متن ابن عاشر [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله: [ فصل: في فرائض الوضوء ].

الطهارة تنقسم إلى قسمين: طهارة حدث, وطهارة خبث, وطهارة الحدث تنقسم إلى قسمين: كبرى, وصغرى، فالكبرى هي رفع الجنابة، والصغرى هي رفع الحدث الأصغر، والطهارة الكبرى والطهارة الصغرى كذلك تنقسم إلى قسمين: مائية, وترابية, فالمائية هي الوضوء في حق الصغرى, والغسل في حق الكبرى، والترابية هي التيمم في حقهما معاً، فالتيمم يكون بدلاً عن الغسل في حق فاقد الماء, والعاجز عن استعماله، ويكون بدلاً عن الوضوء كذلك في حق فاقد الماء والعاجز عن استعماله، وقد بدأ المؤلف بالطهارة المائية؛ لأنها الأصل, فلا نحتاج إلى الطهارة الترابية إلا عند الضرورة، وبدأ من الطهارة المائية بالوضوء؛ لأن الأصل في الإنسان ألا يحتاج إلى غسل، فالإنسان عند نشأته غير محتاج إلى غسل؛ لأنه في الأصل غير جنب, والجنابة عارض يطرأ عليه، بخلاف نقض الوضوء، فإن الأصل في الإنسان ملازمته، ولذلك تجدون تفريقاً لدى الفقهاء بين نواقض الوضوء وموجبات الغسل، فيقولون: نواقض الوضوء معناها: أنها تنقض الوضوء فقط، ولكن الأصل وجود الوضوء ثم نقض بهذه النواقض، لكن موجبات الغسل الأصل عدم وجودها, فإذا وجدت أوجبت الغسل من جديد.

معنى الفرائض

بدأ المؤلف بفرائض الوضوء, والفرائض معناها في اللغة: الضرائب، أي: المال الذي يؤخذ عنوة من غير رضا صاحبه، وذكرنا شاهداً على ذلك قول الشاعر:

فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعياً هلم فإن المشرفيَّ الفرائض

فإنك دون المال ذو جئت تبتغي ستلقاك بيض للنفوس قوابض

فالفرائض معناها: الضرائب التي تؤخذ من غير رضا صاحبها، وهي جمع فريضة.

والفريضة في الاصطلاح: ما أوجبه الشارع سواء رضي به المكلف أو لم يرضَ به، فهو مأخوذ منه عنوة, فهو فرض عليه لابد من أدائه, ولا يستطيع الاحتيال عليه، ولا المكابرة فيه.

معنى الوضوء

والوضوء: مشتق من الوضاءة؛ وهي الحسن؛ لأنه حسن لصاحبه في الدنيا, وحسن له في الآخرة، فهو حسن له في الدنيا؛ لأن الأعضاء التي يراها الناس من الإنسان وجهه ويداه ورجلاه تغسل, والغسل فيه نظافة وتطهير, ومما هو معين على الجمال؛ لأن الماء يعد لدى العرب من أنواع الطيب، كما قال زهير بن أبي سلمى :

ومسك تعل به جلودهم وماء.

فعد الماء من أنواع الطيب, وعده مع المسك، وهو كذلك حسن لصاحبه يوم القيامة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قيل له: بم تعرف أمتك يوم القيامة؟ فقال: إن أمتي يردون عليَّ الحوض غرًّا محجلين من أثر الوضوء ). وفي رواية: ( من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )، وفي رواية أنه قال: ( أرأيتم لو كان لأحدكم خيل بلق في خيل بهم أكان يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإن أمتي يردون عليَّ الحوض غراً محجلين من أثر الوضوء ).

وفي رواية: ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، وهذا الحديث يدل على أن الحلية -التي هي التزيين بالنور يوم القيامة- تبلغ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، فيأتي وجهه أبيض ويداه كذلك فيهما الغرة والتحجيل في الوجه واليدين من الخيل، وهما وصف كمال ومدح، وكذلك في الرجلين.

دلك الأعضاء

قال: [فرائض الوضوء سبعة وهي دلك وفور نية في بدئه ].

