنه لا أثر له في علم التفسير، فيكون من علوم القرآن، ويدخل أيضاً الملاحظ في آداب التلاوة وفي باب الإقراء، ولو أردنا أن نجمع جملة الأنواع التي طرحها السيوطي رحمه الله تعالى في موضوعات متصلاً بعضها ببعض، فيمكن أن يكون فيما سميناه علم الأداء أو الإقراء، فهذا العلم يشمل أنواع كثيرة مما طرحه السيوطي وهي أنواع متتالية، فآداب التلاوة وتاليه تدخل في علم الأداء، وأيضاً هو داخل في علوم القرآن، ثم تنظر في ارتباطه بعلم الأداء في أي علوم الأداء مرتبط، هل هو مرتبط بعلم القراءات؟ أو مرتبط بعلم التجويد؟ فنجد أنه مرتبط بالاثنين معاً؛ وذلك لأنه بحث في آداب التلاوة، سواءً يكون التالي قارئاً لمجموعة من القراءات يعني: في باب الإقراء، أو كان قارئاً لما يعرف من القراءة أو الرواية التي اشتهرت عند مصره، فإنها في النهاية شاملة لجميع هؤلاء.