خطب ومحاضرات
سلسلة الأسماء والصفات [10]
الحلقة مفرغة
إثبات إحاطة الله بخلقه
يقول الشيخ:
[أحاط بالناس وأينما يول مستقبل فثم وجه الله جل]
هذه صفة أخرى وهي صفة الإحاطة، وهذه الصفة عبارة عن صفتين:
الصفة الأولى: صفة الإحاطة بمعنى كمال العلم والإدراك، وهذه هي معنى المعية العامة.
والصفة الثانية: بمعنى القهر والجبروت، وهذه الإحاطة التي بمعنى القهر تنقسم إلى قسمين: ناجز ومتأخر.
فالناجز منها: هو أخذ الله الوبيل الذي يأخذ به المكذبين، فأخذه الوبيل الذي يأخذهم به هو من إحاطته بمعنى قهره وجبروته، فهو قهر ناجز.
وأما المتأخر فهو أخذهم يوم القيامة.
ففي قوله تعالى: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:43-45] هذا كله من الناجز، ثم قال: بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[القمر:46] فهذا هو المتأخر، والناجز مقتضٍ للمتأخر، فإذا جاء أخذه الشديد فأهلك قوماً في الدنيا بكفرهم، فذلك متضمن لعذابهم يوم القيامة؛ لأن من مات على الكفر فلابد أن يعذب يوم القيامة؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ[الإسراء:60] والإحاطة في هذه الآية المقصود بها: القهر الناجز؛ لأن ذلك نزل في أصحاب بدر فقد أحاط الله بهم فساقهم إلى حتوفهم، وقدمهم إلى تعجيل العذاب لهم نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أماكن مصارعهم، فجعل يضع يده في مكان ويقول: (هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان).
فهذا هو تجلي الإحاطة الناجزة بالعباد: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، لكن الناس هنا لها وجهان: فإما أن يكون المقصود بها الناس عموماً، أي جميع الخلائق من البشر، فهذا إحاطة قهر، فهو سبحانه وتعالى غالب على أمر الجميع، وإما أن يكون المقصود بالناس المهلكين منهم بالخصوص، فتكون الآية مثلاً نازلة في أصحاب بدر وتختص بأهل القليب، ويكون هذا من العام المراد به الخصوص.
والعام ثلاثة أقسام: عام باقٍ على عمومه، وعام مخصوص، وعام مراد به الخصوص، والفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص: أن العام المخصوص يأتي أولاً عاماً ثم يخصص بعد ذلك، والعام المراد به الخصوص ينزل أول ما ينزل على أن معناه الخصوص، ولفظ (الناس) يأتي في القرآن على الوجهين، فمن العام الباقي على عمومه قول الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ[الناس:1-3]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ[البقرة:21] ، قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ[النساء:1] .
ومن العام المراد به الخصوص قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] ، هذا كله من العام المراد به الخصوص.
إثبات صفة الإقبال والوجه لله جل وعلا
قوله: (وأينما يول مستقبل فثم وجه الله جل) هذا مأخوذ من آية البقرة، وهو متضمن لصفتين من صفات الله سبحانه وتعالى:
فالصفة الأولى: صفة الإقبال، فالله سبحانه وتعالى يقبل على عبده إذا أطاعه بالعبادة.
والصفة الثانية: إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[البقرة:115] ، فهاتان الجهتان مملوكتان لله سبحانه وتعالى، فليس التوجه إلى إحداهما تعظيماً لتلك الجهة، بل هي مملوكة لله سبحانه وتعالى، وإنما يتوجه الإنسان حيث أمر فقط، فإذا أمره الله بالتوجه إلى أي جهة توجه إليها.
والمشرق معناه مكان شروق الشمس، والمغرب معناه مكان غروبها، وقد جاء في القرآن لفظ المشرق والمغرب بالإفراد كما هنا: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)، وجاء بالتثنية كما في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ[الرحمن:17]، وجاء بالجمع كما في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[المعارج:40].
ومعنى الإفراد: الجنس أي: جنس المشرق، فيشمل جهات الشروق كلها.
وجنس المغرب في جهة الغروب فيشمل أماكن الغروب كلها، والمقصود بالمشرقين والمغربين: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغرب الشتاء ومغرب الصيف؛ لأنهما الطرفان، وخطوط العرض ثلاثة؛ ولذلك تسمى المشارق والمغارب، فالمشارق باعتبار الخطوط الثلاثة: مدار السرطان وخط الاستواء ومدار الجدي، وعليها أيضاً المغارب فهي ثلاثة، ولذلك قال: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ومع هذا ذكر الطرفين فقط في قوله: (رب المشرقين ورب المغربين)، فالمشرقان المقصود بهما الطرفان، وجعل ما بينهما وسطاً فهو مندرج فيهما، والوسط إذا اندرج أمكن إسقاطه لذكر الحدين، وكذلك يقال في المغربين.
وقوله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[البقرة:115] ، معناها: إلى أي اتجاه أقبلتم (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فإن أطعتم فإن الله سبحانه وتعالى يقبل على من أطاعه، وإن كان توليكم معصية فإن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لمن عصاه، ومن هنا لا يمكن أن يعجزه أحد من خلقه، بل لا يمكن أن يتصرف أي تصرف إلا وهو محيط به، هذا معناها من الناحية العقدية.
لكن اختلف في معناها من الناحية الفقهية، فقالت طائفة من أهل العلم: إنما نزلت هذه الآية في القبلة أول ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقد كان بمكة يصلي قبل الركن اليماني فيستقبل البيت ويستقبل الشام معاً، فلما اتجه إلى المدينة اختلفا عليه، فكان الشام قبل الشمال والبيت جهة الجنوب، فتحير بينهما فأنزل الله تعالى هذه الآية فكان في ذاك تخييراً للقبلة، ثم نسخ هذا بتعيين البيت في قوله: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[البقرة:144].
وقالت طائفة أخرى: بل المقصود بها: قبلة السائر الراكب في النافلة فإنه يصلي إلى أي اتجاه كان، وعلى هذا تكون محكمة غير منسوخة، والإحكام أولى من النسخ، وقد اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة بناء على هذا الخلاف في تفسيرها.
ووجه الله يطلق على ثلاثة معان:
فالإطلاق الأول: بمعنى ذات الله سبحانه وتعالى، أي نفس الله سبحانه وتعالى، فيشمل نفسه وجميع صفاته، وهذا هو المذكور في قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن:26-27] والمقصود: بقاء ذاته سبحانه وتعالى:
والإطلاق الثاني: بمعنى السبيل فوجه الله بمعنى سبيله، والعرب يقولون: جاء فلان من هذا الوجه أو خرج في هذا الوجه أي: في هذا السبيل، وعلى هذا قولك: تصدق فلان لوجه الله، أي: في سبيل الله، وما أخرج لوجه الله معناه: في سبيل الله.
والإطلاق الثالث: بمعنى الصفة المخصوصة وهي المقصودة هنا، فهو إثبات صفة الوجه، وهي من الصفات التي سبق الكلام فيها والإشكال الذي جاء فيها، وذكرنا الحل ذكره ابن القيم والحل الذي ذكره ابن حجر ، فالوجه صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى يجب الإيمان بها، ويجب مع ذلك الإيمان بأن وجهه لا يشبه وجوه المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وتنطبق على هذه الصفة القاعدتان السابقتان: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعض، وأن القول في الصفات كالقول في الذات.
الكلام على الصورة في حق الله عز وجل
أما بالنسبة للصورة فلم يذكرها الشيخ هنا، وقد جاء فيها عدد من الأحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته) وهذا الحديث الراجح فيه أنه ليس من أحاديث الصفات أصلاً، وأن الضمير في قوله: (فإن الله خلق آدم على صورته) يعود على الأخ، أي: صورة أخيك هذا، فإذا كنت تحترم أباك آدم فاعلم أن وجه أخيك هذا قد خلق على صورة وجه آدم، فعظمه واحترمه أن تلطمه وتضربه على وجهه؛ ولهذا فاحترام الوجه مطلوب حتى في حق الكفرة، فإن الله سبحانه وتعالى عندما علم الملائكة القتال، قال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ[الأنفال:12] وهذا يقتضي اتقاء الوجه في الضرب.
والأحاديث الأخرى فيها التصريح بالصورة في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) وفي رواية: (على صورة الرحمن) فاختلف العلماء في معناه:
فقالت طائفة: المقصود بها الصورة التي يرتضيها الله سبحانه وتعالى، فإن أكمل صورة عند الله سبحانه وتعالى هي الصورة التي خلق عليها آدم، وعلى هذا لا تكون الصورة صفة من صفات الله وإنما المقصود بها الاختيار، فصورة الرحمن معناها: الصورة التي هي أفضل الصور عنده وهي التي خلق عليها آدم.