بدأ في ذكر فرائض الوضوء فقال: إنها سبعة على مقتضى المذهب المالكي، (وهيْ) معناه: وهيَ: (دلك), والدلك معناه: إمرار اليد على العضو مع صب الماء أو بعده بيسير.

والدلك قد اختلف فيه: هل هو من مفهوم الغسل أو ليس من مفهومه؟ فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6], وغسل الوجه هل معناه مجرد صب الماء عليه أو معناه صب الماء والدلك؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، وعلى هذا اختلف في حكم الدلك في المذهب المالكي على قولين:

القول الأول: أن الدلك واجب لذاته، فهو فرض من فرائض الوضوء لذاته.

القول الثاني: أن الدلك إنما هو واجب لتحقق إيصال الماء إلى العضو، فإذا تحقق وصول الماء بدونه لم يلزم، كمن انغمس في النيل، فإنه تأكد قطعاً أن الماء قد وصل إلى كل ما يلزم الوصول إليه من بدنه، لكن القول الأول -وهو أن الدلك واجب لذاته- هو المشهور في المذهب، فلذلك بدأ به، فقال: (دلك).

الموالاة في الوضوء

ثم قال: (وفور), والفور معناه: الموالاة، والمقصود بذلك: موالاة غسل الأعضاء بحيث لا يفصل بينها بزمن يقتضي يبس العضو قبل غسل الآخر، وذلك في الزمان والمكان والشخص المعتدل، فمثلاً: إذا كان في شدة السموم والحر فغسل وجهه ومباشرة يبس قبل أن يغسله فهذا لا يعتبر قطعاً للفور، أو مثلاً: غسل وجهه في الريح الشديد ثم يبس قبل أن يغسل يديه فلا يعتبر قطعاً للموالاة. وكذلك في الشخص المعتدل فبعض الناس يبقى البلل في عضوه إذا غسله ولو مدةً طويلة؛ لأن طبيعة جلده دهنية تبقي الماء عليها ولو لمدة طويلة، فالعبرة إذاً بالتوسط من ذلك.

النية

ثم قال: (نية في بدئه)، هذا الفرض الثالث؛ وهو النية، والنية تأتي بالتشديد والتخفيف، فيقال: نية ونيّة، وكلاهما روي به قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى)، جاء بالتخفيف والتشديد بالنيات أو بالنيَّات، ونظير ذلك في القرآن قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[الحج:52]. فقراءة الجمهور (أمنيَّته) بالتشديد، وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع (أمنيته) بالتخفيف.

وكذلك: إِلاَّ أَمَانِيَّ[البقرة:78]، فقراءة الجمهور بالتشديد، وقراءة أبي جعفر بالتخفيف: (إِلا أَمَانِيَ).

فهذا النوع من الكلمات فيه التشديد والتخفيف لغتان، والمقصود بالنية: توجه القلب إلى الشيء وقصده أي: أن يقصد الإنسان الشيء فيتوجه قلبه إليه.

وهي ركن من أركان العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

وقوله: (في بدئه) أي: عند بدايته, فإذا غسل الإنسان يديه ووجهه من أجل التبرد أو لإزالة الغبار، ثم بدا له أن يكمل وضوؤه فنوى من جديد فهذه النية لا تنفعه؛ لأنها ليست في بدئه، فلابد أن تكون من بداية العمل.

والإنسان في الوضوء مخير بين ثلاث نيات:

أولاً: أن ينوي رفع الحديث، والمقصود بالحدث هنا: المنع الذي رتبه الشارع على الأعضاء؛ لأننا ذكرنا أن الحدث يطلق على ثلاثة أمور:

الأول: على الخارج من أحد السبيلين.

الثاني: على خروجه.

الثالث: على الحكم المترتب عليه؛ وهو المنع.

والحدث الذي يرفع هنا هو المنع, فإذا قلنا: رفع الحدث فالمقصود به: رفع المنع الذي رتبه الشارع على الأعضاء, فلذلك قال: [ ولينو رفع حدث أو مفترض أو استباحة لممنوع عرض ].

