سلسلة الأسماء والصفات [3]


الحلقة مفرغة

قال: [من غير ما تكييف أو تمثيل له ولا تحريف أو تأويل]

معنى التكييف

(من غير ما تكييف) (ما) زائدة، والمعنى: من غير تكييف، والتكييف معناه: التماس الكيفيات، لا تقل: كيف؟ والكيف عنه مرفوع كما قال مالك ، لا تبحث عن كيفية الصفة، ولا عن كيفية اتصافه بالصفة، فالكيف يشتمل أمرين هما: كيفية الصفة نفسها، وكيفية اتصافه بالصفة، فمن الصفات مثلاً ما يبحث فيه أصحاب التشبيه عن كيفية الصفة: كالوجه، والعين، واليد ونحو ذلك، ومنها ما يبحث فيه عن كيفية اتصافه بها، وذلك مثل: العلم والإرادة والقدرة والرحمة.

وهذا البحث هو الذي جعل كثيراً من الناس يشبهه بالبشر تعالى الله عن ذلك، وجعل آخرين أيضاً يبحثون عن كيفية اتصافه بالصفات، فيصلون إلى ما يسمى بالمعنويات، وهي الأحوال التي قالوا فيها: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فيقولون مثلاً: نثبت لله الحياة، ونثبت صفة أخرى غير الحياة وهي كونه حياً، ونثبت لله صفةَ العلم، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه عليماً، ونثبت له صفةَ الإرادة، ونثبت له صفةً أخرى هي كونه مريداً، ونثبت له صفةَ القدرة، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه قديراً، ونثبت له صفة السمع، وصفةً أخرى وهي كونه سميعا، وصفة البصر وصفةً أخرى وهي كونه بصيراً، وصفة الكلام وصفةً أخرى وهي كونه متكلماً.

وأول من قال هذا ونشره هو: الفخر الرازي في كتابه: المحصل، وقال: إن هذه الأحوال وهي كونه حياً، عالماً، مريداً، قادراً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، وهي سبع صفات، قال: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فلا هي موجودة ولا هي معدومة؛ لأنها لو كانت معدومةً لما اتصف بها، ولو كانت موجودة لكانت معنىً زائداً على أصل الصفة، فهي من الأمور المعضلة التي ذكرها الفخر الرازي ولا داعي لها أصلاً؛ لأنها من البحث في التكييف.

معنى التمثيل

[أو تمثيل]: كذلك لا تمثل هذه الصفات، فلا يحل تمثيلها بشيء من خلقه، ومحل التمثيل فيها ما كان من نطقها، أما ما كان بالإشارة فلا يسمى تمثيلاً، كمن فسر قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة[الزمر:67] فقبض أصابعه مثلاً، أو قال: (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن) فمد إصبعيه، أو أشار بيده إلى السماء في إثبات صفة العلو فهذا لا يسمى تشبيهاً ولا تمثيلاً، وقد ورد منه في بعض النصوص ما يقتضي ذلك، كذلك وضع اليد على الأنف في حديث: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ونحو ذلك، فهذا لا يسمى تمثيلاً، والإشارة إلى ذلك يقصد بها تفهيم الناس معنى الصفة، ولا يقصد بها تشبيه ذلك بالمخلوق، فالتمثيل معناه: ذكر المثال أو المِثل، فالمثال منفي عن الله قطعاً لأنه لا مثل له، والمثل منه ما هو منفي، ومنه ما هو مثبت، فهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: مثل للتشبيه وهو منفي عنه قطعاً، والثاني: مثَل للتفهيم فقط وهو المذكور في قول الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً[إبراهيم:24] في كثير من الآيات كقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً[الزمر:29] ، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ[النحل:75] ، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ[النحل:76] ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى[النحل:60] فهذا المثل المثبت، أما المثل المنفي فهو الوارد في قوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:74] فمثل التشبيه هو المنفي، ومثل التفهيم مثبت.

وكذلك القول في القياس، فقياس التمثيل ممنوع، وقياس الأولى جائز، وقياس الأولى كأن تضرب مثلاً وتقصد به أنه إذا انتفى هذا المثل عن المخلوق فالله تعالى أولى، وهذا كثير في القرآن، مثل قوله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ[الزخرف:17] أي: فإذا كان المخلوق لا يرضى هذا ولا يحبه لنفسه؛ فكيف يضربه لبارئه وفاطره؟! وهذا المثل: مثل الأولى أو قياس الأولى، مثل ما تقول: أنت تؤمن بأن لك نفساً وأن لك روحاً قطعاً، وبأنها تعرج وتنزل، وبأنها تسمع وتبصر، ولكنك لا تعرف كيفيات ذلك، فإذا كنت تؤمن بروحك التي هي أقرب شيء إليك، وتؤمن بأن لها هذه الصفات، ولا تعرف كيفية اتصافها بذلك، فالله عز وجل أولى بأن تؤمن به وأنت لا تعرف كيفية اتصافه بالصفات، فهذا من باب قياس الأولى فقط، فأنت أثبت لله ذاتاً، وأثبت له سمعاً، وبصراً، وكلاماً، وأثبت لنفسك نفساً روحاً، وأثبت لها سمعاً، وبصراً، وكلاماً هو حديث النفس، لكن لا تعرف كيف تتصف النفس بذلك، وهل للنفس فم أو عين أو أذن؟ لا تعرف شيئاً عن ذلك، وكذلك الروح لا تعرف شيئاً عنها نهائياً، وهي أقرب شيء إليك، فإذا فهمت ذلك فمن باب أولى الكلام في صفات الله عز وجل، وهذا هو قياس الأولى.

