خطب ومحاضرات
سلسلة الأسماء والصفات [5]
الحلقة مفرغة
يقول الشيخ حفظه الله:
[وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه]
الرد بالقاعدة على المشبهة والمعطلة
هذا شروع في وضع قواعد لتوحيد الأسماء والصفات، وهذه القواعد أهمها قاعدتان:
أولاهما: أن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذه القاعدة هي التي نظمها في هذا البيت بقوله:
(وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه)
أي: إن الكلام في صفاته مثل الكلام في ذاته، وهذه مزيلة لكل إشكال، سواء كان من جهة المعطلة أو من جهة المشبهة:
أما من جهة المعطلة: فإنهم يثبتون له نفساً هي الذات عندهم، وهم يعرفون أن للمخلوق ذاتاً ومع ذلك لا يقتضي إثبات أن له ذاتاً وأن للمخلوق ذاتاً التشبيه قطعاً عندهم! فما الفرق بينها وبين الوجه واليدين والعين والقدم والساق؟! لا فرق، وهم إنما نفوا الصفات فراراً من التشبيه، فلماذا لم ينفوا الذات كذلك فراراً من التشبيه؟ وأما من ناحية التشبيه: فإن المشبهة سبب غلطهم هو فهمهم لهذه الصفات على مقتضى مشابهتها للمخلوق، ومع ذلك فهم يثبتون لله ذاتاً ولا يشبهونها بذوات المخلوق فما الفرق؟ أي: إذا كانوا يؤمنون بأن له ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، ولا ينبغي لها أن تشبه أي شيء، فلماذا يشبهون صفاته بصفات الخلق؟ فالقول في الصفات كالقول في الذات، فهذه القاعدة من أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها قاضية على الاتجاهين معاً، وهي أبلغ شيء في رد هذه الانحرافات التي تنشأ في هذا الباب.
قوله: (فما نقول في صفات قدسه) أي: في صفاته المقدسة، والقدس بمعنى الطهارة والنزاهة، يقال تقدس بمعنى تطهر، ويطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى للدلالة على تنزهه عن كل نقص، فهو المنزه عن كل نقص.
وأضاف الصفات إلى القدس لتعظيمها؛ لأن هذه الصفات مقتضية لإثبات الكمال ولنفي النقص؛ فلذلك كانت صفات قدس.
قوله: (فرع الذي نقوله في نفسه) أي: مرتب عليه فهو فرع عنه؛ لأننا إذا أثبتنا أن له نفساً مخالفة لأنفس المخلوقين، فكذلك نثبت له ما أثبته لنفسه من الصفات التي تخالف صفات المخلوقين، ولا تشبهها بوجه من الوجوه.
ورتب على هذه القاعدة قوله:
[فإن يقل جهميهم كيف استوى كيف يجيء فقل له كيف هو]
أي: إذا قال المعطل وهو الذي يسمى بالجهمي نسبة إلى الجهم بن صفوان: كيف استوى؟ معناه: سأل عن الكيف في صفات الذات: كيف الوجه، أو اليدين، أو العين؟ أو سأل عن الكيف في الصفات الفعلية كالمجيء والاستواء والنزول ونحو ذلك؟ فجوابه أن يقال له: كيف هو؟ أي: لماذا لا تطلب الكيف في ذاته وتطلب الكيف في صفاته؟
فهو لا يمكن أن يوجه إلينا سؤالاً عن كيفية ذاته؛ لأنه مؤمن بها مسبقاً، وإنما أشكل عليه إثبات هذه الصفات التي جنسها في الاسم ثابت للمخلوق؛ فلذلك إذا أعيد عليه السؤال فسئل عن كيفية ذاته فإنه يقول: أنا أؤمن بأن له ذاتاً لكني جاهل بكيفيتها، فيقال: كذلك آمنت بأن له هذه الصفات وأنت جاهل بكيفياتها.
وكلام السلف في نفي الكيف المقصود به: نفي استيعابه وإدراكه، وإلا فالكيف من المقولات اللازمة لكل صفة.
صفات المخلوقين تقتضي السؤال عن عشر مقولات والخالق بخلاف ذلك
والصفات أياً كانت فإنها في إثباتها تقتضي عشر مقولات، هذه المقولات هي التي تسمى:
مقولة الملك، ومقولة التملك، ومقولة الفعل، ومقولة الانفعال، ومقولة الكيف، ومقولة الكم، ومقولة الأين، ومقولة المتى، ومقولة الإضافة، ومقولة التصور، فهذه عشر مقولات وهي التي نظمها أحد المناطقة في قوله:
زيد الطويل الأزرق ابن ملك في بيته بالأمس كان متكي
في يده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوا
فالكيف معناه: السؤال عن الهيئة.
