مختصر الوقوف بعرفة وبعض ما يتعلق به من أحكام
مدة
قراءة المادة :
15 دقائق
.
مُختصر الوقوف بعرفة وبعض ما يتعلق به من أحكامإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
• أقول وبالله التوفيق:
المُراد بالوقوف بعرفة:
• الوقوف في عرفة: هو وجود الحاج في أي جزء من أرض عرفة في الوقت المُحدد للوقوف فيها على أي حال كان قائمًا أو جالسًا أو نائمًا أو غير ذلك.
مشروعية الوقوف بعرفة:
• الأصل في الوقوف بعرفة الكتاب والسُنة والإجماع.
حُكم الوقوف بعرفة:
• الوقوف بعرفة رُكن من أركان الحج لا يصح حج المُسلم إلا به وذلك بإجماع الأُمة.
وقت الوقوف بعرفة:
• أول وقت للوقوف يبدأ من زوال الشمس يوم عرفة على القول الراجح وينتهي إلى طُلوع فجر يوم النحر باتفاق العُلماء.
واتفق العُلماء على أن الحاج إذا وقف ليلًا فقط فإنه يكفيه وحجه صحيح ولا دم عليه على القول الراجح.
أما إذا وقف نهارًا فإنه يجب عليه على القول الراجح أن يقف إلى غُروب الشمس ثم يدفع منها إلى مُزدلفة لفعله صلى الله عليه وسلم.
القدر الُمجزئ للوقوف بعرفة:
• القدر المُجزئ للوقوف بعرفة هو أن يقف الحاج جُزءًا من الليل قبل الفجر ولو لحظة فإن طلع الفجر قبل وقوفه فاته الحج.
حُكم الوقوف بعرفة قبل الزوال:
• القول الراجح أن وقت ما قبل الزوال يوم عرفة ليس وقتًا للوقوف لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم يُنقل عن أحد أنه وقف قبله.
حُكم الانصراف من عرفة قبل غُروب الشمس:
• القول الراجح أن البقاء بعرفة حتى تغرب الشمس واجب لمن وقف نهارًا ثم يدفع منها إلى مُزدلفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف إلى الغُروب ولم يدفع قبل أن تغرب الشمس ولو كان جائزًا لدفع صلى الله عليه وسلم قبل أن تغرب الشمس لأنه نهار وأيسر للناس حيث لا كهرباء ولا أنوار إلا نور القمر.
وأيضًا وقف الصحابة من بعده إلى الغُروب وهذا دليل ظاهر على أن الأمر مُتقرر بينهم ولم يُذكر عن أحد منهم أنه دفع قبل الغُروب أو أنه رخص في ذلك ولا سيما أنهم قادمون على ليل مُظلم زيادة على ذلك وعورة الطريق فهذه الدلالات وغيرها تُؤكد أو الوقوف بعرفة إلى غُروب الشمس واجب.
وأيضًا إذا دفع الإنسان قبل أن تغرب الشمس فقد خرج عن سُنة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سُنة الجاهلية لأن أهل الجاهلية هم الذين يدفعون من عرفة قبل غُروب الشمس.
ومن فعل ذلك فإن كان مُتعمدًا ترتب على فعله أمران:
الأول: الإثم.
الثاني: تجب عليه فدية يذبحها في مكة ويُوزعها على الفُقراء إذا خرج ولم يرجع فإن عاد ووقف بعد غروب الشمس ولو قليلًا فلا شيء عليه.
أما إذا خرج قبل غُروب الشمس من عرفة وهو جاهل أو كان له عُذر فإنه يسقط عنه الإثم ولا يجب عليه دم على القول الراجح.
لأنه إذا جاز الوقوف ليلًا ولا دم عليه باتفاق العُلماء فلأن يجوز الوقوف نهارًا دون الليل من باب أولى.
وإذا لم يجب الدم على من اقتصر في وقوفه على الليل لم يجب على من اقتصر على النهار دون الليل؟ ولا فرق بين الأمرين.
مكان الوقوف بعرفة:
• مكان الوقوف بعرفة هو المكان المعروف الواقع بين وادي عُرَنة والجبال الشرقية الشاهقة وهي مُحددة بعلامات تُبيِّن حُدودها فعلى الحاج التأكد من ذلك لئلا يقف خارج عرفة فيبطل حجه.
حُكم الوقوف بوادي عُرَنة:
• وادي عُرَنة ( بطن الوادي ): وادٍ بحذاء عرفات وليست من أرض عرفات فمن وقف بعُرنة لم يُجزئه ذلك.
