خطب ومحاضرات
سلسلة الأسماء والصفات [13]
الحلقة مفرغة
قال الشيخ حفظه الله:
[ أسماؤه الحسنى على الصفات دلت فذلت أوجه النفاة ]
أصل اشتقاق الاسم
والاسم مختلف فيه:
فقيل: هو مشتق من السمو؛ لأنه يسمو به مسماه فيرفعه من حالة المجهولية إلى المعلومية فيعرف به.
وقيل: مشتق من السمة؛ لأنه علامة على مسماه، وقد اختلف الكوفيون والبصريون فيه:
فقال البصريون: أصله (سمو) كقنو فحذفت لامه وعرضت الهاء بهمزة الوصل مثل ابن، فإن همزة الوصل التي فيه عوض من اللام وأصله بنو وهكذا.
وقال الكوفيون: أصله (وسم) من السمة التي هي العلامة، ففاء الكلمة هي المحذوفة وعوض منها همزة الوصل.
لكن مذهب البصريين أصح؛ لأننا نقول: أسماء ولا نقول: أوسام، ونقول: سمي ولا نقول: وُسَيم، ونقول: سميت ابني زيداً، ولا نقول: وسمت ابني زيداً ، وهذا الذي يقول فيه أحدهم:
اشتق الاسم من سما البصريُ واشتقه من وسم الكوفـيُ
والمذهب المقدم الجليّ دليله الأسماء والـسـميُّ
ما يطلق من الأسماء على الصفات
والاسم المقصود به: ما يعين مسماه ويعرف به، وهو نوعان: اسم معين لذات مسماه، وهذا هو المسمى بالعَلم، واسم يطلق على مسماه إذا كان معروفاً، وهذا يشمل الضمائر والأوصاف، فكل صفة هي اسم بالمعنى الأخير، فكل صفة من صفات الله اشتق منها اسم يطلق عليها، والاسم هنا بالمعنى الأخير، وليس معناه أنه معين له ولا يطلق على غيره، بل الاسم الذي يطلق عليه ولا يجوز إطلاقه على غيره هو: الله والرحمن فقط، فالله هل تعلم له سمياً؟ لا يمكن أن يسمى بهذا الاسم أحد، والرحمن كذلك؛ ولذلك استعمل هذان الاسمان في القرآن استعمال الأسماء: قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الإسراء:110] .
أما الرحيم: فهو اسم من أسماء الله مشتق من صفة من صفاته، لكنه لا يعين ذاته، بل يمكن أن يوصف به غيره كقول الله تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[التوبة:128] ، والذين يقولون: إن هذه الأسماء إنما تعينه بشرط دخول (أل) عليها، يقولون: (الرحيم) بأل خاصة به، وأما (رحيم) فيمكن أن يوصف بها كل متصف بالرحمة، فهذا مخالف للقياس اللغوي؛ لأن (أل) هنا إنما تكون بحسب موقع الاسم الذي هي فيه، فإذا كان نعتاً لمعرفة حلي بأل، وإذا كان نعتاً لنكرة حذفت منه أل، ومثل ذلك الحليم، فتقول: بشرناه بغلام حليم، والحليم بأل تستعمل إذا كان نعتاً لمعرفة كقول الشاعر:
.................. وقد يستبلد الرجل الحليمُ
فالحليم هنا: نعت رجل، والرجل معرفة فعرفت فيه، كذلك: عليم والعليم وكريم والكريم، إذا كان نعتاً لنكرة حذفت منه أل وإن كان نعتاً لمعرفة أثبتت فيه أل، فلا يعين ذلك الله سبحانه وتعالى، بل يوصف به المخلوق ويسمى به.
ومن هنا اختلف في الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى هل يصح أن يسمى خلقه بأوصافها أم لا؟ فمثلاً: هل يجوز أن نسمي شخصاً: المنتقم، أو المهيمن، أو الجبار، أو المتكبر.. أو نحو ذلك؟
أما المهيمن فقد وصف الله تعالى القرآن بأنه مهيمن: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ[المائدة:48] وهو في لغة أهل اليمن بمعنى الشاهد.