والكم معناه: السؤال عن القدر.
والمتى معناه: السؤال عن الوقت.
والأين: السؤال عن المكان.
والتصور: السؤال عن الحقيقة.
ومقولة الملك معناها: السؤال عن الحيازة.
ومقولة الفعل معناها: السؤال عن التصرف.
ومقولة الانفعال معناها: السؤال عن التأثر.
ومقولة الإضافة معناها: السؤال عن نسبة غيره إليه.
وهذه المقولات لا يمكن إدراك أي تصور إدراكاً كاملاً إلا بها، ولكن فيما لا يمكن أن يحاط به في التصور لا يمكن أن يؤتى بجواب هذه المقولات؛ فلذلك لا توجه إليه سبحانه وتعالى فإنه لا يسأل عن كيفه، ولا عن كمه، ولا عن متاه، ولا عن أينه، وإذا سئل عن الأين فالمقصود بذلك إثبات صفة العلو فقط، دون أن يزعم أن له جهة تحده وتحيط به فالإحاطة في حقه ممنوعة؛ لأنه هو الذي خلق الجهات، وكذلك الكم لا يسأل عنه فهو الكبير المتعال ولا يمكن أن يتصور المخلوق كمه؛ لكن لا يقتضي هذا أن ننفي هذه المقولات أصلاً، فلا يقال: لا كيف له، أو لا كم له، أو لا أين له، أو لا متى له، لكن يقال: لا يحيط به شيء من هذه المقولات ولا نعلمها نحن.
لكن لو كشف الحجاب عنا فرأينا وجهه سبحانه وتعالى كما نرى القمر ليلة البدر لا نضام في رؤيته، فإن الكيف سيفهم بعضه، ولا يمكن أن تحيط به الرؤية لكن تعرف بعض الكيف؛ ولهذا فإن ما قاله الإمام أحمد فيما يتعلق بالكيف قال: (أمروها وأقروها ولا كيف ولا معنى)، فمقصوده بلا كيف: لا تسألوا عن الكيف، ومقصوده بلا معنى: لا تخوضوا في معناها، وإلا فلها معنىً ولها كيف، ولذلك قال مالك رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني) فأثبت الكيف ونفى العلم به، فالكيف موجود لكن المعنى نجهله.
( فإن يقل جهميهم ) أي: جهمي المعطلة المعترض منهم أياً كان ( كيف استوى؟ كيف يجيء؟) أو يسأل عن كيف أي صفة من الصفات، (فقل له: كيف هو؟) أي: اسأله عن كيف ذاته فإنه سيبهت بذلك.
هذا شروع في وضع قواعد لتوحيد الأسماء والصفات، وهذه القواعد أهمها قاعدتان:
أولاهما: أن القول في الصفات كالقول في الذات، وهذه القاعدة هي التي نظمها في هذا البيت بقوله:
(وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقوله في نفسه)
أي: إن الكلام في صفاته مثل الكلام في ذاته، وهذه مزيلة لكل إشكال، سواء كان من جهة المعطلة أو من جهة المشبهة:
أما من جهة المعطلة: فإنهم يثبتون له نفساً هي الذات عندهم، وهم يعرفون أن للمخلوق ذاتاً ومع ذلك لا يقتضي إثبات أن له ذاتاً وأن للمخلوق ذاتاً التشبيه قطعاً عندهم! فما الفرق بينها وبين الوجه واليدين والعين والقدم والساق؟! لا فرق، وهم إنما نفوا الصفات فراراً من التشبيه، فلماذا لم ينفوا الذات كذلك فراراً من التشبيه؟ وأما من ناحية التشبيه: فإن المشبهة سبب غلطهم هو فهمهم لهذه الصفات على مقتضى مشابهتها للمخلوق، ومع ذلك فهم يثبتون لله ذاتاً ولا يشبهونها بذوات المخلوق فما الفرق؟ أي: إذا كانوا يؤمنون بأن له ذاتاً لا تشبه ذوات المخلوقين، ولا ينبغي لها أن تشبه أي شيء، فلماذا يشبهون صفاته بصفات الخلق؟ فالقول في الصفات كالقول في الذات، فهذه القاعدة من أهم القواعد في هذا الباب؛ لأنها قاضية على الاتجاهين معاً، وهي أبلغ شيء في رد هذه الانحرافات التي تنشأ في هذا الباب.