حُكم من فاته الوقوف بعرفة ( الفوات ):
• الفوات: هو ما يفوت به الحج.
من فاته الوقوف بعرفة في الوقت المُحدد حتى طلع الفجر من يوم النحر لأي سبب من الأسباب فإن بذلك يكون قد فاته الحج وعليه التحلل من الإحرام بعُمرة فيطوف ويسعى ويحلق وليس عليه إكمال أعمال الحج المُتبقية من مبيت بمُزدلفة أو منى أو رمي جمار أو غيرها.
وعلى من فاته الوقوف الحج من العام القابل وعليه هدي فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
لكن هنا الحُكم مُقيد بما إذا لم يشترط أثناء إحرامه بقوله ( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) فمتى اشترط في إحرامه فلا يلزمه شيء بل يحل من إحرامه.
وهذا أمر مُجمع عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يُدرك عرفة.
سُنن الوقوف بعرفة:
• للوقوف بعرفة سُنن كثيرة وهي مأخوذة من هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك ومنها:
1- أن يغتسل للوقوف بعرفة.
2- أن يسير إلى عرفة بعد طُلوع الشمس وينزل بنمرة إن تيسر ذلك إلى الزوال.
ونَمِرة: هي موضع بجوار عرفات وليست من عرفات على القول الراجح.
3- أن يخطب الإمام أو نائبه في الناس ويبين لهم أحكام الحج ويتعرض لما يهم المُسلمين في عاجل أمرهم وآجله.
4- الجمع والقصر بين صلاتي الظُهر والعصر بنمرة في وقت الأُولى.
5- التوجه إلى عرفة بعد الصلاة ليكون تواجده بعرفة أطول زمنًا.
6- الفِطر في يوم عرفة ليكون أعون للحاج على الدُعاء.
7- أن يقف مُتطهرًا من الأحداث والأخباث لأنه أكمل في أداء العبادة.
8- أن يقف مُستقبل القِبلة وأن يكون حاضر القلب فارغًا من مشاغل الدنيا ليُواطئ دُعاؤه وتضرعه قلبه فيكون أدعى للإجابة.
9- أن يقف حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات وذلك إن أمكن وأن يكون راكبًا إذا كان أرفق به وأن يبرز للشمس إذا لم يكن في ذلك ضرر عليه ولو في جُزء من الوقت بعد ذهاب حرارة الشمس وأما ما اشتهر بين العوام من الأغنياء بصعود الجبل وتوهمهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه فغلط
10- أن يُكثر من التلبية والدُعاء والاستغفار والذِكر وقراءة القُرآن والالتجاء إلى الله تعالى ويرفع يديه مع الدُعاء.
هكذا ينبغي أن يكون حال الحاج على عرفة تلبية وذكر ودعاء وتضرع وسؤال وابتهال والاستغفار وقراءة القُرآن وحضور قلب وخضوع لله سبحانه فليت شعري أين هذا ممن يقضي يوم عرفة في لهوه ولعبه معرضا عن ربه مُنشغلًا بمحادثة رفاقه فيما لا ينفع...
الخ.
11- أن يدفع من عرفة بعد غُروب الشمس وعليه السكينة والوقار وألا يُؤذي أحدًا في سيره وإفاضته من عرفة إلى مُزدلفة.
12- يجعل الجبل بينه وبين القِبلة إن تيسر وإلا فلا حرج.
13- الإفاضة من عرفة ( النزول ) بعد الغُروب بسكينة أي برفق وطمأنينة لكن إذا وجد أمامه فجوة فإنه يُسرع قليلًا.
أخطاء يقع فيها بعض الحُجاج يوم عرفة:
• من الأخطاء التي يقع بها بعض الحُجاج يوم عرفة ما يلي:
1- صيام الحاج يوم عرفة والسُنة للحاج الفِطر في هذا اليوم حتى يكون أنشط وأقوى على الدُعاء والذِكر.
2- ترك التلبية في أثناء المسير من منى إلى عرفة والانشغال بالقيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة الأذكار.
والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد.
3- عدم مُراعاة حُدود عرفة فيخرج بعض الحُجاج عن حُدودها ويبقون هناك إلى أن تغرب الشمس ثم ينطلقون منه إلى مُزدلفة.
وهو خطأ كبير لأنهم لا يُعتبرون ممن وقف بعرفة ومن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح وهذا أمر خطير.
