عرض كتاب الإتقان (20) - النوع السادس عشر في كيفية إنزاله [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد وقفنا في كتاب الإتقان عند المسألة الثانية وكانت المسألة الأولى عن نزول القرآن الجملي ونزول القرآن التفصيلي المنجم, ثم ذكر استطرادات بعد ذلك متعلقة بالنزول، ثم ذكر المسألة الثانية في كيفية الإنزال والوحي.

في هذه المسألة السيوطي رحمه الله تعالى لم يذكر فيها قولاً صواباً، فكل ما ذكره في هذه المسألة -التي هي كيفية الإنزال- مخالف للقول الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة, والكلام هذا كله مبني على قول المتكلمين.

يقول: قال الأصفهاني في أوائل تفسيره: اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل, وكونه منزلاً من حيث العبارة هذه لا يخالف فيها أحد، وهو نص القرآن؛ لكن كما قال: اختلفوا في معنى الإنزال, ويقصد بأهل السنة والجماعة من خلال ما ذكر من أقوالهم: أنهم علماء الكلام من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم, أما المعتزلة فلم يذكرهم؛ لأنهم يقولون: إن الإنزال بمعنى: الخلق, فأخرجهم من هذا المصطلح.

والأصفهاني هذا هو محمود بن عبد الرحمن أبو الثناء شمس الدين الأصفهاني , توفي سنة 749هــ، يعني في طبقة تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية . ويذكرون أنه أخذ عنه.

وتفسيره يغلب عليه الجانب العقلي, وعنوان تفسيره "أنوار الحقائق الربانية في تفسير الآيات القرآنية" وقد حقق منه جزء كبير جداً، وهو كتاب ضخم وكبير.

فقوله: (في أوائل تفسيره)، يعني: ذكره في مقدماته؛ لأنه ذكر مقدمات في تفسيره فهو من الكتب التي اعتمدت ذكر مقدمات التفسير.

الاختلاف في مفهوم الإنزال

نرجع إلى الاختلاف الذي وقع بين علماء الكلام في مفهوم الإنزال, هو يقول: اختلفوا في معنى الإنزال فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته, ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط بالمكان.

وهذه العبارات هل فيها إثبات صفة الكلام؟

يلاحظ أن فيها نفياً لصفة الكلام، يعني: أن الله سبحانه وتعالى لم يتكلم بالقرآن, والسبب في ذلك أنهم يرون أن كلام الله واحد لا يتعدد, ويلزمون أنفسهم بأن الله لو تكلم لحلت فيه الحوادث.

والمقصد أن ننتبه إلى أثر الاعتقاد على القضايا العلمية حتى أنه في مثل هذا المجال وقع هناك إشكال عند السيوطي فلم يذكر القول الصواب, وإنما ذكر هذه الأقوال عن علماء الكلام, وسيرجع مرة أخرى ويذكر أقوالاً أخرى في معنى الإنزال.

طرق الإنزال وصوره

لكنه ذكر هنا في التنزيل طريقين:

قال: إحداهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل , والثانية: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذ الرسول منه, والأول أسرع بالحالين. انتهى.

لكن هذا الكلام هل عليه دليل؟ يعني: تحول الرسول أو تحول جبريل , هو الآن يقول في الصورة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحول من الحال البشرية إلى الحال الملكية.

وفي الثانية: أن جبريل الملك ينخلع إلى البشرية, وكون الملك كان على صورة بشر؛ ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه الوحي؛ هذا ليس فيه كلام, لكن في الصورة الأولى هل عليه دليل؟

الدليل على خلافه.

وهل ثبت في النبي صلى الله عليه وسلم تتغير حاله إلى حال الملكية؟ ما ثبت؛ ولهذا هذه الصورة من غرائب ما ذكر فيما يتعلق بكيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم للوحي, وليس عليها أي دليل, ومع الأسف! أن هذه الصورة موجودة حتى عند بعض المعاصرين, مثل صاحب "مناهل العرفان" يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينخلع من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية, وهذا غير صحيح, وإلا ما كان هناك شدة في تلقي الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم, وإنما كانت الشدة في كونه صلى الله عليه وسلم في حالة بشرية، ويأتيه الوحي في الحالة الملكية فيكون شديداً عليه.