قوله: (فما نقول في صفات قدسه) أي: في صفاته المقدسة، والقدس بمعنى الطهارة والنزاهة، يقال تقدس بمعنى تطهر، ويطلق ذلك على الله سبحانه وتعالى للدلالة على تنزهه عن كل نقص، فهو المنزه عن كل نقص.
وأضاف الصفات إلى القدس لتعظيمها؛ لأن هذه الصفات مقتضية لإثبات الكمال ولنفي النقص؛ فلذلك كانت صفات قدس.
قوله: (فرع الذي نقوله في نفسه) أي: مرتب عليه فهو فرع عنه؛ لأننا إذا أثبتنا أن له نفساً مخالفة لأنفس المخلوقين، فكذلك نثبت له ما أثبته لنفسه من الصفات التي تخالف صفات المخلوقين، ولا تشبهها بوجه من الوجوه.
ورتب على هذه القاعدة قوله:
[فإن يقل جهميهم كيف استوى كيف يجيء فقل له كيف هو]
أي: إذا قال المعطل وهو الذي يسمى بالجهمي نسبة إلى الجهم بن صفوان: كيف استوى؟ معناه: سأل عن الكيف في صفات الذات: كيف الوجه، أو اليدين، أو العين؟ أو سأل عن الكيف في الصفات الفعلية كالمجيء والاستواء والنزول ونحو ذلك؟ فجوابه أن يقال له: كيف هو؟ أي: لماذا لا تطلب الكيف في ذاته وتطلب الكيف في صفاته؟
فهو لا يمكن أن يوجه إلينا سؤالاً عن كيفية ذاته؛ لأنه مؤمن بها مسبقاً، وإنما أشكل عليه إثبات هذه الصفات التي جنسها في الاسم ثابت للمخلوق؛ فلذلك إذا أعيد عليه السؤال فسئل عن كيفية ذاته فإنه يقول: أنا أؤمن بأن له ذاتاً لكني جاهل بكيفيتها، فيقال: كذلك آمنت بأن له هذه الصفات وأنت جاهل بكيفياتها.
وكلام السلف في نفي الكيف المقصود به: نفي استيعابه وإدراكه، وإلا فالكيف من المقولات اللازمة لكل صفة.
والصفات أياً كانت فإنها في إثباتها تقتضي عشر مقولات، هذه المقولات هي التي تسمى:
مقولة الملك، ومقولة التملك، ومقولة الفعل، ومقولة الانفعال، ومقولة الكيف، ومقولة الكم، ومقولة الأين، ومقولة المتى، ومقولة الإضافة، ومقولة التصور، فهذه عشر مقولات وهي التي نظمها أحد المناطقة في قوله:
زيد الطويل الأزرق ابن ملك في بيته بالأمس كان متكي
في يده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوا
فالكيف معناه: السؤال عن الهيئة.
والكم معناه: السؤال عن القدر.
والمتى معناه: السؤال عن الوقت.
والأين: السؤال عن المكان.
والتصور: السؤال عن الحقيقة.
ومقولة الملك معناها: السؤال عن الحيازة.
ومقولة الفعل معناها: السؤال عن التصرف.
ومقولة الانفعال معناها: السؤال عن التأثر.
ومقولة الإضافة معناها: السؤال عن نسبة غيره إليه.
وهذه المقولات لا يمكن إدراك أي تصور إدراكاً كاملاً إلا بها، ولكن فيما لا يمكن أن يحاط به في التصور لا يمكن أن يؤتى بجواب هذه المقولات؛ فلذلك لا توجه إليه سبحانه وتعالى فإنه لا يسأل عن كيفه، ولا عن كمه، ولا عن متاه، ولا عن أينه، وإذا سئل عن الأين فالمقصود بذلك إثبات صفة العلو فقط، دون أن يزعم أن له جهة تحده وتحيط به فالإحاطة في حقه ممنوعة؛ لأنه هو الذي خلق الجهات، وكذلك الكم لا يسأل عنه فهو الكبير المتعال ولا يمكن أن يتصور المخلوق كمه؛ لكن لا يقتضي هذا أن ننفي هذه المقولات أصلاً، فلا يقال: لا كيف له، أو لا كم له، أو لا أين له، أو لا متى له، لكن يقال: لا يحيط به شيء من هذه المقولات ولا نعلمها نحن.