ويذكر: أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي مجلسه ابن عباس فقالت: يا أمير المؤمنين! إن بعلي عبد حقي، وترك الوصيد رهواً، ولي عليه مهيمن، فهل عليه من مسيطر؟ قال: ما فهمت ماذا تقولين، فقال ابن عباس كلمات كلهن في كتاب الله:
بعلي تقصد زوجي: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً[هود:72].
عبد حقي أي: تركه، ومنه قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ[الزخرف:81] أي: التاركين لعبادة ذلك الولد.
وترك الوصيد رهواً، الوصيد الباب: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ[الكهف:18] ، رهواً أي: مفتوحاً: وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ[الدخان:24].
ولي عليه مهيمن أي: شاهد وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[المائدة:48].
فهل لي عليه مسيطر: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ[الغاشية:22] والمسيطر هو الحاكم المجازي.
فإطلاق المهيمن على إنسان وتسمية ولده المهيمن مثلاً أو نحو ذلك، مختلف فيها:
فقال طائفة من أهل العلم: تحل، ولكن لا يجوز التسمية بالله ولا بالرحمن، أما ما دون ذلك من الأسماء فتحل التسمية به، إلا ما كان منها عيباً في المخلوق كالمتكبر والجبار ونحو ذلك فلا يحل التسمية به؛ لأنه من الألقاب التي لا يحل التنابز بها، ولكن يمكن أن يوصف بها من كان متصفاً بتلك الصفة، يقال: فلان متكبر، أو أخرجوا عنا هذا المتكبر أو هذا الجبار.. ونحو ذلك؛ ولهذا يطلق الجبار على جذع النخلة الضخم، ومنه قول الشاعر وهو زياد بن حمل النجدي:
متى أمر على الشقراء معتسـفاً خل النقا بمروح لحمها زيمُ
والوشم قد خرجت منه وقابلها من الثنايا التي لم أقلها ثـرم
فليت شعري عن جنبي مكشحة وحيث يبنى من الحناءة الأطم
عن الأشاءة هل زالت مخارمها وهل تغير من آرامـها إرم
وجنة ما يذم الدهر حاضرها جبارها بالندى والحمل محتزم
(جبارها) أي: جذوع النخل الضخمة.
وأما (الغفور) فلا يمكن أن يوصف به غير الله أصلاً، فلا يسمى به إلا إذا قصد به معنىً آخر وهو أنه من الغفر الذي هو الخفاء والستر، فقد يقال مثلاً: الليل كافر غافر. (كافر) معناه: ساتر لما فيه، (غافر) معناه: مكفٍ له، ومنه اشتقاق الغفر الذي هو منزلة من منازل القمر لاختفائها، والمغفر الذي يغفر الرأس، أي: يستره عن السيول.
مسألة التوقيف في الأسماء الحسنى
وهذه الأسماء العلى قد اختلف فيها مثل الاختلاف السابق في الصفات، هل هي توقيفية أو لا؟ وقد ذكرنا من قبل ثلاثة أقوال في الصفات:
القول الأول: أن الصفات كلها توقيفية.
القول الثاني: أنها كلها جائزة الإطلاق إذا اقتضت كمالاً، فكل صفة تقتضي كمالاً يجوز إطلاقها عليه ولو ولم ترد.
القول الثالث: الاكتفاء بما ورد ولو لم يصرح به، بل يكتفى بالفعل والمصدر ونحو ذلك.
والأسماء أيضاً مختلف فيها:
فقيل: هي توقيفية مطلقاً، وعلى هذا جاء الدعاء: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي)، فهذا فيه: (سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك) أي: مما سميت به نفسك: (أو علمته أحداً من خلقك) أي: مما سميت به نفسك: (أو ستأثرت به في علم الغيب عندك) معناه: بعد أن سميت به نفسك.
وقيل: هي أيضاً مثل الصفات، فكل صفة ثبتت لله يجوز اشتقاق الاسم منها، ولكن هذا القول فيه توسع زائد؛ لأن بعض الصفات -كما ذكرنا- لا يحل تفسيرها، بل تفسيرها تلاوتها.
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[آل عمران:54] مثلاً، هذه في موضع معين مقصود بها المقابلة وشدة الأخذ والأخذ الوبيل.