والصورة الثانية لا يقال عنها: انخلع، وإنما هي أحد صور الوحي: أن جبريل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة بشر, ثم يلقي عليه من الوحي ما يلقي, لأن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع منه: كلام الله سبحانه وتعالى له وذلك كائن في الإسراء, ومنه: أن يرى في المنام, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة الملكية, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة بشرية, فهذه مجموعة من صور الوحي.

لكن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم هل فيه نزول من القرآن بغير الصورة الأولى، كون جبريل بالصورة الملكية والرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة البشرية, وهذا يدل عليه مثل قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[المزمل:5], وقوله سبحانه وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16]؛ لأنه كان يعالج شدة من التنزيل, فهل ثبت أن شيئاً من القرآن نزل بغير هذه الصورة، هذه مسألة.

والمسألة الثانية: لو قيل بنزول القرآن بغير هذه الصورة هل يؤثر في قضية ثبوت القرآن؟

أقوال بعض أهل العلم في كيفية النزول والتعليق عليها

نرجع الآن إلى تتبع ما نقله السيوطي رحمه الله تعالى في نزول القرآن, قال الطيبي : لعل نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفاً روحانياً, أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقيه عليه.

ونلاحظ أن السبب في هذا المذهب هو قولهم: في نفي الكلام؛ وأنه كلام معنىً، وأن كون الله سبحانه وتعالى يتكلم متى شاء يلزم منه حلول الحوادث فتقع هذه الإشكالية, فأول معنى الإنزال.

والقطب الرازي يقول: الإنزال لغة: بمعنى الإيواء,، والمعنى: تحريك الشيء من علو لا أسفل, قال: وكلاهما لا يتحققان بالكلام, وهو مستعمل فيه في معنىً مجازي, فمن قال: القرآن معنىً قائم بذات الله -لاحظ الآن الإشكالية الواردة عندهم- فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى, ويثبتها في اللوح المحفوظ, ومن قال: القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح، وهذا المعنى مناسب لكونه منقولاً عن المعنيين اللغويين, ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ، وهذا مناسب للمعنى الثاني, والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفاً روحياً، ويحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم. انتهى.

وهنا نلاحظ أثر المعتقد في قوله: إن القرآن معنىً قائم بذات الله, فوقع الإشكال من هذه الجهة عندهم.

وقال غيره: المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه اللفظ والمعنى, وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به، وذكره بعضهم: أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل ق، وأن تحت كل حرف منها معاني لا يحيط بها إلا الله.

والثاني: إن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة, وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب, كما سيأتي قائل هذا بظاهر قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ[الشعراء:193-194].

والثالث: أن جبريل ألقي إليه المعنى، وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب, وأن أهل السماء يقرءونه بالعربية, ثم أنه نزل كذلك بعد ذلك.

ولاحظوا هنا كذلك آثار الاعتقاد؛ لأن كلام الله سبحانه وتعالى معنىً قائم بذاته, وصل إلى حد أن يقول بعضهم هذا القول: اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم, وأن جبريل ألقى المعنى، يعني قال: إن جبريل لما نزل بالمعاني الخاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب, وهذا كلام لا شك أنه خطير؛ ولأنه ينفي إعجاز القرآن وينفي كل شيء متعلق بالقرآن.

والبيهقي رحمه الله قال في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[القدر:1], قال: يريد والله أعلم إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع, فيكون الملك منتقلاً به من علو إلى سفل, وهذا الكلام فيه إجمال وإبهام من البيهقي , (أسمعنا) يعني: هل سمع الملك كلام الرب من الرب أم ماذا؟ يعني: فيه إبهام, والبيهقي رحمه الله تعالى وإن كان من المحدثين إلا عنده شيء من الأشعرية أوقعته ببعض العقائد التي فيها إشكال.