لكن لو كشف الحجاب عنا فرأينا وجهه سبحانه وتعالى كما نرى القمر ليلة البدر لا نضام في رؤيته، فإن الكيف سيفهم بعضه، ولا يمكن أن تحيط به الرؤية لكن تعرف بعض الكيف؛ ولهذا فإن ما قاله الإمام أحمد فيما يتعلق بالكيف قال: (أمروها وأقروها ولا كيف ولا معنى)، فمقصوده بلا كيف: لا تسألوا عن الكيف، ومقصوده بلا معنى: لا تخوضوا في معناها، وإلا فلها معنىً ولها كيف، ولذلك قال مالك رحمه الله للذي سأله عن الاستواء: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا صاحب سوء، فأخرجوه عني) فأثبت الكيف ونفى العلم به، فالكيف موجود لكن المعنى نجهله.
( فإن يقل جهميهم ) أي: جهمي المعطلة المعترض منهم أياً كان ( كيف استوى؟ كيف يجيء؟) أو يسأل عن كيف أي صفة من الصفات، (فقل له: كيف هو؟) أي: اسأله عن كيف ذاته فإنه سيبهت بذلك.
ثم ذكر القاعدة الثانية وهي: أنه لا فرق بين بعض الصفات وبعض، أي أن الكلام في بعض الصفات كالكلام في بعض، والقول في بعض الصفات كالقول في بعض، هذه القاعدة الثانية مهمة قال فيها:
[لا فرق بين ما سميه يعد وصفا لنا كعلم أو جزءاً كيد]
( لا فرق بين ما سميه ) أي: المشترك معه في الاسم من الصفات، فمن الصفات ما لا يشترك معه صفة للمخلوق في اسمه، ومنها ما يشترك معه بعض صفات المخلوق في الاسم، فصفة الوجه تضاف إلى المخلوق وتضاف إلى الخالق، لكن الوجه في المخلوق معروف، والوجه في الخالق نؤمن به ولا نبحث عن كيفه، وكذلك في العلم والإرادة والقدرة، كل له علم وإرادة وقدرة بحسبه.
فالقول في بعض الصفات كالقول في بعضها، فلذلك قال:
(لا فرق بين ما سميه يعد وصفاً لنا كعلم أو جزءاً كيد)
فالباب في الجميع واحد، فبعض الصفات يشترك معه بعض صفات المخلوق في الاسم كالعلم والإرادة والقدرة، وبعضه يشترك معه بعض أبعاض المخلوق في الاسم كالوجه والعين واليد والقدم والساق ونحو ذلك؛ لكن لا فرق فيما يتعلق بإثباته لله سبحانه وتعالى؛ لأن الجميع في حقه صفة.
معنى كون الوجه واليد ونحوها صفات لله عز وجل
وهذه المسألة ذكرها كثير من الذين ساروا على طريقة السلف من المتأخرين، وورد الكلام فيها عن عدد من السابقين كـابن خزيمة و الدارقطني وأهل تلك الطبقة، لكن اختلف اللاحقون في معنى كون هذه صفات لله سبحانه وتعالى، فورد عنهم فيها وجهان:
الوجه الأول: ما ذكره ابن القيم من أن هذه -أعني الوجه- والعين واليدين والقدم والساق والأصابع إما أن تكون أبعاضاً، وإما أن تكون صفات، قال: والأبعاض تدل على التجزئة، وهي نقص فهي محالة على الله، فلم يبق إلا أنها صفة، هذه طريقة ابن القيم .
الوجه الثاني: هو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص:1] أنها صفة الرحمن، قال: المقصود بكون الوجه واليدين والعين صفة لله تعالى إثبات كينونتها، أي: كونه ذا يدين صفة من صفاته، وكونه ذا وجه صفة من صفاته، وكونه ذا عين صفة من صفاته، وكونه ذا قدم صفة من صفاته، وكونه ذا ساق صفة من صفاته، وكونه ذا أصابع صفة من صفاته، فإثباتها وصف له، أي: إنك إذا أثبت له وجهاً فقد وصفته بأنه ذو وجه، وإذا أثبت له اليدين فقد وصفته بأنه ذو يدين وهكذا، وهذه الطريقة التي سلكها الحافظ ابن حجر أقرب وأسهل من التي سلكها ابن القيم .
(لا فرق بين ما سميه) أي: المشترك معه في الاسم، وهو الذي أطلق عليه هذا الاسم فقط (يعد وصفاً لنا كالعلم) والإرادة، والقدرة، والحياة.