فقوله: (ولينو رفع حدث) هذه النية الأولى, وهي رفع الحدث أي: أن ينوي رفع ما رتبه الشارع على أعضائه من المنع من الصلاة، وهذا المنع هو الموجود في حديث أبي هريرة: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث ما لم يتوضأ )، فهو الآن يتوضأ لرفع هذا المنع عنه.

النية الثانية: هي قوله: (أو مفترض) أي: أن ينوي الفرض أي: ينوي أداء الفريضة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6], فينوي أداء ما افترض الله عليه.

وقوله: (أو استباحة لممنوع عرض) هذا النية الثالثة: استباحة ما منع أي: استباحة الصلاة, فإنها لا تباح في حق المحدث إلا إذا كان على طهارة.

إذاً: النية عند الوضوء الإنسان فيها مخير بين ثلاث نيات: إما أن ينوي رفع الحدث، وإما أن ينوي أداء الفرض، وإما إن ينوي استباحة ما منع. وهي مجموعة في قوله: (ولينو رفع حدث أو مفترض أو استباحة لممنوع عرض) أي: عرض منعه. فالأصل عدم المنع من أي عبادة؛ ولكن عرض المنع بسبب الحدث.

غسل الوجه

ثم قال: [ وغسل وجه غسله اليدين ومسح رأس غسله الرجلين ].

قوله: (وغسل وجه) هذا الفرض الرابع من فرائض الوضوء؛ وهو غسل وجه، أي: غسل الإنسان لوجهه, والوجه هو ما يواجهك عند لقائك للإنسان, فما يواجهك منه هو الذي يسمى وجهاً، فيدخل فيه ظاهر اللحية, فهو من الوجه، لكن اختلف هل يدخل فيه ما بين العذار والأذن؟ فما بين العذار والأذن -في حق من له عذار- هذا لا يواجهك عند مواجهتك للإنسان، فهل هو داخل في وجهه أم لا؟ إذا كان داخلاً في الوجه فيجب غسله، وإذا كان غير داخل في الوجه فلا يجب غسله، وعلى هذا لا يجب تخليل داخل الشعر إذا كان الشعر كثيفاً لا يرى ما تحته، فلا يجب تخليله، ولا يمنع ذلك ندب تخليله، فقد جاء في سنن أبي داود: ( فأخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته )، فهذا دليل على الندب, وليس دليلاً على الوجوب، فتخليل اللحية إذا كانت كثيفة غير واجب؛ ولكن لا يمنع ذلك ندبه.

واختلف في قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[المائدة:6] هل يدخل فيه المضمضة والاستنشاق أم لا؟

فقالت طائفة من أهل العلم: داخل الأنف وداخل الفم هو من الوجه؛ لأن الوجه هو هذا العضو فيدخل فيه داخل الأنف وداخل الفم، وأجابهم الجمهور بأنه لو كان كذلك لكان داخل العين أيضاً يجب غسله، ولا يجب خلافاً لـابن عمر، فلم يقل أحد بوجوب غسل داخل العينين إلا ابن عمر، كان يفعل ذلك في نفسه ولم يكن يفتي به غيره، وهي من تشدداته رضي الله عنه.

وقالت طائفة بالتفريق بين الأنف والفم، فقالوا: الأنف مفتوح دائماً، فما كان بداخله فهو مما يواجهك من الوجه، والفم يمكن أن يطبق، فما كان بداخله ليس من الوجه، فعلى هذا يجب الاستنشاق ولا تجب المضمضة.

وقد اختلفوا أيضاً في التفريق بين الغسل والوضوء، فذهب بعضهم إلى وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل وسنيتهما في الوضوء، وذهب بعضهم إلى وجوبهما في الوضوء والغسل معاً, وذهب بعضهم إلى سنيتهما في الوضوء والغسل معاً؛ وهذا مذهب المالكية كما سيبينه المؤلف.

غسل اليدين

قال: (غسله اليدين)، هذا الواجب الخامس من فرائض الوضوء: غسل اليدين، والمقصود: غسلهما إلى المرفقين.

مسح الرأس

(ومسح رأس) أي: مسح الإنسان لرأسه، وذلك يشمل المسترخي منه كمن له شعر طويل، فإنه يمسح إلى نهاية طول شعره، ومذهب المالكية وجوب مسح الرأس جميعاً، وأن (الباء) التي في قوله: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ[المائدة:6] للإلصاق، وهذا الأصل في معاني (الباء) كما قال سيبويه: الأصل في معاني (الباء): الإلصاق.

وذهب الشافعية والحنابلة والحنفية إلى التجزئة، فرأوا أن (الباء) للتبعيض، فمعناه: أن الواجب هو مسح بعض الرأس لا كله، ولكن مذهب المالكية مسح جميع الرأس، وأن (الباء) للإلصاق لا للتبعيض.

غسل الرجلين

قال: (غسله الرجلين)، هذا الفرض السابع من فرائض الوضوء؛ وهو غسل الرجلين إلى الكعبين، وهما الكعبان الناتئان بمفصلي الساقين.

أدلة فرائض الوضوء

فهذه الفرائض السبعة ثلاثة منها دليلها السنة، وأربعة دليلها القرآن، فالأربعة التي في القرآن هي قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6].

أما قراءة النصب -وهي قراءة الجمهور- (وأرجلَكم) فهي واضحة معناها، وأما قراءة الجر: (وأرجلِكم إلى الكعبين) وهي قراءة ابن كثير، فإن أهل العلم حملوها على محامل، فمنها: مسحهما إذا كانتا في خفين, فيكون المعنى: وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إذا كانت في خفين، وقال الجمهور: بل الجر للمجاورة هنا؛ لأن الأرجل لما جاورت الرءوس والرءوس مجرورة بالباء جرت الأرجل بالمجاورة، كقول امرئ القيس :

كأن أباناً في أفانين ودقه كبير أناس في بجاد مزمل

فـ(مزمل) في الأصل نعت لـ(كبير) وهو مرفوع، فأصل الكلام أن يقال: مزملُ، ولكنها لما جاورت (بجاد) جرت بالمجاورة.

وهذا الجر بالمجاورة أيضاً حملت عليه قراءة حمزة في سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسّاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. فقراءة حمزة: (والأرحامِ) بالجر، فجمهور أهل التفسير على أنها مجرورة بالمجاورة ومعناها: اتقوا الله الذي تساءلون به، فالضمير مجرور بالباء، والأرحام جاورت الضمير فجرت، وقراءة الجمهور: (والأرحامَ) معناه: واتقوا الأرحام بالنصب.

أما الثلاثة التي في السنة: فهي النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، والفور والدلك في عمل النبي صلى الله عليه وسلم وهيئة وضوئه.

حكم الترتيب في فرائض الوضوء

وبقي الترتيب لم يذكره المؤلف، وقد اختلف فيه أهل العلم هل هو من فرائض الوضوء أم لا؟

والمؤلف رحمه الله ذهب إلى قول للمالكية؛ وهو أن الترتيب سنة وليس بواجب، فإذا غسل الإنسان أولاً يديه إلى المرفقين ثم غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل رجليه، أو غسل رجله اليسرى قبل اليمنى ثم اليمنى، فوضوؤه صحيح عندهم، ولكنه مخالف للسنة، وقد فعل مكروهاً.

وللمالكية قول آخر وهو أيضاً موافق لكثير من أهل العلم؛ بأن الترتيب واجب، فلابد أن يبدأ الإنسان أولاً بغسل وجهه ثم بغسل يديه إلى المرفقين، ثم بمسح رأسه ثم بغسل الرجلين.

مقدار الفرض في أعضاء الوضوء

قال: [ والفرض عم مجمع الأذنين والمرفقين عمَّ والكعبين ].