وقيل بالتفصيل: فالصفات التي ورد بها النص وتقتضي كمالاً ولا توهم نقصاً يجوز اشتقاق الأسماء منها مطلقاً، والصفات التي توهم النقص مطلقاً سواء ورد بها النص أو لم يرد لا يشتق منها الاسم.
أنواع الصفات وحكم اشتقاق الأسماء منها
ونحن ذكرنا أربع صور للصفات؛ لأنها إما أن يرد بها النص أو لا يرد بها، وكل واحدة منهما إما أن توهم النقص أو لا توهمه:
فالنوع الأول: وهو ما ورد به النص مما لا يوهم النقص فهذا يشتق منه الاسم.
النوع الثاني: ما ورد به النص وقد يوهم النقص لدى ضعاف العقول ومن في ذهنه نقص، فهذا لا يشتق منه الاسم.
النوع الثالث: ما لم يرد به النص ولا يوهم النقص فهذا الراجح جواز اشتقاق الأسماء منه كالمحسن والمتفضل والمنعم، فيجوز اشتقاق الأسماء منه وعلى هذا يجوز التعبيد له، يقال: عبد المحسن وعبد المنعم وعبد المتفضل، كعبد المقصود وعبد الموجود ونحو ذلك.
وقالت طائفة من أهل العلم: لا يجوز في كل هذه الأسماء التعبيد، ومثل هذا في الدعاء هل يقال: يا محسن، يا متفضل، يا منعم، يا موجود، يا مقصود، أو لا يقال ذلك في الدعاء؟ هذا محل خلاف على الذي ذكرناه.
عد أسماء الله الحسنى وإحصاؤها
وعموماً فإن أسماء الله سبحانه وتعالى جاءت النصوص بما يدل على كثرتها، ولم يرد لها حصر بعدد محدد، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة).
وقد اختلف العلماء في معنى قوله: (من أحصاها):
فقالت طائفة: من عرف أعدادها بذواتها. وهذا مشكل؛ لأن معناه التعبد بشيء مجهول؛ لأنه لم يرد بيانها في هذا اللفظ، لكن يجاب عن هذا بأن المقصود بها حينئذٍ ما ورد في حديث مداره على الوليد بن مسلم من رواية أبي هريرة وهو عند الترمذي و ابن حبان و الحاكم و ابن خزيمة ولفظه: (الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت -وفي رواية المغيث- الحسيب، الجليل، الكريم، القريب -وفي رواية الرقيب- المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، المتين -وفي رواية المبين- الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفوّ، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور) وفي رواية بدل هذه بإثبات الوكيل والحنان المنان، وإثبات الحنان المنان جاء في صحيح ابن حبان ، وإن كان مالك قد كره الدعاء بقول: يا حنان يا منان، لأنه لم يصح عنده هذا الحديث، وهو في صحيح ابن حبان كما ذكرنا.
والذين يطعنون في اتصال هذا الحديث يزعمون أنه موقوف على أبي هريرة ، أو يزعمون أن الوليد بن مسلم قد يكون دلس فيه، ويجاب قولهم: بالنسبة للوليد بن مسلم المعروف بتدليس التسوية بأنه صرح بالسماع هنا، وأيضاً فإن أبا هريرة حتى لو كان موقوفاً عليه فإن هذا مما لا يعرف بالرأي، وبالأخص أنه أدرجه مع الحديث.
فإذاً: لابد أن يكون لهذا العد للأسماء أصل على اختلاف رواياته، مع أن الوارد في حديث أبي هريرة لو جمعناه لزاد على المائة اسم باختلاف الروايات؛ لأن فيه المتين والمبين، وفيه المغيث والمقيت، وفيه الرقيب والقريب، وفيه البر والوكيل بدلهما الحنان المنان، فعلى هذا فإن معنى الحديث من أحصاها أي: من حفظها وعدها.
وقالت طائفة أخرى من أهل العلم: معنى (من أحصاها) من آمن بها على الإجمال، لكن هذا القول بعيد من الناحية اللغوية؛ لأن لفظ الإحصاء معناه: العد.