وبعض العلماء رحمهم الله يعني: جبال في العلم إلا أنه مع ذلك وقع عندهم هذا الإشكال, وكوننا نذكر هذا الإشكال عنهم لا يعني ذلك أننا نلغيهم تماماً؛ لكن نبين ما وقع عندهم من الإشكال في هذه المسألة.

أبو شامة يقول: هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى القرآن, أو إلى شيء منه يحتاج إليه أهل السنة المعتقدين قدم القرآن, وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى, اللي هو التأويلات التي ذكرها, كذلك قال: قلت: يؤيده أن جبريل تلقفه سماعاً من الله ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفةً شديدة من خوف الله, فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجداً، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به عن الملائكة, فكل ما مر بسماء سأله أهلها: ماذا قال ربنا؟ قال: الحق, فينتهي به حيث أمر), وذكر الحديث الآخر حديث ابن مسعود .

ثم ذكر في تفسير علي بن سهل النيسابوري يقول: قال جماعة: نزل القرآن جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له: بيت العزة، فحفظه جبريل وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله، فمر به جبريل وقد أفاقوا فقال: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق, يعني: القرآن, وهو معنى قوله: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ[سبأ:23], فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة - يعني: الملائكة - وهو معنى قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ[عبس:15-16].

ثم ذكر كلام الجويني , وفيه نفس الكلام السابق في معنى الإنزال، وفيه لا شك تأويل.

الجويني ذكر في كلام الله المنزل قسمين:

قسم قال لـجبريل : قل للنبي الذي أنت مرسل إليه: إن الله يقول: افعل كذا وكذا؛ ففهم جبريل ما قاله ربه، ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قال ربه، ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به: قل لفلان: يقول لك الملك: اجتهد في الخدمة ويضع جندك للقتال, فإذا قال الرسول: يقول الملك هذا ... في خدمتي ولا تترك الجند تتفرق وحتم على المقاتلة لا ينسب إلى الكذب ولا التقصير في أداء الرسالة.

وقسم آخر قال: (اقرأ على النبي هذا الكتاب, فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتاباً يسلمه إلى أمينه ويقال: اقرأه على فلان.. ويقول: اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفاً) انتهى.

قلت: القرآن هو القسم الثاني, والقسم الأول هو السنة, كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن, إلى آخر ما رأيت من هذا.

المقصود بالوحي

ثم ذكر ما يعضد كلام الجويني من كلام السلف، فعن الزهري قال: سئل عن الوحي؛ فقال: الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء, فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه, وهو كلام الله ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته، ولكنه يحدث به الناس حديثاً، ويبين لهم أن الله أمر أن يبينه للناس ويبلغه إياهم, وهذا أخرجه ابن أبي حاتم .

لكن المذهب الحق أن الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن بحرف وصوت كما ثبت، وأن جبريل عليه السلام سمعه من رب العالمين كما تكلم به سبحانه وتعالى، ثم نزل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من جبريل كما سمعه جبريل من ربه ليس فيه زيادة ولا نقص, والرسول صلى الله عليه وسلم أداه إلى الصحابة حتى وصل إلينا, ولهذا الميزة الموجودة في قراءة المسلمين للقرآن أنهم يقرءون كلام الله نفسه الذي قاله الله سبحانه وتعالى, وهذه منزلة ليست لأحد؛ لأن كل أصحاب الديانات السابقة قد حرفوا كتبهم, ولا يمكن لأحد منهم أن يقول: إن هذا هو الكلام الذي نزل على موسى أو نزل على عيسى أو نزل على داود ، لا يمكن، إلا أهل الإسلام لا يوجد في كتبهم ما يدل على وجود تحريف أو نقص, وكل ما زعم من التحريف أو النقص أقوال مردودة وليست بصحيحة, وهذا البحوث فيها موجودة, وتقرير هذا موجود في الرسائل الكثيرة.

لكن المقصد من هذا أن نعلم أن الإنسان أو المسلم حينما يقرأ هذا الكلام فإنه يقرأ ما تكلم الله سبحانه وتعالى به في عليائه, وهذه لا شك أنها مزية وفضيلة للمسلمين.

أما ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى ففيه من التخليط وفيه من التأويل ما فيه, والإشكال فيه هي عقيدة الأشاعرة في القرآن أو في كلام الله وأنه معنىً قائم بذات الله, والمعنى القائم بذات الله بناءً على ذلك لا يتغير؛ لأنه واحد, ولهذا عبر بعضهم فقال: فإن نزل بالعربية فهو قرآن، وإن نزل بالسريانية فهو إنجيل, وإن نزل بالعبرية فهو توراة, وعلى هذا أيضاً كلامه غير صحيح, يعني: يلزم من ذلك أن كون المعنى متفق أن تكون الألفاظ متفقة حسب المعاني, وهذا غير صحيح, وإنما أوقعهم ذلك في هذه العقيدة التي ذهبوا إليها.

نرجع إلى الاختلاف الذي وقع بين علماء الكلام في مفهوم الإنزال, هو يقول: اختلفوا في معنى الإنزال فمنهم من قال: إظهار القراءة، ومنهم من قال: إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته, ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط بالمكان.

وهذه العبارات هل فيها إثبات صفة الكلام؟

يلاحظ أن فيها نفياً لصفة الكلام، يعني: أن الله سبحانه وتعالى لم يتكلم بالقرآن, والسبب في ذلك أنهم يرون أن كلام الله واحد لا يتعدد, ويلزمون أنفسهم بأن الله لو تكلم لحلت فيه الحوادث.

والمقصد أن ننتبه إلى أثر الاعتقاد على القضايا العلمية حتى أنه في مثل هذا المجال وقع هناك إشكال عند السيوطي فلم يذكر القول الصواب, وإنما ذكر هذه الأقوال عن علماء الكلام, وسيرجع مرة أخرى ويذكر أقوالاً أخرى في معنى الإنزال.

لكنه ذكر هنا في التنزيل طريقين:

قال: إحداهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل , والثانية: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذ الرسول منه, والأول أسرع بالحالين. انتهى.

لكن هذا الكلام هل عليه دليل؟ يعني: تحول الرسول أو تحول جبريل , هو الآن يقول في الصورة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحول من الحال البشرية إلى الحال الملكية.

وفي الثانية: أن جبريل الملك ينخلع إلى البشرية, وكون الملك كان على صورة بشر؛ ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منه الوحي؛ هذا ليس فيه كلام, لكن في الصورة الأولى هل عليه دليل؟

الدليل على خلافه.

وهل ثبت في النبي صلى الله عليه وسلم تتغير حاله إلى حال الملكية؟ ما ثبت؛ ولهذا هذه الصورة من غرائب ما ذكر فيما يتعلق بكيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم للوحي, وليس عليها أي دليل, ومع الأسف! أن هذه الصورة موجودة حتى عند بعض المعاصرين, مثل صاحب "مناهل العرفان" يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينخلع من الحالة البشرية إلى الحالة الملكية, وهذا غير صحيح, وإلا ما كان هناك شدة في تلقي الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم, وإنما كانت الشدة في كونه صلى الله عليه وسلم في حالة بشرية، ويأتيه الوحي في الحالة الملكية فيكون شديداً عليه.

والصورة الثانية لا يقال عنها: انخلع، وإنما هي أحد صور الوحي: أن جبريل يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصورة بشر, ثم يلقي عليه من الوحي ما يلقي, لأن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع منه: كلام الله سبحانه وتعالى له وذلك كائن في الإسراء, ومنه: أن يرى في المنام, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة الملكية, ومنه: أن ينزل عليه جبريل بالصورة بشرية, فهذه مجموعة من صور الوحي.

لكن نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم هل فيه نزول من القرآن بغير الصورة الأولى، كون جبريل بالصورة الملكية والرسول صلى الله عليه وسلم بالصورة البشرية, وهذا يدل عليه مثل قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا[المزمل:5], وقوله سبحانه وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[القيامة:16]؛ لأنه كان يعالج شدة من التنزيل, فهل ثبت أن شيئاً من القرآن نزل بغير هذه الصورة، هذه مسألة.

والمسألة الثانية: لو قيل بنزول القرآن بغير هذه الصورة هل يؤثر في قضية ثبوت القرآن؟