(والفرض) معناه: والفرض في الرأس أي: في مسح الرأس، (عم مجمع الأذنين)، وكذلك الفرض في غسل الوجه عم مجمع الأذنين، وهذا في الرأس محل اتفاق فما بين الأذنين قطعاً من الرأس، فمحل اتفاق بين المالكية أنه يلزم مسحه جميعاً، ولكن في الغسل -أي: في غسل الوجه- محل خلاف في حق من له عذار، هل عم الغسل مجمع الأذنين أي: ما بينهما؟ هذا محل خلاف.

(والمرفقين عم) الفرض في اليدين عم المرفقين فلابد من غسلهما، وذلك أن الله جعلهما غاية للغسل فقال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6], و(إلى) تفسر بمعنى (مع)، فـ (إلى) تأتي بمعنى (مع)، فلذلك فسرت بها هنا، فقوله: (أيديكم إلى المرافق) معناه: مع المرافق, فتدخل المرافق مع اليدين.

ومذهب الشافعية خروجها؛ لأنهم يرون أن الغاية خارجة، والواقع أن الغاية تأتي بـ (إلى) وتأتي بـ(حتى)، فـ (إلى) إذا جاءت فالراجح دخول الغاية، و(حتى) إذا جاءت فالراجح خروج الغاية.

فـ (إلى) مثل قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[المائدة:6]، و(حتى) مثل قوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ[البقرة:187], فـ (حتى) مخرجة للغاية، و(إلى) مدخلة لها، ولذلك إذا قال إنسان لآخر: بعتك هذا الحائط إلى هذه النخلة، فالنخلة داخلة، وإذا قال: بعتك هذا الحائط حتى هذه النخلة، فالنخلة خارجة، ولذلك قال الشاعر:

ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها

فالغاية خارجة؛ لأنه قال: (حتى نعله ألقاها) فاحتاج إلى التصريح بقوله: ألقاها.

ويقولون: أكلت السمكة إلى رأسها معناه: أن الرأس غير مأكول على هذا الوجه؛ لكن بالنسبة لمذهب الجمهور أن الرأس مأكول، لكن إذا قال: أكلت السمكة حتى رأسها. فالرأس خارج.

والكعبين كذلك الفرض في الرجلين عم الكعبين، معناه: الفرض في غسل الرجلين عم الكعبين وهما الناتئان بمفصلي الساقين فيلزم غسلهما.

تخليل أصابع اليدين

[ خلل أصابع اليدين وشعر وجه إذا من تحته الجلد ظهر ].

كذلك مما يعمه الغسل: تخليل أصابع اليدين، فالفرجة فيهما متسعة أي: ما بين الأصابع في اليدين متسع، فلذلك يجب تخليلهما في الوضوء والغسل، بخلاف الفرجة بين أصابع الرجلين فهي ضيقة، فلذلك يسن تخليل الأصابع في الرجلين ولا يجب، وهذا قول من أقوال المالكية في المسألة, ولهم قول بوجوب التخليل مطلقاً لليدين والرجلين، وقد سئل مالك في مجلسه: هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل الأصابع؟ فقال: لا، فبقي ابن وهب جالساً مكانه حتى انصرف الناس وانصرف أهل الحلقة فقال: هل عندك شيء؟ قال: نعم، حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد المقبل عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم خلل أصابعه )، فسكت مالك فلما كان من الغد واجتمعت الحلقة قال: هل بقي أحد ممن حضر معنا بالأمس؟ قالوا: قد حضرنا جميعاً. فقال: سألتموني عن تخليل الأصابع فذكرت أنه لم يرد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وقد حدثني عبد الله بن وهب قال: حدثنا محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خلل أصابعه ).

