أرشيف المقالات

رحلة الآخرة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
رحلة الآخرة
 
الاحتضار:
قال الله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الواقعة: 83-87].
 
وفي الحديث: إذا حضرت سكرات الموت جاء ملك الموت وجنده فإن كان كافراً جذبوا روحه فتخرج كما ينزع الشوك من الصوف، فيجد في كل جذبة عذاباً.
أما إن كان مؤمناً فتخرج روحه كما تخرج الشعرة من العجين.
 
وتوضع روح الكافر في مسوح ولها رائحة نتنة كلما مُرَّ بها على فئة من الملائكة لعنوها وقبحوا رائحتها.
أما فكلما مروا بها على فئة من الملائكة ترحموا عليها وأثنوا على صاحبها خيراً.
 
الاستقرار في القبر:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتبع المرء ثلاثة يعود اثنان ويبقى واحد معه يتبعه أهله وماله وعمله فيعود الأهل والمال ويبقى معه عمله.
 
ويرسل إليه ملكان يسألانه عن ربه ونبيه ودينه وإمامه، فإن كان مؤمناً أجابهم بلسان فصيح ربي الله ونبي محمد وديني الإسلام وإمامي القرآن.
وإن كان كافراً أو منافقاً، قال ها، ها، لا أدري، كلما سئل عن شيء من ذلك فيضربانه بمرزبة من حديد يسمع صياحه كل شيء حوله إلا الثقلان.
 
فالمؤمن يكون معه عمله يؤانسه ويوسع له في قبره على مد البصر، وتفتح له نافذة إلى الجنة ينظر إلى مقعده منها ويشم روائح الجنة، وأما الكافر فيضيق عليه وتفتح له نافذة إلى النار يرى منها موضعه فيها ويشم الرائحة الكريهة.
ويعرض عليه مقعده من النار غدوًّا وعشيًّا.
 
الإيمان بحياة البرزخ (عذاب القبر ونعيمه):
ثبتت الحياة البرزخية في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 99-104].
وتبدأ حياة البرزخ بعد مفارقة الروح الجسد.
 
ومن الأدلة على الحياة البرزخية ووجود عذاب القبر قوله تعالى ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45-46].
 
ومن السنة النبوية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار».
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..
إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنهما لكبير، أما أحدهما فكان لا يتنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»
.
 
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضغطته ضغطة خالفت بين أضلاعه».
 
وفي الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة».
 
هذا على المستوى الفردي، أما على مستوى البشرية فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعق الأحياء جميعاً كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 13-17].
فإذا وقع الأحياء صرعى ينادي الجبار لمن الملك اليوم، فلا يرد أحد فيرد على نفسه ويقول لله الواحد القهار.
 
ثم تنفخ النفخة الثانية فيبعث من في القبور ويوجهون إلى أرض المحشر:
يقول العزيز الجبار ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 68-69].
 
يحشر الناس حفاة عراة غرلاً كما ولدتهم أمهاتهم، وكل يحمل أعماله على ظهره وكتابه بيمينه، وبشماله من وراء ظهره ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ [عبس: 38-42].
 
• ويحشر الناس جميعاً على صعيد واحد يوزع أولهم على آخرهم، وتدنو الشمس من الرؤوس ويقف الناس في عرقهم فمنهم...
وتوضع الموازين الدقيقة والوحدة القياسية مثقال الذرة.
 
يقول الحكيم العليم: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].
 
﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف: 8-9].
 
وبعد وزن الأعمال وانقضاء الخصومات يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام يجر كل زمام سبعون ألف ملك ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [الفرقان: 12]، ويوضع الصراط على متن جهنم وهو أرفع من الشعرة وأحد من السيف ويؤمر الجميع بمجاوزته، ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم: 68-72].
ويحاول الكفرة التفلت من هذا المصير السيئ، ولكن زبانية جهنم تسوقهم سوقاً إلى جهنم وكلاليب النار وخطاطيفها تحيط بهم وتقذف بهم إلى جهنم ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 71-72].
 
﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 73-74].
 
بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار يؤتى بالموت فيذبح بين الجنة والنار وينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت فيزداد أهل الجنة سعادة وطمأنينة، ويزداد كمد أهل النار وشقاؤهم.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن