أرشيف المقالات

تعقيبات

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
للأستاذ أنور المعداوي على هامش الأدب والنقد: تحية رائعة كأدبك، طيبة كإنسانيتك، وبعد فلن تبكي وحدك الشاعرة المصرية (ن.
ط.
ع) التي ولدت مع الربيع وماتت مع الورد كما يقول (لامارتين)، ولكنني سأشاركك في الحزن عليها، وأقاسم (الرسالة) فجيعتها بها، فإن من حق الشعر أن يبكي الشعر، وما تعرف أسى الشاعرة إلا شاعرة، وها هي ذي (قمرية تموت) تهدي إلى روح الشاعرة المصرية (ن.
ط.
ع) التي تفتحت كما يتفتح الزهر وعاشت كما تعيش الفراشة ولكنها بركت عبقا وعطرا، وألوانا وأحلاما، فلئن استطاع الموت أن يمحو آثارها من الوجود، فلن يستطيع أن يمحو تذكارها من النفوس. وأعود إلى نفسي فأقول: لقد وددت أن نتلاقى في كتاب مشترك نطلع به على الناس، وما تدري لعل هذه الرسائل التي نتبادلها على صفحات (الرسالة) ستؤلف فاتحة الكتاب، فهي غنية بهذا التجاوب الذي يجعل الرأي يسكن إلى الرأي، والفكرة تخلد إلى الفكرة، فدع الكتاب يؤلف نفسه، ويضم صفحاته، ولكن حذار أن تتهمني بالعصبية الإقليمية، فلئن شغلت هذه العصبية (بعض الخواطر واستقرت في بعض النفوس) فلن تشغل خاطري ولن تستقر في نفسي، فأنا أرى الفن وطنا وأحب أن يتلاقى الناس في هواه، وأمقت (من ينتصف لبيئة بعينها دون غيرها من البيئات ووطن بعينه دون غيره من الأوطان).
ولعل الزمن وحده كفيل أن يكشف عن الطوية ويحسر عن الدخيلة، ويجعل الأعين تتطلع إلى قرارات النفوس، وحسب الأدب أن يعرب عما تكنه الأرواح وتخبئه القلوب. ولقد قرأت تعليقك على رسالتي المنشورة في العدد (898) من الرسالة فسرني أن نتلاقى في وجهات النظر، فإن دل هذا التوافق على شئ فإنما يدل على ائتلاف في الأدب وامتزاج في الطبع واشتراك في التفكير.
ولعل من سعادة النفس الإنسانية أن تظفر في هذه الحياة بمن يرى رأيها ويفكر تفكيرها ويشاركها في كثير من شعورها وعاطفتها، حتى تحس أن بينهما تجاوبا تاما يربطهما ربطا ويؤلفهما تأليفا واحدا. ويسرني أن أعلمك أنى حين فرغت من قراءة القصيدة المحلقة (كيف أدعوك) المنشورة ف العدد (897) من الرسالة والتي أهداها الشاعر الكبير عزيز أباظة باشا إلى الآنسة أمن كلثوم، وسألها في تواضع العظيم وحياء الكبير أن تصنع فيها لحنا بهذا الإهداء الرائع (لقد خلدت الخالدين فتنزلي إلى المغمورين) صحت من أعماق قلبي قائلة: (لا يا أيها الشاعر! ما نرتضي لك أن تتنزل إلى وهدة المغمورين وأنت في سماء الخالدين.
.
إن الشعر الخالد لا يفتقر إلى من يصنع فيه لحناً بعد أن رددته القلوب وغنته الأرواح وأصبح إرث العصور للعصور. وأنشأت قصيدتي (غناء) وأهدينها إلى الشاعر الكبير عزيز أباظة باشا لأدله على هذا الأفق الرحيب الذي يحلق فينا شعره، والمدى البعيد الذي يسري فيه أدبه، وما كدت أفرغ من قصيدتي (غناء) حتى طلعت على الرسالة الأخيرة وفيها قصيدة (عتاب) وقد أهداها ثانية إلى أمن كلثوم، فقلت في نفسي: هذا كثير يا سيدي الشاعر! فإن من حق اللحن الخالد أو يتقرب إلى الشعر الخالد في كثير من التواضع والحياءيخطب وده ويطلب يده ولقد قرأت كلمتك (بين عزيز أباظة وأم كلثوم) وأنت تعقب على قصيدة الشاعر الكبير (كيف أدعوك) وعلى عبارة الإهداء (المضخة بعطر التواضع وإنكار الذات) فسرني أن نتلافى في وجهات النظر وأن ننتهي إلى رأي مشترك هو أن الشعر الخالد يرفع من يغنيه، ولا يستطيع اللحن الخالد أن يرفع شعر الوهاد والسفوح إلى القمم والذروات! بعد هذا أحب ألا يرجأ نشر قصيدتي (قمرية تموت) وأختها (غناء)، لأن من الشعر ما لو نشر في غير حينه لأضاع كثيرا من رونقه وجماله.