فكان هذا من تمام علم مالك، فلم يرَ في الرجوع إلى الحق بأساً، ورأى أنه واجب عليه, ولم يرَ غضاضة في أن يحدث عن تلميذه، وقد حصل نظير ذلك لـابن عرفة الورغمي وهو من شيوخ المالكية الكبار، وقد كان يحدث في تونس فحدث: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق وآلى وظاهر، فلما انفضت الحلقة بقي شاب صغير في مجلسه، فدعاه فقال: هل عندك شيء؟ فقال: حدثتنا أيها الشيخ! أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق، وقد صدقت, وقد ثبت في حديث ابن عمر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأمره جبريل بمراجعتها )، وحدثتنا أنه آلى من نساءه، وقد صدقت فقد ثبت في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيح: ( أنه آلى من نساءه شهراً )، وحدثتنا أنه ظاهر من نساءه, وكيف يكون ذلك وقد قال الله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً[المجادلة:2]، فقال: إذاً أنت الفتى ابن مرزوق ؟ فقال: نعم. عرفه بمجرد فهمه، فلما كان من الغد واجتمعت الحلقة قال: حدثتكم بالأمس أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق وقد صدقت، وحدثتكم أنه آلى من نسائه وقد صدقت، وحدثتكم أنه ظاهر من نسائه وقد كذبت، وكيف يكون ذلك وقد قال الله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً[المجادلة:2], علمني هذا الفتى الجالس وهو ابن مرزوق فأشار إليه.

فأهل العلم لا يرون غضاضة في الرجوع إلى الحق إذا تبين، وقد قال أحد علمائنا:

ليس من أخطأ الصواب بمخط إن يؤب لا ولا عليه ملامة

إنما المخطئ المسيء من إذا ما ظهر الحق لج يحمي كلامه

حسنات الرجوع تذهب عنه سيئات الخطى وتنفي الملامة

وفي كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

قال: (خلل أصابع اليدين) أي: وجوباً.

تخليل شعر الوجه الخفيف

(وشعر وجه) أي: ما في الوجه من الشعر، (إذا من تحته الجلد ظهر) أي: إذا كان الشعر خفيفاً تبدو البشرة من تحته فلابد من تخليله, بخلاف الشعر الكثيف الذي لا تبدو البشرة من تحته فلا يجب تخليله.

وهنا قوله: (شعر وجه) مخرج لشعر الرأس فلا يجب تخليله في الوضوء؛ لأن الواجب فيه المسح, والمسح مبني على التخفيف فلا يلزم فيه التخليل.

بدأ المؤلف بفرائض الوضوء, والفرائض معناها في اللغة: الضرائب، أي: المال الذي يؤخذ عنوة من غير رضا صاحبه، وذكرنا شاهداً على ذلك قول الشاعر:

فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعياً هلم فإن المشرفيَّ الفرائض

فإنك دون المال ذو جئت تبتغي ستلقاك بيض للنفوس قوابض

فالفرائض معناها: الضرائب التي تؤخذ من غير رضا صاحبها، وهي جمع فريضة.

والفريضة في الاصطلاح: ما أوجبه الشارع سواء رضي به المكلف أو لم يرضَ به، فهو مأخوذ منه عنوة, فهو فرض عليه لابد من أدائه, ولا يستطيع الاحتيال عليه، ولا المكابرة فيه.

والوضوء: مشتق من الوضاءة؛ وهي الحسن؛ لأنه حسن لصاحبه في الدنيا, وحسن له في الآخرة، فهو حسن له في الدنيا؛ لأن الأعضاء التي يراها الناس من الإنسان وجهه ويداه ورجلاه تغسل, والغسل فيه نظافة وتطهير, ومما هو معين على الجمال؛ لأن الماء يعد لدى العرب من أنواع الطيب، كما قال زهير بن أبي سلمى :

ومسك تعل به جلودهم وماء.

فعد الماء من أنواع الطيب, وعده مع المسك، وهو كذلك حسن لصاحبه يوم القيامة؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قيل له: بم تعرف أمتك يوم القيامة؟ فقال: إن أمتي يردون عليَّ الحوض غرًّا محجلين من أثر الوضوء ). وفي رواية: ( من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل )، وفي رواية أنه قال: ( أرأيتم لو كان لأحدكم خيل بلق في خيل بهم أكان يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإن أمتي يردون عليَّ الحوض غراً محجلين من أثر الوضوء ).

وفي رواية: ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، وهذا الحديث يدل على أن الحلية -التي هي التزيين بالنور يوم القيامة- تبلغ من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، فيأتي وجهه أبيض ويداه كذلك فيهما الغرة والتحجيل في الوجه واليدين من الخيل، وهما وصف كمال ومدح، وكذلك في الرجلين.