القول الثاني: أن الصورة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، وحينئذٍ تكون من الصفات المشكلات التي يجب الإيمان بها ولا يحل البحث في كيفيتها، وليس معناها أن آدم بينه وبين الله تعالى تشابه، بل المقصود أنه خلق سميعاً بصيراً متكلماً، وهذه صفة الله سبحانه وتعالى فإنه سميع بصير متكلم، وآدم كذلك.
وأما الصورة التي جاءت في حديث يوم القيامة: (أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لعباده المؤمنين في صورة ينكرونها، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لست ربنا، ثم يتجلى لهم في أحسن صورة فيعرفونه فيكشف عن ساقه فيخرون له سجداً)، فالصورة حينئذٍ المقصود بها ما يريهم الله سبحانه وتعالى.
فالصورة الأولى ليست ذات الله سبحانه وتعالى قطعاً؛ لأنهم لم يعرفوه بها.
والصورة الثانية كذلك؛ لأنها بدل عن الأولى، فليس المقصود أن ذلك نظر إلى ذاته سبحانه وتعالى، وأن ذاته يجوز إطلاق الصورة عليها بدلالة هذا الحديث؛ لأن هذا الحديث فيه أنهم يرونه في صورته فيقولون: لست ربنا فيأتيهم في صورة أخرى، فهذا دليل على أنه ليس المقصود بذاته؛ لأنه لا تعروه الحوادث والآفات، ولا يمكن أن يحصل عليه تغير؛ لأن التغير منافٍ للخلود، ولكن المقصود ما يتجلى لهم.
يقول الشيخ:
[أحاط بالناس وأينما يول مستقبل فثم وجه الله جل]
هذه صفة أخرى وهي صفة الإحاطة، وهذه الصفة عبارة عن صفتين:
الصفة الأولى: صفة الإحاطة بمعنى كمال العلم والإدراك، وهذه هي معنى المعية العامة.
والصفة الثانية: بمعنى القهر والجبروت، وهذه الإحاطة التي بمعنى القهر تنقسم إلى قسمين: ناجز ومتأخر.
فالناجز منها: هو أخذ الله الوبيل الذي يأخذ به المكذبين، فأخذه الوبيل الذي يأخذهم به هو من إحاطته بمعنى قهره وجبروته، فهو قهر ناجز.
وأما المتأخر فهو أخذهم يوم القيامة.
ففي قوله تعالى: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ[القمر:43-45] هذا كله من الناجز، ثم قال: بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ[القمر:46] فهذا هو المتأخر، والناجز مقتضٍ للمتأخر، فإذا جاء أخذه الشديد فأهلك قوماً في الدنيا بكفرهم، فذلك متضمن لعذابهم يوم القيامة؛ لأن من مات على الكفر فلابد أن يعذب يوم القيامة؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ[الإسراء:60] والإحاطة في هذه الآية المقصود بها: القهر الناجز؛ لأن ذلك نزل في أصحاب بدر فقد أحاط الله بهم فساقهم إلى حتوفهم، وقدمهم إلى تعجيل العذاب لهم نسأل الله السلامة والعافية، ولهذا أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أماكن مصارعهم، فجعل يضع يده في مكان ويقول: (هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان).
فهذا هو تجلي الإحاطة الناجزة بالعباد: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ)، لكن الناس هنا لها وجهان: فإما أن يكون المقصود بها الناس عموماً، أي جميع الخلائق من البشر، فهذا إحاطة قهر، فهو سبحانه وتعالى غالب على أمر الجميع، وإما أن يكون المقصود بالناس المهلكين منهم بالخصوص، فتكون الآية مثلاً نازلة في أصحاب بدر وتختص بأهل القليب، ويكون هذا من العام المراد به الخصوص.
والعام ثلاثة أقسام: عام باقٍ على عمومه، وعام مخصوص، وعام مراد به الخصوص، والفرق بين العام المخصوص والعام المراد به الخصوص: أن العام المخصوص يأتي أولاً عاماً ثم يخصص بعد ذلك، والعام المراد به الخصوص ينزل أول ما ينزل على أن معناه الخصوص، ولفظ (الناس) يأتي في القرآن على الوجهين، فمن العام الباقي على عمومه قول الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ[الناس:1-3]، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ[البقرة:21] ، قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ[النساء:1] .
ومن العام المراد به الخصوص قوله تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ[البقرة:199] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[آل عمران:173] ، هذا كله من العام المراد به الخصوص.
قوله: (وأينما يول مستقبل فثم وجه الله جل) هذا مأخوذ من آية البقرة، وهو متضمن لصفتين من صفات الله سبحانه وتعالى:
فالصفة الأولى: صفة الإقبال، فالله سبحانه وتعالى يقبل على عبده إذا أطاعه بالعبادة.