اسم الله الأعظم ليس منحصراً في اسم واحد
ولله تعالى أسماء بكل اللغات، فليست أسماؤه محصورة في العربية، وقد سبق البحث في الله هل هو من العربية أو لا؟ وقد دعاه كثير من عباده بكثير من الأسماء فاستجيب لهم، وعلى هذا فالأحاديث الواردة في الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب وإذا سئل به أعطى لا تقتضي انحصار ذلك في اسم واحد، بل قد يكون الاسم الأعظم لدى بني إسرائيل غير الاسم الأعظم في هذه الأمة.
وهذا الاسم لا ينبغي لأحد من هذه الأمة معرفته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع أن يدعو الإنسان به فيستجاب له، لكن لا يتأكد من أنه هو الاسم الأعظم بخصوصه، ويبدو أن الاسم الأعظم يتفاوت بحسب الأشخاص أيضاً كما يتفاوت بحسب الأمور، فيمكن أن يكون الاسم الأعظم في حق شخص معين هو الاسم الفلاني كذا، وشخص آخر يكون الاسم الأعظم في حقه هو الاسم الفلاني؛ وذلك نظراً لتنوع الأمم.
ولا فرق بين أن يكون الاسم الأعظم لدى اليهود هو الاسم الفلاني، والاسم الأعظم لدى هذه الأمة الاسم الفلاني، وبين وجود ذلك في الأفراد؛ لأن الاسمية لا تنسخ، فكونه اسم تسمى به هذا لا ينسخ، لكن يأتي الوعد عليه، والوعد عليه يختلف باختلاف العبادات مثلما ذكرنا من قبل في النزول، فوقت النزول يختلف باختلاف البلدان، ولكن إثبات النزول لله تعالى هو نزول واحد، مع أن الثلث الأخير من الليل يختلف باختلاف البلدان، فلا مانع أن يكون الاسم الأعظم كذلك.
ومع هذا فقد اشتغل عدد من الناس في البحث في الاسم الأعظم ما هو؟ فقالت طائفة: هو (الله)، وقالت طائفة أخرى: هو (ذو الجلال والإكرام)، وقالت طائفة أخرى: هو (القيوم)، وقالت طائفة أخرى: هو (الحي)، وكل هذا أصله أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر بعض الآيات بخصوصها فذكر أنه في آيتين: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة:163] وآية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[البقرة:255] فبعض العلماء بحثوا عما تجمع هاتان الآيتان من الأسماء.
وقد جاء في حديث عائشة أن الاسم الأعظم من الأسماء التي دعت بها، وقد جاء في حديث الأنصاري الذي قال: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت ديان السماوات والأرض، قال له: لقد سأل هذا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أجاب وإذا دعي به أعطى) وهذا يقتضي تنوع الاسم، فالأسماء التي قالتها عائشة غير الأسماء التي دعا بها هذا الأنصاري، فدعاء عائشة : (اللهم إني أدعوك الله وأدعوك الرحمن وأدعوك البر الرحيم).
وعموماً لا ينبغي للإنسان أن يشتغل وأن يتعب نفسه في البحث عن الاسم الأعظم بخصوصه، بل يسأل الله بأي اسم من أسمائه فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180] ، ويقول تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر:60] ، ويقول تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[البقرة:186].
وقد تخبط طوائف من العلماء في البحث عن الاسم الأعظم حتى أدى بهم هذا إلى الخرافة، فبدأت طائفة منهم تبحث في تقطيع الحروف ونحو ذلك، وأهل علم الجدول يرون أن الاسم الأعظم مركب فيعدونه ألفاً (أيقش) وهي الألف التي هي رمز الواحد والياء التي هي رمز عشرة والقاف التي هي رمز مائة والشين التي هي رمز ألف، وبعضهم يعدها بالكتابة بنجمة سليمان وفيه خاتم سليمان، وهو نجم مسدس فيه شعار اليهود، وغير هذا من التخبطات التي لا أصل لها.
كل اسم من أسماء الله الحسنى يدل على صفة أو أكثر من صفاته
(أسماؤه الحسنى على الصفات دلت فذلت أوجه النفاة)
(أسماؤه الحسنى) الحسنى: المتصفة بالحسن، وهذه صفة كاشفة.