قال: [فرائض الوضوء سبعة وهي دلك وفور نية في بدئه ].

بدأ في ذكر فرائض الوضوء فقال: إنها سبعة على مقتضى المذهب المالكي، (وهيْ) معناه: وهيَ: (دلك), والدلك معناه: إمرار اليد على العضو مع صب الماء أو بعده بيسير.

والدلك قد اختلف فيه: هل هو من مفهوم الغسل أو ليس من مفهومه؟ فالله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6], وغسل الوجه هل معناه مجرد صب الماء عليه أو معناه صب الماء والدلك؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، وعلى هذا اختلف في حكم الدلك في المذهب المالكي على قولين:

القول الأول: أن الدلك واجب لذاته، فهو فرض من فرائض الوضوء لذاته.

القول الثاني: أن الدلك إنما هو واجب لتحقق إيصال الماء إلى العضو، فإذا تحقق وصول الماء بدونه لم يلزم، كمن انغمس في النيل، فإنه تأكد قطعاً أن الماء قد وصل إلى كل ما يلزم الوصول إليه من بدنه، لكن القول الأول -وهو أن الدلك واجب لذاته- هو المشهور في المذهب، فلذلك بدأ به، فقال: (دلك).

ثم قال: (وفور), والفور معناه: الموالاة، والمقصود بذلك: موالاة غسل الأعضاء بحيث لا يفصل بينها بزمن يقتضي يبس العضو قبل غسل الآخر، وذلك في الزمان والمكان والشخص المعتدل، فمثلاً: إذا كان في شدة السموم والحر فغسل وجهه ومباشرة يبس قبل أن يغسله فهذا لا يعتبر قطعاً للفور، أو مثلاً: غسل وجهه في الريح الشديد ثم يبس قبل أن يغسل يديه فلا يعتبر قطعاً للموالاة. وكذلك في الشخص المعتدل فبعض الناس يبقى البلل في عضوه إذا غسله ولو مدةً طويلة؛ لأن طبيعة جلده دهنية تبقي الماء عليها ولو لمدة طويلة، فالعبرة إذاً بالتوسط من ذلك.

ثم قال: (نية في بدئه)، هذا الفرض الثالث؛ وهو النية، والنية تأتي بالتشديد والتخفيف، فيقال: نية ونيّة، وكلاهما روي به قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى)، جاء بالتخفيف والتشديد بالنيات أو بالنيَّات، ونظير ذلك في القرآن قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ[الحج:52]. فقراءة الجمهور (أمنيَّته) بالتشديد، وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع (أمنيته) بالتخفيف.

وكذلك: إِلاَّ أَمَانِيَّ[البقرة:78]، فقراءة الجمهور بالتشديد، وقراءة أبي جعفر بالتخفيف: (إِلا أَمَانِيَ).

فهذا النوع من الكلمات فيه التشديد والتخفيف لغتان، والمقصود بالنية: توجه القلب إلى الشيء وقصده أي: أن يقصد الإنسان الشيء فيتوجه قلبه إليه.

وهي ركن من أركان العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).

وقوله: (في بدئه) أي: عند بدايته, فإذا غسل الإنسان يديه ووجهه من أجل التبرد أو لإزالة الغبار، ثم بدا له أن يكمل وضوؤه فنوى من جديد فهذه النية لا تنفعه؛ لأنها ليست في بدئه، فلابد أن تكون من بداية العمل.

والإنسان في الوضوء مخير بين ثلاث نيات:

أولاً: أن ينوي رفع الحديث، والمقصود بالحدث هنا: المنع الذي رتبه الشارع على الأعضاء؛ لأننا ذكرنا أن الحدث يطلق على ثلاثة أمور:

الأول: على الخارج من أحد السبيلين.

الثاني: على خروجه.

الثالث: على الحكم المترتب عليه؛ وهو المنع.

والحدث الذي يرفع هنا هو المنع, فإذا قلنا: رفع الحدث فالمقصود به: رفع المنع الذي رتبه الشارع على الأعضاء, فلذلك قال: [ ولينو رفع حدث أو مفترض أو استباحة لممنوع عرض ].

فقوله: (ولينو رفع حدث) هذه النية الأولى, وهي رفع الحدث أي: أن ينوي رفع ما رتبه الشارع على أعضائه من المنع من الصلاة، وهذا المنع هو الموجود في حديث أبي هريرة: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث ما لم يتوضأ )، فهو الآن يتوضأ لرفع هذا المنع عنه.

النية الثانية: هي قوله: (أو مفترض) أي: أن ينوي الفرض أي: ينوي أداء الفريضة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6], فينوي أداء ما افترض الله عليه.

وقوله: (أو استباحة لممنوع عرض) هذا النية الثالثة: استباحة ما منع أي: استباحة الصلاة, فإنها لا تباح في حق المحدث إلا إذا كان على طهارة.

إذاً: النية عند الوضوء الإنسان فيها مخير بين ثلاث نيات: إما أن ينوي رفع الحدث، وإما أن ينوي أداء الفرض، وإما إن ينوي استباحة ما منع. وهي مجموعة في قوله: (ولينو رفع حدث أو مفترض أو استباحة لممنوع عرض) أي: عرض منعه. فالأصل عدم المنع من أي عبادة؛ ولكن عرض المنع بسبب الحدث.

ثم قال: [ وغسل وجه غسله اليدين ومسح رأس غسله الرجلين ].

قوله: (وغسل وجه) هذا الفرض الرابع من فرائض الوضوء؛ وهو غسل وجه، أي: غسل الإنسان لوجهه, والوجه هو ما يواجهك عند لقائك للإنسان, فما يواجهك منه هو الذي يسمى وجهاً، فيدخل فيه ظاهر اللحية, فهو من الوجه، لكن اختلف هل يدخل فيه ما بين العذار والأذن؟ فما بين العذار والأذن -في حق من له عذار- هذا لا يواجهك عند مواجهتك للإنسان، فهل هو داخل في وجهه أم لا؟ إذا كان داخلاً في الوجه فيجب غسله، وإذا كان غير داخل في الوجه فلا يجب غسله، وعلى هذا لا يجب تخليل داخل الشعر إذا كان الشعر كثيفاً لا يرى ما تحته، فلا يجب تخليله، ولا يمنع ذلك ندب تخليله، فقد جاء في سنن أبي داود: ( فأخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته )، فهذا دليل على الندب, وليس دليلاً على الوجوب، فتخليل اللحية إذا كانت كثيفة غير واجب؛ ولكن لا يمنع ذلك ندبه.

واختلف في قوله: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[المائدة:6] هل يدخل فيه المضمضة والاستنشاق أم لا؟

فقالت طائفة من أهل العلم: داخل الأنف وداخل الفم هو من الوجه؛ لأن الوجه هو هذا العضو فيدخل فيه داخل الأنف وداخل الفم، وأجابهم الجمهور بأنه لو كان كذلك لكان داخل العين أيضاً يجب غسله، ولا يجب خلافاً لـابن عمر، فلم يقل أحد بوجوب غسل داخل العينين إلا ابن عمر، كان يفعل ذلك في نفسه ولم يكن يفتي به غيره، وهي من تشدداته رضي الله عنه.

وقالت طائفة بالتفريق بين الأنف والفم، فقالوا: الأنف مفتوح دائماً، فما كان بداخله فهو مما يواجهك من الوجه، والفم يمكن أن يطبق، فما كان بداخله ليس من الوجه، فعلى هذا يجب الاستنشاق ولا تجب المضمضة.

وقد اختلفوا أيضاً في التفريق بين الغسل والوضوء، فذهب بعضهم إلى وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل وسنيتهما في الوضوء، وذهب بعضهم إلى وجوبهما في الوضوء والغسل معاً, وذهب بعضهم إلى سنيتهما في الوضوء والغسل معاً؛ وهذا مذهب المالكية كما سيبينه المؤلف.