والصفة الثانية: إثبات صفة الوجه لله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[البقرة:115] ، فهاتان الجهتان مملوكتان لله سبحانه وتعالى، فليس التوجه إلى إحداهما تعظيماً لتلك الجهة، بل هي مملوكة لله سبحانه وتعالى، وإنما يتوجه الإنسان حيث أمر فقط، فإذا أمره الله بالتوجه إلى أي جهة توجه إليها.
والمشرق معناه مكان شروق الشمس، والمغرب معناه مكان غروبها، وقد جاء في القرآن لفظ المشرق والمغرب بالإفراد كما هنا: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)، وجاء بالتثنية كما في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ[الرحمن:17]، وجاء بالجمع كما في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ[المعارج:40].
ومعنى الإفراد: الجنس أي: جنس المشرق، فيشمل جهات الشروق كلها.
وجنس المغرب في جهة الغروب فيشمل أماكن الغروب كلها، والمقصود بالمشرقين والمغربين: مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ومغرب الشتاء ومغرب الصيف؛ لأنهما الطرفان، وخطوط العرض ثلاثة؛ ولذلك تسمى المشارق والمغارب، فالمشارق باعتبار الخطوط الثلاثة: مدار السرطان وخط الاستواء ومدار الجدي، وعليها أيضاً المغارب فهي ثلاثة، ولذلك قال: (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ومع هذا ذكر الطرفين فقط في قوله: (رب المشرقين ورب المغربين)، فالمشرقان المقصود بهما الطرفان، وجعل ما بينهما وسطاً فهو مندرج فيهما، والوسط إذا اندرج أمكن إسقاطه لذكر الحدين، وكذلك يقال في المغربين.
وقوله: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[البقرة:115] ، معناها: إلى أي اتجاه أقبلتم (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فإن أطعتم فإن الله سبحانه وتعالى يقبل على من أطاعه، وإن كان توليكم معصية فإن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لمن عصاه، ومن هنا لا يمكن أن يعجزه أحد من خلقه، بل لا يمكن أن يتصرف أي تصرف إلا وهو محيط به، هذا معناها من الناحية العقدية.
لكن اختلف في معناها من الناحية الفقهية، فقالت طائفة من أهل العلم: إنما نزلت هذه الآية في القبلة أول ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقد كان بمكة يصلي قبل الركن اليماني فيستقبل البيت ويستقبل الشام معاً، فلما اتجه إلى المدينة اختلفا عليه، فكان الشام قبل الشمال والبيت جهة الجنوب، فتحير بينهما فأنزل الله تعالى هذه الآية فكان في ذاك تخييراً للقبلة، ثم نسخ هذا بتعيين البيت في قوله: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[البقرة:144].
وقالت طائفة أخرى: بل المقصود بها: قبلة السائر الراكب في النافلة فإنه يصلي إلى أي اتجاه كان، وعلى هذا تكون محكمة غير منسوخة، والإحكام أولى من النسخ، وقد اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة بناء على هذا الخلاف في تفسيرها.
ووجه الله يطلق على ثلاثة معان:
فالإطلاق الأول: بمعنى ذات الله سبحانه وتعالى، أي نفس الله سبحانه وتعالى، فيشمل نفسه وجميع صفاته، وهذا هو المذكور في قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن:26-27] والمقصود: بقاء ذاته سبحانه وتعالى:
والإطلاق الثاني: بمعنى السبيل فوجه الله بمعنى سبيله، والعرب يقولون: جاء فلان من هذا الوجه أو خرج في هذا الوجه أي: في هذا السبيل، وعلى هذا قولك: تصدق فلان لوجه الله، أي: في سبيل الله، وما أخرج لوجه الله معناه: في سبيل الله.
والإطلاق الثالث: بمعنى الصفة المخصوصة وهي المقصودة هنا، فهو إثبات صفة الوجه، وهي من الصفات التي سبق الكلام فيها والإشكال الذي جاء فيها، وذكرنا الحل ذكره ابن القيم والحل الذي ذكره ابن حجر ، فالوجه صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى يجب الإيمان بها، ويجب مع ذلك الإيمان بأن وجهه لا يشبه وجوه المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وتنطبق على هذه الصفة القاعدتان السابقتان: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعض، وأن القول في الصفات كالقول في الذات.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة الأسماء والصفات [6] | 3903 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [9] | 3424 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [8] | 3255 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [2] | 3205 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [3] | 2889 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [12] | 2509 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [14] | 2453 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [7] | 2316 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [1] | 1998 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [13] | 1945 استماع |