وقد جُعلت علامات واضحة لحُدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مُفرط مُتهاون فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحُدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.
4- الخُروج من عرفة قبل أن تغرب الشمس حيث أن بعض الناس يخرج من عرفة قبل أن تغرب الشمس فيدفع منها إلى المُزدلفة وهذا خطأ عظيم وفيه مُشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غُروب الشمس ومُخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصُفرة قليلًا.
وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حُدودها حتى تغرب الشمس لأن هذا الوقوف مُؤقت بغُروب الشمس فكما أنه لا يجوز للصائم أن يُفطر قبل غُروب الشمس فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.
5- إضاعة الوقت في غير فائدة حيث أن بعض الناس تجدهم من أول النهار إلى آخر جُزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين:
أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم وهذا خلل في الإحرام.
والآخر: إضاعة الوقت.
أما إن كان الحديث بريئًا لا يشتمل على مُحرم ففيه إضاعة الوقت.
وينبغي على الحاج أن يشتغل بالدُعاء والذِكر وقراءة القُرآن وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذِكر فيتحدث إليهم بأحاديث نافعة من العُلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السُرور عليهم ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سُبحانه وتعالى.
وعليه في آخر ساعات النهار أن يشتغل بالدُعاء ويتجه إلى الله عز وجل مُتضرعًا إليه مُخبتًا مُنيبًا طامعًا في فضله راجيًا لرحمته ويُلح ويُكثر في الدُعاء الوارد في القُرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الدُعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.
6- بعض الناس إذا اشتغلوا بالدُعاء في آخر النهار تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القِبلة تكون خلف ظُهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم وهذا أيضًا جهل وخطأ فإن المشروع في الدُعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مُستقبل القِبلة سواء كان الجبل أمامه أو خلفه أو عن يمينه أو عن شماله وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل لأن موقفه كان خلف الجبل فكان صلى الله عليه وسلم مُستقبل القِبلة وإذا كان الجبل بينه وبين القِبلة فبالضرورة سيكون مُستقبلًا له.
7- بعض الناس يظن أنه لابد أن يذهب إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك فتجدهم يتجشَّمون المصاعب ويركبون المشاق حتى يصلوا إلى ذلك المكان وربما يكونون مُشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعامًا ويضلون في الأرض ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ.
فينبغي على المُسلم أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم بل يفعل ما تيسر له فإن عرفة كلها موقف.
8- بعض الحُجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قُدسية خاصة ولهذا يذهبون إليه ويصعدونه ويتبركون بأحجاره وترابه ويُعلقون على أشجاره قصاصات الخرق وغير ذلك مما هو معروف وهذا من البدع فإنه لا يُشرع صُعود الجبل ولا الصلاة فيه ولا أن تُعلق قصاصات الخرق على أشجاره لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بل فيه شيء من رائحة الوثنية فهذا الجبل ليس له قُدسية بل هو كغيره من الأماكن والسُهول التي في عرفة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف هناك فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إن تيسر له وإلا فليس بواجب ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه.
9- بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومُزدلفة أي: لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنًا أو ما أشبه ذلك لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد وهذا ظن خاطئ فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام وإنما علاقته بالمكان فما كان داخل حُدود الحرم أي: داخل الأميال من الأشجار فهو مُحترم لا يُعضد ولا يُقطع منه ورق ولا أغصان وما كان خارجًا عن حُدود الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان مُحْرِمًا وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به.
أما الأشجار التي غرسها الناس فلا يشملها تحريم قطع الشجرة من أجل الحرم ولكنها قد يحرم قطعها بسبب آخر وهو الاعتداء على حق من غرسها وعلى حق الحُجاج أيضًا إذا كانت إنما غُرست من أجل أن تُلطف الجو ويستظل بها الناس من حر الشمس.
وعلى هذا فالأشجار المغروسة بعرفة لا يجوز قطعها لا من أجل الحرم وإنما لأن قطعها اعتداء على حق المُسلمين عُمومًا.
10- بعض الناس يظن أنه لا بد أن يُصلي الإنسان الظُهر والعصر مع الإمام في المسجد ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد فيحصل عليهم من المشقة والأذى ما يجعل الحج في حقهم حرجًا وضيقًا ويضيق بعضهم على بعض ويُؤذي بعضهم بعضًا.
فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منه وبدون مشقة تلحق الحج بالأُمور المُحرجة فإن ذلك خير وأولى.
أخي الحبيب:
• أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد وأسأله سُبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان والله الموفِّق وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.