ولك التحية والمودة. دمشق - سورية هجران شوقي لقد ولدت مع الربيع حقا وماتت مع الورد.

ولكن حياتها كما قلت، كانت أقباسا من وهج اللوعة، وفنونا من عبقرية الألم، وخريفا لا يعرف طعم الربيع إلا من أفواه الناس! إن روح ناهد تطل عليك من عالمها الآخر يا هجران، وتحفظ لك الوفاء، وتشكر لك هذه العاطفة النبيلة التي أملت عليك أن تذكري أختا لك في الأدب والإنسانية.

ترى هل أدركت عن طريق الإلهام سر هذا الأسى الذي أطفأ نور الشباب في أبانه وأذبل زهر الربيع في ريعانه؟ أنه سر عميق.

كمن بين الجوانح وطويت عليه الضلوع، وقدر له أن يستقر في تلك الحفرة الضيقة التي ينتهي إليها كل حي، ويستريح كل شقي، وتسكن كل حركة ويحدد في زحمة الوجود كل مصير! يا رحمة الله لتلك الروح التي لقيت من دنياها ما لم يلقه الأحياء حسبها في ظلام القبر أن هناك من يذكرها بالقلب والقلم، يذكرها إنسانة وفنانة، وحلما قصيرا داعب أجفان الحيارى ثم صحوا من بعده على وخزات الجراح! ماذا أقول لك يا هجران وقد أثرت بشعرك ونثرك كوامن الشجن؟ أقول لك تلك الكلمة التي قلتها بالأمس: إن الوفاء يا آنستي هو أجمل ما في الحياة.
.
وحسب الشاعرة الراحلة هذه النفحات المعطرة تهب على ذكراها من (قمرية تموت)! أنا معك في أن من الشعر ما لو نشر في غير حينه لأضاع كثيرا من رونقه وجماله.
.
ولهذا يسعدني أن أقدم شعرك إلى الناي، أنت يا أيتها الشاعرة (المجهولة) التي ظلمت فنها حين قضت أن يظل رهين المحبسين: القلب والدار! إلى هذا العدد من الرسالة بقصيدتك الأولى (غناء) وأرجئ قصيدتك الأخرى إلى العدد الذي يليه. أما عن هذا الكتاب المشترك الذي تقولين إن هذه الرسائل تؤلف بدايته فلست أدري أي حظ ينتظر نهايته.
.
إن لدي ثلاثة كتب مهيأة للطبع، ولكن أزمة القراء تصرفني عن التفكير في إخراجها إلى حين؛ إلى أن يقدر الله لهذه الأزمة أن تنجلي ولهذه الغمة أن تزول، ويجد القراء من وقتهم ومالهم وجهدهم ما يعينهم على قراءة الكتب التي تستحق بذل الوقت والجهد والمال! ماذا نفعل إذا كان القارئ العربي قد أصبح قارئ مقالة، يريد أن ينتهي منها وهو يحتسي قدحا من الشاي أو يترقب وصول الترام أو ينتظر قدوم صديق؟ هذا موضوع بحثته في عدد مضى من الرسالة وأحب أن تعودي إليه يا هجران.
.
وأن تحملي التحية الخالصة والشكر العميق إلى الأدبية السورية المطبوعة السيدة وداد سكاكيني، التي تفضلت بزيارتي في وزارة المعارف لتسألني عنك ولتقول لي فيما قالت ونحن نتحدث عن أزمة القراء: لو كنت تعرف منزلتك في الأقطار العربية عامة وفي سورية على الأخص، لما تأخرت في أن تقدم إلى قرائك ما لديك من كتب.
.
لست أدرى إذا كانت كلمات الأدبية السورية من قبيل المجاملة التي يفرضها الخلق الكريم أم من قبيل الحقيقة التي يؤيدها الواقع الذي لا أعلمه! مهما يكن من شئ فحسبنا اليوم أن نلتقي على صفحات الرسالة، لننظر ماذا يكون من أمر الغد القريب. أما عن هذا الباب الذي فتحته من قبل وهبت منه رياح العصبية الإقليمية، فإنه ليسرني أن تطرقيه بهذه الكلمات: (إنني أمقت من ينتصف لبيئة بعينها دون غيرها من البيئات ووطن بعينه دون غيره من الأوطان، لأنني أرى الفن وطنا وأحب أن يتلاقى الناس في هواه).
.
صدقيني إنني أحب أن أسمع هذه الصيحة من كل قارئ وأديب في مصر ولبنان وسورية والعراق، وكل وطن تربطه بالعروبة أواصر وأسباب.
أحب للكتاب والشعراء أن ينظروا إلى أسمائهم وهي مجردة من أثواب الوطن الصغير ليلفها علم واحد هو علم الوطن الكبير.
.
عندئذ تختفي من الأذهان هذه العصبية البغيضة التي تنتصف لعلي محمود طه في مصر لأنه مصري، وتقف إلى جانب أبي ماضي في لبنان! إن كليهما في رأيي ورأي الحق شاعر (عربي).
وهذا هو العنوان الصحيح الذي يجب أن تدرج تحته أسماء أهل الفن هنا وهناك. ولقد لمحت من وراء السطور في رسالتك سر إعجابك بشعر عزيز أباظة، كما لمحت من وراء الأبيات في قصائدك سر عطفك على شعر أنور العطار.
.
ودلتني هاتان اللمحتان على أن شعر يوسف حداد لم يظفر منك بشيء من هذا العطف وذلك الإعجاب لأنه نغمات تنبعت من وتر غير الوتر ورفات تنطلق من جناح غير الجناح! أريد أن أقول إن سر ميلك إلى الشاعرين مصدره أن شعرك يغترف ألفاظه وأخيلته وقوالبه من نفس المنبع الذي يغترفان منه.
.
وهنا مفرق الطريق بين نظرتين تفضل إحداهما شعر يوسف حداد وتفضل الأخرى شعر أباظة والعطار.
ولست أريد من وراء هذه اللفتة العابرة أن أخرج شعر الشاعرين من دائرة الأداء النفسي، كلا! وإنما أريد أن أقول أن الوثبات الشعرية التي تحلق باللفظ والخيال فوق المستوى المألوف في أفق الشعراء، هي التي تدفعني إلى أن أزن قصيدة (الشاعر) ليوسف حداد بنفس الميزان الذي أزن به القصيدة (راقصة الحانة) لعلي محمود طه وقصيدة (الطلاسم) لإيليا أبي ماضي.
.
وهو مستوى من التحليق لم يبلغه بعد شعر عزيز أباظة ولا شعر أنور العطار! إن هناك يا آنستي لونا من الشعر يعجبني ولونا آخر يهزني.