ومثله القياس الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية فقال: (إن بعض المخلوقات يشترك مع بعض المخلوقات في الاسم والصفات، لكن ذلك لا يقتضي شبهاً بينهما، فالإنسان له وجه والفيل له وجه، لكن هل وجه الإنسان كوجه الفيل؟! لا، فإذا كان بعض المخلوقات لا يشبه بعضاً مع اشتراكهما في الاسم والصفة، فمن باب أولى الباري سبحانه وتعالى في مخالفته لكل المخلوقات، ومثل هذا قول ابن عباس: ما في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، فالله أثبت أن في الجنة ماءً، وأن فيها خمراً، وأن فيها عسلاً، وأن فيها لبناً، وأن فيها فرشاً وثماراً، وطعاماً، وأزواجاً، ولكن هل هي مثل ما في الدنيا؟ ليست مثلها تماماً، بل لا تشترك معها إلا في الأسماء، فما في الجنة قطعاً مخلوقات، وما في الدنيا مخلوقات، وقد اشتركت في الاسم، ومع ذلك لا تشبهها، فمن باب أولى الخالق عز وجل، فإنه يمكن أن يكون بعض صفاته يشترك في الاسم مع صفات المخلوق، لكن شتان بينهما.

معنى التحريف

(ولا تحريف): أي: لا تحرف هذه النصوص، والمعنى: ولا تنقل عن دلالتها الأصلية، بل تترك على دلالتها، وتحريف النص معناه: وضعه في غير موضعه، كما قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه[النساء:46] .

وأصله تحريف القلم، أي: الميل به عن أن يكون عمودياً، وأن يكون في كتابته أفقياً، فتعطيل إحدى سني القلم عن الأخرى هو تحريف، وتحريف الكلام معناه: نقله وبتره وتحويله من موضعه إلى موضع آخر، فمثلاً الكلام الذي جاء في الثناء على الله من الوجه والعينين واليدين ينقله بعض الناس إلى أن يجعله عيباً ونقصاً، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه، فالله عز وجل أتى به ثناءً على نفسه، فكيف ينقل ويجعل نقصاً وعيباً؟ هذا تحريف واضح.

معنى التأويل

(أو تأويل): أي: لا تؤول هذه الصفات بأي شيء آخر، حتى لو كان ذلك التأويل بصفات ثابتة لله؛ لأن ذلك فيه جراءة عليه، وقول عليه بما لا نعلمه، ولم يأذن لنا بذلك ولم يأتنا به نص.

وسنتعرض لمسألة التأويل في مبحث لاحق إن شاء الله تعالى.

وهنا ترد احتمالات نظمها الشيخ في أبيات ثلاثة حيث يقول:

من أثبت الصفات لله علا على الذي بالخلق لاق مثلا

ومن نفاها كذب النص ولا يبعد من ذلك من تأولا

أما الذي أثبتها على ما يليق بالله فلا يلاما

هذه الاحتمالات العقلية الواردة أربعة:

إما أن تثبتها على ما تعرفه في المخلوق فهذا هو تشبيه التمثيل.

وإما أن تنفيها أصلاً وهذا هو التعطيل.

وإما أن تؤولها وهذا قريب من التعطيل، وليس تعطيلاً لكن قريب منه.

وإما أن تثبتها لله على ما يليق بالله فهذا هو الوجه الصحيح.

(من غير ما تكييف) (ما) زائدة، والمعنى: من غير تكييف، والتكييف معناه: التماس الكيفيات، لا تقل: كيف؟ والكيف عنه مرفوع كما قال مالك ، لا تبحث عن كيفية الصفة، ولا عن كيفية اتصافه بالصفة، فالكيف يشتمل أمرين هما: كيفية الصفة نفسها، وكيفية اتصافه بالصفة، فمن الصفات مثلاً ما يبحث فيه أصحاب التشبيه عن كيفية الصفة: كالوجه، والعين، واليد ونحو ذلك، ومنها ما يبحث فيه عن كيفية اتصافه بها، وذلك مثل: العلم والإرادة والقدرة والرحمة.

وهذا البحث هو الذي جعل كثيراً من الناس يشبهه بالبشر تعالى الله عن ذلك، وجعل آخرين أيضاً يبحثون عن كيفية اتصافه بالصفات، فيصلون إلى ما يسمى بالمعنويات، وهي الأحوال التي قالوا فيها: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فيقولون مثلاً: نثبت لله الحياة، ونثبت صفة أخرى غير الحياة وهي كونه حياً، ونثبت لله صفةَ العلم، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه عليماً، ونثبت له صفةَ الإرادة، ونثبت له صفةً أخرى هي كونه مريداً، ونثبت له صفةَ القدرة، ونثبت له صفةً أخرى وهي كونه قديراً، ونثبت له صفة السمع، وصفةً أخرى وهي كونه سميعا، وصفة البصر وصفةً أخرى وهي كونه بصيراً، وصفة الكلام وصفةً أخرى وهي كونه متكلماً.

وأول من قال هذا ونشره هو: الفخر الرازي في كتابه: المحصل، وقال: إن هذه الأحوال وهي كونه حياً، عالماً، مريداً، قادراً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، وهي سبع صفات، قال: إنها واسطة بين الوجود والعدم، فلا هي موجودة ولا هي معدومة؛ لأنها لو كانت معدومةً لما اتصف بها، ولو كانت موجودة لكانت معنىً زائداً على أصل الصفة، فهي من الأمور المعضلة التي ذكرها الفخر الرازي ولا داعي لها أصلاً؛ لأنها من البحث في التكييف.




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة الأسماء والصفات [6] 3900 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [9] 3421 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [8] 3250 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [2] 3202 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [10] 2645 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [12] 2505 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [14] 2449 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [7] 2315 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [1] 1994 استماع
سلسلة الأسماء والصفات [13] 1942 استماع