(أو جزءاً): وهو ما يشترك معه بالاسم ويعتبر جزءاً في المخلوق، لكن نسبته للخالق أنه صفة، فلا فرق بين الصنفين، وهذا لا يقتضي تشبيهاً لمجرد الاشتراك في الاسم، ألا ترى أن الجنة: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى[محمد:15] وهذه سميها في الدنيا معروف، ولكنه لا يشترك معها إلا في الاسم فقط، كما قال ابن عباس : (ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء) والاشتراك في الاسم لا يقتضي شبهاً، وإذا كان هذا التباين الكامل وانقطاع الشبه بين المخلوقات مع الاشتراك في الاسم، فكيف تكون المقارنة لو كان هذا بين الخالق والمخلوق؟
إثبات صفة الوجه واليدين ونحوها هو من باب التسليم والإيمان بالغيب
ومن هنا نعلم أن هذه الصفات إنما أخبرنا بها على وجه امتحان إيماننا بالغيب؛ لأن أصل إخبارنا بما لا يصل العقل إلى كيفه؛ إنما هو امتحان بالتفريق بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن به، فالمزية ليست في الإيمان بالشهادة، إنما هي في الإيمان بالغيبيات التي تقصر دون تصورها العقول.
فإذا انطلق الإنسان من منطلق التسليم المطلق لكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يتصف بهذه الصفة الحميدة التي هي الإيمان بالغيب؛ ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى -كما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم- يأتي أهل الجنة في صورة يوم القيامة فيقول: أنا ربكم فيقولون: لا لست بربنا، فيقول: وما الأمارة بينكم وبين ربكم؟ فيخبرونه أنه يكشف عن ساق، فيتجلى لهم في صورة أخرى، فيكشف عن ساق فيخرون له سجداً، ويقولون: أنت ربنا، وفي ذلك الوقت كل من لم يكن يسجد لله في الدنيا يجعل الله ظهره من نحاس فلا يستطيع السجود، وبهذا فسر قول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ[القلم:42] وقد جاء في تفسير الآية غير هذا، كما صح عن ابن عباس : أن هذا مما تطلقه العرب على الشدة، فيقولون: (يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) أي: يشمر للأمر، وهذا يقتضي الشدة.
ولا مشاحة في الأمر؛ لأن الحديث ثابت في صحيح البخاري، والآية معناها محتمل له، فيمكن أن تفسر الآية على مقتضى الحديث، ويمكن أن تفسر على التفسير الذي فسره ابن عباس ، فلا يتعين أن يكون هذا هو المقصود بالآية؛ لأن الحديث لم يقل: وهذا معنى قول الله تعالى، ولذلك يغلط بعض الناس في الكلام في هذه الآية، فالذي يعدها من آيات الصفات جزماً غلط؛ لأنه جاء في تفسيرها عن ابن عباس غير ذلك؛ ولذلك من ينكر على من فسرها بغير هذا، أو يجعله مؤولاً أو نحو ذلك غلط؛ لأن تفسيرها بهذا ثابت عن ابن عباس وغيره، لكن لا يقتضي ذلك نفي صفة الساق فإنها ثابتة في الحديث الذي ذكرناه.
[فالباب في الجميع واحد] أي: في صفات الله سبحانه وتعالى [واحد].
(فما لنا فيها إلا الخبر) أي: فلا نستطيع أن نصل إلى كنهها، وما عرفنا أنه حي إلا بخبره، وما عرفنا أن له وجهاً إلا بخبره، فما الفرق بين اتصافه بالحياة وبين اتصافه بكونه ذا وجه؟! فالباب في الجميع واحد، وهو باب التسليم المطلق.
[فلا تكن معطلاً] أي: فلا تكن معطلاً لهذه الصفات نافياً لدلالتها، كمن يرى أن هذه الآيات التي جاءت فيها هذه الصفات أو أن الأحاديث التي ورد فيها ذلك هي من المتشابه الذي نؤمن بلفظه ونكف عن معناه، فهذا من تعطيلها عن دلالتها.
[ولا ممثلاً]: أي لا تكن مشبهاً أيضاً، فتظن أن اشتراك هذه الصفات مع صفات المخلوق أو أجزائه بالاسم يقتضي شبهاً، فليس الأمر كذلك.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة الأسماء والصفات [6] | 3903 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [9] | 3424 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [8] | 3255 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [2] | 3205 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [3] | 2889 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [10] | 2670 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [12] | 2508 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [14] | 2453 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [7] | 2316 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [1] | 1997 استماع |