وكلا اللونين يرضى عنهما (الأداء النفسي) ولكنه الرضا الذي تختلف درجاته ومعانيه.
وأرجو ألا يفهم القراء أن حكمي على يوسف حداد هو حكم عام على شاعريته، كلا! أنه حكمي على هذه الشاعرية في حدود هذه القصيدة الوحيدة التي لم أقرأ له غيرها من قبل.
.
وقد تكون (فلتة) من الفلتات التي يصعب أن تتكرر من حين إلى حين. ليس من شك في أن الآنسة هجران ستشم من هذه الكلام رائحة اختلاف في الرأي.
.
لا بأس من أن نختلف في أمر ونأتلف في أمور، وحسبها هذه الأبيات التي قالها شوقي على لسان ابن ذريح. ما الذي أغضب مني الظبيات العامرية ألأني أنا شيعي وليلى أموية؟ اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية! ومعذرة لهذا التحريف اليسير في البيت الأول.
إنه تحريف يقتضيه المقام! مجلة (الأديب) في قفص الاتهام: لقد كان موقفك نبيلا تجاه رسالتي السابقة، لكنك في التعقيب على الدفاع عن مجلة الأديب المنشور في العدد (895) من الرسالة الغراء، غيرت موقفك قليلا.
وأحسب أن الصداقة التي تربطك بصاحب الدفاع هي التي جعلتك تنشر رسالته أو دفاعه الذي يحوي أوضع لاتهامات من غير أن تذكر اسم الكاتب! فهل أرضى ضميرك هذا العمل؟ إن النقد يا سيدي - وبالأخص مثل هذا النقد - لا ينشر من غير الاسم الكامل للكاتب، فكيف تجاهلت هذا؟ إنني ألومك، فأنت يجب أن تتمسك بالحق، دون النظر إلى الأمور الشخصية ودون الاعتبار بظروف الصداقة. على أي حال أرجو أن يتسع صدرك وصدر (تعقيباتك) لردي هذا الذي آمل أن لا يحذف منه شئ.
.
والآن دعني أحدثك بهذه الأسطورة: يحكي أن جماعة من الذئاب عصف بها الجوع فعقدت اجتماعا فيما بينها، وقررت أن تتغذى بكل ذئب أصابه الجرب كي لا ينتشر هذا المرض بين الذئاب.
وكان في تلك الجماعة التي تضم خمسمائة من الذئاب ذئب واحد أصيب بالجرب، ما إن سمع هذا القرار حتى رفع صوته صارخاً (أنا لست أجرب) وما كان من الذئاب الأخرى إلا أن انقضت عليه وافترسته! أنت ترى يا سيدي أن ذلك الذئب لو لم يكن أجرب لما رفع صوته، ولما التفتت الذئاب اليه، ولما افترسته.
.
ومجلة الأديب تشبه في دفاعها عن نفسها دفاع الذئب الأجرب عن نفسه! فالكلمة التي سبق أن بعثت بها إليك قد نشرتها دون أن تذكر اسم المجلة، وجاء فيها أن المجلة تبيع النشر بالمال يجب أن تحارب.
.
فما كان من (الأديب) إلا أن رفعت صوتها - على لسان أحد أصدقائها - تقول إنها لا تبيع النشر بالمال! وغاب عنها أن دفاعها هذا ما هو إلا اعتراف لا يقبل الشك في أنها تبيع النشر بالمال!! وإذا وجدتني أبالغ فيما أقول فدونك أعداد (الأديب)، تصفحها جيدا فستراها إلى جانب قائمة الأنصار تخاطب القارئ في افتتاحياتها بين حين وحين بكلمات مستجدية لا يمكن أن تستعملها مجلة لها كرامتها ولها مركزها الأدبي.
وإذا صح ما يقوله المدافع عن (الأديب) من أن صاحبها (معذور) في الاستجداء السافر، فلماذا إذن الكد والتعب والإرهاق وما فائدة مجلة فاشلة لا تستطيع الاستمرار في الصدور إلا على يد الأنصار؟ أجل، ما نفع مجلة تفرض نفسها فرضا على القارئ في مطلع كل شهر بوجهها الأسود؟! يقول صاحب الدفاع عن (الأديب) المختفى خلف نقاط ثلاث: (فليس صحيحا أن جميع أنصار المجلة تنشر لهم المقالات) عفوا يا أستاذ؛ نسيت أن أستثنى من جميع الأنصار نصيرا واحدا أو نصيرين! أهملت مقالاتهم لأسباب أخرى خاصة، بعيدة جدا عن النزاهة والحق! ويقول عن لسان ألبير أديب: (إن ما ذكره كارنيك عن ذلك القارئ العراقي الذي شكره صاحب الأديب على إرسال الاشتراك الخ.

كذب وافتراء) وأنا أعجب أشد العجب كيف تهور الأستاذ ألبير فنفى ذلك هذا النفي القاطع.
لاشك أنه لا يدري أن بإمكاني نشر تلك الرسالة التي أرسلها بخط يده، كي يطلع عليها القراء ويقفوا على نفسية هذا الرجل الغريب.
والآن ليطمئن الأستاذ إلى أني لا أفعل ذلك، وسأكتفي بهذا التلميح كي لا يتهور ثانية ويتهمني بالكذب والافتراء! وأحب أن تعلم يا سيدي المدافع أنه لو بدت قلة الذوق في كلمتي بأبشع صورها فإن قلة التبصر تبدو بأشنع صفاتها في رسالة ألبير أديب إلى أحد الزملاء حين يقول له: إنه يعاني أزمة في النشر، تجعله يفكر في هجر (الأديب) وهجر لبنان! .