والصفات تنقسم إلى قسمين: صفات مميزة وصفات كاشفة.
فالصفات المميزة: معناها التي تميز بعض الموصوف عن بعضه مثل قولك: جاء الصحابة من المهاجرين، أو جاء الصحابة الأنصاريون، أو جاء الصحابة البدريون، فهذه الصفة مميزة؛ لأنها تميز بعضهم عن بعض.
والصفات الكاشفة: مثلما لو قلت: الصحابة الكرام، فالصحابة كلهم كرام، فهذه كاشفة للجميع، وكذلك قولك: القرآن الكريم أو القرآن العظيم، هذه صفة كاشفة لكل القرآن، لكن قولك القرآن المدني أو القرآن المكي هذه صفة مميزة، وأسماء الله كلها حسنى.
(على الصفات دلت) فهذه الأسماء لا يجوز تعطيلها، بل كل اسم يدل على صفة فأكثر، فاسم (الله) يدل على جميع الصفات، وكل اسم اشتق من صفة فإنه يدل على تلك الصفة أيضاً، وقد يقتضي أكثر من صفة، فبعض الصفات يدخل فيها كثير من الصفات الأخرى.
(فذلت أوجه النفاة) يترتب على ذلك ذلة أوجه النفاة؛ لأنهم ألحدوا في أسماء الله فعطلوها عن معانيها، وهذا مأخوذ من قوله: وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً[طه:111] ، أي: في ذلك الوقت، فمن حمل ظلماً وبالأخص إذا كان إلحاداً في أسماء الله وصفاته.
إثبات الأسماء والصفات لابد أن يكون على طريقة السلف الصالح
قال:
[فأثبتوا من نصه ما السلفُ أثبت وانفوا ما نفى ثم قفوا ]
ما يتعلق بالأسماء والصفات يثبت فيه ما جاء عن السلف الصالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم وأتباع أتباعهم من المرضيين الذين شهد لهم الناس بالخيرية وسلوك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيثبت من ذلك ما أثبتوه وينفى منه ما نفوه، ويوقف بعد ذلك على هذا الحد فلا يزاد عليه ولا ينقص منه، وهذا يقتضي التوقيف في الصفات وفي الأسماء، وهو قول لكثير من أهل العلم، لذلك قال:
فأثبتوا من نصه ما السلف أثبت وانفوا ما نفى ثم قفوا
والسلف فَعَلْ بمعنى مفعول، مثل لَقَطْ ونَقَص وقَنَص، فالقَنَص معناه: المقنوص كما قال الشاعر:
يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرم
(شاة ما قنص) معناه: يا شاة قنص.
والسلف: المقصود به ما سلف، وأصل ذلك أن الناس قديماً كانوا إذا ارتحلوا من مكان قدموا المترفين منهم فيركبون أحسن المراكب ويخرجون أمامهم، ويكون من وراءهم تبعاً لهم، فمنهم من يمشي ومنهم من ينتظر رجوع الدواب والمواشي، فالمتقدمون يسمون سلفاً كأنهم أسلفوهم أي: قدموا إليهم قرضاً ليؤخذ منهم فيما بعد، والعصور السابقة من هذه الأمة هي سلف لمن يأتي بعدها.
والمقصود بالسلف الصالح إذا أطلق: الذين زكاهم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، وتزكيته لهم نوعان: تزكية مشروطة، وتزكية مطلقة؛ فالتزكية المشروطة: هي التي في قوله: (يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى محمداً فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً فيقولون: نعم فيفتح لهم)، وهذه مشروطة بالرؤية، فمن عاش في ذلك الوقت ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، أو عاش في عصر التابعين ولم يرى صحابياً، أو عاش في عصر أتباع التابعين ولم يرى تابعياً -وهذا كثيراً ما يحصل- لا يعتبر به، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة الأسماء والصفات [6] | 3903 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [9] | 3424 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [8] | 3255 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [2] | 3205 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [3] | 2889 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [10] | 2670 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [12] | 2508 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [14] | 2453 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [7] | 2316 استماع |
سلسلة الأسماء والصفات [1] | 1997 استماع |