أنت ترى يا سيدي المعداوي أن هذا الكاتب بعد أن يتهمني بقلة الذوق لأني كشفت الستار عن مؤامرة ألبير لا ينكر قولي ولا يكذبه.

ومع ذلك يتهمني بقلة الذوق فهو يقول.
(إن صاحب الأديب قرر مراراً أن يغلق مجلته، وإنه لم يطلب اشتراك الأنصار إلا بناء على اقتراح هؤلاء الأصدقاء).
ومن كلام هذا المختفي خلف النقاط تستطيع أن تلمح آثار الحقيقة التي كشفت عنها الستار، فبأي وجه يلقاني حضرة المدافع المجهول؟ كأنما (الأديب) لم تفعل شيئا غريبا، وكأنها إذ تتوسل وتستعطف وتستجدي لا تخرج عن مقتضيات الصحافة في العصر الحديث.
.
ما هذا الهراء؟ ما هذا الكلام الفارغ؟ متى كانت الصحافة تجارة؟ وفي أي جيل وأي عصر نقد الكاتب أو الشاعر، مبلغا من المال كي ينشر فكرة من الفكر في صحيفة من الصحف!؟ في الوقت الذي كان يجب أن تدفع (الأديب) من عندها للكتاب نراها تأخذ هي من الكتاب، لقاء نشر كتاباتهم.
فهي تريد أن تجعل الأدب ملهاة يستطيع أن يمارسها كل من هب ودب من أصحاب الجيوب المنتفخة! أيها التاريخ سجل منزلة الفكر في هذا الزمن، واذكر مجلة الأديب بحروف من ذهب!! ويعود حضرة المختفي خلف النقاط - بعد أن عجز عن الدفاع عن مجلته - فيخاطبك زاعما أنسبب (افتراءاتي) هو أني أرسلت إلى (الأديب) بعض القصص فأهملت، ثم عدت فأرسلت له من أحد كتبي مائتي نسخة كي (أرشوه).
.
ولا شك أنك صدقت قوله هذا كما صدقه سائر القراء، كما يجب أن يصدقه كل من لا يعرف الحقيقة على وجهها الصحيح، وهي غير ما ذكره حضرة المدافع المجهول.

لا أنكر أنني أرسلت إلى (الأديب) قصة فأهملت نشرها، لا لأنها سخيفة كما وزعم الأستاذ، بل لأنني كنت متفائلا جداً بالأديب فلم أرفق مع قصتي (المعونة) المطلوبة!! ثم جاءني ناشر كتابي ذاك يخبرني أنه أرسل عشرين نسخة من (دموع عذراء) هدية لصاحب الأديب، على سبيل الإعلان، وأنه سوف يرسل إليه مائتي نسخة من ذلك الكتاب.

ولما سألته عن سر ذلك أجابني بأنه قد عزم على أن يقدمها هدية لصديقه ألبير، فلم أتدخل فيما ينوي إذ لا شأن لي في الأمر! دعني أسألك هنا سؤالا واحدا: لو أن قصصي سخيفة وضيعة كما يقول حضرة المدافع المجهول، فهل يعقل أن يتهافت الناس عليها وهل؟ وتسألني: وهل تهافت عليها الناس فأقول لك: بمائتي نسخة من كتاب لم يربح منه؟! وما رأيك في أن قصصي لم ترفض ولم توصف بالسخف إلا بعد ما رأيك في أن قصصي لم رفض ولم توصف بالسخف إلابعد أن اطلع ألبير أديب على كلمتي في (تعقيباتك)؟ أما قبل ذلك فتحت يدي رسالة كتبها ألبير إلى الناشر يطلب إليه الإسراع في إرسال النسخ الباقية التي وعده بها.
.
وحين اطلع على كلمتي بعد ذلك في (التعقيبات) كتب إلى ناشري يقول (أرجو عدم إرسال شيء من كتب كارنيك جورج إذ لا يليق توزيعها بأسم (الأديب) نظر لركاكتها وسخفها، ثم أن صاحبك هذا حقير النفس لا يستحق التشجيع كما طلبت مني، ألم تقرأ ما نشرته له مجلة الرسالة؟ تجد طياً كلمته المذكورة وتعليق الرسالة عليها)! أرأيتيا سيدي كيف شوهت الوقائع وكيف لجأ صاحب الأديب إلى أمثال هذه العبارات الهابطة، لأنه قد عجز عن الدفاع عن نفسه وعن مجلته؟.
.
ألا ما أحقرها من طريقة تلك التي تذكرنا بقصة الذئب الأجرب فيما سبق من حديث!! (البصرة - العراق) كارنيك جورج عملا بحرية النشر وتحقيقاً لرغبة الأديب الفاضل فقد نشرت هذه الرسالة كاملة، ولم أبح لنفسي أن احذف منها غير فقرة واحدة زج فيها بأسمي وكان يمكن أن تدخلني طرفا ثالثا في هذه الخصومة.
.
ويضيق الناطق عن هذا التعقيب في هذا العددان فإلى العدد القادم إن شاء الله. هجوم في جريدة الزمان: أشهد أنني على رأس المعجبين بالأستاذ محمد علي غريب محرر الصفحة الأدبيةفي جريدة الزمان.
.
ومن العجيب حقاً أن يهاجمني الأستاذ الفاضل ثم لا يخفف هذا الهجوم من حدة إعجابي به وتقديري له، في كل مكان يرد فيه ذكره إذا ما تطرق الحديث إلى قيم الأدب والأدباء! وتسألني عن سر هذا الإعجاب فأقول لك: إنه إعجاب بهذه الموهبة الفذة التي أتاحت للأستاذ الفاضل أن يكون أديباً من الأدباء الممتازين! ولئن دلت هذه الموهبة على شيء فإنها تدل أن الذكاء الخارق يستطيع أن يصل بصاحبه إلى المجد الأدبي من اقصر طريق.
.
وهذا هو المثل الأعلى الذي سيشير إليه تاريخ الأدب في يوم من الأيام. صحفي لقي من الفشل في حياته ما يرفض معه الصبر وتتبخر قطرات العزاء، ومع ذلك فقد خلق من الفشل نجاحاً ليس له فيما نعلم نظير.
.
لقد سدت في وجهه أبواب الرزق في عالم الصحافة فتطلع بعين الطموح وعزيمة المقتحم إلى ميدان الأدب.
وحين أدرك بفطنته أن الصحف الأدبية في مصر هي الرسالة والثقافة والمقتطف والكتاب والهلال، لم يفكر في أن يطرق أبوابها لأنه ذكي لماح.
.
ومبلغ العظمة في هذا الذكاء أن صاحبه لا يريد أن يفتضح، لأن المشرفين على هذه الصحف يعرفون اللغة العربية! إلى أي مكان يذهب بقلمه ليصبح أديباً في عداد الأدباء؟ لقد فكر الأستاذ طويلا، ومرة أخرى لم يخنه الذكاء اللماح، إن هذا الذكاء اللماح وحده الذي قاده إلى جريدة الزمان.
.
وهناك أصبح أديبا ممتازا لسبب واحد، هو أن المشرف على هذه الجريدة لا يعرف اللغة العربية.
.
لأنه (الخواجة) إدجار جلاد!! أقسم بالله العظيم إنه ذكي ومحظوظ.
.
ذكي لأنه وجد الخواجة الذي استطاع أن يقنعه بأنه أديب، ومحظوظ لأن هذا (الخواجة) قد اقتنع فأفرد له مكانا يكتب فيه.
.
قد تقول لي إن المسألة لا حظ فيها ولا ذكاء، لأن (الخواجات) بقيم الأدباء أمر يسير.
لا يا سيدي! قد يحدث هذا بالنسبة إلى أدباء آخرين.
.
أما بالنسبة إلى الأستاذ محمد علي غريب فهو مستحيل حتى على الزنوج الأفريقيين!! ومن هنا ينبع إعجابي به.
ولن يقلل من تقديري له أنه أديب لا يعترف به غير الخواجة إدجار جلاد.
.
حسبه أنه يستطيع أن يقنع صاحب الزمان بإخراج كتاب يؤرخ فيه لأدب العربي الحديث.
.
وعندما يكتب (الخواجات) تاريخ الأدب المعاصر، فسيكون للأستاذ محمد علي غريب مكان أي مكان!! أنور المعداوي

شارك الخبر

المرئيات-١